الجزء الأول - فتوح أرمينية

فتوح أرمينية

حدثني محمد بن اسماعيل من ساكني برذعة وغيره عن أبي براء عنبسة بن بحر الأرمني، وحدثني محمد بن بشر القالي عن أشياخه وبرمك بن عبد الله الدبيلي ومحمد بن المخبس الخلاطي وغيرهم.

عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية سقت حديثهم ورددت من بعضه على بعض قالوا: كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الرابعة وكانت كوره البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغر وند تدعى أرمينية الثالثة، وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية وكانت السبسجان وأران تدعى أرمينية الأولى.

ويقال: كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة. وكانت قاليقلا وخلاط وارجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة وسراج طير وبغر وند ودبيل والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية وسيسجان وأران وتفليس تدعى أرمينية الأولى. وكانت جرذان وأران في أيدي الخزر، وسائر أرمينية في أيدي الروم يتولاها صاحب أرمينيا قس. وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور. فوجه قباذ بن فيروز الملك قل ئد من عظماء قواده في أثني عشر ألفاً فوطئ بلاد أران وفتح ما بين النهر الذي يعرف بالرس إلى شر وان. ثم إن قباذ لحق به فبنى بأران مدينة البيلقان، ومدينة برذعة وهي مدينة الثغر كله، ومدينة قبلة وهي الخزر. ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب الللان، وبنى على سد اللبن ثلاث مئة وستين مديتة خربت بعد بناء الباب والأبواب. ثم إنه ملك بعد قباذ ابنه أنو شروان كسرى بن قباذ، فبنى الشابران ومدينة مسقط، ثم بنى مدينة الباب والأبواب. وإنما سميت أبواباً لأنها بنيت على طريق في الجبل. وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوماً سماهم السياسيجين. وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية، وهم أمة يزعمون أنهم من بني دودان بن أسد بن خزيمة، وبني الدرذقية وهي اثنا عشر باباً وكل باب منها قصر من حجارة وبنى بأرض جرزان مدينة يقال لها سغدبيل أنزلها قوماً من السغد وأبناء فارس، وجعلها مسلحة وبنى مما يلي الروم في بلاد جرزان قصراً يقال له باب فيروز قباذ وقصراً يقال له باب لاذقة، وقصراً يقال له باب بارقة، وهو على بحر طرابز نده، وبنى باب الآن وباب سمسخى، وبنى قلعة الجردمان، وقلعة شمشلدى. وفتح أبو شروان جميع ما كان في أيدي الروم من أرمينية، وعمر مدينة دبيل وحصنها، وبنى مدينة النشوى، وهي مدينة كوره البسفرجان، وبنى حصن ويص، وقلاعاً بأرض السيسجان منها قلعة الكلاب، وساهيونس، وأسكن هذه الحصون والقلاع ذوى البأس والنجدة في سياسيجية. ثم إن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله ألموا دعة والصلح وأن يكون أمرهما واحداً، وخطب إليه ابنته ليؤنسه، وذكر أنها ابنته. فهدى التركي ابنته إليه. ثم قدم عليه فالتقيا بالبرشلية وتنادما أياماً وأنس كل واحدٍ منهما بصاحبه، وأظهر بره، وأمر أنوشروان جماعةً من خاصته وثقاته أن يبيتوا طرفاً من عسكر التركي ويحرقوا فيه، ففعلوا. فلما أصبح شكا ذلك إلى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحداً من أصحابه فعله. ولما مضت لذلك ليالٍ أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الذي كان منهم، ففعلوا. فضج التركي من فعلهم حتى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن. ثم إن أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قد اتخذت من حشيش وعيدان، فلما أصبح ضج أنوشروان إلى التركي وقال: كاد أصحابك يذهبون بعسكري، وقد كان فأتني بالظنة. فحلف أنه لم يعلم لشيء مما كان سبباً. فقال أنوشروان: يا أخي! جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل في الغارات والحروب التي كانت تكون بيننا ولا آمن أن يحدثوا أحداثاً تفسد قلوبنا بعد صافينا وتخالصنا حتى نعود إلى العداوة بعد الصهر والمودة، والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك ونجعل عليه باباً فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا. فأجابه إلى ذلك. فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط، فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلاث مئة ذراع، وألحقه برؤوس الجبال، وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وبتغريقها في البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال. فلما فرغ من بنائه علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان موضعه يحتاج إلى خمسين ألفاً من الجند، وجعل عليه دبابة، فقيل لخاقان بعد ذلك: إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك. فلم يقدر على حيلة.

وملك أنوشروان ملوكاً رتبهم، وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية. فمنهم خاقان الجبل وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك فيلان وهو قيلا نشاه، ومنهم طبرسرانشاه، وملك اللكز ويدعى جرشا نشاه، وملك مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى شروانشاه، وملك صاحب بخ على بخ، وصاحب زريكران عليها، وأقر ملوك جبل القيق على ممالكهم وصالحهم على الإتاوة. فلم تزل أرمينية في أيدي الفرس حتى ظهر الإسلام، فرفض كثير من السياسيجين حصونهم ومدائنهم حتى خربت، وغلب الخزر والروم على ما كان في أيديهم بدياً. قالوا: وقد كانت أمور الروم تشتتت في بعض الأزمنة وصاروا كملوك الطوائف. فملك أرمنياقس رجلٌ منهم، ثم مات فملكتها بعده امرأته، وكانت تسمى قالى. فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله، ومعنى ذلك إحسان قالى. قال: وصورت على باب من أبوابها، فأعربت العرب قاليقاله فقالوا: قاليقلا.

قالوا: ولما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى معاوية، وهو عامله على الشام والجزيرة وثغورها، يأمره أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهري إلى أرمينية. وكان حبيب ذا أثرٍ جميلٍ في فتوح الشام وغزو الروم، قد علم ذلك منه عمر ثم عثمان رضي الله عنهما ثم من بعده. ويقال بل كتب عثمان إلى حبيب يأمره بغزو أرمينية، وذلك أثبت. فنهض إليها في ستة آلاف، ويقال في ثمانية آلاف من أهل الشام والجزيرة. فأتى قاليقلا فأناخ عليها وخرج اليه أهلها فقاتلهم ثم ألجأهم إلى المدينة، فطلبوا الأمان على الجلاء والجزية، فجلا كثير منهم فلحقوا ببلاد الروم. وأقام حبيب بها فيمن معه أشهراً. ثم بلغه أن بطريق أرمنياقس قد جمع للمسلمين جمعاً عظيماً وانضمت اليه إمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر من الخزر فكتب إلى عثمان يسأله المدد، فكتب إلى معاوية يسأله أن يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوماً ممن يرغب في الجهاد والغنيمة. فبعث إليه معاوية ألفى رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم بها القطائع وجعلهم مرابطة بها. ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بن أمية، وهو عامله على الكوفة، يأمره بإمداده بجيش عليه سليمان ابن ربيعه الباهلي وهو سلمان الخيل. وكان خيراً فاضلاً غزاء. فسار سلمان الخيل اليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا على الفرات، وقد أبطأ على حبيب المدد، فبتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم.

وقالت أم عبد الله بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له: أين موعدك؟ قال: سرادق الطاغية أو الجنة، فلما انتهى إلى السرادق وجدها عنده.

قالوا: ثم إن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم فطلب أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم ففي الغنيمة فلم يفعلوا، حتى تغالظ حبيب وسلمان في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل. قال الشاعر:

إن تقتلوا سلمان نقتل حبـيبـكـم

 

وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل

وكتبا إلى عثمان بذلك فكتب: إن الغنيمة باردة لأهل الشام. وكتب إلي سلمان يأمره بغزو أران.

وقد روى بعضهم أن سلمان بن ربيعة توجه إلى أرمينية في خلافة عثمان فسبى وغنم وانصرف الى الوليد بن عقبة وهو بحديثه الموصل سنة خمس وعشرين. فأتاه كتاب عثمان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قد اجلبوا على المسلمين بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل فوجه بهم وعليهم سلمان بن ربيعة الباهلي ووجه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري معه في مثل تلك العدة، فافتتحا حصوناً وأصابا سبياً وتنازعا الأمارة وهم أهل الشام بسلمان فقال الشاعر: إن تقتلوا، البيت .

والخبر الأول أثبت حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا، وكتب إلى به العطاف بن سفيان أبو الأصبغ قاضيها.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد ببن جعفر.

عن أبيه قال: حاصر حبيب بن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها. فلقيه الموريان الرومي فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره، ثم قدم سلمان عليه. والثبت عندهم أنه لقيه بقاليقلا.

وحدثني محمد بن بشر وابن ورز المالبان. عن مشايخ أهل قاليقلا قالوا: ام تزل مدينة قاليقلا منذ فتحت ممتنعة بمن فيها من أهلها حتى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فحصر أهل ملطية وهدم حائطها وأجلى من بها من المسلمين إلى الجزيرة. ثم نزل مرج الحصى فوجه كوسان الأرمني حتى أناخ على قاليقلا فحصرها وأهلها يومئذ قليل وعاملها أبو كريمة. فنقب أخوان من الأرمن من أهل المدينة قاليقلا ردماً كان في سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها وسبى وهدمها وساق ما حوى إلى الطاغية وفرق السبي على أصحابه. وقال الواقدي: لما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة فادى المنصور بمن كان حياً من أسارى أهل قاليقلا، وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به إليها وندب إليها جنداً من أهل الجزيرة وغيرهم. وقد كان طاغية الروم خرج إلى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حتى كاد يسقط، فأنفق المعتصم عليها خمس مئة ألف درهم حتى حصنت.

قالوا: ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حتى نزل مر بالا، فأتاه بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم. وكان عياض قد أمنه على نفسه وماله وبلاده وقاطعه على إتاوة، فانفذه حبيب له، ثم نزل منزلاً بين الهرك ودشت الورك، فأتاه بطريق خلاط بما عليه من المال، وأهدى له هدية لم يقبلها منه، ونزل خلاط ثم سار منها إلى الصسانة "كذا" فلقيه بها صاحب مكس، وهي ناحية من نواحي البسفرجان، فقاطعه على بلاده ووجه معه رجلاً وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس من غلب عليها وجبى جزية رؤوس أهلها، وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها، فأما بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولى محمد بن مروان بن الحكم الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه، فكان يستغلها. ثم صارت لمروان بن محمد فقبضت عنه.

قال: ثم سار حبيب وأتى أزد ساط، وهي قرية القرمز، وأجاز نهر الأكراد ونزل مرج دبيل، فسرت الخيول إليها، ثم زحف حتى نزل على بابها فتحصن أهلها ورموه، فوضع عليها منجنيقاً ورماهم، حتى طلبوا الأمان والصلح فأعطاهم إياه، وجالت خيوله فنزلت جرنى وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل كونته؟ ووادي الأحرار، وغلبت على جميع قرى دبيل، ووجه إلى سراج طير وبغر وند فأتاه بطريقها فصالحه عنها على اتاوه يؤديها، وعلى مناصحة المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم. وكان كتاب صلح دبيل: "بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لنصارى أهل دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم. إني أمنتكم على أنفسكم وأموالكم وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون، وعلينا الوفاء لكم بالعهد ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج، شهد الله وكفى بالله شهيدا. وختم حبيب ابن مسلمة".

ثم أتى حبيب النشوى فتحها على مثل صلح دبيل، وقدم عليه بطريق البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده، وأرضى هصالمة "كذا" وافارستة "كذا" على خرج يؤديه في كل سنة، ثم أتى السيسجان فحاربهم أهلها، فهزمهم وغلب على ويص، وصالح أهل القلاع بالسيسجان على خرج يؤدونه، ثم سار إلى جرزان.

حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بن عبد الله قالوا: سار حبيب بن مسلمة بمن معه يريد جرزان. فلما انتهوا إلى ذات اللجم سرحوا بعض دوابهم وجمعوا لجمها. فخرج عليهم قوم من العلوج فأعجلوهم عن الإلجام فقاتلوهم، فكشفهم العلوج وأخذوا تلك اللجم وما قدروا عليه من الدواب. ثم إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم، فسمى الموضع ذات اللجم. قالوا: وأتى حبيباً رسول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها، فأدى إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم، فكتب حبيب إليهم: "أما بعد فإن نقلى رسولكم قدم على وعلى الذين معي من المؤمنين فذكر عنكم. إنا أمة أكرمنا الله وفضلنا، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيراً وصلى الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام. وذكرتم أنكم أحببتم سلمنا، وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم، وكتبت لكم أماناً واشترطت فيه شرطاً، فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والسلام على من اتبع الهدى".

ثم ورد تفليس وكتب لأهلها صلحاً: "بسم الله الرحمن الرحيم  هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان القرمز بالأمان على أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم، على إقرار بالصغار والجزية، على كل أهل بيت الدار، وليس لكم أن تجمعوا بين أهل البيوتات تخفيفاً للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثاراً منها، ولنا نصيحتكم وضلعكم على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعتم، وقرى المسلم المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل الكتاب لنا، وإن انقطع برجل من المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إلى أدنى فئة من المؤمنين إلا أن يحال دونهم، وإن أبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين، وإلا فالجزية عليكم، وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك، ولا هو ناقص عهدكم. هذا لكم وهذا عليكم. شهد الله وملائكته وكفى بالله شهيدا".

وكتب الجراح بن عبد الله الحكمى لأهل تفليس كتاباً نسخته: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الجراح بن عبد الله لأهل تفليس من رستاق منجليس من كوره جرزان. انه أتوني بكتاب أمان لهم من حبيب بن مسلمة على الإقرار بصغار الجزية، وأنه صالحهم عن أرضين لهم وكرومٍ وأرحاء يقال لها أوارى وسابينا من رستاق منجليس، وعن طعام، ود يدونا من رستاق قحويط من كوره جرزان، على أن يؤدوا عن هذه الأرحاء والكروم في كل سنة مئة درهم بلا ثانية. فأنفت لهم أماتهم وصلحهم وأمرت ألا يزاد عليهم، فمن قرى عليه كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء الله وكنب".

قالوا: وفتح حبيب حوا رح وكسفر مس "كذا" وكسال وحنان وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت، صلحاً على حقن دماء أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم، وعلى أن يؤدوا إتاوة عن أرضهم ورؤوسهم. وصالح أهل قلرجيت وأهل ثريا ليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال وباب اللال ، وصالح الصنارية والد ودانية على إتاوة.

قالوا: وسار سلمان بن ربيعة الباهلي حين أمره عثمان بالمسير إلى أران ففتح مدينة البيلقان صلحاً على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان مدينتهم، واشترط عليهم أداء الجزية والحراج. ثم أتى سلمان برذعة فعسكر على الثر ثور، وهو نهر منها على أقل من فرسخ، فأغلق أهلها دونه أبوابهم، فعاناها أياماً وشن الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على مثل صلح البيلقان، وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها. ووجه خيله ففتحت شفشين والمسفوان وأوذ والمصربان "كذا" والهرحليان وتبار وهي رسانيق، وفتح غيرها من اران، ودعا أكراد البلاسجان إلى الإسلام فقاتلوه، فظفر بهم فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل.

وحدثني جماعة من أهل برذاعة قالوا: كانت شمكور مدينة قديمة، فوجه سلمان بن ربيعة الباهلي من فتحها. فلم تزل مسكونة معمورة حتى أخربها السار ودية، وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية، فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم. ثم إن بغا مولى المعتصم بالله رحمه عمرها في سنة أربعين ومائتين وهو والي أرمينية وأذربيجان وشمشاط، وأسكنها قوماً خرجوا إليه من الخزر مستأمنين لرغبتهم في الإسلام، ونقل إليها التجار من برذغة وسماها المتوكلة.

قالوا: وسار سلمان إلى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر الكر ففتح قبلة، وصالحه صاحب شكن والقميبران على إتاوة. وصالحه أهل خيزان وملك شر وان وسائر ملوك الجبال، وأهل مسقط والشابران ومدينة الباب. ثم أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر البلنجر فقتل رحمه الله في أربعة آلاف من المسلمين، فكان يسمع في مأزقهم التكبير. وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى بالكوفة، أقام أربعين يوماً لا يأتيه خصم، وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي سلمان وقتيبة بن مسلم يقول ابن جمانة الباهلي:

وإن لنا قبرين قبر بـلـنـجـرٍ

 

وقبرٌ بصين استان يالك من قبر

فذاك الذي بالصين عمت فتوحه

 

وهذا الذي يسقى به سبل القطر

وكان مع سلمان بيلنجر قرظة بن كعب الأنصاري، وهو جاء بنعيه إلى عثمان. قالوا: ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إلى عثمان بن عفان، فوافاه كتابه وقد نعى إليه سلمان، فهم أن يوليه جميع أرمينية، ثم رأى أن يجعله غازياً بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك، فولى ثغر أرمينية حذيفة من اليمان العيسى. فشخص إلى برذغة ووجه عماله على ما بينها وبين قاليقلا وإلى جيزان، فورد عليه كتاب عثمان يأمره بانصراف وتخليف صلة بن زفر العبسي، وكان معه. فخلفه وسار حبيب راجعاً إلى الشام. وكان يغزو الروم. ونزل حمص فنقله معاوية إلى دمشق فتوفى بها سنة اثنتين وأربعين وهو ابن خمس وثلاثين سنة. وكان معاوية وجه حبيباً في جيش لنصرة عثمان حين حوصر، فلما انتهى إلى وادي القرى بلغه مقتل عثمان فرجع.

قالوا: وولى عثمان المغيرة بن شعبة أذربيجان وأرمينية، ثم عزله وولى القاسم بن ربيعه بن أمية بن أبي الصلت الثقفى أرمينية، ويقال ولاها عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي. وبعضهم يقول: وليها رجل من بني كلاب بعد المغيرة خمسة عشر سنة، ثم وليها العقيلى. وولى الشعث بن قيس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أرمينية وأذربيجان، ثم وليها عبد الله بن حاتم بن النعمان أخوه، فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها، وبنى مدينة النشوى، ورم مدينة برذعة، ويقال إنه جدد بناءها، وأحكم حفر الفارقين حولها، وجدد بناء مدينة البيلقان، وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة. ويقال إن الذي جدد بناء برذعة محمد بن مروان في أيام عبد الملك بن مروان، وقال الواقدي: بنى عبد الملك مدينة برذغة على يد حاتم بن النعمان الباهلي أو ابنه، وقد كان عبد الملك ولى عثمان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط أرمينية.

قالوا: ولما كانت فتنة ابن الزبير انتقضت أرمينية وخالف أحرارها وأتباعهم. فلما ولي محمد بن مروان من قبل أخيه عبد الملك أرمينيا حاربهم، فظفر بهم فقتل وسبى وغل على البلاد. ثم وعد من بقي منهم أن يعرض لهم في الشرف، فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط، فاغلقها عليهم، ووكل بأبوابها ثم حرقهم. وفي تلك الغزاة سبيت أم يزيد بن أسيد من السيسجان وكانت بنت بطريقها.

قالوا: وولى سليمان بن عبد الملك أرمينيا عدي بن عميرة الكندي. وكان عدي بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقاً لعلي بن أبي طالب، ثم ولاه أياها عمر بن عبد العزيز، وه صاحب نهر عدي بالبيلقان.

وروى بعضهم أن عامل عمر كان حاتم بن النعمان وليس ذلك يثبت .

ثم ولى يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهراني ثم عزله وولى الحارث بن عمر الطائي. فغزا أهل اللكز ففتح رستاق وحسمدان. وولى الجراح ابن عبد الله الحكمي من مذحج أرمينيا فنزل برزعة فرفع إليه اختلاف مكايلها وموازينها، فأقامها على العدل والوفاء، واتخذ مكيالاً يدعى الجراحي، فأهلها يتعاملون به إلى اليوم. ثم إنه عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف بالسمور، وصار الى الخزر فقتل منهم مقتل عظيماً، وقاتل أهل بلاد حمزين ثم صالحهم على أن نقلهم إلى رستاق جيزالا، وجعل لهم قريتين منه وأوقع بأهل غوميك وسبى منهم، ثم قفل فنزل شكى وشتى جنه ببرزعة والبيلقان. وجاشت الخزر وعبرت الرس، فحاربهم في صحراء ورثان، ثم انحازوا الى ناحية اردبيل قواقعهم على أربعة فراسخ مما يلي أرمينيا، فاقتتلوا ثلاثة أيام، فاستشهد ومن معه، فسمي ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عليه الى الجراح أيضاً. ثم إن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة بن عبد الملك أرمينيا، ووجه على مقدمته سعيد بن عمر بن أسود الجرشي ومعه إسحاق بن مسلم العقيلي واخوته، وجعونة ابن الحارث بن خالد أحد بني عامر بن ربيعة بن صعصعة، وزفافة وخالد ابنا عمير بن الحباب السلمي، والفرات بن سلمان الباهلي والوليد بن القعقاع العبسي. فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان فكشفهم عنها وهزمهم. فأتوا ميمذ من عمل أذربيجان فلما تهيئة لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بن عبد الملك يلومه على قتاله الخزر قبل قدومه ويعلمه أن قد ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلي. فلما سلم العسكر أخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلي برذعة فحبس في سجنها وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام فكتب إليه:

اتتركهم بميمذ قد تراهم

 

وتطلبهم بمنقطع التراب

وأمر بإخراج الجرشي من السجن. قالوا: وصالح مسلمة أهل جيزان وأمر بحصنها فهدم واتخذ لنفيه به ضياعاً، وهي اليوم تعرف بحوز جيزان. وسألمه ملوك الجبال فصار إليه شروان شاه وليران شاه وطبرسران شاه وفيلان شاه وجرشان شاه، وصار إليه صاحب مسقط. وصمد لمدينة الباب ففتحها وكان في قلعتها ألف بيت من الخزر، فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك. فعمد الى العين التي كان أنو شروان أجرى منها الماء إلى صهريج هم فذبح البقر والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيث فلم يمكث ماؤهم الا لليلة حتى دود وانتن وفسد. فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة. وأسكن مسلمة بن عبد الملك مدينة الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفاً من أهل الشام على العطاء فأهل الباب اليوم لا يدعون عامل يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم. وبنى هرياً للطعام وهرياً للشعير وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها وكان محمد بن مروان مع مسلمة، وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالاً شديداً. ثم ولى هشام بعد مسلمة سعيد الجرشي فأقام بالثغر سنتين ثم ولى الثغر مروان بن محمد فنزل كسال وهو بنى مدينتها وهي من برذعة على أربعين فرسخاً، ومن تفليس على عشرين فرسخاً. ثم دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان وأدخلها أسيد بن زافر السلمي أبا يزيد ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب وألا بواب . فأغار مروان على صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف أهل بيت، فأسكنهم خاخيط . ثم إنهم قتلوا أميرهم فلحقهم وقتلهم.

قالوا: ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطىء به مروان بلاده من الرجال، وما هم عليه من عدتهم وقوتهم نخب ذلك قبله وملأه رعباً. فلما دنا منه أرسل إليه رسولاً يدعوه إلى الإسلام أو الحرب فقال: قد قبلت الإسلام فأرسل إلى من يعرضه علي. ففعل فأطهر الإسلام ووادع مروان على أن أقره في مملكته. وسار مروان معه بخلق من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران في سهل أرض اللكز. ثم إن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح قلاعاً فيها ودان له ملك السرير وأطاعه فصالحه على ألف رأس: خمس مئة غلام وخمس مئة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار كل سنة. وعلى مئة ألف مدى تصب في أهراء الباب، وأخذ منه الرهنة. وصالح مروان أهل تومان على مائة رأس: خمسين جارية وخمسين غلام خماسيين سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار، وعشرين ألف مدى للأهراء في كل سنة. ثم دخل أرض زريكران، فصالحه ملكها على خمسين رأساً وعشرة آلاف مدى للأهراء في كل سنة. ثم أتى أرض حمزين، فأبى حمزين أن يصالحه، فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهراً، فاحرق وأخرب، وكان صلحه إياه على خمس مئة رأس يؤدونها دفعة واحدة، ثم لايكون عليه سبيل، وعلى أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى أهراء الباب في كل سنة. ثم أتى سندان فافتتحا صلحاً على مئة رأسٍ يعطيه إياها صاحبها دفعة، ثم لا يكون عليه سبيل فيما يستقبل، وعلى أن يحمل في كل سنة إلى أهراء الباب خمسة آلاف مدى. ووظف على أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل إلى أهراء الباب. ولم يوظف على فيلانشاه شيئاً، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه وإحماده أمره. ثم نزل مروان على قلعة الكر وقد امتنع من أداء شيء من الوظيفة. وخرج يريد صاحب الخزر فقتله راعٍ بسهم رماه به وهو لا يعرفه. فصالح أهل اللكز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الأهراء، وولى عليهم خشرماً السلمى. وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان، وهي تدعى خرش، وهي على البحر، فأذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل. وألزمهم عشرة آلاف مدى في كل سنة. وجعل على صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون بغزو الخزر، وفي الساقة إذا بدءوا، وفي المقدمة إذا انصرفوا. وسار مروان إلى الدودانية فأوقع بهم. ثم جاءه قتل الوليد بن يزيد، وخالف عليه ثابت بن نعيم الجذامى، وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك الخارجي فوافقه على رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان. وأتى أردبيلٍ مستخفياً فخرج معه قوم من الشراة منها، وأتوا باجروان فوجدوا بها قوماً يرون رأيهم فانضموا إليهم، فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا على مثل رأيهم، وعبروا إلى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا على مثل رأيهم. ثم نزل يونان "كذا" وولى مروان بن محمد إسحاق بن مسلم أرمينية، فلم يزل يقاتل مسافراً وكان في قلعة الكلاب بالسيسجان.

ثم لما جاءت الدولة المباركة وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية في خلافة السفاح أبي العباس رحمه الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائداً من أهل خرا سان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافراً. وكان أهل البيلقان متحصنين في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقاني فاستنزلوا بأمان.

ولما استخلف المنصور رحمه الله ولى يزيد أسيد السلمى أرمينية، ففتح باب اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان، ودوخ الصناربة حتى أدوا الخراج. فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل. وولدت له ابنته منه ابناً فمات وماتت في نفاسها. وبعث يزيد إلى نفاطة أرض شروان وملاحاتها فجباها، ووكل بها. وبنى يزيد أرجيل الصغرى ومدينة أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين.

حدثني محمد بن إسماعيل، عن جماعة من مشايخ أهل برذعة قالوا. الشماخية التي في عمل شروان نسبت إلى الشماخ بن شجاع، فكان ملك شروان في ولاية سعيد بن سالم الباهلي أرمينية.

وحدثني محمد بن إسماعيل، عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الحسن بن قحطبة الطائي بعد عزل ابن أسيد وبكار بن مسلم العقبلى. وكان رئيسهم موشائيل الأرميني. فبعث إليه المنصور رحمه الله الإمداد وعليهم عامر بن إسماعيل. فواقع الحسن موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور. وهو الذي نسب إليه نهر الحسن بالبيلقان، والباغ إلى يعرف بباغ الحسن ببرذعة، والضياع المعروفة بالحسنية. وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم، ثم روح ابن حاتم المهلبي، ثم خزيمة بن خازم، ثم يزيد بن مزيد الشيباني، ثم عبيد الله ابن المهدي، ثم الفضل بن يحيى، ثم سعيد بن سالم، ثم محمد بن يزيد بن مزيد، وكان خزيمة أشدهم ولايةً، وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى، ولم يكن قبل ذلك، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمى كل واحد منهم ناحيته، فإذا قدم الثغر عاملٌٌ من عماله داروه، فإن رأوا منه عفة وصرامةً وكان في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنوا له بالطاعة، وإلا اغتمزوا فيه واستخفوا بأمره، ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال المأمون.

ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن علي الباذغيسى، المعروف بالمأموني، الثغر فأهمل بطارقته وأحراره، ولان لهم حتى ازدادوا فساداً على السلطان وكلباً على من يليهم من الرعية. وغلب إسحاق بن إسماعيل بن شعيب مولى بني أمية على جرزان، ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الأفشين على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه. ثم ولى أرمينية عمالٌ كانوا يقبلون من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور. ثم إن أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزى أرمينية لسنتين من خلافته. فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط بن أشوط فحمله إلى سرمن رأى، فأوحش البطارقة والأحرار والمنغلبة ذلك منه. ثم إنه عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الأقداح لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ماكان فيه وعسف أهله، فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضاً على بعض على الخلاف والنقض، ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان، في الثوب بيوسف، وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم، ووجه كل امرءٍ منهم ومن المتغلبة خيلاً ورجالاً ليؤيدوهم على ذلك، فوثبوا به بطرون، وقد فرق أصحابه في القرى فقتلوه واحووا على ماكان في عسكره، فولى أمير المؤمنين المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بد ليس أخذ موسى بن زرارة، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضباً لبقراط، وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسبى سبياً كثيراً، ثم حاصر أشوط ابن حمزة؟ بن جاجق بطريق البسفرجان وهو بالباق، فاستنزله من قلعته وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان، فظفر بإسحاق بن إسماعيل فقتله صبراً، وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية ممن بالسيسجان من أهل الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم، حتى صلح ذلك الثغر صلاحاً لم يكن على مثله، ثم قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين.