الجزء الثاني - فتح الري وقومس

فتح الري وقومس

حدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عمار بن ياسر، وهو عامله على الكوفة، بعد شهرين من وقعة نهاوند، يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الري ودستسبى في ثمانية آلاف ففعل. وسار عروة إلى ما هناك. فجمعت له الديلم، وأمدهم أهل الري فقاتلوه، فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم. ثم خلف حنظلة بن زيد أخاه، وقدم على عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر، وذلك أنه كان القادم عليه بخير الجسر، فأحب أن يأتيه بما يسره. فلما رآه عمر قال "إنا لله وإنا إليه راجعون" فقال عروة: بل احمد الله، فقد نصرنا وأظهرنا. وحدثه بحديثه، فقال: هلا أقمت وأرسلت؟ قال: قد استخلفت أخي وأحببت أن آتيك بنفسي. فسماه البشير.

وقال عروة:

برزت لأهل القـادسـية مـعـلـمـاً

 

وما كل من يغشى الكـريهة يعـلـم

ويوماً بأكناف الـنـخـيلة قـبـلـهـا

 

شهدت فلـم أبـرح أدمـى وأكـلـم

وأيقـنـت يوم الـديلـمـيين أنـنـي

 

متى ينصرف وجهي إلى القوم يهزموا

محافـظةً أنـى امـرؤ ذو حـفـيظة

 

إذا لم أجـد مـسـتـأخـراً أتـقـدم

المنذر بن حسان بن ضرار أحد بنى مالك بن زبد، شرك في دم مهران يوم النخيلة.

قالوا: فلما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو بن ضرار الضبي، ويقال البراء بن عازب، وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم وأهل الري، فأناخ على حصن الفرخان ابن الزينبدى والعرب يسمونه الزينبى، وكان يدعى عارين. فصالحه ابن الزينبى بعد قتالٍ على أن يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج، وأعطاه عن أهل الري وقو مس خمس مئة ألفٍ على أن لا يقتل منهم أحداً ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت نار، وأن يكونوا أسوة أهل نهاوند في خراجهم. وصالحه أيضاً عن أهل دسنسبى الرازي، وكانت دسنسبي قسمين قسما رازياً وقسما همذانياً.

ووجه سليمان ب عمر الضبي ويقال البراء بن عازب إلى قو مس خيلاً، فلم يمتنعوا أبواب الدامغان. ثم لما عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عماراً وولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى المغيرة بن شعبة كثير بن شهاب الحارثى الري ودستبى. وكان لكثير أثرٌ جميلٌ يوم القادسية. فلما صاروا إلى الري وجد أهلها قد نقضوا، فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة وأذعنوا بالخراج والجزية.

وغزا الديلم فأوقع بهم، وغزا الببر والطيلسان.

فحدثني حفص بن عمر العمري، عن الهيثم بن عدي، عن ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بن شهاب كان على الري ودستبى وقزوين، وكان جميلاً حازماً مقعداًن فكان يقول: ما من مقعد إلا وهو عيال على أهله سواي. وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين. وكان إذا غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس إبرٍ وخيوط كتان وبمخصفٍ ومقراض ومخلاةٍ تليسة. وكان بخيلاً، وكانت له جفنه توضع بين يديه فإذا جاءه إنسان قال: لا أبا لك! أكانت لك علينا عين؟ وقال يوما: ي غلام! أطعمنا. فقال: ما عندي إلا خبز وبقل. فقال: وهل اقتتلت فارس والروم إلا على الخبز والبقل.

وولى الري ودستبى أيضاً أيام معاوية حيناً.

قال: ولما ولى سعد بن أبي وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الري. وكانت ملتاثةً فأصلحها. وغزا الديلم، وذلك في أول سنة خمس وعشرين، ثم انصرف.

وحدثني بكر بن الهيثم، عن يحيى بن ضريس قاضي الري قال: لم تزل الري بعد أن فتحت أيام حذيفة تنتقض وتفتح، حتى كان آخر من فتحها قرظة بن كعب الأنصاري في ولاية أبي موسى الكوفة لعثمان، فاستقامت. وكان عمالها ينزلون حصن الزنبدى ويجمعون في مسجدٍ اتخذ بحضرته. وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة. وكانوا يغزون الديلم من دستبى.

قال: وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلي ومات بها، فصلى عليه علي رضي الله عنه.

وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: ولى علي يزيد بن حجبة بن عامر بن تيم الله بن ثعلبة بن عكابة الري ودستبى. فكسر الخراج فحبسه، فخرج فلحق بمعاوية. وقد كان أبو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها على أمرها الأول.

وحدثني جعفر بن محمد الرازي قال: قدم أمير المؤمنين المهدي في خلافة المنصور فبنى مدينة الري التي الناس بها اليوم، وجعل حولها خندقاً، وبنى فيها مسجداً جامعاً جرى على يدي عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه على حائطه. فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومئة. وجعل لها فصيلا يطيف به فارقان من آجر، وسماها المحمدية، فأهل الري يدعون الري المدينة الداخلة، ويسمون الفصيل المدينة الخارجة.

وحصن الزنبدى في داخل المحمدية. وكانالمهدي قد أمر بمرمته ونزله. وهو مطل على المسجد الجامع ودار الإمارة، وقد كان جعل بعد سجناً.

قال: وبالري أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة.

قال: وكانت مدينة الري تدعى في الجاهلية ارازى، فيقال إنه خسف بها. وهي على ست فراسخ من المحمدية، وبها سميت الري.

قال: وكان المهدي في أول مقدمه الري نزل قرية يقال لها السير وان.

قال: وفي قلعة الفرخان يقول الشاعر، وهو الغطمش بن الأعور بن عمرو الضبي

على الجو سق الملعون بالري لا ينى

 

على رأسه داعي المنـية يلـمـع

قال بكر بن الهيثم: حدثني يحيى بن ضريس القاضي قال: كان الشعبي دخل الري مع قتيبة بن مسلم. فقال له: ما أحب الشراب إليك؟ فقال: أهونه وجوداً وأعزه فقداً.

قال: ودخل سعيد بن جبير الري أيضاً، فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير. قال: وكان عمرو بن معدي كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت، فلما انصرف توفى، فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان.

وبالري دفن الكسائي النحوي، واسمه علي بن حمزة. كان شخص إليها مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خرا سان.

وبها مات الحجاج بن أرطاة. وكان شخص إليها مع المهدي، ويكنى أبا أرطاة.

وقال الكلبي: نسب قصر جابر بدستبى، إلى جابر أحد بني زيبان ابن تيم الله بن ثعلبة.

قالوا: ولم تزل وظيفة الري أثنى عشر ألف ألف درهم، حتى مر بها المأمون منصرفاً من خرا سان يريد مدينة السلام، فأسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم، وأسجل بذلك لأهلها.