أمر النقود
حدثنا الحسين بن السود قال: حدثنا يحيى بن آدم
قال: حدثني الحسن بن صالح قال: كانت الدراهم من ضرب الأعاجم مختلفة كباراً
وصغاراً. فكانوا يضربون منها مثقالاً، وهو وزن عشرين قيراطاً، ويضربون منها
وزن اثني عشر قيراطاً، ويضربون عشرة قراريط، وهي أنصاف المثاقيل. فلما جاء
الله بالإسلام واحتيج في أداء الزكاة إلى الأمر الوسط أخذوا عشرين قيراطاً.
فضربوا على وزن الثلث من ذلك وهو أربعة عشر قيراطاً، فوزن الدرهم العربي
أربعة عشر قيراطاً من قراريط الدينار العزيز، فصار وزن كل عشرة دراهم سبع
مثاقيل. وذلك مئة وأربعون قيراطاً وزن سبعة.
وقال غير الحسن بن صالح: كانت دراهم الأعاجم ما العشرة منها وزن عشرة
مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها وزن خمسة مثاقيل.
فجمع ذلك فوجد إحدى وعشرين مثقالاً. فأخذ ثلثه وهو سبعة مثاقيل، فضربوا
دراهم وزن العشرة منها سبعة مثاقيل.
القولان يرجعان إلى شيء واحد.
وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر الأسلمي قال: حدثنا عثمان ابن
عبد الله بن موهب عن أبيه، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كانت دنانير
هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفرس البغلية. فكانوا
لا يتبايعون إلا على أنها تبر. وكان المثقال عندهم معروف الوزن، وزنه اثنان
وعشرون قيراطاً إلا كسراً، ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل. فكان الرطل
أثني عشر أوقية، وكل أوقية أربعين درهما.
فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأقره أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
فكان معاوية فأقر ذلك على حاله.
ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة كسرت بعد.
فلما ولى عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير. فكتب إلى
الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم على خمسة عشر قيراطاً من قراريط الدنانير.
وضرب هو الدنانير الدمشقية.
قال عثمان، قال أبي: فقدمت علينا المدينة وبها نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، فلم ينكروا ذلك.
قال محمد بن سعد: وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قيراطاً من قراريط
مثقالنا الذي جعل عشرين قيراطاً. وهو وزن خمسة عشر قيراطاً من إحدى وعشرين
قيراطاً وثلاثة أسباع.
حدثني محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر قال: حدثني إسحاق ابن حازم، عن
المطلب بن السائب، عن أبي وداعة السهمي أنه أراه وزن المثقال. قال: فوزنته
فوجدته وزن مثقال عبد الملك بن مروان.
قال: هذا كان عند أبي وداعة بن ضبيرة السهمي في الجاهلية.
وحدثني محمد بن سعد قال: حدثنا الواقدي، عن سعيد بن مسلم ابن بابك، عن عبد
الرحمن بن سابط الجمحي قال: كانت لقريش أوزانٌ في الجاهلية. فدخل الإسلام
فأقرت على ما كانت عليه. كانت قريش تزن الفضة بوزنٍ تسميه درهما، وتزن
الذهب بوزن تسميه ديناراً. فكل عشرةٍ من أوزان الدراهم سبعة أوزان
الدنانير.
وكان وزن الشعيرة وهو واحد من الستين من وزن الدرهم. وكان لهم الأوقية وزن
أربعين درهما.
والنش وزن عشرين درهما. وكانت لهم النواة وهي وزن خمسة دراهم. فكانوا
يتبايعون بالتبر على هذه الأوزان.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك.
محمد بن سعد، عن الواقدي قال: حدثني ربيعة بن عثمان، عن وهب بن كيسان قال:
رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها عبد الملك ممسوحة. وهي وزن الدنانير
التي ضربها عبد الملك.
وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عثمان بن عبد الله ابن موهب، عن أبيه
قال: قلت لسعيد بن المسيب: من أول من ضرب الدنانير المنقوشة؟ فقال: عبد
الملك بن مروان، وكانت الدنانير ترد روميةً، والدراهم كسرويةً وحميرية
قليلة.
قال سعيد: فأنا بعثت بتبر إلى دمشق فضرب لي على وزن المثقال في الجاهلية.
وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبيه أن أول من ضرب وزن
سبعة الحارث بين عبد الله بن أبي ربيعة المخزوى أيام ابن الزبير.
وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني محمد بن عمر، قال: حدثنا ابن أبي الزناد،
عن أبيه أن عبد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين قال
أبو الحسن المدائني: ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس وسبعين، ثم أمر بضربها
في جميع النواحي سنة ستٍ وسبعين.
وحدثني داود الناقد قال سمعت مشايخنا يتحدثون أن العباد من أهل الحيرة،
كانوا يتروجون على مئة وزن ستة يريدون وزن ستين مثقالاً دراهم، وعلى مئة
وزن ثمانية يريدون ثمانين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن خمسة يريدون وزن
خمسين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن مئة مثقال.
قال داود الناقد: رأيت درهما عليه ضرب هذه الدراهم بالكوفة سنة ثلاث وسبعين
فاجمع النقاد أنه معمول. وقال: رأيت درهما شاذا لم ير مثله، عليه عبيد الله
بن زياد، فأنكر أيضاً.
حدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي، عن يحيى بن النعمان الغفاري عن أبيه
قال: ضرب مصعب الدراهم بأمر عبد الله بن الزبير سنة سيعين على ضرب
الأكاسرة، وعليها بركة الله. فلما كان الحجاج غيرها.
وروي عن هشام بن الكلبي أنه قال: ضرب مصعب مع الدراهم دنانير أيضاً.
حدثني داود الناقد قال: حدثني أبو الزبير الناقد قال: ضرب عبد الملك شيئاً
من الدنانير في سنة أربع وسبعين، ثم ضربها سنة خمس وسبعين، وأن الحجاج ضرب
دراهم بغلية كتب عليها: بسم الله. الحجاج. ثم كتب عليها بعد سنة: الله
الصمد. فكره الفقهاء ذلك، فسميت مكروهة.
قال: ويقال إن الأعاجم كرهوا نقصانها فسميت مكروهة.
قال: وسميت السميرية بأول من ضربها واسمه سمير. حدثني عباس بن هشام الكلبي،
عن أبيه قال: حدثني عوانة بن الحكم أن الحجاج سأل عن ما كانت الفرس تعمل به
في ضرب الدراهم. فاتخذ دار ضرب وجمع فيها الطباعين. فكان يضرب المال
للسلطان مما يجتمع له من التبر وخلاصة الزيوف والستوقة والبرهجة. ثم أذن
للتجار وغيرهم في أن تضرب لهم الأوراق، واستغلها من فضول ما كان يؤخذ من
فضول الأجرة للصناع والطباعين. وختم أيدي الطباعين.
فلما ولى عمر بن هبيرة العراق ليزيد بن عبد الملك خلص الفضة أبلغ من تخليص
من قبله، وجود الدراهم. فاشتد في العيار.
ثم ولي خالد بن عبد الله البجلي ثم القسري العراق لهشام بن عبد الملك فاشتد
في النقود أكثر من شدة ابن هبيرة، حتى أحكم أمرها أبلغ من أحكامه.
ثم ولى يوسف بن عمر بعده فأفرط في الشدة على الطباعين وأصحاب الغيار وقطع
الأيدي وضرب الأبشار. فكانت الهبرية والخالدية واليوسفية أجود نقود بني
أمية.ولم يكن المنصور يقبل في الخراج من نقود بني أمية غيرها. فسميت
الدراهم الأولى المكروهة.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي زياد عن أبيه أن عبد الملك بن
مروان أول من ضرب الذهب والورق بعد عام الجماعة.
قال: فقلت لأبي: أرأيت قول الناس إن ابن مسعود كان يأمر بكسر الزيوف؟ قال:
تلك زيوف ضربها الأعاجم فغشوا فيها.
حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا داود
بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس أن ابن مسعود كانت له بقاية في بيت
المال، فباعها بنقصان. فنهاه عمر بن الخطاب عن ذلك فكان يدينها بعد ذلك.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن قدامة بن موسى أن عمرو وعثمان كانا إذا
وجدا الزيوف في بيت المال جعلاها فضة.
حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه أن عمر بن عبد
العزيز أنى برجل يضرب على غير سكة السلطان، فعاقبه وسجنه، وأخذ حديده فطرحه
في النار.
حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن
حنطب أن عبد الملك مروان أخذ رجلاً يضرب على غير سكة المسلمين فأراد قطع
يده ثم ترك ذلك وعاقبه.
قال المطلب: فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله وحمدوه.
قال الواقدي: وأصحابنا يرون فيمن نقش على خاتم الخلافة المبالغة في الأدب
والشهرة وأن لا يرون عليه قطعاً، وذلك رأي أبي حنيفة الثوري.
وقال مالك وابن أبي ذئب وأصحابهما: نكره قطع الدرهم إذا كانت على الوفاء،
وننهى عنه لأنه من الفساد.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بقطعها إذا لم يضر ذلك بالإسلام
وأهله.
حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن عون عن ابن سيرين
أن مروان بن الحكم أخذ رجلاً بقطع الدراهم فقطع يده فبلغ ذلك زيد بن ثابت
فقال: لقد عاقبه. قال إسماعيل: يعني دراهم فارس.
قال محمد بن سعد وقال الواقدي: عاقب أبان بن عثمان، وهو على المدينة، من
يقطع الدراهم. ضربه ثلاثين وطاف به. وهذا عندنا فيمن قطعها ودس فيها
المفرغة والزيوف.
وحدثني محمد عن الواقدي عن صالح بن جعفر عن ابن كعب في قوله"أو أن نفعل في
أموالنا ما نشاء" قال: قطع الدراهم.
حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا يحيى
بن سعيد قال: ذكر لابن المسيب رجل يقطع الدراهم فقال سعيد: هذا من الفساد
في الأرض.
حدثنا عمر الناقد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا يونس بن عبيد
عن الحسن قال: كان الناس وهم أهل كفر قد عرفوا موضع هذا الدرهم من الناس
فجودوه وأخلصوه فلما صار إليكم غششتموه وأفستدموه. ولقد كان عمر بن الخطاب
قال: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل. فقيل له إذاً لا بعير. فأمسك.