فتح إفريقية
قالوا: لما ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح
مصر والمغرب بعث المسلمين في جرائد خيل، فأصابوا من أطراف إفريقية وغنموا.
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه متوقفاً عن غزوها، ثم إنه عزم على ذلك بعد
أن استشار فيه. وكتب إلى عبد الله في سنة سبع وعشرين ويقال في سنة ثمان
وعشرين ويقال في سنة تسع وعشرين، يأمره بغزوها، وأمده بجيش عظيم فيه معبد
بن العباس ابن عبد المطلب، ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، والحارث
بن الحكم أخوه، وعبد الله بن الزبير بن العوام، والمسور بن مخرمة بن نوفل
بن أهيب ابن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب،
وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعاصم بن عمر، وعبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن
بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وبسر بن أرطاة بن عويمر العامري،
وأبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلى الشاعر وبها توفى، فقام بأمره ابن الزبير
حتى واراه في لحده. وخرج في هذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى آل
الزبير، عن عبد الله بن الزبير قال: أغزانا عثمان بن عفان إفريقية. وكان
بها بطريق سلطانه من أطرابلس إلى طنجة. فسار عبد الله بن سعد بن أبي سرح
حتى حل بعقوبة، فقاتله أياماً فقتله الله، وكنت أنا الذي قتلته. وهرب جيشه
فتمزقوا. وبث ابن أبي سرح السرايا ففرقها في البلاد، فأصابوا غنائم كثيرة
واستاقوا من المواشي ما قدروا عليه. فلما رأى ذلك عظماء إفريقية اجتمعوا
فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاث مئة قنطار من ذهب، على أن
يكف عنهم ويخرج من بلادهم. فقبل ذلك.
وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد الليثي، عن ابن كعب أن عبد
الله بن سعد بن أبي سرح صالح بطريق إفريقية على ألفى ألف دينار وخمس مئة
ألف دينار.
وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن موسى بن ضمرة ألما زني، عن أبيه قال: لما
صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية رجع إلى مصر ولم يول على إفريقية
أحداً. ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصرٌ جامع.
قال: فلما قتل عثمان وولى أمر مصر محمد بن
حذيفة عتبة بن ربيعة لم يوجه إليها أحداً. فلما ولى معاوية بن أبي سفيان
ولى معاوية بن حديج السكونى مصر. فبعث في سنة خمسين عقبة بن نافع بن عبد
قيس بن لقيط الفهري فغزاها واختلطها.
قالوا: ووجه عقبة بشر بن أرطاة من القيروان فافتتحها وقتل وسبى، وهي اليوم
تعرف بقلعة بسر، وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة عند معدن الفضة.
وقد سمعت من يذكر أن موسى بن نصير وجه بسراً، وبسر ابن اثنين وثمانين سنة،
إلى هذه القلعة فافتتحها. وكان مولد بسر قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بسنتين. وغير الواقدي يزعم أنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله
أعلم.
وقال الواقدي: ولم يزل عبد الله بن سعد والياً حتى غلب محمد بن أبي حذيفة
على مصر، وهو كان أتغلها على عثمان، ثم إن علياً رضي الله عنه ولى قيس بن
سعد بن عبادة الأنصاري مصر، ثم عزله واستعمل عليها محمد بن أبي بكر الصديق،
ثم عزله وولى مالكاً الشتر، فاعتل بالقلزم. ثم ولى محمد بن أبي بكر ثانيةً
ورده عليها. فقتله معاوية بن حديج وأحرقه في جوف حمار.
وكان الوالي عمرو بن العاص من قبل معاوية بن أبي سفيان. فمات عمرو بمصر يوم
الفطر سنة اثنتين وأربعين، ويقال سنة ثلاث وأربعين، وولى عبد الله بن عمرو
ابنه بعده. ثم عزله معاوية وولى معاوية بن حديج، فأقام بها أربع سنين، ثم
غزا فغنم. ثم قدم مصر فوجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري، ويقال بل ولاه
معاوية المغرب، فغزا إفريقية في عشرة آلاف من المسلمين. فافتتح إفريقية
واختط قيروانها. وكان موضع القيروان غيضة ذات طر فاء وشجر لا يرام من
السباع والحيات والعقارب القتالة. وكان ابن نافع رجلاً صالحاً مستجاب
الدعوة. فدعا ربه فأذهب ذلك كله، حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة
بها.
وقال الواقدي: قلت لموسى بن علي: رأيت بناء إفريقية المتصل المجتمع الذي
نراه اليوم من بناه؟ فقال: أول من بناها عقبة بن نافع الفهري، اختطها ثم
بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن، وبنى المسجد الجامع بها. قال:
وبإفريقية استشهد معبد بن العباس رحمه الله في غزاة ابن أبي سرح في خلافة
عثمان، ويقال بل مات في أيام القتال. واستشهاده أثبت.
وقال الواقدي وغيره: عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج وولى مصر
والمغرب مسلمةبن مخلد الأنصاري. فولى المغرب أبا المهاجر مولاه فلما ولى
يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع على عمله. فغزا السوس الأدنى وهو خلف طنجة،
وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله، فانصرف. ومات يزيد بن معاوية
وبويع لابنه معاوية بن يزيد، وهو أبو ليلى. فنادى: الصلاة جامعة. ثم تبرأ
من الخلافة وجلس في بيته، ومات بعد شهرين. ثم كانت ولاية مروان بن الحكم
وفتنة ابن الزبير. ثم ولى عبد الملك بن مروان فاستقام له الناس. فاستعمل
أخاه عبد العزيز على مصر، فولى إفريقية زهير بن قيس البلوى. ففتح تونس ثم
انصرف إلى برقة. فبلغه أن جماعة من الروم خرجوا من مراكب لهم فعاثوا، فتوجه
إليهم في جريدة خيلٍ فلقيهم فاستشهد ومن معه، فقبره هناك، وقبورهم تدعى
قبور الشهداء. ثم ولى حسان بن النعمان الغساني، فغزا ملكة البربر الكاهنة
فهزمته. فأتى قصوراً في حيز برقة فنزلها. وهي قصور يضمها قصر سقوفه الزاج،
فسميت قصور حسان. ثم إن حسان غزاها ثانية فقتلها وسبى سباً من البربر، وبعث
به إلى عبد العزيز. فكان أبو محجن نصب الشاعر يقول: لقد حضرت عند عبد
العزيز سبياً من البربر ما رأيت قط وجوهاً أحسن من وجوهم.
قال ابن الكلبي: ولى هشام كلثوم بن عياض بن وحوح القشيرى إفريقية، فانتقض أهلها عليه فقتل بها.
وقال ابن الكلبي: كان إفريقيس بن قيس بن صيفي
الحميري غلب على إفريقية في الجاهلية، فسميت به. وهو قتل جرجير ملكها. فقال
للبرابرة: ما أكثر بربرة هؤلاء! فسموا البرابرة.
وحدثني جماعة من أهل إفريقية عن أشياخهم أن عقبة بن نافع الفهري لما أراد
تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه. فأرى في منامه كأن رجلاً أذن في
الموضع الذي جعل فيه مئذنته. فلما أصبح بنى المنائر في موقف الرجل، ثم بنى
المسجد.
وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي قال: ولى محمد بن الشعث الخزاعى إفريقية من
قبل أبي العباس أمير المؤمنين. فرم مدينة القيروان ومسجدها. ثم عزله
المنصور وولى عمر بن حفص هزار مرد مكانه.