الجزء الأول - فتح جزائر في البحر

فتح جزائر في البحر

قالوا: غزا معاوية بن حديج الكندي أيام معاوية بن أبي سفيان سقلية، وكان أول من غزاها. ولم تزل تغزى بعد ذلك . وقد فتح آل الأغلب بن سالم الإفريقي منها نيفاً وعشرين مدينة، وهي في أيدي المسلمين. وفتح أحمد بن محمد بن الأغلب منها في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله قصر بانة وحصن غليانة.

وقال الواقدي: سبى عبد الله بن قيس بن مخلد الدرقى سقلية فأصاب أصنام ذهب وفضةٍ مكللة بالجواهر. فبعث بها إلى معاوية، فوجه بها معاوية إلى البصرة لتحمل إلى الهند فتباع هناك ليثمن بها.

قالوا: وكان معاوية بن أبي سفيان يغزي براً وبحراً، فبعث جنادة بن أبي أمية الأردي إلى رودس - وجنادة أحد من روى عنه الحديث، ولقى أبا بكر وعمر ومعاذ بن جبل، ومات في سنة ثمانين - ففتحها عنوةً. وكانت غيضة في البحر. وأمره معاوية فأنزلها قوماً من المسلمين. وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين.

قالوا: ورودس من أخصب الجزائر، وهي نحو من ستين ميلاً، فبها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة.

وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي وغيره قالوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم. فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل. وكان معاوية يعاقب بين الناس فيها، وكان مجاهد بن جبر مقيماً بها يقرئ الناس القرآن.

وفتح جنادة بن أبي أمية في سنة أربع وخمسين أرواد، وأسكنها معاوية المسلمين. وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع ابن امرأة كعب الأحبار، وبها أقرأ مجاهد تبيعاً القرآن. ويقال إنه أقرأه القرآن برودس. وأرواد جزيرة بالقرب من القسطنطينية.

وغزا جنادة إقريطش. فلما كان زمن الوليد فتح بعضها. ثم أغلق. وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد، ففتح بعضها ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالإفريطش، وافتح منها حصناً واحداً ونزله. ثم لم يفتح شيئاً بعد شيء حتى لم يبق فيها من الروم أحد وأخرب حصونهم.

صلح النوبة

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي عن الوليد بن كثير عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل ليطأهم. فبعث عقبة بن نافع الفهري، وكان نافع أخا العاص لأمه. فدخلت خيولهم أرض النوبة كما تدخل صوائف الروم، فلقى المسلمون بالنوبة قتالاً شديداً. لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم. فانصرفوا بجراحاتٍ كثيرة وحدقٍ مفقوءة، فسموا رماة الحدق. فلم يزالوا على ذلك حتى ولى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح. فسألوه الصلح والموادعة، فأجابهم إلى ذلك على غير جزيةٍ، لكن على هدنة ثلاث مئة رأس، في كل سنة، وعلى أن يهدى المسلمون إليهم طعاماً بقدر ذلك.

حدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر عن عمر ابن الحارث عن أبي قبيل حسي بن هاني المعا فرى، عن شيخ من حمير قال: شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب، فلم أر قوماً أحد في حرب منهم. لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا. فلا يخطئه. كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الرض شيء. فخرجوا إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عيناً مفقوءة. فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل وإن نكايتهم لشديدة. فلم يصالحهم عمرو، ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح فصالحهم.

قال الواقدي: وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي، وكان أعور.

حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق، إنما هي هدنة بيننا وبينهم على أن نعطيهم شيئاً من قمحٍ وعدسٍ ويعطونا رقيقاً، فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم.

حدثنا أبو عبيد عن عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا، وأن يعطونا رقيقاً ونعطيهم بقدر ذلك طعاماً، فإن باعوا نساءهم لم أر بذلك بأساً أن يشترى..

ومن رواية أبي البخترى وغيره أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح أهل النوبة على أن يهدوا في السنة أربع مئة رأس يخرجونها ويأخذون بها طعاما.

وكان المهدي أمير المؤمنين أمر بإلزام النوبة في كل سنة ثلاث مئة رأس وستين رأساً وزرافة، على أن يعطوا قمحاً وخل خمرٍ وثياباً وفرشا أو قيمته.

وقد ادعوا حديثاً أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة، وأنهم كانوا طولبوا بذلك في خلافة المهدي فرفعوا إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق أعدائهم، فإذا لم يجدوا منه شيئاً عادوا على أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة. فأمر أن يحملوا في ذلك على أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة. ولم يوجد لهذه الدعوى ثبت في واوين الحضرة، ووجد في الديوان بمصر. وكان المتوكل على الله أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله ويعرف بالقمى إلى المعدن بمصر والياً عليه، وولاه القلزم وطريق الحجاز وبذرقة حاج مصر. فلما وافى المعدن حمل الميرة في المراكب من القلزم إلى بلاد البجة ووافى ساحلاً يعرف بعيذاب. فوافته المراكب هناك. فاستعان بتلك الميرة وتقوتها ومن معه حتى وصل إلى قلعة ملك البجة. فناهضه. وكان في عدة يسيرة فخرج إليه البجوى في الدهم على إبل محزمةٍٍ. فعمد القمى إلى الأجراس فقلدها الخيل. فلما سمعت الإبل أصواتها نقطعت بالبجوبين في الودية والجبال. وقتل صاحب البجة. ثم قام من بعده ابن أخته، وكان أبوه أحد ملوك البجويين وطلب الهدنة. فأبى المتوكل على الله ذلك إلا أن يطأ بساطه. فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين ومائتين على أداء الإتاوة والبقط، ورد مع القمى. فأهل البجة على الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين من العمل في معدن الذهب. وكان ذلك في الشرط على صاحبهم.