الجزء الثاني - سجستان وكابل

سجستان وكابل

حدثني علي بن محمد وغيره: أن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس توجه يريد خرا سان سنة ثلاثين. فنزل بعسكره شق الشيرجان من كرمان. ووجه الربيع بن زياد ابن أنس بن الديان الحارثي إلى سجستان ، فسار حتى نزل الفرج. ثم قطع المفازة، وهي خمسة وسبعون فرسخاً، فأتى رستاق زالق، وبين زالق وبين سجستان خمسة فراسخ، وزالق حصن. فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه، فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهباً وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه.

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى: صالحه على أن يكون بلده كبعض ما افتتح من بلاد فارس وكرمان.

ثم أتى قريةً يقال لها كركوبه، على خمسة أميال من زالق، فصالحوه ولم يقاتلوه.

ثم نزل رستاقاً يقال له هيسون، فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال.

ثم أتى زالق وأخذ الأدلاء منها إلى زرنج، وسار حتى نزل الهند مند، وعبر واديا ينزع منه يقال له نوق.

وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل. فخرج إليه أهلها فقاتلوه قتالاً شديداً، وأصيب رجالٌ من المسلمين. ثم كر المسلمون وهزموهم حتى اضطروهم إلى المدينة، بعد أن قتلوا منهم مقتلةً عظيمة. ثم أتي الربيع ناشروذ، وهي قريةٌ . فقاتل أهلها وظفر بهم. وأصاب بها عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذي كتب للحجاج مكان زدا نفروخ ابن نيرى، وولى خراج العراق لسليمان بن عبد الملك وأمه. فاشترته امرأة من بني تميم ثم من بني مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد ابن تميم، يقال لها عبلة.

ثم مضى من ناشروذ إلى شرواذ، وهي قريةٌ. فغلب عليها وأصاب بها جد إبراهيم بن بسام، فصار لابن عمير الليثي.

ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها. فبعث إليه برويزمرز بأنها يستأمنه ليصالحه. فأمر بجسدٍ من أجساد القتلى فوضع له. فجلس عليه واتكأ على الآخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى. وكان الربيع آدم أفوه طويلاً، فلما رآه المرزبان هاله، فصالحه على ألف وصيف، مع كل وصيفٍ جامٌ من ذهب. ودخل الربيع المدينة.

ثم أتى سناروذ، وهو وادٍ، فعبره، وأتى القريتين. وهناك مربط فرس رستم، فقاتلوه فظفر.

ثم قدم زرنج فأقام بها سنتين.

ثم أتى عامر واستخلف بها رجلاً من بني الحارث بن كعب، فأخرجوه وأغلقوها.

وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفاً. وسبى في ولايته هذه أربعين ألف رأس. وكان كاتبه الحسن البصري.

ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان. فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم عيدٍ لهم، فصالحه على ألفي ألف درهم، وألفى وصيفٍ. وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من ناحية الهند. وغلب من ناحية طريق الرخج على ما بينه وبين بلاد الداور. فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور، ثم صالحهم، فكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف. فأصاب كل رجلٍ منهم أربعة آلاف. ودخل على الزور، وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان. فقطع يده وأخذ الياقوتتين. ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر ، وإنما أردت أن أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع.

وفتح بست وزابل بعهد.

حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن زيد، عن يحيى ابن عتيق، عن محمد بن سيرين أنه كره سبي زابل وقال: إن عثمان ولث لهم ولثا.

قال وكيع: عقد لهم عقداً، وهو دون العهد.

قالوا: وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها، حتى اضطرب أمر عثمان. ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان.

ولأمير يقول زياد الأعجم:

لولا أميرٌ هلكـت يشـكـرٌ

 

ويشكرٌ هلكى على كل حال

ثم إن أهل زرنج أخرجوا أميراً واغلقوها.


ولما فرغ علي بن أب يطالب عليه السلام من أمر الجمل خرج حسكة بن عتاب الحبطي وعمران بن الفصيل البرجمي في صعاليك من العرب حتى نزلوا زالق، وقد نكث أهلها. أصابوا منها مالا، وأخذوا جد البختري الأصم ابن مجاهد مولى شيبان. ثم أتو زرنخ وقد خافهم مرزبانها فصالحهم، ودخلوها وقال الراجز.

بشر سجستان بجوع وحرب

 

بابن الفصيل وصعاليك العرب

 

لا فضةٌ يغنيهـم ولا ذهـب

وبعث علي بن أبي طالب عبد الرحمن بن جزء الطائي إلى سجستان فقتله حسكة. فقال علي: لأقتلن من الحبطات أربعة آلاف. فقيل له: إن الحبطات لا يكونون خمس مئة.

وقال أبو مخنف: وبعث علي رضي الله عنه عون بن جعده ابن هبيرة المخزومي إلى سجستان. فقتله بهدالى اللص الطائي في طريق العراق. فكتب عليٌ إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولى سجستان رجلاً في أربعة آلاف. فوجه ربعى بن الكاس العنبري في أربعة آلاف. وخرج معه الحصين بن أبي الحر - وأسم أبي الحر مالك بن الخشخاش العنبري - وثات بن ذي الحرة الحميري. وكان على مقدمته. فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه. وضبط ربعي البلاد. فقال راجز هم:

نحن الذين اقتحموا سجستان

 

على ابن عتابٍ وجند الشيطان

 

يقدمنا الماجد عبد الرحمـان

أنا وجدنا في منير الفرقـان

 

أن لا نوالي شيعة ابن عفان

وكان ثات يسمى عبد الرحمن. وكان فيروز حصين ينسب إلى حصين بن أبي الحر. وهذا هو من سبى سجستان. ثم لما ولى معاوية بن أبي سفيان استعمل ابن عامرٍ على البصرة. فولى عبد الرحمن بن سمرة سجستان. فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطى ومعه من الأشراف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وعبد الله بن خازم السلمي، وقطرى بن الفجاءة ، والمهلب بن أبي صفرة. فكان يغزو البلد قد كفر أهله فيفتحه عنوةً أو يصالح أهله، حتى بلغ كابل. فلما صار إليها نزل بها فحاصر أهلها أشهراً، وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق، حتى ثلمت ثلمة عظيمةً، فبات عليها عباد بن الحصين ليلةً يطاعن المشركين، حتى أصبح، فلم يقدروا على سدها. وقاتل ابن خازم معه عليها. فلما أصبح الكفرة خرجوا يقاتلون المسلمين. فضرب ابن خازم فيلاً كان معهم فسقط على الباب الذي خرجوا منه، فلم يقدروا على غلقه، فدخلها المسلمون عنوةً.

وقال أبو مخنف: الذي عقر الفيل المهلب. وكان الحسن البصري يقول: ما ظننت أن رجلاً يقوم مقام ألفٍ حتى رأيت عباد بن الحصين.

قالوا: ووجه عبد الرحمن بن سمرة ببشارة الفتح عمر بن عبيد الله بن معمر ، والمهلب بن أبي صفرة.

ثم خرج عبد الرحمن فقطع زادي نسل.

ثم أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة.

وسار إلى رزان فهرب أهلها، وغلب عليها.

ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها.

ثم أتى الرخج فقاتلوه، فظفر بهم وفتحها.

ثم سار إلى ذا بلستان، فقاتلوه وقد كانوا نكثوا، ففتحها وأصاب سبياً.

وأتى كابل، وقد نكث أهلها ففتحها.

ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن سمرة سجستان من قبله، وبعث إليه بعهده، فلم يزل عليها حتى قدم زيادٌ البصرة، فأقره أشهراً، ثم ولاها الربيع بن زياد.

ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين، وصلى عليه زياد. وهو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسأل الإمارة، فإنك إن أويتيها عن غير مسئلة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسئلة وكلت إليها. وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيراً منها فأت الذي هو خيرٌ وكفره عن يمينك".

وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبى كابل فعملوا له مسجداً في قصره بالبصرة على بناءٍ كابل.

قالوا: ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل. وجاء رتبيل فغلب على ذا بلستان والرخج، حتى انتهى إلى بست. فخرج الربيع بن زياد في الناس ، فقاتل رتبيل بيست وهزمه، وأتبعه حتى أتى الرخج، فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور.

ثم عزل زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان. فغزا، فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن بلاده وبلاد كابل على ألف ألفٍ ومائتي ألف. فأجابه إلى ذلك. وسأله أن يهب له مائتي ألفٍ ففعل. فتم الصلح إلى ألف ألف درهم. ووفد عبيد الله على زياد فأعلمه ذلك. فأمضى الصلح.

ثم رجع عبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان فأقام بها إلى أن مات زياد.

وولى سجستان بعد موت زيادٍ عباد بن زياد من قبل معاوية.

ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولى سلم بن زياد خرا سان وسجستان. فولى سلم أخاه يزيد بن زياد سجستان. فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيده بن زياد. فسار إليهم يزيد بن زياد فقاتلهم، وهم بجينزة، فقتل يزيد بن زياد وكثيرٌ ممن كان معه وانهزم سائر الناس. وكان فيمن استشهد زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان القرشي، وصلة بن اشيم أبو الصهباء العدوى، زوج معاذة العدوية. فبعث سلم بن طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، الذي يعرف بطلحة الطحات، ففدى أبا عبيده بخمس مئة ألف درهم. وسار طلحة من كابل إلى سجستان والياً عليها من قبل سلم بن زياد. فجبى وأعطى زواره، ومات بسجستان. واستخلف رجلاً من بني يشكر، فأخرجته المضرية، ووقعت العصبية، وغلب كل قومٍ على مدينتهم. فطمع فيهم رتبيل. ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر والياً على سجستان من قبل القباع، وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، في أيام ابن الزبير. فأدخلوه مدينة زرنج، وحاربوا رتبيل، فقتله أبو عفراء عمير المازني، وانهزم المشركون. وأرسل عبد الله بن ناشرة التميمي إلى عبد العزيز: أن خذ جميع ما في بيت المال وانصرف. ففعل. وأقبل ابن ناشرة حتى دخل زرنج، ومضى وكيع ابن أب يسود التميمي، فرد عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين، وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعاً، فقاتله عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين، وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعاً، فقاتله عبد العزيز بن عبد الله ومعه وكيع، فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل.
فقال أبو حزابة، ويقال حنظلة ابن عرادة:

ألا لفتى بعد ابن ناشرةً الفـتـى،

 

ولا شيء إلا قد تولـى وأدبـرا

أكان حصاداً للمنايا ازدرعـنـه

 

فهلا تركن النبت ما كان أخضرا

فتىً حنظليٌ ما تـزال يمـينـه

 

تجود بمعروفٍ وتنكر منـكـرا

لعمري لقد هدت قريشٌ عروشنا

 

بأروع نفاح العشـيات أزهـرا

واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص على خرا سان. فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان، وعقد له عليها وهو بكرمان. فلما قدمها غزا رتبيل الملك، بعد رتبيل الأول المقتول. وقد كان هاب المسلمين. فصال عبد الله حين نزل بست على ألف ألف. ففعل وبعث إليه بهدايا ورقيق، فأبى قبول ذلك وقال: ن ملأ لي هذا الرواق ذهباً وإلا فلا صلح بيني وبينه. وكان غزاءً فخلى له رتبيل البلاد، حتى إذا أوغل فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق. وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم شيئاً. فأبى ذلك وقال: بل تأخذ ثلاث ألف درهم صلحاً، وتكتب واليا، ولا تحرق، ولا تخرب. ففعل. وبلغ عبد الملك بن مروان ذل: فعزله.

ثم لما ولى الحجاج بن يوسف العراق وجه عبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان فخار ووهن. وأتى الرخج، وكانت البلاد مجدبةً، فسار حتى نزل بالقرب من كابل، وانتهى إلى شعب فأخذه عليه العدو، ولحقهم رتبيل. فصالحهم عبيد الله على أن يعطوه خمس مئة ألف درهم، ويبعث إليه بثلاثة من ولده: نهار والحجاج وأبي بكرة رهناء، ويكتب لهم كتاباً أن لا يغزوهم ما كان والياً. فقال له شريح بن هانئ الحارثي: اتق الله وقاتل هؤلاء القوم. فإنك إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الإسلام بهذا الثغر، وكنت قد فررت من الموت الذي إليه مصيرك. فاقتتلوا، وحمل شريح فقتل. وقاتل الناس فأفلتوا وهم مجهودون، وسلكوا مفازة بست، فهلك كثيرٌ من الناس عطشاً وجوعاً. ومات عبيد الله بن أبي بكرة كمداً لما نال الناس وأصابهم.

ويقال إنه اشتكى أذنه فمات. واستخلف على الناس ابنه أبا بردعة.

ثم إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث خلع وخرج إلى سجستان مخالفاً لعبد الملك بن مروان والحجاج: فهادن رتبيل وصار إليه.

ثم إن رتبيل أسلمه خوفا من الحجاج. وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى نفسه سلسل نفسه معه فمات. فأتى الحجاج برأسه، فصالح الحجاج رتبيل على أن لا يغزوه سبع سنسن، ويقال تسع سنسن، على أن يؤدي بعد ذلك في كل سنة ألف درهم عروضاً. فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بن بشر الكلبي سجستان، فعاسر رتبيل في العروض التي أداها. فكتب إلى الحجاج يشكوه إليه فعزله الحجاج.

قالوا: ثم لما ولى قتيبة بن مسلم الباهلي خرا سان وسجستان في أيام الوليد بن عبد الملك، ولى أخاه عمرو بن مسلم سجستان. فكلب الصلح من رتبيل دراهم مدر همة. فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج من العروض. فكتب عمرو بذلك إلى قتيبة. فسار قتيبة إلى سجستان. فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه: أنا لم نخلع بداً من الطاعة، وإنما فارقتمونا على عروض فلا تظلمونا. فقال قتيبة للجند: اقبلوا منه العروض، فإنه ثغر مشئوم. فرضوا بها.

ثم انصرف قتيبة إلى خرا سان بعد أن زرع زرعاً في أرض زر نج لييأس العدو من انصرافه فيذعن له. فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الأفاعي، فأمر به فأحرق.

واستخلف قتيبة على سجستان ابن عبد الله بن عمير الليثي أخي عبد الله ابن عامر لأمه. ثم ولى سليمان بن عبد الملك وولى يزيد بن المهلب العراق. فولى يزيد مدرك بن المهلب، أخاه، سجستان. فلم يعطه رتبيل شيئاً.
ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له.


ثم ولى يزيد بن عبد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئاً. قال: ما فعل قومٌ كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه من الصلاة، نعالهم خوص؟ قالوا: انقرضوا. قال: أولئك أوفى منكم عهداً وأشد بأساً، وإن كنتم أحسن منهم وجوهاً.

وقيل له: ما بالك كنت تعطي الحجاج الإتاوة ولا تعطيناها. فقال: كان الحجاج رجلاً لا ينظر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم، وأنتم لا تنفقون درهماً إلا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة. ثم لم يعط أحداً من عمال بني أمية ولا عمال أبي مسلم على سجستان من تلك الإتاوة شيئاً.

قالوا: ولما استخلف المنصور أمير المؤمنين ولى معن بن زائدة الشيباني سجستان. فقدمها وبعث عماله عليها. وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل الإتاوة التي كان الحجاج صالح عليها. فبعث بإبلٍ وقبابٍ تركيةٍ ورقيقٍ وزاد في قيمة ذلك للواحد ضعفه. فضب معن وقصد الرخج، وعلى مقدمته يزيد ابن مزيد. فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى ذابلستان ليصيق بها. ففتحها وأصاب سبيا كثيرة. وكان فيهم فرج الرخجى ، وهو صبي، ،أبوه زياد. فكان فرج يحدث أن معناً رأى غباراً ساطعاً أثارته حوافر حمرٍ وحشية، فظن أن جيشاً قد أقبل نحوه ليجاره ويتخلص السبي والأسرى من يده. فوضع السيف فيهم، فقتل منهم عدة كثيرة؟ ثم إنه تبين أمر الغبار، ورأى الحمير، فأمسك.

وقال فرج: لقد رأيت حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى علي وهو يقول: اقتلوني ولا تقتلوا ابني.

قالوا: وكانت عدة من سبى وأسر زهاء ثلاثين ألفاً. فطلب ما وند خليفة رتبيل الأمان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين. فآمنه، وبعث به إلى بغداد مع خمسة آلاف من مقاتلتهم، فأكرمه المنصور وفرض له وقوده.

قالوا: وخاف معن الشتاء وهجومه، فانصرف إلى بست. وأنكر قومٌ من الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلةٍ كانوا يبنون في منزله بناءًً، فلما بلغوا التسقيف احتلوا مع فعلةً كانوا يبنون في منزله بناءً، فلما بلغو التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب، ثم دخلوا عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به، وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه.

وقال أحدهم: وضربه على رأسه أبو الغلام الطاقي- والطاق بقرب زرنج- فقتلهم يزيد بن مزيد فلم ينج منهم أحد.

ثم إن يزيد قام بأمر سجستان، واشتدت على العرب والعجم من أهلها وطأته. فاحتال بعض العربي فكتب على لسانه إلى المنصور كتاباً يخبره أن كتب المهدي إليه قد حيرته وأدهشته، ويسأله أن يعفيه من معاملته. فأغضب ذلك المنصورة وشتمه، وأقرأ المهدي كتابه، فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شيء له. زرنج - ثم إنه كلم فيه، فأشخص إلى مدينة السلام.

فلم يزل بها مجفواً حتى لقيه الخوارج على الجسر فقاتلهم. فتحرك أمره قليلاً. ثم توجه إلى يوسف البرم بخرا سان، فلم يزل في ارتفاع.

ولم يزل عمال المهدي والرشيد، رحمهما الله، يقبضون الإتاوة من رتبيل سجستان على قدر قوتهم وضعفهم، ويولون عمالهم النواحي التي قد غلب عليها الإسلام. ولما كان المأمون بخرا سان أديت إليه الإتاوة مضعفة. وفتح كابل، وأظهر ملكها الإسلام والطاعة، وأدخلها عامله، واتصل إليها البريد، فبعث إليه منها باهليلج غض، ثم استقامت بعد ذلك حينا.

وحدثني العمري، عن الهيثم بن عدي قال: كان في صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم.

قال: أول من دعا أهل سجستان إلى رأى الخوارج رجلٌ من بني تميم يقال له عاصم أو ابن عاصم.