الجزء الثاني - فتح أذربيجان

فتح أذربيجان

حدثنا الحسين بن عمرو الأرديلي عن واقد الأرديلي عن مشايخ أدركهم أن المغيرة بن شعبة قدم الكوفة والياً من قبل عمر بن الخطاب، ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان. فأنقذه إليه وهو بنهاوند أو بقربها. فسار حتى أتى أردبيل، وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها، وإليه جباية خراجها. وكان المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجرون وميمذ والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم. فقاتلوا المسلمين قتالاً شديداً أياماً، ثم أن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على ثمان مئة ألف درهم وزن ثمانية، على أن لايقتل منهم أحداً ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار، ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساتر ودان، ولا يمنع أهل الشيز خاصةً من الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه. ثم أنه غزا موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على إتاوة.

قالوا: ثم عزل عمر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بن فرقد السلمي. فأتاها من الموصل، ويقال بل أتاها من شهرزور، على السلق الذي يعرف اليوم بمعاوية الأودي. فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد. وانتفضت عليه نواحً فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عمر بن عتبة الزاهد.

وروى الواقدي في إسناده أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان من الكوفة في سنة 22، حتى انتهى إليها ففتحها عنوة ووضع عليها الخراج.

وروى ابن الكلبي عن أبي مخنف أن المغيرة غزا أذربيجان سنة عشرين ففتحها. ثم إنهم كفروا فغزاها الأشعث بن قيس الكندي، ففتح حصن باجرون وصالحهم على صلح المغيرة، ومضى الأشعث إلى اليوم.

وكان أبو مخنف لوط بن يحيى يقول: إن عمر ولى سعداً ثم عماراً ثم المغيرة، ثم رد سعد وكتب إليه وإلى أمراء الأنصار في قدوم المدينة في السنة التي توفي فيها. فلذلك حضر سعد الشورى، وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إلى عمله.

وقال غيره: توفي عمر والمغيرة واليه على الكوفة وأوصى بتولية سعد الكوفة، وتولية أبي موسى البصرة، فولاهما عثمان ثم عزلهما.

وحدثني المذائني عن علي بن مجاهد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: عزل عمر حذيفة عن أذربيجان واستعمل عليها عتبة بن فرقد السلمي. فبعث إليه بأخبصة قد أدرجها في كرابيس. فلما وردت عليه قال: أورق؟ قالوا: لا قال: فما هي؟ قال: لطف بعث به. فلما نظر إليه قال: ردوها عليه. وكتب إليه: يا ابن أم عتبة؟ إنك لتأكل الخبيص من غير كد أبيك.

وقال عتبة: قدمت من أذربيجان وافداً على عمر فإذا بين يديه عصلة جزور.

وحدثني المدائني عن عبد الله بن القاسم عن فروة بن لقط: قال لما قام عثمان بن عفان رضي الله عنه استعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فعزل عتبة عن أذربيجان، فنقضوا. فغزاهم الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبل الأحمسي.فأغار على أهل موقان والبير والطيلسان فغنم وسبى، وطلب أهل كور أذربيجان الصلح فصالحهم على صلح حذيفة.

قال ابن الكلبي: ولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أذربيجان سعيد بن سارية الخزاعي، ثم الأشعث بن قيس الكندي.

وحدثني عبد الله بن معاذ العنقزي، عن أبيه عن سعد بن الحكم بن عتبة عن زيد بن وهب قال: لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز إلى حجاز هم وأهل البصرة إلى بصرتهم، وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة. فغزا أذربيجان، فصالحوه على ثمانية مئة ألف درهم. فكتب إليهم عمر بن الخطاب: إنكم بأرض يخالط طعام أهلها ولباسهم الميتة، فلا تأكلوا إلا ذكياً ولا تلبسوا إلا زكياً. يريد الفراء.

وحدثني العباس بن الوليد النرسي قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال لنا عاصم الأحول.

عن أبي عثمان النهدي قال: كنت مع عتبة بن فرقد حين افتتح أذربيجان. فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود و اللبود ثم بعث بهما إلى عمر مع سحيم مولى عتبة. فلما قدم عليه قال: ما الذي جئت به؟ أذهب أم ورق؟ وأمر به فكشف عنه ، فذاق الخبيص فقال: إن هذا الطيب أثر! أكل الهاجرين أكل منه شعبه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به. فكتب إليه: من عبد الله أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد. أما بعد فليس من كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك. لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم.

وحدثني الحسين بن عمرو وأحمد بن مصلح الأزديعن مشايخ من أهل أذربيجان قالوا: قدم الوليد بن عقبة أذربيجان ومعه الأشعث بن قيس. فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتفضت. فكتب إليه يستمده. فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة. فتتبع الأشعث بن قيس حاناً حاناً -والحان الحائر في كلام أهل أذربيجان- ففتحها على مثل صلح حذيفة وعتبة بن فرقد، وأسكنها ناساً من العرب من أهل العطاء والديوان، وامرهم بدعاء الناس إلي الإسلام.

ثم تولى سعيد بن العاص فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان، وتجمع له بناحية أرم وبلوانكرح خلق من الأرمن وأهل أذربيجان، فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم، وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة باجروان.

ويقال إن الشماخ بن ضرار الثعلبي كان مع سعيد بن العاص في هذه الغزاة، وكان بكير بن شداد بن عامر فارس أطلال معهم في هذه الغزاة، وفيه يقول الشماخ:

وغنيت عن خيل بموقان أسلمت

 

بكير بني الشداخ فارس أطلال

وهو من بني كنانة، وهو الذي سمع يهودياً في خلافة عمر ينشد:

وأشعث غره الإسلام مني

 

خلوت بعرسه ليل التمام

فقتله.

ثم ولى علي بن أبي طالب الأشعث أذربيجان. فلما قدمها وجد أكثرها قد أسلموا وقرأو القرآن. فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من العرب ومصرها وبنى مسجدها، إلا أنه وسع بعد ذلك.

قال الحسين بن عمرو: وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت إليها عشائرها من المصرين والشام، وغلب كل على ما أمكنهم، وابتاع بعضهم من العجم الأرضين، وألجئت إليهم القرى للخفارة، فصار أهلها مزارعين لهم.

وقال الحسين: كانت ورثان قنطرة كقنطرتي وحش وأرشق اللتين اتخذتا حديثاً أيام بابك، فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وأحيا أرضها وحصنها، فصارت له ضيعة. ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية فصارت لأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أمير المؤمنين، وهدم وكلاؤها سورها. ثم رم وجدد قريباً، وكان الورثاني من مواليها.

قال: وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بن كاوس عامل أمير المؤمنين المعتصم بالله على أذربيجان وأرمنية والجبل أيام محاربته الكافر بابك الخرمي وحصنها.

قالوا: وكانت المراغة تدعى اقراهروذ. فعسكر مروان بن محمد، وهو والي أرمينية وأذربيجان- منصرفة من غزوة موقان وجيلان- بالقرب منها. وكان فيها سر جبن كثير، فكانت دوابه و دواب أصحابه تمرغ فيها ، فجعلوا يقولون: ايتوا قرية الراغة. ثم حذف الناس قرية وقالوا: المراغة. وكان أهلها ألجأوها إلى مروان فابتناها، وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز، ثم إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بني أمية.وصارت لبعض بنات الرشيد أمير المؤملين. فلما عاث الوجناء الأزدي وصدقة بن علي مولى الأزد فأفسدا، وولي خزيمة بن خازم بن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد، بنى سورها وحصنها ومصرها، وأنزلها جنداً كثيفاً.

ثم لما ظهر بابك الخرمي بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها.

ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله منهم: أحمد بن الجنيد بن فرزندي وعلي بن هشام. ثم نزل الناس ربضها وحصن.

وأما مرند فكانت قريةً صغيرة فنزلها حلبس أبو البعيث، ثم حصنها البعيث، ثم ابنه محمد بن البعيث. وبنى بها محمد قصوراً. وكان قد خالف في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله فحاربه بغا الصغير مولى أمير المؤمنين حتى ظفر به وحمله إلى سر من رأى، وهدم حائط مرند وذلك القصر. والبعيث من ولد عتيب بن عمرو بن وهب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد ابن ربيعة. ويقال إنه عتيب بن عوف بن سنان. والعتبيون يقولون ذلك، والله أعلم.

وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زر دشت صحبهم كان منها. وكان صدقة بن علي بن صدقة بن دينار، مولى الأزد، حارب أهلها حتى دخلها وغب عليها، وبنى وأخوته بها قصوراً.

وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدي، ثم الوجناء بن الرواد، وبنى بها وأخوته بناء، وحصنها بسور، فنزلها الناس معه.

وأما الميانج فمنازل الهمدانيين. وقد مدن عبد الله بن جعفر الهمداني محلته بالميانج، ومصير السلطان بها منبراً.

وأما كوره برزة فللأود، وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها حصناً، وقد اتخذ بها في سنة 239 منبر على كرهٍ من الأودي. وأما نرير فكانت قرية لها قصر قديم متشعث، فنزلها مر بن عمرو الموصلي الطائي فبنى بها وأسكنها ولده. ثم انهم بنوا بها قصوراً ومدنوها. وبنوا سوق جابر وان وكبروه، وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون أذربيجان.

فأما سراه فإن فيها من كنده جماعة أخبرني بعضهم أنه من ولد من كان مع الأشعث بن قيس الكندي.