الجزء الثاني - فتوح كور دجلة

فتوح كور دجلة

قالوا: كان سويد بن قطبة الذهلي، وبعضهم يقول: قطبة بن قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان المثنى بن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة. فلما قدم خالد بن الوليد البصرة يريد الكوفة سنة 12، أعانه على حرب أهل الأبلة وخلف سويداً.

ويقال إن خالداً لم يسر من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحةً للأعاجم، فقتل وسبى. وخلف بها رجلاً من بني سعد بن بكر بن هوازن، يقال له شريح بن عامر.

ويقال إنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحاً، صالحه عنه النوشجان بن جسنسما، والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى، وهي ابنة عم النوشجان. وإنما سميت المرأة لأن أبا موسى الأشعري كان نزل بها، فزودته خبيصاً فجعل يقول: أطعمونا من دقيق المرأة.

وكان محمد بن عمر الواقدي ينكر أن يكون خالد بن الوليد أتى البصرة حين فرغ من أمر أهل اليمامة والبحرين. ويقول: قدم المدينة ثم سار منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله أعلم.

قالوا: فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خبر سويد بن قطبة وما يصنع بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله، فولاها عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب - أحد بني مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة. وهو حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين - وقال له: إن الحيرة قد فتحت وقتل عظيمٌ من العجم، يعني مهران، ووطئت خيل المسلمين أرض بابل. فصره إلى ناحية البصرة واشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك. فأتاها عتبة، وانضم إليه سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وببني تميم.

وكانت بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة، واثنتان بالزايوقة، وثلاثٌ في موضع دار الأزد اليوم. ففرق عتبة أصحابه فيها، ونزل هو بالخريبة، وكانت مسلحةً للأعاجم، ففتحها خالد بن الوليد، فخلت منهم. وكتب عتبة إلى عمر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا. فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم موضعاً قريباً من الماء والمراعى. فأقبل إلى موضع البصرة. قال أبو مخنف: وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل إنها بصرة. وقيل إنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها.

قالوا: وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط. ولم يكن لهم بناء. وأمد عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقي، وكان بالبحرين ثم إنه صار بعد إلى الموصل.

قالوا: فغزا عتبة بن غزوان الأبلة ففتحها عنوة. وكتب إلى عمر يعلمه ذلك ويخبره أن الأبله فرضة البحرين وعمان والهند والصين. وأنفذ الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفي.

وحدثني الوليد بن صالح قال: ثنا مرحوم العطار، عن أبيه، عن شويس الهدوي قال: خرجنا مع أمير الأبلة فظفرنا بها. ثم عبرنا الفرات، فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم، فظفرنا بهم وفتحنا الفرات.

وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبيه، عن حميري بن كراثة الربعى قال: لما دخلوا الأبلة وجدوا خبيز الحواري. فقالوا: هذا الذي كان يقال إنه يسمن. فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم ويقولون: والله ما نرى سمناً.

قال: وأصبت قميصاً مجيباً من قبل صدره أخضر، فكنت أحضر فيه الجمعة.

وحدثني المدائني، عن جهم بن حسان قال: فتح عتبة الأبلة ووجه مجاشع بن مسعود على الفرات، وأمر المغيرة بالصلاة، وشخص إلى عمر.

وحدثني المدائني، عن أشياخه، أن مابين الفهرج إلى الفرات صلح، وسائر الأبلة عنوة.

وحدثني عبد الله بن صالح المقري قال: حدثني عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عتبة بن غزوان حليف بني نوفل في ثمان مئة إلى البصرة، وأمده بالرجال. فنزل بالناس في خيم. فلما كثروا بنى رهطٌ منهم سبع دسا كر من لبنٍ، منها بالخريبة اثنتان، بالزابوقة واحدة، وفي الأزد اثنتان، وفي تميم اثنتان. ثم إنه خرج إلى الأبلة فقاتل أهلها ففتحها عنوة. وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمي ففتحه عنوة. وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله، وغرق عامة من معه. وأخذ سلماً فضرب عتبة عنقه. وسار عتبة إلى دستميسان وقد جمع أهلها للمسلمين وأرادوا المسير إليهم، فرأى أن يعاجلهم بالغزو ليكون ذلك أفت في اعضادهم وأملأ لقلوبهم، فلقيهم فهزمهم الله، وقتل دها قيهم. وانصرف عتبة من فوره إلى أبرقياذ ففتحها الله عليه.

قالوا: ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب في الوفادة عليه والحج. فأذن له. فاستخلف بن مجاشع بن مسعود السلمي، وكان غائباً عن البصرة وأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه. فقال : أتولى رجلاً من أهل الوبر على رجل من أهل المدر، واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم يعفه، وشخص فمات في الطريق. فولى عمر البصرة للمغيرة بن شعبة. وقد كان الناس سألوا عتبة عن البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلقٌ من الناس.
وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن عوانة قال: كانت عند عتبة بن غزوتن أزده بنت الحارث بن كلدة. فلما استعمل عمر عتبة بن غزوان قدم معه نافعٌ وأبوه بكرة وزياد. ثم إن عتبة قاتل أهل مدينة الفرات، فجعلت امرأته أزده تحرض الناس على القتال وهي تقول:

إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف

ففتح الله على المسلمين تلك المدينة، وأصابوا غنائم كثيرة. ولم يكن فيهم أحدٌ يكتب ويحسب إلا زياد. فولى قسم ذلك المغنم وجعل له كل يوم درهمان، وهو غلام في رأسه ذوابة.

ثم إن عتبة شخص إلى عمر. وكتب إلى مجاشع بن مسعود يعلمه أنه قد خلفه، وكان غائباً، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس إلى قدوم مجاشع.

ثم إن دهقان ميسان كفر ورجع عن الإسلام فلقيه المغيرة بالمنعرج فقتله. وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه. فدعا عمر عتبة فقال: ألم تعلمني أنك استخلفت مجاشعاً؟ قال: نعم. فإن المغيرة كتب إلى بكذا. فقال: إن مجاشعاً كان غائباً فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلى بالناس إلى قدومه. فقال عمر: لعمري لاهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر.

ثم كتب إلى المغيرة بعهده على البصرة، وبعث به إليه. فأقام المغيرة ما شاء الله. ثم إنه هوى المرأة.

وحدثني عبد الله بن صالح، عن عبدة، عن محمد بن إسحاق قال: غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتالٍ شديدٍ وغلب على أرضها. ثم إن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة.

وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني وهب بن جرير بن حازم،عن أبيه قال: فتح عتبة بن غزوان الأبلة والفرات وأبرقاذ زد ستميسان وفتح المغيرة ميسان. وغدر أهل أبرقباذ، ميسان.

قالوا: وكان من سبى ميسان أبو الحسن البصري وسعيد بن يسار أخوه. وكان اسم يسار فيروز. فصار أبو الحسن لامرأة من الأنصار يقال لها الربيع بنت النضر، عمة أنس بن مالك. ويقال كان لامرأة من بني سلمة يقال لها جميلة، امرأة أنس بن مالك.

وروى الحسن قال: كان أبي وأمي لرجل من بني النجار. فتزوج امرأة من بنى سلمة فساقهما إليها في صداقها. فأعتقتهما تلك المرأة، فولاؤنا لها. وكان مولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافه عمر وخرج منها بعد صفين بسنة، ومات بالبصرة سنة 110، وهو ابن تسع وثمانين سنة.

قالوا: إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بني هلال يقال لها أم جميل بنت محجن بن الأفقم بن شعيثة بن الهزم. وقد كان لها زوجٌ من ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك. فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح، مولى النبي صلى الله عليه وسلم من مولدي ثقيف، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي، ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفي، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي، ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفي، وزياد بن عبيد، فرصدوه. حتى إذا دخل عليها هجموا عليه، فإذا هما عريانان وهو متبطنها. فخرجوا حتى أتوا عمر بن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا. فقال عمر لأبي موسى الأشعري: إني أريد أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان. قال: فأعنى بعدةٍ من الأنصار. فبعث معه البراء بن مالك، وعمران بن الحصين، وأمره بأشخاص المغيرة. فأشخصه بعد قدومه بثلاث.

فلما صار إلى عمر جمع بينه وبين الشهود. فقال نافع بن الحارث: رأيته على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة. ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعاً.

فلما نظر إليه عمر قال: أما إني أرى وجه رجلٍ أرجو أن لا يرجم رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده ولا يخزي بشهادته.

وكان المغيرة قد من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال زياد: رأيت منظراً قبيحاً وسمعت نفساً عالياً. وما أدري أخالطها أم لا؟ ويقال لم يشهد بشيء.

فأمر عمر بالثلاثة لجلدوا. فقال شبل: أنجلد شهود الحق وتبطل الحد؟ فلما جلد أبو بكرة قال: أشهد أن المغيرة زانٍ. فقال عمر: حدوه. فقال: على إن جعلتها شهادة. فارجم صاحبك. فخلف أبو بكرة أن لايكلم زياداً ابداً،وكان أخاه لأمه سمية.

ثم إن عمر ردهم إلى مصرهم.

وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عمر بولايتها وإضخاص المغيرة. والأول أثبت.

وروى أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان أمر سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، أن يبعث عتبة بن غزوان إلى البصرة ففعل. وكان يأنف من مكاتبته إياه فلذلك استعفى، وأن عمر رضي الله عنه رده والياً فمات في الطريق.

وكانت ولاية أبي موسى البصرة في سنة 16 ويقال سنة 17، فاستقرى كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة، فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها على قدر احتمالها.

والثبت أن أبا موسى ولى البصرة في سنة 16.

حدثني شيبان بن فروخ الأبلس قال: ثنا أبو هلال الراسي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير أن كاتباً لأبي موسى كنب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من أبو موسى. فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك سوطاً واعزله عن عملك.