الجزء الثاني - كور فار وكرمان

كور فار وكرمان

قالوا: كان العلاء بن الحضرمي، وهو عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين، وجه هرثمة بن عرفجة البارقي، من الأزد، ففتح جزيرة في البحر مما يلي فارس. ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد به عتبة بن فرقد السلمي فعل.

ثم وولى عمر عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان فدوخهما واتسقت له طاعة أهلهما، وجه أخاه الحكم بن أبي العاص في البحر إلى فارس، في جيش عظيمٍ من عبد القيس والأزد وتميم وبني ناحية وغيرهم، ففتح جزيرة ابركاوان. ثم صار إلى توج، وهي من أرض أردشير خره ومعنى اردشير خرة بهاء أردشير.

وفي رواية أبي مخنف أن عثمان بن أبي العاص نفسه قطع البحر إلى فارس، فنزل توج ففتحها، وبنى بها المساجد، وجعلها داراً للمسلمين، وأسكنها عبد القيس وغيرهم. فكان يغير منها على أرجان وهي متاخمة لها.

ثم إنه شخص عن فارس إلى عمان والبحرين لكتاب عمر إليه في ذلك، واستخلف أخاه الحكم.

وقال غير أبي مخنف: إن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عبد القيس وغيرهم سنة تسع عشرة.

وقالوا: إن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من قدوم العرب فارس، واشتد عليه، وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم على كل من لقوه من عدوهم. فجمع جمعاً عظيماً وسار بنفسه حتى أتى راشهر من أرض سابور، وهي بقرب توج، فخرج إليه الحكم بن أبي العاص وعلى مقدمته سوار بن همام العبدي. فاقتتلوا قتالاً شديداً. وكان هناك وادٍ قد وكل به شهرك رجلاً من نقابه في جماعة، وأمره أن لا يجتازه هاربٌ من أصحابه إلا قتله. فأقبل رجلٌ من شجعاء الساورة مولياً من المعركة. فأراد الرجل قتله. فقال له: لا تقتلني فإنما نقاتل قوماً منصورين، الله معهم. ووضع حجراً فرماه ففلقه، ثم قال: أترى هذا السهم الذي فلق الحجر؟ والله ما كان ليخدش بعضهم لو رمى به. قال: لا بد من قتلك.

فبينما هو في ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك. وكان الذي قتله سوار ابن همام العبدي، حمل عليه فطعنه فأذراه عن فرسه، وضربه بسيفه حتى فاظت نفسه. وحمل ابن شهرك على سوار فقتله، وهزم الله المشركين، وفتحت راشهر عنوةً، وكان يومها، في صعوبته وعظيم النعمة على المسلمين فيه، كيوم القادسية. وتوجه بالفتح إلى عمر بن الخطاب عمرو بن الأهتم التميمي، فقال:

جئت الأمام بإسراعٍ لأخبـره

 

بالحق من خبر العبدي سوار

أخبار أروع ميمونٍ تقيبـتـه

 

مستعملٍ في سبيل الله مغوار

وقال بعض أهل توج: إن توجٍ مصرت بعد مقتل شهرك. والله أعلم.

قالوا: ثم إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كتب إلى عثمان ابن أبي العاص في إتيان فارس. فخلف على عمله أخاه المغيرة ويقال: هو حفص ابن أبي العاص. وكان جزلاً. وقدم توج فنزلها. فكان يغزو منها ثم يعود إليها.

وكتب عمر إلى أبي موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبي العاص ويعاونه. فكان يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها. وبعث عثمان بن أبي العاص هرم بن حيان العبدي إلى قلعة يقال لها شبير ففتحها عنوة بعد حصار وقتال.

وقال بعضهم: فتح هرم قلعة الستوج عنوة، وأتى عثمان خره من سابور ففتحها وأرضها، بعد أن قاتله أهلها، صلحاً على أداء الجزية والخراج ونصح المسلمين.

وفتح عثمان بن أبي العاص كازرون من سابور وغلب على أرضها. وفتح عثمان النوبندجان من سابور أيضاً وغلب عليها.

واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبي العاص في آخر خلافة عمر، رضى الله عنه، ففتحها أرجان صلحاً على الجزية والخراج.

وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره على أن يكونوا ذمة يؤدون الخراج، إلا من أحب منهم الجلاء، ولا يقتلوا ولا يستعبدوا. وفتحا سينيز من أرض أردشير خره، وترك أهلها عماراً للأرض.

وفتح عثمان حصن جنابا بأمانٍ.

وأتى عثمان بن أبي العاص درا بجرد، وكانت شادروان علمهم ودينهم، وعليها الهربذ، فصالحه الهربذ على مال أعطاه إياه، وعلى أن أهل درا بجرد كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس.

واجتمع له جمعٌ بناحية جهرم ففضهم، وفتح أرض جهرم.

وأتى عثمان فسا، فصالحه عظيمها على مثل صلح درا بجرد. ويقال أن الهربذ صالح عنها أيضا.

وأتى عثمان بن أبي العاص مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال في سنة اربع وعشرين، قبل أن تأتي أبا موسى ولايته البصرة من قبل عثمان بن عفان، فوجد أهلها هائبين للمسلمين. ورأى أخو شهرك في منامه كأن رجلاً من العرب دخل عليه فسلبه قميصه. فنخب ذلك قلبه، فامتنع قليلً ثم طلب الأمان والصلح. فصالحه عثمان على أن لا يقتل أحداً ولا يسبيه، وعلى أن تكون له ذمة، ويعجل مالاً. ثم إن أهل سابور نقضوا وغدروا. ففتحت في سنة ست وعشرين عنوةً، فتحها أبو موسى، وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص.

وقال معمر بن المثنى، وغيره: كان عمر بن الخطاب أمر أن يوجه الجارود العبدي سنة أثنتين وعشرين إلى قلاع فارس. فلما كان بين خره وشيراز تخلف عن أصحابه في عقبةٍ هناك سحراً لحاجته، ومعه اداوة، فأحاطت به جماعةٌ من الأكراد فقتلوه. فسميت تلك العقبة عقبة الجارود.

قالوا: ولما ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان ابن عفان بعد أبي موسى الأشعري، سار إلى اصطخر في سنة ثمان وعشرين، فصالحه ماهك عن أهلها. ثم خرج يريد جور، فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله عليهم. ثم لما فتح جور كر عليهم ففتحها.

قالوا: وكان هرم بن حيان مقيما على جور. وهي مدينةً اردشير خره. وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها، فيعانون اصطخر، ويغزون نواحي كانت تنتقض عليهم. فلماذا نزل ابن عامر بها قاتلوه، ثم تحصنوا، ففتحها بالسيف عنوة، وذلك في سنة تسع وعشرين.

وفتح ابن عامر أيضاً الكاريان وفشجاتن، وهي الفيشجان من درا بجرد، ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ، وانتقضتا.

وحدثني جماعة من أهل العلم أن جور غزيت عدة سنين، فلم يقدر عليها، حتى فتحها ابن عامر. وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلي ذات ليلة، وإلى جانبه جرابٌ له فيه خبزٌ ولحم، فجاء كلبٌ فجره وعدا به، حتى دخل المدينة من مدخلٍ لها خفيٍ، فألظ المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوا منه وفتحوها.

قالوا: ولما فرغ عبد الله بن عامر من فتح جور، كر على أهل اصطخر وفتحها عنوة بعد قتالٍ شديد ورميٍ بالمجانيق. وقتل بها من الأعاجم أربعين ألفاً، وأفنى أهل البيوتات ووجه الأساورة، وكانوا قد لجأوا إليها.

وبعض الرواة يقول: إن ابن عامر رجع إلى اصطخر حين بلغه نكثهم ففتحها. ثم صار إلى جور وعلى مقدمته هرم بن حيان ففتحها.

وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل اصطخر غدروا في ولاية عبد الله بن عباس رضي الله عنه عنهما العراق لعلي رضي الله عنه ففتحها.

وحدثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف قال: توجه ابن عامر إلى اصطخر، ووجه على مقدمته عبيد الله بن معمر التيمي. فاستقبله أهل اصطخر برامجرد فقاتلهم، فقتلوه، فدفن في بستان برامجرد. وبلغ ابن عامر الخبر فأقبل مسرعاً حتى واقعهم، وعلى ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الأسلمي، وعلى الرجال خالد بن المعمر الذهلي. فقاتلهم فهزمهم، حتى أدخلهم اصطخر. وفتحها الله عنوة فقتل فيها نحواً من مئة ألف. وأتى درا بجرد ففتحها، وكانت منتقضة، ثم وجه إلى كرمان.

حدثني عمر الناقد قال: حدثنا مروان بن معاوية الفرازى، عن عاصم الأحول، عن فضيل بن زيد الرقاش قال: حاصرنا شهرياج شهراً جرّاراً ، وكان ظننا أنا سنفتحها في يومنا، فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إلى معسكرنا، وتخلف عبدٌ مملوك منافراً ظنوه. فكتب لهم أماناً ورمى به إليهم في سهم. قال: فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم قالوا: هذا أمانكم! فكتبنا بذلك إلى عمر. فكتب إلينا: إن العبد المسلم من المسلمين ذمته كذمتهم، فلينفذ أمانة. فأنفذناه.

وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو النضر، عن شعبة، عن عاصم، عن الفضيل قال: كنا مصافي العدو بسيراف. ثم ذكر نحو ذلك.

وحدثنا سعدوية قال: حدثنا عباد بن العوام، عن عاصم الأحول،عن الفضيل بن زيد الرقاشي قال: حاصر المسلمون حصناً. فكتب عبدٌ أماناً ورمى به إليهم في مشقص. فقال المسلمون: ليس أمانة بشيء. فقال القوم: لسنا نعرف الحر من العبد. فكتب بذلك إلى عمر. فكتب: إن عبد المسلمين منهم، ذمته ذمتهم.

وأخبرني بعض أهل فارس أن حصن سيراف يدعى سوريانج. فسمته العرب شهرياج.

وبفسا قلعةٌ تعرف بخرشة بن مسعود من بني تميم، ثم من بني شقرة، كان مع ابن الأشعث فتحصن في هذه القلعة، ثم أومن فمات بواسط. له عقب بفسا.

كرمان

وأما كرمان فإن عثمان بن أبي العاص الثقفي لقى مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خفٍٍٍٍ، فقتله. فوهن أمر أهل كرمان وتخيب قلوبهم. فلما صار ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد. فأتى بيمند. فهلك جيشه بها.

ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعاً كرمان. ففتح بيمند عنوةً واستبقى أهلها، وأعطاهم أماناً. وبها قصرٌ يعرف بقصر مجاشع.

وفتح مجاشع بروخروة، وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان، وأقام عليها اياماً بسيرة، أهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيلٌ، فقاتلهم، ففتحها عنوة وخلف بها رجلاً، ثم إن كثيراً من أهلها جلوا عنها.

وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان، وصالح أهل بم والاندغار. فكر أهلها ونكثوا. فاقتتحها مجامع بن مسعود.

وفتح جيرفت عنوةً وسار في كرمان فدوخها.

واتى القفص وجمع له بهرموز خلقٌ ممن جلا من الأعاجم فقاتلهم، فظفر بهم وظهر عليهم.


وهرب كثيرٌ من أهل كرمان فركبوا البحر، ولحق بعضهم بمكران، وأتي بعضهم سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وأرضيهم، فعمروها وأدوا العشر فيها، واحتفروا القنى في مواضع منها.

وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال: من جاز فله ألف درهم. فجازوه، فوفى لهم. فكان ذلك أول يوم سميت الجائزة فيه.
قال الشاعر وهو الجحاف بن حكيم:

فدى للأكرمين بني هـلال

 

على علاتهم أهلي ومالـي

هم سنوا الجوائز في معـدٍٍ

 

فصارت سنة أخرى الليالي

رماحهم تزيد على ثـمـانٍ

 

وعشرٍ حين تختلف العوالي

وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي قطن يقول الشاعر:

كم من أميرٍ قد أصبـت حـبـاهء

 

وآخر حظي من إمارته الحـزن

فهل قطنٌ إلا كمن كان قـبـلـه

 

فصبراً على ما جاء يوماً به قطن

قالوا: وكان ابن زياد ولى شريك بن الأعور الحارثي، وهو شريك بن الحارث، وكتب يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميري إليه فأقطعه أرضاً بكرمان، فباعها بعد هرب ابن زياد من البصرة.

وولى الحجاج الحكم بن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس. فبنى مسجد أرجان ودار إمارتها.