فتوح مصر والمغرب
قالوا: وكلن عمر بن العاص حاصر قيسارية بعد انصراف الناس من حرب اليرموك، ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبي سفيان، ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمس مئة. فغضب عمر لذلك وكتب إيه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه، وأمره بالرجوع إلى موضعه إن وافاه كتابه دون مصر. فورد الكتاب عليه وهو بالعريش.
وقيل أيضاً إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص
يأمره بالشخوص إلى مصر فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية، وكان الذي أتاه
شريك بن عبدة، فأعطاه ألف دينار فأبى شريك قبولها، فسأله أن يستر ذاك ولا
يخبر به عمر.
قالوا: وكان مسير عمر إلى مصر في سنة تسع عشرة. فنزل العريش ثم أتى الفرماء
وبها قوم مستعدون للقتال. فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم، ومضى قدماً إلى
الفسطاط فنزل جنان الريحان وقد خندق أهل الفسطاط. وكان اسم المدينة اليونة
فسماها المسلمون فسطاطاً لأنهم قالوا: هذا فسطاط القوم ومجمعهم. وقم يقولون
إن عمراً ضرب بها فسطاطاً فسميت بذلك.
قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاص وهو محاصر أهل الفسطاط أن ورد عليه الزبير
بن خويلد في عشرة آلاف، ويقال في أثنى عشر ألفاً، فيهم خارجة بن حذافة
العدوى وعمير بن وهب الجمحي. وكان الزبير قد هم بالغزو وأراد إتيان إنطاكية
فقال له عمر يا أبا عبد الله هل لك في ولاية مصر؟ فقال: لا حاجة لي فيها،
ولكنى أخرج مجاهداً وللمسلمين معاونا، فإن وجدت عمراً قد فتحها لم أعرض
لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به وإن وجدته في جهادٍ كنت معه. فسار
على ذلك.
قالوا: وكان الزبير يقاتل من وجهٍ وعمرو بن العاص من وجه، ثم إن الزبير أتى
بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن، وهو مجرد سيفه، فكبر وكبر المسلمون
واتبعوه. ففتح الحصن عنوةً واستباح المسلمون ما فيه، وأقر عمرو أهله على
أنهم ذمة، ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم. وكتب بذلك إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازه، واختط الزبير بمصر وابتنى داراً
معروفة، وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع البن أبي سرح.
وسلم الزبير باقٍ في مصر.
وحدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة أن الزبير بن
العوام بعث إل مصر. فقيل له: إن بها الطعن والطاعون. فقال: إنم جئنا للطعن
والطاعون. قال: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها.
وحدثني عمرو الناقد قال: حدثني عبد الله بن
وهب المصري عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر
ومعه ثلاثة آلاف وخمس مئة. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أشفق لما
أخبر به من أمرها فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر ألفاً، فشهد الزبير
فتح مصر واختط بها. وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن ابن
لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة، عن سفيان
بن وهب الخولاني قال: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير فقال: اقسمها يا
عمرو. فأبى فقال الزبير: والله لنقسنها كما قسم رسول الله صلى الله عليه
وسلم خيبر، فكتب عمرو إلى عمر في ذلك. فكتب إليه عمر: أقرها حتى يغزو منها
حبل الحبلة.
قال: وقال عبد الله بن وهب وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله
ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه.
وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو الأسود
عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص دخل مصر في ثلاثة آلاف
وهمس مئة. وكان عمر قد أشفق من ذلك، فأرسل الزبير بن العوام في أثنى عشر
ألف، فشهد معه فتح مصر. قال: فاختط الزبير بمصر والإسكندرية خطتين.
وحدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي فراس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: اشتبه
على الناس أمر مصر، فقال قوم: فتحت عنوةً، وقال آخرون. فتحت صلحاً، والثلج
في أمرها أن أبي قدمها، فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهراً وأدخلها للمسلمين،
وكان الزبير أول من علا حصنها. فقال صاحبها لأبي: إنه قد بلغنا فعلكم
بالشام، ووضعكم الجزية على النصارى واليهود، وإقراركم الأرض من أيدي أهلها
يعمرونها ويؤدون خراجها. فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا
وسبينا وإجلائنا. قال. فاستشار أبي المسلمين، فأشار عليه بأن يفعل ذلك، إلا
نفراً منهم سألوا أن يقسم الأرض بينهم، فوضع على كل حالمٍ دينارين جزية،
إلا أن يكون فقيراً . وألزم كل ذى أرض مع الدينارين ثلاثة أرادب حنطة وقسطى
زيت وقسطى عسل وقسطى خل رزقاً للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسم فيهم.
وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنساً أو عمامةً
وسراويل وخفين في كل عام، أو عدل الجبة الصوف ثوباً قبطياً، وكتب عليهم
بذلك كتاباً، وشرط لهم إذت وفوا بذلك أن لاتباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا،
وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم. فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر
فأجازه، وصارت الأرض أرض خراج، إلا أنه لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض
الناس أنها فتحت صلحاً.
قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع أهل
مصر على مثل صلح اليونة. فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا وقنعوا
بهذا، فنجن به أقنع، لأننا فرش لا منعة لنا. ووضع الخراج على أرض مصر، فجعل
على كل جريب ديناراً وثلاثة أرداب طعاماً، وعلى رأس كل حالم دينارين، وكتب
بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن الليث، عن يزيد بن أبي
حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاص على أن يسير من الروم من أراد ويقر من
أراد الإقامة من الروم على أمرٍ سماه، وأن يفرض على القبط دينارين، فبلغ
ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش، فأغلقوا باب الإسكندرية وآذنوا عمراً
بالحرب، فخرج إليه لنقوقس فقال: أسألك ثلاثاً: أن لا تبذل للروم مثل الذي
بذلت لي فإنهم قد استغشوني، وأن لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم،
وإن مت فمر بدفني في كنيسةٍ بالإسكندرية ذكرها. فقال عمرو: هذه أهونهن علي.
وكانت قرى من مصر قاتلت، فسبى منهم. والقرى: بلهيت والخيس وسلطيس. فوقع
سباؤهم بالمدينة، فردهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصيرهم وجماعة القبط
أهل ذمة. وكان لهم عهد لم ينقضوه. وكتب عمرو بفتح الإسكندرية إلى عمر: "أما
بعد فإن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوةً قسراً بغير عهد ولا عقد".
وهي كلها صلح في قول يزيد بن أبي حبيب.
حدثني أبو أيوب الرقى عن عبد الغفار عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفى ألف، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف، فقال عثمان لعمرو: إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها. قال: ذاك لأنكم أعجفتم أولادها. قال: وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاص يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يفيض من الطعام في الخراج إلى المدينة في البحر. فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت. فإذا ورد الجار تولى قبضه سعد الجار. ثم حمل في دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال فانقطع ذلك في الفتنة الأولى، ثم حمل في أيام معاوية ويزيد، ثم انقطع إلى زمن عبد الملك بن مروان، ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبي جعفر أو قبيلها.
وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثني أبو صالح عبد
الله بن صالح عن الليث ابن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب أن أهل الجزية بمصر
صولحوا في خلافة عمر بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على
دينارين دينارين. فألزم كل رجل أربعة دنانير، فرضوا بذلك وأحبوه.
وحدثني أبو أيوب الرقى قال: حدثني عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن يزيد
بن أبي حبيب، عن الجيشاني قال: سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو
ابن العاص لما فتح القسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمى إلى عين شمس، فغلب
على أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم القسطاط. ووجه حارجة بن حذافة الدوي
إلى الفيوم والأشمونين، وإخميم، والبشرودات، وقرى الصعيد، ففعل مثل ذلك.
ووجه عمير بن وهب الجمحي إلى تنيس، ودمياط، وتونة، ودميرة، وشطا، ودقهلة،
وبنا، وبوصير، ففعل مثل ذلك. ووجه عقبة بن عامر الجهنى، ويقال وردان مولاه
صاحب سوق وردان بمصر، إلى سائر قرى أسفل الرض، ففعل مثل ذلك. فاستجمع عمرو
بن العاص فتح مصر، فصارت أرضها أرض خراج.
وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن
إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية، عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاص
يقول على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحدٍ من قبط مصر علي عهد ولا
عقد. إن شئت قتلت، وإن شئت خمست، وإن شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم
عهداً يوفى لهم به.
وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثني به عبد الله بن صالح عن موسى بن علي بن
رباح اللخمى، عن أبيه قال: المغرب كله عنوة.
حدثنا أبو عبيد عن سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة، عن الصلت بن أبي عاصم
كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن عبد العزيز إلى حيان، وكان عامله
على مصر، أن مصر فتحت عنوةً بغير عهد ولا عقد.
وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب، عن عبيد
الله بن أبي جعفر قال: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد على كل امرئ
من القبط قيراطاً. فكتب إليه: كيف أزد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم.
وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال: سمعت
عروة بن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين وتزوجت بها، فرأيت أهلها مجاهيد،
قد حمل عليهم فوق طاقتهم، وإنما فتحها عمرو بصلح وعهد وشيء مفروض عليهم.
وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي
علاقة عن عقبة بن عامر الجهني قال: كان لأهل مصر عهد وعقد. كتب لهم عمرو
أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد وفرض
عليهم خراجاً لا يزاد عليهم وأن يدفع عنهم خوف عدوهم.قال عقبة: وأنا شاهد
على ذلك.
وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة قال: سمعت سفيان بن وهب الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو! اقسمها بيننا. فقال عمرو: لا والله لا اقسمها حتى أكتب إلى عمر. فكتب إلى عمر، فكتب إليه في جواب كتابه: أن اقرها حتى يغزوا منها حبل الحبلة أو قال يغدو.
وحدثني محمد سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن
أسامة بن يزيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال: فتح عمرو بن العاص مصر سنة
عشرين ومعه الزبير. فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم، وهي
ديناران على كل رجل وأخرج النساء والصبيان من ذلك فبلغ خراج مصر في ولايته
ألفي ألف دينار. فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار.
وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليثعن يزيد بن أبي حبيب
أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاص على أن فرض على القبط دينارين
دينارين. فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم فسخط أشد السخط، وبعث الجيوش إلى
الإسكندرية وأغلقها. ففتحها عمرو بن العاص عنوة.
وحدثني ابن القتات وهو أبو مسعود عن الهيثم عن المجالد عن الشعبي أن علي بن
الحسين أو الحسين نفسه كلم معاوية في جزية أهل قرية أم ابراهيم ابن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بمصر، فوضعها عنهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يوصي بالقبط خيراً.
وحدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك الزهري عن ابن لكعب بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن
لهم ذمة ورحماً وقال الليث: كانت أم إسماعيل منهم.
أبو الحسن المدائني عن عبد الله بن المبارك
قال: كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا ولاهم ثم يقاسمهم ما زاد على
ذلك وربما أخذ منهم. فكتب إلى عمرو بن العاص: إنه قد فشت لك فاشية من متاع
ورقيق وآنية وحيوان لم تكن حين وليت مصر.فكتب إليه عمرو: إن أرضنا أرض
مزدرع ومتجر فنحن نصيب عن ما نحتاج اليه لنفقتنا. فكتب إليه: إني قد خبرت
من عمال السوء ما كفى. وكتابك إلي كتاب من قد أقلقه الأخذ بالحق. وقد سؤت
بك ظناً. وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك فأطلعه، وأخرج إليه ما
يطالبك، أعفه من الغلظة عليك فإنه برح الخفاء فقاسمه ماله.
المدائني عن عيسى بن يزيد قال: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو بن العاص قال
عمرو: إن زماناً عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء. لقد كان
العاص يلبس الخز بكفاف الديباج. فقال محمد: مه! لولا زمان ابن حنتمة هذا
الذي تكرهه ألفيت معتقلاً عنزاً بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكؤها. قال:
أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي، فإن المجالس بالأمانة. فقال: لا أذكر
شيئاً مما جرى بيننا وعمر حي.
وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة
أن مصر فتحت عنوة وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أنعم عن أبيه
عن جده وكان ممن شهد فتح مصر قال: فتحت مصر عنوة بغير عهد ولا عقد.