الجزء الثاني - فتح همذان

فتح همذان

قالوا: وجه المغيرة بن شعبة، وهو عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الكوفة، بعد عزل عمار بن ياسر، جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان وذلك في سنة ثلاث وعشرين، فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال: احتسبتها عند الله الذي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله.

ثم إنه فتح همذان على مثل صلح نهاوند. وكان ذلك في آخر سنة ثلاث وعشرين، فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب على أرضها فأخذها قسراً.

وقال الواقدي: فتح جريرٌ نهاوند في سنة أرعب وعشرين بعد ستة أشهر من وفاة عمر بن الخطاب رحمه الله.
وقد روى بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير، فافتتحها، وأن المغيرة ضم همذان إلى كثير بن شهاب الحارثي.

وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وعوانة بن الحكم أن سعد بن أبي وقاص لما ولي الكوفة لعثمان ابن عفان ولى العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان، أحد بني عامر بن لؤي، ماه وهمدان. فغدر أهل همذان ونقضوا. فقاتلهم، ثم إنهم نزلوا على حكمه فصالحهم على أن يؤدوا خراج أرضهم، وجزية الرؤوس، ويعطوه مئة ألف درهم للمسلمين، ثم لا يعرض لهم في مالٍ ولا حرمةٍ ولا ولد.

وقال ابن الكلبي: ونسبت القلعة التي تعرف بماذران إلى السرى بن نسير بن ثور العجلي، وهو كان أناخ عليها حتى فتحها.

وحدثني زياد بن عبد الرحمن البلخي، عن أشياخ من أهل سيسر قال: سميت سيسر لأنها في الخفاض من الأرض بين رؤس آكامٍ ثلاثين. فقيل: ثلاثون رأسا". وكان سيسر تدعى سيسر صدخانيه، أي ثلاثون رأساً ومئة عين، وبها عيونٌ كثيرةٌ تكون مئة عين.

قالوا: ولم تزل سيسر وما والاها مراعى لمواشي الأكراد وغيرهم، وكانت بها مروجٌ لدواب المهدي أمير المؤمنين وأغنامه، وعليها مولى له يقال له سليمان بن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام، وشريكٌ معه يقال له سلام الطيفورى. وكان طيفور مولى أبي جعفر المنصور وهبه للمهدي. فلما كثر الصعاليك والدعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدي أمير المؤمنين جعلوا هذه الناحية ملجأ لهم وحوزاً، فكانوا يقطعون ويأوون إليها، ولا يطلبون لأنها حد همذان والدينور وأذربيجان. فكتب سليمان بن قيراط وشريكه إلى المهدي بخيرهم، وشكيا عرضهم لما في أيديهم من الدواب والأغنام. فوجه إليهم جيشاً عظيماً، وكتب إلى سليمان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها وأعوانهما ورعاتهما، ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها. فبنيا مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس. وضم إليها رستاق ما ينهرج من الدينور، ورستاق الجوزمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر، فكورت بهذه الرساتيق، ووليها عاملٌ مفرد، وكان خراجها يؤدى إليه.

ثم إن الصعاليك كثروا في خلافة أمير المؤمنين الرشيد وشعثوا سيسر، فأمر بمرمتها وتحصينها، ورتب فيها ألف رجلٍ من أصحاب خاقان الخادم السغدي ففيها قوم من أولادهم.

ثم لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة الرديني العجلي على سيسر. فحاول عثمان الأودي مغالبته عليها فلم يقدر على ذلك، وغلبه على ما كان في يده من أذربيجان أو أكثر. ولم يزل مرة بن الرديني يؤدي الخراج عن سيسر في أيام محمد الرشيد على مقاطعة قاطعه عليها إلى أن وقعت الفتنة. ثم إنها أخذت من عاصم بن مرة فأخرجت من يده في خلافة المأمون. فرجعت إلى ضياع الخلافة.

وحدثني مشايخ من أهل الفازة، وهي متاخمة لسيسر، أن الجرشي لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها. وكان للجرشي قائد يقال له همام بن هانئ العبدي، فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب على ما فيها. فكان يؤدي حق بيت المال فيها، حتى توفي. وضعف ولده عن القيام بها. فلما أقبل المأمون أمير المؤمنين من خراسان بعد قتل محمد بن زبيدة يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له محمد بن العباس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين له فيها، على أن يعزوا ويمنعوا من الصعاليك وغيرهم. فقبلها وأمر بتقويتهم ومعونتهم على عمارتها وصلحتها فصارت من ضياع الخلافة.

وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها، وسألته أن يكتب لها إلى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك.

قم وقاشان وأصبهان

قالوا: لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري من نهاوند سار إلى الأهواز فاستقرها. ثم أتى قم وأقام عليها أياماً ثم افتتحها، ووجه الأحنف بن قيس، واسمه الضحاك بن قيس التميمي، إلى قاشان ففتحها عنوة. ثم لحق به.

ووحه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخز اعي إلى أصبهان سنة ثلاث وعشرين، ويقال بل كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري يأمره بتوجيه جيش إلى أصبهان، فوجهه ففتح عبد الله بن بديل جى صلحاً بعد قتال على أن يؤدي أهلها الخراج والجزية. وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم وأموالهم، خلا ما في أيديهم من السلاح. ووجه عبد الله بن بديل الأحنف بن قيس، وكان في جيشه إلى اليهودية. فصالحه أهلها على مثل ذلك الصلح. وغلب ابن بديل على أرض أصبهان وطساسيجها. وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة، ثم ولاها عثمان السائب بن الأقرع.

وحدثني محمد بن سعد مولى بني هاشم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل عن سليمان بن مسلم عن خاله بشير أبي أمية أن الأشعري نزل بأصبهان فعرض عليهم الإسلام فأبوا فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها، فباتوا على صلح ثم أصبحوا على غدر.فقاتلهم وأظهره الله عليهم.

قال محمد بن سعد: أحسبه عن أهل قم.

وحدثني محمد بن سعد قال: حدثني الهيثم بن جميل عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال: وجه عمر بن بديل الخز اعي إلى أصبهان. وكان مرزبانها مسناً يسمى الفادوسفان. فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم عنه فلما رأى الشيخ التباث الناس عليه اختار ثلاثين رجلاً من الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم ثم خرج من المدينة هارباً يريد كرمان، ليتبع يزدجرد و يلحق به. فانتهى خبره إلى عبد الله بن بديل فاتبعه في خيل كثيفة فالتفت الأعجمي إليه وقد علا شرفاً فقال: ابق على نفسك فليس يسقط لمن ترى سهم فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك. فبارز الأعجمي فضربه ضربة وقعت على قربوس سرجه فكسرته وقطعت اللبب. ثم قال له: يا هذا ! ما أحب قتلك، فإني أراك عاقلاً شجاعاً، فهل لك في أن أرجع معك فأصالحك على أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض له، وأدفع المدينة إليك. فرجع ابن بديل معه ففتح جى ووفى بما أعطاه وقال: يا أهل أصبهان! رأيتكم لئاماً متخاذلين، فكنت أهلاً لما فعلت بكم.

قالوا: وسار ابن بديل في نواحي أصبهان، سهلها وجبلها فغلب عليها، وعاملهم في الخراج نحو ما عامل عليه أهل الأهواز.

قالوا: وكان فتح أصبهان وأرضها في بعض سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين.

وقد روى أن عمر بن الخطاب وجه عبد الله بن بديل في جيش فوافى أبا موسى وقد فتح قم وقاشان. فغزوا جميعاً أصبهان، وعلى مقدمتها أبي موسى الأشعري الأحنف بن قيس، ففتحا اليهودية جميعاً على ما وصفنا، ثم فتح ابن بديل جى وسارا جميعاً في أرض أصبهان فغلبا عليها.

وأصح الأخبار أن أبا موسى فتح قم وقاشان، وأن عبد الله بن بديل فتح جى واليهودية.

وحدثني أبو حسان الزيادي، عن رجل من ثقيف قال: كان لعثمان بن أبي العاص الثقفي مشهدٌ بإصبهان.

وحدثنا محمد بن يحيى التميمي، عن أشياخه قال: كانت للأشراف من أهل إصبهان معاقل بجفر باذ من رستاق الثيمرة الكبرى ببهجاورسان، وبقلعةٍ تعرف بماربين. فلما فتحت جى دخلوا في الطاعة على أن يؤدوا الخراج وأنفوا من الجزية فأسلموا.

وقال الكلبي وأبو اليقظان: ولى الهذيل بن قيس العنبري إصبهان في أيام مروان، فمذ ذاك صار العنبريون إليها.

قالوا: وكان جد دلف وأبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس ابن معقل العجلي يعالج العطر ويحلب الغنم. فقدم الجبل في عدةٍ من أهله، فنزلوا قريةً من قرى همذان تدعى مس. ثم إنهم أثروا واتخذوا الضياع. ووثب إدريس بن معقل على رجلٍ من التجار كان له عليه مالٌ فخنقه، ويقال: بل خنقه وأخذ ماله. فحمل إلى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بن عمر الثقفي العراق زمن هشام بن عبد الملك.

ثم إن عيسى بن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها، وكان حصناً رثاً.

وقويت حال أبي دلف القاسم بن عيسى وعظم شأنه عند السلطان، فكبر ذلك الحصن، ومدن الكرج فقيل: كرج أبي دلف. والكرج اليوم مصرٌ من الأمصار.

وكان المأمون وجه علي بن هشام المر وزي إلى قم، وقد عصا أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج، وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل، وقتل رئيسهم، وهو يحيى بن عمران، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض، وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسراً، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم. وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى ابن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلقٌ كثير. وكتب المعتز بالله في حمل جماعةٍ من وجوهها.

مقتل يزد جرد بن شهريار بن كسرى

أبرويز بن هرمز بن أنو شروان

قالوأ هرب يزدجر من المدائن إلى حلوان، ثم إلى إصبهان. فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من إصبهان إلى اصطخر. فتوجه عبد الله ابن يديل بن ورقاء بعد فتح إصبهان لأتباعه فلم يقدر عليه. ووافى أبو موسى الأشعري اصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك، وعاناها عثمان بن أبي العاص الثقفى فلم يقدر عليها. وقدم عبد الله بن عامر بن كريز البصرة سنة تسع وعشرين، وقد افتتحت فارس كلها إلا اصطخر وجور، فهم يزد جرد بأن يأتي طبرستان، وذلك أن مرزبانها عرض عليه وهو بإصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها، ثم بدا له فهرب إلى كرمان، واتبعه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمي وهرم بن حيان العبدى، فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان، فأصاب الناس الدمق، وهلك جيشه فلم ينج إلا القليل، فسمى القصر قصر مجاشع. وانصرف مجاشع إلى ابن عامر.

وكان يزد جرد جلس ذات يوم بكرمان، فدخل عليه كرزبانها فلم يكلمه تيهاً، فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهلٍ لولاية قريةٍ فضلاً عن الملك، ولو علم الله فيك خيراً ما صيرك إلى هذه الحال. فمضى إلى سجستان، فأكرمه لملكها وأعظمه، فلما مضت عليه أيامٌ سأله عن الخراج فتنكر له.

فلما رأى بزدجرد ذلك سار إلى خراسان، فلما صار إلى حد مرو تلقاه ما هويه مرزبانها معظكاً مبجلاً، وقدم عليه نيزنك عنده شهراً، ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته، فأغاظ ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عبدٌ من عبدٌ من عبيدي، فما جرأك على أن تخطب إلي؟ وأمر بمحاسبة ما هويه مرزبان مرو، وسأله عن الأموال. فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول: هذا الذي قدم مفلولاً طريداً فمننت عليه ليرد عليه ملكه، فكتب إليك بما كتب. ثم تضافرا على قتله. وأقبل نيزك في الأتراك حتى نزل الجنابذ، فحاربوه، فتكافأ الترك ثم عادت الدائرة عليه، فقتل أصحابه ونهب عسكره. فأتى مدينة مرو فلم يفتح له، فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحانٍ على المرغاب، ويقال إنه دس إلى الطحان فأمره بقتله فقتله، ثم قال: ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش. فأمر بالطحان فقتل. ويقال إن الطحان قدم له طعاماً فأكل، وأتاه بشراب يشرب فسكر، فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه على رأسه، فبصر به الطحان فطمع فيه، فعمد إلى رحا فألقاها عليه، فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء. ثم عرف ما هويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب.

ويقال إن يزد جرد نذر برسل ما هويه - فهرب ونزل الماء. فطلب من الطحان فقال: قد خرج من بيتي. فوجدوه في الماء. فقال: خلوا عني أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي. فتغيبوا عنه. وسألهم شيئاً يأكل به خبزاً فأعطاهم بعضهم أربعة دراهم. فضحك وقال: لقد قيل لي إنك ستحتاج إلى أربعة دراهم.

ثم إنه هجم عليه بعد ذلك قومٌ وجهتهم ما هويه لطلبه. فقال: لا تقتلوني واحملوني إلى ملك العرب لأصالحه عنى وعنكم. فأبوا ذلك وخنقوه بوتر، ثم أخذوا ثيابه فجعلت في جراب، وألقوا جثته في الماء. ووقع فيروز بن يزد جرد فيما يزعمون إلى الترك فزوجوه وأقام عندهم.