المجلد الأول - سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف

وفي منتصف محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف أجتمع أهل البلكات السبعة بسبيل علي باشا بجوار الإمام الشافعي واتفقوا على نفي ثلاثة أنفار من بينهم فنفوا في يوم الخميس من اختيارية الجاويشية قاسم آغا وعلي أفندي كاتب الحوالة ومن وجاق المتفرقة علي أفندي المحاسبجي وسببه أنهم اتهموا بأنهم يجتمعون بالباشا في كل وقت ويعرفونه بالأحوال وأنهم أغروه بقطع الجوامك المكتتبة بأسماء أولاد وعيال المحلول عنهم وأن العسكر راجعوه في ذلك فلم يوافقهم على ذلك وأيضًا راجعه الاختيارية المرة بعد المرة فقال لا أسلم إلا الوجاقات السبعة فمن نقل اسمه فأني لا أعارضه فرضوا بذلك وأخذوا منه فرمانًا فورد بعد ذلك سلحدار الوزير وعلى يده أوامر بأبطال المرتبات وأن من عاند في ذلك يؤدبه الحاكم فأذعنوا بالطاعة فأراد الباشا نفي الثلاثة أنفار من اختيارية العزب فلم توافق العسكر ثم اتفق العسكر على كتابة عرض بالاستعطاف بإبقاء ذلك وسافر به سبعة أنفار من الأبواب السبعة‏.‏

وفي يوم الخميس غاية ربيع الأول تقلد الأمير ايواز بك إمارة الحج عوضًا عن إبراهيم بك لضعف مزاجه ووهن قوته‏.‏

وفي أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ورد من الديار الرومية مرسوم قرئ بالديون مضمونه أن وزن الفضة المصرية زائد في الوزن عن وزن اسلامبول والأمر بقطع الزائد وأن تضرب سكة الجنزرلي ظاهرة ويحرر عياره على ثلاثة وعشرين قيراطًا‏.‏

وفي ثاني رجب حصلت زلزلة في الساعة الثامنة‏.‏

وفيه ورد مرسوم بإبقاء المرتبات التي عرض في شأنها كما كانت ولكن لا يكتب بعد اليوم في التذاكر أولاد وعيال ولا ترتب على جهة وقف‏.‏

وفي خامس عشرة ورد عزل إبراهيم باشا وولاية خليل باشا وإقامة أيوب بك قائمقام ونزل إبراهيم باشا من القلعة إلى منزل عباس آغا ببركة الفيل فكانت مدته ثمانية أشهر ووصل خليل باشا الكوسنج وكان بصيدا من أعمال الشام فقدم بالبر يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة اثنتين وعشرين ومائة ألف‏.‏

وفي ثاني عشر ذي القعدة ورد أمر بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم صنجق لسفر الموسقو و كانت النوبة على محمد بك حاكم جاجاحالا فتعذر سفره فأقيم بدله اسمعيل بك تابع ذي الفقار بك فقلدوه الصنجقية وأمده محمد بك بأربعين كيسًا مصرية وجعله بدلًا عنه وألبس القفطان ثاني عشر الحجة‏.‏

سنة ثلاثة وعشرين ومائة وألف ودخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف واستهل المحرم بيوم الخميس الموافق الرابع عشر أمشير القبطي سابع شباط الرومي وفي ذلك اليوم انتقلت الشمس لبرج الحوت‏.‏

وفيه نزل اسمعيل بك بموكب وشق في وسط القاهرة إلى بولاق وسافر بالعسكر في منتصف المحرم‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشرة أجتمع طائفة مصطفى كتخدا القازدغلي ومعه من أعيان الينكجرية خمسة عشر نفرًا واتفقوا أنهم لا يرضون إفرنج أحمد باش اوده باشا فإما يلبس الضلمة أو يكون جربجيًا في الوجاق وإن لم يرض بأحد الأمرين يخرج المذكورون من الوجاق ويذهبون إلى أي وجاق شاؤوا‏.‏

وكان الاجتماع بباب العزب وساعدهم على ذلك أرباب البلكات الستة وصمموا أيضًا على رجوع الثمانية أنفار الذين كانوا أخرجوهم من باب الينكجرية ومشت الصناجق بينهم والاختيارية وصاروا يجتمعون تارة بمنزل قيطاس بك الدفتردار وتارة بمنزل إبراهيم بك أمير الحج سابقًا ثم اجمع رأي الجميع على نقل الثمانية أنفار المذكورين ومن أنضم إليهم من الوجاقات إلى باب العزب وأن يخرجوا أنفارًا كثيرة من مصر منفيين منهم ثلاثة من الكتخدائية وعشرة من الجربجية والباقي ممن الينكجرية وعرضوا في شأن ذلك للباشا فاتفق الأمر على أن من كان منهم مكتوبًا لسفر الموسقو فليذهب مع المسافرين ومن لم يكن مكتوبًا فيعطى عرضه ويذهب إلى باب العزب‏.‏

وحضر كاتب العزب والينكجرية في المقابلة واخرجوا من كان اسمه في السفر وما عداهم أعطوهم عرضهم وتفرقوا عن ذلك‏.‏

ووقع الحث على سفر من خرج اسمه في المسافرين وعدم إقامتهم بمصر وان يلحقوا بالمسافرين بثغر الإسكندرية‏.‏

وفي ثالث عشر صفر قدم ركب الحاج صحبة أمير الحاج ايواز بك‏.‏

وفيه اجتمع حسن جاويش القزدغلي الذي كان سردار القطار والأمير سليمان جربجي تابع القزدغلي سردار الصرة وإبراهيم جربجي سردار جداوي وطلبوا عرضهم من باب مستحفظان فذهب إليهم اختيارية بابهم واستعطفوهم فلم يوافقوهم ثم طلب موسى جربجي تابع بن الأمير مرزا أن يخرج أيضًا من الوجاق وينقلوا اسمه من الجملية فلم يوافقه رضوان آغا فذهب موسى جربجي إلى إبراهيم بك وايواز بك وقيطاس بك وسألهم أن يتشفعوا له في ذلك فلم يوافق رضوان آغا فاتفق رأيهم أن يعرضوا للباشا بأن يعزل رضوان آغا المذكور ويتولى علي آغات الينكجرية سابقًا وأن يعزل سليمان كتخدا الجاويشية ويولي عوضه اسمعيل آغا تابع إبراهيم بك فامتنع الباشا من ذلك وكان اختيارية الجملية توافقوا مع الأمراء الصناجق على عزل رضوان آغا فلما رأوا امتناع الباشا أخذوا الصندوق من منزل رضوان آغا واجتمعوا بمنزل باشجاويش واجتمع أهل كل وجاق ببابهم واستمروا على ذلك أيامًا‏.‏

وأما الينكجرية الذين انتقلوا إلى العزب فأنهم اجتمعوا بباب العزب وقطعوا الطريق الموصلة إلى القلعة ومنعوا من يريد الطلوع إلى باب الينكجرية من العسكر والأتباع ولم يبق في الطريق الموصلة إلى القلعة إلا باب المطبخ ثم توجهوا للسواقي لأجل منع الماء عن القلعة فمنعهم العسكر من الوصول إليها فكسروا كشب السواقي التي بعرب اليسار وقطعوا الأحبال والقواديس ثم إن نفرًا من أنفار الينكجرية أراد الطلوع من طريق المحجر فضربوه وشجوا رأسه ومنعوه فمضى من طريق الجبل ودخل من باب المطبخ واجتمع بإفرنج احمد وبقية الينكجرية وعرفهم حاله فأخذه جماعة منهم وعرضوا أمره على خليل باشا وقاضي العسكر فقال هؤلاء صاروا بغاة خارجين عن الطاعة حيث فعلوا ذلك ومنعونا الماء والزاد وأخافوا الناس وسلبوهم فقد جاز لنا قتالهم ومحاربتهم وذلك سابع عشر صفر ثم أن احمد أوده باشا استأذن الباشا في محاربة باب العزب وضربهم بالمدافع والمكاحل فأذن له في ذلك‏.‏

ومن ذلك الوقت تعوق القاضي عن النزول وأخافوه واستمر مع الباشا إلى انقضاء الفتنة مدة سبعين يومًا ورجع إفرنج احمد وشرع في المحاربة وضرب على باب العزب بالمدافع وذلك من بعد الزوال إلى بعد العشاء وقتل من طائفة العزب أربعة أنفار بالمحجر‏.‏

ثم في صبيحة ذلك اليوم اجتمع من الأمراء الصناجق الأمير ايواز بك أمير الحج والأمير إبراهيم أبو شنب وقانصوه بك ومحمود بك ومحمد بك تابع قيطاس بك الدفتردار واتفقوا على أن يلبسوا آلة الحرب ويذهبوا إلى الرميلة معونة للعزب على الينكجرية فأخبروا أن أيوب بك ركب مدافع على طريق المارين على منزله وعلى قلعة الكبش وربما أنهم إذا طلعوا إلى الرميلة يذهب أيوب بك وينهب منازلهم فامتنعوا من الركوب وجلسوا في منازلهم بسلاحهم خوفًا من طارئ‏.‏

واستمر إفرنج احمد يحارب ثلاثة أيام بلياليها وأجتمع على رضوان آغا طائفة من نفره وتذاكروا فيمن كان سببًا لإثارة الفتنة‏.‏

فقالوا سليم جربجي ومحمد أفندي بن طلق ويوسف أفندي واحمد جربجي توالى فقالوا لا نرضى هؤلاء الأربعة بعد اليوم أن يكونوا اختيارية علينا ثم ركبوا وتوجهوا إلى منزل قيطاس بك وأرسلوا من كل بلك اثنين من الاختيارية إلى منزل أيوب بك يطلبون رضوان آغا فاركبوه في موكب عظيم وكتبوا تذاكر للأربع الاختيارية المذكورين بأنهم يلزمون بيوتهم ولا يركبون لأحد ولا يجتمع بهم أحد‏.‏

ثم ركب رضوان آغا إلى منزل أيوب بك وتذاكروا في الصلح وكتبوا تذكرة لاحمد أوده باشا بأبطال الحرب فأبى من الصلح فكتبوا عرضًا إلى الباشا عن لسان الصناجق وآغوات الوجاقات الخمس رفع المحاربة فأرسل الباشا إلى الينكجرية فامتثلوا أمره وأبطلوا الحرب وضرب المدافع ثم أن الصناجق والآغوات أرسلوا يطلبون جماعة من اختيارية الينكجرية ليتكلموا معهم في الصلح فأجابوا إلى الحضور غير أنهم تعللوا إلى الحضور بانقطاع الطريق من العسكر المقيمين بالمحجر فأرسلوا إلى حسن كتخدا العزب فأرسل إليهم من أحضرهم وخلت الطريق فأجتمع رأي الينكجرية على إرسال حسن كتخدا سابقًا وأحمد بن مقز كتخدا سابقًا أيضًا فاجتمعوا بالعسكر والصناجق بمنزل اسمعيل بك وحضر معهم جميع أهل الحل والعقد وتشاوروا في إخماد هذه الفتنة وأرسلوا إلى باب الينكجرية فقالوا نحن لا نأبى الصلح بشرط أن هؤلاء الثمانية الذين كانوا سببًا لإثارة هذه الفتنة لا يكونون في باب العزب بل يذهبون إلى وجاقاتهم الأصلية ولا يقيمون فيه وأن يسلوا الأمير الاخميمي للباشا يفعل فيه رأيه فأبى أهل باب العزب ذلك ولم يرضوه فأرسل الأمراء الصناجق كتخداتهم إلى إفرنج أحمد ومعهم اختيارية الوجاقات الخمسة يشفعون عنده بأن الأنفار والثمانية يرجعون كما ذكرتم إلى وجاقاتهم ويعفون من النفي ومن طلب الأمير حسن فلم يوافق إفرنج أحمد على ذلك وقال أن لم يرضوا بشرطي وإلا حاربتهم ليلًا ونهارًا إلى أن أخفى آثار ديار العزب فتفرقوا على غير صلح ثم أجتمع الأمراء الصناجق والآغوات في رابع شهر ربيع بمنزل إبراهيم بك بقناطر السباع وتذاكروا في إجراء الصلح على كل حال وكتبوا حجة على أن من صدر منه بعد اليوم ما يخالف رضا الجماعة يكون خصم الجماعة المذكورين جميعًا‏.‏

وكلموا أيوب بك أن يرسل إلى إفرنج أحمد بصورة الحال وأن يمنع المحاربة إلى تمام الأمر المشروع فبطل الحرب نحو خمسة عشر يومًا وأخذ إفرنج أحمد مدة هذه الأيام في تحصين جوانب القلعة وعمل متاريس ونصب مدافع وتعبية ذخيرة وجبخانة ملأوا الصهاريج وحضر في أثناء ذلك محمد بك حاكم الصعيد ونزل بالبساتين فأقام ثلاثة أيام ودخل في اليوم الرابع ومعه السواد الأعظم من العرب والمغاربة والهوارة ونزل ببيت آق بردى بالرميلة وحارب من جامع السلطان حسن من منزل يوسف آغات الجراكسة سابقًا فلم يظفر وقتل من جماعته نحو ثلاثين نفرًا وظهر عليه محمد بك المعروف بالصغير تابع قيطاس بك مع من أنضم إليه من أتباع إبراهيم بك وايواز بك ومماليكه وكانوا تترسوا في ناحية سوق السلاح ووضعوا المتاريس في شبابيك الجامع وانتقل من محله وذهب إلى طولون وتترس هناك وهجم على طائفة العزب الذين كانوا بسبيل المؤمن على حين غفلة وصحبته ذو الفقار تابع أيوب بك فوقع بينهم مقتلة عظيمة من الفريقين فلم يطق العزب المقاومة فتركوا السبيل وذهبوا إلى باب العزب وربط محمد بك جماعة من عسكره في مكانهم‏.‏

ثم أن الشيخ الخليفي طلع إلى باب الينكجرية وتكلم مع أحمد أوده باشا والاختيارية في أمر الصلح فقام عليه إفرنج أحمد وأسمعه ما لا يليق وأرسل إلى الطبجية وأمرهم بضرب المدافع على حين غفلة فانزعج الناس وقاموا وقام الشيخ ومضى وأما سكان باب العزب فانهم أخذوا ما أمكنهم من أمتعتهم وتركوا منازلهم ونزلوا المدينة وتفرقوا في حارات القاهرة‏.‏

وحصل عند الناس خوف شديد وأغلقوا الوكائل والخانات والأسواق ورحل غالب السكان القريبين من القلعة مثل جهة الرميلة والحطابة والمحجر خوفًا من هدم المنازل عليهم وكان الأمر كما ظنوه فإن غالبهم هدم من المدافع واحترق والذي سلم منها حرقه عسكر طوائف الينكجرية بالنار ولم يصب باب العزب شيء من ذلك ما عدا مجلس الكتخدا فإنه انهدم منهم جانب وكذلك موضع الآغا لا غير ثم أن إفرنج أحمد توافق مع أيوب بك وعينوا عمر آغا جراكسة وأحمد تفكجيان ورضوان آغا جمليان فقعدوا بمن أنضم إليهم بالمدرسة بقوصون وجامع مزدادة بسويقة العزى وجامع قجماس بالدرب الأحمر ليقطعوا الطريق على العزب واختار إفرنج أحمد نحو تسعين نفرًا من الينكجرية وأعطى كل شخص دينارًا طرلي وأرسلهم بعد الغروب إلى الأماكن المذكورة فأما رضوان آغا فإنه تعلل واعتذر عن الركوب وأما أحمد آغا فإنه توجه إلى المحل الذي عين له فتحارب مع طائفة من الصناجق والعزب في الجنابكية وأما الذين ربطوا بجامع مزداة فلم يأتهم أحد إلى الصباح فأخذوا الفطور من الذاهبين به إلى باب العزب‏.‏

وفي أثناء ذلك نزل رجل أوده باشا من العزب من السلطان حسن يريد منزله فقبض عليه طائفة من الأخصام وسلبوه ثيابه وتركوه بالقميص وأرسلوه إلى إفرنج أحمد فلما بلغ العزب ذلك أرسلوا طائفة منهم إلى المقيمين بجامع مزدادة فدخلوا من بيت الشريف يحيي بن بركات ونقبوا منزل عمر كتخدا مستحفظان إذ ذاك وما بجواره من المنازل إلى أن وصلوا منزل مراد كتخدا‏.‏

فبمجرد ما رآهم العسكر الذين بجامع مزدادة فروا وأما عمر آغات جراكسة المقيم بجامع قجماس فإنه وزع أتباعه جهة باب زويلة وجهة التبانة فحصل لأهل تلك الخطة خوف شديد خصوصًا من كان بيته بالشارع فأرسلت العزب صالح جربجي الرزاز بجملة من عسكر العزب ومن أنضم إليهم من الينكجرية الذين انقلبوا إلى العزب كأتباع الأمير حسن باشجاويش سابقًا والأمير حسن جاويش تابع القزدغلي والأمير حسن جلب كتخدا وجماعة محمد جاويش كدك فحاربوا مع من بجامع قجماس واستولى صالح جربجي عليه وعلى المتاريس التي بشبابيكه وملك الأمير حسن جاويش تابع القزدغلي جامع المرداني وأقام به وحسن جاويش جلب أقام بجامع مع أصلم وانتشرت طوائفهم بتلك الاخطاط والأماكن فاطمأن الساكنون بها وأما عمر آغا الجراكسة فإنه لما فر من جامع قجماس ذهب إلى جامع المؤيد داخل باب زويلة ثم أن محمد بك أرسل بطلبه فركب ومر على أحمد آغا التفكجية فأركبه معه وذهبا إلى محمد بك الصعيدي بالصليبية وحصل لأهل خط قوصون خوف عظيم بسبب إقامة أحمد آغا بالسلمانية ورحل غالبهم من المنازل فلما رحل عنهم اطمأنوا وتراجعوا وحضرت طائفة من المتفرقة إلى محل أحمد آغا التفكجية وعملوا متاريس على رأس عطفة الحطب ونكثوا هناك أيامًا قلائل ثم رحلوا عنها‏.‏

فأتى علي كتخدا الساكن بالداودية بطائفة من العزب فتملكوا ذلك الموضع وجلسوا به ثم أن طائفة من المتفرقة والاسباهية هجموا على منزل الأمير قرا اسمعيل كتخدا مستحفظان فدخلوا من بيت مصطفى بك بن ايواز ونقبوا الحائط بينه وبين منزل قرا اسمعيل كتخدا فلما وصل الخبر إلى العزب عينوا له بيرقًا من عسكر العزب ورئيسهم أحمد جربجي تابع ظالم علي كتخدا فلم يمكنه الدخول من جهة الباب فخرق صدر دكان وتوصل منه إلى منزل أحمد أفندي كاتب الجراكسة سابقًا ثم نقبوا منه محلًا توصلوا منه إلى منزل اسمعيل كتخدا ودخلوا على طائفة البغاة فوجدوهم مشغولين في نهب أثاث المنزل المذكور فهجموا عليهم هجمة واحدة فألقوا ما بأيديهم من السلب ورجعوا القهقرى إلى المحل الذي دخلوا منه من بيت مصطفى بك فتبعوهم وتقاتل الفريقان إلى أن كانت الدائرة على المتفرقة والاسباهية ونهب العزب منزل مصطفى بك لكونه مكن البغاة من الدخول إلى منزله ولكونه كان مصادقًا لأيوب بك‏.‏

ثم أن أحمد جربجي المذكور أنتقل بمن معه من العسكر إلى قوصون ودخل جامع الماس وتحصن به‏.‏

وكان محمد بك حاكم جرجا يمر من هناك ويمضي إلى الصليبة فانتهز أحمد جربجي فرصة هو أنه وجد منزل حسين كتخدا الجزايرلي خاليًا فدخل فيه فرأى داخله قصرًا متصلًا بمنزل محمد كتخدا عزبان المعرف بالبيرقدار بعلو دهليز منزله وطبقاته تشرف على الشارع فكمن فيه هو وطائفة ممن معه ليغتال محمد بك إذا مر به وإذا بمحمد بك قد خرج من عطفة الحطب مارًا إلى جهة الصليبة فضربوه بالبندق فأصيب أربعة من طائفته فقتلوا فظن أن الرصاص أتاه من منزل محمد كتخدا البيرقدار فوقف على بابه وأضرم النار فيه فاحترق أكثر المنزل ونهبوا ما فيه من أثاث ومتاع‏.‏

ثم أن النار اتصلت بالأماكن المجاورة له والمواجهة فاحترقت البيوت والرباع والدكاكين التي هناك من الجهتين من جامع ألماس إلى تربة المظفر يمينًا وشمالًا وأفسدت ما بها من الأمتعة والذي لم يحترق نهبته البغاة وخرجت النساء حواسر مكشفات الوجوه فاستولى أحمد جربجي على جامع ألماس وعلي كتخدا الساكن بالداودية أقام بالمدرسة السليمانية وأما أطراف القاهرة وطرقها فإنها تعطلت من المارة وعلى الخصوص طريق بولاق ومصر العتيقة والقرافة لكون أيوب بك أرسل إلى حبيب الدجوى يستعين به فحضر منهم طائفة وكذلك أخلاط الهوارة الذين حضروا من الصعيد صحبة محمد بك فاحتاطوا بالأطراف يسلبون الخلق واستاقوا جمال السقائين حتى كاد أهل مصر يموتون عطشًا وصار العسكر فرقتين ايواز بك وقيطاس بك الدفتردار وإبراهيم بك أمير الحج سابقًا ومحمد بك وقانصوه بك وعثمان بك بن سليمان بك ومحمود بك وبلكات الاسباهية الثلاثة والجاويشية والعزب عصبة واحدة وأيوب بك ومحمد الكبير وآغوات الاسباهية من غير الأنفار ومحمد آغا متفرقة باشا وأهل بلكه وسليمان آغا كتخدا الجاويشية وبلك الينكجرية المقيمين بالقلعة صحبة إفرنج أحمد والباشا وقاضي العسكر الجميع عصبة واحدة وأخذوا عندهم نقيب الأشراف بحيلة و احتبسوه عندهم وأغلقوا جميع أبواب القلعة ما عدا باب الجبل وامتنع الناس من النزول من القلعة والطلوع إليها إلا من الباب المذكور واستمر إفرنج أحمد ومن معه يضربون المدافع على باب العزب ليلًا ونهارًا وبباب العزب خلق كثيرون منتشرون حوله وما قاربه من الحارات ورتبوا لهم جوامك تصرف عليهم كل يوم فلما طال الأمر أجتمع الأمراء الصناجق بجامع بشتك بدرب الجماميز واتفقوا على عزل الباشا وإقامة قائمقام من الأمراء فأقاموا قانصوه بك قائمقام نائبًا ولوا آغوات البلكات وهو الاسباهية الثلاثة فولوا على الجملية صالح آغا وعلى الجراكسة مصطفى آغا وعلى التفكجية محمد آغا بن ذي الفقار بك واسمعيل آغا جعلوه كتخدا الجاويشية وعبد الرحمن آغا متفرقة باشا وقلدوا الزعامة الأمير حسن الذي كان زعيمًا وعزله الباشا بعبد الله آغا فلما أحكموا ذلك بلغ الخبر طائفة الينكجرية الذين بالقلعة توجهوا إلى خليل باشا وأخبروه بالصورة فكتب لآغوات البلكات الثلاث ومتفرقة باشا يأمرهم بمحاربة الصناجق ومن معهم لكونهم بغاة خارجين على نائب السلطان‏.‏

ثم اتفق مع إفرنج أحمد على اتخاذ عسكر جديد يقال لهم سردن كجدي ويعطى لكل من كتب اسمه خمسة دنانير وخمسة عثامنة فكتبوا ثمانمائة شخص وعلى كل مائة بيرقدار و رئيس يقال له آغات السردن كجدي‏.‏

ثم أن محمد بك الصعيدي أتفق مع إفرنج احمد بأن يهجم على طائفة العزب من طريق قراميدان ويكسر باب العزب المتوصل منه إلى قراميدان ويهجم على العزب‏.‏

ووصل خبر ذلك إلى العزب فاستعدوا له وكمنوا قريبًا من الباب المذكور فلما كان بعد العشاء الأخيرة هجموا على الباب المذكور وكان العزب أحضروا شيئا كثيرًا من حطب القرطم وطلوه بالزيت والقار والكبريت فلما تكامل عسكر محمد بك أوقدوا النار في ذلك الحطب فأضاء لهم قراميدان وصار كالنهار ثم ضربوهم بالبندق ففروا فصار كل من ظهر لهم ضربوه فقتلوا منهم طائفة كثيرة وولوا منهزمين ثم أن قانصوه بك صار يكتب بيورلديات وأوامر يرسلها إلى محمد بك الصعيدي يأمره بالتوجه إلى ولايته آمنًا على نفسه وتحصيل ما عليه من الأموال السلطانية فأرعد وأبرق ثم أن جماعة من العزب أخذوا حسن الوالي المولى من طرف قائمقام مصر وذهبوا وصحبتهم جماعة من أتباع الأمراء الصناجق إلى باب الوالي ليملكوه فلما بلغ الخبر عبد الله آغا الوالي أخذ فرشه وفر إلى بيت أيوب بك وفر الأود باشا أيضًا فلما لم تجد العزب أحدًا في بيت الوالي توجهوا لمنزل عبد الله الوالي لينهبوه فقام عليهم جماعة من أتباع سليمان كتخدا الجاويشية ومن بجوارهم من الجند فهزموا العزب وقتلوا منم رجلًا فأقام حسن الوالي بباب قيظاس بك الدفتردار فلما اتسع الخرق أرسل الباشا إلى إبراهيم بك وايواظ بك وقيطاس بك يطلبهم إلى الديوان ليتداعوا مع الينكجرية فلما حضر تابع الباشا وقرأ عليهم الفرمان أجابوا بالسمع والطاعة واعتذروا عن الطلوع بانقطاع الطرق من الينكجرية وترتيب المدافع ولولا ذلك لتوجهنا إليه‏.‏

فلما يئس الباشا منهم أتفق مع أيوب بك ومن انضم إليه من العسكر على محاربتهم وبرز الجميع إلى خارج البلد‏.‏

فلما كان يوم الأحد ثالث ربيع الأول أرسلوا أيوب بك ومحمد بك إلى العزبان ليأخذوا مال السقائين وحميرهم ومنع الماء عن البلد فأخذوا جميع ما وجدوه فعز الماء ووصل ثمن القربة خمسة أنصاف فضة فأمر الأمراء الآخرون طائفة من العسكر أن يركبوا إلى جهة قصر العيني ويستخلصوا الجمال ممن نهبهم فتوجهوا وجلسوا بالمساطب ينتظرون من يمر عليهم بالجمال‏.‏

فلما بلغ محمد بك حضورهم هناك لمع طائفة هوارة وهجموا عليهم وهم غير مستعدين فاندهشوا ودافعوا عن أنفسهم ساعة ثم فروا وتأخر عنهم جماعة لم يجدوا خيلهم لكون سواسهم أخذوها وفروا فقتلهم محمد بك وأرسل رؤوسهم للباشا فانسر سرورًا عظيمًا وأعطى ذهبًا كثيرًا‏.‏

فلما رجع المنهزمون إلى منزل قانصوه بك وايواظ بك لم يسهل عليهم ذلك واتفقوا على البروز إليهم فركبوا في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الثاني وخرج الفريقان إلى جهة قصر العيني والروضة فتلاقيا وتحاربا وتقاتلا قتالًا عظيمًا تجندلت فيه الأبطال وقتل من الجند خاصة زيادة عن الأربعمائة نفر من الفريقين خلاف العربان والهوارة وغيرهم‏.‏

وقصد ايواظ بك ومحمد بك الصعيدي فأنهزم إلى جهة المجراة فساق خلفه وكان الصعيدي قد أجلس أنفارًا فوق المجراة مكيدة وحذرًا فضربوا على ايواظ بك بالرصاص ليردوه فأصيب برصاصة في صدره فسقط عن جواده وتفرقت جموعه وأخذ الأخصام رأسه‏.‏

وبينما القوم في المعركة إذ ورد عليهم الخبر بموت ايواظ بك فانكسرت نفوسهم وذهبوا في طلبه فوجدوه مقتولًا مقطوع الرأس فحمله أتباعه ورجع القوم إلى منازلهم‏.‏

ولما قطعوا رأس ايواظ بك وذهبوا بها إلى محمد بك قال‏:‏ هذه رأس من قالوا رأس قليدهم ايواظ بك فأخذها وذهب بها عند أيوب بك ورضوان‏.‏

فقال أيوب بك‏:‏ هذه رأس من قال رأس قليدهم‏.‏

فبكى أيوب بك وقال‏:‏ حرم علينا عيش مصر‏.‏

قال محمد بك‏:‏ هذا رأس قليدهم وراحت عليهم‏.‏

قال أيوب بك‏:‏ أنت ربيت في أين أما تعلم أن ايواظ بك وراءه رجال وأولاد ومال‏.‏

وهذه الدعوة ليس للقاسمية فيها جناية والآن جرى الدم فيطلبون ثأرهم ويصرفون مالًا ولا يكون إلا ما يريده الله ولما ذهبوا بالرأس إلى الباشا فرح فرحًا شديدًا وظن تمام الأمر له ولمن معه وأعطى ذهبًا وبقاشيش ودفنوا ايواظ بك وطلبوا من أيوب بك الرأس فأرسلها لهم بعد ما سلخها الباشا فدفنوها مع جثته‏.‏

ثم أن أيوب بك كتب تذكرة وأرسلها إلى إبراهيم أبو شنب يعزيه في أيواظ بك ويقول له‏:‏ أن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أيام نأخذ خاطر الباشا ويقع الصلح‏.‏

وأرادوا بذلك التثبيط حتى يأخذوا من الباشا دراهم يصرفونها ويرتبوا أمرهم‏.‏

وأما ما كان من أمر أتباع ايواظ بك فركب يوسف الجزار وأخذ معه اسمعيل بن ايواظ بك المتوفى وأحمد كاشف وذهبوا عند قانصوه بك فوجدوا عنده إبراهيم بك وأحمد بك مملوكه وقيطاس بك وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك الصغير المعروف بقطامش جالسين وفيهم الحزن والكآبة‏.‏

فلما استقر بهم الجلوس بكى قيطاس بك فقال له يوسف الجزار‏:‏ وما فائدة البكاء دبروا أمركم‏.‏

قالوا‏:‏ كيف العمل‏.‏

قال يوسف الجزار‏:‏ هذه الواقعة ليس لنا فيها علاقة أنتم فقارية في بعضكم وأننا الآن إنجرحنا ومات منا واحد خلف ألفًا وخلف مالًا اعملوني صنجقًا وأمير حاج وسر عسكر وأعملوا ابن سيدي اسمعيل صنجقًا يفتح بيت أبيه وفيه البركة وأعطوني فرمانًا من الذي جعلتموه قائمقام وحجة من نائب الشرع الذي أقمتموه أيضًا على أن الذي سقطت عدالته يسقط عنه حلوان البلاد ونحن نصرف الحلوان على العسكر والله يعطي النصر لمن يشاء من عباده‏.‏

ففعلوا ذلك وراضوا أمورهم في الثلاثة أيام وتهيأ الفريقان للمبارزة وخرجوا يوم السبت تاسع عشر ربيع الثاني وكان أيوب بك حصن منزله فاتفق رأيهم على محاربة العسكر المجتمعة أولًا ثم محاصرة المنزل فخرج أيوب بك على جهة طولون ووقعت حروب وأمور ثم رجعوا إلى منازلهم فلما رأى طائفة العزب تطاول الأمر وعدم التوصل إلى القلعة وامتناع من فيها وضرب المدافع عليهم ليلًا ونهارًا أجمع رأيهم على أن يولوا كتخدا على الينكجرية ويجلسوه بباب الوالي بطائفة من العسكر وينادوا في الشوارع بإن كل من كانت له علوفة في وجاقات مستحفظان يأتي تحت البيرق بالبوابة ومن لم يأت بعد ثلاثة أيام ينهب بيته‏.‏

ففعلوا ذلك وعملوا حسن جاويش قريب المرحوم جلب خليل كتخدا لكونها نوبته وألبسه قانصوه بك قائمقام قفطانًا وركب وأمامه الوالي والبيرق والعسكر والمنادي أمامه ينادي بما ذكر إلى أن نزل بيت الوالي وأحضروا الأوده باشا المتولي إذ ذاك وأجلسوه محله وطاف البلد بطائفته وكذلك العسكر‏.‏

وفي يوم الخميس هجمت الينكجرية من البذرم على باب العزب ومعهم محمد بك الكبير وكتخدا الباشا وإفرنج أحمد فعندما نزل أولهم من البذرم وكان العزب قد أعدوا في الزاوية التي تحت قصر يوسف مدفعين ملآنين بالرش والفلوس الجدد فضربوا عليهم فوقع محمد آغا سر كدك والبيرقدار وأنفار منهم فولوا منهزمين يطأ بعضهم بعضًا‏.‏

فأخذت العزب رؤوس المقتولين فأرسلوها إلى قانصوه بك‏.‏

ثم أن قائمقام والصناجق اتفقوا على تولية علي آغا مستحفظان لضبطه واهتمامه فلما أرسلوا له أبى أن يقبل ذلك فتغيب من منزله فركب يوسف بك الجزار ومحمد بك الصغير وعثمان بك في عدة كبيرة ودخلوا على منزل علي آغا لم يجدوه وأخبروا بالمكان الذي هو فيه فطلبوه فأتى بعد امتناع وتخويف وتوجه معهم إلى قائمقام فالبسه قفطان الآغاوية يوم الخميس رابع عشري ربيع الثاني وعاد إلى منزله بالقفطان يقدمه العسكر مشاة بالسلاح والملازمون معلنين بالتكبير وبلفظ الجلالة كما هي عادتهم في المواكب‏.‏

وفي صبيحة ذلك اليوم عين قائمقام بمعرفة حسن كتخدا مستحفظان طائفة من العسكر إلى بولاق صحبة أحمد جربجي ليجلسوه في التكية وصحبته والي بولاق وآغا من المتفرقة عوضًا عن آغات الرسالة الذي بها من جانب الباشا‏.‏

فأجلسوه في منزله ونهبوا ما وجدوه لأغات الرسالة الأول من فرش وأمتعة وخيل وغير ذلك‏.‏

وفي صبيحة يوم السبت سادس عشريه خرج الفريقان إلى خارج القاهرة من باب قناطر السباع واجتمعوا بالقرب من قصر العيني ومعهم المدافع وآلات الحرب فتحارب الفريقان من ضحوة النهار إلى العصر وقتل من الفريقين من دنا أجله وأيوب بك ومحمد بك بالقصر‏.‏

ثم تراجع الفريقان إلى داخل البلد وتأخرت طائفة من العزب فأتى إليهم محمد بك الصعيدي وأحتاط بهم وحاصرهم وبلغ الخبر قانصوه بك فأرسل إليهم يوسف بك ومحمد بك وعثمان بك فتقاتلوا مع محمد بك الصعيدي وهزموه وتبعوه إلى قنطرة السد وقد كان أيوب بك داخل التكية المجاورة لقصر العيني فلما رأى الحرب ركب جواده ونجا بنفسه فبلغ يوسف بك أنه بالتكية فقصدوه واحتاطوا بالقصر فاخبرهم الدراويش بذهابه فلم يصدقوهم ونهبوا القصر وأخربوه وأحرقوه وعادوا إلى منازلهم‏.‏

وفي صبيحة يوم الأحد ذهب يوسف بك الجزار ونهب غيط إفرنج احمد الذي بطريق بولاق وفي ثاني جمادى الأولى أجتمع الأمراء الصناجق بمنزل قائمقام وتنازعوا بسبب تطاول الحرب وامتداد الأيام ثم اتفقوا على أن ينادوا في المدينة بأن من له اسم في وجاق من الوجاقات السبعة ولم يحضر إلى بيت آغاته نهب ماله وقتل‏.‏

وأمهلوهم ثلاثة أيام ونودي بذلك في عصريتها وكتب قائمقام بيورلدي إلى من في القلعة من طائفة الينكجرية والكتخدائية والجربجية والاوده باشية والنفر بأننا أمهلناكم ثلاثة أيام فمن لم ينزل منكم بعدها ولم يمتثل نهبنا داره وهدمناها وقتلنا من ظفرنا به ومن فر رفعنا اسمه من الدفتر فتلاشى أمرهم واختلفت كلمتهم‏.‏

وفي رابعة خرج الأمراء والآغوات إلى محل الحرب وأرسلوا طائفة كبيرة من العسكر المشاة لمحاصرة منزل أيوب بك فتحارب الفرسان إلى آخر النهار وأما الرجالة فأنهم تسلقوا من منزل إبراهيم بك وتوصلوا إلىمنزل عمر آغا الجراكسة فتحاربوا مع من فيه إلى أن أخلوه ودخلوا فيه وشرعوا ليلًا في نقب الربع المبني على علو منزل أيوب بك فنقبوه وكمنوا فيه‏.‏

فلما كان صبيحة يوم الأحد خامس عشرة حملوا حملة واحدة على منزل أيوب بك وضربوا البنادق فلم يجدوا من يمنعهم بل فر كل من فيه وركب أيوب بك وخرج هاربًا من باب الجبل فلم يعلم أين توجه فملوا منزله ونهبوه مع كونه كان مستعدا وركب في أعالي منزله المدافع وفي قلعة الكبش فأرسل له إفرنج أحمد بيرقًا وعساكر فلم يفده ذلك شيئًا ونهبوا أيضا منزل احمد آغا التفكجية بعدما قتلوه ببيت قائمقام ولحق من لحق بأيوب بك وفر الجميع إلى جهة الشام وفر محمد بك إلى جهة الصعيد ووقع النهب في بيوت من كان في حزبهم ونهبوا بيت يوسف آغا ناظر الكسوة سابقًا وبيت محمد آغا متفرقة باشا وبيت محمد بك الكبير وأحرقوه وبيت احمد جربجي القونيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من الربع والدكاكين‏.‏

فلما حصل ذلك واجتمع العساكر بمنزل قائمقام بالأسلحة وآلات الحرب وذلك سادس جمادى الأولى فأرسلوا طائفة إلى جبل الجيوشي فركبوا مدافع على محل الباشا ومدافع على قلعة المستحفظان وأحاطوا بالقلعة من أسفل وضربوا ستة مدافع على الباشا ورموا بنادق‏.‏

فنصب الباشا بيرقًا أبيض يطلب الأمان وفر من كان داخل القلعة من العسكر‏.‏

فبعضهم نزل بالحبال من السور وبعضهم خرج من باب المطبخ فعند ذلك هجمت العساكر الخارجة على الباب ودخلوا الديوان فأرسل الباشا القاضي ونقيب الأشراف يأخذان له أمانا من الصناجق والعسكر فتلقوهما وأكرموهما وسألوهما عن قصدهما فقالا لهم‏:‏ أن الباشا يقرئكم السلام ويقول لك آنا كنا اغتررنا بهؤلاء الشياطين وقد فروا المراد أن تعلمونا بمطلوبكم فلا نخالفكم‏.‏

فقالوا لهما‏:‏ اعلموه أن الصناجق والأمراء والأغوات والعسكر قد اتفقوا على عزله وان قانصوه بك قائمقام وأما الباشا فانه ينزل ويسكن في المدينة إلى أن نعرض الأمر على الدولة ويأتينا جوابهم‏.‏

فأرسل القاضي نائبه إلى الباشا يعرفه عن ذلك فأجابه بالطاعة واستأمنهم على نفسه وماله وأتباعه وركب من ساعته في خوصه يقدمه قائمقام وآغات مستحفظان عن يمينه وآغات المتفرقة عن شماله واختيارية الوجاقات من خلفه وأمامه ونزل من باب الميدان وشق من الرميلة على الصليبة والعامة قد اصطفت يشافهونه بالسب واللعن إلى أن دخل بيت علي آغا الخازندار بجوار المظفر وهجم العسكر على باب مستحفظان فملكوه ونهبوا بعض أسباب حسين آغا مستحفظان‏.‏

وخرج حسين آغا من المطبخ فلما رآه يوسف بك أشار إلى العسكر فقطعوه وقطعوا اسمعيل أفندي بالمحجر وكذلك عمر آغات الجراكسة بحضرة اسمعيل بن ايواظ وخازنداره ذو الفقار وقع في عرض بلدية علي خازندار وحسن كتخدا الجلفي فحمياه من القتل وذو الفقار هذا هو الذي قتل اسمعيل بك بن ايواظ وصار أميرًا كما يأتي ذكر ذلك في موضعه فقتلوه بباب العزب ونزل إفرنج أحمد وكجك أحمد أوده باشا إلى المحجر متنكرين فعرفهما الجالسون بالمحجر فقبضوا عليهما وذهبوا بهما إلى باب العزب وقطعوا رؤوسهما وذهبوا بهما إلى بيت ايواز بك‏.‏

وطلع علي آغا إلى محل حكمه وطلع حسن كتخدا من باب الوالي وأمامه العساكر بالأسلحة إلى باب مستحفظان والبيرق أمامه‏.‏

ونزل جاويش إلى أحمد كتخدا برمقس فوجده في بيت اسمعيل كتخدا عزبان فأخذه وطلع به إلى الباب فخنقوه وأخذوه إلى منزله في تابوت‏.‏

وركب علي آغا وأمامه الملازمون بالبيرشان فطاف البلد وأمر بتنظيف الأتربة وأحجار المتاريس وبناء النقوب وألبس قائمقام آغوات البلكات السبع قفاطين وطلع الذين كانوا بباب العزب من الينكجرية إلى بابهم وعدتهم ستمائة إنسان‏.‏

وفي حادي عشر جمادى الأولى لبس يوسف بك الجزار على إمارة الحاج ومحمود بك على السويس وعين يوسف بك المذكور مصطفى آغات الجراكسة للتجريدة على الشرقية‏.‏

وفي رابع عشره لبس محمد بك الصغير على ولاية الصعيد وخرج من بيته بموكب إلى الأثر وصحبته الطوائف الذين عينوا معه من السبع بلكات بسر دارياتهم وبيارقهم وعدتهم خمسمائة نفر منهم مائتان من الينكجرية والعزب وثلاثمائة نفر من الخمس بلكات أعطوا كل نفر من المائتين ألف نصف فضة ترحيلة ولكل شخص من الثلاثمائة ألف وخمسمائة نصف فضة وسافروا رابع جمادى الآخرة وكان محمد بك الكبير خرج مقبلًا وصحبته الهوارة فخرج وراءه يوسف بك الجزار وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش فوصلوا دير الطين فلاقاهم شيخ الترابين فأخبرهم أنه مر من ناحية التبين نصف الليل فرجعوا إلى منازلهم وبلغهم في حال رجوعهم أن خازندار رضوان آغا تخلف عند الدراويش بالتكية فقبضوا عليه وقطعوا دماغه ولم يزل محمد بك الصعيدي حتى وصل اخميم وصحبته الهوارة وقبل ما بها من الشكاف ونهب البلاد وفعل أفعالًا قبيحة‏.‏

ثم ذهب إلى أسيوط وأرسل إلى قائمقام جرجا فتصرف في جميع تعلقاته وأرسلها إليه نقودًا ونزل مختفيًا إلى بحري ومر من أنيابة نصف الليل ولم يزل سائرًا إلى دمياط ونزل في مركب إفرنجي وطلع إلى حلب ووصل خبره إلى السردار فجمع السردارة والعسكر ولحقوه على البرج فلم يدركوه ثم أنه ركب من حلب وذهب إلى دار السلطنة من البر وكان أيوب بك ومحمد آغا متفرقة وكتخدا الجاويشة سليمان آغا وحسن الوالي وصلوا قبله وقابلوا الوزير وأعلموه بقصتهم وعرضوا عليه الفتوى وعرض الباشا والقاضي فأكرمهم وأنزلهم في مكان ورتب لهم تعيينًا‏.‏

ثم أتاهم محمد بك وقابل معهم الوزير أيضًا فخلع عليه وولاه منصبًا‏.‏

وأما رضوان آغا فإنه تخلف ببلاد الشام ومحمد آغا الكور صحبته‏.‏ وفي

تاسع عشر جمادى الأولى

رجع يوسف بك ومصطفى آغا من الشرقية‏.‏

وفي سابع جمادى الآخرة تقلد محمد بك ابن اسمعيل بك ابن ايواظ بك الصنجقية ثم أنهم اجتمعوا في بيت قائمقام وكتبوا عرضحال بصورة ما وقع وطلبوا إرسال باشا واليًا على مصر وذكروا فيه أن الخزنة تصل صحبة محمد بك الدالي وانقضت الفتنة وما حصل بها من الوقائع التي لخصنا بعضها وذكرناه على سبيل الاختصار واستمر خليل باشا بمصر حتى حضر والي باشا وحاسبوه وسافر في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكانت أيام فتن وحروب وشرور‏.‏

ثم تولى على مصر والي باشا فوصل إلى مصر وطلع إلى القلعة في أواخر رجب سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف‏.‏

وفي شوال قلدوا أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك صنجقية وزادوه كشوفية البحيرة وكان قانصوه بك قائمقام قبل وصول الباشا رسم بإخراج تجريدة إلى هوارة المفسدين الذين أتوا إلى مصر صحبة محمد بك الصعيدي ورجعوا صحبته وأخربوا أخميم وقتلوا الكشاف وأمير التجريدة محمد بك قطامش وصحبته ألف عسكري وأعطوا كل عسكري ثلاثة آلاف نصف فضة من مال البهار سنة تاريخه وأن يكون محمد بك حاكم جرجا عن سنة ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين وقضى أشغاله وبرز خيامه إلى الآثار ثم طلب الوجه البلي إلى أن وصل إلى اسيوط فقبض على كل من وجده من طرف محمد بك الصعيدي وقتله ومنهم حسين أوده باشا ابن دقماق ثم انتقل إلى منفلوط وهربت طوائف الهوارة بأهلها إلى الجبل الغربي واتت إليه هوارة بحري صحبة الأمير حسن فأخبروه بما وقع لهم وساروا صحبته إلى جرجا فنزل بالصيوان وأبرز فرمانا قرئ بحضرة الجميع باهراق دم هوارة قبلي وأمر بالركوب عليهم إلى أسنا وتسلط عليهم هوارة تجري ونهبوا مواشيهم وأغنامهم ومتاعهم وطواحينهم واشتفوا منهم وكل من وجدوه منهم قتلوه ولم يزل في سيره حتى وصل قنا وقوص وثم رجع إلى جرجا ثم أن هوارة قبلي التجئوا إلى إبراهيم بك أبو شنب والتمسوا منه أن يأخذ لهم مكتوبا من قيطاس بك بالأمان ومكتوبًا إلى حاكم الصعيد كذلك وفرمانا من الباشا بموجب ذلك فأرسل إلى قيطاس بك تذكرة صحبة احمد بك الأعسر يترجى عنده فأجاب إلى ذلك وأرسلوا به محمد كاشف كتخدا وبرجوع التجريدة والعفو عن الهوارة‏.‏

ورجع محمد كاشف والتجريدة وصحبته التقادم والهدايا وأرسلوا إلى إبراهيم بك مركب غلال وخيول مثمنة وأغنامًا‏.‏

وفي أواخر شوال ورد آغا من الدولة وعلى يده مرسومات منها محاسبة خليل باشا واستعجال الخزينة وبيع بلاد من قتل في أيام الفتنة وكذلك أملاكهم‏.‏

وفي شهر رمضان قبل ذلك جلس بجامع المؤيد فكثر عليه الجمع وأزدحم المسجد وأكثرهم أتراك ثم أنتقل من الوعظ وذكر ما يفعله أهل مصر بضرايح الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل على قبور الأولياء وتقبيل أعتابهم وفعل ذلك كفر يجب على الناس تركه وعلى ولاة الأمور السعي في أبطال ذلك‏.‏

وذكر أيضًا قول الشعراني في طبقاته أن بعض الأولياء أطلع على اللوح المحفوظ أنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الأنبياء فضلًا عن الأولياء على اللوح المحفوظ وأنه لا يجوز ذلك ولا تطلع الأنبياء فضلًا عن والتكايا ويجب هدم ذلك‏.‏

وذكر أيضا وقوف الفقراء بباب زويلة في ليالي رمضان‏.‏

فلما سمع حزبه ذلك خرجوا بعد صلاة التروايح ووقفوا بالنبابيت والأسلحة فهرب الذين يقفون بالباب فقطعوا الجوخ والاكر المعلقة وهم يقولون‏:‏ أين الأولياء‏.‏

فذهب بعض الناس إلى العلماء بالأزهر وأخبروهم بقول ذلك الواعظ وكتبوا فتوى وأجاب عليها الشيخ أحمد النفراوي والشيخ أحمد الخليفي بأن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وأن إنكاره على اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك‏.‏

وأخذ بعض الناس تلك الفتوى ودفعها للواعظ وهو في مجلس وعظه فلما قرأها غضب وقال‏:‏ يا أيها الناس أن علماء بلدكم أفتوا بخلاف ما ذكرت لكم وأني أريد أن أتكلم معهم وأباحثهم في مجلس قاضي العسكر فهل منكم من يساعدني على ذلك وينصر الحق‏.‏

فقال له الجماعة‏:‏ نحن معك لا نفارقك‏.‏

فنزل عن الكرسي وأجتمع عليه من العامة زيادة عن ألف نفس ومر بهم من وسط القاهرة إلى أن دخل بيت القاضي قريب العصر فانزعج القاضي وسألهم عن مرادهم فقدموا له الفتوى وطلب منه إحضار المفتيين والتحدث معهما‏.‏

فقال القاضي‏:‏ اصرفوا هؤلاء الجموع ثم نحضرهم ونسمع دعواكم‏.‏

فقالوا‏:‏ ما بقول في هذه الفتوى قال‏:‏ باطلة‏.‏

فطلبوا منه أن يكتب لهم حجة ببطلانها‏.‏

فقال‏:‏ أن الوقت قد ضاق والشهود ذهبوا إلى منازلهم وخرج الترجمان‏.‏

فقال لهم ذلك فضربوه واختفى القاضي بحريمه‏.‏

فما وسع النائب إلا أنه كتب لهم حجة حسب مرادهم ثم اجتمع الناس في يوم الثلاثاء عشرينه وقت الظهر بالمؤيد لسماع الوعظ على عادتهم فلم يحضر لهم الواعظ فأخذوا يسألون عن المانع من حضوره‏.‏

فقال بعضهم‏:‏ أظن أن القاضي منعه من الوعظ‏.‏

فقام رجل منهم وقال‏:‏ أيها الناس من أراد أن ينصر الحق فليقم معي‏.‏

فتبعه الجم الغفير فمضى بهم إلى مجلس القاضي فلما رآهم القاضي ومن في المحكمة طارت عقولهم من الخوف وفر من بها من الشهود ولم يبق إلا القاضي فدخلوا عليه وقالوا له‏:‏ أين شيخنا فقال‏:‏ لا أدري‏.‏

فقالوا له‏:‏ قم واركب معنا إلى الديوان ونكلم الباشا في هذا الأمر ونسأله أن يحضر لنا أخصامنا الذي أفتوا بقتل شيخنا ونتباحث معهم فإن اثبتوا دعواهم نجوا من أيدينا وإلا قتلناهم فركب القاضي معهم مكرها وتبعوه من خلفه وأمامه إلى أن طلعوا إلى الديوان فسأله الباشا عن سبب حضوره في غير وقته‏.‏

فقال‏:‏ أنظر إلى هؤلاء الذين ملئوا الديوان والحوش فهم الذين أتوا بي وعرفه قصتهم وما وقع منهم بالأمس واليوم وأنهم ضربوا الترجمان وأخذوا مني حجة قهرا وأتوا اليوم وأركبوني قهرًا‏.‏

فأرسل الباشا إلى كتخدا الينكجرية وكتخدا العزب وقال لهما‏:‏ اسألوا هؤلاء عن مرادهم‏.‏

فقالوا‏:‏ نريد إحضار النفراوي والخليفي ليبحثا مع شيخنا فيما أفتيا به عليه فأعطاهم الباشا بيورلديا على مرادهم ونزلوا إلى المؤيد وأتوا بالواعظ وأصعدوه إلى الكرسي فصار يعظهم ويحرضهم على اجتماعهم في غد بالمؤيد ويذهبون بجمعيتهم إلى القاضي وحضهم على الإنتصار للدين وقمع الدجالين‏.‏

وافترقوا على ذلك وأما الباشا أنه لما أعطاهم البيورلدي أرسل بيورلديا إلى إبراهيم بك وقيطاس بك يعرفهم ما حصل وما فعله العامة من سؤ الأدب وقصدهم تحريك الفتن وتحقيرنا نحن والقاضي وقد عزمت أنا والقاضي على السفر من البلد‏.‏

فلما قرأ الأمراء ذلك لم يقر لهم قرار وجمعوا الصناجق والآغوات ببيت الدفتردار وأجمعوا رأيهم على أن ينظروا هذه العصبة من أي وجاق ويخرجوا من حقهم وينفي ذلك الواعظ من البلد‏.‏

وأمروا الآغا أن يركب ومن رآه منهم قبض عليه وأن يدخل جامع المؤيد ويطرد من يسكنه من السفط‏.‏

فلما كان صبيحة ذلك اليوم ركب الآغا وأرسل الجاويشية إلى جامع المؤيد فلم يجدوا منهم أحدا وجعل يفحص ويفتش على أفراد المتعصبين فمن ظفر به أرسله إلى باب آغاته فضربوا بعضهم ونفوا بعضهم وسكنت الفتنة‏.‏

سنة أربع وعشرين ومائة وألف وفي ثالث المحرم سنة أربع وعشرين ومائة وألف ورد مرسوم سلطاني بطلب ثلاثة آلاف من العساكر المصرية إلى الغزو‏.‏

وفي ثامنه تشاجر رجل شريف مع تركي في سوق البندقانيين فضرب التركي الشريف فقتله ولم يعلم أين ذهب‏.‏

فوضع الأشراف المقتول في تابوت وطلعوا به إلى الديوان واثبتوا القتل على القاتل‏.‏

فلما كان يوم عاشرة قامت الأشراف وقفلوا أسواق القاهرة وصاروا يرجمون أصحاب الدكاكين بالحجارة ويأمرونهم بقفل الدكاكين وكل من لقوه من الرعية أو من أمير يضربونه‏.‏

ومكثوا على ذلك يومهم وأصبحوا كذلك يوم الجمعة وأرسلوا خبرًا للأشراف القاطنين بقرى مصر ليحضروا واجتمعوا بالمشهد الحسيني ثم خرجوا وأمامهم بيرق وذهبوا إلى منزل قيطاس بك الدفتردار فخرج عليهم أتباعه بالسلاح فطردوهم وهزموهم فلما تفاقم أمرهم تحركت عليهم العساكر وركب آغوات الاسباهية الثلاث وآغات الينكجرية في عددهم وعددهم وطافوا البلد‏.‏

فعند ذلك تفرقت الجمعية ورجع كل إلى مكانه ونادوا بالأمن والأمان وفتحت الدكاكين ثم أجتمع رأي الأمراء على نفي طائفة من أكابر الأشراف فتشفع فيهم المشايخ والعلماء فعفوا عنهم‏.‏

وفي هذا الشهر وقع ثلج بقريتي سرسنة وعشما من بلاد المنوفية كل قطعة منه مقدار نصف رطل وأقل وأكثر ثم نزلت صاعقة أحرقت مقدارًا عظيمًا من زرع الناحية وقتلت أناسًا‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن ربيع الأول سافر مصطفى بك تابع يوسف آغا من بولاق بالعسكر صحبة المعينين للغزو وحضرت العساكر الذين كانوا في سفر الموسقو صحبة سر دارهم اسمعيل بك ولما عادوا إلى اسلامبول بالنصر وضعوا لهم على رؤوسهم ريشا في عمائمهم سمة لهم‏.‏

ومات وفي ثاني عشرينة قبل الغروب خرجت فرتينة بريح عاصف أظلم منها الجو وسقط منها بعض المنازل‏.‏

وفي غرة ربيع الثاني ورد آغا ومعه مرسوم مضمونه حصول الصلح بين السلطنة والموسقو ورجوع العسكر المصري ولما رجعوا أخذوا منهم ثلثي النفقة وتركوا لهم الثلث وكذلك التراقي من الجوامك التي تعطى للسردارية وأصحاب الدركات‏.‏

وفي ثامن عشره ورد قابجي باشا وعلى يده مرسوم بتقليد قيطاس بك الدفتردار أميرًا على الحاج عوضا عن يوسف بك الجزار وأن يكون إبراهيم بك بشناق المعروف بأبي شنب دفتردار‏.‏

فامتثلوا ذلك ولبسوا الخلع ومرسوم آخر بإنشاء سفينتين ببحر القلزم لحمل غلال الحرمين وأن يجهزوا إلى مكة مائة وخمسين كيسا من الأموال السلطانية برسم عمارة العين على يد محمد بك ابن حسين باشا‏.‏

ثم أن قيطاس بك اجتمع بالأمراء وشكا إليهم احتياجه لدراهم يستعين بها على لوازم الحاج ومهماته فعرضوا ذلك على الباشا وطلبوا منه أن يمده بخمسين كيسا من مال الخزينة ويعرض في شأنها بعد تسليمها إلى الدولة وأن لم يمضوا ذلك يحصلوها من الوجاقات بدلا عنها‏.‏

وفي يوم الأربعاء وصل من طريق الشام باشا معين لمحافظة جدة يسمى خليل باشا فدخل القاهرة في كبكبة عظيمة وعساكر رومية كثيرة يقال لهم سارجه سليمان وجمال محملة بالأثقال يقدمهم ثلاثة بيارق وخرج لملاقاته الباشا وقيطاس بك أمير الحاج في طائفة عظيمة من الأمراء والآغوات والصناجق وقابلوه وأنزلوه بالغيظ المعروف بحسن بك ومدوا هناك سماطًا عظيمًا حافلًا وقدموا له خيولا وساروا معه إلى أن دخلوا إلى المدينة في موكب عظيم إلى أن أنزلوه بمنزل المرحوم اسمعيل بك المتوفى في سفر الموسقو بجوار الحنفي فلم يزل هناك حتى سافر في أوائل رجب سنة تاريخه وخرج بموكب عظيم أيضًا وفي منتصف شعبان تقلد احمد بك الأعسر على ولاية جرجا عوضًا عن محمد بك الصغير المعروف بقطامش ثم ورد أمر بتقليد إمارة الحج لمحمد بك قطامش عوضًا عن سيده وطلع بالحج سنة أربع وعشرين ورجع سنة خمس وعشرين وذلك من فعل قيطاس بك سرًا وتقلد ولاية جرجا مصطفى بك مزلار‏.‏

وفي يوم الخميس عشرينه تقلد محمد بك المعروف بجركس تابع إبراهيم بك أبي شنب الصنجقية وكذلك قيطاس تابع قيطاس بك أمير الحج‏.‏

وفي عاشر شوال ورد عبد الباقي أفندي وتولى كتخدائية والي باشا ومعه بقرير للباشا على ولاية مصر‏.‏

وفي ثالث عشر ذي القعدة ورد أيضًا مرسوم صحبة آغا معين بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري لسفر الوسقو لنقضهم المهادنة وقرئ ذلك بالديوان بحضرة الجميع فألبسوا حسين بك المعروف بشلاق سردار عوضًا عن عثمان بك ابن سليمان بك بارم ذيله وقضى أشغاله وسافر في أوائل المحرم‏.‏

سنة خمس وعشرين ومائة وألف ورد أيضا آغا باستعجال الخزينة ورجع الحجاج في شهر صفر صحبة محمد بك قطامش وانتهت رياسة مصر إلى قيطاس بك ومحمد بك وحسن كتخدا النجدلي وكور عبد الله وإبراهيم الصابونجي‏.‏

فسولت لقيطاس بك نفسه قطع بيت القاسمية وأخذ يدبر في ذلك وأغرى سالم بن حبيب فهجم على خيول اسمعيل بك ابن ايواز بك في الربيع وجم أذناب الخيول ومعارفها ما عدا الخيول الخاص فإنها كانت بدوار الوسية وذهب ولم يأخذ منها شيئا وحضر في صبحها أمير أخور فاخبروه وكان عنده يوسف بك الجزار فلاطفه وسكن حدته وأشار عليه بتقليد حسن أبي دفية قائمقام الناحية ففعل ذلك وجرت له مع ابن حبيب أمور ستذكر في ترجمة ابن حبيب فيما يأتي‏.‏

ثم أنه كتب عرضحال أيضا على لسان الأمير منصور الخبيري يذكر فيه أن عرب الضعفاء أخربوا الوادي وقطعوا درب الفيوم‏.‏

وأرسل ذلك العرضحال صحبة قاصد يأمنه فختمه منصور وأرسله إلى الباشا صحبة البكاري خفير القرافة‏.‏

فلما طلع قيطاس بك في صبحها إلى الباشا وأجتمع باقي الأمراء وكان قيطاس بك رتب مع الباشا أمرًا سرًا وأغراه وأطمعه في القاسمية وما يؤول إليه من حلوان بلاد إبراهيم بك ويوسف بك وابن ايواظ بك وأتباعهم فلما استقر مجلسهم دخل البكاري بالعرضحال فأخذه كاتب الديوان وقرأه على أسماع الحاضرين فأظهر الباشا الحدة وقال‏:‏ أنا أذهب لهؤلاء المفاسيد الذين يخربون بلاد السلطان ويقطعون الطريق‏.‏

فقال إبراهيم بك أقل ما فينا يخرج من حقهم وانحط الكلام على ذهاب إبراهيم بك واسمعيل بك ويوسف بك وقيطاس بك وعثمان بك ومحمد بك قطامش‏.‏

وكان قانصوه بك في بني سويف في الكشوفية وأحمد بك الأعسر في إقليم البحيرة فلما وقع الاتفاق على ذلك خلع عليهم الباشا قفاطين ونزلوا فأرسلوا خيامهم ومطابخهم إلى تحت أم خنان ببر الجيزة وعدوا بعد العصر ونزلوا بخيلهم‏.‏

واتفق قيطاس بك مع عثمان بك أنهم يعدون خلفهم بعد المغرب ويكونون أكلوا العشاء وعلوا على الخيول وعندما ينزلون إلى الصيوان يتركون الخيول ملجمة والماليك والطوائل بأسلحتها‏.‏

فإذا أتى إلينا الثلاثة صناجق نقتلهم ثم نركب على طوائفهم وخيولهم مربوطة فنقتل كل من وقع ونخلص ثار الفقارية الذين قتلهم خال إبراهيم بك في الطرانة‏.‏

فلما فعلوا ذلك وعدوا وأوقدوا المشاعل وذلك وقت العشاء ونزلوا بالصيوان قال إبراهيم بك ليوسف بك واسمعيل بك‏:‏ قوموا بنا نذهب عند قيطاس بك‏.‏

قالا له‏:‏ أنت فيك الكفاية‏.‏

فذهب إبراهيم بك وهو ماش ولم يخطر بباله شيء من الخيانة‏.‏

فلما دخل عندهم وسلم وجلس سأله قيطاس بك عن رفقائه‏.‏

فقال‏:‏ أنهم جالسون محلهم فلم يتم ما أرادوه فيهم من الخيانة‏.‏

فعند ذلك قام محمد بك وعثمان بك إلى خيامهما وقلعا سلاحهما وخلعا لجامات الخيل وعلقا مخالي التبن ورجعا إليهما فقال قيطاس بك لإبراهيم بك‏:‏ أركبوا أنتم الثلاثة في غد وانصبوا عند وسيم ونحن نذهب إلى جهة سقارة فنطرد العرب فيأتون إلى جهتكم فأركبوا عليهم‏.‏

فأجابه إلى ذلك‏.‏

ثم قام وذهب إلى رفقائه فأخبرهم بذلك وباتوا إلى الصباح‏.‏

وفي الصباح حملوا وساروا إلى جهة وسيم كما أشار إليهم قيطاس بك فنزلت إليهم الزيدية بالفطور فسألوهم عن العرب فقالوا لهم الوادي في أمن وأمان بحمد الله لا عرب ولا حرب ولا شر‏.‏

وأما قيطاس بك ومن معه فإنه رجع إلى مصر وأرسل إلى ابن حبيب بأن يجمع نصف سعد وعرب بلي ويرسلهم مع أبنه سالم يدهمون الجماعة بناحية وسيم ويقتلونهم فتلكأ ابن حبيب في جمع العربان لصداقة قديمة بينه وبين إبراهيم بك وحضر لهم رجل من الأجناد كان تخلف عنهم لعذر حصل له فأخبرهم برجوع قيطاس بك ومن معه إلى مصر فركب إبراهيم بك ويوسف بك واسمعيل بك ونزلوا بالجيزة عند أبي هريرة وصحبتهم خيالة الزيدية وباتوا هناك وعدوا في الصباح إلى وفي هذه السنة حصل طاعون وكان ابتداؤه في القاهرة في غرة ربيع الأول وتناقص في أواخر جمادى الآخرة‏.‏

ووصل عابدين باشا إلى الإسكندرية وتقلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع على ابن سيده اسمعيل بك ولما حضر الباشا إلى الحلي وطلع إلى العادلية وأحضر الأمراء تقادمهم وقدم له اسمعيل بك تقدمة عظيمة وأحبه الباشا وأختص به ومال قلبه إلى فرقة القاسمية فقلدهم المناصب والكشوفيات‏.‏

وحضر مرسوم بإمارة الحج لاسمعيل بك ابن ايواظ بك وعابدين باشا هذا هو الذي قتل قيطاس بك بقراميدان كما يأتي خبر ذلك في ترجمة قيطاس بك‏.‏

وهرب محمد بك قطامش تابعه بعد قتل سيده إلى بلاد الروم وأقام هناك مدة ثم عاد إلى مصر وسيأتي خبر ذلك في ترجمته‏.‏

وفي ولايته تقلد عبد الله كاشف وصاري علي وعلي الأرمني واسمعيل كاشف صناجق الأربعة ايواظية وتقلد منهم أيضا عبد الرحمن آغا ولجه آغات جمليه واسمعيل آغا كتخدا وايواظ بك كتخدا الجاويشية ومن أتباع إبراهيم بك أبي شنب قاسم الكبير وإبراهيم فارسكور وقاسم الغير ومحمد جلبي بن إبراهيم بك أبي شنب وجركس محمد الصغير خمستهم صناجق واستقر الحال وطلع بالحج الأمير اسمعيل بك ابن أيواظ سنة سبع وعشرين وسنة ثمان وعشرين في أمن وأمان وسخاء ورخاء‏.‏

وفي سنة ثمان وعشرين ورد آغا من اسلامبول وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من العسكر المصري وعليهم أمير فادر وكانت النوبة على محمد بك جركس الكبير فلما اجتمعوا بالديوان وقرئ المرسوم خلع الباشا على محمد بك جركس القفطان ونزل إلى داره فطوى القفطان وأرسله إلى سيده إبراهيم بك ويقول له‏:‏ عندك خلافي صناجق كثيرة فأني قشلان‏.‏

فتكدر خاطره ثم أرسل إليه صحبة أحمد بك الأعسر عشرين كيسا فاستقلها فأعطاه أيضا وصولا بعشرة أكياس على الطرانه فجهز حاله وركب إلى قصر الحلي بالموكب وأحضر عنده الحريم فأقام أيامًا في حظه وصفائه والآغا المعين يستعجل السفر وفي كل يوم يأتيه فرمان من الباشا بالاستعجال والذهاب وهو لا يبالي بذلك‏.‏

ثم أن الباشا تكلم مع إبراهيم بك في شأن ذلك فلما نزل إلى بيته أرسل إليه أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير فأخبراه بتقريظ الباشا والاستعجال فقال في جوابه‏:‏ جلوسي هنا أحسن من إقامتي تحت الطرانة حتى يدفعوا لي العشرة أكياس فلا أرتحل حتى تأتيني العشرة أكياس‏.‏

ورمى لهم الوصول فرجع أحمد بك إلى إبراهيم بك وأخبره بمقالته ورد إليه الوصول فما وسعه إلا أنه دفع ذلك القدر إليه نقدًا وقال‏:‏ سوف يخرب هذا بيتي بعناده‏.‏

فلما وصله ذلك نزل إلى المراكب وسافر‏.‏

ثم ورد مسلم علي باشا وأخبر بولايته مصر‏.‏

فاجتمعوا بالديوان وتقلد إبراهيم بك أبو شنب قائمقام ونزل إلى بيته وخلع على أحمد بك الأعسر وجعله أمين السماط‏.‏

ونزل عابدين باشا من القلعة عندما وصل الخبر بوصول علي باشا إلى إسكندرية وسافرت إليه أرباب الخدم والعكاكيز وسافر عابدين باشا قبل حضور علي باشا بمصر‏.‏

وحضر علي باشا وطلع إلى القلعة على الرسم المعتاد واستقر في ولاية مصر والأمور صالحة والفتن ساكنة ورياسة مصر للأمير إبراهيم بك أبي شنب الكبير والأمير اسمعيل بك ابن ايواظ بك ومحمد كتخدا جدك مستحفظان وإبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وأتباع حسن جاويش القازدغلي وهم عثمان اوده باشا وسليمان أوده باشا تابع مصطفى كتخدا وخلافهم من رؤساء باب العزب وباقي البلكات ومات الأمير إبراهيم بك الكبير سنة ثلاثين فاستقل بالرياسة اسمعيل بك ابن ايواظ بك وسكن محمد بك ابن إبراهيم بك بمنزل أبيه وفي نفسه ما فيها من الغيرة والحسد لاسمعيل بك ابن حشداش أبيه‏.‏

وفي أواخر سنة تسع وعشرين ورد قابجي وعلى يده مرسوم بطلب ثلاثة آلاف من عسكر مصر وعليهم أمير لسفر الجهاد وكان الدور على محمد بك ابن ايواظ أخي اسمعيل بك فعلم أخوه أنه خفيف العقل فلا يستر نفسه في السفر فقلد أحمد كاشف صنجقية وجعله أمير العسكر وجعل مملوكه علي الهندي كتخداء إليه وقضوا أشغالهم‏.‏

وركب الأمير والسدادرة سنة ثلاثين وحضر محمد جركس من السفر في سنة ثلاثين فوجد سيده إبراهيم بك توفي وأمير مصر اسمعيل بك فتاقت نفسه للرياسة فضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين أبو يدك وذي الفقار تابع عمر آغا وأصلان وقيلان ومن يلوذ بهم من أمثالهم واتخذ لهم سراجًا قبيحًا يقال له الصيفي وكان الدفتردار في ذلك الوقت أحمد بك الأعسر تابع إبراهيم بك أبي شنب وكلما رأى تحرك محمد بك جركس لإثارة الفتن يهدي عليه ويلاطفه ويطفئ ناريته‏.‏

وكان ذو الفقار لما قتل سيده عمر آغا وأراد اسمعيل بك قتله أيضا في ذلك اليوم فوقع على خازندار حسن كتخدا الجلفي وحماه من القتل وأخرج له حسن كتخدا حصة في قمن العروس بالمحلول عن سيده وهي شركة اسمعيل بك ابن ايواظ ولم يقدر حسن كتخدا أن يذاكر اسمعيل بك في قائظها لعلمه بكراهته لذي الفقار ويريد قتله‏.‏

فلما مات حسن كتخدا الجلفي وحضر محمد بك جركس من السفر انضم إليه ذو الفقار المذكور وخاطب في شأنه اسمعيل بك فلم يفد ولم يرض أن يعطيه شيئا من فائظه وتكرر هذا مرارًا حتى ضاق خناق ذي الفقار من الفشل فدخل على محمد بك جركس في وقت خلوة وشكا إليه حاله وفاوضه في اغتيال اسمعيل بك‏.‏

فقال له‏:‏ أفعل ما تريد‏.‏

فأخذ معه في ثاني يوم أصلان وقيلان وجماعة خيالة من الفقارية ووقفوا لاسمعيل بك في طريق الرميلة عند سوق الغلة وهو طالع إلى الديوان فمر اسمعيل بك وصحبته يوسف بك الجزار واسمعيل بك جرجا وصاري علي بك فرموا عليهم بالرصاص فلم يصب منهم إلا رجل قواس ورمح اسمعيل بك ومن بصحبته إلى باب القلعة ونزل هناك وكتب عرضحال ملخصه الشكوى من محمد بك جركس وأنه قد جمع عنده المفسدين ويريد إثارة الفتن في البلد وأرسله إلى الباشا صحبة يوسف بك‏.‏

فأمر علي باشا بكتابة فرمان خطابًا للوجاقات بإحضار محمد بك جركس وإن أبى فحاربوه واقتلوه‏.‏

فلما وصل الخبر إلى جركس ركب مع المنضمين إليه فقارية وقاسمية ووصل إلى الرميلة فصادف الموجهين إليه فحاربهم وحاربوه وقتل حسين بك أبو يدك آخرون وانهزم جركس وتفرق من حوله ولم يتمكن من الوصول إلى داره‏.‏

فذهب على طريق الناصرية ولم يزل سائرا حتى وصل إلى شبرا ولم يبق صحبته سوى مملوكين‏.‏

فلاقاه جماعة من عرب الجزيرة فقبضوا عليهم واخذوا سلاحهم وأتوا بهم إلى بيت اسمعيل بك ابن ايواظ بك وكان عند أحمد كتخدا أمين البحرين والصابونجي فأشارا عليه بقتله فلم يرض وقال أنه دخل بيتي وخلع عليه فروة سمور وأعطاه كسوة وذهبا ونفاه إلى جزيرة قبرص‏.‏

ورجع العسكر الذين كانوا بالسفر واستشهد أمير العسكر أحمد بك فقلدت الدولة علي كتخدا الهندي صنجقًا عوضًا عن مخدومه أحمد بك وأعطوه نظر الخاصكية قيد الحياة وأطلقوا له بلاده من غير حلوان‏.‏

فلما وصلوا إلى مصر عمل له يوسف بك الجزار سماطًا بالحلي ثم ركب وطلع إلى القلعة وخلع الباشا على علي بك الهندي خلعة السلامة ونزل إلى بيت اسمعيل بك وأنعم عليه بتقاسيط بلاد فائظها اثنا عشر كيسا‏.‏

واستمر صنجقا وناظرا على الخاصكية‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة ثلاثين حصلت حادث ببولاق وهو أن سكان حارة الجوابر تشاجروا مع بعض الجمالة ابتاع أوسية أمير الحاج فحضر اليهم أمير اخور فضربوه ووصل الخبر إلى الأمير اسمعيل بك فأرسل إليهم آغات الينكجرية والوالي فضربوهم فركب الصنجق بطائفته وقتلوا منهم جماعة وهرب باقيهم وأخرجوا النساء بمتاعهن وسمروا الدرب من الجهتين وكانت حادثة مهولة واستمر الدرب مقفولا مسمرا نحو سنتين‏.‏

وفيها كان موسم سفر الخزينة وأميرها محمد بك ابن إبراهيم بك أبو شنب‏.‏

وكان وصل إليه الدور وخرج بالموكب وأرباب المناصب والسدارة ولما وصل إلى اسلامبول واجتمع بالوزير ورجال الدولة أوشى إليهم في حق اسمعيل بك ابن ايواظ وعرفهم أنه أن استمر أمره بمصر أدعى السلطنة بها وطرد النواب فإن الأمراء وكبار الوجاقات والدفتردار وكتخدا الجاويشية صاروا كلهم اتباعه ومماليكه ومماليك أبيه‏.‏

وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل شيء ونفى وأبعد كل من كان ناصحًا في خدمة الدولة مثل جركس ومن يلوذ به وعمل للدولة أربعة آلاف كيس على إزالة اسمعيل بك والباشا وتولية وال آخر يكون صاحب شهامة‏.‏

فأجابوه إلى ذلك‏.‏

وكان قبل خروجه من مصر أوصى قاسم بك الكبير على إحضار محمد بك جركس فأرسل إليه وأحضره خفية واختفى عنده‏.‏

ثم أن أهل الدولة عينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له عند حضوره إلى مصر أن يقبض على علي باشا ويحاسبه ويقتله ثم يحتال على قتل اسمعيل بك أن ايواظ وعشيرته ما عدا بك الهندي‏.‏

ورجع محمد بك ابن أبي شنب إلى مصر وعمل دفتر دار وحضر مسلم رجب باشا ومعه الأمر بحبس علي باشا بقصر يوسف وقائمقامية إلى أحمد بك الأعسر‏.‏

وبعد أيام وصل الخبر بوصول رجب باشا إلى العريش وسافرت له الملاقاة وتقلد إبراهيم بك فارسكور أمين السماط وطلع اسمعيل بك أميرًا بالحج‏.‏