الجزء الثالث - فتوح السند

فتوح السند

أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال: ولى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة خمس عشرة. فوجه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان فأقطع جيشاً إلى تانه. فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك. فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف! حملت دوداً على عود. وإني أحلف بالله إلو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم.

ووجه الحكم أيضاً إلى بروص. ووجه أخاه المغيرة بن أبي العاص إلى خور الديبل، فلقى العدو فظفر.

فلما ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه وولى عبد الله بن عامر بن كريز العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه بخبره. فوجه حكيم بن جبلة العبدي. فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله عن حال البلاد فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفتها وتنحرتها.

قال: فصفها لي: قال: ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصها بطل. إن قل الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا.

فقال له عثمان: أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر.

فلم يغزها أحداً.

فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة علي ابن أبي طالب رضي الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدي متطوعاً بإذن علي. فظفر وأصاب مغنماً وسبياً، وقسم في يوم واحد ألف رأس. ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان، إلا قليلاً. وكان مقتله في سنة اثنتين وأربعين. والقيقان من بلاد السند مما يلي خرا سان. ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبي صفرة في أيام معاوية أربع وأربعين. فأتى بنة وألاهور، وهما بين الملتان وكابل. فلقيه العدو فقاتله ومن معه. ولقى المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارساً من الترك على خيل محذوفة، فقاتلوه فقتلوا جميعاً، فقال المهلب: ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا؟ فحذف الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين.

وفي بنة يقول الأزدى:

ألم تر أن الأزد ليلة بـيتـوا

 

ببنة كانوا خير جيش المهلب

ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن سوار العبدي. ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند. فغزا القيقان فأصاب مغنماً. ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلاً قيقانية، وأقام عنده، ثم رجع إلى القيقان فاستجاشوا الترك. فقتلوه، وفيه يقول الشاعر:

وابن سوارٍ على علاتـه

 

موقد النار وقتال السغب

وكان سخياً لم يوقد أحدٌ ناراً غير ناره في عسكره. فرأى ذات ليلة ناراً فقال: ما هذه؟ فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص. فأمره أن يطعم الناس الخبيص ثلاثاً.

وولى زياد بن أبي سفيان في أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي. وكان فاضلا متألهاً. وهو أول من أحلف الجند بالطلاق . فأتى الثغر، ففتح مكران عنوةً ومصّرها، وأقام بها، وضبط البل. وفيه يقول الشاعر:

رأيت هذيلاً أحدثت في يمينـهـا

 

طلاق نساء ما تسوق لها مهرها

لهان على حلفة ابن مـحـبـق

 

إذا رفعت أعناقها حلقاً صفـرا

وقال بن الكلبي: كان الذي فتح مكران حكيم بن جبلة العبدى.

ثم استعمل زيادٌ على الثغر راشد بن عمر الجديدى من الأزد . فأتى مكران، ثم غزا القيقان فظفر ، ثم غزا الميد فقتل. وقام بأمر الناس سنان بن سلمى. فولاه زيادٌ الثغر. فأقام به سنتين.

وقال أعشى همدان في مكران:

وأنت تسير إلى مـكـران

 

فقد شحط الورد والمصدر

ولم تك من حاجاتي مكران

 

ولا الغزوة فيها ولا المتجر

وحدثت عنها ولـم آتـهـا

 

فما زلت من ذكرها أوجر

بأن الكثـير بـهـا جـائعٌ

 

وأن القليل بهـا مـعـور

وغزا عبادة بن زيّاد ثغر الهند من سجستان. فأتى سناروذ. ثم أخذى على حوّى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهند مند. فنزل كش، وقطع المفازة حتى أتى القندهار، فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم، وفتحها بعد أن أصيب رجالٌ من المسلمين. ورأى قلانس أهلها طوالاً. فعمل عليها. فسميت العبادية.

وقال ابن مفرغ:

كم بالجروم وأرض الهند من قدمٍ

 

ومن سرابيل قتلى لا هم قبروا

بقندهار ومن تكتـب مـنـيتـه

 

بقندهار يرجم دونه الـخـبـر

ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدي، ويكنى أبا الأشعث، ثغر الهند. فغزا البوقان والقيقان. فظفر المسلمون وغنموا. وبث السرايا في بلادهم، وفتح قصدار وسبابها. وكان سنان قد فتحها إلا أن أهلها انتقضوا. وبها مات. فقال الشاعر:

حل بقصدار فأضحى لـهـا

 

في القبر لم يقفل مع القافلين

لله قصـدار وأعـنـابـهـا

 

أي فتى دنيا أجـنـت ودين

ثم ولى عبيد الله بن زياد بن حري الباهلي. ففتح الله تلك البلاد على يده. وقاتل بها قتالاً شديداً فظفر وغنم.
وقال قوم إن عبيد الله بن زياد ولى سنان بن سلمة. وكان حري على سراياه. وفي حري بن حري يقول الشاعر:

لولا طعاني بالبوقان ما رجعت

 

منه سرايا ابن حري بأسلاب

وأهل البوقان اليوم مسلمون. وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي بها مدينة سماها البيضاء، وذلك في خلافة المعتصم بالله.

ولما ولى الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي العراق ولى سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر. فخرج عليه معاوية ومحمد ابنا الحارث العلافيان، فقتل. وغلب العلافيان على الثغر.

واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وهو أبو جرم.

فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر. فغزا مجاعة فغنم، وفتح طوائف من قندابيل. ثم أتم فتحها محمد بن القاسم. ومات مجاعة بعد سنة بمكران. قال الشاعر:

ما من مشاهدك التي شاهدتها

 

إلا يزينك ذكرها مجـاعـا

ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري. فأهدى إلى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوةً ولدن في بلاده مسلمات ومات آباؤهن، وكانوا تجاراً. فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة التي كن فيها قومٌ من ميد الديبل في بوارج. فأخذوا السفينة بما فيها. فنادت امرأة منهن،وكانت من بني يربوع، يا حجاج! وبلغ الحجاج ذلك. فقال: يالبيك! فأرسل إلى داهر يسأله تخليه النسوة. فقال: إنما أخذهن لصوصٌ لا أقدر عليهم. فأغزى الحجاج عبيد الله نبهان الديبل، فقتل. فكتب إلى بديل بن طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الديبل. فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو فقتلوه. وقال بعضهم: قتله رط البدهة.

قال: وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها.


ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بفارس، وقد أمره أن يسير إلى الري، وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي. فرده إليه وعقد له على ثغر السند، وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام، وخلقاً من غيرهم، وجهزه بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمسال، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام إليه أصحابه ويوافيه ما أعد له. وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل. فقال: إذا صرتم إلى السند فإن الخل بها ضيق، فانقعوا هذا القطن في الماء ثم اطبخوا به واصطبغوا.

ويقال إن محمداً لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم. فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل.

فسار محمد بن القسم إلى مكران فأقام بها أياماً، ثم أتى قنزبور ففتحها، ثم أتى أرمائيل. وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لفيه، فانضم إليه وسار معه، فتوقى بالقرب منها، فدفن بقنبل.

ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم الديبل يوم جمعة، ووافته سفنٌ كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة. فخندق حين نزل الديبل، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الأعلام، وأنزل الناس على راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعروس كان يمد فيها خمس مئة رجل.

وكان بالديبل بدٌ عظيم عليه دقلٌ طويلٌ، وعلى الدقل رايةٌ حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة. وكانت تدور. والبد فيما ذكروا منارة عظيمة يتخذ في بناء لهم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها. وقد يكون الصنم في داخل المنارة أيضا. وكل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد. والصنم بدٌ أيضا.

وكانت كتب الحجاج ترد على محمد، وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام. فورد على محمد من الحجاج كتاب ان انصب العروس واقصر منها قائمة، ولتكن مما يلي المشرق، ثم ادع صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الذي وصفت لي. فرمى الدقل فكسر فاشتدت طيرة الكفر من ذلك. ثم إن محمداً ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم حتى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت، وصعد عليها الرجال. وكان أولهم صعوداً رجلٌ من مراد من أهل الكوفة. ففتحت عنوةً. ومكث محمد يقتل من فيها ثلاثة أيام، وهرب عامل داهر عنها، وقتل سادنا بيت آلهتهم. واختط محمد للمسلمين بها وبنى مسجداً وأنزلها أربعة آلاف.

قال أحمد بن يحيى: فحدثني منصور بن حاتم النحوي مولى آل خالد بن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسوراً، وأن عنبسة ابن إسحاق الضبي العامل كان على السند في خلافة المعتصم بالله رحمه الله هدم أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجناً، وابتدأ فر مرمة المدينة بما نقض من حجارة تلك المنارة. فعزل قبل استتمام ذلك.

وولى بعده هارون بن أبي خالد المروروذي فقتل بها.

قالوا: وأتي محمد بن القاسم البيرون. وكان أهلها بعثوا سمنيين منهم إلى الحجاج فصالحوه. فأقاموا لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم، ووفوا بالصلح. وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها، حتى عبر نهراً دون مهران. فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عن من خلفهم، ووظف عليهم الخراج، وسار إلى سهبان ففتحها.

ثم سار إلى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته. وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي إلى سدوسان في خيل وحماراتٍ، فطلب أهلها الأمان والصلح، وسفر بينه وبينهم السمنية فأمنهم ووظف عليهم خرجاً وأخذ منهم رهناً، وانصرف إلى محمد ومعه من الزط أربعة آلاف، فصاروا مع محمد. وولى سدوسان رجلاً. ثم إن محمداً احتال لعبور مهران حتى عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة من الهند، على جسر عقده. وداهر مستخفٌ به لاهٍ عنهٍ. ولقيه محمد والمسلمون وهو على فيلٍ وحوله الفيلة وممه التكاكرة. فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع بمثله، وترجل داهر وقائل، فقتل عند المساء، وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون كيف شاؤا. وكان الذي قتله في رواية المدائني من بني كلاب وقال:

الخيل تشهد يوم داهر والقنـا

 

ومحمد بن القاسم بن محمـد

أني فرجت الجمع غير معردٍ

 

حتى علوت عظيمهم بمهنـد

فتركته تحت العجاج مجـدلا

 

متعفر الخدين غير مؤسـد

فحدثني منصور بن حاتم قال: داهر والذي قتله مصوران ببروص. وبديل بن طهفة مصور بقند، وقبره بالديبل.
وحدثني علي بن محمد المدائني، عن أبي محمد الهندي، عن أبي الفرج قال: لما قتل داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند. وقال ابن الكلبي: كان الذي قتل داهر القاسم بن ثعلبة بن عبد الله بن حصن الطائي.

قالوا: وفتح محمد بن القاسم راور عنوةً. وكانت بها امرأة لداهر، فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها.

ثم أتى بن القاسم برهمناباذ العتيقة، وهي على رأس فرسخين من المنصورة، ولم تكن المنصورة يومئذ، لأتما كان موضعها غيضة. وكان فل داهر ببرهمناباذ هذه فقاتلوه، ففتحها محمد عنوة، وقتل بها ثمانية آلاف، وقبل ستة وعشرين ألفاً وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب.

وسار محمد يريد الرور وبغرور، فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان، إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم، وأهل ساوندري اليوم مسلمون.

ثم تقدم إلى بسمد، فصالح أهلها على مثل صلح ساوندرى.

وانتهى محمد إلى الرور، وهي من مدائن السند، وهي على جبل. فحصرهم أشهراً ففتحها صلحاً، على أن لا يقتلهم، ولا يعرض لبدهم وقال: ما البد إلا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس. ووضع عليهم الخراج بالرور. وبنى مسجداً.

وسار محمد إلى السكة، وهي مدينة دون بياس ففتحها. والسكة اليوم خراب.

ثم قطع نهر بياس إلى الملتان. فقاتله أهل الملتان، فأبلى زائدة بن عمير الطائي، وانهزم المشركون فدخلوا المدينة، وحصرهم محمد، ونفدت أزواد منه شربهم، وهو ماءٌ يجري من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في المدينة، وهم يسمونه البلاح. فغوره، فلما عطشوا نزلوا على الحكم، فقتل محمد المقاتلة، وسبى الذرية، وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف. وأصابوا ذهباً كثيراً. فجمعت تلك الأموال في بين يكون عشرة أذرع في ثماني أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة فس سطحه. فسميت الملمتان فرج بيت الذهب. والفرج الثغر.

وكان بد الملتان بداً تهدى إليه الأموال وتنذر له النذور، ويحج إليه السنج فيطوفون به ويلحقون رؤسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن صنما فيه هو أيوب النبي صلي الله عليه وسلم.

قالوا: ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف. فقال: شفينا غيظنا وأدركنا ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر.

ومات الحجاج فأتت محمداً وفاته، فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور، وكان قد فتحها فأعطى الناس، ووجه إلى البيلمان جيشاً فلم يقاتلوا، وأعطوا الطاعة.

وسالمه أهل سرست، وهي مغزى أهل البصرة اليوم، وأهلها الميد الذي يقطعون في البحر. ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله، فانهزم العدو، وهرب دوهر ، ويقال قتل. ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى. قال الشاعر:

نحن قتلنا داهـراً ودوهـرا

 

والخيل تردى منسراً فمنسرا

ومات الوليد بن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك. فاستعمل صالح ابن عبد الرحمن على خراج العراق، وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فحمل محمد بن القاسم مقيداً مع معاوية بن المهلب. فقال محمد متمثلا:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

 

ليوم كريهةٍ وسداد ثـغـر

فبكى أهل الهند على محمد، وصوروه بالكيرج. فحبسه صالح بواسط فقال:

فلئن ثويت بواسطٍ وبأرضها

 

رهن الحديد مكبلاً مغلولا

فلرب فتية فارسٍ قد رعتها

 

ولرب قرنٍ قد تركت قتيلا

وقال:  

لو كنت أجمعت القرار لوطئت

 

إناثٌ أعدت للوغـى وذكـور

وما دخلت خيل السكاسك أرضنا

 

ولا كان من عكٍ علـى أمـير

ولا كنت للعبد المزوني تابـعـاً

 

فيا لك دهرٌ بالكرام عـثـور

فعذبه صالح في رجالٍ من آل أبي عقيل حتى قتله.

وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح، وكان يرى رأي الخوارج.

وقال حمزة بن بيض الحنفي:

إن المروة والسماحة والـنـدى

 

لمحمد بن القاسم بن محـمـد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجة

 

يا قرب ذلك سؤدداً من مولـد

وقال آخر:

ساس الرجال لسبع عشرة حجة

 

ولداته عن ذاك في أشـغـال

ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بمثانية عشر يوماً. واستعمل سليمان بن عبد الملك حبيب بن المهلب على حرب السند. فقدمها وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم. فرجع حليشه "كذا" بن داهر إلى برهمناباذ، ونزل حبيب على شاطئ مهران، فأعطاه أهل الرور الطاعة. وحارب قوماً فظفر بهم.

ثم مات سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده. فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، على أن يملكهم، ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشه والملوك، وتسموا بأسماء العرب.

ومكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند فظفر.

وهرب بنو المهلب إلى السند في أيام يزيد بن عبد الملك. فوجه إليهم هلال بن أحوز التميمي، فلقيهم، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل. وقتل المفضل وعبد الملك وزياد ومران ومعاوية بني المهلب، وقتل معاوية بن يزيد في آخرين.

وولى الجنيد بن عبد الرحمن المري من قبل عمر بن هبيرة الفزاري ثغر السند ثم ولاه إياه هشام بن عبد الملك. فلما قدم خالد بن عبد الله القسري العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته.

فأتى الجنيد الديبل، ثم نزل شط مهران، فمنعه حليشة العبور، وأرسل إليه: إني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي، ولست آمنك.

فأعطاه رهناً وأخذ منه رهناً بما على بلاده من الخراج. ثم انهما ترادا الرهن وكفر حليشة وحارب. وقيل إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه. فأتى الهند فجمع جموعاً وأخذ السفن واستعد للحرب. فسار إليه الجنيد في السفن، فالتقوا في بطيحة الشرقي، فأخذ حليشه أسيراً وقد جنحت سفينته. فقتله.

وهرب صصه بن داهر وهو يريد أن يمضي إلى العراق فيشكو غدر الجنيد، فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده فقتله.

وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قد نقضوا. فاتخذ كباشاً نطاحة فصك بها حائط المدينة حتى ثلمه، ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم.

ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص.

وكان الجنيد يقول: القتل في الجزع أكبر منه في الصبر.

ووجه الجنيد جيشاً إلى أزين.


ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية. فأغاروا على أزين، وغزوا بهرمد فحرقوا ربضها.
وفتح الجنيد البيلمان والجزر، وحصل في منزله سوى ما أعطى زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها. قال جرير:

أصبح زوار الجنيد وصـحـبـه

 

يحيون صلت الوجه جما مواهبه

وقال أبو الجويرية:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

 

قومٌ بإحسانهم أو مجدهم قعـدوا

مجسدون على ما كان من كـرم

 

لا ينزع الله منهم ماله حـسـدوا

ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبي. فضعف ووهن، ومات قريباً من الديبل بماء يقال له ماء الجواميس. وإنما سمى ماء الجواميس لأنه يهرب بها إليه من ذباب زرق تكون بشاطئ مهران.


وكان تميم من اسخياء العرب. وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف ألف درهم طاطارية، فأسرع فيها.

وكان قد شخص معه في الجند فتى من بني يربوع يقال له خنيس، وأمه من طيء إلى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في إقفاله، وعاذت بقبر غالب أبيه. فكتب الفرزدق إلى تميم:

أتتني فعادت يا تميم بغـالـبٍ

 

وبالحفرة السافي عليها ترابها

فهب لي خنيساً واتخذ فيه منةً

 

لحوبة أمٍ ما يسوغ شرابـهـا

تميم بن زيد لا تكونن حاجتـي

 

بظهرٍ ولا يجفى عليك جوابها

فلا تكثر الترداد فيها فإنـنـي

 

ملولٌ لحاجات بطي طلابهـا

فلم يدر ما اسم الفتى أهو حبيش أم خنيس، فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على مثل هذه الحروف.

وفي أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد الهند ورفضوا مراكزهم فلم يعودوا إليها إلى هذه الغاية.

ثم ولى الحكم بن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة. فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه، فبنى من وراء البحيرة مما بلى الهند مدينة سماها المحفوظة، وجعلها مأوى لهم ومعاذاً، ومصرها. وقال لمشايخ كلب من أهل الشام: ما ترون أن نسميها؟ فقال بعضهم: دمشق. وقال بعضهم: حمص. وقال رجل منهم: سمها تدمر فقال: دمر الله عليك يا أحمق! ولكني أسميها المحفوظة. ونزلها.

وكان عمرو بن محمد بمن القاسم مع الحكم، وكان يفوض إليه ويقلده جسيم أموره وأعماله. فأغزاه من المحفوظة. فلما قدم عليه وقد ظفر، أمره فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهي التي ينزلها العمال اليوم.

وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عليه، ورضى الناس بولايته.

وكان خالد يقول: واعجباً! وليت فتى العرب فرفض. يعني تميما. ووليت أبخل الناس فرضى به. ثم قتل الحكم بها.

ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم، ويفتحون الناحية قد نكث أهلها.

فلما كان أول الدولة المباركة ولى أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلساً العبدي ثغر السند، وأخذ على طخارستان، وسار حتى إلى منصور بن جمهور الكلبي وهو بالسند. فلقيه منصور فقتله وهزم جنده. فلما بلغ أبا مسلم ذلك عقد لموسى بن كعب التميمي ثم وجهه إلى السند، فلما قدمها كان بينه وبين منصور بن جمهور مهران، ثم التقيا فهزم منصوراً وجيشه، وقتل منظوراً أخاه، وخرج منصور مفلولاً هارباً حتى ورد الرمل فمات عطشاً.

وولى موسى السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح.

وولى أمير المؤمنين المنصور رحمه الله هشام بن عمرو التغلبي السند ففتح ما استغلق.

ووجه عمرو ابن جمل في بوارج إلى نارند. ووجه إلى ناحية الهند، فافتتح قشمير، وأصاب سبايا ورقيقاً كثيراً. وفتح الملتان. وكان بقندابيل متغلبةٌ من العرب فأجلاهم عنها. وأتى القندهار في السفن ففتحها. وهدم البد وبنى موضعه مسجداً. فأخصبت البلاد في ولايته، فتبركوا به. ودوخ الثغر وأحكم أموره.

ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزار مرد، ثم داود بن يزيد بن حاتم، وكان معه أبو الصمة المتغلب اليوم وهو مولى لكندة.

ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيماً حتى وليه بشر بن داود في خلافة المأمون، فعصى وخالف. فوجه إليه غسان بن عباد، وهو رجل من أهل سواد الكوفة، فخرج بشر إليه في الأمان وورد به مدينة السلام.

وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك. فقتل باله ملك الشرقي، وقد بذل له خمس مئة ألف درهم على أن يستبقيه. وكان باله هذا التوى على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى ذلك.

وأثر موسى أثراً حسناً. ومات سنة إحدى وعشرين، واستخلف ابنه عمران ابن موسى. فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم بالله بولاية الثغر. فخرج إلى القيقان، وهم زطٌ. فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند.

ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل، وهي مدينة على جبل، وفيها متغلبٌ يقال له محمد بن الخليل. فقاتله وفتحها، وحمل رؤساءها إلى قصدار.

ثم غزا الميد، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وسكر سكراً يعرف بسكر الميد.

وعسكر عمران على نهر الرور، ثم نادى بالزط الذين بحضرته فأتوه فختم أيديهم وأخذ الجزية منهم وأمرهم بأن يكونوا مع كل رجلٍ منهم إذا اعترض عليه كلب، فبلغ الكلب خمسين درهماً.

ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط، فحفر من البحر نهراً أجراه في بطيحتهم حتى ماح ماؤهم، وشن الغارات عليهم.

ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمنية، فمال عمران إلى اليمانية. فسار إليه عبد العزيز الهباري فقتله وهو غار.

وكان جد عمر هذا ممن قدم السند مع الحكم بن عوانة الكلبي.

وحدثني منصور بن حاتم قال: كان الفضل بن ماهان مولى بني سامة فتح سندان وغلب عليها. وبعث إلى المأمون رحمه الله بفيلٍ وكاتبه. ودعا له في مسجد جامع اتخذه بها. فلما مات قام محمد بن الفضل ابن ماهان مقامه. فسار في سبعين بارجة إلى ميد الهند، فقتل منهم خلقاً، وافتتح فالي. ورجع إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له ماهان بن الفضلً، وكاتب أمير المؤمنين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجاً لم يرى مثله عظماً وطولا. وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عليه فقتلوه وصلبوه. ثم إن الهند بعد، غلبوا سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة.

وحدثني أبو بكر مولى الكريزيين أن بلداً يدعى العسيفان، بين قشمير والملتان وكابل، كان له ملك عاقل. وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنماً قد بنى عليه بيت وأبدوه.فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت فقال لهم: ادعوا الصنم أن يبرئ ابني. فغابوا ساعة ، ثم عادوا فقالوا: قد دعوناه وقد أجابنا إلى ما سألناه. فلم يلبث الغلام أن مات. فوثب الملك على البيت فهدمه، وعلى الصنم فكسره، وعلى السدنة فقتلهم. ثم دعا قوماً من تجار المسلمين فعرضوا عليه التوحيد. فوحد وأسلم. وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله.