الجزء الثاني - يوم مهران وهو يوم النخيلة

يوم مهران وهو يوم النخيلة

قال أبو مخنف وغيره: مكث عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة لا يذكر العراق لمصاب أبي عبيد وسليط. وكان المثنى بن حارثة مقيماً بناحية أليس يدعو العرب إلى الجهاد. ثم إن عمر رضي الله عنه ندب الناس إلى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه، حتى هم أن يغزو بنفسه. وقدم عليه خلقٌ من الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم إلى العراق ورغبهم في غناء آل كسرى،فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص. وقدم جرير بن عبد الله من السراة في بجيلة، فسأل أن يأتي العراق على أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا عليه. فأجابه عمر إلى ذلك، فسار نحو العراق.

وقومٌ يزعمون أنه مر على طريق البصرة وواقع مرزبان المذار فهزمه. وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خالد بن الوليد. وقومٌ يقولون إنه سلك الطريق على فيدٍ والثعلبية إلى العذيب.

حدثني عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن أبي هند قال: أخبرني الشعبي أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل أبي عبيد أول من وجه، قال: هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد الخمس؟ قال: نعم.

قالوا: واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشر، وقد هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إلى أن يبلغ يزد جرد بن شهريار فبعث إليهم مهران بن مهر بنداذ الهمذاني في اثني عشر ألفاً، فأهمل المسلمون له حتى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور. وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إلى موضع يقال له البويب، وهذا الموضع الذي قتل به، ويقال إن جنبتى البويب أفعمت عظاماًحتى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة، وإنه ما يثار هناك "شيء إلا وقعوا منها على شيء" وذلك ما بين السكون وبنى سليم. فكان مغيضاً للفرات زمن الأكاسرة يصب في الجوف. وعسكر المسلمين بالنخيلة، وكان على الناس فيما تزعم بجيلة جرير بن عبد الله، وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة. وقد قيل إنهم كانوا متسايدين، على كل قوم رئيسهم. فالتقى المسلمون وعدوهم، فأبلى شرحبيل بن السمط الكندي يومئذ بلاءً حسناً، وقتل مسعود بن حارثة أخو المثنى بن حارثة. فقال المثنى: يا معشر المسلمين! لا يرعكم مصرع أخي، فإن مصارع خياركم هكذا. فحملوا حملة رجلٍ واحد محققين صابرين حتى قتل الله مهران وهزم الكفرة. فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقل من نجا منهم. وضارب قرط بن جماح العبدى يومئذ حتى انثنى سيفه، وجاء الليل فتتاموا إلى عسكرهم وذلك في سنة أربع عشرة. فتولى قتل مهران جرير بن عبد الله والمنذر ابن حسان بن ضرار الضبي، فقال هذا: أنا قتلته، وقال هذا أنا قتلته، وتنازعا نزاعاً شديداً. فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه.

ويقال إن الحصن بن معبد بن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله.

ثم لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة وكسكر، وفيما بين كسكر وسورا وبربيسما وصراه جاماسب، وما بين الفلوجتين والنهرين وعين التمر. وأتوا حصن مليقيا، وكان منظرة، ففتحوه. وأجلوا العجم عن مناظر كانت بالطف. وكانوا منخوبين قد وهن سلطانهم وضعف أمرهم. وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى، ونهر الملك، وباد وريا. وبلغ بعضهم كلواذى. وكانوا يعيشون بما ينالون من الغارات. ويقال إن ما بين مهران والقادسية ثمانية عشر شهراً.