الجزء الأول - فتح الإسكندرية

فتح الإسكندرية

قالوا: لما افتتح عمرو بن العاص مصر أقام بها. ثم كتب إلى عمر بن الخطاب يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية. فكتب إليه يأمره بذلك. فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بنغالب.وكان من دون الإسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا له وقالوا: نغزوه الفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية. فلقيهم بالكربون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان فيهمأعل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم قوم رقدوهم وأعانوهم. ثم سار عمرو بنالعاص حتى انتهى إلى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله، إلا أن القبط في ذلك يحبون الموادعة. فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة، فأبى عمرو ذلك. فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات وجوههن إلى داخله، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم بذلك. فأرسل إليه عمرو: إنا قد رأينا ما صنعت وما بالكثرة غلبنا من غلبنا. فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان. فقال المقوقس لأصحابه: قد صدق هؤلاء القوم أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه القسطنطينية، فنحن أولى بالإذعان فأغلظوا القول وأبوا إلا المحاربة. فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً وحصروهم ثلاثة أشهر. ثم إن عمراً فتحها بالسيف وغنم ما فيها واستبقى أهلها، ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل اليونة فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني وبعث إليه معه بالخمس. ويقال إن المقوقس صالح عمراً على ثلاثة عشر ألف دينار على أن يخرج من الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام، وعلى أن يفرض على كل حالم من القبط دينارين. فكتب لهم بذلك كتاباً. ثم إن عمرو بن العاص استخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد ابن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي في رابطة من المسلمين وانصرف إلى الفسطاط. وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل وهو كان الملك يومئذ يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين، وبما هم فيه من الذلة وأداء الجزية فبعث رجلاً من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب مشحونة بالمقاتلة. فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من لطف للهرب فنجا، وذلك في سنة خمس وعشرين. وبلغ عمراً الخبر فسار إليهم في خمسة عشر ألفاً، فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية من قرى مصر فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالاً شديداً. ثم إن أولئك الكفرة ولوا منهزمين فلم يكن لهم ولا عرجة دون الإسكندرية. فتحصنوا بها ونصبوا العرادات. فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال، ونصب المجانيق فأخرب جدرها وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية. وهرب بعض رومها إلى الروم، وقتل عدو الله منويل. وهدم عمرو والمسلمون جدار الإسكندرية وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.

وقال بعض الرواة: إن هذه الغزاة كانت سنة ثلاث وعشرين. وروى بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث وعشرين سنة خمس وعشرين والله أعلم.

قالوا:ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها الجزية. وروي أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا، فأقره عمرو ومن معه على أمرهم الأول. وروى أيضاً أنه كان مات قبل هذه الغزاة.

حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه عن حسان بن شريح عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: لم نفتح قرية من المغرب على صلح إلا ثلاثاً : الإسكندرية وكفرطيس وسلطيس. فكان عمر يقول: من أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصري عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال: افتتح عمرو بن العاص الإسكندرية فسكنها المسلمون في رباطهم، ثم قفلوا، ثم غزوا فابتدروا إلى المنازل. فكان الرجل يأتي المنزل الذي كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر غليه.فقال عمرو: إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاورونها. فلما غزا فصاروا عند الكربون قال لهم: سيروا على بركة الله فمن ركز منكم رمحاًً في دار فهي له ولبني أبيه. فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها ويأتي الآخر فيركز رمحه كذلك أيضاً. فكانت الدار بين النفسين والثلاثة، فكانوا يسكنوها، فإذا قفلوا سكنها الروم. فكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحل لأحد شيء من كرائها ولا تباع ولا تورث إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم. فلما كان قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصي أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب سورها.

قالوا: ولما ولى عمرو مولاه وردان الإسكندرية ورجع إلى الفسطاط فلم يلبث إلا قليلاً حتى أتاه عزله. فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث أحد بني عامر بن لؤي. وكان أخا عثمان من الرضاعة. وكانت ولايته سنة خمس وعشرين.

ويقال: إن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان. فجرى بينه وبين عمرو كلام. فكتب عبد الله يشكو عمراً فعزله عثمان وجمع العملين لعبد الله بن سعد. وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت عنوة وانتقضت مرتين، ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها، وأن يدر عليهم الأرزاق ويعقب بينهم في كل ستة أشهر.

وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم رباطاً الإسكندرية فخرج إليها من المدينة مرابطاً فمات بها سنة سبع عشرة ومئة.

وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن علي عن ابيه قال: كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار. فلما كانت ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار.

حدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عثمان عزل عمرو بن العاص عن مصر وجعل عليها عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمراً حتى يفرغ من قتال الروم، لأن له معرفة بالحرب وهيبة في أنفس العدو. ففعل، حتى هزمهم. فأراد عثمان أن يجعل عمراً على الحرب وعبد الله على الخراج. فأبى ذلك عمرو وقال: أنا كماسك قرني البقرة والأمير يحلبها. فولى عثمان ابن سعد مصر. ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه في الغياض.

قال عبد الله بن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن موسى بن علي عن أبيه أن عمراً فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عثمان بعد وفاة عمر رحمه الله.