الجزء الثاني - أمر الأساورة و الزط

أمر الأساورة و الزط

حدثني جماعةٌ من أهل العلم قالوا: كان سياه الأسواري على مقدمة يزجرد. ثم إنه بعث به إلى الأهواز فنزل الكلبانية، وأبو موسى الأشعري محاصرٌ السوس. فلما رأى ظهور الإسلام وعز أهله وأن السوس قد فتحت، والإمداد متتابعة إلى أبي موسى، أرسل إليه : إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم، على أن نقاتل إلى أبي موسى، أرسل إليه إنا قد أحببنا الدخول معكم في دينكم، على أن نقاتل العجم معكم، وعلى أنه إن وقع بينكم اختلافٌ لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه إن قاتلنا العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلاد ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك الأمير الذي بعثكم.
فقال أبو موسى: بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا. قالوا: لا نرضى.

فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: أن أعطهم جميع ما سألوا. فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين. وشهدوا مع أبي موسى حصار تستر، فلم يظهر منهم نكاية. فقال لسياه: يا عون! ما أنت وأصحابك كما كنا نظن. فقال له: أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم، ولا لنا فيكم حرمٌ نخاف عليها ونقاتل، وإنما دخلنا في هذا الدين في بدء أمرنا تعوذاً وإن كان الله رزق خيراً كثيراً. ثم فرض لهم في شرف العطاء. فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الأحياء أقرب نسباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقيل: بنو تميم. وكانوا على أن يحالفوا الأزد، فتركوهم وحالفوا بني تميم. ثم خطت لهم خططهم فنزلوا، وحفروا نهرهم، وهو يعرف بنهر الأساورة. ويقال إن عبد الله بن عامر حفره.

وقال أبو الحسن المدائني: أراد شيروية الأسواري أن ينزل في بكر بن وائل مع خالد بن المعمر وبني سدوس، فأبى سياه ذلك. فنزلوا في بني تميم. ولم يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عبد شمس.

قال: فانضم إلى الأساورة السيابحة، وكانوا الإسلام بالسواحل، وكذلك الزط، وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلا. فلما اجتمعت الاساورة والزط والسيابجة، تنازعتهم بن تميم فرغبوا فيهم. فصارت الأساورة في بني سعدٍ، والزط والسيابجة في بني حنظلة. فأقاموا معهم يقاتلون المشركين، وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان، ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين، ولا شيئاً من حروبهم، حتى كان يوم مسعود. ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة، وشهدوا أمر ابن الشعث معه. فأضر بهم الحجاج فهدم دورهم، وحط أعطيا تهم، وأجلى بعضهم. وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض.

وقد روى أن الأساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم الربيع بن زياد الحارثي فقاتلهم. ثم إنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا العدو ويحالفوا من شاؤا ونزلوا بحيث أحبوا.

قالوا: وانحاز إلى هؤلاء الأساورة قومٌ من مقاتلة الفرس ممن لا أرض له، فلحقوا بهم بعد أن وشعت الحرب أوزارها في النواحي، فصاروا معهم ودخلوا في الإسلام.

وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى إصبهان دعا سياه فوجهه إلى اصطخر في ثلاث مئة فيهم سبعون رجلاً من عظمائهم، وأمره أن ينتخب من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته. ثم اتبعه يزد جرد. فلما صار باصطخر وجهه إلى السوس، وأبو موسى محاصر لها. ووجه الهرمزان إلى تستر. فنزل سياه الكلبانية وبلغ أهل السوس أمر يزد جرد وهربه فسألوا أبا موسى الصلح، فصالحهم. فلم يزل سياه مقيماً بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر، فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر، حتى قدم عمار. فجمع سياه الرؤساء الذين خرجوا معه من أصب هان فقال: قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن هؤلاء القوم سيغلبون على هذه المملكة، ويروث دوابهم في إيوان اصطخر. وأمرهم في الظهور على ما ترون. فانظروا لأنفسكم وادخلوا في دينهم. فأجابوه إلى ذلك. فوجه شيرويه في عشرة إلى أبي موسى، فأخذوا ميثاقاً على ما وصفنا من الشرط وأسلموا.

وحدثني غير المدائني عن عوانة قال: حالفت الأساور الازد. ثم سألوا عن أقرب الحيين من الأزد وبني تميم نسباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء وأقربهم مدداً. فقيل: بنو تميم فحالفوهم. وسيد بني تميم يومئذ الأحنف بن قيس.

وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الأساورة، فقتلوا خلقاً بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لأحد منهم رمية.

أما السيابجة والزط والند غار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا له من أهل السند. ومن كان سبياً من أولى الغزاة. فلما سمعوا بما كان من أمر الأساورة أسلموا وأتوا أبا موسى، فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة.

وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب بن الحضرمي، عن سلام قال: أتى الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من الأمم معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم فأسكنهم بأسفل كسكر.

قال روح: فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها. ثم إنه ضوى إليهم قوم من أباق العبيد وموالي باهلة، وخولة محمد بن سليمان بن علي، وغيرهم فشجعوهم على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية. وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن يسألوا الشيء الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفيتة، فيتناولوا منها ما أمكنهم اختلاسه. وكان الناس في بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم، وانقطع عن بغداد جميع ما كان يحمل إليها من البصرة في السفن. فلما استخلف المعتصم بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلاً من أهل خرا سان يقال له عجيف بن عنبسة، وضم إليه من القواد والجند خلقاً، ولم يمنعه شيئاً طلبه من الأموال فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلاً مضمرة مهلوبة الأذناب. وكانت أخيار الزط تأتيه بمدينة السلام في ساعات من النهار، أو أول الليل وأمر عجيفاً فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى أخذوا، فلم يشذ منهم أحد وقدم بهم إلى مدينة السلام في الزواريق، فجعل بعضهم بخانقين، وفرق سائرهم في عين زربة والثغور.

قالوا: وكانت جماعة من السيابجة موكلين ببيت مال البصرة، يقال إنهم أربعون، ويقال أربع مئة. فلما قدم طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام البصرة وعليها من قبل علي بن أبي طالب عثمان بن حنيف الأنصاري، أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم علي رضي الله عنه. فأتوهم في السحر فقتلوهم. وكان عبد الله بن الزبير المتولى لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه.

وكان على السيابجة يومئذ أبو سالمة الزطي، وكان رجلاً صالحاً. وقد كان معاوية نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وإنطاكية بشراً. وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل قوماً من الزط إلى إنطاكية وناحيتها.

قالوا: وكان عبيد الله بن زياد سبى خلقاً من أهل بخارى. ويقال بل نزلوا على حكمه، ويقال بل دعاهم إلى الأمان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا فيه. فأسكنهم البصرة. فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيراً منهم إليها. فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلي.

قال: والاندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان.