الجزء الثاني - جرجان وطبرستان ونواحيها

جرجان وطبرستان ونواحيها

قالوا: ولى عثمان بن عفان رحمه الله سعيد بن العاص بن سعيد ابن العاص بن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين. فكتب مرزبان طوس إليه وإلى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهو على البصرة، يدعوها إلى خراسان، على أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر.

فخرج ابن عامر يريدها، وخرج سعيد. فسبقه ابن عامر، فغزا سعيد طبرستان، ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وقيل أيضا إن سعيداً غزا طبرستان بغير كتاب أتاه من أحد، وقصد إليها من الكوفة، والله أعلم.

ففتح سعيد طميسة ونامنة، وهي قرية. وصالح ملك جرجان على مائتي ألف درهم، ويقال على ثلاث مئة ألف بغلية وافته، فكان يؤديها إلى غزاة المسلمين. وافتتح سعيد سهل طبرستان والرويان ودنباوند، وأعطاه أهل الجبال مالاً. وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الاتاوة عفواً ورمبا أعطوها بعد قتال.

وولى معاوية بن ابي سفيان مصقلة بن هبيرة بن شيل - أحد بني ثعلبة ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة - طبرستان وجميع أهلها حرب. وضم إليه عشرة آلاف ويقال عشرين ألفاً، فكاده العدو وأروه الهيبة له، حتى توغل بمن معه في البلاد. فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم ودهدهوا الصخور من الجبال على رؤسهم. فهلك ذلك الجيش أجمع، وهلك مصقلة، فضرب الناس به المثل.

فقالوا: حتى يرجع مصقلة من طبرستان.

ثم إن عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ولى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي طبرستان. فصالحهم وعقد لهم عقداً، ثم أمهلوا له حتى دخل، فأخذوا عليه ا لمضايق وقتلوا ابنه أبا يكر فضخوه، ثم نجا . فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم حذرون من التوغل في أرض العدو.

وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف وغيره قالوا: لما ولى سليمان بن عبد الملك بن مروان الأمر ولى يزيد بن الملهب بن أبي صفرة العراق. فخرج إلى خرا سان لسبب ما كان من التواء قتيبة بن مسلم وخلافه على سليمان وقتل وكيع بن أبي سود التميمي إياه.فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خرا سان. فكتب إلى سليمان يستأذنه في غزوه فأذن له. فغزا جيلان وسارية، ثم أتى دهستان وبها صول فحصرها وهو في جند كثيف من أهل الشام و أهل المصرين وأهل خرا سان. فكان أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم، فألح عليهم يزيد وقطع المواد عنهم. ثم إن وصل أرسل إلى يزيد يسأله الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وأهل بيته، ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها. فقبل يزيد ذلك وصالحه عليه ووفى له. وقتل يزيد أربعة عشر ألفاً من الترك واستخلف عليها.

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى: إن صول قتل، والخبر الأول أثبت.

وقال هشام بن الكلبي: أتى يزيد جرجان. فتلقاه أهلها بالإتاوة التي كان سعيد بن العاص صالحهم عليها، فقبلها. ثم إن أهل جرجان نقضوا وغدروا. فوجه إليهم جهم بن زحر الجعفي ففتحها.

قال: ويقال إنه صار إلى مرو فأقام بها شتوته، ثم غزا جرجان في مئة ألف وعشرين ألف من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخرا سان.

وحدثني علي بن محمد المدائني قال: أقام يزيد بن المهلب بخراسان شتوةً، ثم غزا جرجان، وكان عليها حائط من آخر قد تحصنوا به من الترك، وأحد طرفيه في البحر، ثم غلبت الترك عليه وسموا ملكهم صول. فقال يزيد: قبح الله قتيبة! ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين، أو قال: وغزا الصين. وخلف يزيد على خراسان مخلد بن يزيد. قال: فلما صار إلى جرجان وجد صول قد نزل في البحيرة. فحصره ستة أشهر، وقاتله مراراً. فطلب الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وثلاث مئة من أهل بيته، ويدفع إليه البحيرة بما فيها. فصالحه، ثم سار إلى طبرستان. واستعمل علي دهستان والبياسان عبد الله بن معمر اليشركي وهو في أربعة آلاف، ووجه ابنه خالد بن يزيد وأخاه أبا عيينة بن المهلب إلى الإصبهبذ وهزمهما حتى ألحقهما بعسكر يزيد. وكتب الإصبهبذ إلى المرزبان - ويقال المروزبان - : آنا قد قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبالك من العرب. فقتل عبد الله بن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون في منازلهم.

وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة، وهو من سبى الديلم، فقال للإصبهبذ: إني رجل منك وإليك، وإن فرق الدين بيننا، ولست بآمن أن يأتيك من قبل أمير المؤمنين ومن جيوش خرا سان ما لا قبل لك به ولا قوام لك معه. وقد رزت لك يزيد فوجدته سريعاً إلى الصلح فصالحه. ولم يزل يخدعه حتى صالح يزيد على سبع مئة ألف درهم وأربع مئة وقر زغفراناً. فقال له الإصبهبذ: العشرة وزن ستة. فقال: لا، ولكن وزن سبعة. فأبى. فقال حيان: أنا أتحمل فضل ما بين الوزنتين. فتحمله. وكان حيان من نبل الموالي وسرواتهم، وكان يكنى أبا معمر.
قال المدائني: بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغردهم، فسار يريدها ثانية. فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها، وحولها غياض وأشب. فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها على شيء. وقاتلوه مرراً، ونصب المنجنيق عليها. ثم إن رجلاً دلهم على طريق إلى قلعتهم، وقال: لا بد من سلم جلود. فعقد يزيد لجهم بن زحر الجعفى وقال: إن غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت. وأمر يزيد أن تشعل النار في الحطب. فهالهم ذلك، وخرج قومٌ منهم ثم رجعوا. وانتهى جهم إلى القلعة فقاتله قومٌ ممن كان على بابها فكشفهم عنه. ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم. ففتحت القلعة وأنزلوا على حكم يزيد. فقادهم جهم إلى وادي جمرجان وجعل يقتلهم حتى سالت الدماء في الوادي وجرت. وهو بنى مدينة جرجان. وسار يزيد إلى خراسان فبلغته الهدايا. ثم ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إلى سليمان. فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم. فوقع الكتاب في يدي عمر بن عبد العزيز فأخذ يزيد به وحبسه.

وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف، أو عوانة بن الحكم قال: سار يزيد إلى طبرستان. فاستجاش الاصبهبذ الديلم فأنجدوه. فقاتله يزيد، ثم إنه صالحه على نقد أربعة آلاف ألف درهم، وعلى سبع مئة ألف درهم مثاقيل، في كل سنة، ووقر أربع مئة جمازٍ زعفراناً، وأن يخرجوا أربع مئة رجل على رأس كل رجل منهم ترس وطيلسان وجام فضة ونمرقة حرير. وبعض الرواة يقول: برنس.

وفتح يزيد الرويان ودنباوند على مالٍ وثيابٍ وآنية.

ثم مضى إلى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته، وقدم أمامه جهم بن زحر بن قيس الجعفي. فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون، ووفاه ابن المهلب فقتل خلقاً من أهلها وسبى ذراريهم، وصلب من قتل عن يمين الطريق ويساره. واستخلف عليها جهماً، فوضع الجزية والخراج على أهلها وثقلت وطأته عليهم.

قالوا: ولم تزل اهل طبرستان يؤدون الصلح مرةً ويمتنعون من أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون. فلما كانت أيام مروان بن محمد بن مروان ابن الحكم غدروا ونقضوا، حتى إذا استخلف أبو العباس أمير المؤمنين وجه إليهم عامله فصالحوه. ثم إنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير المؤمنين المنصور. فوجه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي ومعهما مرزوق أبو الخصيب مولاه، الذي نسب إليه قصر أبي الخصيب بالكوفة. فسألهما مرزوق، حين طال عليهما الأمر وصعب ، أن يضرباه ويحلقا رأسه ولحيته، ففعلا. فخلص إلى الإصبهبذ فقال له: إن هذين الرجلين استغشاني وفعلا بي ما ترى، وقد هربت إليك، فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني المنزلة التي أستحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يداً معك عليهم. فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له. فكان يريه أنه له ناصحٌ وعليه مشفق. فلما اطلع على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما احتاجا إلى معرفته من ذلك، واحتال للباب حتى فتحه. فدخل المسلمون المدينة وفتحوها، وساروا في البلاد فدوخوها. وكان عمر بن العلاء جزاراً من أهل الري فجمع جمعاً وقاتل سنفاذ حين خرج بها. فأبلى ونكى، فأوفده جهور بن مرار العجلى على المنصور، فقوده وحضنه وجعل له مرتبة. ثم أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدي أمير المؤمنين.

وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمر بن العلاء وما يزديار بن قارن جبال شر وين من طبرستان، وهي أمنع جبالٍ وأصعبها وأكثرها أشباً وغياضاً، في خلافة المأمون رحمه الله.

ثم إن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند، وسماه محمداً، وجعل له مرتبة الإصبهبذ. فلم يزل والياً حتى توفى المأمون.

ثم استخلف أبو إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين فأقره على عمله. ثم إنه كفر وغدر بعد ست سنين وأشهرٍ من خلافته. فكتب إلى عبد الله بن طاهر ابن الحسين بن مصعب، عامله على خراسان والري وقومس وجرجان، يأمره بمحاربته. فوجه عبد الله إليه الحسن لن الحسين عمه في رجال خراسان. ووجه المعتصم بالله محمد بن إبراهيم بن مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة. فلما توافت الجنود في بلاده كاب أخٌ له يقال له فوهيار بن قارن الحسن ومحمداً وأعلمهما أنه معهما عليه. وقد كان يحقد أشياء يناله بها من الاستخفاف. وكان أهل عمله قد ملوا سيرته لتجبره وعسفه. فكتب الحسن يشير عليه بأن يكمن في موضع سماه له، وقال لما يزديار: إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا، وذكر غير ذلك الموضع، وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني. فسار مايزديار يريد الحسن. فلما صار بقرب الموضع الذي الحسن كامنٌ فيه آذنه فوهيار بمجيئه. فخرج عليه في أصحابه، وكانوا منقطعين في الغياض، فجعلوا يتتامون إليه. واراد مايزديار العرب فأخذ فوهيار بمنطقته. وانطوى عليه أصحاب الحسن فأخذوه سلماً بغير عهدٍ ولا عقد. فحمل إلى سر من رأى في سنة خمس وعشرين ومائتين، فضرب بالسياط بين يدي المعتصم بالله ضرباً مبرحاً، فلما رفعت السياط عنه مات. فصلب بسر من رأى مع بابك الخرمي، على العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة.

ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه، فقتل بطبرستان. وافتتحت طبرستان سهلها وجبلها، فتولاها عبد الله بن طاهر وطاهر بن عبد الله من بعده.