المجلد الأول - الجراكسة

الجراكسة

 ثم وقعت فيهم حوادث وحروب أسفرت عن ظهور برقوق الجركسي أحد مماليك يلبغا العمري واستقراره أميرًا كبيرًا‏.‏

وكان غاية في الدهاء والمكر فلم يزل يدبر لنفسه حتى عزل بن الأشرف وأخذ السلطنة لنفسه وهو أول ملوك الجراكسة بمصر‏.‏

وبالأشرف شعبان هذا وأولاده زالت دولة القلاوونية وظهرت دولة الجراكسة‏.‏

أولهم برقوق وبعده أبنه فرج وأستمر الملك فيهم وفي أولادهم إلى الأشرف قانصوه الغوري وابتداء دولتهم سنة أربع وثمانين وسبعمائة وانقضاؤها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فتكون مدة دولتهم مائة سنة وتسعة وثلاثين سنة‏.‏

وسبب انقضائها فتنة السلطان سليم شاه ابن عثمان وقدومه إلى الديار المصرية فخرج إليه سلطان مصر قانصوه الغوري فلاقاه عند مرج دابق بحلب وخامر عليه أمراؤه خير بك والغزالي فخذلوه وفقدوه ولم يزل حتى تملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية‏.‏

وأقام خير بك نائبا بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين مثل مرج الزهور لابن إياس وتاريخ القرماني وابن زتبل وغيرهم‏.‏

وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام ولما خلص له أمر مصر عفا عمن بقي من الجراكسة وأبنائهم ولم يتعرض لأوقاف السلاطين المصرية بل قرر مرتبات الأوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والأنبار ورتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ومصارف القلاع والمرابطين وأبطل المظالم والمكوس والمغارم‏.‏

ثم رجع إلى بلاده وأخذ معه الخليفة العباسي وانقطعت الخلافة والمبايعة واخذ صحبته ما انتقاه من أرباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث أنه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة‏.‏

ولما توفي تولى بعد ابنه المغازي السلطان سليمان عليه الرحمة والرضوان فأسس القواعد وتمم المقاصد نظم الممالك وأنار الحوالك ورفع منار الدين وأخمد نيران الكافرين وسيرته الجميلة أغنت عن التعريف وتراجمه مشحونة بها التصانيف‏.‏

ولم تزل البلاد منتظمة في سلكهم ومنقادة تحت حكمهم من ذلك الأوان الذي استولوا عليها فيه إلى هذا الوقت الذي نحن فيه وولاة مصر نوابهم وحكامهم أمراؤهم‏.‏

وكانوا في صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين وأشد من ذب عن الدين وأعظم من جاهد في المشركين‏.‏

فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتحه الله على أيديهم وأيدي نوابهم وملكوا أحسن المعمور من الأرض ودانت لهم الممالك في الطول والعرض‏.‏

هذا مع عدم إغفالهم الأمر وحفظ النواحي والثغور وإقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية وتعظيم العلماء وأهل الدين وخدمة الحرمين الشريفين والتمسك في الأحكام والوقائع بالقوانين والشرائع‏.‏

فتحصنت دولتهم وطالت مدتهم وهابتهم الملوك وانقاد لهم المالك والمملوك‏.‏

ومما يحسن إيراده هنا ما حكاه الأسحاقي في تاريخه أنه لما تولى السلطان سليم ابن السلطان سليمان المذكور كان لوالده مصاحب يدعى شمسي باشا العجمي ولا يخفى ما بين آل عثمان والعجم من العداوة المحكمة الأساس فأقر السلطان سليم شمسي باشا العجمي مصاحبًا على ما كان عليه أيام والده وكان شمسي باشا المذكور له مداخل عجيبة وحيل غريبة يلقيها في قالب مرض ومصاحبة يسحر بها العقول فقصد أن يدخل شيئا منكرًا يكون سببًا لخلخلة دولة آل عثمان وهو قبول الرشاوي من أرباب الولاة والعمال‏.‏

فلما تمكن من مصاحبة السلطان قال له على سبيل العرض‏:‏ عبدكم فلان المعزول من منصب كذا وليس بيده منصب الأن قصده من فيض إنعامكم عليه المنصب الفلاني ويدفع إلى الخزينة كذا وكذا‏.‏

فلما سمع السلطان سليم ما أبداه شمسي باشا علم أنها مكيدة منه وقصده إدخال السوء بيت آل عثمان فتغير مزاجه وقال له‏:‏ يا رافضي تريد أن تدخل الرشوة بيت السلطنة حتى يكون ذلك سببا لأزالتها‏.‏

وأمر بقتله فتلطف به وقال له‏:‏ يا باشا لا تعجل هذه وصية والدك لي فإنه قال لي أن السلطان سليم صغير السن وربما يكون عنده ميل للدنيا فاعرض عليه هذا الأمر فإن جنح إليه فامنعه بلطف فإن أمتنع فقل له هذه وصية والدك فدم عليها ودعا له بالثبات وخلص من القتل‏.‏

فانظر يا أخي وتأمل فيما تضمنته هذه الحكاية من المعاني‏.‏

وأقول بعد ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني وليس الحال لمجهول حتى يفصح عنه اللسان بالقول وقد أخرسني العجز أن أفتح فما أفغير الله أبتغي حكمًا‏.‏ وفي أثناء الدولة العثمانية ونوابهم وأمرائهم المصرية ظهر في عسكر مصر سنة جاهلية وبدعة شيطانية زرعت فيهم النفاق وأسست فيما بينهم الشقاق ووافقوا فيها أهل الحرف اللئام في قولهم سعد وحرام وهو أن الجند بأجمعهم اقتسموا قسمين و احتزبوا بأسرهم حزبين‏:‏ فرقة يقال لها فقارية وأخرى تدعى قاسمية ولذلك أصل مذكور وفي بعض سير المتأخرين مسطور لا بأس بإيراده في المسامرة تتميما للغرض في مناسبة المذاكرة وهو أن السلطان سليم شاه لما بلغ من ملك الديار المصرية مناه وقتل من قتل من الجراكسة وسامهم في سوق المواكسة قال يومًا لبعض جلسائه وخاصته وأصدقائه‏:‏ يا هل ترى هل بقي أحد من الجراكسة نراه وسؤال من جنس ذلك ومعناه‏.‏

فقال له خير بك‏:‏ نعم أيها الملك العظيم هنا رجل قديم يسمى سودون الأمير طاعن في السن كبير رزقه الله تعالى بولدين شهمين بطلين لا يضاهيهما أحد في الميدان ولا يناظرهما فارس من الفرسان‏.‏

فلما حصلت هذه القضية تنحى عن المفارشة بالكلية وحبس ولديه بالدار وسد أبوابه بالأحجار وخالف العادة واعتكف على العبادة‏.‏

وهو إلى الآن مستمر على حالته مقيم في بيته وراحته‏.‏

فقال السلطان‏:‏ هذا والله رجل عاقل خبير كامل ينبغي لنا أن نذهب لزيارته ونقتبس من بركته وإشارته قوموا بنا جملة نذهب إليه على غفلة لكي أتحقق المقال وأشاهده على أي حالة هو من الأحوال‏.‏

ثم ركب في الحال ببعض الرجال إلى أن توصل إليه ودخل عليه فوجده جالسا على مسطبة الإيوان وبين يديه المصحف وهو يقرأ القرآن وعنده خدم واتباع وعبيد ومماليك أنواع فعندما عرف أنه السلطان بادر لمقابلته بغير توان وسلم عليه ومثل بين يديه فأمره بالجلوس ولاطفه بالكلام المأنوس إلى أن اطمأن خاطره وسكنت ضمائره فسأله عن سبب عزلته وامتناعه عن خلطته بعشيرته فأجابه أنه لما رأى في دولتهم اختلال الأمور وترادف الظلم والجور وأن سلطانهم مستقل برأيه فلم يصغ إلى وزير ولا عاقل مشير وأقصى كبار دولته وقتل أكثرهم بما أمكنه من حيلته وقلد مماليكه الصغار مناصب الأمراء الكبار ورخص لهم فيما يفعلون وتركهم وما يفترون فسعوا بالفساد وظلموا العباد وتعدوا على الرعية حتى في المواريث الشرعية فانحرفت عنه القلوب وابتهلوا إلى علام الغيوب فعلمت أن أمره في أدبار ولابد لدولته من الدمار فتنحيت عن حال الغرور وتباعدت عن نار الشرور ومنعت ولدي من التداخل في الأهوال وحبستهما عن مباشرة القتال خوفًا عليهما لما أعلمه فيهما من الأقدام فيصيبهما كغيرهما من البلاء العام‏.‏

فإن عموم البلاء منصوص واتقاء الفتن بالرحمة مخصوص‏.‏

ثم أحضر ولديه المشار إليهما وأخرجهما من محبسهما فنظر إليهما السلطان فرأى فيهما مخايل الفرسان الشجعان وخاطبهما فأجاباه بعبارة رقيقة وألفاظ رشيقة ولم يخطئا في كل ما سألهما فيه ولم يتعديا في الجواب فضل التشبيه والتنبيه ثم أحضروا ما يناسب المقام من موائد الطعام فأكل وشرب ولذ وطاب وحصل له مزيد الانشراح وكمال الارتياح‏.‏

وقدم الأمير سودون إلى السلطان تقادم وهدايا وتفضل عليه الخان أيضا بالأنعام والعطايا وأمر بالتوقيع لهم حسب مطالبهم‏.‏

ورفع درجة منازلهم ومراتبهم ولما فرغ من تكرمه وإحسانه ركب عائدًا إلى مكانه وأصبح ثاني يوم ركب السلطان مع القوم وخرج إلى الخلا بجمع من الملا وجلس ببعض القصور ونبه على جميع أصناف العساكر بالحضور فلم يتأخر منهم أمير ولا كبير ولا صغير فطلب الأمير سودون وولديه فحضرا بين يديه فقال لهم‏:‏ أتدرون لم طلبتكم وفي هذا المكان جمعتكم‏.‏

فقالوا‏:‏ لا يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب فقال‏:‏ أريد أن يركب قاسم وأخوه ذو الفقار ويترامحا ويتسابقا بالخيل في هذا النهار‏.‏

فامتثلا أمره المطاع لأنهما صارا من الجند والأتباع فنزلا وركبا ورمحا ولعبا واظهرا من أنواع الفروسية الفنون حتى شخصت فيهما العيون وتعجب منهما الأتراك لأنهم ليس لهم في ذلك الوقت أدراك‏.‏

ثم أشار إليهما فنزلا عن فرسيهما وصعدا إلى أعلى المكان فخلع عليهما السلطان وقلدهما أمارتان ونوه بذكرهما بين الأقران وتقيدا بالركاب ولازما في الذهاب والإياب‏.‏

ثم خرج في اليوم الثاني وحضر الأمراء والعسكر المتواني فأمرهم أن ينقسموا بأجمعهم قسمين وينحازوا بأسرهم فريقين قسم يكون رئيسهم ذو الفقار والثاني أخوه قاسم الكرار‏.‏

وأضاف إلى ذو الفقار أكثر فرسان العثمانيين وإلى قاسم أكثر الشجعان المصريين وميز الفقارية بلبس الأبيض من الثياب وأمر القاسمية أن يتميزوا بالأحمر في الملبس والركاب‏.‏

وأمرهم أن يركبوا في الميدان على هيئة المتحاربين وصورة المتنابذين المتخاصمين فأذعنوا بالانقياد وعلوا على ظهور الجياد وساروا بالخيل وانحدروا كالسيل وانعطفوا متسابقين ورمحوا متلاحقين وتناوبوا في النزال واندفعوا كالجبال وساقوا في الفجاج وأثاروا العجاج ولعبوا بالرماح وتقابلوا بالصفاح وارتفعت الأصوات وكثرت الصيحات وزادت الهيازع وكثرت الزعازع وكاد الخرق يتسع على الراقع وقرب أن يقع القتل والقتال فنودي فيهم عند ذلك بالانفصال‏.‏

فمن ذلك اليوم افترق أمراء مصر وعساكرها فرقتين واقتسموا بهذا اللعبة حزبين‏.‏

واستمر كل منهم على محبة اللون الذي ظهر فيه وكره اللون الآخر في كل ما يتقلبون فيه حتى أواني المتناولات والمأكولات والمشروبات والفقارية يميلون إلى نصف سعد والعثمانيين والقاسمية لا يألفون النصف حرام والمصريين‏.‏

وصار فيهم قاعدة لا يتطرقها اختلال ولا يمكن الانحراف عنها بحال من الأحوال ولم يزل الأمر يفشو ويزيد ويتوارثه السادة والعبيد حتى تجسم ونما واهريقت فيه الدماء‏.‏

فكم خربت بلاد وقتلت أمجاد وهدمت دور وأحرقت قصور وسبيت أحرار وقهرت أخيار‏.‏

وقيل غير ذلك وأن أصل القاسمية ينسبون إلى قاسم بك الدفتردار تابع مصطفى بك والفقارية نسبة إلى ذي الفقار بك الكبير وأول ظهور ذلك من سنة خمسين وألف والله أعلم بالحقائق‏.‏

وأتفق أن قاسم بك المذكور انشأ في بيته قاعة جلوس وتأنق في تحسينها وعمل فيها ضيافة لذي الفقار بك أمير الحاج المذكور فأتى عنده وتغدى عنده بطائفة قليلة ثم قال له ذو الفقار بك‏:‏ وأنت أيضا تضيفني في غد وجمع ذو الفقار مماليكه في ذلك اليوم صناجق وأمراء واختيارية في الوجاقات وحضر قاسم بك بعشرة من طائفته واثنين خواسك خلفه والسعاة والسراج فدخل عنده في البيت وأوصى ذو الفقار أن لا أحد يدخل عليهما إلا بطلب إلى أن فرشوا السماط وجلس صحبته على السماط‏.‏

فقال قاسم بك‏:‏ حتى يقعد الصناجق والاختيارية‏.‏

فقال ذو الفقار‏:‏ أنهم يأكلون بعدنا هؤلاء جميعهم مماليكي عندما أموت يترحمون علي ويدعون لي وأنت قاعتك تدعو لك بالرحمة لكونك ضيعت المال في الماء والطين‏.‏

فعند ذلك تنبه قاسم بك وشرع ينشئ إشراقات كذلك وكانت الفقارية موصوفة بالكثرة والكرم والقاسمية بكثرة المال والبخل‏.‏

وكان الذي يتميز به أحد الفريقين من الآخر إذا ركبوا في المواكب أن يكون بيرق الفقاري أبيض ومزاريقه برمانة وبيرق القاسمية أحمر ومزاريقه بجلبة‏.‏

ولم يزل الحال على ذلك‏.‏

واستهل القرن الثاني عشر وأمراء مصر فقارية وقاسمية‏:‏ فالفقارية ذو الفقار بك وإبراهيم بك أمير الحاج ودرويش بك واسمعيل بك ومصطفى بك قزلار وأحمد بك قزلار بجدة ويوسف بك القرد وسليمان بك بارم ذيله ومرجان جوزبك كان أصله قهوجي السلطان محمد قلدوه صنجقا فقاريا بمصر الجميع تسعة وأمير الحاج منهم والقاسمية مراد بك الدفتر دار ومملوكه ايواظ بك وإبراهيم بك أبو شنب وقانصوه بك وأحمد بك منوفيه وعبد الله بك‏.‏

ونواب مصر من طرف السلطان سليمان بن عثمان في أوائل القرن حسن باشا السلحدار سنة تسع وتسعين وألف وسنة مائة وواحد بعد الألف والسلطان في ذلك الوقت السلطان سليمان بن إبراهيم خان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب إمارة الحاج واسمعيل بك الدفتردار وذلك سنة تسع وتسعين‏.‏ وفي

أواخر الحجة سنة تسع وتسعين وألف

حصلت واقعة عظيمة بين إبراهيم بك ابن ذي الفقار وبين العرب الحجازيين خلف جبل الجيوشي وقتلوا كثيرًا من العرب ونهبوا أرزاقهم ومواشيهم وأحضر منهم أسرى كثيرة ووقفت العرب في طريق الحج تلك السنة بالشرفة فقتلوا من الحاج خلقًا كثيرًا وأخذوا نحو ألف جمل بأحمالها وقتلوا خليل كتخدا الحج فعين عليهم خمسة أمراء من الصناجق فوصلوا إلى العقبة وهرب العربان‏.‏

وفي أيامه سافر ألفًا شخص من العسكر وألبسوا عليهم مصطفى بك طكوز جلان وسافروا إلى ادرنه في غرة جمادى الأولى سنة مائة وألف‏.‏

وفي رابع جمادى الثانية خنق الباشا كتخدا بعد أن أرسله إلى دير الطين على أنه يتوجه إلى جرجا لتحصيل الغلال وذلك لذنب نقمه عليه‏.‏

وفي شعبان نقب المحابيس العرقانة وهرب المسجونون منها‏.‏

وفي أيامه غلت الأسعار مع زيادة النيل وطلوعه في أوانه على العادة ثم عزل حسن باشا ونزل إلى بيت محمد بك حاكم جرجا المقتول وتولى قيطاس بك قائمقام فكانت مدته هذه المرة سنة واحدة وتسعة أشهر‏.‏

ثم تولى أحمد باشا وكان سابقا كتخدا إبراهيم باشا الذي مات بمصر وحضر أحمد باشا من طريق البر وطلع إلى القلعة في سادس عشر المحرم سنة مائة وإحدى وألف ووصل آغا بطلب ألفي عسكري وعليهم صنجق يكون عليهم سر دار فعينوا مصطفى بك حاكم جرجا سابقًا وسافر في منتصف جمادى الآخرة‏.‏

وفي هذا التاريخ سافرت تجريدة عظيمة إلى ولاية البحيرة والبهنسا وعليهم صنجقان وتوجهوا في ثاني عشر جمادى الآخرة وسافر أيضا خلفهم اسمعيل بك وجميع الكشاف وكتخدا الباشا وأغوات البلكات وكتخدا الجاويشية وبعض اختيارية وحاربوا ابن وافي وعربانه مرارًا ثم وقعت بينهم وقعة كبيرة فهزم فيها الأحزاب وولوا منهزمين نحو الغرق وأما قيطاس بك وحسن آغا بلغيا وكتخدا الباشا فأنهم صادفوا جمعًا من العرب في طريقهم فأخذوهم ونهبوا مالهم وقطعوا منهم رؤوسًا ثم حضر والي مصر‏.‏

وفي أنامهم كانت وقعة ابن غالب شريف مكة ومحاربته بها مع محمد بك حاكم جدة فكانت الهزيمة على الشريف‏.‏

وتولى السيد محسن بن حسين بن زيد إمارة مكة ونودي بالأمان بعد حروب كثيرة وزينت مكة ثلاثة أيام بلياليها وذلك في منتصف رجب ومرض أحمد باشا وتوفي ثاني عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين ومائة وألف ودفن بالقرافة فكانت مدته سنة واحدة وستة أشهر‏.‏

ومن مآثره ترميم الجامع المؤيدي وقد كان تداعى إلى السقوط فأمر بالكشف عليه وعمره ورمه‏.‏

وفي رابع عشر رجب توفي قيطاس بك الدفتر دار‏.‏

وفي ثاني يوم حضر قانصوه بك تابع المتوفى من سفره بالخزينة مكان كتخدا الباشا المتولي قائمقام بعد موت سيده فألبس قانصوه بك دفتردار ثم ورد مرسوم بولاية علي كتخدا الباشا قائمقام وأذن بالتصرف إلى آخر مسرى فكانت مدة تصرفه أربعة وتسعين يومًا ثم تولى علي باشا وحضر من البحر إلى القلعة في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين ومائة وألف وحضر صحبته تترخان وأقام بمصر إلى أن توجه إلى الحج ورجع على طريق الشام‏.‏

وفي ثاني عشر القعدة حضر قرا سليمان من الديار الرومية ومعه مرسوم مضمونه الخبر بجلوس السلطان أحمد بن السلطان إبراهيم فزينت مصر ثلاثة أيام وضربت مدافع من القلعة‏.‏

وفي ثالث عشر صفر سنة ثلاث ومائة وألف ورد نجاب من مكة وأخبر بان الشريف سعد تغلب على محسن وتولى إمارة مكة فأرسل الباشا عرضًا إلى السلطنة بذلك‏.‏

وفي ثامن ربيع أول ورد مرسوم مضمونه ولاية نظر الدشابش والحرمين لأربعة من الصناجق فتولى إبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحج حالًا عوضًا عن اغات مستحفظان ومراد بك الدفتردار على المحمدية عوضًا عن كتخدا مستحفظان وعبد الله بك على وقف الخاصكية عوضًا عن كتخدا العزب واسمعيل بك على أوقاف الحرمين عوضًا عن باش جاويش مستحفظان‏.‏

فألبسهم علي باشا قفاطين على ذلك‏.‏

وفي مستهل رمضان من السنة حضر من الديار الرومية الشريف سعد بن زيد بولاية مكة وتوجه إلى الحجاز‏.‏

وفي شهر شوال سافر علي كتخدا أحمد باشا المنوفي إلى الروم‏.‏

وفي تاريخه تقلد اسمعيل بك الدفتردارية عوضا عن مراد بك‏.‏

وفي ثالث عشر شوال قتل جلب خليل كتخدا مستحفظان ببابهم وحصلت في بابهم فتنة أثارها كحك محمد وأخرجوا سليم أفندي من بلكهم ورجب كتخدا والبسوهما الصنجقية في ثالث عشرينه وأبطل كجك محمد الحمايات من مصر باتفاق السبع بلكات وأبطلوا جميع ما يتعلق بالعزب والإنكشارية من الحمايات بالثغور وغيرها‏.‏

وكتب بذلك بيورلدي ونادوا به في الشوارع‏.‏

وفي غرة القعدة قبض الباشا على سليم أفندي وخنقه بالقلعة و نزل إلى بيته محمولًا في تابوت وتغيب رجب كتخدا ثم استعفى من الصنجقية فرفعوها عنه وسافر إلى المدينة‏.‏

وفي ثامن عشر ربيع الأول ورد مرسوم بتزيين الأسواق بمصر وضواحيها بمولودين توأمين رزقهما السلطان أحمد سمي أحدهما سليمان والآخر إبراهيم‏.‏

وفي ثاني عشر شعبان سافر حسين بك أبو يدك بألف نفر من العسكر لاحقًا بإبراهيم بك أبي شنب وقد كان سافر في أواخر ربيع الأول لقلعة كريد‏.‏

وفي ثاني عشر رمضان سنة خمس ومائة وألف الموافق الحادي عشر بشنس هبت ريح شديدة وتراب أظلم منه الجو وكان الناس في صلاة الجمعة فظن الناس أنها القيامة وسقطت المركب التي على منارة جامع طولون وهدمت دوركثيرة‏.‏

سنة ست ومائة وألف وقصر مد النيل تلك السنة وهبط بسرعة فشرقت الأراضي ووقع الغلاء والفناء‏.‏

وفي شهر الحجة سافر أناس من مكة إلى دار السلطنة وشكوا من ظلم الشريف سعد فعين إليه محمد بك نائب جدة واسمعيل باشا نائب الشام فوردا بصحبة الحاج فتحاربوا معه ونزعوه ونهب العسكر منزله وولوا الشريف عبد الله بن هاشم على مكة ثم بعد عود الحاج رجع سعد وتغلب وطرد عبد الله بن هاشم‏.‏

وفي هذه السنة وقعت مصالحات في المال الميري بسبب الري والشراقى‏.‏

وفي ثاني عشر جمادى الآخرة حضر الشريف أحمد بن غالب أمير مكة مطرودًا من الشريف سعد‏.‏

وفي ثامن عشر رجب سنة ألف ومائة وستة ورد الخبر بجلوس السلطان مصطفى بن محمد‏.‏

وفي ثاني عشر شعبان طلع أحمد بك بموكب مسافر اباش على ألف عسكري إلى انكروس وطلع بعده أيضا في سابع عشرينه اسمعيل بك بألف عسكري لمحافظة رودس بموكب إلى بولاق فأقام بها ثلاثة أيام ثم سافر إلى الإسكندرية‏.‏

وفي رابع شعبان ورد مرسوم بضبط أموال نذير آغا واسمعيل آغا الطواشيين فسجنوهما بباب مستحفظان وضبطوا أموالهما وختموها‏.‏

وفي خامس شوال أنهى أرباب الأوقاف والعلماء والمجاورون بالأزهر إلى علي باشا امتناع الملتزمين من دفع خراج الأوقاف وخراج الرزق المرصدة على المساجد وما يلزم من تعطيل وفي شوال أرسل الباشا إلى مراد بك الدفتردار بعمل جمعية في بيته بسبب غلال الانبار فاجتمعوا وتشاوروا في ذلك فوقع التوافق أن البلاد الشرقي تبقى غلالها إلى العام المقبل وأما الري فيدفع ملتزموها ما عليهم‏.‏

وأخذوا أوراقا بيعت بالثمن اشتراها الملتزمون من أرباب الاستحقاق عن الجراية مائة وخمسون نصفًا وغلق الملتزمون ما عليهم بشراء الوصولات‏.‏

وفي ثاني عشر شوال ورد الخبر من منفلوط بان الشريف فارس بن اسمعيل التيتلاوي قتل عبد الله بن وافي شيخ عرب المغاربة‏.‏

وفي حادي عشر القعدة ورد آغا بمرسوم بمبيع متاع نذير آغا واسمعيل آغا المعتقلين وضبط أثمانها ما عدا الجواهر والذخائر التي اختلسوها من السرايا فأنها تبقى بأعيانها وأن يفحص عن أموالهما وأماناتهما وأن يسجنا في قلعة الينكجرية ففعل بهم ذلك وبلغ أثمان المبيعات ألفا وأربعمائة كيس خلاف الجواهر والذخائر فأنها جهزت مع الأموال صحبة الخزينة على يد سليمان بك كاشف ولاية المنوفية‏.‏

سنة سبع ومائة وألف وفي منتصف المحرم أجتمع الفقراء والشحاذون رجالًا ونساءً وصبيانًا وطلعوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا من الجوع فلم يجبهم أحد فرجموا بالأحجار‏.‏

فركب الوالي وطردهم فنزلوا إلى الرميلة ونهبوا حواصل الغلة التي بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا وكان ملآنًا بالشعير والفول وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء حتى بيع الاردب القمح بستمائة نصف فضة والشعير بثلاثمائة والفول بأربعمائة وخمسين والأرز بثمانمائة نصف فضة وأما العدس فلا يوجد‏.‏

وحصل شدة عظيمة بمصر وأقاليمها وحضرت أهالي القرى والأرياف حتى امتلأت منهم الأزقة واشتد الكرب حتى أكل الناس الجيف ومات الكثير من الجوع وخلت القرى من أهاليها وخطف الفقراء الخبز من الأسواق ومن الأفران ومن على رؤوس الخبازين‏.‏

ويذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطيف وبأيديهم العصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به‏.‏

واستمر الأمر على ذلك إلى أن عزل علي باشا في ثامن عشر المحرم سنة سبع ومائة ألف‏.‏

وورد مسلم اسمعيل باشا من الشام وجعل إبراهيم بك أبا شنب قائمقام ونزل علي باشا إلى منزل أحمد كتخدا العزب المطل على بركة الفيل فكانت مدته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأيامًا ثم تولى اسمعيل باشا وحضر من البر وطلع إلى القلعة بالموكب على العادة في يوم الخميس سابع عشر صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء أمر بجميع الفقراء والشحاذين بقراميدان فلما اجتمعوا أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان كل إنسان على قدر حاله وقدرته وأخذ لنفسه جانبا ولأعيان دولته جانبًا وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحًا ومساءً إلى أن انقضى الغلاء وأعقب ذلك وباء عظيم فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمن إلى أن انقضى أمر الوباء وذلك خلاف من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار وغيرهم وانقضى ذلك في آخر شوال‏.‏

وتوفي فيه الشيخ زين العابدين البكري وإبراهيم بك ابن ذي الفقار أمير الحاج وغيرهما‏.‏

ولما انقضى ذلك عمل الباشا مهما عظيما لختان ولده إبراهيم بك وختن معه ألفين وثلاثمائة وستة وثلاثين غلاما من أولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة كاملة ودينار‏.‏

وورد مرسوم بمحاسبة علي باشا المنفصل فحوسب فطلع عليه ستمائة كيس فختموا منزله وباعوا موجوداته حتى غلق ذلك‏.‏

وورد أمر بالزينة بسبب نصره فزينت المدينة وضواحيها ثلاثة أيام‏.‏

وفي رجب ورد مرسوم بطلب ألفين من العسكر وأميرهم مراد بك فلبس الخلع هو وأرباب المناصب وسافروا في حادي عشر شعبان‏.‏

وفي سابع عشر رجب سنة سبع ومائة وألف تقلد قيطاس بك تابع أمير الحاج ذي الفقار بك الصنجقية عوضا عن ابن سيده إبراهيم بك وورد الإفراج عن نذير آغا ورتب له خمسمائة عثماني وخمس جرايات وعشر علائف في ديوان مصر واستمر رفيقه اسمعيل آغا في السجن‏.‏

وفي رابع رجب ورد أحمد بك من السفر وفي سابعه تقلد أيوب بك إمارة الحج‏.‏

وفي ثاني شعبان ورد اسمعيل راجعا من السفر سنة ثمان ومائة وألف وفي ثالث عشر ربيع الأول ورد أمر بتزيين أسواق مصر سرورًا بمولود للسلطان وسمي محمودًا‏.‏

وورد أيضا الخبر باستشهاد مراد بك‏.‏

قتل ياسف اليهودي وفي ثالث عشر رمضان من السنة قامت العساكر على ياسف اليهودي‏.‏

قتلوه وجروه من رجله وطرحوه في الرميلة و قامت الرعايا فجمعوا حطبًا وأحرقوه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة‏.‏

وسبب ذلك أنه كان ملتزمًا بدار الضرب في دولة علي باشا المنفصل ثم طلب إلى اسلامبول وسئل عن أحوال مصر فأملى أمورًا والتزم بتحصيل الخزينة زيادة عن المعتاد وحسن بمكره أحداث محدثات ولما حضر مصر تلقته اليهود من بولاق واطلعوه إلى الديوان وقرأت الأوامر التي حضر بها ووافقه الباشا على أجرائها وتنفيذها‏.‏

وأشهر النداء بذلك في شوارع مصر فاغتنم الناس وتوجه التجار وأعيان البلد إلى الأمراء وراجعوهم في ذلك فركب الأمراء والصناجق وطلعوا إلى القلعة وفاوضوا الباشا فجادلهم بما لا يرضيهم فقاموا عليه قومة واحدة وسألوه أن يسلمهم اليهودي فامتنع من تسليمه فاغلظوا عليه وصمموا على أخذه منه فأمرهم بوضعه في العرقانة ولا يشوشوا عليه حتى ينظروا في أمره ففعلوا به كما أمرهم فقامت الجند على الباشا وطلبوا أن يسلمهم اليهودي المذكور ليقتلوه فامتنع فمضوا إلى السجن وأخرجوه وفعلوا به ما ذكر‏.‏

وفي تاريخه أحضر الباشا الشيخ محمد الزرقاني أحد شهود المحكمة بسبب أنه كتب حجة وقف منزل آل إلى بيت المال فأمر بحلق لحيته وتشهيره على جمل في الأسواق والمنادي ينادي عليه‏:‏ هذا جزاء من يكتب الحجج الزور‏.‏

ثم أمر بنفيه إلى جزيرة الطينة‏.‏

وفي صفر وردت سكة دينار عليها طرة فجمع الباشا الأمراء وأحضر أمين الضربخانة وسلمها له وأمره أن يطبع بها وأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطا والوزن كل مائة شريفي مائة وخمسة عشر درهما وسعر أبي طرة مائة وخمسة عشر نصفًا‏.‏

وفي ذلك الشهر لبس عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وتوجه إليها‏.‏

وفي ثاني عشر ربيع الأول قامت العسكر المصرية وعزلوا الباشا فكانت مدة اسمعيل باشا سنتين وتقلد مصطفى بك قائمقام مصر إلى أن حضر حسين باشا من صيدا وطلع إلى القلعة في موكب عظيم سنة تسع ومائة وألف في منتصف رجب ورد مرسوم بطلب تجهيز ألفي نفر من العسكر وعليهم يوسف بك المسلماني فقضى أشغاله وسافر في تاسع عشر رمضان‏.‏

وفي منتصف شهر ذي الحجة خرج اسمعيل باشا إلى العادلية ليسافر‏.‏

وكان قد حاسبه حسين باشا فتأخر عليه خمسون ألف اردب دفع عنها خمسين كيسًا وباع منزله وبلاد البدرشين التي كان قد وقفها وتوجه إلى بغداد‏.‏ وفي

سنة عشر ومائة وألف

أخذ أرباب الاستحقاقات الجراية والعلائف بثمن عن كل أردب قمح خمسة وعشرون نصفًا وفي آخر جمادى الثانية ظهر رجل من أهل الفيوم يدعى بالعليمي قدم إلى القاهرة وأقام بظهر القهوة المواجه لسبيل المؤمن فاجتمع عليه كثير من العوام وادعوا فيه الولاية وأقبلت عليه الناس من كل جهة واختلط النساء بالرجال وكاد يحصل بسببه مفاسد عظيمة‏.‏

فقامت عليه العسكر وقتلوه بالقلعة ودفن بناحية مشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها‏.‏

وفي رابع عشر شوال كانت واقعة المغاربة من أهل تونس وفاس وذلك أن من عادتهم أن يحملوا كسوة الكعبة التي تحمل كل سنة للبيت الحرام ويمرون بها في وسط القاهرة وتحمل المغاربة جانبًا منها للتبرك بها ويضربون كل من رأوه يشرب الدخان في طريق مرورهم‏.‏

فرأوا رجلًا من اتباع مصطفى كتخدا القازدغلي فكسروا إنبوبته وتشاجروا معه وشجوا رأسه وكان في مقدمتهم طائفة منهم متسلحون وزاد التشاجر واتسعت القضية وقام عليهم أهل السوق‏.‏

وحضر أوده باشة البوابة فقبض على أكثرهم ووضعهم في الحديد وطلع بهم إلى الباشا وأخبروه بالقضية فأمر بسجنهم بالعرقانة‏.‏

فاستمروا حتى سافر الحج من مصر ومات منهم جماعة في السجن ثم أفرج عن باقيهم‏.‏

ثم تولى قره محمد باشا وحضر إلى مصر منتصف ربيع الثاني سنة إحدى عشرة ومائة وألف وهو كتخدا اسمعيل باشا المتقدم ذكره‏.‏

وفي أيامه سنة أربع عشرة حصلت حادثة الفضة وفي سنة خمس عشرة وردت الأخبار بوفاة السلطان مصطفى وجلوس السلطان أحمد بن محمد خان في سابع عشر ربيع الآخر منها وأمر الباشا بقطع سقائف الدكاكين لأجل توسعة الطرق والأسواق ففعل ذلك ثم أمر بقطع الأرض وتمهيدها فحفروا نحو ذراع أو أكثر من الأسواق ففعل ذلك‏.‏

ثم أمر بقطع الأرض إلى أن كشفت الجدران‏.‏

ومكث محمد باشا واليًا بمصر خمس سنوات إلى أن عزل في شهر رجب سنة ست عشرة ومائة وألف‏.‏

ومن مآثره تعمير الأربعين الذي بجوار باب قراميدان وأنشأ فيه جامعًا بخطبة وتكية لفقراء الخلواتية من الاروام وأسكنهم بها وأنشأ تجاهها مطبخًا ودار ضيافة للفقراء وفي علوها مكتبا للأطفال يقرؤون فيه القرآن ورتب لهم ما يكفيهم‏.‏

وأنشأ فيما بينها وبين البستان المعروف بالغوري حمامًا فسيحًا مفروشًا بالرخام الملون وجدد بستان الغوري وغرس فيه الأشجار ورمم قاعة الغوري التي بالبستان وعمر بجوار المنزل سكن أميراخور وبنى مسطبة عظيمة برسم إلباس القفاطين وتسليم المحمل لأمير الحج وأرباب المناصب وعمر مسطبة يرمى عليها النشاب وأنشأ الحمام البديع بقراميدان ونقل إليه من القلعة حوض رخام صحن قطعة واحدة أنزلوه من السبع حدارات وعملوا به فسقية في وسط المسلخ وعمر بالقرافة مقام سيدي عيسى بن سيدي عبد القادر الجيلاني وجعل به فقراء مجاورين ورتب لهم ما يكفيهم وأنشأ صهريجًا بداخل القلعة بجوار نوبة الجاويشية ورتب فيها خمسة عشر نفرًا يقرؤون القرآن كل يوم بعد الشمس وهو الذي تسبب في قتل عبد الرحمن بك حاكم جرجا لحزازة معه من أجل مخدومه اسمعيل باشا وسيأتي تتمة ذلك في خبره عند ذكر ترجمته‏.‏

وتولى رامي محمد باشا وكان تولى الوزارة في زمن السلطان مصطفى وانفصل عنها وجعل محافظًا بجزيرة قبرص ثم حضر منها واليًا على مصر فطلع إلى القلعة في يوم الاثنين سادس شعبان سنة ست عشرة ومائة وألف‏.‏

وفي سبع عشرة تقلد قيطاس بك إمارة الحج عوضًا عن أيوب بك‏.‏

وفي تلك السنة توقف النيل عن الزيادة فضج الناس وابتهلوا بالدعاء وطلب الاستسقاء واجتمعوا على جبل الجيوشي وغيره من الأماكن المعروفة بإجابة الدعاء فاستجاب الله لهم في حادي عشر توت وشذ ذلك من النوازل فروى بعض البلاد وهبط سريعًا فحصل الغلاء وبلغ سعر الاردب القمح مائتين وأربعين فضة والفول كذلك والعدس مائتي نصف فضة والشعير مائة نصف فضة والأرز أربعمائة نصف فضة الاردب وبيع اللحم الضاني كل رطل بثلاثة أنصاف فضة والجاموسي والبقري بنصفي فضة والسمن القنطار بستمائة نصف فضة والزيت بثلاثمائة وخمسين والدجاجة بثمانية أنصاف‏.‏

وعلى هذا فقس والبيض كل ثلاث بيضات بنصف والرطل الشمع الدهن بثمانية أنصاف وكثر الشحاذون في الأزقة وفي سنة ثمان عشرة لم يأت من اليمن ولا من الهند مراكب فشح القماش الهندي وغلا البن حتى بلغ القنطار ألفين وسبعمائة وخمسين نصفًا وغلا الشاش فبيع الفرحات خان بأربعمائة نصف فضة والخنكاري بسبعمائة نصف‏.‏

وفي سادس رجب عزل محمد باشا وحضر مسلم علي باشا‏.‏

وفي تاسعه نزل محمد باشا من القلعة في موكب عظيم وسكن بمنزل أحمد كتخدا العزب سابقًا المطل على بركة الفيل بالقرب من حمام السكران‏.‏

ووصل علي باشا من طريق البحر وذهبت إليه الملاقاة على العادة وأرسى بساحل بولاق يوم الاثنين تاسع شعبان وهو في نحو ألف ومائتي نفس خلاف الأتباع‏.‏

وفي ثاني عشر شعبان سنة ثمان عشرة ركب بالموكب وطلع إلى القلعة وضربوا المدافع لقدومه‏.‏

وفي أواخر هذا الشهر وقعت فتنة بين العزب والمتفرقة وسببها إن شخصًا من تلك العزب يسمى محمد أفندي كاتب صغير سابقًا ثم بعد عزله تولى خليفة في ديوان المقابلة وحصل له تهمة عزل بها من المقابلة ثم عمل سردار بالإسكندرية على طائفة العرب وعمل كتخدا القبودان وركب في المراكب وأشيع أنه غرق في البحر فحلوا اسمه وماله من التعلقات في بابه وغيره‏.‏

وبعد مدة حضر إلى مصر وطلع إلى الديوان وصحح اسمه الذي في العزب وجراياته وتعلقاته وبقي له بعض تعلقات لم يقدر على خلاصها ولم يساعده أهل بابه وأهملوا أمره فتغير خاطره منهم وذهب إلى بلك المتفرقة وانضم إليهم وسألهم أن يخرجوه من العزب ويدخلوه فيهم وجعل يركب معهم كل يوم للديوان ويمر على باب العزب‏.‏

فبينما هو ذات يوم طالع إلى الديوان إذ وقف له جماعة من العزب وقبضوا على لجام فرسه وأنزلوه من على فرسه وحبسوه في بابهم‏.‏

وبلغ الخبر المتفرقة وهم في الديوان وحضر محمد أمين بيت المال في العزب وكان في ذلك اليوم نائبًا عن باش جاويش لتمرضه‏.‏

فعاتبه جماعة المتفرقة على ما فعله جماعته فاغلظ عليهم في الجواب فقبضوا عليه من أطواقه وأرادوا ضربه فدخل بينهم المصلحون وخلصوه من أيديهم‏.‏

فنزل إلى باب العزب وأخبرهم بما فعله المتفرقة فاجتمعت طائفة العزب ووقفوا على بابهم فلما مر عليهم اثنان من جماعة المتفرقة نازلين إلى منازلهم وهما محمد الابدال وصاري علي فلما حاذياهم هجم عليهما طائفة العزب هجمة واحدة وضربوهما ضربًا مؤلمًا وأنزلوهما عن الخيل وشجوهما ونهبوا ما على الخيل من العدد واخذوا ما عليهما من الملبوس‏.‏

فلما وصل الخبر للمتفرقة اجتمعوا مع بقية الوجاقات وقعدوا في باب الينكجرية وأنهوا أمرهم إلى الأغوات والصناجق وأهل الحل والعقد واستمروا على ذلك ثلاثة أيام إلى أن وقع التوافق على إخراج أربعة أنفار الذين كانوا سببًا لإشعال نار الفتنة ونفيهم من مصر وهم أحمد كتخدا العزب ومحمد أمين بيت المال والشريف محمد باش أوده باشه ومحمد أفندي قاضي أوغلي الذي كان الباعث على ذلك فوافق على ذلك الجميع وصمموا عليه فسفروهم إلى جهة الصعيد‏.‏

وفي ثاني شهر الحجة عزل علي آغا مستحفظان وتولى عوضه رضوان آغا كتخدا الجاوشية سابقًا وركب بالشعار المعلوم وقطع ووصل وأمر أهل الأسواق أن يدفعوا الأرطال في دار الضرب بالدمغة السلطانية‏.‏

وجعلوا على كل دمغة نصف فضة فتحصل من ذلك مال له صورة‏.‏

وفي سابع عشر المحرم سنة تسع عشرة ومائة وألف توفي اسمعيل بك الدفتردار وولي أيوب بك عوضه وهو الذي كان أمير الحاج سابقًا‏.‏

وفي سادس صفر ورد مرسوم من السلطان أحمد بأن يكون عيار الذهب اثنين وعشرين قيراطًا وكانوا يقطعونه على ستة عشر‏.‏

وفي يوم الخميس ورد أمر بحبس محمد باشا الرامي وبيع كامل ما يملكه من متاع ملبوس وغيره فحبس بقصر يوسف صلاح الدين وأبطال والي البحر الذي يتولى من باب العزب‏.‏

وفيه وصل الحجاج وقد تأخروا إلى نصف صفر بسبب دخول مراكب الهند وشراء ما بها من الأقمشة‏.‏

وفي شهر ربيع حبس جماعة من أتباع الباشا وهو الكتخدا والخازندار وغيرهم من أرباب وفي ثامن عشر جمادى الآخرة تقلد إبراهيم بك الدفتردارية عوضًا عن أيوب بك بموجب مرسوم سلطاني وفيه عزل رضوان آغا مستحفظان وتولى أحمد آغا ابن بكير أفندي عوضًا عنه‏.‏

وفيه ورد أمر بأبطال نوبة محمد باشا ونفيه إلى جزيرة رودس فنزل من يومه إلى بولاق وأقام بها إلى أن سافر‏.‏

وفي أوائل رجب ورد أمر بعزل علي باشا وحبسه في قصر يوسف واستخلاص ما عليه من الديون إلى تجار اسلامبول وجعل إبراهيم بك قائمقام وحبس علي باشا وبيعت موجوداته وفيها وقعت فتنة بباب الينكجرية فعزلوا إفرنج أحمد باشا أوده باشا وحسين أوده باشا ثم نفوهم إلى الطينة بدمياط‏.‏

ووردت الأخبار بولاية حسين باشا على مصر وقدومه إلى الإسكندرية فقدم إلى مصر في ثالث عشري شعبان سنة تسع عشرة‏.‏

وفيه سافر الشريف يحيى بن بركات إلى مكة بمرسوم سلطاني‏.‏

وفيه فر إفرنج أحمد أوده باشا وحسين آغا من حبس الطينة ودخلا مصر ليلًا فاختبآ عند آغات الجراكسة والتجأ حسين إلى باب التفكجبة‏.‏

وفي خامس عشرينه طلع حسين باشا إلى القلعة بالموكب المعتاد على العادة‏.‏

وفي سادس عشرينه أجتمع الينكجرية بالباب بأسلحتهم لما بلغهم قدوم إفرنج أحمد إلى مصر وقالوا لابد من نفيه ورجوعه إلى الطينة فعاند في ذلك طائفة الجراكسة وامتنعوا من التسليم فيه وقالوا‏:‏ لابد من نقله من وجاقكم‏.‏

وساعدهم بقية البلكات ولم يوافق الينكجرية على ذلك ومكثوا ببابهم يومين وليلتين وكذلك فعل كل بلك ببابه‏.‏

فاجتمع كل العلماء والمشايخ على الصناجق والأعيان وخاطبوهم في حسم الفتنة فوقع الاتفاق على أن يجعلوه صاحب طبلخانة وأرسلوا له القفاطين مع كتخدا الباشا وأرباب الدرك وأحضروه إلى مجلس الآغا وقرؤوا عليه فرمان الصنجقية وأن خالف يكون عليه بخلاف ذلك فامتثل الأمر ولبس الصنجقية وطلع من منزل آغات الجراكسة بموكب عظيم إلى منزله ونزل له الصنجق السلطاني والطبلخانة في غايته‏.‏

ومن الحوادث أنه حضر كتخدا حسين باشا المذكور من طريق البحر بأوامر منها تحرير عيار الذهب على ثلاثة وعشرين قيراطًا وأن يضربوا الزلاطة والعثامنة التي يقال لها الاخشاءة بدار الضرب واحضر معه سكة لذلك فامتنع المصريون من ذلك ووافقوا على تصحيح عيار الذهب فقط‏.‏

وفي شهر شوال حضر آغا بمرسوم ببيع موجودات علي باشا المسجون فباعوها بالمزاد بالديوان‏.‏

وفي شهر الحجة ورد آغا بطلب خازندار إبراهيم بك الدفتردار وسببه أنه أنهى إلى السلطان أن خليل الخازندار المذكور أتاه رجل دلال بقوس فصار يجذبها ويتصرف فيها وكان بجانبه رجل من العثمانيين فأخذ القوس من يد خليل المذكور وأراد جذبها فلم يستطع فتعجب من قوة خليل المذكور وأخذ منه القوس وسافر بها إلى الديار الرومية ليمتحن بها أهل ذلك الفن فلم يقدر أحد على جذبها وأتصل خبرها بالسلطان فطلبها لجذبها فلم يستطع فتعجب من صعوبتها فقال له الرجل أن بمصر مملوكًا عند إبراهيم بك أوترها وصار يجذبها حتى تجمع طرفاها وعنده أيضًا مكحلة ثلاثون درهمًا يرمي بها الهدف وهو رامح على ظهر الحصان فأمر السلطان بإحضاره فجهزه إبراهيم بك وأرسله‏.‏

سنة عشرين ومائة وألف ورد قبودان يسمى جانم خوجه رئيس المراكب وطلع إلى الديوان ومعه بقية الرؤساء فلما أجتمع بالباشا أبرز له مرسومًا بتجهيز علي باشا إلى الديار الرومية فجهز في ثامن عشرينه ونزل بموكب فيه حسين باشا والصناجق والآغوات وأتباعهم ونزل في السفائن وسافر في أوائل ربيع الأول‏.‏

وفي ثامن عشر شوال أجتمع عسكر بالديوان وأنهوا إلى الباشا أن محمد بك حاكم جرجا أنزل عربان المغاربة وأمنهم وهذا يؤدي إلى الفساد فعزلوه وولوا آخر اسمه محمد من أتباع قيطاس وفي تاسع عشر شوال ورد محسن زاده أخو كتخدا الوزير أدخله حسين باشا بموكب حفل وطلع إلى القلعة وأبرز مرسومًا بعزل ايواز بك وتولية محمد باشا محسن زاده في منصبه فأنزله في غيظ قراميدان إلى أن سافر صحبة الحاج الشريف‏.‏

ومن الحوادث أن في يوم الاثنين رابع عشر القعدة سنة عشرين ومائة وألف وقف مملوك لرجل يسمى محمد آغا الحلبي على دكان قصاب بباب زويلة ليشتري منه لحمًا فتشاجر مع حمار عثمان أوده باش البوابة فأعلم عثمان بذلك فأرسل أعوانه وقبضوا على ذلك المملوك وأحضروه إليه‏.‏

فأمر بحبسه في سجن الشرطة فلما بلغ محمد جاويش سجن مملوكه حضر هو وأولاده وأتباعه إلى باب صاحب الشرطة لخلاص مملوكه فتفاوضا في الكلام وحصل بينهما مشاجرة فقبض عثمان أوده باشا على محمد جاويش المذكور وأودعه في السجن وركب إلى باش أوده باشا وهو إذ ذاك سليمان ابن عبد الله وطلع إلى كتخدا مستحفظان وعرض القصة فلم يرضوا له بذلك وأمروه بإطلاقه فرجع وأخرج محمد جاويش ومملوكه من السجن وركب ففي ثاني يوم الحادثة اجتمعت طائفة الجاويشية مع طائفة المتفرقة والثلاث بلكات الاسباهية والأمراء والصناجق والآغوات في الديوان وطلبوا نفي عثمان أوده باشا المذكور فلم توافقهم الينكجرية على ذلك فطلعوا إلى الديوان وطلبوا عثمان المذكور للدعوى عليه فحضر وأقيمت الدعوى بحضرة الباشا والقاضي‏.‏

فأمر القاضي بحبس عثمان كما حبس محمد جاويش فلم يرض الأخصام بذلك وقالوا ألا بد من عزله ونفيه فلم توافقهم الينكجرية فطلب العسكر من الباشا أمرًا بنفيه فتوقف في ذلك فنزلوا مغضبين واجتمعوا بمنزل كتخدا الجاويشية وأنزلوا مطبخهم من نوية خاناه إلى منزل كتخدا الجاويشية صالح آغا وأقاموا به ثلاثة أيام ليلًا ونهارًا وامتنعوا من التوجه إلى الديوان ثم أجتمع أهل البلكات وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واتفقوا على نفي عثمان أوده باشا ثم اجتمعوا على الصناجق واتفقوا أن يكونوا معهم على طائفة الينكجرية لأنهم لم يعتبروهم‏.‏

وأرسل الاسباهية مكاتبات لأنفارهم المحافظين مع الكشاف بالولايات يأمرونهم بالحضور‏.‏

وفي ذلك اليوم عزل أوده باش البوابة وولي خلافه‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشري الشهر حضر إلى طائفة الينكجرية من أخبرهم أن العسكر يريدون قتالهم فأرسلوا القابجية إلى أنفارهم ليحضروا إلى الباب بآلة الحرب فاجتمعوا وانزعج أهل الأسواق وقفل غالبهم دكاكينهم ثم اطمأنوا بعد ذلك وجلسوا في دكاكينهم‏.‏

واستمر أهل الوجاقات الستة يجتمعون ويتشاورون في أبوابهم وفي منزل محمد آغا المعروف بالشاطر ومنزل إبراهيم بك الدفتردار و أما الينكجرية فأنهم كانوا يجتمعون بالباشا فقط‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشر ذي الحجة قدم محمد بك الذي كان بالصعيد في جند كثيف وأتباع كثيرة وطلع إلى ديوان مصر على عادة حكام الصعيد المعزولين ولبس الخلع السلطانية ونزل إلى بيته بالصليبة‏.‏

ثم أن أهل الوجاقات الست اجتمعوا واتفقوا على أبطال المظالم المتجددة بمصر وضواحيها وكتبوا ذلك في قائمة واتفقوا أيضًا أن من كان له وظيفة بدار الضرب والانبار والتعريف بالبحرين أو المذبح لا يكون له جامكية في الديوان ولا ينتسب لوجاق من الوجاقات وأن لا يحتمي أحد من أهل الأسواق في الوجاقات وأن ينظر المحتسب في أمورهم ويحرر موازينهم على العادة وأن يركب معه نائب من باب القاضي مباشرا معه وأن لا يتعرض أحد للمراكب التي ببحر النيل التي تحمل غلال الانبار وأن يحمل الغلال المذكورة جميع المراكب التي ببحر النيل‏.‏

ولا تختص مركب منها بباب من أبواب الوجاقات وأن كل ما يدخل مصر من بلاد الأمناء باسم الأكل لا يؤخذ عليه عشر وأن لا يباع شيء من قسم الحيوانات والقهوة إلى جنس الإفرنج وأن لا يباع الرطل البن بأزيد من سبعة عشر نصفًا فضة‏.‏

وأرسلوا القائمة المكتتبة إلى الباشا ليأخذوا عليها بيورلدي وينادي به في الأسواق‏.‏

فتوقف الباشا في إعطاء البيورلدي ولما بلغ الإنكشارية ما فعل هؤلاء اجتمعوا ببابهم وكتبوا قائمة نظير تلك القائمة بمظالم الخردة ومظالم اسباهية الولايات وغيرها وأرسلوها إلى الباشا فعرضها على أهل الوجاقات فلم يعتبروها وقالوا لابد من وفي يوم الأحد حادي عشري الحجة اجتمع أهل الوجاقات ومعهم الصناجق بباب الغرب وقاضي العسكر ونقيب الأشراف بالديوان عند الباشا وأرسلوا إلى الباشا أن يكتب لهم بيورلدي بأبطال ما سألوه فيه والمناداة به وأن لم يفعل ذلك أنزلوه ونصبوا عوضه حاكمًا منهم‏.‏

وعرضوا ذلك على الدولة فلما تحقق الباشا منهم ذلك كتب لهم ما سألوه وكتب لهم القاضي أيضًا حجة على موجبة ونزل بهما المحتسب وصاحب الشرطة ونائب القاضي وآغا من أتباع الباشا ونادوا بذلك في الشوارع‏.‏

وفي غاية الحجة سنة عشرين كسف جرم الشمس في الساعة الثامنة واستمر سبع عشرة درجة ثم انجلت‏.‏

سنة إحدى وعشرين ومائة وألف وفي يوم السبت رابع محرم سنة إحدى وعشرين ومائة وألف أجتمع الينكجرية عند آغاتهم وتحالفوا أنهم على قلب رجل واحد واجتمع أنفارهم جميعًا بالغيط المعروف بخمسين كتخدا وتحالفوا كذلك‏.‏

وفي سابعه أجتمع أهل الوجاقات بمنزل إبراهيم بك الدفتردار وتصالحوا على أن يكونوا كما كانوا عليه من المصافاة والمحبة بشرط أن ينفذوا جميع ما كتب في القائمة ونودي به ولا يتعرضوا في شيء منه فلم يستمر ذلك الصلح‏.‏

وفي ليلة السبت حادي عشرة وقع في الجامع الأزهر فتنة بعد موت الشيخ النشرتي وسيأتي ذكرها في ترجمة الشيخ عبد الله الشبراوي ثم أن الينكجرية قالوا لا نوافق على نقل دار الضرب إلى الديوان حتى تكتبوا لنا حجة بأن ذلك لم يكن لخيانة صدرت منا ولا تخوف عليها فامتنع أخصامهم من إعطاء حجة بذلك ثم توافق أهل البلكات الست على أن يعرضوا في شأن ذلك إلى باب الدولة فإن أقرها في مكانها رضوا به وأن أمر بنقلها نقلت فاجتمعوا هم ونقيب الأشراف ومشايخ السجاجيد وكتبوا العرض المذكور ووضعوا عليه ختومهم ما عدا الينكجرية فإنهم امتنعوا من الختم ثم أمضوه من القاضي وأرسلوه مع أنفار من البلكات وآغا من طرف الباشا في سادس عشري المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة وألف‏.‏

وأما الينكجرية فأنهم اجتمعوا ببابهم وكتبوا عرضًا من عند أنفسهم إلى أرباب الحل والعقد من أهل وجاقهم بالديار الرومية وعينوا للسفرية علي أفندي كاتب مستحفظان سابقًا وأحمد جربجي وجهزوهم للسفر فسافروا في يوم الاثنين سابع عشرينه‏.‏

وفي ثالث عشر ربيع الأول تقلد إمارة الحاج قيطاس بك مقررًا على العادة في صبيحية المولد النبوي في كل سنة وكان أشيع أن بعض الأمراء سعى على منصب إمارة الحج فلما بلغ الينكجرية ذلك اجتمعوا ببابهم لابسين سلاحهم وجلسوا خارج الباب الكبير على طريق الديوان بناء على أنه أن لبس شخص إمارة الحج خلاف قيطاس بك لا يمكنوه من ذلك‏.‏

فلما رأى الصناجق والأمراء ذلك منهم خافوهم وقالوا هذه أيام تحصيل الخزينة ونخشى وقوع أمره من هؤلاء الجماعة إلى تعطيل المال فاجتمع رأي الصناجق وأهل الوجاقات الست على نفي ستة أشخاص من الينكجرية الذين بيدهم الحل والعقد ويخرجونهم من مصر إلى بلاد التزامهم تسكينًا للفتنة حتى يأتي جواب العرض‏.‏

فلما بلغ الينكجرية ما دبروه اجتمعوا في بابهم في عددهم وعددهم فلم يلتفتوا إلى فعلهم وقالوا‏:‏ لابد من نفيهم أو محاربتهم‏.‏

واجتمعوا كذلك في أبوابهم واستعد الينكجرية في بابهم وشحنوه بالأسلحة والذخيرة والمدافع فحصل لأهل البلد خوف وانزعاج وأغلقوا الدكاكين وذلك سابع عشر ربيع الأول ونقل الجاويشية مطبخهم من القلعة من النوبة إلى منزل كتخدا الجاويشية وأقام طائفة الينكجرية منهم طوائف محافظين على أبواب القلعة وباب الميدان والسحراء الذي بالمطبخ الموصل إلى القرافة خوفًا من أن العسكر يستميلون الباشا وينزلونه الميدان لأنهم كانوا أرسلوا له كتخدا الجاويشية وطلبوا منه النزول إلى قراميدان ليتداعوا مع الينكجرية على يد قاضي العسكر فلم تمكنهم الينكجرية من ذلك وحصل لكتخدا الجاويشية ومن معه مشقة في ذلك اليوم من المذكورين عند عودهم من عند الباشا وما خلصوا إلا بعد جهد عظيم‏.‏

وفي يوم الخميس عشري ربيع الأول أجتمع الصناجق والعسكر واختاروا محمد بك الذي كان بالصعيد لحصار القلعة من جهة القرافة على جبل الجيوشي بالمدافع والعسكر ففعل ما أمروا به وخافت العسكر وقوع نهب بالمدينة فعينوا مصطفى آغا أغات الجراكسة يطوف في أسواق البلد وشوارعها‏.‏

كما كان يفعل في زمن عزل الباشا‏.‏

وفي يوم السبت ثاني عشرينه أجتمع الأمراء الصناجق والاسباهية بالرميلة وعينوا أحمد بك المعروف بإفرنج أحمد آغات التفكجية ليحاصروا طائفة الينكجرية من بابهم المتوصل منه إلى المحجر وباب الوزير ويمنعوا من يصل إليهم بالإمداد‏.‏

وأما الينكجرية الذين كانوا بالقاهرة فاجتمعوا بباب الشرطة واتفقوا على أن يدهموا العسكر المحافظين بالباب ويكشفوهم ويدخلوا إلى باب الينكجرية‏.‏

فلما بلغ الصناجق ذلك والعسكر عينوا إبراهيم الشهير بالوالي ومصطفى آغات الجبجية في طائفة من الاسباهية فنزلوا إلى باب زويلة ولما بلغ خبرهم الينكجرية الذين كانوا تجمعوا في باب الشرشة تفرقوا فجلس مصطفى آغا محل جلوس الاوده باشا وإبراهيم بك في محل جلوس العسس وانتشرت طوائفهم في نواحي باب زويلة و الخرق واستمروا ليلة الأحد على هذا المنوال فطلع في صبحها نقيب الأشراف والعلماء وقاضي العسكر وأرباب الاشاير واجتمعوا بالشيخونيتين بالصليبة وكتبوا فتوى بأن الينكجرية إن لم يسلموا في نفي المطلوبين وإلا جاز محاربتهم وأرسلوا الفتوى صحبة جوخدار من طرف القاضي إلى باب الينكجرية فلما قرأت عليهم تراخت عزائمهم وفشلوا عن المحاربة وسلموا في نفي المطلوبين بشرط ضمانهم من القتل فضمنهم الأمراء الصناجق وكتبوا لهم حجة بذلك فلما وصلتهم الحجة انزلوا الأنفار الثمانية المطلوبين إلى أمير اللواء ايواز بك ورضوان آغا فتوجها بهم إلى بولاق ومن هناك سافروا إلى بلاد الريف‏.‏

وفي يوم تاسع عشر ربيع الأخر ورد أمير اخوز صغير من الديار الرومية وطلع إلى القلعة وأبرز مرسومين فرثا بالديوان بمحضر الجميع أحدهما بأبطال المظالم والحمايات بموجب القائمة المعروضة من العسكر ونفي عطاء الله المعروف ببولاق وأحمدجلبي بن يوسف آغا وأن يحاسبوا تجارة القهوة على مرابحة العشرة اثني عشر بعد رأس المال والمصاريف والأمر الثاني بنقل دار الضرب من قلعة الينكجرية إلى حوش الديوان وبناء قنطرة اللاهون بالفيوم وأن يحسب ما يصرف عليهما من مال الخزينة العامرة‏.‏

وفي يوم تاريخه برز أمر من الباشا برفع صنجقية أحمد بك الشهير بإفرنج أحمد بك وإلحاقه بوجاق الجملية‏.‏

وفي يوم السبت أجتمع أعيان مستحفظان بمنزل أحمد كتخدا المعروف بشهر اغلان وأرسلوا خلف إفرنج أحمد وتصالحوا معه وتعاهدوا على الصدق وأن لا يغدرهم ولا يغدروه‏.‏

ومضوا معه إلى الباب الجملي وأخذوا عرضه وركب الحمار في يوم الأحد وطلع إلى باب مستحفظان في جم غفير من الأوده باشية وتقرر باش أوده باشا كما كان سابقًا وعاد إلى منزله‏.‏

وفي غاية الشهر رجع الأنفار الثمانية المنفيون وأخرجوهم من وجاق الينكجرية ووزعوهم على أهل الوجاقات باطلاع الأمراء الصناجق والآغوات‏.‏

وفي أوائل جمادى الأولى أرسل القاضي فأحضر مشايخ الحرف وعرفهم أنه ورد أمر يتضمن أن لا يكون لأحد من أرباب الحرف والصنائع علاقة ولا نسبة في أحد الوجاقات السبع فأجابوه بأن غالبهم عسكري وابن عسكري وقاموا على غير امتثال ثم بلغ القاضي أنهم أجمعوا على إيقاع مكروه به فخافهم وترك ذلك وتغافل عنه ولم يذكره بعد‏.‏

وفي هذه السنة أبطل الينكجرية ما كانوا يفعلونه من الاجتماع بالمقياس وعمل الاسمطة والجمعيات وغيرها عند تنظيفه‏.‏

وفي منتصف جمادى الثانية تم بناء دار الضرب التي أحدثوها بحوش الديوان وضرب بها السكة وكان محلها قبل ذلك معمل البارود ونقل معمل البارود إلى محل بجوارها‏.‏

وفيه لبس إبراهيم بك أبو شنب أميرًا على الحج عوضًا عن قيطاس بك وتولى قيطاس بك دفتردارية مصر عوضًا عن إبراهيم بك بموجب مرسوم بذلك من الأعتاب‏.‏

وفي تاسع عشر رمضان ورد الخبر بعزل حسين باشا وولاية إبراهيم باشا القبودان ووردت منه مكاتبة بأن يكون حسين باشا نائبًا عنه إلى حين حضوره ولم يفوض أمر النيابة إلى أحد من صناجق مصر كما هو المعتاد وفي شهر شوال الموافق لكيهك القبطي ترادفت الأمطار وسالت الأودية حتى زاد بحر النيل بمقدار خمسة أذرع وتغير لونه لكثرة ممازجة الطفل للماء في الأودية واستمرت الأمطار تنزل وتسكب إلى غاية الشهر وكان ابتداؤها من غرة رمضان‏.‏

وفي منتصف ذي القعدة نزل حسين باشا من القلعة بموكب عظيم وأمامه الصناجق والآغوات إلى منزل الأمير يوسف آغا دار السعادة بسويقة عصفور ووصل إبراهيم باشا القبو دان وطلع إلى القلعة في منتصف الحجة‏.‏