الجزء الثالث - خراسان

خرا سان

قالوا: وجه أبو موسى الأشعري عبد الله بن بديل بن ورقاء الخز اعي غازياً، فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين، وهما حصنان يقال لأحدهما طبس وللآخر كرين. وهما حرم فيهما نخل ، وهما بابا خرا سان. فأصاب مغنماً. وأتى قومٌ من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على ستين ألفاً، ويقال خمسة وسبعين ألفاً، وكتب لهم كتاباً. ويقال بل توجه عبد الله بن بديل من إصبهان من تلقاء نفسه. فلما استخلف عثمان بن عفان ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة في سنة ثمان وعشرين، ويقال في سنة تسع وعشرين، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فافتتح من أرض فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين، واستخلف على البصرة زياد ابن أبي سفيان، وبعث على مقدمته الأحنف بن قيس، ويقال عبد الله ابن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب السلمي فأقر صلح الطبسين.

وقدم ابن عام الأحنف بن قيس إلى قوهستان. وذلك أنه سأل عن أقرب مدينة إلى الطبسين فدل عليها. فلقيته الهياطلة - وهم أتراكٌ، ويقال بل هم قومٌ من أهل فارس كانوا يلوطون، فنفاهم فيروز إلى هراة، فصاروا مع الأتراك، فكانوا معاونين لأهل قوهستان - فهزمهم وفتح قوهستان عنوةً. ويقال بل ألجأهم إلى حصنهم. ثم قدم عليه ابن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ست مئة ألف درهم.

وقال معمر بن المثنى: كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر اليشكري. وهي بلاد بن وائل إلى اليوم.
وبعث ابن عامر يزيد الجرش أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زام من نيسابور، ففتحه عنوة. وفتح باخرز، وهو رستاق من نيسابور، وفتح أيضاً جوين، وسبى سبياً.

ووجه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوى عدى الرباب، وكان ناسكا، إلى بيهق، وهو رستاق من نيسابور. فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت فيه، ودخلت معه طائفةٌ من المسلمين، وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة. فقاتل الأسود حتى قتل ومن معه. وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم. فظفر وفتح بيهق. وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه.

وفتح ابن عامر بشت من نسيابور، وأشبند، ورخ، وزاوة، وخواف، واسبرائين، وأرغيان من نيسابور. ثم أتى أرشهر، وهي مدينة نيسابور، فحصر أهلها أشهراً. وكان على كل ربع منها رجلٌ موكل به. وطلب صاحب ربعٍ من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة. فأعطيه. وأدخلهم إياها ليلاً. ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز، ومعه جماعة، فطلب الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها. فصالحه على ألف ألف درهم، ويقال سبع مئة ألف درهم.

وولى نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمى.

ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمى إلى حمراندز من نسا، وهو رستاق ففتحه. وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلاث مئة ألف درهم، ويقال على احتمال الأرض من الخراج، على أن لا يقتل أحداً ولا يسبيه.

وقدم بهمنة عظيم أبيورد على ابن عامر فصالحه على أربع مئة ألف، ويقال وجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم فصالح أهلها على أربع مئة ألف درهم.

ووجه عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس. فقاتلهم، ثم طلب زاذويه مرزبانها الصلح على إيمان مئة رجل، وأن يدفع إليه النساء. فصارت ابنته في سهم ابن خازم، واتخذها وسماها ميثاء.

وغلب ابن خازم على أرض سرخس. ويقال إنه صالحه على أن يؤمن مئة نفس. فسمى له المئة ولم يسم نفسه، فقتله ودخل سرخس عنوة.

ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى كيف وبينه ففتحهما. وأتى كعنازتك مرزبان طوس ابن عامر فصالحه عن طوس على ست مئة ألف درهم.

ووجه ابن عامر جيشاً إلى هراة، عليه أوس بن ثعلبة بن رقى. ويقال خليد بن عبد الله الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك. فشخص إلى ابن عامر وصالحه عن هراة، وبادغيس، وبوشنج، غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة.

وكتب له ابن عامر: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد الله بن عامر عظيم هراة وبوشنج وبادغيس. أمره بتقوى الله، ومناصحة المسلمين، وإصلاح ما تحت يديه من الأرضين. وصالحه عن هراة سهلها وجبلها، على أن يؤدى من الجزية ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلاً بينهم. فمن ما عليه فلا عهد ولا ذمة.

وكتب ربيع بن نهشل، وختم ابن عامر.

ويقال أيضاً إن عامر سار نفسه في الدهم إلى هراة. فقاتل أهلها، ثم صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس على ألف ألف درهم.

وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجه ابن عامر إلى مرو حاتم بن النعمان الباهلي فصالحه على ألفي ألف ومائتي ألف درهم.

وقال بعضهم: ألف ألف درهم، ومائتي ألف جريب من بر وشعير.

وقال بعضهم: ألف ألف ومئة ألف أوقية. وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم، وأن عليهم قسمة المال، وليس على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحاً كلها إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة.
وقال أبو عبيده: صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع. ولم يكن عند القوم يومئذ عين. وكان الخراج كله على ذلك، حتى ولى يزيد بن معاوية فصيره مالا.

ووجه عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس نحو طخارستان. فأتى الموضع الذي يقال له قصر الأحنف، وهو حصنٌ من مرو الروذ، وله رستاق عظيم يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ. فحصر أهله فصالحوه على ثلاث مئة ألف. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجلٌ منا القصر فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا. وكان الصلح عن جميع الريتاق. ومضى الأحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها، وقاتلوه قتالاً شديداً، فهزمهم المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم. وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن أو ذا قرابة له. فكتب إلى الأحنف: إنه دعاني إلى الصلح إسلام باذام. فصالحه على ستين ألف.

وقال المدائني: قال قوم ست مئة ألف.

وقد كانت للأحنف خيلٌ سارت رستاقاً يقال له بغ، واستاقت مئة مواشي، فكان الصلح بعد ذلك.

وقال أبو عبيده: قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات. ثم إنه مر برجلٍ يطبخ قدراً أو يعجن لأصحابه عجيناً. فسمعه يقول: إنما ينبغي للأمير أن يقاتلهم من وجهٍ واحد من داخل الشعب. فقال في نفسه: الرأي ما قال الرجل. فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره. والمرغاب نهر يسيح بمرو الروذ ثم يغيض في رمل ثم يخرج بمرو الشاهجان. فهزمهم ومن معهم من الترك. ثم طلبوا الأمان فصالحهم.

وقال غير أبي عبيده: جمع أهل طخارستان للمسلمين. فاجتمع أهل الجوزجان والطالقان والفارياب ومن حولهم، فبلغوا ثلاثين ألفاً، وجاءهم أهل الصغانيان، وهم في الجانب الشرقي من النهر، فرجع الأحنف إلى قصره فوفى له أهله. وخرج ليلاً فسمع أهل خباءٍ يتحدثون ورجلاً يقول: الرأي للأمير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقيهم. فقال رجلٌ يوقد تحت خزيرة أو يعجن: ليس هذا برأي! ولكن الرأي أن ينزل بين المرغاب والجبل، فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، فلا يلقى من عدوه وإن كثروا إلا مثل عدة أصحابه. فرأى ذلك صواباً ففعله. وهو في خمسة آلاف من المسلمين: أربعة آلاف من العرب وألفٌ من مسلمي العجم.

فالتقوا، وهز رايته وحمل وحملوا، فقصد ملك الصغانيان للأحنف فأهوى له بالرمح، فانتزع الأحنف الرمح من يده، وقاتل قتالاً شديداً، فقتل ثلاثة ممن معهم الطبول منهم. كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله. ثم إن الله ضرب وجوه الكفار، فقتلهم المسلمون قتالاً ذريعاً ووضعوا السلاح أتى شاؤا منهم. ورجع الأحنف إلى مرو الروذ.

ولحق بعض العدو بالجوزجان، فوجه إليهم الأحنف الأقرع بن حابس التميمي في خيل. قال: يا بني تميم! تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم. وابدؤا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم. ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم.
فسار الأقرع فلقى العدو بالجوزجان. فكانت في المسلمين جولة، ثم كروا فهزموا الكفرة وفتحوا الجوزان عنوة.
وقال ابن الغريزة النهشلي:

سقى صوب السحاب إذا استهلت

 

مصارع فتيةٍ بالـجـوزجـان

إلى القصرين من رستاق حوفٍ

 

أفادهم هـنـاك الأقـرعـان

وفتح الأحنف الطالقان صلحاً. وفتح الفارياب. ويقال بل فتحها أمير ابن أحمر.

ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا. فصالحهم أهلها على أربع مئة ألف، ويقال سبع مئة ألف، وذلك أثبت. فاستعمل على بلخ أسيد بن المتشمس. ثم سار إلى خارزم، وهي من سقى النهر جميعاً، ومدينتها شرقين، فلم يقدر عليها، فانصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحها.

وقال أبو عبيده: فتح ابن عامر مادون النهر. فلما بلغ أهل ما وراء النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال إنه عبر النهر حتى أتى موضعاً موضعاً. وقيل بل أتو فصالحوه، وبهث من قبض ذلك. فأتته الدواب والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ثم أحرم شكراً لله. ولم يذكر غيره عبوره النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي.

وقالوا: إنه أهل بعمرة، وقدم على عثمان. واستخلف قيس ابن الهيثم. فسار قيس بعد شخوصه من أرض طخارستان، فلم يأت بلداً منها إلا صالحه أهله فأذعنوا له، حتى أتى سمنجان، فامتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة.

وقد قيل إن ابن عامر جعل خراسان بين ثلاثة: الأحنف بن قيس، وحاتم ابن النعمان الباهلي، وقيس بن الهيثم.

والأول أثبت.

ثم إن ابن خازم افتعل عهداً على لسان ابن عامر وتولى خراسان. فاجتمعت بها جموع الترك ففضهم. ثم قدم البصرة قبل قتل عثمان.

وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان عقد لمن وراء النهر.

قالوا: وقدم ما هويه مرزبان مرو على علي بن أبي طالب في خلافته وهو بالكوفة. فكتب له إلى الدهاقين والأساورة والهشلارين أن يؤدوا إليه الجزية. فانقضت عليهم خراسان. فبعث جعده بن هبيرة المخزومي - وأمه أم هانئ بنت أب يطالب - فلم يفتحها. ولم تزل خراسان ملتاثة حتى قتل علي عليه السلام.

قال أبو عبيده: أول عمال علي على خراسان عبد الرحمن بن أبرزى مولى خزاعة، ثم جعده بن هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، فلم يعرض لأهل النكث، وجبى أهل الصلح. فكان عليها سنة أو قريباً منها.

قالوا: واستعمل معاوية بن أبي سفيان قيس بن الهيثم بن قيس بن الصلت السلمى على خراسان، ثم عزله وولى خالد بن المعمر، فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر.

ويقال إن معاوية ندم على توليته فبعث إليه بثوب مسموم.

ويقام بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حتى مات.

ثم ضم معاوية إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان. فولى ابن عامر قيس بن الهيثم السلمى خراسان.

وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم. فسار إلى بلخ فأخرب نوبهارها. وكان الذي تولى ذلك عطاء بن السائب مولى بني الليث، وهو الخشل. وإنما سمى عطاء الخشل. واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على فرسخ، فقيل قناطر عطاء. ثم إن بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة صالحهم قيس، ثم قدم على ابن عامر فضربه مئة وحبسه.

واستعمل عبد الله بن خازم. فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس فطلبوا الأمان والصلح. فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالاً.

وولى زياد بن أبي سفيان البصرة في سنة خمس وأربعين، فولى أمير بن أحمر مرو. وخليد بن عبد الله الحنفي أبرشهر. وقيس بن الهيثم، والطالقان، والفارياب. ونافع بن خالد الطاحي، من الأزد، هراة، وبادغيس، وبوشنج، وقادس، من أنواران. فكان أمير أول من أسكن العرب مرو.

ثم ولى زياد الحكم بن عمرو الغاري، وكان عفيفاً وله صحبة. وإنما قال لحاجبه فبل: ايتني بالحكم، وهو يريج الحكم بن أبي العاص الثقفي. وكانت أم عبد الله بنت عثمان بن أبي العاص عنده، فأتاه بالحكم بن عمرو، فلما رآه تبرك به وقال: رجلٌ صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فولاه خراسان، فمات بها في سنة خمسين. وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر.

وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان، كان يطلب معنا الحديث: أتدري من فتح بلادك؟ قال لا.

قال: فتحها الحكم بن عمرو الغفاري.

ثم ولي زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين خرا سان، وحول معه من أهل المصرين زهاء خمسين ألف بعيالانهم. وكان فيهم بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو عبد الله، وبمرو توفى في أيام يزيد بن معاوية. وكان فيهم أيضاً أبو برزة الأسلمي عبد الله بن نضلة وبها مات. وأسكنهم دون النهر والربيع أول من أمر الجند بالتناهد. ولما بلغه مقتل حجر بن عدي الكندي غمه ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه ومات سنة ثلاث وخمسين. واستخلف عبد الله ابنه، فقاتل أهل آمل وهي آموية وزم. ثم صالحهم ورجع إلى مرو. فمكث فيها شهرين ثم مات.

ومات زياد فاستعمل معاوية عبد الله بن زياد على خرا سان وهو ابن خمس وعشرين سنة. فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفاًن فأتى بيكند. وكانت خاتون بمدينة بخارا، فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم، فلقيهم المسلمون فهزموهم وحوا عسكرهم. وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعثت إليهم خاتون تطلب الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف، ودخل المدينة.

وفتح رامدين وبيكند وبينهما فرسخان. ورامدين تنسب إلى بيكند ويقال أنه فتح الصغانيان. وقدم البصرة بخلق من أهل بخارا، فقرض لهم. ثم ولى معاوية سعيد بن عفان خرا سان فقطع النهر.وكان أول من قطعه بجنده. فكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولى لأمرأة من بني رياح. فقال: رفيع أبو العالية رفعة وعلو.

فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح وأقبل أهل السغد والترك وأهل كش ونسف وهي نخشب إلى سعيد في مئة ألف وعشرين ألف. فالتقوا ببخارا، وقد ندمت خاتون على ادآئها الإتاوة ونكثت العهد. فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه، فانكسر الباقون. فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرهن وأعادت الصلح. ودخل سعيد مدينة بخارا.

ثم غزا سعيد بن عثمان سمر قند فأعانته خاتون بأهل بخارا. فنزل على باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمي قهندزها. فقاتل أهلها ثلاثة أيام وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث. ففقئت عينه وعين الهلب بن أبي صفرة. ويقال إن عين المهلب فقئت بالطالقان. ثم لزم العدو المدينة، وقد فشت فيهم الجراح. وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم. فسار إليهم وحصرهم. فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح. فصالحهم على سبع مئة ألف درهم، وعلى أن يعطوه رهناً من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل المدينة ومن شاء يخرج من الباب الآخر. فأعطوه خمسة عشر من أبناء ملوكهم ويقال أربعين، ويقال ثمانين. ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته.

ثم انصرف.

فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح. وأقام على الترمذ حتى فتحها صلحاً.

ثم لما قتل عبد الله بن خازم السلمي أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه وقوماً كانوا معه، فأخرجه عنها وغلب عليها وهو مخالف.

فلما قتل صارت في أيدي الولاة ثم انتفض أهلها ففتحها قتيبة بن مسلم.

وفي سعيد يقول مالك بن الريب:

هبت شمال خربق أسقطـت ورقـاً

 

واصفر بالقاع بعد الخضرة الشـيح

فارحل هديت ولا تجعل غنيمنـنـا

 

ثلجاً يصفقه بـالـتـرمـذ الـريح

أن الشتاء عـدو مـا نـقـاتـلـه

 

فاقفل هديت وثوب الدفء مطروح

ويقال إن هذه الأبيات لنهار بن توسعة في قتيبة وأولها:

كانت خرا سان أرضاً إذا يزيد بها

 

فكل باب من الخيرات مفتـوح

فاستبدلت قتيباً جعـداً أتـامـلـه

 

كأنما وجهه بالخل مـنـضـوح

وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عفان، فتوفي بسمرقند. ويقال استشهد بها. فأقبل يصلي. فقيل له: ما هذا?؟ فقال: أما سمعتم الله يقول"واستعينوا بالصبر والصلوة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".

وحدثني عبد الله بن صالح قال: حدثنا شريك عن جابر عن الشعبي قال: قدم قثم على سعيد بن عفان بخرا سان فقال له سعيد: أعطيك من المغنم ألف سهم. فقال : لا، ولكن أعطيني سهماً لي وسهماً لفرسي.

قال: ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السغد حتى ورد بهم المدينة. فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى مواليه، وألبسهم جباب الصوف، وألزمهم السقي والسواني والعمل. فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به، ثم قتلوا أنفسهم.

وفي سعيد يقول مالك بن الريب:

ومازالت يوم السغد ترعد واقفاً

 

من الجبن حتى خفت أن تتنصر

وقال خالد بن عقبة بن أبي معيط:

ألا إن خير الناس نفساً ووالـداً

 

سعيد بن عثمان قتيل الأعاجـم

فإن تكن الأيام أردت صروفها

 

سعيداً فمن هذا من الدهر سالم

وكان سعيد احتال لشريكه في خراج خرا سان. فأخذ منه مالاً، فوجه معاوية من لقيه بحلوان، فأخذ المال منه. وكان شريكه أسلم بن زرعة، ويقال إسحاق بن طلحة بن عبيد الله. وكان معاوية قد خاف سعيداً على خلعه ولذلك عاجله بالعزل.

ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد خرا سان وكان شريفاً. ومات معاوية وهو عليها.

ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد. فصالحه أهل خارزم على أربع مئة ألف وحملوها إليه. وقطع النهر ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي. وكانت أول عربية عبر بها النهر. وأتى سمرقتد فأعطاه أهلها ألف دية. وولد له ابن سماه السغدى. واستعارت امرأته من امرأة صاحب السغد حليها فكسرته عليها وذهبت به.

ووجه سلم بن زياد وهو بالسغد جيشاً إلى خجندة وفيهم أعشى همدان فهزموا. فقال الأعشى:

ليت خيلي يوم الخجندة لم تهزم وغودرت في المكر سليبـاً

تحضر الطير مصرعي وتروحت إلى الله في الدماء خضيبا

ثم رجع سلم إلى مرو. ثم غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدي. وقد كان السغد جمعت له فقاتلها.

ولما مات يزيد بن معاوية التاث الناس على سلم وقالوا: بئس ما ظن ابن سمية? إن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة. كما قيل لأخيه عبيد الله بالبصرة. فشخص عن خرا سان وأتى عبد الله بن الزبير، فأغرمه أربعة آلاف ألف درهم وحبسه.

وكان سلم يقول: ليتني أتيت الشام ولم آنف من خدمة أخي عبيد الله بن زياد فكنت أغسل رجله، ولم آت ابن الزبير.

فلم يزل بمكة حتى حصر ابن الزبير الحجاج بن يوسف. فنقب السجن وصار إلى الحجاج، ثم إلى عبد الملك. فقال له عبد الملك: أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها وال غيرك ولا كان بها عليك أمير. وولاه خرا سان. فلما قدم البصرة مات بها.

قالوا: وقد كان عبد الله بن خازم السلمي تلقى سلم بن زياد منصرفه من خرا سان بنيسابور. فكتب له سلم عهداً على خرا سان، وأعانه بمئة ألف درهم. فاجتمع جمعٌ كثير من بكر بن وائل وغيرهم فقالوا: على ما يأكل هؤلاء خرا سان دوننا؟ فأغاروا على ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا.

وأرسل سليمان بن مرثد، أحد بني سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس ابن تعلبة بن عكابة من المراثد بن ربيعة، إلى ابن خازم: إن العهد الذي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخرا سان لم يخرج عنها ويوجهك. وأقبل سليمان فنزل بمشرعة سليمان، وابن خازم بمرو، واتفقا على أن يكتبا إلى ابن الزبير فأيهما أمره فهو الأمير. ففعلا، فولى ابن الزبير عبد الله بن حازم خرا سان. فقدم إليه بعهده عروة بن قطبة بعد ستة أشهر. فأبى سليمان أن يقبل ذلك وقال: ما ابن الزبير بخليفة، وإنما هو رجل عائدٌ بالبيت. فحاربه ابن خازم وهو في ستة آلاف، وسليمان في خمسة عشر ألفاً فقتل سليمان، قتله قيس بن عاصم السلمي واحتز رأسه. وأصيب من أصحاب ابن خازم رجالٌ. وكان شعار ابن خازم. حمرٌ لا ينصرون. وشعار سليمات: يا نصر الله اقترب.

واجتمع فل سليمان إلى عمر بن مرثد بالطالقان. فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله. واجتمعت ربيعة إلى أوس بن ثعلبة بهراة، فاستخلف ابن خازم موسى ابنه، وسار إليه، وكانت بين أصحابهما وقائع، واغتنمت الترك ذلك فكانت تغير حتى بلغت قرب نيسابور. ودس ابن خازم إلى أوس من سمه فمرض. واجتمعوا للقتال، فحض ابن خازم أصحابه فقال: اجعلوه يومكم، واطعنوا الخيل من مناخرها، فإنه لم يطعن فرس قط في منخره إلا أدبره فاقتتلوا قتالاً شديداً، وأصابت أوسا جراحة، وهو عليل، فمات منها بعد أيام. وولى ابن خازم ابنه محمداً هراة، وجعل على شرطته بكير بن وشاح، وصفت له خرا سان.

ثم إن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمداً. فظفر أبوه عثمان بن بشر بن المحتفز فقتله صبراً، وقتل رجلاً من بني تميم. فاجتمع بنو تميم فتناظروا وقالوا: ما نرى هذا يقلع عنا، فيصير جماعة منا إلى طوس، فإذا خرج إليهم خلعه من بمر ومنا.

فمضى بجير بن وفاء الصريمي من بني تميم إلى طوس في جماعة فدخلوا الحصن، ثم تحولوا إلى أبر شهر وخلعوا ابن خازم. فوجه ابن خازم ثقله مع ابنه موسى إلى الترمذ، ولم يأمن عليه من بمرو من بني تميم.

وورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن خازم بولاية خرا سان. فأطعم رسوله الكتاب وقال: ما كتب لألقى الله وقد نكثت بيعه ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعت ابن طريدة.

فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بولايته خرا سان. فخاف ابن خازم أن يأتيه في أهل مرو، وقد كان بكير خلع ابن خازم وأخذ السلاح وبيت المال ودعى أهل مرو إلى بيع عبد الملك فبايعوه.

فمضى ابن خازم بريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله وثقله، فأتبعه بجير فقاتله بقرب مرو، ودعا وكيع بن الدورقية القريعى - واسم أبيه عميرة وأمه من سبى دورق نسب إليها - بردعه وسلاحه فلبسه وخرج، فحمل على ابن خازم ومعه بجير بن وقاء فطعناه. وقعد وكيع على صدره وقال: يا لثارات دويلة! ودويلة أخو وكيع لأمه. وكان مولى لبني قريع، قتله ابن خازم فتنخم ابن خازم في وجهه وقال: لعنك الله أتقتل كبش مضر بأخيك، علج لا يساوي كفاً من نوى.

وقال وكيع:

ذق يا بن عجلي مثل ما قد أذقتني

 

ولا تحسبني كنت عن ذاك عاقلاً

عجلي، أم ابن خازم، وكان يكنى أبا صالح. وكنية وكيع بن الدورقية أبو ربيعه.

وقتل مع عبد الله بن خازم بناه عنبسة ويحيى. وطعن طهمان مولى ابن خازم، وهو جد يعقوب بن داود كاتب أمير المؤمنين المهدي بعد أبي عبيد الله.

وأتى بكير بن وشاح برأس ابن خازم فبعث به إلى عبد الملك بن مروان فنصبه بدمشق. وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إلى ولد عثمان بن بشر بن المحتفز المزنى.

وكان وكيع جافياً عظيم الخلقة. صلى يوماً وبين يديه نبتٌ فجعل يأكل منه. فقيل له: أتأكل وأنت تصلي؟ فقال: ما كان الله أحرم نبتاً أنبته بماء السماء على طين الثرى. وكان يشرب الخمر، فعوتب عليها فقال: في الخمر تعاتبوني؟ وهي تجلو بولي حتى تصيرة كالفضة!.

قالوا: وغضب قومٌ لابن خازم، ووقع الاختلاف، وصارت طائفة مع بكير بن وشاح وطائفةٌ مع بجير. فكتب وجوه أهل خرا سان وخيارهم إلى عبد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خرا سان بعد الفتنة إلا برجلٍ من قريش. فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية خرا سان. فولى بكير بن وشاح طخارستان. ثم ولاه غزو ما وراء النهر.

ثم عزم أمية على غزو بخارا ثم إتيان موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ. فانصرف بكير إلى مرو، وأخذ ابن أمية فحبسه، ودعا الناس إلى خلع أمية فأجابوه. وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخاراً على فدية قليلة، واتخذ السفن، وقد كان بكير أحرقها، ورجع وترك موسى بن عبد الله . فقاتله بكير، ثم صالحه على أن يوليه أي ناحية شاء. ثم بلغ أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك، فأمر إذا دخل داره أن يؤخذ، فدخلها فأخذ، وأمر بحبسه، فوثب به بجير بن وفاء فقتله.

وغزا أمية الختل، وقد نقضوا بعد أن صالحهم سعيد بن عثمان فافتتحها. ثم إن الحجاج بن يوسف ولى خرا سان مع العراقين. فولى خرا سان المهلب بن أبي صفرة - واسمه ظالم بن سراق بن صبح بن العتيك من الأزد، ويكنى أبا سعيد - سنة تسع وتسعين. فغزا مغازى كثيرةً، وفتح الختل وقد انتقضت. وفتح خجندة، فأدت إليه السغد الإتاوة. وغزا كش ونسف، ورجع فمات بزاغول من مرو الروذ بالشوصة. وكان بدؤ علته الحزن على ابنه المغيرة بن المهلب. واستخلف المهلب ابنه يزيد المهلب. فغزا مغازى كثيرة، وفتح البتم على يد مخلد بن يزيد بن المهلب.
وولى الحجاج يزيد بن المهلب. وصار عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب إلى هراة في فل ابن الأشعث وغيرهم، وكان خرج مع ابن الأشعث. الرقاد العتكي، وجبى الخراج. فسار إليه يزيد فاقتتلوا، فهزمهم يزيد وأمر بالكف عن أتباعهم، ولحق الهاشمي بالسند.

وغزا يزيد خار زم وأصب سبياً. فلبس الجند ثياب السبي فماتوا من البرد. ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب بن أبي صفرة. ففتح بادغيس وقد انتقضت، وشومان وأخرون، وأصاب غنائم قسمها بين الناس.

قالوا: وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ. فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون. فوثب رجلٌ من أصحابه على رجل من السغد فقتله؛ فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش. ثم أتى الترمذ، وهو حصنٌ فنزل على دهقان الترمذ، وهيأ له طعاماً. فلما أكل اضطجع فقال له الدهقان: أخرج. فقال: لست أعرف منزلا مثل هذا. وقاتل أهل الترمذ حتى غلب عليها. فخرج دهقانها وأهلها إلى الترك يستنصرنهم فلم ينصروهم، وقالوا: لعنكم الله! فما ترجون بخير. أتاكم رجل في مئة وأخرجكم عن مدينتكم وغلبكم عليها.

وقد تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم. ولم يزل صاحب الترمذ وأهلها بالترك حتى أعانوهم وأطافوا جميعاً بموسى ومن معه، فبيتهم موسى وحوى عسكرهم. وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا. وكان ثابت وحريث ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى. فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده وأنهض إليه بشراً كثيراً. فعظمت دالتهما عليه، وكانا الآمرين والناهين في عسكره. فقيل له: إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والأمر.

وخرج إليه من أهل الترمذ خلقٌ من الهياطلة والترك، واقتتلوا قتالاً شديداً، فغلبهم المسلمون ومن معهم. فبلغ ذلك الحجاج فقال: الحمد لله الذي نصر المنافقين على المشركين. وجعل موسى من رءوس من قاتله جوسقين عظيمين. وقتل حريث ابن قطبة بنشابة أصابته. فقال أصحاب موسى لموسى: قد أراحنا الله من حريث فأرحنا من ثابت، فإنه لا يصفو عيشٌ معه.

وبلغ ثابتاً ما يخوضون فيه، فلما استثبته لحق بحشوراً واستنجد طرخون فأنجده. فنهض إليه موسى، فغلب على ربض المدينة. ثم كثرت إمداد السغد، فرجع إلى الترمذ فتحصن بها، وأعانه أهل كش ونسف وبخاراً. فحصر ثابتٌ موسى وهو في ثمانين ألفاً.

فوجه موسى يزيد بن هزيل كالمعزى لزيادٍ القصير الخزاعي، وقد أصيب بمصيبة فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف على رأسه ضربةً عاش بعدها سبعة أيام ثم مات. وألقى يزيد نفسه في نهر الصغانيان فنجا. وقام طرخون بأمر أصحابه. فبيتهم موسى، فرجعت الأعاجم إلى بلادها.

وكان أهل خرا سان يقولون: ما رأينا مثل موسى، قاتل مع أبيه سنتين لم يفل.

ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدةٍ يسيرةٍ وأخرج ملكها عنها. ثم قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم.

فلما عزل يزيد بن المهلب وتولى المفضل بن المهلب خرا سان وجه عثمان بن مسعود. فسار حتى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عثمان، وهو في خمسة عشر ألفاً. فضيق على موسى، وكتب إلى طرخون فقدم عليه.

فلما رأى موسى الذي ورد عليه خرج من المدينة وقال لأصحابه الذين خلقهم فيها: إن قتلت فادفعوا المدينة إلى مدرك بن المهلب ولا تدفعوها إلى ابن مسعود. وحال الترك والسغد بين موسى والحصن، وعثر به فرسه فسقط، فارتدف خلف مولى له وجعل يقول: الموت كريه. فنظر إليه عثمان فقال: وثبة موسى ورب الكعبة! وقصد له حتى سقط ومولاه، فانطووا عليه فقتلوه، وقتل أصحابه، فلم ينج منهم إلا رقية بن الحر، فإنه دفعه إلى خالد بن أبي برزة الأسلمي.

وكان الذي أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري. ودفعت المدينة إلى مدرك بن المهلب. وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين. وضرب رجلٌ ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله.

قالوا: ثم ولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي خرا سان. فخرج يريد آخرون. فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر، فأتاه حين عبر النهر ملك الغانيان بهدايا ومفتاحٍ من ذهب، وأعطاه الطاعة ودعاه إلى نزول بلاده وكان ملك آخرون وشومان قد ضيق على الصغانيان وغزاه، فلذلك أعطى قتيبة ما أعطاه ودعاه إلى ما دعاه إليه.

وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان، وسلما إليه بلديهما.

فانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحاً على ما وراء النهر.

ففتح صالح كاسان واورشت، وهي من فرغانة. وكان نصر بن سيار معه في جيشه. وفتح بيعنخر؟ وفتح خشكت من فرغانة، وهي مدينتها القديمة.

وكان آخر من فتح كاسان وأورشت وقد انتقض أهلها نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المنتصر بالله رحمه الله.

قالوا: وأرسل ملك الجوزجان إلى قتيبة فصالحه على أن يأتيه. فصار إليه ثم رجع فمات بالطالقان.

ثم غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه نيزك، فقطع النهر من زم إلى بيكند وهي أدنى مدائن بخارا إلى النهر.

فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار عليهم وحصرهم. فطلبوا الصلح ففتحها عنوة.

وغزا قتيبةتومشكت وكرمينية سنة ثمانٍ وثمانين. واستخلف علي مرو بشار ابن مسلم أخاه، فصالحهم وافتتح حصوناً صغاراً.

وغزا قتيبة بخارا ففتحها على صلح.

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى: أتى قتيبة بخارا فاحترسوا منه. فقال: دعوني أدخلها فأصلي بها ركعتين. فأذنوا له في ذلك. فأكمن لهم قوماً فلما دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا. فأصاب فيها مالاً عظيماً وغدر بأهلها.

قال: وأوقع قتيبة بالسغد، وقتل نيزك بطخارستان وصلبه، وافتتح كش ونسف وهي نخشب صلحاً.

قالوا: وكان ملك خارزم ضعيفاً. وكان أخوه خرزاد قد ضاده وقوى عليه. فبعث ملك خارزم إلى قتيبة: إني أعطيك كذا وكذا وأدفع إليك المفاتيح على أن تملكني على بلادي دون أخي. وخارزم ثلاث مدائن يحاط بها فارقين؟ ومعدنية الفيل أحصنها.

وقال علي بن مجاهد: إنما مدينة الفيل سمرقند. فنزل الملك أحصن المدائن، وبعث إلى قتيبة بالمال الذي صالحه عليه، وبالمفاتيح. فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى خرزاد فقاتله فقتله، وظفر بأربعة آلاف أسير فقاتلهم. وملك ملك خارزم الأول على ما شرط له. فقال له أهل مملكته: إنه ضعيف. ووثبوا عليه فقتلوه. فولى قتيبة أخاه عبيد الله ابن مسلم خوارزم.

وغزا قتيبة سمرقند، وكانت ملوك السند تنزلها قديماً ثم نزلت اشتخين. فحصر قتيبة أهل سمرقند والتقوا مراراًً فاقتتلوا. وكتب ملك السند إلى ملك الشاش وهو مقيم باطاربند فأتاه في خلق من مقاتليه. فلقيهم المسلمون فاقتتلوا أشد قتال. ثم إن قتيبة أوقع بهم وكسرهم، فصالحه غوزك على ألفي ألف ومائتي ألف درهم في كل عام وعلى أن يصلى في المدينة. فدخلها وقد اتخذ له غوزك طعاماً، فأكل وصلى واتخذ مسجداً، وخلف بها من المسلمين فيهم الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير.

ويقال: إنه صالح قتيبة على سبعة مئة ألف درهم، وضيافة المسلمين ثلاثة أيام. وكان في صلحه بيوت الأصنام والنيران. فأخرجت الأصنام فسلبت حليها وأحرقت. وكانت الأعاجم تقول: إن فيها أصناماً من استخف به هلك. فلما حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق. فقال المختار بن كعب الجعفي في قتيبة:

دوخ السند بالقبائل حتـى

 

ترك السند بالعراء قعودا

وقال أبو عبيدة وغيره: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر. فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضياً ينظر فيما ذكروا. فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا فنصب لهم جميع بن حاضر التاجي. فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سوآء. فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا المسلمين فأقاموا بين أظهرهم.

وقال الهيثم بن عدي: حدثني ابن عياش الهمذاني قال: فتح قتيبة عامة الشاش وبلغ أسيجاب. وقيل: كان فتح حصن أسبيجاب قديماً، ثم غلب عليه الترك ومعهم قوم من أهل الشاش ثم فتحه نوح بن أسد في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله وبنى حوله سوراً يحيط بكروم أهله ومزارعهم.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: فتح قتيبة خارزم، وفتح سمرقند عنوة. وقد كان سعيد بن عثمان صالح أهلها، ففتحها قتيبة بعده ولم يكونوا نقضوا ولكنه استقل صلحهم.

قال: وفتح بيكند وكش، ونسف، والشاش، وغزا فرغانة ففتح بعضها، وغزا السند، وأشرو سنة.

قالوا: وكان قتيبة مستوحشاًًمن سليمان بن عبد الملك. وذلك أنه سعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد فأراد دفعها عن سليمان.فلما مات الوليد وقام سليمان خطب الناس فقال: إنه قد وليكم هبنقة العائشي. وذلك أن سليمان كان يعطي ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم. وكان هنبقة وهو يزيد بن ثروان، يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول: أنا لا أصلح ما أفسد الله. ودعا الناس إلى خلعه. فلم يجبه أحد إلى ذلك. فشتم بني تميم ونسبهم إلى الغدر وقال: لستم بني تميم ولكنكم من بني ذميم.

وذم بني بكر بن وائل وقال: ياإخوة مسيلمة.

وذم الأزد فقال: بدلتم الرماح بالمرادي، وبالسفن أعنة الحصن. وقال: يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية! لأضعنكم بحيث وضعكم الله. قال: فكتب سليمان إلى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه، وأن يعطى الناس أعطياتهم، ويأذن لمن أراد القفول في القفول. وكانوا متطلعين إلى ذلك. وأمر رسوله بإعلام الناس ما كتب به. فقال قتيبة: هذا من تدبيره علي. وقام فقال: أيها الناس! إن سليمان قدمناكم مخ أعضاد البعوض، وإنكم ستدعون إلى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته. وكانوا حنقين عليه لشتمه إياهم. فاعتذر من ذلك وقال: إني غضبت فلم أدر ما قلت، وما أردت لكم إلا الخير فتكلموا وقالوا: إن أذن لنا في القفول كان خيراً له، وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه. وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد إحسانه إليهم، وذم قلة وفائهم له، وخلافهم عليه، وخوفهم بالأعاجم الذين استظهر بهم عليهم. فأجمعوا على حربه ولم يجيبوه بشيء. وطلبوا إلى الحضين بن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى، وأشار عليهم بوكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة بن يربوع بن حنظلة التميمي، وقال: لا يقوى على هذا الأمر غيره، لأنه إعرابي جاف، تطيعه عشيرته وهو من بني تميم، وقد قتل قتيبة بني الأهتم فهم يطلبونه بدمائهم.

فسعوا إلى وكيع فأعطاهم يده، فبايعوه. وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك حيان مولى مصقلة، وبخرا سان يومئذٍ من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفاً، ومن أهل الكوفة سبعة آلاف، ومن الموالي سبعة آلاف.
وإن وكيعاً تمارض ولزم منزله. فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه وساقه بمغرة فيقول: أنا عليل لا تمكنني الحركة.

وكان إذا أرسل إليه قوماً يأتونه به تسللوا وأتوا وكيعاً فأخبروه فدعا وكيعٌ بسلاحه وبرمح، وأخذ خمار أم ولده فعقده عليه. ولقيه رجل يقال له إدريس فقال له: يا أبا مطرف! إنك تريد أمراً وتخاف ما قد أمنك الرجل منه، فالله الله. فقال وكيع: هذا إدريس رسول إبليس! أقتيبة يؤمنني؟ والله لا آتيه حتى أوتى برأسه.

ودلف نحو فسطاط قتيبة، وتلاحق به الناس، وقتيبة في أهل بيته وقومٌ وفوا له. فقال صالح أخوه لغلامه: هات قوسي. فقال له بعضهم وهو يهزأ: أنه ليس هذا يوم قوس. ورماه رجلٌ من بني ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط فقضى، وقتيبة عند رأسه. وكان قتيبة يقول لحيان، وهو على الأعاجم. احمل. فيقول: لم يأن ذلك بعد.

وحملت العجم على العرب. فقال حيان: يا معشر العجم! لم تقتلون أنفسكم لقتيبة؟ ألحسن بلائه عندكم؟ فانحاز بهم إلى بني تميم. وتهايج الناس وصبر مع قتيبة اخوته، أهل بيته وقومٌ من أبناء ملوك السغد انفوا من خذلانه. وقطعت إطناب الفسطاط وإطناب الفازة فسقطت على قتيبة أو سقط عمود الفازة على هامته فقتله. فاحتز رأسه عبد الله بن علوان.

وقال قومٌ منهم هشام بن الكلبي: بل دخلو عليه، فسطاطه فقتله جهم بن زحر الجعفي، وضربه سعد بن مجد، واحتز رأسه ابن علوان.

قالوا: وقتل معه جماعةٌ من أخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء. ونجا ضرار بن مسلم، أمنه بنو تميم.

وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمه. وأتى وكيع برأس قتيبة فبعث به إلى سليمان مع سليط بن عطية الحنفي.

وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من ذلك.

وكتب وكيع إلى أبي مجلز لاحق بن حميد بعهده على مرو فقبله، ورضى الناس به.

وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة.

ولما قبل وكيع بن أبي سود بصارم بخرا سان؟ وضبطها أراد سليمان توليته إياها فقيل له: إن وكيعاً ترفعه الفتنة وتضعه الجماعة، وفيه جفاءٌ وأعرابية.

وكان وكيع يدعو بطستٍ فيبول والناس ينظرون إليه. فمكث تسعة أشهر، حتى قدم عليه يزيد بن المهلب وكان بالعراق. فكتب إليه سليمان أن يأتي خرا سان، وبعث إليه بعهده. فقدم يزيد مخلداً ابنه فحاسب وكيعاً وحبسه وقال له: أد مال الله. فقال: أوخازاً لله كنت؟.

وغزا مخلد البتم ففتحها. ثم نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم، فطمعوا في انصرافه، ثم كر عليهم حتى دخلها. ودخلها جهم بن زحر وأصاب بها مالاً وأصناماً من ذهب، فأهل البتم ينسبون إلى ولائه. قال أبو عبيده معمر بن المثنى: كانوا يرون أن عبد الله بن عبد الله بن الأهم أبا خاقان قد كتب إلى الحجاج يسعى بقتيبة، ويخبر بما صار إليه من المال، وهو يومئذ خليفة قتيبة على مرو. وكان قتيبة إذا غزا استخلفه على مرو. فلما كانت غزوة بخارا وما يليها واستخلفه، أتاه بشير، أحد بني الأهتم، فقال له: إنك قد انبسطت إلى عبد الله وهو ذو غوائلٍ حسودٌ، فلا نأمنه أن يعزلك فيستفسدنا.

قال: إنما قلت هذا حسداً لابن عمك.

قال: فلسكن عذري عندك، فإن كان ذلك عرتني.

وغزا، فكتب بما كتب به إلى الحجاج. فطوى الحجاج كتابه في كتابه إلى قتيبة. فجاء الرسول حتى نزل السكة بمرو وجاوزها ولم يأت عبد الله. فأحس بالشر، فهرب فلحق بالشام، فمكث زميناً يبيع الخمر والكتانيات في رزمة على عنقه يطوف بها. ثم إنه وضع خرقةً وقطنة على إحدى عينيه ثم عصبها واكتنى بأبي طينة. وكان يبيع الزيت. فلم يزل على هذه الحال حتى هالك الوليد بن عبد الملك وقام سليمان، فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة. وقام بخطبة تهنئة لسليمان ووقوعاً في الحجاج وقتيبة. وكانا قد بايعا لعبد العزيز بن الوليد وخلعا سليمان. فتفرق الناس وهم يقولون: أبو طينة الزيات أبلغ الناس.

فلما انتهى إلى قتيبة كتاب ابن الأهتم إلى الحجاج وقد فاته، عكر علي بني عمه وبنيه. وكان أحدهم شيبة أبو شبيب فقتل تسعة أناسي منهم أحدهم بشير. فقال له بشير: اذكر عذري عندك فقال: قدمت رجلاً وأخرت رجلاً يا عدو الله! فقتلهم جميعاً.

وكان وكيع بن أبي سود قبل ذلك على بني تميم بخرا سان. فعزله عنهم قتيبة واستعمل رجلاً من بني ضرار الضبي، فقال حين قتلهم: قتلني الله أنا أقتله. وتفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر. فقالوا له: إنك لم تصل. فقال: وكيف أصلي لرب قتل مناعا متهم صبيان ولم يغضب لهم.

وقال أبو عبيده: غزا قتيبة مدينة فبل ففتحها. وقد كان أمية بن عبد الله ابن خالد بن أسيد فتحها. ثم نكثوا، ورامهم يزيد بن المهلب فلم يقدر عليها. فقال كعب الأشقري:

أعطيتك فيلٌ بأيديها وحق لهـا

 

ورامها قبلك الفجفاجة الصلف

يعني يزيد بن المهلب قالوا: ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك ما وراء النهر يدعوهم إلى الإسلام. فأسلم بعضهم وكان عامل عمر على خرا سان الجراح بن عبد الله الحكمي. فأخذ مخلد بن يزيد وعمال يزيد فحبسهم. ووجه الجراح عبد الله بن معمر اليشكرى إلى ما وراء النهر، فأوغل في بلاد العدو، وهم بدخول الصين، فأحاطت به الترك حتى افتدى منهم وتخلص وصار إلى الشاش.

ورفع عمر الخراج على من أسلم بخرا سان، وفرض لمن أسلم، وابتنى الخانات.

ثم بلغ عمر عن الجراح عصبية، وكتب إليه إنه لا يصلح أهل خرا سان إلا السيف. فأنكر ذلك وعزله. وكان عليه دين فقضاه. وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي حرب خرا سان، وعبد الرحمن بن عبد الله القشيري خراجها.

قال: وكان الجراح بن عبد الله يتخذ نقراً من فضةٍ وذهب ويصيرها تحت بساطٍ في مجلسه على أوزانٍ مختلفة. فإذا دخل عليه الداخل من أخوته والمعتزين به رمى إلى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له.

ثم ولى يزيد بن عبد الملك، فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخرا سان. فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاس بن أمية خرا سان، وسعيدٌ هذا يلقب حذيفة. وذلك أن بعض دها قين ما وراء النهر دخل عليه وعليه معصفرٌ وقد رجل شعره. فقال: هذا خذينة. يهني دهقانة. وكان سعيدٌ صهر مسلمة على ابنته. فقدم سعيدٌ سورة بن الحر الحنظلي، ثم ابنه، فتوجه إلى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها. فحاربهم وهزمهم، ومنع الناس من طلبهم حيناً.

ثم لقي الترك ثانيةً فهزموهم وأكثروا القتل في أصحابه. وولى سعيد نصر ابن سيار. وفي سعيد يقول الشاعر:

فسرت إلى الأعداء تلهو بلعبةٍ

 

فأيرك مشهورٌ وسيفك مغمد

وشخص قومٌ من وجوه أهل خرا سان إلى مسلمة يشكون سعيداً فعزله. وولى سعيد بن عمرو الجرشي خرا سان. فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده، وكان لحاناً. فقال سعيدٌ: أيها الناس! إن الأمير بريءٌ مما تسمعون من هذا اللحن. ووجه إلى السغد يدعوهم إلى الفئة والمراجعة، وكف عن مهايجتهم حتى أتته رسله بإقامتهم على خلافة. فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة آلاف رجل، وفارقوهم مائلين إلى الطاعة، وافتتح الجرش عامة حصون السغد ونال من العدو نيلا شافيا.

وكان يزيد بن عبد الملك ولى عهده هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بعده، فلما مات يزيد بن عبد الملك قام هشام. فولى عمر ابن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل على خرا سان مسلم بن سعيد. فغزا أفشين، فصالحه على ستة آلاف رأس، ودفع إليه قلعته، ثم انصرف إلى مرو. وولى طخارستان نصر بن سيار فخالفه خلقٌ من العرب فأوقع بهم، ثم سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.

واستعمل هشام خالد بن عبد الله القسري على العراق. فولى أسد بن عبد الله أخاه خرا سان. وبلغ ذلك مسلم بن سعيد فسار حتى أتى فرغانة، فأناخ على مدينتها، فقطع الشجر، وأخرب العمارة، وانحدر عليه خاقان الترك في عسكره، فارتحل عن فرغانة، وسار في يوم واحد ثلاث مراحل، حتى ماتت دوابه، وتطرفت الترك عسكره. فقال بعض الشعراء:

غزوت بنا من خشية العزل عاصياً

 

فلم تنج من دنيا معنٍ غـرورهـا

وقدم أسد سمرقند. فاستعمل عليها الحسن بن أبي العمرطة. فكانت الترك تطرق سمرقند وتغير. وكان الحسن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم. فخطب ذات يوم فدعا على الترك في خطبته فقال: اللهم اقطع آثارهم، وعجل أقدارهم، وأنزل عليهم الصبر. فشتمه أهل سمرقند وقالوا: لا بل أنزل الله علينا الصبر وزلزل أقدامهم.

وغزا أسد جبال نمرود. فصالحه نمرود وأسلم. وغزا الختل، فلما قدم بلخ أمر ببناء مدينتها، ونقل الدواوين إليها. وصار إلى الختل فلم يقدر منها على شيء. وأصاب الناس ضرٌ وجوعٌ. وبلغه عن نصر بن سيار كلامٌ فضربه وبعث به إلى خالد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب. ثم شخص أسد عن خرا سان وخلف عليها الحكم بن عوانة الكلبي.

واستعمل هشام أشري بن عبد الله السلمي على خرا سان. وكان معه كاتب نبطي يسمى عميرة، ويكنى أبا أمية. فزين له الشر. فزاد أشرس في وظائف خرا سان واستخف بالدهاقين، ودعا ما وراء النهر إلى الإسلام، وأمر بطرح الجزية عن من أسلم. فسارعوا إلى الإسلام وانكسر الخراج. فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسالمة. فأنكروا ذلك وألاحوا منه. وغضب لهم ثابت قطنة الأزدى. وإنما قيل له قطنة لأن عينه فقئت فكان يضع عليها قطنة. فبعث إليهم أشري من فرق جمعهم. وأخذ ثابتاً فحبسه ثم خلاه بكفالة ووجهه في وجهً، فخرجت عليه الترك فقتلته.

واستعمل هشام في سنة 112 الجنيد بن عبد الرحمن المري على خرا سان. فلقى الترك فحاربهم، ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد. فأخذوه فأتوا به الجند بن بعد الرحمن. فبعث به إلى هشام يستمده فأمده بعمرو بن مسلم في عشرة آلاف رجل من أهل البصرة، وبعبد الرحمن بن نعيم في عشرة آلاف من أهل الكوفة، وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس. وأطلق يده في الفريضة، ففرض لخمسة عشر ألف رجل. وكانت للجنيد مغازٍ، وانتشرت دعاة بني هاشم في ولايته وقوى أمرهم. وكانت وفاة الجنيد بمرو.

وولى هشام خرا سان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي.

وقال أبو عبيده معمر بن المثنى: التاثب نواحٍ من طخارستان فتحها الجنيد ابن عبد الرحمن وردها إلى صلحها ومقاطعتها.

قال: وكان نصر بن سيار غزا اشروسنة أيام مروان بن محمد، فلم يقدر على شيْ منها. فلما استخلف أمير المؤمنين العباس رحمه الله ومن بعده من الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها، ويحاربون من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبلة، ويعيدون مصالحة من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له.

قالوا: ولما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزى السغد وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند، وألح عليهم بالحروب وبالغارات أيام مقامه بخرا سان وبعد ذلك. وكان مع تسريبه الخيول إليهم يكاتبهم بالدعاء إلى الإسلام والطاعة والترغيب فيهما. ووجه إلى كابل شاه جيشاً فأدت الإتاوة وأذعن بالطاعة. واتصل إليها البريد حتى حمل إليه منها أهليلج وصل رطباً.

وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل، المعروف بذى الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه، يسأله الصلح على مالٍ يؤديه على أن لا يغزى المسلمين بلده. فأجيب إلى ذلك. فلما قدم المأمون رحمه الله إلى مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح. وكان له قهرمان أثيرٌ عنده قد زوج ابنته من الفضل بن كاوس. فكان يقرظ الفضل عنده ويقربه من قلبه ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه. فوثب حيدر على القهرمان فقتله على باب كنب مدينتهم، وهرب إلى هاشم بن محور الختلي. وكان هاشم ببلده مملكا عليه. فسأله أن يكتب إلى أبيه في الرضى عليه.

وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس، وهرب ببعض دهاقينه. فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الإسلام وشخص إلى مدينة إسلام، فوصف للمأمون سهولة الأمر في أشروسنة، وهون عليه ما يهوله الناس من خبرها، ووصف له طريقاً مختصرة إليها. فوجه المأمون أحمد بن أبي خالد الأحول الكاتب لغزوها في جيشٍ عظيمٍ. فلما بلغ كاوس إقباله نحوه بعث الفضل ابن كاوس إلى الترك يستنجد هم، فأنجد منهم الدهم. وقدم أحمد ابن أبي خالد بلد أشر وسنة، فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالأتراك. فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطريق البعيدة، وأنه لا يعرف هذه الطريق المختصرة، فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم، وخرج في الطاعة. وبلغ الفضل خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك، ثم فارقهم وسار جاداً حتى أتى أباه فدخل في أمانة. وهلك الأتراك عطشاً. وورد كاوس مدينة السلام فأظهر الإسلام وملكه المأمون على بلاده. ثم ملك ابنه وهو الأفشين بعده.
وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله على خرا سان في غزو من لم يكن على الطاعة والإسلام من أهل ما وراء النهر، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم، ويستميلهم بالرغبة، فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم.

ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك، حتى صار جل شهود عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والأشر وسنة وأهل الشاش وغيرهم. وحضر ملوكهم بابه، وغلب الإسلام على من هناك، وصار أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك. وأغزى عبد الله بن طاهر ابنه طاهر بن عبد الله بلاد الغوزية ففتح مواضع لم يصل إليها أحدٌ قبله.

وحدثني العمري، عن الهيثم بن عدي، عن ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حتى أسكنهم أرض فرغانة والشاش.