المجلد الأول - تولية الوزير علي باشا

تولية الوزير علي باشا

ثم تولى بعده الوزير علي باشا حكيم أوغلي وهي توليته الأولى بمصر فدخل مصر في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين ومكث إلى عاشر جمادى الأولى سنة 1154 ونزل سليمان باشا إلى بيت البيرقدار وعمل علي باشا أول ديوان بقراميدان بحضرة الجم الغفير وقرئ مرسوم الولاية بحضرة الجميع‏.‏

ثم قال الباشا أنا لم آت إلى مصر لأجل إثارة فتن بين الأمراء وأغراء ناس على ناس وإنما أتيت لأعطي كل ذي حق حقه وحضرة السلطان أعطاني المقاطعات وأنا أنعمت بها عليكم فلا تتعبوني في خلاص المال والغلال وأخذ عليهم حجة بذلك‏.‏

وأنفض المجلس‏.‏

ثم أنه سلم على الشيخ البكري وقال له‏:‏ أنا بعد غد ضيفك ثم ركب وطلع إلى السراية وأرسل إلى الشيخ البكري هدية وأغنامًا وسكرًا وعسلًا ومربات ونزل إليه في الميعاد وأمر ببناء رصيف الجنينة التي في بيته وكان له فيه اعتقاد عظيم لرؤيا منامية رآها في بعض سفراته منقولة عنه مشهورة‏.‏

وكانت أيامه أمنا وأمانا والفتن ساكنة والأحوال مطمئنة‏.‏

ثم عزل ونزل إلى قصر عثمان كتخدا القازدغلي بين بولاق وقصر العيني‏.‏

تولية يحيى باشا ثم تولى يحيى باشا ودخل إلى مصر وطلع إلى القلعة في موكبه على العادة وطلع إليه علي باشا وسلم عليه ونزل هو الآخر وسلم على علي باشا بالقصر ودعاه عثمان بك ذو الفقار وعمل له وليمة في بيته وقدم له تقادم كثيرة وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم أن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء في دعوة وإنما كان الأمراء يعملون لهم الولائم بالقصور في الخلاء مثل قصر العيني أو المقياس‏.‏

وأقام يحيى باشا في ولاية مصر إلى أن عزل في عشرين شهر رجب سنة 1156‏.‏

تولية محمد باشا اليدكشي وتولى بعده محمد باشا اليدكشي وحضر إلى مصر وطلع إلى القلعة وفي أيامه كتب فرمان بأبطال شرب الدخان في الشوارع وعلى الدكاكين وأبواب البيوت‏.‏

ونزل الأغا والوالي فنادوا بذلك وشددوا في الأنكار والنكال بمن يفعل ذلك من عال أو دون وصار الأغا يشق البلد في التبديل كل يوم ثلاث مرات‏.‏

وكل من رأى في يده آلة الدخان عاقبه وربما أطعمه الحجر الذي يوضع فيه الدخان بالنار وكذلك الوالي‏.‏

وفي أيامه أيضًا قامت العسكر بطلب جراياتهم وعلائفهم من الشون ولم يكن بالشون أردب واحد فكتب الباشا فرمانًا بعمل جمعية في بيت علي بك الدمياطي الدفتر دار وينظروا الغلال في ذمة أي من كان يخلصونها منه‏.‏

فلما كان في ثاني يوم أجتمعوا وحضر الروزنامجي وكاتب الغلال والقلقات وأخبروا أن بذمة إبراهيم بك قطامش أربعين ألف أردب والمذكور لم يكن في الجمعية وأنتظروه فلم يأت‏.‏

فأرسلوا له كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة فامتنع من الحضور في الجمهور وقال‏:‏ الذي له عندي حاجة يأتي عندي فرجعوا وأخبروهم بما قال‏.‏

فقال العسكر‏:‏ نذهب إليه ونهدم بيته على دماغه فقام وكيل دار السعادة وأخذ معه من كل بلك اثنين اختيارية وذهبوا إلى إبراهيم بك قطامش‏.‏

فقال له الوكيل‏:‏ أي شيء هذا الكلام والعسكر قائمة على اختياريتها قال‏:‏ والمراد أي شيء وليس عند غلال‏.‏

قال له الوكيل‏:‏ نجعلها مثمنة بقدر معلوم‏.‏

فثمنوا القمح بستين نصف فضة الأردب والشعير بأربعين‏.‏

فقال إبراهيم بك‏:‏ يصبروا حتى يأتيني شيء من البلاد‏.‏

قال الوكيل‏:‏ العسكر لا يصبروا ويحصل من ذلك أمر كبير‏.‏

فجمعوا مبلغ اليكون فبلغ ثمانين كيسًا فرهن عند الوكيل بلدين لأجل معلوم‏.‏

وكتب بذلك تمسك وأخذ التقاسيط ورجع الوكيل إلى محل الجمعية وأحضر مبلغ الدراهم وكل من كان عليه غلال أورد بذلك السعر وهذه كانت أول بدعة ظهرت في تثمين غلال الأنبار للمستحقين‏.‏

واستمر محمد باشا في ولاية مصر حتى عزل سنة 1158‏.‏

تولية محمد باشا راغب ووصل مسلم ‏)‏محمد باشا راغب‏(‏ وتقلد إبراهيم بك بلغيه قائمقام وخلع عليه محمد باشا القفطان وعلى محمد بك أمين السماط‏.‏

ثم ورد الساعي من الإسكندرية فأخبر بورود حضر محمد باشا راغب إلى ثغر الإسكندرية فنزل أرباب العكاكيز لملاقاته وحضروا صحبته إلى مصر وطلع إلى القلعة وحصل بينه وبين حسين بك الخشاب محبة و مودة و حلف له أنه لا يخونه ثم أسر إليه أن حضرة السلطان يريد قطع بيت القطامشة والدمايطة فأجاب إلى ذلك‏.‏

واختلى بإبراهيم جاويش وعرفه بذلك فقال له الجاويش‏:‏ عندك توابع عثمان بك قرقاس وذو الفقار كاشف وهم يقتلون خليل بك وعلي بك الدمياطي في الديوان‏.‏

فقال له يحتاج أن يكون صحبتهم أناس من طرفك وإلا فليس لهم جسارة على ذلك‏.‏

فقال له‏:‏ أنا أتكلم مع عثمان أغا أبي يوسف بطلب شرهم لأنه من طرفي‏.‏

فلما كان يوم الديوان وطلع حسين بك الخشاب وقرقاش وذو الفقار وجماعته وطلع علي بك الدمياطي وصحبته محمد بك وطلع في أثرهم خليل بك أمير الحاج وعمر بك بلاط جلسوا بجانب المحاسبة فحضر عثمان أغا المتفرقة عند خليل بك فقال له‏:‏ لماذا لم تدخل عند الباشا‏.‏

فقال له‏:‏ تركناه لك‏.‏

فقال‏:‏ كأني لم أعجبك‏.‏

واتسع بينهما الكلام فسحب أبو يوسف النمشة وضرب خليل بك وإذا بالجماعة كذلك أسرعوا وضربوا عمر بك بلاط‏.‏

قتلوه ودخلوا برأسيهما إلى الباشا فقام علي بك الدمياطي ومحمد بك ونزلا ماشيين ودخلا إلى نوبة الجاويشية فأرسل الباشا للاختيارية يقول لهم أنهما مطلوبان للدولة‏.‏

وأخذهما وقطع رأسيهما أيضًا‏.‏

وكتبوا فرمانا إلى الصناجق والأغوات واختيارية السبع وجاقات بأن ينزلوا بالبيارق والمدافع إلى إبراهيم بك وعمر بك وسليمان بك الألفي وكان سليمان بك دهشور مسافرًا بالخزينة‏.‏

فنزلت البيارق والمدافع فضربوا أول مدفع من عند قيطرة سنقر فحمل الثلاثة أحمالهم وخرجوا بهجنهم وعازقهم إلى جهة قبلي ودخل العساكر إلى بيت إبراهيم بك فنهبوه وكذلك بيت خليل بك وذهبوا إلى بيت علي بك فوجدوا فيه صنجقيًا من الصناجق ملكه بما فيه ولم يتعرضوا ليوسف بك ناظر الجامع الأزهر ورفعوا صنجقية محمد بك صنجق ستة وماتت ستة أيضًا وذهب إلى طندتا وعمل فقيرًا بضريح سيدي أحمد البدوي‏.‏

ولما رجع سليمان بك دهشور من الروم رفعوا صنجقيته وأمروه بالأقامة برشيد وقلدوا عثمان كاشف صنجقية وكذلك كجك أحمد كاشف وقلدوا محمد بك أباظة أشراق حسين بك الخشاب دفتر دار مصر‏.‏

وأنقضت تلك الفتنة‏.‏

ثم أن الباشا قال لحسين بك الخشاب‏:‏ مرادي أن نعمل تدبيرا في قتل إبراهيم جاويش قازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي وتصير أنت مقدام مصر وعظيمها‏.‏

فاتفق معه على ذلك وجمع عنده علي بك جرجا وسليمان بك مملوك عثمان بك ذي الفقار وقرقاش وذي الفقار كاشف ودار القال والقيل وسعت المنافقون وعلم إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا ما يراد بهما‏.‏

فحضر إبراهيم جاويش عند رضوان كتخدا وأمتلأ باب الينكجرية وباب العزب بالعسكر والأوده باشيه وأجتمعت الصناجق والأغوات السبعة في سبيل المؤمن والأسباهية بالرميلة وأرسلوا يطلبون فرمانا من الباشا بالركوب على بيت حسين بك الخشاب الذي جمع عنده المقاسيد أعداءنا وقصده قطعنا‏.‏

فلما طلع كتخدا الجاويشية ومتفرقة باشا إلى راغب باشا وطلبوا منه فرمانا بذلك فقال الباشا‏:‏ رجل نفذ أمر مولانا السلطان وخاطر بنفسه ولم ينكسر عليه مال ولا غلال كيف أعطيكم فرمانا بقتله الصلح أحسن ما يكون‏.‏

فرجعوا وردوا عليهم بجواب الباشا فأرسلوا له من كل بلك اثنين اختيارية بالعرضحال وقالوا لهم‏:‏ أن أبي قولوا له ينزل ويولي قائمقام ونحن نعرف خلاصنا مع بعضنا‏.‏

فنزل بكامل أتباعه من قراميدان ولما صار في الرميلة أراد أن ينزل علي شيخون إلى بيت حسين بك الخشاب يكرنك معه فيه وإذا بالعزب المرابطين في السلطان حسن ردوه بالنار فقتل أغا من أغواته فنزل على بيت آقبردي إلى بيت ذي عرجان تجاه المظفر فأرسلوا له إبراهيم بك بلغيه صحبة كتخدا الجاويشية خلع عليه قفطان القائمقامية ورجع إلى بيته وأخذوا منه فرمانا بجر المدافع والبيارق من ناحية الصليبة‏.‏

وسارت الصناجق يقدمهم عمر بك أمير الحاج ومحمد بك الدالي وإبراهيم بك بلغيه ويوسف بك قطامش وحمزة بك وعثمان بك أبو سيف وأحمد بك ابن كجك محمد واسمعيل بك جلفي وعثمان بك وأحمد بك قازدغلية ورضوان بك خازندار عثمان كتخدا قازدغلي وأحتاطوا ببيت حسين بك الخشاب ومحمد بك أباظة من الأربع جهات‏.‏

فحارب بالبندق من الصبح إلى الظهر حتى وزع ما يعز عليه وحمل أثقاله وطلع من باب السر على زين العابدين وذهب إلى جهة الصعيد فدخل العسكر إلى بيته‏.‏

فلم يجدوا فيه شيئا ولا الحريم‏.‏

وهرب أيضًا إبراهيم بك قيطاس إلى الصعيد وعمر بك ابن علي بك وصحبته طائفة من الصناجق هربوا إلى أرض الحجاز وكان ذلك أواخر سنة 1161‏.‏

فكانت مدة محمد باشا راغب في ولاية مصر سنتين ونصفا ثم سار إلى الديار الرومية وتولى الصدارة‏.‏

وكان إنسانًا عظيمًا عالمًا محققًا وكان أصله رئيس الكتاب وسيأتي تتمة ترجمته في سنة وقاته والله أعلم‏.‏

مات الإمام الكبير والأستاذ الشهير صاحب الأسرار والأنوار الشيخ عبد الغني بن اسمعيل النابلسي الحنفي الصالحي‏.‏

ولد سنة 1050 وأحواله شهيرة وأوصافه ومناقبه مفردة بالتأليف‏.‏

ومن مؤلفاته المقصود في وحدة الوجود وتحفة المسالة بشرح التحفة المرسلة والأصل للشيخ محمد فضل الله الهندي والفتح الرباني والفيض الرحمان وربع الأفادات في ربع العيادات وهو مؤلف جليل في مجلد صخم في فقه الحنفية نادر الوجود والرحلة القدسية وكوكب الصبح في إزالة القبح والحديقة الندية في شرح الطريقة المحمدية والفتح المكي واللمح الملكي وقطر السماء ونظرة العلماء والفتح المدني في النفس اليمني وبديعيتان أحداهما لم يلتزم فيها اسم النوع وشرحها والثانية التزمه فيها شرحها القلعي مع البديعيات العشر‏.‏

توفي رضي الله عنه سنة 143 عن ثلاث وتسعين سنة‏.‏

ومات إمام الأئمة شسخ الشيوخ وأستاذ الأساتذة عمدة المحققين والمدققين الحسيب النسيب السيد علي بن علي إسكندر الحنفي السيواسي الضرير أخذ عن الشيخ أحمد الشوبري الشرنبلالي والشيخ عثمان ابن عبد الله التحريري الحنفيين وأخذ الحديث عن الشيخ البابلي والشبراملسي وغيرهم‏.‏

وسبب تلقيبه بإسكندر أنه كان يقرأ دروسًا بجامع إسكندر باشا بباب الخرق وكان عجيبًا في الحفظ والذكاء وحدة الفهم وحسن الألقاء وكان الشيخ العلامة محمد السجيني إذا مر بحلقة درسه خفض من مشيته ووقف قليلًا وأنصت لحسن تقريره وكان كثير الأكل ضخم البدن طويل القامة لا يلبس زي الفقهاء بل يعتم عمامه لطيفة بعذبه مرخية وكان يقول عن نفسه‏:‏ أنا آكل كثيرًا وأحفظ كثيرًا‏.‏

وسافر مرة إلى دار السلطنة وقرأ هناك دروسًا وأجتمع عليه المحققون حين ذاك وباحثوه وناقشوه وأعترفوا بعلمه وقضله وقوبل بالأجلال والتكريم وعاد إلى مصر ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد حتى توفي في ذي القعدة سنة 148 عن ثلاث وسبعين سنة وكسور أخذ عنه كثير من الأشياخ كالشيخ الحفني وأخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ الدمياطي والشيخ الوالد والشيخ عمر الطحلاوي وغيرهم‏.‏

وكان يقول بحرمة القهوة وأتفق أنه عمل مهما لزواج ابنه فهاداه الناس وبعث إليه عثمان كتخدا القازدغلي فردين فأمر بطرحه في الكنيف لأنه يرى حرمة الانتفاع بثمنه أيضًا مثل الخمر ودليله في ذلك ما ذكر في وصف خمر الجنة في قوله تعالى‏:‏ لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون بأن الغول ما يعتر شارب الخمر بتركها وهذه العلة موجودة في القهوة بتركها بلا شك‏.‏

توفي إلى رحمة الله تعالى سنة 1146 ومات الإمام العلامة والمحقق الفهامة شيخ مشايخ العلم الشيخ محمد عبد العزيز الزيادي الحنفي البصير أخذ عن الشيخ شاهين الأرمناوي الحنفي عن العلامة البابلي وأخذ عنه الشمس الحفني ومات الشيخ الفقيه العلامة المتقن المتفنن الشيخ عيسى بن عيسى السقطي الحنفي أخذ عن الشيخ إبراهيم بن عبد الفتاح بن أبي الفتح الدلجي الفرضي الشافعي وعن الشيخ أحمد الأهناسي وعن الشيخ أحمد ابن إبراهيم التونسي الحنفي الشهير بالدقدوسي وعن السيد علي ابن السيد علي الحسيني الشهير بإسكندر والشيخ محمد عبد العزيز بن إبراهيم الزياد ثلاثتهم عن الشيخ شاهين الأرمناوي وأخذ أيضًا عن الشيخ العقدي والشيخ إبراهيم الشرنبلالي والشيخ حسن بن الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي ثلاثتهم عن الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير‏.‏

توفي المترجم في سنة 1143‏.‏

ومات الأستاذ العلامة شيخ المشايخ محمد السجيني الشافعي الضرير أخذ عن الشيخ الشنبالي ولازمه ملازمو كلية وأخذ أيضًا عن الشيخ عبد ربه الديوي وأهل طبقته مثل الشيخ مطاوع السجيني وغيره وكان إمامًا عظيمًا فقيهًا نحويًا أصوليًا منطقيًا أخذ عنه كثير من فضلاء الوقت وعلمائهم‏.‏

توفي سنة 1158‏.‏

ومات الإمام العلامة والبحر الفهامة إمام المحققين شيخ الشيوخ عبد الؤوف بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن علي البشبيشي الشافعي خاتمة محققي العلماء وواسطة عقد نظام الأولياء العظماء ولد ببشبيش من أعمال المحلة الكبرى وأشتغل على علمائها بعد أن حفظ القرآن ولازم ولي الله تعالى العارف بالله الشيخ علي المحلي الشهير بالأقرع في فنون من العلم وأجتهد وحصل وأتقن وتفنن وتفرد وتردد على الشيخ العارف حسن البدوي وغيره من صوفية عصره وتأدب بهم وأكتسى من أنوارهم ثم أرتحل إلى القاهرة سنة 1081 وأخذ عن الشيخ محمد ابن منصور الأطفيحي والشيخ خليل اللقاني والزرقاني وشمس الدين محمد بن قاسم البقري وغيرهم وأشتهر علمه وفضله ودرش وأفاد وأنتفع به أهل عصره من الطبقة الثانية وتلقوا عنه المعقول والمنقول ولازم عمه الشهاب في الكتب التي كان يقرأها مع كمال التوحش والعزلة والأنقطاع إلى الله وعدم مسايرة أحد من طلبة عمه والتكلم معهم بل كان الغالب عليه الجلوس في حارة الحنابلة وفوق سطح الجامع حتى كان يظن من لايعرف حاله أنه بليد لا يعرف شيئًا إلى أن توجه عمه إلى الديار الحجازية حاجًا سنة 1094 وجاور هناك فأرسل له بأن يقرأ موضعه‏.‏

فتقدم وجلس وتصدر لتقرير العلوم الدقيقة والنحو والمعاني والفقه‏.‏

ففتح الله له باب القبض فكان يأتي بالمعاني الغريبة في العبارات العجيبة وتقريره أشهى من الماء العذب عند الظمآن وأنتفع به غالب مدرسي الأزهر وغالب علماء القطر الشامي ولم يزل على قدم الإفادة وملازمة الإفتاء والتدريس والإملاء حتى توفي في منتصف رجب سنة 1143‏.‏

ومات الأستاذ الإمام صاحب الأسرار وخاتمه سلسلة الفخار الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد أبو السرور البكري الصديقي شيخ سجادة السادة البكرية بمصر أجازه أبو الإحسان بن ناصر وغيره وكان للوزير علي باشا بن الحكيم فيه اعتقاد عظيم كما تقدمت الإشارة إلى وعندما ذهب الأستاذ للسلام عليه تلقاه وقبل يديه وأقدامه وقال‏:‏ هذا الذي كنت رأيته في عالم الرؤيا وقت كربنا في السفرة الفلانية ولعله الشيخ البكري كما أخبرني عن نفسه‏.‏

فقيل له‏:‏ هو المشار إليه فاقبل بكليته عليه واستجازه في الزيارة بعد الغد وأرسل إليه هدية سنية ونزل لزيارته مرارًا‏.‏

توفي سنة 1153 ودفن بمشهد أسلافه عند ضريح الإمام الشافعي‏.‏

ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة المتفنن المتقن المتبحر الشيخ محمد صلاح الدين البرلسي المالكي الشهير بشلبي أخذ عن الشيخ أحمد النفراوي والشيخ عبد الباقي القليني والشيخ منصور المنوفي وغيرهم وروى عن البصري والنخلي وعنه أخذ الأشياخ المعتبرون‏.‏

توفي ليلة الخميس سابع عشر صفر سنة 1154‏.‏

ومات الإمام العالم العلامة والعمدة الفهامة أستاذ المحققين وصدر المدرسين الشيخ أحمد بن أحمد بن عيسى العماوي المالكي أخذ عن الشيخ محمد الزرقاني والعلامة الشبراملسي والشيخ محمد الأطفيحي و الشيخ عبد الرؤوف البشبيشي والشيخ منصور المنوفي والشيخ أحمد النفراوي كما نقلت ذلك من خطه وأجازته للمغفور له عبد الله باشا كبورلي زاده وكان قد قرأ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ وسنن أبي داود وابن ماجه والنسائي والترمذي والمواهب قراءة لبعضها دارية ولبعضها روايه ولباقيها إجازة وألفية المصطلح من أولها إلى آخرها العلامة الشبراملسي تصدر للأقراء والأفادة في محله وانتفع به الطلبة وكان حلو التقرير فصيحًا كثير الإطلاع مستحضرًا للأصول والفروع والمناسبات والنوادر والمسائل والفوائد تلقى عنه غالب أشياخ العصر وحضروا دروسه القهية والمعقولية كما هو مذكور في تراجمهم‏.‏

ولم يزل مواظبًا وملازمًا على الإقراء والإفادة وإملاء العلوم حتى وافاه الأجل المحتوم‏.‏

وتوفي سابع جمادى الأولى من سنة 1155 وخلف بعده ابنه أستاذنا الإمام المحقق والتحرير المدقق بركة الوقت وبقية السلف الشيخ عبد المنعم أدام الله النفع بوجوده وأطال عمره مع الصحة والعافية آمين‏.‏

ومات الإمام العلامة الوحيد والبحر الخضم الفريد روض العلوم والمعارف وكنز الأسرار واللطائف الشيخ محمد بن محمد الغلاني الكثناوي الدانرانكوي السوداني كان إمامًا دراكا متقنا متفننا وله يد طولى وباع واسع في جميع العلوم ومعرفة تامة بدقائق الأسرار والأنوار‏.‏

تلقى العلوم والمعارف ببلاده عن الشيخ الإمام محمد ابن سليمان بن محمد النوالي البرناوي الباغرماوي والأستاذ الشيخ محمد بندو والشيخ الكامل الشيخ هاشم محمد فودو ومعناه الكبير‏.‏

قال وهو أول من حصل لي علي يديه الفتح وعليه قرأت أكثر كتب الأدب ولازمته حضرا وسفرا نحو أربع سنوات فأخذ عنه الصرف والنحو حتى أتقن ذلك وصار شيخه المذكور يلقبه بسيبويه‏.‏

وكان يلقبه قبل ذلك بصاحب المقامات لحفظه لها واستحضاره لألفاظها استحضارًا شديدًا بحيث إذا ذكرت كلمة يأتي بما قبلها بالبديهة وعدم الكلفة‏.‏

وتلقى عن الشيخ محمد بند وعلم الحرف والأوفاق وعلم الحساب والواقيت على أسلوب طريقة المغاربة والعلوم السرية بأنواعها الحرفية والوفقية وآلاتها الحسابية والميقاتية‏.‏

وحصلت له منه المنفعة التامة قال‏:‏ وقرأت عليه الأصول والمعاني والبيان والمنطق وألفية العراقي وجميع عقائد السنوسي الستة‏.‏

وسمع عليه البخاري وثلاثة أرباع مختصر الشيخ خليل من أول البيوع إلى آخر باب السلم ومن أول الأجارة إلى آخر الكتاب ونحو الثلث من كتاب ملخص المقاصد وهو كتاب لابن زكري معاصر الشيخ السنوسي في ألف بيت وخمسمائة بيت في علم الكلام وأكثر تصانيفه إلى غير ذلك‏.‏

قال‏:‏ وسمعت منه كثيرًا من الفوائد العجيبة والحكايات الغريبة والأخبار والنوادر ومعرفة الرجال ومراتبهم وطبقاتهم‏.‏

ذكر ذلك في برنامج شيوخه المذكورين وكان للمترجم همة عالية ورغبة صادقة في تحصيل العلوم المتوقف عليها تحصيل الكتب وكان يقول عن نفسه أن مما من الله علي به أني لم أقرأ قط من كتاب مستعار وإنما أدني مرتبتي إذا حاولت قراءة كتاب لم يكن موجودا عندي أن اكتب متنه موسع السطور لأقيد فيه ما أردته من شروحه أو ما سمعته من تقريرات الشيخ عند قراءته وأعلاها أن أكتب شرحه وحاشيته بدليل أنه لولا علو همتي وصدق ربتي في تحصيل العلوم لما فارقت أهلي وأنسي وطلقت راحتي وبدلتهما بغربتي ووحشتي وكربتي مع كون حالي مع أهلي في غاية الغبطة والانتظام فبادرت في اقتحام الأخطار لكي أدرك الأوطار‏.‏

ولما أستأذن شيخه في الرحلة والحج فمر في رحلته بعدة ممالك وأجتمع بملوكها وعلمائها فمن أجتمع به في كاغ برن الشيخ محمد كرعك وأخذ عنه أشياء كثيرة من علوم الأسرار والرمل وأقام هناك خمسة أشهر وعنده قرأ كتاب الوالية للكردي وهو كتاب جليل معتبر في علم الرمل وقرأ عليه هو الرجراجي وبعض كتب من الحساب‏.‏

وله رحلة تتضمن ما حصل له في تنقلاته وحج سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف وجاور بمكة وابتدأ هناك بتأليف الدر المنظوم وخلاصة السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم وهو كتاب حافل رتبه على مقدمة وخمسة مقاصد وخاتمه وقسم المقاصد أبوابًا وأتم تبييضه بمصر المحروسة في شهر رجب سنة ست وأربعين ومن تأليفه كتاب بهجة الآفاق وأيضاح اللبس والأغلاق في علم الحروف والأوفاق رتبه على مقدمة ومقصد وخاتمه وجعل المقدمة ثلاثة أبواب والمقصد خمسة أبوابوكل باب يشتمل على مقدمة وفصول ومباحث وخاتمة‏.‏

وله منظومة في فلم المنطق سماها منح القدوس وشرحها شرحًا عظيمًا سماه أزاله العبوس عن وجه منح القدوس وهو مجلد حافل نحو ستين كراسًا‏.‏

وله شرح بديع على كتاب الدر والترياق في علم الأفاق‏.‏

ومن تآليفه بلوغ الأرب من كلام العرب في علم النحو وله غير ذلك‏.‏

توفي سنة 1154 بمنزل المرحوم الشيخ الوالدوجعله وصيًا على تركته وكتبه وكان يسكن أولًا بدرب الأتراك وهو الذي أخذ عنه علم الأوفاق وعلم الكسر والبسط الحرفية والعددية ودفنه الوالد ببستان العلماء بالمجاورين بنى على قبره تركيبة وكتب عليه اسمه وتاريخه‏.‏

ومات جامع الفضائل والمحاسن طاهر الأعراق والأوصاف السيد علي أفندي نقيب السادة الأشراف ذكره الشيخ عبد اله الأدكاوي في مجموعته وأثنى عليه وكان مختصًا بصحبته‏.‏

وحج مع المترجم سنة 1147 وعاد إلى مصر ولم يزل على أحسن حال حتى توفي في الليلة الثامنة عشرة من شهر شوال سنة 1153‏.‏

ومات الأستاذ العارف الشيخ أبو العباس أحمد بن أحمد العربي الأندلسي تلمساني الأزهري المالكي أخذ الحديث عن الإمام أبي سالم عبد الله سالم البصري المكي وأبي العباس أحمد بن محمد النخلي المكي الشافعيين وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب أخذ عنه الشيخ أبو سالم الحفني والسيد علي بن موسى المقدسي الحسيني وغيرهما من علماء الحرمين ومصر والمغرب‏.‏

توفي سنة 1151‏.‏

ومات الإمام العلامة والتحرير الفهامة شمس الدين محمد بن سلامة البصير الإسكندري المكي البليغ الماهر أخذ العلم عن الشيخ خليل اللقاني والشهاب أحمد السندوبي والشيخ محمد الخرشي والشيخ عبد الباقي الزرقاني والشبرخيتي والأبيذري وهو الشهاب أحمد الذي روى عن البرهان اللقاني والبابلي وأخذ أيضًا عن الشيخ يحيى الشاوي والشهاب أحمد البشبيشي وله تأليفات عديدة منها تفسير القرآن العزيز نظمًا في نحو عشر مجلدات‏.‏

وقد أجاز الشيخ أبا العباس أحمد بن علي العثماني وأملى عليه نظمًا وذلك بمنزله بالجانب الغربي من الحرم الشريف وعمر ابن أحمد بن عقيل ومحمد بن علي بن خليفة الغرياني التونسي وحسين ابن حسن الأنطاكي المقري أجازه في سنة 1131 في الطائف واسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم‏.‏

توفي في ذي الحجة سنة 1149‏.‏

ومات الشيخ الإمام العالم العلامة صاحب التآليف العديدة والتقريرات المفيدة أبو العباس احمد بن عمر الديربي الشافعي الأزهري أخذ عن عمه الشيخ علي الديربي قرأ عليه التحرير وابن قاسم وشرح الرحبية وأخذ عن الشيخ محمد القليوبي الخطيب وشرح التحرير والشيخ خالد علي الآجرومية وعلي الأزهرية وعن الشيخ أبي السرور الميداني والشيخ محمد الدنوشر المشهور بالجندي علم الحساب والفرائض وأخذ عن الشيخ الشنشوري ومن مشايخه يونس بن الشيخ القليوبي والشيخ علي السنبطي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد النفراوي المالكي وأخوه الشيخ أحمد النفراوي والشيخ خليل اللقاني والشيخ منصور الطوخي والشيخ إبراهيم الشبرخيتي والشيخ إبراهيم المرحومي والشيخ عامر السبكي والشيخ علي الشبراملسي والشيخ شمس الدين محمد الحموي والشيخ أبو بكر الدلجي والشيخ أحمد المرحومي والشيخ أحمد السندوبي والشيخ محمد البقري والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد المعطي المالكي والشيخ محمد الخرشي والشيخ محمد النشرتي والشيخ أبو الحسن البكري خطيب الجامع الأزهر وانتشر فضله وعلمه وأشتهر صيته وأفاد وألف وصنف‏.‏

فمن تآليفه غاية المرام فيما يتعلق بانكحة الأنام وغاية المقصود لمن يتعاطى العقود على مذهب الأئمة الأربعة والختم الكبير على شرح التحرير المسمى‏:‏ فتح الملك الكريم الوهاب بختم شرح تحرير تنقيح اللباب وغاية المراد لمن قصرت همته من العباد وختم على شرح المنهج سماه فتح الملك الباري بالكلام على آخر شرح المنهج للشيخ زكريا الأنصاري وختم على شرح الخطيب وعلى شرح ابن قاسم وكتابه المشهور المسن فتح الملك المجيد لنفع العبيد جمع فيه ما جربه وتلقاه من الفوائد الروحانية والطبية وغيرها‏.‏

وهو مؤلف لا نظير له في بابه وله رسالة على البسملة وحديث البداءة ورسالة تسمى تحفة المشتاق فيما يتعلق بالسنانية ومساجد بولاق ورسالة تسمى تحفة الصفا فيما يتعلق بابوي المصطفى والقول المختار فيما يتعلق بابوي النبي المختار ومناسك حج على مذهب الإمام الشافعي وتحفة المريد في الرد على كل مخالف عنيد وفتح الملك الجواد بتسهيل قسمة التركات على بعض العباد بالطريق المشهورة بين الفريضيين في المسائل العائلة ورسالة في سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه والوقوف في المحشر والشفاعة العظمى وأربعون حديثًا وتمام الانتفاع لمن أرادها من الأنام وجاشية على شرح ابن قاسم الغزي ورسالة تتعلق بالكواكب السبعة والساعات الجيدة وبضرب المنادل العلوية ولسفلية وإحضار عامر المكان وأستنطاقه وعزله ولوح الحياة والممات وغير ذلك‏.‏

توفي سابع عشرين شعبان سنة 1151‏.‏

وما الإمام العلامة والبحر الفهامة شيخ مشايخ العصر ونادرة الدهر الصالح الزاهد الورع القانع الشيخ مصطفى العزيزي الشافعي ذكره الشيخ محمد الكشناوي في آخر بعض بآليفه بقوله‏:‏ وكان الفراغ من تأليفه في شهر كذا سنة ست وأربعين وذلك في أيام الأستاذ زاهد العصر الفخر الرازي الشيخ مصطفى العزيزي وناهيك بهده الشهادة‏.‏

وسمعت وصفه من لفظ الشيخ الوالد وغيره من مشايخ العصر من أنه كان أزهد أهل زمانه في الورع والتقشف في المأكل والملبس والتواضع وحسن الأخلاق ولا يرى لنفسه مقامًا‏.‏

وكانمعتقدًا عند الخاص والعام وتأتي الأكابر والأعيان لزيارته ويرغبون في مهاداته وبره فلا يقبل من أحد شيئًا كائنًا ما كان مع قلة دنياه لا كثيرًا ولا قليلًا وأثاث بيته على قدر الضرورة والأحتياج‏.‏

وكان يقرأ دروسه بمدرسة السنانية المجاورة لحارة سكنه بخط الصنادقية بحارة الأزهر ويحضر دروسه كبار العلماء والمدرسين ولا يرضى للناس بتقبيل يده ويكره ذلك فإذا تكامل حضور الجماعة وتحلقوا حضر من بيته ودخل إلى محل جلوسه بوسط الحلقة فلا يقوم لدخوله أحد‏.‏

وعندما يجلس يقرأ المقري وإذا تم الدرس قام في الحال وذهب إلى داره وهكذا كان دأبه‏.‏

توفي سنة أربع وخمسين وأقام عثمان بك ذا الفقار وصيًا على أبنته‏.‏ ومات

الإمام العمدة المتقن الشيخ رمضان بن صالح بن عمر بن حجازي السفطي

الخانكي الفلكي الحيسوني أخذ عن رضوان أفندي وعن العلامة الشيخ محمد البرشمسي وشارك الجمال يوسف الكلارجي والشيخ الوالد وحسن أفندي قطة مسكين وغيرهم وأجتهد وحرر وكتب بخطه كثيرًا جدًا وحسب المحكمات وقواعد المقومات على أصول الرصد السمرقندي الجديد وسهل طرقها بأدق ما يكون وإذا نسخ شيئًا من تحريراته رقم منها عدة نسخ في دفعة واحدة فيكتب من كل نسخة صفحة بحيث يكمل الأربع نسخ أو الخمسة على ذلك النسق فيتم الجميع في دفعة واحدة‏.‏

وكان شديد الحرص على تصحيح الأرقام وحل المحلولات الخمسة ودقائقها إلى الخوامس والسوادس وكتب منها عدة نسخ بخطه وهو شيء يعسر نقله فضلًا عن حسابه وتحريره‏.‏

ومن تصانيفه نزهة النفس بتقويم الشمس بالمركز والوسط فقط والعلامة بأقرب طريق وأسهل ما أخذ وأحسن وجه مع الدقة والأمن من الخطأ وحرر طريقة أخرة على طريق الدر اليتيم يدخل إليها بفاضل الأيام تحت دقائق الخاصة ويخرج منها المقوم بغاية التدقيق لمرتبة الثوالث في صفحات كبيرة متسعة في قالب الكامل‏.‏

وأختصرها الشيخ الوالد في قالب النصف ويحتاج إليها في عمل الكسوفات والخسوفات والأعمال الدقيقة يومًا يومًا‏.‏

ومن تآليفه‏:‏ كفاية الطالب لعلم الوقت وبغية الراغب في معرفة الدائر وفضله والسمت والكلام المعروف في أعمال الكسوف والخسوف والدرجات الوريفة في تحرير قسي العصر الأول وعصر أبي حنيفة وبغية الوطر في المباشرة بالقمر ورسالة عظيمة في حركات أفلاك السيارة وهيآتها وحركاتها وتركيب جداولها على التاريخ العربي على أصول الرصد الجديد وكشف الغياهب عن مشكلات أعمال الكواكب ومطالع البدور في الضرب والقسمة والجذور وحرك ثلثمائة وستة وثلاثين كوكبًا من الكواكب الثابتة المرصودة بالرصد الجديد بالأطوال والأبعاد ومطالع الممر ودرجاته لأول سنة 1139 والقول المحكم في معرفة كسوف النير الأعظم ورشف الزلال في معرفة أستخراج قوس مكث الهلال بطريفي الحساب والجدول‏.‏

وأما كتاباته وحسابياته في أصول الظلال وأستخراج السموت والدساتير فشيء لا ينحصر ولا يمكن ضبطه لكثرته وكان له بالوالد وصلة شديدة وصحبة أكيدة ولماحانت وفاته أقامه وصيًا على مخلفاته وكان يستعمل البرشعثا ويطبخ منه في كل سنة قزانا كبيرًا ثم يملأمنه قدورًا ديدفنها في الشعير ستة أشهر ثم يستعمله بعد ذلك ويكون قد حان فراغ الطبخة الأولى وكان يأتيه من بلده الخانكة جميع لوازمه وذخيرة داره من دقيق وسمن وعسل وجبن وغير ذلك ولا يدخل لداره قمح إلا لمؤنة الفراخ وعلفهم فقط وإذا حضر عنده ضيوف وحان وقت الطعام قدم لكل فرد من الخاضرين دجاجة على حدته‏.‏

ولم يزل حتى توفي ثاني عشر جمادى الأولى سنة 1158 يوم الجمعة ودفن بجوار تربة الشيخ البحيري كاتب القسمة العسكرية بجوار حوش العلامة الخطيب الشربيني‏.‏

ومات قاضي قضاة مصر صالح أفندي القسطموني‏.‏

كان عالمًا بالأصول والفروع صوفي المشرب في التورع ولي قضاء مصر سنة 1154 وبها مات سنة 1155 ودفن عند المشهد الحسيني‏.‏

ومات السيد زين العابدين المنوفي المكي أحد السادة المشهورين بالعلم والفضل توفي سنة 151‏.‏

ومات السيد الشربف حمود بن عبد الله ابن عمرو النموي الحسيني المكي أحد أشراف آل نمي كان صاحب صدارة ودولة وأخلاق رضية ومحاسن مرضية حسن المذاكرة والمطارحة لطيف المحاضرة والمحاورة‏.‏

توفي أيضًا سنة 1151‏.‏

ومات الأجل الفاضل المحقق أحمد أفندي الواعظ الشريف التركي كان من أكابر العلماء أمارا بالمعروف ولا يخالف في الله لومه لائم وكان يقرأ الكتب الكبار ويباحث العلماء على طريق النظار ويعظ العامة بجامع المرداني فكانت الناس تزدحم عليه لعذوبة لفظه وحسن بيانه وربما حضره بعض الأعيان من أمراء مصر فيسبهم جهرًا ويشير إلى مثالهم وربما منقوا منه وسلطوا عليه جماعة من الأتراك ليقتلوه فيخرج عليهم وحده فيغشى الله على أبصارهم‏.‏

مات في حادي عشري الحجة سنة 1161‏.‏

ومات القطب الكامل السيد عبد الله بن جعفر بن علوي مدهر باعلوى نزيل مكة ولد بالشحر وبها نشأ ودخل الحرمين وتوجه إلى الهندي ومكث في دهلي مدة تقرب من عشرين عامًا ثم عاد إلى الحرمين وأخذ عن والده وأخيه العلامة علوي ومحمد بن أحمد بن علي الستاري وابن عقيلة وآخرين‏.‏

وعنه أخذ الشيخ السيد وشيخ والسيد عبد الرحمن العيدروس‏.‏

وله مؤلفات نفيسة منها‏:‏ كشف أسرار علوم المقربين ولمح النور بباء اسم الله يتم السرور وأشرق النور وسناه من سر معنى الله لا نشهد سواه والأصل أربعة أبيات للقطب الحداد واللآلى الجوهرية على العقائد البنوفرية وشرح ديوان شيخ بن اسمعيل الشحري والنفحة المهداة بأنفاس العيدروس بن عبد الله والايفا بترجمة العيدروس جعفر بن مصطفى ديوان شعر ومراسلات ومات السيد الأجل عبد الله بن مشهور بن علي بن أبي بكر العلوي أحد السادة أصحاب الكرامات والأشراقات كان مشهورًا برؤية الخضر أدركه السيد عبد الرحمن العيدروس وترجمه في ذيل المشرع وأثنى عليه وذكر له بعض كرامات‏.‏

توفي سنة 1144‏.‏

ومات الأستاذ النجيب الماهر المتفنن جمال الدين يوسف بن عبد الله الكلارجي الفلكي تابع حسن أفندي كاتب الروزنامة سابقًا‏.‏

قرأ القرآن وجود الخط وتوجهت همته للعلوم الرياضية كالهيئة والهندسة والحساب والرسم فتقيد بالعلامة الماهر رضوان أفندي وأخذ عنه وأجتهد وتمهر وصار له باع طويل في الحسابيات والرسميات وساعده على إدراك مأموله ثروة مخدومه فاستنبط واخترع ما لم يسبق به وألف كتابًا حافلًا في الظلال ورسم المنحرفات والبسائط والمزاول والأسطحة جمع فيه ما تفرق في غيره من أوضاع المتقدمين بالأشكال الرسمية والبراهين الهندسية والتزم المثال بعد المقال والكف كتابا أيضًا في منازل القمر ومحلها وخواصها وسماها كنز الدرر في أحوال منازل القمر وغير ذلك‏.‏

وأجتمع عنده كتب وآلات نفيسة لم تجتمع عند غيره ومنها نسخة الزيج السمرقندي بخط العجم وغير ذلك‏.‏

توفي سنة 1153‏.‏

ومات الإمام العلامة والعمدة الفهامة مفتي المسلمين الشيخ أحمد بن عمر الأسقاطي الحنفي المكنى بأبي السعود تفقه على الشيخ عبد الحي الشرنبلالي والشيخ علي العقدي الحنفي البصير وحضر عليه المنار وشرحه لابن فرشته وغيره والشيخ أحمد النفراوي المالكي والشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد ابن عبد الرزاق الروحي الدمياطي الشناوي والشيخ أحمد الشهير بالبناء وأحمد بن محمد بن عطية الشرقاوي الشهير بالخليفي والشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الشافعي الشهير بابن الفقيه والشيخ عبد الرؤوف البشبيشي وغيرهم كالشيخ عبد ربه الديوي ومحمد بن صلاح الدين الدنجيهي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح البهوتب ومهر في العلوم وتصدر لالقاء الدروس الفقهية والمعقولية وأفاد وأفتى وألف وأجاد وأنتفع الناس بتآليفه ولم يزل يملي ويفيد حتى توفي سنة 1159‏.‏

ومات الأستاذ الكبير والعلم الشهير صاحب الكرامات الساطعة والأنوار المشرقة اللامعة سيدي عبد الخالق بن وفا قطب زمانه وفريد أوانه وكان على قدم أسلافه وفيه فضيلة وميل للشعر وأمتدحه الشعراء وأجازهم الجوائز السنية وكان يحب سماع الآلات‏.‏

توفي رحمه الله في ثاني عشر ذي الحجة سنة 1161‏.‏

ومات الأستاذ شيخ الطريقة والحقيقة قدوة السالكين ومربي المريدين الإمام المسلك السيد مصطفى بن كمال الدين المذكور في منظومة النسبة لسيدي عبد الغني النابلسي كما ذكره السيد الصديقي في شرحه الكبير على ورده السحري البكري الصديقي الخلوتي نشأ ببيت المقدس على أكرم الأخلاق وأكملها رباه شيخه الشيخ عبد اللطيف الحلبي وغذاه بلبان أهل المعرفة والتحقيق ففاق ذلك الفرع الأصل وظهرت به في أفق الوجود شمس الفضل فبرع فهمًا وعلمًا وأبدع نثرًا نظمًا ورحل إلى جل الأقطار لبلوغ أجل الأوطار كما دأب على ذلك السلف لما فيه من أكتساب المعالي والشرف‏.‏

ولما أرتحل إلى اسلامبول لبس فيها ثياب الخمول ومكث فيها سنة لم يؤذن له بارتحال ولم يدر كيف الحال‏.‏

فلما كان آخر السنة قام ليلة فصلى على عادته من التجهد ثم جلس لقراءة الورد السحري فأحب أن تكون روحانية النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس ثم روحانية خلفائه الأربعة والأئمة الأربعة والأقطاب الأربعة والملائكة الأربعة‏.‏

فبينما هو في أثنائه إذ دخل عليه رجل فشمر عن أذياله كأنه يتخطى أناسا في المجلس حتى انتهى إلى موضع فجلس فيه ثم لما ختم الورد قام ذلك الرجل فسلم عليه ثم قال‏:‏ ماذا صنعت يا مصطفى فقال له‏:‏ ما صنعت شيئًا‏.‏

فقال له‏:‏ ألم ترني أتخطى الناس قال‏:‏ بلى أنما وقع لي أني أحببت أن تكون روحانية من ذكرناهم حاضرة‏.‏

فقال له‏:‏ لم يتخلف أحد مم أردت حضوره وما أتيتك إلا بدعوة والآن أذن لك في الرحيل‏.‏

وحصل الفتح والمدد والرجل المذكور هو الولي الصوفي السيد محمد التافلاتي متى عبر السيد في كتبه بالوالد فهو السيد محمد المذكور وقد منحه علوما جمة‏.‏

ورحل أيضًا إلى جبل لبنان وإلى البصرة وبغداد وما والاهما وحج مرات وتآليفه تقارب المائتين وأحزابه وأوراده أكثر من ستين وأجلها ورده السحري إذ هو باب الفتح وله عليه ثلاثة شروح أكبرها في مجلدين‏.‏

وقد شاد أركان هذه الطريقة وأقام رسومها وأبدى فرائدها وأظهر فوائدها ومنحه الله من خزائن الغيب ما لا يدخل تحت حصر‏.‏

قال الشيخ الحفني أنه جمع مناقب نفسه في مؤلف نحو أربعين كراسًا تسويدًا في الكامل ولم يتم‏.‏

وقد راى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وقال له‏:‏ من أين لك هذا المدد فقال‏:‏ منك يا رسول الله‏.‏

فأشار أن نعم ولقي الخضر عليه السلام ثلاث مرات وعرضت عليه قطبانية المشرق فلم يرضها وكان أكرم من السيل وأمضى في السر من السيف وأوتي مفاتيح العلوم كلها حتى أذعن له أولياء عصره و محققوه في مشارق الأرض ومغاربها وأخذ على رؤساء الجن العهود وعم مدده سائر الورود ومناقبه تجل عن التعداد وفيما أشرنا إليه كفاية لم أراد‏.‏

وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية الأستاذ الحفني وارتحل لزيارته والأخذ عنه إلى الديار الشامية كما سيأتي ذلك في ترجمته وحج سنة إحدى وستين ثم رجع إلى مصر وسكن بدار عند قبة المشهد الحسيني وتوفي بها في ثاني عشر ربيع الثاني 1162 ودفن بالمجاورين ومولده في آخر المائة بعد الألف بدمشق الشام‏.‏

ومات العلامة الثبت المحقق المحرر المدقق الشيخ محمد الدفري الشافعي أخذ العلم عن الأشياخ من الطبقة الأولى وأنتفع به فضلاء كثيرون منهم العلامة الشيخ محمد المصيلحي والشيخ عبد الباسط السنديوني وغيرهما توفي سنة 1161‏.‏

ومات الأجل المكرم عبد الله أفندي الملقب بالانيس أحد المهرة في الخط الضابط كتب على الشاكري وغيره وأشتهر أمره جدًا وكان مختصًا بصحبة مير اللواء عثمان بك ذي الفقار أمير الحج وكتب عليه جماعة ممن رأيناهم ومنهم شيخ الكتبة بمصر اليوم حسن أفندي مولى الوكيل المعروف بالرشدي وقد أجازه في مجلس حافل‏.‏

توفي سنة 1159‏.‏

ومات الإمام الفقيه المحدث شيخ الشيوخ المتقن المتفنن المتجر الشيخ أحمد بن مصطفى بن أحمد الزبيري المالكي الإسكندري نزيل مصر وخاتمة المسندين بها الشهير بالصباغ ذكر في برنامج شيوخه أنه أخذ عن إبراهيم بن عيسى البلقطري وعلي بن فياض والشيخ محمد النشرتي والشيخ محمد الزرقاني وأحمد الغزاوي وإبراهيم الفيومي وسليمان الشبرخيتي ومحمد زيتونة التونسي نزيل الإسكندرية وأبي العز العجمي وأحمد بن الفقيه والكنكسي ويحيى الشاوي وعبد الله البقري وصالح الحنبلي وعبد الوهاب الشنواني وعبد الباقي القليني وعلي الرميلي وأحمد السجيني وإبراهيم الكتبي وأحمد الخليفي ومحمد الصغير والوزراري وعبده الديوي وعبد القادر الواطي وأحمد بن محمد الدرعي‏.‏

ورحل إلى الحرمين فأخذ عن البصري والنخلي والسندي ومحمد أسلم وتاج الدين القلعي والسيد سعد الله‏.‏

وكان المترجم أمامًا علامة سليم الباطن معمور الظاهر قد عم به الأنتفاع‏.‏

روى عنه كثيرون من الشيوخ وكان يذهب في كل سنة إلى تغر الإسكندرية فيقيم بها شعبان ورمضان وشوالًا وثم يرجع إلى مصر يملي ويفيد ويدرس حتى توفي في سنة 1162 ودفن بتربة بستان المجاورين بالصحراء‏.‏

ذكر من مات في هذه السنين من الأمراء المشهورين والأعيان مات الأمير علي بك ذو الفقار وهو مملوك ذي الفقار بك وخشداش عثمان بك ولما دخلوا على أستاذه وقت العشاء وقتلوه كما تقدم كان هو إذ ذاك خازنداره كما تقدم فقال المترجم بأعلى صوته‏:‏ الصنجق طيب هاتوا السلاح فكانت هذه الكلمة سببًا لهزيمة القاسمية وإخمادهم إلى آخر الدهر وعد ذلك من فطانته وثبات جأشه في ذلك الوقت والحالة‏.‏

ثم أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر عنده وجمع إليه محمد بك قطامش وأرباب الحل والعقد وأرسلوا إلى عثمان بك فحضر من التجريدة ورتبوا أمورهم وقتلوا القاسمية الذين وجدوهم في ذلك الوقت‏.‏

ولما وقف العرب بطريق الحجاج في العقبة سنة سبع وأربعين وكان أمير الحاج رضوان بك أرسل إلى محمد بك قطامش فعرفه ذلك فأجتمع الأمراء بالديوان وتشاوروا فيمن يذهب لقتال العرب فقال المترجم أنا أذهب إليهم وأخلص من حقهم وأنقذ الحجاج منهم ولاآخذ من الدولة شيئًا بشرط أن أكون حاكم جرجا عن سنة ثمان وأربعين فأجابوه إلى ذلك وألبسه الباشا قفطانًا وقضى أشغاله في أسرع وقت وخرج في طوائفه ومماليكه وأتباع أستاذه وتوجه إلى العقبة وحارب العرب حتى أنزلهم من الحلزونات وأجلاهم وطلع أمير الحاج بالحجاج وساق هو خلف العرب فقتل منهم مقتلة عظيمة ولحق الحجاج بنخل ودخل صحبتهم‏.‏

ولما دخل توت سافر إلى ولاية جرجا فأقام بها أياما ومات هناك بالطاعون‏.‏

ومات الأمير مصطفى بك بلغيه تابع حسن أغا بلغيه تقلد الإمارة والصنجقية في أيام اسمعيل بك ابن ايواظ سنة 1135 لم يزل أميرًا متكلمًا وصدرًا من صدور أصحاب الأمر والنهي والحل والعقد إلى أن مات بالطاعون على فراشه سنة 1148 ومات أيضًا رضوان أغا الفقاري وهو جرجي الجنس تقلد اغاوية مستحفظان عندما عزل علي أغا المقدم ذكره في أواخر سنة 1118 ثم تقلد كتخدا الجاويشية ثم أغات جملية في سنة 120 وكان من أعيان المتكلمين بمصر وفر من مصر وهرب مع من هرب في الفتنة الكبرى إلى بلاد الروم ثم رجع إلى مصر سنة خمس وثلاثين باتفاق من أهل مصر بعدما بيعت بلاده وماتت عياله ومات له ولدان‏.‏

فمكث بمصر خاملًا إلى سنة ست وثلاثين ثم قلده اسمعيل بك بن أيواظ آغاوية الجملية فاستقر بها نحو خمسين يومًا‏.‏

ولما قتل اسمعيل بك في تلك السنة نفي المترجم إلى أبي قير خوفًا من حصول الفتن فأقام هناك ثم رجع إلى مصر وأستمر بها إلى أن مات في الفصل سنة 1148‏.‏

ومات كل من اسمعيل بك قيطاس وأحمد بك اشراق ذي الفقار بك الكبير وحسن بك وحسين بك كتخدا الدمياطي واسمعيل كتخدا تابع مراد كتخدا وخليل جاويش قباجيه وأفندي كبير عزبان وحسن جاويش بيت مال العزب وأفندي صغير مستحفظان وأحمد أوده باشا المطرباز ومحمد أغا ابن تصلق أغات مستحفظان وحسن جلبي بن حسن جاويش خشداش عثمان كتخدا القازدغلي وغير ذلك مات الجميع في الفصل سنة ثمان وأربعين‏.‏

ومات أحمد كتخدا الخربطلي وهو الذي عمر الجامع المعروف بالفاكهاني الذي بخط العقادين الرومي بعطفة خوش وقدم وصرف عليه من ماله مائة كيس وأصله من بناء الفائز بالله الفاطمي وكان أتمامه في حادي عشر شوال سنة 1148 وكان المباشر على عمارته عثمان جلبي شيخ طائفة العقادين الرومي وجعل مملوكه علي ناظرا عليه ووصيًا على تركته‏.‏

ومات المترجم في واقعة بيت محمد بك الدفتر دار سنة 1149 مع من مات كما تقد الألماع بذكر ذلك في ولاية باكير باشا‏.‏

ومات الأمير عثمان كتخدا القازدغلي تابع حسن جاويش القازدغلي والد عبد الرحمن كتخدا صاحب العماير‏.‏

تنقل في مناصب الوجاقات في أيام سيده وبعدها إلى أن تقلد الكتخدائية ببابه وصار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة وأشتهر ذكره ونما صيته وخصوصًا لما تغلبت الدول وطهرت الفقارية‏.‏

ولما وقع الفصل في سنة ثمان وأربعين ومات الكثير من أعيان مصر وأمرائها غنم أموالا كثيرة من المصالحات والتركات وعمر الجامع المعروف بالأزبكية بالقرب من رصيف الخشاب في سنة سبع وأربعين وحصلت الصلاة فيه ووقع به ازدحام عظيم حتى أن عثمان بك ذا الفقار حضر للصلاة في ذلك اليوم متأخرًا فلم يجد له محلًا فيه فرجع وصلى بجامع أزبك‏.‏

وملأوا المزملة بشربات السكر وشرب منه عامة الناس وطافوا بالقلل لشرب من بالمسجد من الأعيان وعمل سماطًا عظيمًا في بيت كتخداه سليمان كاشف برصيف الخشاب وخلع في ذلك اليوم على حسن أفندي ابن البواب الخطيب والشيخ عمر الطهلاوي المدرس وأرباب الوظائف خلعا وفرق على الفقراء دراهم كثيرة وشرع في بناء الحمام بجواره بعد تمام الجامع والسبيل والكتاب وبنى زاوية العميان بالأزهر ورحبة رواق الأتراك والرواق أيضًا ورواق السليمانية ورتب لهم مرتبات من وقفه وجعل مملوكه سليمان الجوخدار ناظرًا ووصيًا وألبسه الضلمة‏.‏

ولم يزل عثمان كتخدا أميرًا ومتكلمًا بمصر وافر الحرمة مسموع الكلمة حتى قتل مع من قتل ببيت محمد بك الدفتر دار مع أن الجمعية كانت باطلاعه ورأيه ولم يكن مقصودًا بالذات في القتل‏.‏

ومات الأمير الكبير محمد بك قيطاس المعروف بقطامش وهو مملوك قيطاس بك جرجي الجنس وقيطاس بك مملوك إبراهيم بك ابن ذي الفقار بك تابع حسن بك الفقاري تولى الإمارة والصنجقية في حياة أستاذه وتقلد إمارة الحج سنة خمس وعشرين وطلع بالحج مرتين وتقلد أيضًا إمارة الحج سنة 1146 و 1148 لما قتل عابدي باشا أستاذه بقراميدان سنة 1126 كما تقدم ذكر ذلك عصى المترجم وكرنك في بيته هو وعثمان بك بارم ذيله وطلب بثار أستاذه ولم يتم له أمر وهرب إلى بلاد الروم فأقام هناك إلى أن ظهر ذو الفقار في سنة ثمان وثلاثين وخرج جركس هاربًا من مصر فأرسل عند ذلك أهل مصر يستدعون المترجم ويطلبون من الدولة حضوره إلى مصر فأحضروه وأرسلوا إلى مصر وأنعموا عليه بالدفتر دارية‏.‏

ولما وصل إلى مصر لم يتمكن منها حتى قتل علي بك الهندي فعند ذلك تقلد الدفتر دارية وظهر أمره ونما ذكره وقلد مملوكه علي صنجقًا وكذلك اشراقه إبراهيم بك‏.‏

ولما عزل باكير باشا تقلد المترجم قائمقامية وذلك سنة ثلاث وأربعين‏.‏

وبعد قتل ذي الفقار بك صار المترجم أعظم الأمراء المصرية وبيده النقض والأبرام والحل والعقد وصناجقه علي بك ويوسف بك وصالح بك وإبراهيم بك ولم يزل أميرًا مسموع الكلمة وافر الحرمة حتى قتل في واقعة بيت الدفتر دار كما تقد وقتل معه أيضًا من أمرائه علي بك وصالح بك‏.‏

ومات معهم أيضا يوسف كتخدا البركاوي وكان أصله جربجيا بباب العزب وطلع سردار بيرق في سفر الروم ثم رجع إلى مصر فأقام خاملًا قليل الحظ من المال والجاه فلما حصلت الواقعة التي ظهر فيها ذو الفقار وأجتمع محمد باشا وعلي باشا والأمراء وحصرهم محمد بك جركس من جهات الرميلة من ناحية مصلى المؤمنين والحصرية وتلك النواحي وتابعوا رمي الرصاص على من بالمحمودية وباب العزب والسلطان حسن بحيث منعوهم المرور والخروج والدخول وضاق الحال عليهم بسبب ذلك فعندها تسلق المترجم وخاطر بنفسه ونط من باب العزب إلى المحمودية والرصاص نازل من كل ناحية وطلع عند الباشا والأمراء وطلب فرمانا خطا بالكتخدا العزب بأنه يفرد قايبر بمائة نفر وأوده باشه ويكون هو سر عسكر ويطرد الذين في سبيل المؤمنين وهو يملك بيت قاسم بك ويفتح الطريق فأعطوه ذلك وفعل ما تقدم ذكره وملك بيت قاسم بك وجرى بعد ذلك ما جرى‏.‏

ولما انجلت القضية جعلوه كتخدا باب العزب وظهر شأنه من ذلك الوقت وأشتهر ذكره وعظم صيته‏.‏

وكان كريم النفس ليس للدنيا عنده قيمة ولم يزل حتى قتل في واقعة بيت الدفتر دار‏.‏

ومات الأمير قيطاس بك الأعور وهو مملوك قيطاس بك الفقاري المتقدم ذكره تقلد الإمارة في أيام أستاذه كان المترجم مسافرًا بالخزينة ونازلًا بوطاقه بالعادلية وكان خشداشة محمد بك قطامش نازلًا بسبيل علام فلما بلغه قتل أستاذه ركب هو وعثمان بك بارم ذيله وأتيا إليه وطلباه للقيام معهما في طلب ثار أستاذهم فلم يطاوعهما على ذلك وقال‏:‏ أنا معي خزينة السلطان وهي في ضماني فلا أدعها وأذهب معكما في الأمر الفارغ وفيكم البركة‏.‏

وذهب محمد بك وفعل ما فعله من الكرنكة في داره ولم يتم له أمر وخرج بعد ذلك هاربًا من مصر ولحق بقيطاس بك المذكور وسافر معه إلى الديار الرومية وأستمر هناك إلى أن رجع كما ذكر وعاد المترجم سنة اثنتين وأربعين وتوفي بمنى ودفن هناك‏.‏

ومات الأمير علي كتخدا الجلفي تابع حسن كتخدا الجلفي المتوفى سنة 1124‏.‏

تنقل في الإمارة بباب عزبان بعد سيده وتقلد الكتخدائية وصار من أعيان الأمراء بمصر وأرباب الحل والعقد ولما أنقضت الفتنة الكبيرة وطلع اسمعيل بك بن ايواظ إلى باب العزب وقتل عمر أغا أستاذ ذي الفقار بك وأمر بقتل خازنداره ذي الفقار المذكور أستجار بالمترجم وكان بلديه وكان إذ ذاك خازندار عند سيده حسن كتخدا فأجاره وأخذه في صدره وخلص له حصة قمن العروس كما تقدم فلم يزل يراعي له ذلك حتى أن يوسف كتخدا البركاوي أنحرف منه في أيام إمارة ذي الفقار وأراد غدره وأسر بذلك إلى ذي الفقار بك فقال له‏:‏ كل شيئ أطاوعك فيه إلا الغدر بعلي كتخدا فإنه كان السبب في حياتي وله في عنقي ما لا أنساه من المنن والمعروف وضمانة علي في كل شيء‏.‏

وقلده الكتخدائية وسبب تلقبهم بهذا اللقب هو أن محمد أغا مملوك بشير أغا القزلار أستاذ حسن كتخدا كان يجتمع به رجل يسنمى منصور الزتاحرجي السنجلفي من قرية من قرى مصر تسمى سنجلف وكان متمولًا وله ابنة تسمى خديجة فخطبها محمد أغا لمملوكه حسن أغا أستاذ المترجم وزوجها له وهي خديجة المعروفة بالست الجلفية‏.‏

وسبب قتل المترجم ماذكر في ولاية سليمان باشا بن العظم لما أراد أيقاع الفتنة وأتفق مع عمر بك ابن علي بك قطامش على قتل عثمان بك ذي الفقار وإبراهيم بك قطامش وعبد الله كتخدا القازدغلي والمترجم وهم المشار إليهم إذ ذاك في رياسة مصر‏.‏

وأتفق عمر بك مع خليل بك وأحمد كتخدا عزبان البركاوي وإبراهيم جاويش القازدغلي وتكفل كل منهم بقتل أحد المذكورين فكان أحمد كتخدا ممن تكفل بقتل المترجم فأحضر شخصًا يقال له لاظ إبراهيم من أتباع يوسف كتخدا الركاوي وإغراه بذلك فانتخب له جماعة من جنسه ووقف بهم في قبو السلطان حسن تجاه بيت آقبردي ففعل ذلك ووقف مع من أختارهم بالمكان المذكور ينتظر مرور علي كتخدا وهو طالع إلى الديوان وأرسل إبراهيم جاويش إنسانًا من طرفه سرًا يقول لا تركب في هذا اليوم صحبة أحمد كتخدا فإنه عازم على قتلك‏.‏

وبعد ساعة حضر إليه أحمد كتخدا فقام وتوضأ وقال لكاتبه التركي‏:‏ خذ من الخازندار الفلاني ألف محبوب ندفعها فيما علينا من مال الصرة‏.‏

فأخذ الكاتب في كيس وسبقه إلى الباب وركب مع أحمد كتخدا وإبراهيم جاويش وخلفهم حسنكتخدا الرزاز وأتباعهم فلما وصلوا إلى المكان المعهود خرج لاظ إبراهيم وتقدم إلى المترجم كأنه يقبل يده فقبض علي يده وضربه بالطبنجة في صدره فسقط إلى الـأرض وأطلـق باقـي الجماعـة مـا معهـم مـن آلـات النـار‏.‏

وعبقـت الدخنـة فرمـح ابن أمين البحرين وذهـب إلـى بيتـه وطلـع أحمـد كتخـدا وصحبتـه حسـن كتخدا الرزاز إلى الباب‏.‏

ولما سقط على كتخـدا سحبـوه إلـى الخربـة وفيه الروح فقطعوا رأسه ووضعوها تحت مسطبة البوابة في الخرابة وطلعوا إلى الباب وعندما طلع أحمد كتخدا واستقر بالباب أخذ الألف محبوب من الكاتب وطرده وأقترض من حسن كتخدا المشهدي ألف محبوب أيضًا وفرق ذلك على من الباب من أوده باشية والنفر‏.‏

ومن مآثر علي كتخدا المترجـم القصـر الكبيـر الـذي بناحيـة الشيـخ قمـر المعـروف بقصـر الجلفـي وكـان في السابق قصرًا صغيرًا يعرف بقصر القبرصلي وأنشأ أيضًا القصر الكبير بالجزيرة المعروفة بالفرشة تجاه رشيد الذي هدمه الأمير صالح الموجود الآن زوج الست عائشة الجلفية في سنة 1202 وباع أنقاضه وله غير ذلك مآثر كثيرة وخبرات رحمه الله‏.‏

ومات أحمد كتخدا المذكور قاتل علي كتخدا المذكور ويعرف بالبركاوي لأنه اشراق يوسف كتخدا البركاوي‏.‏

وخبر قتله أنه لما تم ما ذكر ونزول أحمد كتخدا من باب العزب بتمويهات حسيـن بـك الخشـاب وملكـه أتبـاع عثمـان بـك ندم على تفريطه ونزوله وعثمان بك يقول‏:‏ لابد من قتل قاتل صاحبي ورفيق سيدي قبل طلوعي إلى الحج وإلا أرسلت خلافي وأقمت بمصر وخلصت ثار المرحوم‏.‏

وأرسل إلى جميع الأعيان والرؤساء بأنهم لا يقبلوه وطاف هو عليهم بطول الليل فلم يقبله منهم أحد فضاقت الدنيا في وجهه وتوفي في تلك الليلة محمد كتخدا الطويل فاجتمع الاختيارية والأعيان ببيته لحضور مشهده فدخل عليهم أحمد كتخدا في بيت المتوفـى وقـال‏:‏ أنـا في عرض هذا الميت‏.‏

فقال له‏:‏ أطلع إلى المقعد وأجلس به حتى نرجع من الجنازة‏.‏

فطلع إلى المقعد كما أشاروا إليه وجلس لاظ إبراهيم بالحوش وصحبته اثنان من السراجين فلما خرجوا بالجنازة إغلقوا عليهم الباب من خارج وتركوا معهم جماعة حرسجية وأقامـوا مماليـك أحمد كتخدا في بيته يضربون بالرصاص على المارين حتى قطعوا الطريق وقتلوا رجلًا مغربيًا وفراشًا وحمارًا‏.‏

فأرسل عثمان بك إلى رضـوان بـك كتخـدا يأمـره بإرسـال جاويـش ونفـر وقابجيـة بطلـب محمـد كتخـدا مـن بيتـه ففعل ذلك فلما وصلوا إلى هناك ويقدمهم أبو مناخير فضة وجدوا رمي الرصاص فرجعوا ودخلوا من درب المغربلين وأرادوا ثقب البيت من خلفه فأخبرهم بعض الناس وقال بهم الذي مرادكم فيه دخل بيت الطويل فأتوا إلى البـاب فوجـدوه مغلقـًا من خارج فطلبوا حطبًا وأرادوا أن يحرقوا الباب فخاف الذين أبقوهم في البيت من النهب فقتلوا لاظ ابراهيم ومن معه وطلعوا إلى أحمد كتخدا فقتلوه أيضًا وألقوه من الشباك المطل على حوض الداودية فقطعوا رأسه وأخذوها إلى رضوان كتخدا فأعطاهم البقاشيش وقطـع رجـل ذراعـه وذهـب بهـا إلـى السـت الجلفيـة وأخـذ منها بقشيشًا أيضًا‏.‏

ورجع من كان في الجنـازة وفتحـوا البـاب وأخرجـوا لـاظ إبراهيـم ميتـًا ومن معه وقطعوه قطعًا‏.‏

واستمر حمد كتخدا مرميًا من غير رأس ولا ذراع حتى دفنوه بعد الغروب ثم دفنوا معه الرأس والذراع‏.‏

ومات الأمير سليمان جاويش تابع عثمان كتخدا القازدغلي الذي جعله ناظرًا وصيـًا وكـان جوخداره ولما قتل سيده استولى على تركته وبلاده ثم تزوج بمحظية أستاذه الست شويكار الشهيرة الذكر ولم يعط الوارث الذي هو عبد الرحمن بن حسن جاويش أستاذ عثمان كتخدا سـوى فائـظ أربعـة أكيـاس لا غيـر‏.‏

وتواقـع غبـد الرحمن جاويش على اختيارية الباب فلم يساعده أحد فحنـق منهـم واتسلـخ مـن بابهـم وذهـب إلـى بـاب العـزب وحلـف أنـه لا يرجـع إلـى بـاب الينكجريـة مـادام سليمـان جاويـش حيـًا‏.‏

وكـان المترجـم صحبـة أستـاذه وقـت المقتلـة ببيـت الدفتردار فانزعجوداخله الضعف ومرض القصبة ثم انفصـل مـن الجاويشيـة وعمـل سـردار قطـار سنـة إحـدى وخمسيـن وركـب في الموكب وهو مريض وطلع إلى البركة في تختروان وصحبته الطبيب فتوفـي بالبركـة وأميـر الحـاج إذ ذاك عثمـان بك ذو الفقار وكان هناك سليمان آغا كتخدا لجاويشية وهو زوج أم عبد الرحمن جاويش فعرف الصنجق بموت سليمان جاويش ووارثه عبد الرحمن جاويـش واستأذنـه فـي إحضـاره وأن يتقلـد منصبه عوضه فأرسلوا إليه وأحضروه ليلًا وخلع عليه عثمان بك قفطان السردارية وأخذ عرضه من باب العزب وطيب سليمان آغا خاطر الباشا بحلوان وكتب البلاد باسم عبد الرحمن جاويش وأتباعه وتسلم مفاتيح الخشاخين والصناديق والدفاتر من الكاتب وجاز شيئًا كثيرًا وبرفي قسمه ويمينه‏.‏ ومات

 

الأميـر محمـد بـك إسماعيل بـك الدفتـردار

وقتل الأمراء المتقدم ذكرهم في بيته ووالدته بنت حسـن آغـا بلغيـه‏.‏

وخبـر موته أنه لما حصل ما حصل وانقلب التخت عليهم اختفى المترجم في مكان لم يشعر به أحد فمرضت والدته مرض الموت فلهجت بذكر ولدها فذهبوا إليه وقنعوه وأتوا به إليها من المكان المختفي فيه بزي النساء فنظرت إليه وتأوهت وماتت ورجع إلى مكانه‏.‏

وكانت عندهم امرأة بلانة فشاهدت ذلك وعرفت مكانه فذهبت إلى آغا الينكجرية وأخبرتـه بذلـك فركـب إلى المكان الذي هو فيه في التبديل وكبسوا البيت وقبضوا عليه وركبوه حمـارًا وطلعـوا بـه إلـى القلعـة فرمـوا عنقـه وكانـوا نهبـوا بيتـه قبـل ذلـك فـي أثـر الحادثـة وكـان موتـه أواخـر ومات عثمان كاشف ورضوان بك أمير الحاج سابقًا ومملوكه سليمان بك فإنهم بعد الحادثة وقتـل الأمـراء المذكوريـن وانعكـاس أمـر المذكوريـن اختفوا بخان النحاس في خان الخليلي وصحبتهم صالح كاشف زوج بنت إيواظ الذي هو السبب في ذلك فاستمروا في أخفائهم مدة ثم أنهم دبـروا بينهـم رأيـًا فـي ظهورهـم واتفقـوا علـى إرسـال عثمـان كاشف إلى إبراهيم جاويش قازدغلي فغطى رأسه بعد المغرب ودخل إلى بيت إبراهيم جاويش فلما رآه رحب به وسألـه عـن مكانهم فأخبره أنه بخان النحاس وهم فلان وفلان يدعـون لكـم ويعرفـون همتكـم وقصدهـم الظهـور علـى أي وجـه كـان‏.‏

فقال له نعم ما فعلتم وآنسه بالكلام إلى بعد العشاء عندما أراد أن يقوم قال له اصبر وقام كأنه يزيل ضرورة‏.‏

فأرسل سراجًا إلى محمد جاويش الطويل يخبره عن عثمـان كاشـف بأنـه عنـده فأرسـل إليـه طائفـة وسراجيـن وقفـوا لـه في الطريق وقتلوه‏.‏

ووصل الخبر إلـى ولـده ببيـت أبـي الشـوراب فحضر إليه وواراه وأخذ ولده المذكور إبراهيم جاويش وطلع في صبحهـا إلـى البـاب فأخبـر أغـات مستحفظـان فنـزل وكبـس خان النحاس وقبض على رضوان بك وصحبتـه ثلاثـة فأحضرهـم إلـى الباشـا فقطـع رؤوسهـم‏.‏

وأما صالح كاشف فإنه قام وقت الفجر فدخـل الحمـام فسمـع بالحمـام قتـل عثمـان كاشـف فـي حوض الداودية فطلع من الحمام وهو مغطى الرأس وتأخر في رجوعه إلى خان الخليلي‏.‏

ثم سمع بما وقع لرضوان بك ومن معه فضاقت الدنيافـي وجهـه فذهـب إلـى بيته وعبأ خرج حوايج وما يحتاج إليه وحمل هجينا وأخذ صحبته خدامًا ومملوكًا راكبًا حصانًا وركب وسار من حارة السقايين على طريق بولاق على الشرقية وكلمـا أمسـى عليـه الليـل يبيـت فـي بلـد حتـى وصـل عربـان غـزة‏.‏

ثم ذهب في طلوع الصيف إلى اسلامبول ونـزل فـي مكـان‏.‏

ثـم ذهـب عنـد دار السعـادة وكـان أصلـه مـن أبتـاع والـد محمـد بـك الدفتـر دار فعرفـه عـن نفسـه فقـال لـه‏:‏ أنـت السبـب فـي خـراب بيت ابن سيدي واستأذن في قتله فقتلوه بيـن الأبـواب فـي المحل الذي قتل فيه الصيفي سراج جركس فكان تحرك هؤلاء الجماعة وطلبهم الظهور من الأختفاء كالباحث على حتفه بظلفه‏.‏

ومات الأمير خليل بك فطامش أمير الحاج سابقًا تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وأربعين وطلع بالحج أميرًا سنة ثمان وخمسين و لم يحصل في أمارته على الحجاج راحة وكذلك على غيرهم‏.‏

وكان أتباعه يأخذون التبن من بولاق ومن المراكب إلى المناخ من غير ثمن ومنع عوائد العـرب وصـادر التجـار فـي أموالهـم بطريـق الحـج‏.‏

وكانـت أولاد خزنته ومماليكه أكثرهم عبيد سود يقفـون فـي حلزونـات العقبـة ويطلبـون مـن الحجـاج دراهـم مثـل الشحاتيـن‏.‏

وكـان الأمير عثمان بك ذو الفقـار يكرهـه ولا تعجبـه أحوالـه ولمـا وقـع للحجـاج ما وقع في أمارته ووصلت الأخبار إلى مولاي عبـد اللـه صاحـب المغـرب وتأخـر بسبـب ذلـك الراكب عن الحج في السنة الأخرى أرسل مكتوبًا إلـى علمـاء مصـر وأكابرهـن ينقـم عليهـم فـي ذلك ويقول فيه‏:‏ وإن مما شاع بمغربنا والعياذ بالله وذاع وانصدعت منه صدور أهل الدين والسنة أي انصداع وضاقت من أجله الأرض على الخلائق وتحمـل مـن فيـه أيمـان لذلـك ما ليس بطائق من تعدى أمير حجكم على عباد الله وإظهار جرأته علـى زوار رسـول اللـه فقـد نهـب المـال وقتـل الرجـال وبـذل المجهـود في تعديه الحدود وبلغ في خبثه الغاية وجاوز في ظلمه الحد و النهاية فيالها من مصيبة ما أعظمها ومـن داهيـة دهمـاء مـا أجسمهـا فكيـف يـا أمـة محمـد صلى الله عليه وسلم يهان أو يضام حجاج بيت الله الحرام وزائرو نبينا عليه الصلاة والسلام وبسببها تأخر الركب هذه السنة لهنالك وأفصحت لنا علماء الغرب بسقوطه لما ثبت عندهم ذلك فيا للعجب كيف بعلماء مصر ومن بها من أعيانها لا يقومون بتغييـر هـذا المنكـر الفادح بشيوخها وشبانها‏.‏

فهي والله معرة تلحقهم من الخاص والعام إلى آخر ما قال فلما وصل الجوار وأطلع عليه الوزير محمد باشا راغب أجاب عنه بأحسن جواب وأبدع فيما أودع من درر وغرر تسلب عقول أولي الألباب يقول فيه بعد صدر السلام وسجع الكلام‏:‏ ينهي بعد أبلاغ دعاء نبع من عين المحبة وسما وملأ بساط أرض الود وطما أن كتابكم الذي خصصتم الخطاب به إلى ذوي الأفاضة الجلية النقية سلالة الطاهرة الفاخـرة الصديقيـة أخواننا مشايخ السلسلة البكرية تشفت أنظارنا بمطالعة معانيـه الفائقـة والتقطـت أنامـل أذهاننـا درر مضامينـه الكافيـة الرائقـة التـي أدرجتم فيها ما أرتكبه أمير الحاج السابق في الديار المصرية فـي مـق قصـاد بيـت اللـه الحـرام وزوار روضـة النبـي الهاشمـي عليـه أفضل الصلاة والسلام‏.‏

فكل ما حررتموه صدر من الشقي المذكور بل أكثر مما تحويه بطون السطور لكن الزارع لا يحصد إلا مـن جنـس زرعـه فـي حـزن الـأرض وسهلـه ولا يحيـق المكر السيء إلا بأهله لأن الشقي المذكور لما تجاسر إلى بعض المنكرات في السنة الأولى حملناه إلى جهالته وأكتفينا بتهديدات تلين عروق رعونتـه وتكشـف عيـون هدايتـه فلـم تفـد في السنة الثانية إلا الزيادة في العتو والفساد ومن يضلل اللـه فمـا لـه مـن هاد‏.‏

ولما تيقنا أن التهديد بغير الأيقاع كالضرب في الحديد البارد أو كالسباخ لا يرويها جريان الماء الوارد هممنا باسقائه من حميم جراء أفعاله لآن كل أحد من الناس مجزى بأعماله فوفقني الله تعالى لقتل الشقي المذكور مع ثلاثة من رفقائه العاضدين له في الشرور وطردنـا بقيتهـم بأنـواع الخـزي إلـى الصحـاري فهم بحول الله كالحيتان في البراري وولينا إمارة الحج من الأمراء المصريين من وصف بين أقرانه بالأنصاف والديانة وشهد له بمزيد الحماية والصيانة‏.‏

والحمد لله حق حمده رفعت البلية من رقاب المسلمين خصوصًا من جماعة ركبوا غـارب الأغتراب بقصد زيارة البلد الأمين‏.‏

فإن كان العائق من توجه الركب المغربي تسلط الغادر السالف فقـد أنقضـى أوان غـدره علـى ماشرحنـاه وصـار كرمـاد أشتـدت بـه الريـح فـي يـوم عاصف والحمد لله معى ما منحنا من نصرة المضلومين وأقدرنا على رغـم أنـوف الظالميـن وصلـى اللـه علـى سيدنـا محمـد خاتم النبيين والمرسلين والحمد لله رب العالمين تحريرًا في سادس عشر المحرم أفتتاح سنة 1161‏.‏

وأجاب أيضًا الأشياخ بجواب بليغ مطول أعرضت عن ذكره لطوله ومات خليل بك المذكور قتيلًا في ولاية راغب باشا سنة 1160 قتله عثمان أغا أبو يوسف القلعة وقتل معه أيضًا عمر بك بلاط وعلي بك الدمياطي ومحمد بك قطامش الذي كـان تولـى الصنجقيـة وسافـر باخزينـة سنـة سبـع وخمسيـن عوضـًا عـن عمـر بـك ابـن علـي بك ونزلت البيـارق والعسكـر والمدافـع لمحاربـة إبراهيـم بـك وعمـر بـك وسليمـان بـك القطامشة فخرجوا بمتاعهم وعازقهم وهجنهم من مصر إلى قبلي ونهبوا بيوت المقتولين والفارين وتعض من هم من عصبتهم‏.‏

ومـات محمـد بـك المعروف باباظة وذلك أنه لما حصلت واقعة حسين بك الخشاب وخروجه من مصـر كمـا تقـدم فـي ولايـة محمـد باشـا راغـب حضـر محمـد بـك المذكـور إلـى مصـر وصحبته شخص آخـر فدخـلا خفيـة استقرا بمنزل بعض الاختيارية من وجاق الجاويشية فوصل خبره إلى إبراهيم جاويش فأرسل إليه أغات الينكجرية فرمى عليـه بالرصـاص وحاربـه‏.‏

وحضـر أيضـًا بعـض الأمـراء الصناجـق فلـم يـزل يحاربهـم حتـى فـرغ مـا عنـده مـن البـارود فقبضـوا عليـه وقتلـوه في الداودية ورموا رقبة بباب زويلة‏.‏

ومـا الأجـل الأمثـل المبجـل الخواجـا الحـاج قاسـم بـن الخواجا المرحوم الحاج محمد الدادة الشرايبي من بيت المجد والسيـادة والإمـارة والتجـارة وسبـب موتـه أنـه نزلـت بانثييـه نازلـة فأشـاروا عليـه بفصدهـا وأحضـروا لـه حجامـًا ففصـده فيهـا بمنزلـه الـذي خلف جامع الغورية‏.‏

ثم ركب إلى منزله بالازبكية فبات به تلك الليلة‏.‏

وحضر له المزين في ثاني يوم ليغير له الفتيلة فوجد الفصدلم يصـادف المحـل فضربـه بالريشـة ثانيـا فأصابـت فـرخ الأنثييـن ونزل منه دم كثير‏.‏

فقال له‏:‏ قتلتني أنج بنفسك‏.‏

وتوفي فـي تلـك الليلـة وهـي ليلـة السبـت ثانـي عشـر ربيـع الآخـرة سنـة 1147 فقبضـوا علـى ذلـك المزيـن وأحضروه إلى أخيه سيدي أحمد فأمرهم باطلاقه فأطلقوه وجهزوا المتوفى وخرجوا بجنازته من بيته بالازبكية في مشهد عظيم حضره العلماء وأرباب السجاجيد والصناجـق والأغوات والاختيارية والكواخي حتى عثمان كتخدا القازدغلي لم يزل ماشيًا إمام نعشه من البيت إلى المدفن بالمجاورين‏.‏

ومـات الأميـر حسـن بـك المعـروف بالوالـي الـذي سافـر بالخزينـة إلـى الديـار الروميـة فتوفـي بعـد وصوله إلـى اسلامبـول وتسليمـه الخزينـة بثلاثـة أيـام ودفـن باسكدار وألبسوا حسن مملوكه أمارته وذلك في أوائل جمادى الأولي سنة 1148‏.‏

ومـات الوزيـر المكـرم عبـد اللـه باشـا الكبورلـي الـذي كـان واليـًا فـي مصر في سنة 1143 وقد تقدم أنه من أرباب الفضائل وله ديوان وتحقيقات وكان له معرفة بالفنون والأدبيـات والقـراءات تـلا القرآن على الشهاب الأسقاطي وأجازه وعلى محمد بن يوسف شيخ القراء بدار السلطنة‏.‏

الأمير عثمان بك ذو الفقار وهو وأن لم يمت لكنه خرج من مصر ولم يعد إليها إلى أن مات بالروم وأنقطع أمره من مصر فكأنـه صار في حكم من مات‏.‏

وليس هو ممن يهمل ذكره أو يذكر في غير موضعه لأنه عاش بعد خروجه من مصر نيفًا وثلاثين سنة‏.‏

ولجلالة شأنه جعل أهل مصر سنة خروجه منها تاريخًا لأخبارهم ووقائعهم ومواليدهم إلى الآن من تاريخ جمع هذا الكتاب أعني سنة 1220 فيقولـون جـرى كـذا سنـة خـروج عثمـان بـك وولـدت سنـة خروج عثمان بك أو بعده بكذا سنة أو شهر‏.‏

هو تابع الأمير ذي الفقار تابع عمر أغا تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1138 بعد ظهور أستاذه من أختفائه وخرود محمد بك جركس من مصر فتقلد الإمارة وخرج بالعسكر للحوق بجركس وصحبته يوسف بك قطامش والتجريدة فوصلوا إلى حوش ابن عيسى وسألوا عنه فأخبرهـم العرب أنه ذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة‏.‏

فعاد بالعسكر إلى مصر وتقلد عـدة مناصـب وكشوفيـات الإقليم في حياة أستاذه ولما رجع محمد بك جركس في سنة اثنتين وأربعيـن خـرج إليـه بالعسكـر وجـرى مـا تقـدم ذكـره مـن الحروب والأنهزام وخروجه صحبة علي بك قطامش ولما قتل سيده بيد خليل آغا وسليمان أبي دفية قبل صلاة العشاء وجرى ما تقدم أرسلـو إليـه وحضـر مـن التجريـدة وجلـس ببيـت أستـاذه وتقلـد خشداشه على الخازندار الصنجقية وتعضده به ومات محمد بك جركس ودخل برأسه علي بك قطامش ثم تفرغوا للقبض على القاسمية فكان كلما قبضوا على أمير منهم احضروه إلى محمد باشا فيرسله إلى المترجم فيأمر برمي عنقه تحت المقعد حتى أفنوا الطائفة القاسمية قتلًا وطردًا وتشتتوا رفي البلـاد وأختفـوا فـي النواحـي والتجـأ الكثيـر منهم إلى أكابر الهوارة ببلاد الصعيد ومنهم من فر إلى بلـاد الشـام والـروم ولـم يعـد إلـى مصـر حتـى مـات ومـات خشداشـه علـي بـك بولاية جرجا سنة ثمان وأربعيـن فقلـد عوضـه مملوكـه حسـن الصنجقيـة‏.‏

ولمـا حصلت كائنة قتل الأمراء الأحد عشر ببيت الدفتر دار وكان المترجم حاضرًا في ذلك المجلس وأصابه سيف فقطع عمامته فنزل وركب وخـرج مـن بـاب البركة وسار إلى باب الينكجرية وأجتمع إليه الأعيان من الاختيارية والجاويشية وأحضروا عمر بن علي بك قطامش فقلـدوه إمـارة أبيـه وضمـوا إليهـم بـاب العـزب وعملـوا متاريس وحاربوا المجتمعين بجامع السلطان حسن حتى خذلوهم وتفرقوا وأختفـوا كمـا تقـدم وعزلوا الباشا‏.‏

وظهر أمر المترجم بعد هذه الواقعة وانتهت إليه رياسة مصر وقلد أمراء من أشراقاته وحضر إليه مرسوم من الدولة بالإمارة على الحج فطلع بالحج سنة إحدى وخمسين ورجـع سنـة اثنتيـن وخمسيـن فـي أمـن وأمـان وسخـاء ورخاء‏.‏

ولما حصلت الكائنة التي قتل فيها علـي كتخـدا الجلفـي تعصـب المترجـم أيضـًا لطلـب ثآره وبذل همته في ذلك وعضد أتباعه وعزل الباشا المتولي وقلد رضوان كتخدائية العزب عوضًا عن أستاذه وأحاط بأحمد كتخدا قاتل المذكور حتى قتل هو ولاظ إبراهيم كما تقدم وقلد مملوكه سليمان كاشف الصنجقية وجعله أميـرًا علـى الحـج وسافر به سنة ثلاث وخمسين ورجع سنة أربع وخمسين في أمن وأمان فطلع عمر بك ابن علي بك قطامش سنة أربع وخمسين ورجع سنة خمس وخمسين‏.‏

ثم ورد أمر للمترجم بإمارة الحج سنة خمس وخمسين وذلك في ولاية يحيى باشا‏.‏

وفي تلك السنة عمل المترجـم وليمـة ليحيـي باشـا فـي بيتـه وحضـر إليه وقدم له تقادم وهدايا ولم يتفق نظير ذلك فيما تقدم بأن الباشا نزل إلى بيت أحد من الأمراء وأنما كانوا يعملون لهم الولائم بالقصور خارج مصـر مثـل قصـر العينـي أو المقيـاس‏.‏

وطلع بالحج تلك السنة ورجع سنة ست وخمسين في أمن وأمـان وأنتهـت إليـه الرياسـة وشمـخ علـى أمـراء مصـر ونفذ أحكامه عليهم قهرًا عنهم عمل في بيته دواوين لحكومات العامة وأنصاف المظلوم من الظالم وجعل لحكومات النساء ديوانا خاصًا ولا يجري أحكامه إلا على مقتضى الشريعة ولا يقبل الرشوة ويعاقب عليها ويباشر أمور الحسبـة بنفسه‏.‏

وعمل معدل الخبز وغيره حتى الشمع والفحم ومحقرات المبيعات شفقة على الفقراء ومنـع المحتسـب مـن أخـذ الرشوات وحجج الشهود من المحاكم‏.‏

وكان يرسل الخاصكية أتباعه في التعابيـن حتـى علـى الأمـراء ولم يعهد عليه أنه صادر أحدًا في ماله وأخذ مصلحة على ميراث ومات كثير من الأغنياء وأرباب الأموال العظيمة مثل عثمان حسون وسليمان جاويش تابـع عثمان كتخدا فلم تطمح نفسه لشيء من أموالهم‏.‏

ولما ورد الأمر بأبطال المرتبات ةجعلوا على تنفيذها مصلحة للباشا وغيره أفرزوا له قدرا أمتنع من قبوله وأقتدى به رضوان بك وقال‏:‏ هذا من دموع الفقراء وإن حصلت الأجابة كانت مظلمة وأن لم تحصل كانت مظلمتين‏.‏

وكان عالي الهمة حسن السياسة ذكي الفطنة يحب أقامة الحق والعدل في الرعية وهابته العرب وأمنت الطرق والسبل البرية والبحرية في أيامه وله حسن تدبير في الأمور طاهر الذيل شديد الغيرة‏.‏

ولم يـأت بعـد اسمعيـل بـك ابـن ايـواظ فـي أمـراء مصـر مـن يشابهـه أو يدانيـه لـولا مـا كـان فيـه مـن حدة الطبيعة إذا قال كلامًا أو عاند في شيء لا يرجع عنه وكان لا يجالس إلا أرباب الفضائل مثل المرحوم الشيخ الوالد والسيد أحمد النخال والشيخ عبد الله الأدكـاوي والشيـخ يوسـف الدلجـي وسيـدي مكـي وقرأ على الشيخ الوالد تحفة الملوك في المذهب والمقامات الحريرية وكتبها لـه بخطـه التعليـق الحسـن فـي خمسيـن جـزء لطافـا كـل مقامة على حدتها وألف لأجله مناسك الحج المشهـورة فـي جـزء لطيـف وبالجملـة فكـان المترجـم مـن خيـار الأمـراء لـولا مـا كـان فيـه مـن الحدة حتى أستوحشـوا منـه وحضـر إليـه يومـًا علـي باشجاويـش اختيـار مستحفظـان الدرندلـي فـي قضية فسبه وشتمه وكذلك علي جاويش الخربطلي شتمه وأراد أن يضربه وغير ذلك السبب في كائنة عثمان بك وخروجه من مصر مبدأ ذلك تغير خاطره من إبراهيم جاويش وتغير خاطر إبراهيم جاويش منه لأمور وحقد باطنـي لا تخلـو عنـه الرياسـة والإمـارة فـي الممالـك‏.‏

والثانـي أن علـى كاشـف لـه حصـة بناحيـة طحطـا وباقـي الحصـة تعلـق عبـد الرحمـن جاويش ابن حسن جاويش القازدغلي فأجرها لعثمان بك ونزل علـي كاشف فيها على حصته وحصة مخدومه فحضر إليه رجل وأغراه على قتل حماد شيخ البلد ويأخذ من أولاده مائة جنزرلي وحصانًا ويعمل واحدا منهم شيخًا عوضًا عن أبيه ففعل ذلـك ووعـده إلـى أن يذهـب منهـم شخـص إلـى مصـر ويأتـي بالدراهـم مـن الأميـن وضمنهم الذي كان السبـب فـي قتـل أبيهـم فحضـر شخـص منهـم إلـى مصـر وطلب من الأمين مائة جنزرلي وحكى له ما وقع فأخذه وأتى به إلى إبراهيم جاويش القازدغلي وعرفه بالقصة وما فعل علي كاشف بأغراء سالـم شيـخ البلـد وأنـه ضمنهـم أيضـًا فـي المائـة جنزرلـي وقـد أتـى فـي غرضيـن تمنـع عنـه علـي كاشف وتخلص ثاره من سالم‏.‏

فركـب إبراهيـم جاويـش وأتـى بيـت عبـد الرحمـن جاويـش وصحبتـه الولـد فقص عليه القصة وفهمها ثم أنهم ركبوا وذهبوا عند عثمان بك فوجدوا عنده عبـد اللـه كتخـدا القازدغلـي وعلـي كتخـدا الجلفـي فسلمـوا وجلسـوا فقـال إبراهيم جاويش‏:‏ نحن قد اتينـا فـي سـؤال قـال الصنجـق‏:‏ خيـر‏.‏

فذكـر القصـة ثم قال له‏:‏ أرسل أعزل علي كاشف وأرسل خلافـه‏.‏

فقال الصنجق‏:‏ صاحب قيراط في الفرس يركب وهذا له حصة فلا يصح أني أعزله وللحاكم الخروج من حق المفسود‏.‏

وتراددوا في الكلام إلى أن أحتد الصنجق وقال له إبراهيم جاويش‏:‏ أنت لك غيره على بلاد الناس وسنتك فرغت وأنـا أستأجـرت الحصـة‏.‏

فقـال لـه الصنجـق‏:‏ أنـزل أعمـل كاشفًا فيها على سبيل الهزل‏.‏

فقام إبراهيم جاويش منتورًا وقام صحبته عبـد الرحمـن جاويـش وذهبـوا إلـى بيـت عمـر بـك فوجـدوا عنده خليل أغا قطامش وأحمد كتخدا البركـاوي صنجق ستة فحكوا لهم القصة وما حصل بينهم وبين عثمان بك فقال أحمد كتخدا عزبان‏:‏ الجمل والجمال حاضران أكتب ايجار حصة أخيك عبد الرحمن جاويش وخذ على موجبهـا فرمانـا بالتصـرف فـي الناحيـة فأحضـروا واحدا شاهدا وكتبوا الأيجار‏.‏

وبلغ الخبر عثمان بك فأرسل كتخداه إلى الباشا يقول‏:‏ لا تعط فرمانا بالتصرف في ناحيـة طحطـا لإبراهيـم جاويش فلما خرجت الحجة أرسلهـا للباشـا صحبـة باشجاويـش فامتنـع الباشـا مـن أعطـاء الفرمان فقامت نفس إبراهيم جاويش من عثمان بك وعـزم علـى غـدره وقتلـه‏.‏

ودار علـى الصناجـق والوجاقليـة وجمـع عنـده أنفارًا فسعى علي كتخدا الجلفي وبذل جهده في تمهيد النائرة وأرسل إبراهيم جاويش ابن حماد وقال له‏:‏ لماتطلع البلد وزع كامل ما عندك وخليكم على ظهـور الخيـل ولمـا يأتيكـم سالـم أقتلـوه واخرجـوا مـن البلـد حتـى ينزل كاشف من طرفي أرسل لكم ورقة أمان أرجعوا وعمروا‏.‏

فنزل الولد وفعل ما قاله له الجاويش فوصل الخبر على كاشف فركب خلفهم فلم يحصل منهم أحدًا وأرسل إبراهيم جاويش كاشفًا من طرفه بطائفة ومدافع ونقارية وورقة أمان لاولاد حماد‏.‏

وأستمر علـى كتخـدا يسعـى حتـى أصلـح بيـن الصنجـق والجاويش والذي في القلب في القلب كما قيل‏:‏ أن القلوب إذا تنافـر ودهـا مثل الزجاجة كسرهـا لا يجبـر ولما أخذ الخبر علي كاشف بالخصومة حضر إلى مصر قبل نزول الكاشف الجديد وكانت هذه القضية أوائل سنة 1149 قبل واقعة بيت الدفتر دار وقتل الأمراء‏.‏

وأمـا النفـرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط وهو أن شيخ العرب همام رهن عنـد إبراهيـم جاويـش ناحيـة رديـس تحت مبلغ معلوم لأجل معلوم وشرط فيه وقوع الفراغ بمضي الميعـاد فأرسـل همـام إلى المترجم يستعير جاهه في منع الفراغ بالناحية لإبراهيم جاويش فأخبر عثمان بك الباشا وقال له‏:‏ هوارة قبلي راهنون عند إبراهيم جاويش بلدا وأرسلوا يقولون أن أوقـع فيهـا فراغه وأرسل لها كاشفًا قتلناه وقطعنا الجالب فأنتم لا تعطونه فرمانا في بلاد هوارة فأنهم يوقفون المال والغلال‏.‏

فلم يتمكن إبراهيم جاويش من عمل الفراغ ويطلب الدراهم فلا يعطيه وطالت الأيام وعثمان بك مستمر على عناده وإبراهيـم جاويـش يتواقـع علـى الأمـراء والاختيارية فلم ينفذ له غرض ويحتج عليه بأشياء وشبه قوية وحسابات وحوالات ونحو ذلك إلى أن ضاق خناق إبراهيم جاويش فاجتمع على عمر بك وخليل بك وأنجمعوا على رضوان كتخدا وكان أنفصل من كتخدائية الباب فقالـوا لـه‏:‏ أ ان تكـون معنـا وأمـا أن ترفـع يـدك مـن عثمـان بـك‏.‏

فلـم يطـاوع وقـال‏:‏ هـذا لا يكـون وكيـف أنـي أفـوت إنسانـا بـذل مجهوده في تخليص ثارنا مـن أخصامنـا ولـولا هـو لـم يبـق منـا إنسان‏.‏

وكان وجاق العزب لهم صولة وخصوصًا بعد الواقعة الكبيرة ولا يقع أمر بمصر إلا بيدهم ومعونتهم‏.‏

فلما أيسوا منه قالوا له‏:‏ إذا كان كذلك فانت سياق عليه في قضية أخينا إبراهيم جاويش فوعدهم بذلك وذهب عثمان بك وكلمه في خصـوص ذلـك‏.‏

فقـال‏:‏ هـذا شـيء لا يكـون ولا يفرحـون بـه فألـح عليه في الكلام فنفر فيه وقال له أترك هذا الكلام وأشار إلى وجهه بالمذبة فأنجرح أنفه فأخذ في نفسه رضوان كتخدا وأغتم وقال له‏:‏ حيث أنك لم تقبل شفاعتي دونك وأياهم ولا أدخل بينك وبينهم‏.‏

وركب إلى بيته وأرسل إلى إبراهيم جاويش عرفه بذلك فركب في الوقت وأخذ صحبته حسـن جاويـش النجدلـي وذهبـوا إلـى عمـر بـك فوجـدوا عنـده خليـل بـك ومحمد بك صنجق سته فأجمعوا أمرهم وأتفقـوا علـى الركـوب علـى عثمـان بـك يـوم الخميـس علـى حين غفلة وهو طالع إلى الديوان فأكمنوا لـه فـي الطريـق فلمـا ركـب فـي صبـح يـوم الخميـس وصحتبـه اسمعيـل بـك أبو قلنج خرج عليه خليل بـك ومـن معـه وهجـم علـى عثمـان بـك شخـص وضربـه بالسيـف فـي وجهـه فـزاغ عنـه ولم يصب إلا طرف أنفه ولفت وجهه ودخل من العطفة النافذة إلى بيت مناو وراس الخيمية وخاف مـن رجوعـه علـى بيـت إبراهيم جاويش ومر على قصبة رضةان على حمام الوالي وهرب أبو قلتج إلى بيـت نقيـب الأشـراف‏.‏

وبلـغ الخبـر عبـد اللـه كتخـدا فركـب فـي الحـال ليتـدارك القضيـة ويمنعـه مـن الركوب فوجده قد ركب ولاقاه عند حمام الوالـي فرجـع صحبتـه إلـى البيـت وإذا بإبراهيـم جاويش وعلي جاويش الطويل وحسن جاويش النجدلي تجمعوا ومعهم عدة وافـرة وأحاطـوا بالجهات وهجموا علي بيوت أتباعه واشراقاته وأوقعوا فيها النهب وأحرقوها بالنـار وركبـوا المدافع في رؤوس السويقة وضربوا بالرصاص من كل جهة وأخذوا ينقبون عليه البيت‏.‏

فلما رأى ذلـك الحـال أمـر بشد الهجن وركب وخرج من البيت وتركه بما فيه ولم يأخذ منه إلا بعض نقـود مـع أعيان المماليك وطلع من وسط المدينة ومر على الغورية ودخل من مرجوش وخرج من بـاب الحديـد وذهـب إلـى بولـاق‏.‏

ونـزل فـي جامع الشيخ أبي العلا ولم يذهب أحد خلفه بل غم أمره على غالب الناس وعند خروجه دخل العسكر إلى بيته ونهبوه وسبوا الحريم والجواري وأخرجوا منه ما يجل عن الوصف وأعتنى كثير من السراجين وغيرهم من ذلك اليوم وصاروا تجارًا وأكابر ولم يزالوا في النهب متى قلعوا الرخام والأخشاب وأوقدوا النار‏.‏

وحضر أغات الينكجرية أواخر النهار وأخرج العالم وقفل الباب وأعطى المقتاح للوالي ليدفن القتلى ويطفيء النار‏.‏

وأقامت النار وهز يطفئونها يومين وكان أمرا شنيعًا‏.‏

وأما عثمـان بـك فإنـه لمـا نـزل بمسجـد أبـي العـلا وصحبتـه عبـد اللـه كتخـدا أقامـا إلـى بعـد الغـروب فأرسـل عبد الله كتخدا إلى داره فأحضر خيامًا وفراشًا وقومانية وركبوا بعد الغروب وذهبوا إلى جهة قبلي من ناحيـة الشرق فلم يزالا إلى أن وصلا إلى اسيوط عند علي بك تابعه حاكم جرجا وأجتمعت عليه طوائـف القاسميـة الهاربيـن الكائنيـن بشـرق أولاد يحيى وغيرهم‏.‏

وأما ما كان من إبراهيم جاويش القازدغلي فإنه جعل مملوكه عثمان أغات متفرقة وكذلك رضوان كتخدا جعل مملوكه اسمعيل أغـات عـزب وشرعـوا فـي تشهيـل تجريـدة وجعلـوا خليـل بـك قطامش أمير العسكر‏.‏

ووعدوه بولاية جرجـا إذا فبـض علـى عثمان بك‏.‏

فجهزوا أنفسهم وجمعوا الاسباهية وسافروا إلى أن قربوا من ناحيـة أسيـوط فأرسلوا جواسيس لينظروا مقدار المجتمعين فرجعموا وأخبروا أنهم نحو خمسمائة جندي وعلي بك وسليمان بك وبشيير كاشف وطوائفهم فأشاروا على عثمان بك بالهجوم علـى خليـل بـك ومـن معـه فلـم يـرض وقـال‏:‏ المتعدي مغلوب‏.‏

ثم أنهم أرسلوا إلى إبراهيم جاويش يطلبـون منـه تقويـة فأنهـم فـي عـزوة كبيـرة فشـرع فـي تجهيـز نفسـه وأخـذ صحبتـه علي جاويش الطويل وعلي جاويش الخربطلي وكامل أتباعهم وأنفارهم وسافروا إلى أن وصلوا عند خليل بـك‏.‏

ووصـل الخبـر إلـى عثمـان بـك فتفكـر فـي نفسـه ساعـة ثـم قـال لعبـد الله كتخدا القازدغلي‏:‏ أنتم لم تفوتوا بعضكم‏.‏

وأشار عليه بأن يطلع إلى عند السردار وطلع عند السر دار وعدى عثمان بك ومن معه وأنعم على القاسمية الواصلين إليه ورجعوا إلى أماكنهم‏.‏

وسار هو من جهة الشرق إلى السويس ثم ذهب إلى الطور فاقام عند عرب الطور مدة أيامًا‏.‏

ووصل إبراهيم جاويش ومن معه إلى أسيوط فوجدوه قد أرتحل وحضر إليهم السر دار فأخبرهم بارتحال عثمان بك وتخلف عبد الله كتخدا عنده فأرسل إليه علي جاويـش الطويـل فأحضـره إلـى إبراهيم جاويش وعاتبه وأرتحل في ثاني يوم خوفًا من دخول عثمان بك مصر‏.‏

ولما وصل إبراهيم جاويش إلى مصر أتفقوا على نفي عبد الله كتخدا إلى دمياط فسافر إليها بكامل أتباعها ثم هرب إلى الشام وتوفي هناك ورجعت إتباعه إلى مصر بعد وفاته‏.‏

ولما وصل عثمان بك إلأى السويس أرسل القبطان الخبر بوروده البندر وصحبته سليمان بك وبشير كاشـف بطوائفهـم وأنهم أخذوا من البندر سمنًا وعسلًا وجبنًا ودقيقًا وذهبوا إلى الطور فعملوا جمعيـة فـي بيـت إبراهيـم بـك قطامش واتفقوا على أرسال صمجقين وهما مصطفى بك جاهين ومحمد بك قطامش وصحبتهما أغات بلوك وأسباهية وكتخدا إبراهيم بك وكتخدا عمر بك وطلعوا إلى الباشا فخلع عليهم قفاطين وجهزوا أنفسهم وأخذوا مدفعين وجبخانة وساروا‏.‏

ووصـل الخبـر إلـى عثمـان بـك فخـاف علـى العـرب وركـب بمـن معـه وأتـى قـرب أجـرود فتلاقى فعهم هنـاك ووقعـت بينهـم معركـة أبلـى فيهـا علـي بـك وسليمـان بـك وبشيـر كاشـف وقتل كتخدا إبراهيم بـك وكـان عثمـان بـك نـازلا بعيدا عن المعركة فأرسل إليهم وأمرهم بالرجوع وأرتحل إلى الطور‏.‏

وأمـا التجريدة فأنهم قطعوا رؤوسا من العرب ودخلوا بها مصر وكان عثمان بك أرسل مكاتبة سرًا إلى محمد أفندي كاتبه التركي يطلبه أن يأتيه إلى الطور فحضر محمد أفندي المذكور إلى إبراهيـم جاويـش الـذي أحضـر رجـلًا بدويًا طوريًا وسلمه له فأركبه هجينا وسار به إلى الطور فلما وصل إليه وأجتمع به زين له الذهاب إلى اسلامبول حسن له ذلك وأنه يحصل له بذلك وجاهة ورفعة ويحصل من بعد الأمور أمور‏.‏

فوافق على ذلك وعزم عليه وركب عثمان بك ومحمـد أفنـدي ومعهـم جماعة عرب أوصلوهم إلى الشام ومنها ذهب إلى اسلامبول ودخل علي بـك وسليمـان بـك وبشيـر أغـا إلـى مصـر وبعـد مـدة ظهـر بشيـر أغـا فأرسلـه إبراهيـم جاويش قائمقام علـى أمانـة فـي الصعيـد‏.‏

ولمـا وصـل المترجـم إلـى اسلامبـول وقابل رجال الدولة أكرموه وأنزلوه بمنزل متسع باتباعه وخدمه وعينوا له كفايته من كل شيء‏.‏

وأجتمع بالسلطان وسأله عن أحوال مصر فأخبره فقال له من جملة الكلام وما صنعت مع أخوانك حتى تعصبوا عليك وأخرجوك قال‏:‏ لكوني أقول الحقق وأقيم الشرع فعلوا معي ما فعلوه ونهبوا من بيتي ما يزيد على ألفي كيس ومن وسايا البرد والخيار الشنبر ألف كيس وحلوان بلادي ألف كيس‏.‏

فأمر بكتابـة مرسـوم وطلـب أربعـة آلـاف كيـس وعينـوا بذلـك قابجـي باشـا ويكرمـي سكزجلبـي الذي كان الجـي فـي بلـاد الموسكو وبلاد فرنسيس وحضروا إلى مصر في أيام محمد باشا الذي تولى بعد يحيى باشا المعروف باليدكشـي وذلـك أواخـر سنـة سبـع وخمسيـن‏.‏

فلمـا قـرئ ذلـك المرسـوم قالـوا فـي الجواب‏:‏ أما البيت فقد نهبته العسكر والرعايا والأوسية والخيار الشنبر نهبته أتباعه وخدمه والعـرب والفلاحـون وأما حلوان البلاد فعندما يتحرر الحساب فيخصم منه الذي في عهدته من المال السلطاني وما بقي ندفعه مثل العادة عن ثلاث سنوات فقـال لهـم‏:‏ يكرمـي سكزجلبـي حـرروا ثمـن البلـاد والخيـار الشنبـر وأخصمـوا منـه مـا عليـه وما بقي أكتبوا به عرض محضر ويذهب به قابجـي باشـا ويرجـع لكـم بالجـواب‏.‏

ففعلـوا ذلـك وذهـب بـه قابجـي باشـا وصحبتـه سمعيـل بـك أبـو قلنـج بخزينـة سنـة سـت وخمسيـن ولمـا عـرض قابجـي باشـا العـرض بحضـرة عثمـان بـك قـال‏:‏ ليـس في جهتي هذا القدر ولكن أرسلوا بطلب الرزنامجي وأحمد السكري كتخدادي وكاتبي يوسف وجيش فكتبوا فرمانا بحضور المذكورين وأرسلوه صحبة جوخدار معين خطابـًا إلـى محمـد باشـا ويكرمـي سكـز جلبـي وذكـروا فيـه أن يكرمي سكز جلبي يخضر بثلث الحوان بولصة‏.‏

فلما وصـل الجوخـدار جمـع الباشا الصناجق والأغوات والبلكات وقرأ عليهم ذلك المرسوم‏.‏

فقالوا في الجـواب‏:‏ أن مـن يـوم هـروب المترجم وخروجه من مصر لم نر كتخداه ولا يوسف وجيش الكاتب وأمـا الروزنامجي فهو حاضر ولكنه لا النقص ولا الزيادة لآن المبري محرر في المقاطعات والحال أن ابن السكري كان ممن نافق على أستاذه حتى وقع له ما وقع وأخذه إبراهيم جاويش عنده وجعلـه كتخـدا وبعـد مدة جعله متفرقة باشا ثم قلده الصنجقية وهو أحمد بك السكري أستاذ يحيـى كاشـف أستـاذ علـي كتخـدا الموجـود الأن الذي كان ساكنا بالسبع قاعات وبها أشتهر‏.‏

ثم أنهم أكرموا سكز جلبي وقدموا له التقادم وعملوا له عزائم وولائم وهادوه بهدايا ثم أعطوه بولصة بثلث الحلوان وسافر من مصر مثنيا ومادحا في القطامشة والدمايطة والقازدغلية‏.‏

ثم أنهـم أرسلـوا عثمـان بـك إلـى برصـا فأقـام بهـا مـدة سنيـن ثـم رجـع إلـى اسلامبـول وأستمـر بها إلى أن مات في حدود سنة 1190‏.‏

وأما يوسف وجيش فالتجأ إلى عبد الرحمن كتخدا القازدغلي ولمـا سافـر عثمـان بـك مـن أجـرود إلـى الشـام وأرتاحوا من قبله قلد إبراهيم جاويش عثمان أغات تابعه أغات المتفرقة وجعله صنجقًا وهو عثمان بك الذي عرف بالجرجاوي وهو أول أمرئه وكذلك رضوان كتخدا الجلفي قلد تابعه اسمعيل أغات العزب والصنجقية وعزلوا يحيى باشا وحضر بعده محمد باشا اليدكشي‏.‏

وتقلد إمارة الحج سنة 1156 إبراهيم بك بلغيه ورجع مريضـًا فـي تختـروان سنـة 1157‏.‏

وتـرك المترجـم بمصـر ولدين عاشا وشابت لحاهماوبنتًا تزوج بها بعـض الأمـراء وأتفـق أيـه سافـر إلـى اسلامبـول في بعض المهمات ولم يقدر على مواجهة صهره ولم يقـدر أحـد علـى ذكـره لـه مطلقـا لشـدة غيرتـه وحدة طبيعته وفي أواخر أمره أقعد ولم يقدر على النهوض فكانوا يحملونه لركوب الحصان‏.‏

فإذا أستوى راكبًا أقوى من الشاب الصحيح ورمح وصفح وسابق ولم يزل باسلامبول حتى مات كما ذكر وكما سيأتي في تاريخ سنة وفاته‏.‏

ومات مصطفى بك الدفتر دار من أشراقات عثمان بك وذلك أنه سافر أميرًا على العسكر الموجه إلى بلاد العجم ومات هناك سنة 1155‏.‏ ومـات أيضًا

إسماعيل بك أبو قلنج

وكان سافر أيضًا بالخزينة عن سنة 1156 ومات باسلامبول ودفن هناك‏.‏

ومات الأمير عمر بك بن علي بك قطامش تقلد الإمارة والصنجقية سنة 1149 في رجب بعـد واقعـة بيـت محمـد بـك الدفتـر دار ولمـا قتـل والـده علـي بـك مـع استاذ محمد بك أجتمع الأمراء والاختياريـة ببـاب الينكجريـة وأحضـروا المترجم وطلعوا به إلى الباشا وقلدوه الإمارة ليأخذ بثار أبيـه وجرى ما جرى على أخصامهم‏.‏

وطهر شأن المترجم ونما أمره وأشتهر صيته وتقلد إمارة الحج سنة 1154 ورجع سنة 1155 ولم يزل حتى حصلت كائنة قتل خليل بك ومن معـه بالديوان سنة 1160 فخرج المترجم هاربًا من مصر إلى الصعيد ثم ذهب إلى الحجاز ومات هناك‏.‏

ومـات علـي بـك الدمياطـي ومحمـد بـك قتـلا فـي اليـوم الـذي قتـل فيه خليل بك قطامش وعمر بك بلاط بالديوان في القلعة في ولايـة محمـد باشـا راغـب كمـا تقـدم ومحمـد بـك المذكـور مـن القطامشة وكان أغات مستحفظان فحصل دور السفر بالخزينة إلى عمـر بـك ابـن علـي بـك المذكـور فقلـده الصنجقيـة وسافـر بالخزينـة عوضـًا عنـه سنـة سبع وخمسين ومائة وألف‏.‏

ومات أبو مناخير فضة وذلك أنه كا ببيت أستاذه رضوان كتخدا في ليالي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكان جعله باش نفر عنده فأقام يتفرج إلى نصف الليل وأراد الذهاب إلى بيته فركب حماره وسار وخلفه عبده من طريق تربة الازبكية على قنطرة الأمير حسين وإذا بجماعة من أتباع الدمايطة ضربوه بالسلاح وهرب العبد والخدام وظنوا أنه مات فتركوه ثم رجعوا إليه بعد ساعة فوجدوا فيه الروح فحملوه على الحمار وساروا فلاقاهم أوده باشة البوابة وهو مـن الدمايطة فوجد فيه الروح فكمل قتله فذهب العبد وعرف جماعة رضوان كتخدا فحضر منهـم طائفة وشالوه ودفنوه في صبحها‏.‏

وأرسل رضوان كتخدا عرف إبراهيم جاويش بذلك فعزل الأوده باشة وولى خلافه وذلك في أواخر قبل واقعة الدمايطة‏.‏

ومات علي كاشف قرقوش وهو من أتباع عثمان بك ذي الفقار المخفيين وذلك أن أوده باشة البوابة الذي تولى بعد عزل الأوده باشة الذي كمل قتل أبي مناخير فضة سرج بعد المغرب وجلـس عنـد قنطـرة سنقـر وإذا بإنسـان جائـز بالطريق وهو مغطى الرأس فقبضوا عليه ونظروا في وجهه فوجدوه علي قرقاش فعرفوا عنه إبراهيم جاويش فأمر الوالي بقتله فقتله والله أعلم بالحقائق‏.‏

في ذكر حوادث مصر ابنداء من سنة 1162 في ذكر حوادث مصر وتراجم أعيانها وولاتها من ابتداء سنة اثنتين وستين ومائة وألف إلى أواخر سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وذلك بحسب التيسير والأمكان ومالا يدرك كله لا يترك كله‏.‏

فنقول لما عـزل الجنـاب المكـرم حضـرة محمـد باشـا راغـب فـي الواقعـة التـي خـرج فيهـا حسـن بـك الخشـاب ومحمـد بـك اباظـة ونـزل مـن القلعـة إلـى بيـت دوعزجـان تجـاه المظفر كما تقدم ثم سافر في ولاية أحمد باشا المعروف بكور وزير ووصل حضرة الجناب الأفخم أحمد باشا المعروف بكور وزير وسبب تلقبه بذلك أنه كان بعينه بعض حول فطلع إلى ثغرسكندرية ووصلت السعاة ببشائر قدومه فنزلت إليه الملاقاة وأرباب العكاكيز وأصحاب الخدم مثل كتخـدا الجاويشيـة وأغـات المتفرقـة والترجمـان وكاتـب الحوالة وغيرهم وكان الكاشف بالبحيرة إذ ذاك حسن أغا كتخدا بك تابع عمر بك وتوفي هنـاك فأرسـل عمـر بـك لكتخـداه حسـن أغا المذكور بان يستمر في المنصب عوضًا عن مخدومه المتوفى حتى تتم السنة وخرج عمر بك من مصر وأستمر المذكور بالبحيرة إلى أن أحضر احمد باشا المذكور إلى إسكندرية فحضر إلأيه وتقيد بخدمته وجمع الخيول لركـوب أغواتـه وأتباعه والجمال لحمل أثقاله وقدم له تقادم عمل له السماط بالمعدية حكم المعتاد وعرفه حاله ووفاة أستاذه وخروج سيدهم من مصر فخلع عليه الباشا صنجقية أستاذه وأعطاه بلاده من غيـر حلـوان وذلـك قبـل وصـول الملاقـاة‏.‏

ووصـل خبـر ذلـك إلى مصر فأرسل المتكلمون إلى كتخدا الجاويشية يقولون له أن المذكور رجل ضعيف ولا يليق بالصنجقية فقالوا للباشا ذلك فأغتاظ فسكتوا ووصل إلى رشيد وأجتمع هناك براغب باشا وسافر في المركب التي حضر فيها أحمـد باشـا وحضـر إلـى مصـر وطلـع بالموكـب المعتـاد إلـى القلعة في غرة المحرم سنة 1162 وضربوا لـه المدافـع والشنـك مـن أبراج الينكجرية وعمل الديوان وخلع الخلع على الأمراء والاعيان والمشايخ وخلصت رياسة مصر وأمارتها إلى إبراهيم جاويش ورضوان كتخدا وقلد إبراهيم جاويش مملوكه علي أغا وهو الذي عرف بالغزاوي صنجقيًا وكذلك حسين أغـا وهـو الـذي عـرف بكشكش‏.‏

وكذلك قلد رضوان كتخدا أحمـد آغـا خازنـداره صنجقيـًا فصـار لكـل واحـد منهمـا ثلاثـة صناجـق هـو عثمـان وعلـي وحسيـن الابراهيميـة واسمعيـل وأحمـد ومحمـد الرضوانية‏.‏

ثم أن إبراهيـم جاويش عمل كتخدا الوقت ثلاثة أشهر وأنفصل عنها‏.‏

وحضر عبد الرحمن كتخدا القازدغلـي من الحجاز وعمل كتخدا الوقت بباب مستحفظان سنتين وشرع في عمل الخيرات وبناء المساجد وأبطـل الخماميـر‏.‏

وسيأتـي تتمـة ذلـك فـي ترجمتـه سنـة وفاتـه‏.‏

وأقـام أحمـد باشـا فـي ولاية مصر إلـى عاشـر شـوال سنـة 1163 وكـان مـن أربـاب الفضائـل ولـه رغبـة فـي العلـوم الرياضيـة ولمـا وصـل إلـى مصـر وأستقر بالقلعة وقابله صدور العلماء في ذلك الوقت وهم الشيخ عبـد اللـه الشبـراوي شيـخ الجامـع الأزهـر والشيـخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري فتكلم معهم وناقشهم وباحثهم ثم تكلم معهم في الرياضيات فأحجموا وقالوا لا نعرف هذه العلـوم فتعجب وسكت‏.‏

وكان الشيخ عبد الله الشبراوي له وظيفة الخطابة بجامع السراية ويطلع في كـل يوم جمعة ويدخل عند الباشا ويتحدث معه ساعة وربما تغدى معه ثم يخرج إلى المسجد ويأتـي إلـى الباشـا فـي خواصـه فيخطـب الشيـخ ويدعـو للسلطـان وللباشـا ويصلي بهم ويرجع الباشا إلـى مجلسـه وينـزل الشيـخ إلـى داره‏.‏

فطلـع الشيخ على عادته في يوم الجمعة وأستأذن ودخل عن الباشا يحادثه فقال له الباشا‏:‏ المسموع عندنا بالديار الرومية أن مصـر منبـع الفضائـل والعلـوم وكنت في غاية الشوق إلى المجيء إليها فلما جئتهـا وجدتهـا كمـا قيـل تسمـع معـدن العلـوم والمعـارف‏.‏

فقال‏:‏ وأين هي وأتنم أعظم علمائها وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم فلم أجد عندكم منها شيئًا وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل ونبذتم المقاصد‏.‏

فقال له نحن لسنا أعظم علمائها وأنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أربـاب الدولـة والحكـام وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة إلى علم الفرائض والمواريث كعلم الحساب والغبار‏.‏

فقال له‏:‏ وعلم الوقت كذلك من العلوم الشرعية بل هـو مـن شـروط صحـة العبادة كالعلم بدخول الوقت وأستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلـك‏.‏

فقـام‏:‏ نعم مرفة ذلك من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية كرقة الطبيعة حسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والامور العطاردية وأهل الأزهر بخلاف ذلك غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك‏.‏

فقال‏:‏ وأين البعض فقال‏:‏ موجودون في بيوتهم يسعى إليهـم‏.‏

ثـم أخبـره عـن الشيـخ الوالـد وعرفـه عنـه وأطنـب فـي ذكـره فقـال‏:‏ التمـس منكـم أرسالـه عندي‏.‏

فقال‏:‏ يا مولانا أنه عظيم القدر وليس هو تحت أمري‏.‏

فقال‏:‏ وكيف الطريق إلى حضـوره‏.‏

قـال‏:‏ تكتبـون لـه ارساليـة مـع بعـض خواصكـم فـلا يسعـه الأمتناع‏.‏

ففعل ذلك وطلع إليه ولبى دعوته وسر برؤياه وأغتبط به كثيرًا‏.‏

وكان يترد إليه يومين في الجمعة وهما السبت والأربعـاء وأدرك منـه مأمولـه وواصلـه بالبـر و الأكـرام الزائـد الكثيـر ولـازم المطالعـة عليـه مـدة ولايتـه‏.‏

وكـان يقـول‏:‏ لـو لـم أغنـم مـن مصـر إلا أجتماعـي بهـذا الأستـاذ لكفانـي‏.‏

وممـا أتفـق له لما طالع ربـع الدستـور وأتقنـه طالع بعده ‏)‏‏)‏وسيلة الطلاب في أستخراج الأعمال بالحساب‏(‏‏(‏ وهو مؤلف دفيـق للعلامـة الماردينـي فكـان الباشـا يختلي بنفسه ويستخرج منه ما يستخرجه بالطرق الحسابية ثم يستخرجه من النجيب فيجده مطابقًا‏.‏

فاتفق لـه عـدم المطابقـة فـي مسألـة مـن المسائـل فاشتغـل ذهنـه وتحيـر فكـره إلـى أن حضـر إليـه الأستـاذ في الميعاد فأطلعة على ذلك وعن السبب فـي عـدم المطابقـة فكشـف لـه علـة ذلـك بديهـا‏.‏

فلمـا أنجلى وجهها على مرآه عقله كاد يطير فرحًا وحلف أن يقبل يده ثم أحضر له فروة من ملبوسه السمور باعها المرحوم بثمانمائة دينار‏.‏

ثم أشتغـل عليـه برسـم المـزاول والمنحرفـات حتى أتقنها ورسم على اسمه عدة منحرفات على ألواح ولاية عبد الله باشا وصل الخبر بولاية الشريف عبد الله باشا ووصل إلى إسكندرية ونزل أحمد باشا إلى بيت البيرقدار وسافرت الملاقاة للباشا الجديد ثم وصل إلى مصر في شهر رمضان سنة 1164 وطلـع إلـى القلعـة فأقـام في ولاية مصر إلى سنة 1166 ثم عزل عن مصر وولي حلب فنزل إلى القصـر بقبـة العـزب وهـاداه الأمـراء ثـم سافـر إلـى منصبـه‏.‏

ووصـل محمد باشا أمين فطلع إلى القلعة وهـو منحـرف المـزاج فأقـام فـي الولايـة نحـو شهريـن وتوفـي فـي خامـس شهـر شوال سنة 1166 ودفن بجوار قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏

قصد نصارى القبط الحج إلى بيت المقدس وفي هذا التاريـخ أحضـر بطـرك الـأروام مرسومـا سلطانيـا بمنـع طائفـة النصـارى الشـوام مـن دخولهم كنائس الإفرنج وأن دخلوا فأنهم يدفعون للدولة ألـف كيـس فأرسـل إبراهيـم كتخـدا فأخذ أربعة قسوس من دير الإفرنج وحبسهم وأخذ منهم مبلغًا عظيمًا من المال‏.‏

وأستمـر نصارة الشوام يدخلون كنائس الأفرانج ولعلها من تحيلات إبراهيم كتخدا‏.‏

ومـن الحـوادث أيضـًا فـي نحـو هـذا التاريـخ أن نصـارى الأقبـاط قصدوا الحج إلى بيت المقدس وكان كبيرهـم إذ ذلـك نـوروز كاتـب رضـوان كتخدا فكلم الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك وقدم له هديـة وألـف دينـار فكتـب لـه فتـوى وجوابـا ملخصـه أن أهـل الذمـة لا يمنعون من دياناتهم وزياراتهم‏.‏

فلما تم لهم ما أرادوا شرعوا في قضاء أشغالهم وتشهيل إغراضهم وخرجوا في هيئـة وأبهـا وأحمال ومواهي وتختروانات فيها نساؤهم وأولادهم ومعهم طبول وزمور ونصبوا لهم عرضيًا عند قبـة العـزب وأحضـروا العربـان ليسيـروا فـي خفارتهـم وأعطوهـم أمـوالًا وخلعـًا وكسـاوي وأنعامـات‏.‏

وشـاع أمـر هـذه القضيـة فـي البلد واستنكرها الناس فحضر الشيخ عبد الله الشبـراوي إلـى بيـت الشيـخ البكري كعادته وكان علي أفندي أخو سيدي بكري متمرضًا فدخل إليه بعوده فقال له‏:‏ أي شيء هذا الحال يا شيخ الإسلام على سبيل التبكيت كيف ترضى وتفتـي النصارة وتأذن لهم بهذه الأفعال لكونهم رشوك وهادوك‏.‏

فقال‏:‏ لم يكن ذلك‏.‏

قال‏:‏ بل رشـوك بألـف دينـار وهديـة وعلـى هذا تصير لهم سنة ويخرجون في العام القابل بأزيد من ذلك ويصنعون لهم محملًا ويقال حج النصارى وحج المسلمين وتصير سنة عليك وزرها إلى يوم القيامة‏.‏

فقام الشيخ وخرج من عنده مغتاظًا وأذن للعامة في الخروج عليهم ونهب ما معهم وخرج كذلك معهم طائفة من مجاوري الأزهر فأجتمعوا عليهم ورجموهم وضربوهم بالعصي والمسـاوق ونهبـوا مـا معهـم وجرسوهـم ونهبـوا أيضـًا الكنيسة القريبة من دمرداش وأنعكس ولاية مصطفى باشا وعزله وولاية علي باشا أوغلي الثانية وحضر مصطفى باشا وطلع إلى القلعة ثالث عشر ربيع الأول 1167 وأستمر واليًا على مصر إلى أن ورد الخبر بعزله في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1169 وولاية حضرة الوزير المكرم علي باشا حكيم أوغلي وهي ولايته الثانية‏.‏

وطلع إلـى سكندريـة ونزلـت إليـه الملاقـاة وأربـاب المناصـب والعكاكيـز‏.‏

ثـم حضـر إلـى مصـر وطلـع إلـى القلعـة يـوم الأثنيـن غرة شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة وسار في مصر سيرته المعهودة وسلك طريقته المشكورة المحمودة فأحيا مكارم الأخلاق وأدر على رعيته الأرزاق بحلم وبشر ربي عليهما فكانا له طبعًا وصدر رحب لا يضيق بنازله ذرعًا‏.‏

واستمر في ولاية مصر إلى شهر رجب سنة 1171‏.‏

ذكر من مات في هذه الأعوام من العلماء والأعيان مات العلامة شيخ المشايخ شمس الدين الشيخ محمد القليني الأزهري وكان له كرامات مشهورة ومآثر مذكورة منها أنه كان ينفق من الغيب لأنه لم يكن له أيراد ولا ملك ولا وظيفة ولا يتناول من أحد شيئًا وينفق أنفاق من لا يخشى الفقر وإذا مشى في السوق تعلق به الفقراء فيعطيهم الذهب والفضة وإذا دخل الحمام دفع الآجرة عن كل من فيه‏.‏

توفي سنة 1164‏.‏

ومات الشيخ الإمام الفقيه المحدث المسند محمد بن أحمد بـن يحيـى بـن حجـازي العشمـاوي الشافعي الأزهري تفقه على الشيـخ عبـده الديـوي والشهـاب أحمـد بـن عمـر الديربـي وسمـع الحديث على الزرقاني وبعد وفاته أخذ الكتب الستة عن تلميذه الشهـاب أحمـد بـن عبـد اللطيف المنزلي وانفرد بعلو الأسناد وأخذ عنه غالب فضلاء العصر توفي يوم الأربعاء ثاني عشري جمادى الأولى سنة 1167 ودفي بتربة المجاورين‏.‏

ومات الشيخ الإمام العلامة سالم بن محمد النفراوي المالكي الأزهري المفتي الضرير أخذ عن الشيخ العمدة أحمد النفراوي الفقه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الزرقاني والشيخ محمد بن علاء الدين البابلي ببيته بالازبكية والشبراملسي وغيرهم وكان مشهورًا بمعرفة فروع المذهب وأستحضار الفروع الفقهية‏.‏

وكانت حلقة درسه أعظم الحلق وعليه مهابة وجلالة‏.‏

توفي يوم الخميس سادس عشر من شهر صفر سنة 1168‏.‏

ومات الشيخ الفقيه المفتي العلامة سليمان بن مصطفى بن عمر بن الولي العارف الشيخ محمد المنير المنصوري الحنفي أحد الصدور المشـار إليهـم ولـد سنـة 1078 بالنقيطـة إحـدى قـرى المنصـورة وقـدم الأزهـر فأخـذ عـن شيوخ المذهب كشاهين الأرمناوي وعبد الحي بن عبد الحق والشرنبلالـي وأبـي الحسـن علـي بن محمد العقدي وعمر الزهري وعثمان النحريري وقائد الأبياري شارح الكنز فاتقن الأصول ومهر في الفروع ودارت عليه مشيخة الخنفية ورغب الناس في فتاويه وكان جليل القدر عالي الذكر مسموع الكلمة مقبول الشفاعة‏.‏

توفي سنة 1169‏.‏

ومـات الشيـخ الإمـام الفاضـل الصالـح الشاعـر الأديـب عمـر بن محمد بن عبد الله الحسيني الشنواني من ولد القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان قرأ على أفاضل عصره وتكمل في الفنون وإلقى دروسا بالأزهر‏.‏

توفي في رجب سنة 1167‏.‏

ومات الأجل المكرم الحاج صالح الفلاح وهو أستاذ الأمراء المعروفين بمصر المشهورين بجماعة الفلاح وينسبون إلى القازدغلية‏.‏

وكان متمولا ذا ثروة عظيمة وشيخ وأصله غلام يتيم فلاح من قريـة مـن قـرى المنوفية يقال لها الراهب‏.‏

وكان خادمًا لبعض أولاد شيخ البلد فانكسر عليه المال فرهـن ولـده عنـد الملتـزم وهـو علـي كتخـدا الحلفي ومعه صالح هذا وهما غلامان صغيران فأقاما ببيـت علـي كتخـدا حتـى غلـق أبـوه مـا عليـه مـن المـال و استلـم ابنـه ليرجـع بـه إلى بلده فامتنع صالح وألـف المقام ببيت الملتزم وأستمر به يخدم مع صبيان الحريم وكان نبيهًا خفيف الروح والحركة‏.‏

ولم يزل يتنقل في الأطوار حتى صار من أرباب الأموال وأشترى المماليك والعبيد والجواري ويزوجهم من بعضهم ويشتري لهم الدور والإيراد ويدخلهم في الوجاقات والبلكات بالمصانعات والرشوات لأرباب الحل والعقد والمتكلمين وتنقلوا حتى تلبسوا بالمناصب الجليلـة كتخـدا آت واختيارية وأمراء طلخانات وجاويشية وأوده باشيـة وغيـر ذلـك حتـى صـار مـن مماليكـه مـن يركـب فـي العـذارات فقط نحو المائة وصار لهم بيوت وأتباع ومماليك وشهرة عظيمة بمصر وكلمة نافـذة وعـزوة كبيـرة‏.‏

وكـان يركـب حمارًا ويعتم عمة لطيفة على طربوش وخلفه خادمه ومات في سـن السبعيـن ولـم يبق في فمه سن وكان قال له صالح جلبي والحاج صالح وبالجملة فكان من نـوادر الزمـن وكـان يقرض إبراهيم كتخدا وأمراءه بالمائة كيس وأكثر وكذلك غيرهم ويخرج الأموال بالربا والزيادة وبذلك أنمحقت دولتهم وزالت نعمهم في أقرب وقت وآل أمرهم إلى البوارهم وأولادهم وبواقيهم لذهاب ما في أيديهم وصاروا أتباعًا وأعوانًا للامراء المتأخرين‏.‏

ومات الأمير إبراهيم كتخـدا تابـع سليمـان كتخـدا القازدغلـي وسليمـان هـذا تابـع مصطفـى كتخدا والد عبد الرحمن كتخدا المشهور لبس الضلمة في سنة 1148 وعمل جاويشًا وطلع سـر دار قطـار فـي الحـج فـي إمـارة عثمـان بـك ذي الفقـار سنـة 1153‏.‏

وفـي تلـك السنـة أستوحش منه عثمان بك باطنًا لأنه كان شديد المراس قوي الشكيمة وبعد رجوعه من الحج في سنة 152 نما ذكره وأنتشر صيته ولم يزل من حينئذ ينمو أمره وتزيد صولته وتنقذ كلمته وكان ذا دهاء ومكـر وتحيـل وليـن وقسـوة وسماحـة وسعـة صـدر وتـؤدة وحـزم وأقدام ونظر في العواقب‏.‏

ولم يزل يدبر على عثمان بك وضم إليه كتخداه أحمد السكري ورضوان كتخدا الحلفي وخليل بك قطامـش عمـر بـك بسبـب منافسـة معـه على بلاد هوارة كما تقدم حتى أوقع به على حين غفلة وخرج عثمان بك من مصر علـى الصـورة المتقدمـة فعنـد ذلـك عظـم شأنـه وزادت سطوتـه وأستكثر من شراء المماليك وقلد عثمان مملوكه الـذي كـان أغـات متفرقـة صنجقـًا وهـو أول صناجقـه وهـو الـذي عـرف بالجرجاوي‏.‏

ولما قتل خليل بك قطامش وعمر بك بلاط وعلي بك الدمياطـي ومحمـد بك في أيام راغب باشا بمغامرة حسين بك الخشاب ثم حصلت أيضًا كائنة الخشاب وخروجه ومـن معـه مـن مصـر وزالـت دولـة القطامشـة والدمايطـة والخشابيـة وعزلـوا راغب باشا في أثناء ذلـك كمـا تقـدم فعنـد ذلـك أنتهـب رئاسـة مصـر وسيادتهـا للمترجـم وقسيمـه رضوان كتخدا الجلفي ونفذت كلمتهما وعلت سطوتهما على باقي الأمراء والاختيارية الموجودين بمصر وتقلد المترجم كتخدائية باب مستحفظان ثلاثة أشهر ثم أنفصل عنها‏.‏

وذلك كما يقال لأجل حرمة الوجاق وقلد مملوكيه عليا وحسينًا صنجقين وكذلك رضوان كتخدا كما سبق وصار لكل واحد منهما ثلاثة صناجق‏.‏

وأشتغل المترجم بالأحكام وقبض الأموال الميرية وصرفها في جهاتها وكذلك العلوفات وغلال الأنبار ومهمات الحج والخزينة ولوازم الدولة والولاة وقسيمه رضوان كتخدا مشتغل بلذاته ومنهمك على خلاعاته ولا يتدخل في شيء مما ذكر والمترجم يرسل له الأموال ويوالي بر الجميع ويراعي خواطرهم وينفذ أغراضهم وعبد الرحمن كتخدا مشتغل بالعمائر وفعل الخيرات وبناء المساجد‏.‏

وأستكثر المترجم من شراء المماليك وقلدهم الأمريات والمناصب وقلد إمارة الحج لمملوكه علي بك الكبير وطلع بالحج ورجع سنة 167‏.‏

وفـي تلـك السنـة نـزل علـى الحجـاج سيـل عظيـم بمنزلـة ظهـر الحمـار فأخـذ معظم الحجاج بجمالهم وأحمالهـم إلـى البحـر ولم يرجع من الحجاج إلا القليل‏.‏

ومما يحكى عنه أنه رأى في منامه أن يديه مملوءتـان عقـارب فقصهـا علـى الشيـخ الشبـراوي فقـال‏:‏ هـؤلاء مماليـك يكونـون مثل العقارب ويسري شرهم وفسادهم لجميع الناس‏.‏

فإن العقرب لدغت النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لعن الله العقرب لا تدع نبيًا ولا غيره إلا لدغته وكذا يكون مماليكك‏.‏

وكان الأمر كذلك وليس للمترجم مآثر أخروية ولا أفعال خيرية يدخرها في ميعاده ونخفف عنه بها ظلم خلقه وعباده بل كان معظم أجتهاده الحرص على الرياسة والإمارة عمر داره التـي بخـط قوصـون بجـوار دار رضـوان كتخـدا والـدار التـي ببـاب الخـرق هـي دار زوجته بنت البارودي والقصر المنسوب إليها أيضًا بمصر القديمة‏.‏

والقصر الذي عند سبيل قيماز بالعادلية وزوج الكثيـر مـن مماليكـه نسـاء الأمـراء الذيـن ماتـوا وقتلـوا وأسكنهم في بيوتهم وعمل وليمة لمصفي باشا وعزمه في بيته بحارة قوصون في سنة 1166 وقدم له تقادم وهدايا وأدرك المترجم من العـز والعظمـة ونفـاذ الكلمـة وحسـن السياسـة واستقـرار الأمـور مـا لـم يدركـه غيـره بمصر ولم يزل في ومات بعده رضوان كتخدا الجلفي وهو مملوك علي كتخدا الجلفي تقلد كتخدائية باب عزبان بعـد قتل أستاذه بعناية عثمان بك ذي الفقار كما تقدم ولم يزل يراعي لعثمان بك حقه وجميله حتـى أوقـع بينهمـا إبراهيـم كتخـدا كمـا تقـدم‏.‏

ولمـا استقـرت الأمور له ولقسيمه ترك له الرياسة في الأحكام وأعتكف المترجم على لذاته وفسوقه وخلاعاته ونزهاته وأنشأ عدة قصور وأماكن بالغ في زخرفتها وتأنيقها وخصوصًا داره التي أنشأها على بركة الأزبكية وأصلها بيت الدادة الشرايبـي وهـي التـي علـى بابهـا العامـودان الملتفـان المعروفـة عنـد أولاد البلد بثلاثة وليه وعقد على مجالسها العالية قبابا عجيبة الصنعة منقوشة بالذهب المحلول واللازورد والزجاج الملون والألوان المفرحة والصنائع الدقيقة ووسع قطعة الخليج بظاهر قنطرة الدكة بحيث جعلها بركة عظيمة وبنـى عليهـا قصـرًا مطـلًا عليهـا وعلـى الخليـج الناصـري مـن الجهـة الأخرى‏.‏

وكذلك أنشأ في صدر البركـة مجلسـًا خارجًا بعضه على عدة قناطر لطيفة وبعضه داخل الغيط المعروف بغيط المعدية وبوسطـه بحيـرة تمتلـئ بالمـاء مـن أعلـى ويصـب منهـا إلـى حـوض مـن أسفـل ويجري إلى البستان لسقي الأشجـار‏.‏

وبنـى قصـرًا آخـر بداخـل البستـان مطـلًا علـى الخليـج وعلـى الأعلاق من ظاهره‏.‏

فكان يتنقـل في تلك القصور وخصوصًا في أيام النيل ويتجاهر بالمعاصي والراح والوجوه الملاح وتبرج النسـاء ومخاليـع أولـاد البلـد‏.‏

وخرجـوا عـن الحـد فـي تلك الأيام ومنع أصحاب الشرطة من التعرض للنـاس فـي أفاعيلهـم‏.‏

فكانت مصر في تلك الأيام مراتع غزلان ومواطن حور وولدان كأنما أهلها خلصـوا من الحساب ورفع عنهم التكليف والخطاب‏.‏

وهو الذي عمر باب القلعة الذي بالرميلة المعـروف ببـاب العـزب وعمل حوله هاتين البدنتين العظيمتين والزلاقة على هذه الصورة الموجودة الـآن‏.‏

وقصدتـه الشعـراء ومدحوه بالقصائد والمقامات والتواشيخ وأعطاهم الجوائز السنية وداعب بعضهم بعضًا فكان يغري هـذا بهـذا ويضحـك منهـم ويباسطهـم وأتخـذ لـه جلسـاء وندمـاء منهـم الشيـخ علـي جبريـل والسيد ليمان والسيد حمودة السدبدي والشيخ معروف والشيخ مصطفى اللقيمي الدمياطي صاحب المدامة الأرجوانية في المدائح الرضوانيـة ومحمـد أفنـدي المدنـي‏.‏

وأمتدحه العلامة الشيخ يوسف الحفني بقصائد طنانة وللشيخ عمار القروي فيه مقامة مدحا في المترجم ومداعبة للسيد حمودة السديدي المحلاوي‏.‏

ولم يزل رضوان كتخدا وقسيمه على إمارة مصر ورئاستها حتى مات إبراهيم كتخدا كما تقدم فتداعى بموته ركن المترجم ورفعت النيام رؤوسها وتحركت حفائظها ونفوسها وظهر شأن عبد الرحمن كتخدا القازدغلي وراح سوق نفاقه وأخذ يعضد مماليك إبراهيم كتخدا ويغريهم ويحرضهم على الجلفية لكونهم مواليـه‏.‏

فيخلـص لـه بهـم ملـك مصر ويظن أنهم يراعون حق ولائه وسيادته جده فكان الأمر عليه بخلـاف ذلـك كمـا ستـراه وهـم كذلـك ييظهرون له الأنقياد ويرجعون إلى رأيه ومشورته ليتم لهم به المراد‏.‏

وكل من أمراء إبراهيم كتخدا متطلع للرياسة أيضًا بالبلدة أيضًا من الأكابر والاختيارية وأصحاب الوجاهة مثل حسن كتخدا أبي شنـب وعلـي كتخـدا الخربطلـي وحسـن كتخـدا الشعراوي وقرا حسن كتخدا واسمعيل كتخدا التبانة وعثمان أغا الوكيل وإبراهيم كتخدا مناو وعلـي أغـا توكلـي وعمـر أغـا متفرقـة وعمـر أفندي محرم اختيار جاويشان وخليل جاويش حيضان مصلـي وخليـل جاويـش القازدغلي وبيت الهياتم وإبراهيم أغا بن الساعي وبيت درب الشمسي وعمر جاويش الداودية ومطفى أفندي الشريف اختيارية متفرقـة وبيـت بلغيـه وبيـت قصبـة رضوان وبيت الفرح وهم كثيرون اختيارية وأوده باشيه ومنهم أحمد كتخدا واسمعيل كتخدا وعلـي كتخـدا وذو الفقـار جاويـش واسمعيـل جاويـش وغيرهـم فأخـذ أتبـاع إبراهيم كتخدا يدبرون في أغتيال رضوان كتخدا وأزالته وسعت فيهم عقارب الفتن فتنبه رضوان كتخدا لذلـك فأتفق مع أغراضه ولمك القلعة والأبواب والمحمودية وجامع السلطان حسن وأجمع إليه كثير مـن أمرائـه وغيرهـم مـن أنضـم إليهم وكاد يتم له الأمر فسعى عبد الرحمن كتخدا والاختيارية في أجـراء الصلـح وطلـع بعضهـم إلـى رضـوان نصحهـم لأنـه كـان سليـم الصـدر ففـرق الجمـع ونـزل إلى بيته الذي بقوصون فاغتنموا عند ذلك الفرصة وبيتوا أمرهم ليلًا وملكوا القلعة والأبواب والجهات والمترجـم فـي غفلتـه آمـن فـي بيتـه مطمئـن مـن قبلهـم ولا يـدي مـا خبـئ لـه فلـم يشعـر إلا وهم يضربون عليه بالمدافع وكان المزين يحلق له رأسه فسقطت على داره الحلل فأمر بالاستعداد وطلب من يركن إليهم فلم يجد أحدًا وجدهم قد أخذوا حوله الطرق والنواحي فحارب فيهم إلى قريب الظهر وخامر عليه أتباعه فضربه مملوكه صالح الصغير برصاصة من خلف الباب الموصل لبيت الراحة فأصابته في ساقه وهرب مملوكه إلى الأخصام وكانوا وعدوه بأمرية أن هو قتل سيده‏.‏

فلمـا حضـر إليهـم وأخبرهـم بمـا فعـل أمر علي بك بقتله‏.‏

ثم أمر رضوان بك بالخيول وركب في خاصتـه وخـرج مـن نقـب نقبـه فـي ظهـر البيـت وتألـم مـن الضربـة لأنهـا كسـرت عظم ساقه فسار إلى جهة البساتين وهو لا يصدق بالنجاة فلم يتبعه أحد ونهبوا داره ثم ركب وسار إلـى جهـة الصعيـد‏.‏

فمـات بشـرق أولـاد يحيـى ودفـن هنـاك‏.‏

فكانـت مدتـه بعـد قسيمـه قريبًا من ستة أشهر‏.‏

ولما مات تفرقت صناجقه ومماليكه في البلاد وسافر بعضهم إلى الحجاز من ناحية القصير ثم ذهبوا من الحجاز إلى بغداد واستوطنوها وتناسلوا وماتوا وإنقضت دولتهما‏.‏

فكانت مدتهما نحو سبع سنوات ومصر في تلك المدة هادية من الفتن والشرور والإقليم البحري والقبلي أمن وأمان والأسعار رخيـة والأحـوال مرضيـة واللحـم الضانـي المجـروم مـن عظمـه رطلـه بنصفيـن والجاموسي بنصف والسمن البقري عشرته بأربعين نصف فضة اللبن المنعاد كذلك والمكرر قنطاره بألف نصف والعسل القطر قنطاره بمائة وعشرين نصفًا واقل والرطل البن القهوة بأثني عشر نصفًا والتمر يجلب من الصعيد في المراكب الكبار ويصب على ساحل بولاق مثل عرم الغلال ويباع بالكيل والأردب والأرز أردبه بأربعمائة نصف والعسل النحل قنطاره بخمسمائة نصف وشمع العسل رطله بخمسة وعشرين نصفًا وشمع الدهن بأربعة أنصاف والفحم قنطاره بأربعيـن نصفـا والبصـل قنطاره بسبعة أنصاف وفسر على ذلك‏.‏

يقول جامعه‏:‏ أني أدركت بقايا تلـك الأيـام وذلـك أن مولـدي كـان فـي سنة 1167 ولما صرت في سن التمييز رأيت الأشياء على ما ذكر إلا قليلًا وكنت أسمع الناس يقولون الشيء الفلاني زاد سعره عما كان في سنة كذا وذلـك فـي مبـادئ دولـة إبراهيـم كتخـدا وحدوث الاختلال في الأمور وكانت مصر إذ ذاك محاسنها باهرة وفضائلها ظاهرة ولأعدائها قاهرة ويعيش رغدًا بها الفقير وتتسع للجليل والحقير وكان لأهل مصر سنن وطرائق فـي مكـارم الأخلـاق لا توجـد فـي غيرهـم‏.‏

أن فـي كـل بيـت مـن بيـوت جميـع الأعيان مطبخين أحدهما أسفل رجالـي والثانـي فـي الحريـم‏.‏

فيوضـع فـي بيـوت الأعيـان السمـاط فـي وقتي العشاء والغداء مستطيلًا في المكان الخارج مبذولًا للناس ويجلس بصدره أمير المجلس وحوله الضيفان ومن دونهم مماليكه وأتباعه‏.‏

ويقف الفراشون في وسطه يفرقون على الجالسين ويقربون إليهم ما بعد عنهم من القلايا والمحمرات ولا يمنعون في وقت الطعام من يريد الدخول أصلًا ويرون أن ذلك من المعايب حتى أن بعض ذوي الحاجات عند الأمراء إذا حجبهم الخدام أنتظروا وقت الطعام ودخلوا فلا يمنعهم الخدم في ذلك الوقت فيدخل صاحب الحاجة ويأكل وينال غرضه من مخاطبة الأمير لأنه إذا نظر على سماطه شخصًا لم يكن رآه قبل ذلك ولم يذهب بعد الطعام عرف أن لـه حاجـة‏.‏

فيطلبـه ويسألـه عـن حاجتـه فيقضيهـا لـه وأن كـان محتاجا واساه بشيء‏.‏

ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف يطبخون فيها الأرز باللبن والـزردة ويملـأون مـن ذلك قصاعًا كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين‏.‏

ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزرده‏.‏

ويعطونهم بعد ذلك دراهـم ولهـم غيـر ذلـك صدفـات وصلـت لمـن يلـوذ فيهـم ويعرفـون منـه الأحتياج وذلك خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشـو بالسكـر والعجميـة والشريـك علـى المدافـن والترب في الجمع والمواسم‏.‏

كذلك أهل القرى والأرياف فيهم من مكارم الأخلاق ما لا يوجـد فـي غيرهـم مـن أهـل قرى الإقليم فإن أقل ما فيهم إذا نزل به ضيف ولم لم يعرفه أجتهد وبـادر بقـراه فـي الحـال وبـذل وسعـه في أكرامه وذبح له ذبيحة في العشاء وذلك ما عدا مشايخ البلاد والمشاهير من كبار العرب والمقادم فإن لهم مضايف واستعدادات للضيوف ومن ينـزل عليهـم مـن السفـار والأجنـاد‏.‏

ولهـم مساميـح وآطيـان فـي نظيـر ذلـك خلفـا عن سلف إلى غير ذلك ومات

الأجل المكرم والملاذ المفخم الخواجا الحاج أحمد بن محمـد الشرايبـي

وكـان مـن أعيـان التجار المشتهرين كأسلافه وبيتهم المشهور بالازبكية بيت المجد والفخر والعز ومماليكهم وأولاد مماليكهـم مـن أعيـان مصـر جربجية وأمراء ومنهم يوسف بك الشرايبي‏.‏

وكانوا في غاية من الغنى والرفاهيـة والنظـام ومكارم الأخلاق والأحسان للخاص والعام ويتردد إلى منزلهم العلماء والفضلاء ومجالسهم مشحونة بكتب العلم النفيسة للأعارة والتغيير وأنتفاع الطلبة ولا يكتبون عليها وقفية ولا يدخلونهـا فـي مواريثهـم ويرغبـون فيهـا ويشترونهـا بأغلـى ثمـن ويضعونهـا علـى الرفـوف والخزائـن والخورنقـات وفـي مجالسهـم جميعـًا‏.‏

فكـل مـن دخـل إلـى بيتهـم مـن أهل العلم إلى أي مكان يقصد الإعارة أو المراجعة وجد بغيته ومطلوبه في أي علم كان من العلوم ولو لم يكن الطالـب معروفـًا ولا يمنعون من يأخذ الكتاب بتمامه فإن رده في مكانه رده وأن لم يرده وأختص بـه أو باعـه لا يسأل عنه وربما بيع الكتاب عليهم واشتروه مرارًا ويعتذرون عن الجاني بضرورة الاحتياج وخبزهم وخبزهم وطعامهم مشهور بغاية الجودة والإتقان والكثرة وهو مبذول للقاصي والداني مع السعة والاستعداد وجميعهم مالكيو المذهب على طريقة أسلافهم وأخلاقهم جميلة وأوضاعهم منزهة عن كـل نقـص ورذيلـة‏.‏

ومـن أوضاعهـم وطرائقهـم أنهـم لا يتزوجـون إلا مـن بعضهـم البعـض ولا تخـرج مـن بيتهـم امرأة إلا للمقبرة فإذا عملوا عرسا أولموا الولائم وأطعموا الفقراء والقراء على نسق أعتادوه وتنزل العروس من حريم أبيها إلى مكان زوجهـا بالنسـاء الخلـس والمغاني والجنك تزفها ليلًا بالشموع وباب البيت مقلوق عليهن وذلك عندما يكون الرجال في صلاة العشاء بالمسجد الأزبكي المقابل لسكنهم وبيتهم يشتمل على أثني عشر مسكنا كل مسكن بيت متسع على حدته‏.‏

وكان الأمراء بمصر يترددون إليهم كثيرًا من غير سبق دعوة وكـان رضـوان كتخـدا يتفسـح عنـد المترجـم فـي كثيـر مـن الأوقـات مع الكمال والاحتشام ولا يصحبه فـي ذلـك المجلـس إلا الطفـاء مـن ندمائـه وإذا قصـده الشعراء بمدح لا يأتونه في الغالب إلا في مجلسه لينالوا فضيلتين ويحرزوا جائزتين‏.‏

وكان من سنتهم أنهم يجعلون عليهم كبيرًا منهم وتحت يده الكاتـب والمستوفـي والجابـي فيجمـع لديـه جميـع الأيراد من الألتزام والعقار والجامكية ويسدد الميري ويصرف لكل إنسان راتبه على قدر حاله وقانون أستحقاقه‏.‏

وكذلك لوازم الكساوي للرجال والنساء في الشتاء والصيف ومصروف الجيب في كل شهر وعند تمام السنة يعمل الحساب ويجمـع مـا فضل عنده من المال ويقسمه على كل فرد بقدر استحقاقه وطبقته‏.‏

واستمروا على هذا الرسم والترتيب مدة مديدة فلما مـات كبارهـم وقـع بينهـم الاختلـاف واقتسمـوا الإيـراد وأختص كل فرد منهم بنصيبه يفعل به ما يشتهي‏.‏

وتفرق الجمع وقلت البركة وأنعزل المحبون وصار كل حزب بما لديهم فرحون وكان مسك ختامهم صديقنا وأخانا في اللوذعي الأريب والنـادرة المفـرد النجيـب سيـدي إبراهيـم بـن محمـد بـن الـدادة الشرايبـي الغزالـي‏.‏

كـان رحمـه اللـه تعالى ملكي الصفات بسام الثنايات عذع المورد رحيب النادي واسع الصدر للحاضر والبادي قطعنا معـه أوقاتـا كانـت لعيـن الدهـر قـرة وعلـى مكتوب العمر عنوان المسرة‏.‏

وما زال يشتري متاع الحياة بجوهر عمره النفيـس مواظبـًا علـى مذاكـرة العلـم وحضـور التدريـس حتـى كـدر المـوت ورده وبدد الدهـر الحسـود بنوائبـه عقـده كمـا يأتـي تتمـة ذلـك فـي سنـة وفاتـه وأنمحـت بموتـه مـن بيتهـم المآثـر وتبدد بقية عقدهم المتناثر‏.‏

ومـات أحمـد جلبـي ابـن الأميـر علـي والأمير عثمان وتزوج مماليك القازدغلية نساءهم وسكنوا في بيتهم‏.‏

ومنهم سليمان أغا صالح وتقلد الزعامة وصار بيتهم بيت الوالي وتوفي سنة 1171 وفاة السلطان محمود خان وتولية السلطان عثمان ومـات سلطـان الزمـان محمـود خان العثماني وكانت مدته نيفًا وعشرين سنة وهو آخر عثمان في حسن السيرة والشهامة والحرمة واستقامة الأحوال والمأثر الحسنة‏.‏

توفي ثامن عشر صفر سنة 168‏.‏

وتولى السلطان عثمان بن أحمد أصلح الله شأنه ومات النبيه النبيل والفقيه الجليل والسيد الأصيل السيد محمد المدعو حمودة السديدي أحد ندماء الأمير رضوان كتخدا ولد بالمحلة الكبرى وبها نشأ وحفظ القرآن وأشتغل بطلب العلم فحصل مأموله في الفقه والمعقول والمعاني والبيان والعـروض وعانـى نظـم الشعـر وكـان جيـد القريحة حسن السليقة في النظم والنثر والأنشاء وحضر إلى مصر وأخذ عن علمائها وأجتمع بالأمير رضوان كتخدا عزبان الجلفي المشار إليه وصار من خاصة ندمائه وأمتدحه بقصائد كثيرة طنانة وموشحات ومزدوجة بديعة والمقامة التي داعب بها الشيخ عمار القروي و أردفها بقصيـدة رائيـة بليغـة فـي هجـو المذكـور سامحهمـا اللـه‏.‏

وكـل ذلـك مذكور في الفوائح الجنانية لجامعه الشيخ عبد الله الأدكاوي‏.‏

حج رحمه الله ومات وهو آيب بأجرود سنة 1163‏.‏

ومات الأجل المكرم محمد جلبي ابن إبراهيم جربجي الصابونجي مقتولًا وخبره أنه لما توفي أبوه وأخـذ بلـاده وبيتهـم تجـاه العتبـة الزرقـاء علـى بركـة الأزبكيـة فتوفي أيضًا عثمان جربجي الصابونجي بمنفلوط وذلك سنة 1147 ومات غيره كذلك مـن معاتيقهـم وكـان محمـد جربجـي مثـل والـده بالبـاب ويلتجيء إلى يوسف كتخدا البركاوي فلما مات البركاوي خاف من علي كتخدا الجلفي فالتجأ إلى عبـد اللـه كتخـدا القازدغلـي وعمـل ينكجـري فـأراد أن يقلـده أوده باشـه ويلبسـه الضلمـة فقصـد السفـر إلـى الوجـه القبلـي وذلك في سنة أربع وخمسين فسافر وأستولى على بلاد عثمان جربجي ومعاتيقه وقام هناك وكان رذلا نجيلًا طماعًا شرهًا في الدنيا وكان مماليكـه يهربون منه وكانت أخته زوجا لعمر أغا خازندار أبيه ولم يفتقدها بشيء‏.‏

ولما مات إبراهيم كتخدا القازدغلي ورضوان كتخدا الجلفي بدأ أمر أتباع إبراهيم كتخدا في الظهـور وكـان المتعيـن بالإمـارة منهـم عثمـان بـك الجرجـاوي وعلـي بـك الذي عرف بالغزاوي وحسين بـك الـذي عـرف بكشكـش وهـؤلاء الثلاثـة تقلدوا الصنجقية والإمارة في حياة أستاذهم‏.‏

والذي تقلـد الإمـارة منهـم بعـد موتـه حسيـن بـك الـذي عـرف بالصابونجـي وعلـي بـك بلـوط قبـان وخليل بك الكبيـر‏.‏

وأمـا مـن تأمـر منهـم بعـد قتـل حسيـن بك الصابونجي فهم حسن بك جوجه واسمعيل بك أبـو مدفـع‏.‏

وأمـا مـن تأمـر بعـد ذلـك بعنايـة علـي بك بلوط قبان عندما ظهر أمره فهو اسمعيل بك الأخيـر الـذي تـزوج ببنـت أستاذه وكان خازنداره وعلي بك السروجي‏.‏

فلما أستقر أمرهم بعد خـروج رضـوان كتخدا وزوال دولة الجلفية تعين بالرياسة منهم على أقرانه عثمان بك الجرجاوي فسـار سيـرًا عنيفـًا مـن غيـر تدبـر وناكـد زوجـه سيـده بنـت البارودي وصادرها في بعض تعلقاتها فشكـت أمرهـا إلـى كبـار الاختياريـة فخاطبـوه فـي شأنهـا وكلمـه حسـن كتخدا أبو شنب فرد عليه ردًا قبيحـًا فتحزبـوا عليـه ونزعـوه مـن الرياسة وقدموا حسين بك الصابونجي وجعلوه شيخ البلد‏.‏

لم يزل حتى حقد عليه خشداشينه وقتلوه‏.‏

وخبر موت حسين بك المذكور أنه لما مات إبراهيم كتخدا قلدوا المذكور إمارة الحج وطلع سنة 1169 وسنة 1170 ثم تعين بالرياسة وصار هو كبيـر القـوم والمشـار إليـه وكـان كريمـًا جـوادًا وجيهـًا وكـان يميل بطبعه إلى نصف حرام لأن أصله من مماليك الصابونجي فهرب من بيته وهـو صغيـر وذهـب إلـى أبراهيـم جاويـش فاشتراه من الصابونجي ورباه ورقاه ثخم زوجه بزوجة محمد جربجي ابن إبراهيم الصابونجي وسكن بيتهم وعمره ووسعه وأنشأ فيه قاعة عظيمة فلذلك أشتهر بالصابونجي ولما رجع من الحجاز قلد عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان وهو عبـد الرحمـن أغـا المشهـور فـي شهـر شعبـان مـن سنـة 1171 وطلـع بالحـج في تلك السنة محمد بك بـن الدالـي ورجـع فـي سنـة 1172 ثـم أن المترجـم أخرج خشداشه علي بك المعروف ببلوط قبان ونفاه إلى بلده النوسات وأخرج خشداشه أيضًا عثمان بك الجرجاوي منفيًا إلى اسيوط وأراد نفي علي بك الغزاوي وإخراجه إلى جهة العادلية فسعى فيه اختيارية بواسطة نسيبه علي كتخدا الخربطلي وحسن كتخدا أبي شنب فألزمه أن يقيم بمنزل صهره علي كتخدا المذكور ببركة الرطلي ولا يخرج من البيت ولا يجتمع بأحد من أقرانه وأرسل إلى خشداشه حسين بك المعروف بكشكش فأحضره من جرجا وكان حاكمًا بالولاية فأمره بالأقامة في قصر العيني ولا يدخل إلى المدينة‏.‏

ثم أرسل إليه يأمره بالسفر إلى جهة البحيرة وأحضروا إليه المراكب التي يسافر فيها ويريد بذلك تفرق خشداشينه في الجهات ثم يرسل إليهم ويقتلهم ليينفرد بالأمر والرياسة ويستقل بملك مصر ويظهر دولة نصف حرام وهو غرضه الباطني‏.‏

وضم إليه جماعة من خشداشينه وتوافقوا معه على مقصد ظاهرًا وهم حسن كاشف جوجه وقاسم كاشف وخليل كاشف جرجي وعلي أغا المنجي واسمعيل كاشف أبـو مدفـع وآخـر يسمـى حسـن كاشف‏.‏

وكانوا من إخصائه وملازميه فاشتغل معهم حسين بـك كشكـش واستمالهـم سـرًا وأتفـق معهـم علـى أغتيالـه فحضـروا عنـده في يوم الجمعة على جري عادتهم وركبوا صحبته إلى القرافة فزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم رجع صحبتهم إلىمصر القديمة فنزلوا بقصر الوكيـل وباتـوا صحبتـه فـي أنـس وضحـك‏.‏

وفي الصباح حضر إليهم الفطور فأكلوه وشربوا القهوة وخرج المماليك ليأكلوا الفطور مع بعضهم وبقي هو مع الجماعة وحده وكانوا طلبوا منه أنعامًا فكتب إلـى كـل واحـد منهـم وصـولا بألـف ريـال وألـف أردب قمح وغلال ووضعوا الأوراق في جيوبهم ثم سحبوا عليه السلاح وقتلوه وقطعوه قطعًا ونزلوا من القصر وأغلقوه على المماليك والطائفة من خـارج‏.‏

وركـب حسـن كاشـف جوجـه ركوبـة حسيـن بك وكان موعدهم مع حسين بك كشكش عند المجراة فإنه لما أحضروا له مراكب السفر تلكأ في النزول وكلما أرسل إليه حسين بك يستعجلـه بالسفـر يحتـج بسكـون الريـح أو ينـزل بالمراكـب ويعـدي إلى البر الآخر ويوهم أنه مسافر ثم يرجـع ليـلًا ويتعلـل بقضـاء أشغالـه‏.‏

وأستمـر علـى ذلـك الحـال ثلاثـة أيـام حتـى تمـم أغراضـه وشغله مع الجماعة ووعدهم بالأمريات‏.‏

وأتفق معهم أنه ينتظرهم عند المجراة وهم يركبون مع حسين بك ويقتلونه في الطريق أن لم يتمكنوا من قتله بالقصر‏.‏

فقدر الله أنهم قتلوه وركبوا حتى وصلوا حسيـن بـك كشكـش فأخبـروه بتمـام الأمـر فركـب معهـم ودخلـوا إلـى مصـر وذهـب كشكـش إلى بيت حسين بك الداودية وملكه بما فيه وأرسل بأحضار خشداشيه المنفيين‏.‏

وعندما وصل الخبر إلى علي بك الغزاوي ببركة الرطلي ركب في الحال مع القاتلين وطلعوا إلى القلعة وأخذوا في طريقهـم أكابـر الوجاقليـة ومنهـم حسـن كتخـدا أبو شنب وهو من أغراض حسين بك المقتول وكان مريضـًا بالآكلـة فـي فمه‏.‏

فلما دخلوا إليه وطلبوه نزل إليهم من الحريم فأخبروه بقتلهم حسين بك فطلبوه للركوب معهم فاعتذر بالمرض فلم يقبلوا عذره فتطيلس وركب معهم إلى القلعة وولوا علـي بـك كبيـر البلـد عوضـًا عن حسين بك المقتول وكان قتله في شهر صفر سنة 1171 ثم أن مماليكه وضعوا أعضاءه في خرج وحملوه على هجين ودخلوا به إلى المدينة فأدخلوه إلى بيت الشيـخ الشبـراوي بالرويعـي فغسلـوه وكفنـوه ودفنـوه بالقرافة‏.‏

وسكن علي بك المذكور بيت حسين بك الصابونجي الذي بالازبكية وأحضروا علي بك من النوساب وعثمان بك الجرجاوي من أسيـوط وقلدواخليـل كاشـف صنجقيـة واسمعيـل أبو مدفع كذلك وقاسم كاشف قلدوه الزعامة ثم قلدوا بعد أشهر حسن كاشف المعروف بجوجه صنجقية ايا وكان ذلك في ولاية علي باشا ابن الحكيم الثانية فكان حال حسين بك المقتول مع قاتليه كما قال الشاعر‏:‏ وإخـوان تخذتهمـو دروعًا فكانوهـا ولكن للاعادي وخلتهمو سهامـا صائبـات فكانوها ولكن في فؤادي وأما من مات في هذا التاريخ من الأعيان خلاف حسين بك المذكور فالشيخ الإمام الفقيه المحـدث الأصولـي المتكلـم الماهـر الشاعـر الأديـب عبـد اللـه بـن محمـد بن عامر شرف الدين الشبراوي الشافعي ولد تقريبًا في سنة 1092 هو من بيت العلم والجلالة فجده عامر بن شرف الدين ترجمه الأميني في الخلاصة ووصفه بالحفظ والذكاء فأول من شملته أجازته سيدي محمد بن عبد الله الخرشي وعمره إذ ذاك نحو ثمان سنوات وذلكفي سنة 1100 وتوفي الشيخ الخرشي المالكـي فـي سابـع عشرين الحجة سنة 1101 وتولى بعده مشيخة الأزهر الشيخ محمد النشرتي المالكـي وتوفـي فـي ثامن عشري الحجه سنة 1120 ووقع بعد موته فتنة بالجامع الأزهر بسبب المشيخة والتدريس بالاقبغاوية وأفترق المجاورون فرقتين تريد الشيخ أحمد النفراوي والأخرى تريد الشيخ عبد الباقي القليني ولم يكن حاضرًا بمصر فتعصب له جماعة النشرتي وأرسلوا يستعجلونه للحضور فقبل حضوره تصدر الشيخ أحمد النفراوي وحضر للتدريس بالاقبغاوية فمنعه القاطنون بها وحضر القليني فأنضم إليه جماعة النشرتي وتعصبوا له فحضـر جماعـة النفراوي إلى الجامع ليلًا ومعهم بنادق وأسلحة وضربوا بالبنادق في الجامع وأخرجوا جماعة القلينـي وكسـروا بـاب الاقبغاويـة وأجلسـوا النفراوي مكان النشرتي‏.‏

فاجتمعت جماعة القليني في يومها بعد العصر وكبسوا الجامع وقفلوا أبوابه وتضاربوا مع جماعة النفراوي فقتلوا منهم نحو العشرة أنفار وانجرح بينهم جرحى كثيرة وانتهبت الخزائن وتكسرت القناديـل‏.‏

وحضـر الوالـي فأخـرج القتلـى وتفـرق المجـاورون ولـم يبـق بالجامـع أحـد‏.‏

ولـم يصـل فيـه ذلـك اليـوم وفـي ثاني يوم طلع الشيـخ أحمـد النفـراوي إلـى الديـوان ومعـه حجـة الكشـف علـى المقتوليـن فلم يلتفت الباشا إلى دعواه لعلمـه بتعديـه وأمـره بلـزوم بيتـه وأمـر بنفـي الشيـخ محمـد شنـن إلـى بلـده الجدية وقبضوا على من كان بصحبته وحبسوهم في العرقانة وكانـوا أثنـي عشـر رجـلًا‏.‏

وأستقـر القلينـي فـي المشيخـة والتدريـس‏.‏

ولما مات تقلد بعده الشيخ محمد شنن وكان النفراوي قد مات‏.‏

ولما مات الشيخ شنن تقلد المشيخة الشيخ إبراهيم ابن موسى الفيومي المالكي‏.‏

ولما مات في سنة سبع وثلاثين انتقلت المشيخـة إلـى الشافعيـة فتولاهـا الشيخ عبد الله السبراوي المترجم المذكور في حياة كبار العلماء بعـد أن تمكن وحضر الأشياخ كالشيخ خليل بن أبراهيم اللقاني والشهاب الخليفي والشيخ محمد بـن عبد الباقي الزرقاني والشيخ أحمد النفراوي والشيخ منصور المنوفي والشيخ صالح الحنبلي والشيخ محمد المغربي الصغير والشيخ عيد النمرسي‏.‏

وسمع الأولية وأوائل الكتب من الشيخ عبـد الله بن سالم البصر أيام حجه ولي يزل يترقى في الأحوال والأطوار ويفيد ويملي ويدرس حتى صار أعظم الأعاظم ذا جاه ومنزلة عند رجال الدولة والأمراء ونفذت كلمته وقبلـت شفاعتـه وصـار لأهـل العلم في مدته رفعة مقام ومهابة عند الخاص والعام وأقبلت عليه الأمراء وهادوه بأنفس ما عندهم وعمر دارًا عظيمة على بركة الأزبكية بالقرب من الرويعي وكذلك ولده سيدي عامر عمر دارًا تجاه دار أبيه وصرف عليها أموالًا جمة‏.‏

وكان يقتني الظرائف والتحائـف مـن كل شيء والكتب المكلفة النفيسة بالخط الحسن وكان راتب مطبخ ولده سيدي عامـر فـي كـل يـوم مـن اللحـم الضانـي رأسيـن مـن الغنـم السمـان يذبحـان فـي بيتـه وكـان طلبـة العلم في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي في غاية الأدب والأحترام‏.‏

ومن آثـاره كتـاب مفائـح الألطـاف فـي مدائـح الأشـراف وشـرح الصـدر في غزوة بدر ألفها بإشارة علي باشا ابن الحكيم وذكـر فـي أخرهـا نبـذة مـن التاريـخ وولـاة مصـر إلـى وقت صاحب الإشارة‏.‏

وله ديوان يحتوي على غزليـات وأشعار ومقاطيع مشهور بأيدي الناس وغير ذلك كثير توفي في صبيحة يوم الخميس سادس ذي الحجة سنة 1171 وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل عن ثمانين سنة تقريبًا‏.‏

ومـات الشيـخ الإمـام الأحـق بالتقديـم الفقيـه المحدث الورع الشيخ حسن ابن علي بن أحمد بن عبد الله الشافعي الأزهري المنطاوي الشهير بالمدابغي أخذ العلوم عن الشيخ منصور المنوفي وعمر بن عبد السلام التطاوني والشيخ عيد النمرسي والشيخ محمد بن أحمد الوزازي ومحمد بن سعيد التنبكتي وغيرهم خدم العلم ودرس بالجامع الأزهر وأفتى وألف وأجاد ومنها حاشيته علـى شـرح الخطيـب علـي أبـي شجاع نافعة للطلبة وثلاثة شروح على الآجرومية وشرح الصيغة الأحمديـة وشرح الدلائل وشرح على حزب البحر وشرح حزب النووي شرحًا لطيفًا‏.‏

واختصر شـرح الحـزب الكبيـر للبنانـي ورسالـة فـي القـراءات العشـر وأخـرى فـي فضائـل ليلـة القدر وأخرى في المولد الشريف وحاشيته على جمع الجوامع المشهورة وحاشيته على شرح الأربعين لابن حجر وأختصر سيرة ابن الميت وحاشية التحرير وحاشية على الأشموني وشرح قصيدة المقري التي أولها سبحان من قسم الحظوظ وحاشية على الشيخ خالد وغير ذلك‏.‏

ومات العلامة القدوة شمس الدين محمد بن الطيب بن محمد الشرفي الفاسي ولد بفاس سنة 110 واستجاز له ولده من أبي الاسرار حسن ابن علي العجمي من مكة المشرفة وعمره إذ ذاك ثلاث سنوات فدخل في عموم أجازته وتوفي بالمدينة المنورة سنة 1170 وتاريخه مغلق عن ستين عاما رحمه الله تعالى‏.‏

ومـات الشيـخ داود بـن سليمـان بن أحمد بن محمد بن عمر بن عامر بم خضر الشرنوبي البرهاني المالكي الخربتاوي ولد سنة 1080 وحضـر علـى كبـار أهـل العصـر كالشيـخ محمـد الزرقانـي والخرشي وطبقتهما وعاش حتى الحق الأحفاد بالأجداد وكان شيخًا معمرًا مسندًا له عناية بالحديث‏.‏

توفي في جمادى الثانية سنة 1170‏.‏

ومات الشيخ القطب الصالح العارف الواصل الشيخ محمد بن علي الجزائي القاسمي الشهيـر بكشك ورد مصر صغيرًا وبها نشأ وحج وأخذ الطريقة عن سيدي أحمد السوسـي تلميـذ سيدي قاسم وجعله خليفة القاسمية بمصر فلوحظ بالأنوار والأسرار ثم دخل المغرب ليزور شيخه فوجده قد مات قبل وصوله بثلاثة أيام وأخبره تلامذة الشيخ أن الشيخ أخبر بوصول المترجم وأودع له أمانة فأخذها ورجع إلى مصر وجلس للإرشاد وأخذ العهود ويقال أبه تولى القطبانبة توفي سنة 1170‏.‏

ومات الشيخ الفاضل العلامة محمد بـن أحمـد الحنفـي الأزهري الشهير بالصائم تفقه على سيدي علي العقدي والشيخ سليمان المنصوري والسيد محمد أبي السعود وغيرهم وبرع في معرفة فروع المذهب ودرس بالأزهر وبمسجد الحنفـي ومسجـد محـرم فـي أنـواع الفنـون ولازم الشيخ العقيقي كثيرًا ثم أجتمع بالشيخ أحمد العريان وتجرد للذكر والسلوك وترك علائق الدنيا ولبس زي الفقراء ثم باع ما ملكت يداه وتوجه إلى السويس فركـب فـي سفينـة فانكسـرت فخـرج مجردا يساتر العورة‏.‏

ومال إلى بعض خباء الأعراب فأكرمته امـرأة منهـم وجلس عندها مدة يخدمها وثم وصل إلى المنبع على هيئة رثه وأوى إلى جامعها‏.‏

وأتفـق لـه أنـه صعـد ليلـة مـن الليالـي على المنارة وسبح على طريقة المصريين فسمعه الوزير إذ كان منزله قريبًا من هناك فلما أصبح طلبه وسأله فلم يظهر حاله سوى أنه من الفقراء فأنعم عليه ببعض ملابس وأمره أن يحضر إلى داره كل يوم للطعام ومضت على ذلك برهة إلى أن اتفق مـوت بعـض مشايـخ العربـان وتشاجـر أولاده بسبب قسمة التركة فأتوا إلى الينبع يستفتون فلم يكن هناك من يفك المشكل فرأى الوزير أن يكتب السؤال ويرسله مع الهجان بأجرة معينة إلى مكة يستفتـي العلماء فاستقل الهجان الآجرة ونكص عن السفر ووقع التشاجر في دفع الزيادة للهجان وأمتنـع أكثرهـم ووقعـوا فـي الحيـرة‏.‏

فلمـا رأى المترجـم ذلـك طلـب الدواة والقلم وذهب إلى خلوة له بالمسجد فكتب الجواب مفصلًا بنصوص المذهب وختم عليها وناوله للوزير فلما قرأ تعجب وأكرمه الوزير وأجله ورفع منزلته وعين له من المال والكسوة وصار يقرأ دروس الفقه والحديث هنـاك حتـى أشتهـر أمـره وأقبلـت عليه الدنيا‏.‏

فلما أمتلأ كيسه وانجلى بؤسه وقرب ورود الركب المصـري رأى الوزيـر تفلته من يده فقيد عليه ثم لما لم يجد بدا عاهده على أنه يحج ويعود إليه فوصل مـع الركـب إلـى مكـة وأكـرم وعـاد إلـى مصـر ولـم يـزل علـى حالـة مستقيمـة حتـى توفـي عـن فالـج جلـس فيـه شهـورًا فـي سنـة 1170 وهو منسوب إلى سفط الصائم إحدى قرى مصر من إعمال ومـات الإمـام الأديـب المتفنـن أعجوبـة الزمـان علـى بـن تـاج الدين محمد ابن عبد المحسن بن محمد بن سالـم القلعـي الحنفـي المكـي ولـد بمكـة وتربـى فـي حجـر أبيـه في غاية العز والسيادة والسعادة وقرأ عليـه وعلـى غيـره مـن فضـلاء مكة وأخذ عن الواردين إليها ومال إلى فن الأدب وغاص في بحره فاستخرج منه اللآلى والجواهر وطارح الأدباء في المحاضر فبان فضله وبهر برهانه ورحل إلى الشام في سنة 1142 وأجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي فأخذ عنه وتوجه إلى الروم وعاد إلى مكة وقدم إلى مصر سنة ستين ثم غاب عنها نحو عشر سنين ثم ورد عليها وحينئذ كمـل شرحـه علـى بديعيتـه وعلـى بديعيتيـن لشيخـه الشيـخ عبد الغني وغيره ممن تقدم وهي عشر بديعيـات وشرحـه علـى بديعيتـه ثلـاث مجلـدات قـرظ عليـه غالـب فضـلاء مصـر كالشبـراوي والادكـاوي والمرحومـي ومـن أهـل الحجـاز الشيـخ إبراهيـم المنوفـي وكـان للمترجم بالوزير المرحوم علي باشـا ابـن الحكيـم التئـام زائـد لكونـه لـه قـوة يـد ومعرفـة فـي علـم الرمـل وكـان فـي أول اجتماعـه به في الروم أخبره بأمور فوقعت كما ذكرن فازداد عنده مهابة وقبولا‏.‏

ولما تولى المذكور ثاني توليته وهـي سنـة سبعيـن قـدم إليـه مـن مكـة من طريق البحر فأغذق عليه ما لا يوصف ونزل في منزل بالقـرب مـن جامع أزبك بخط الصليبة وصار يركب في موكب حافل تقليدًا للوزير‏.‏

ورتب في بيته كتخدا وخازندار والمصرف والحاجب على عادة الأمراء وكان فيه الكرم المفرط والحياء والمروءة وسعة الصدر في أجازة الوافدين مالًا وشعرًا‏.‏

ومدحه شعراء عصره بمدائح جليلة منهم الشيخ عبد الله الادكاوي له فيه عدة قصائد وجوزي بجوائز سنية‏.‏

ولما عزل مخدومه توجـه إلـى بلـاد الروم فلما ولى الختام ثانيا زاد المترجم عنده أبهة حتى صار في سدة السلطنة أحد الأعيان المشار إليهم وأتخذ دارًا واسعة فيها أربعون قصرًا ووضع في كل قصر جارية بلوازمهـا‏.‏

ولمـا عـزل الوزيـر ونفـي إلـى إحـدى مـدن الـروم سلـب المترجـم جميـع ما كان بيده ونفي إلى الإسكندرية‏.‏

فمكث هناك حتى مات سنة 1172 شهيدًا غريبًا ولم يخلف بعده مثله‏.‏

وله ديوان شعر ورسائل منها تكميل الفضل بعلم الرمل ومتن البديعية سماه الفرج في مدح عالي الـدرج أقتـرح فيهـا بأنـواع منهـا وسـع الأطلـاع والتطريـز والـرث والأعتـراف والعـود والتعجيـب والترهيب والنعريض وأمثلة ذلك كله موضحة في شرحه علـى البديعيـة‏.‏

ولمـا تغيـرت دولـة مخدومه وتغير وجه الزمان عاد روض أنسه ذابل الأفنان ذا أحزان وأشجان لم يطب له المكان ودخل اسم عزه في خبر كان وتوفي في نحو هذا التاريخ‏.‏

ومات العمدة الأجل النبيه الفصيح المفوه الشيخ يوسف بن عبد الوهاب الدلجـي وهـو أخـو الشيخ محمد الدلجي كلاهما ابنا خال المرحوم الوالد وكان إنسانًا حسنًا ذا ثروة وحسن عشرة وكان من جملة جلساء الأمير عثمان بك ذي الفقار ولديه فضيلة ومناسبات ويحفظ كثيرًا من النـوادر والشواهـد وكـان منزلـه المشـرف علـى النيـل ببولـاق مـأوى اللطفاء والظرفاء ويقتني السـراري والجـواري توفي سنة 1171 عن ولديه حسين وقاسم وابنة أسمها فاطمة موجودة في الأحياء إلى الآن‏.‏

ومات الشيخ النبيه الصالح علي بن خضر بن أحمد العمروسي المالكي أخذ عن السيد محمد السلموني والشهاب النفرواي والشيخ محمـد الزرقانـي ودرس بالجامـع الأزهـر وأنتفـع بـه الطلبـة وأختصـر المختصـر الخليلـي فـي نحـو الرابـع ثم شرحه وكان إنسانًا حسنًا منجمعًا عن الناس مقبلًا على شأنه توفي سنة 1173‏.‏

ومات الأستاذ المبجل ذو المناقب الحميدة السيد شمس الدين محمد أبو الأشراق بن وفي وهو ابـن أخـي الشيـخ عبـد الخالـق ولمـا توفـي عمـه في سنة 1161 خلفه في المشيخة والتكلم وكان ذا أبهـة ووقـار محتشمـًا سليـم الصـدر كريـم النفـس بشوشًا‏.‏

توفي سادس جمادى الأولى سنة 1171 وصلـي عليـه بالأزهـر وحمـل إلـى الزاويـة فدفـن عنـد عمـه وقـام بعـده فـي الخلافة الأستاذ مجد الدين محمد أبو هادي ابن وفي رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

ومات الإمام العلامة الفريد الفقيه الفرضي الحيسوبي الشيخ حسين المحلي الشافعي كان وحيد دهره وفريد عصره فقهًا وأصولًا ومعقولًا جيد الاستحضار والحفظ للفروع الفقهية‏.‏

وأما في علم الحساب الهوائي والغباري والفرائض وشبـاك ابـن الهائـم والجبـر والمقابلـة والمساحـة وحـل الأعداد فكان بحرًا لا تشبهه البحار ولا يدرك له قرار وله في ذلك عدة تآليف بخطه ويبيعها لمن يرغب فيها ويأخذ من الطالبين أجرة على تعليمهم فإذا جاء من يريد التعلم وطلب أن يقرأ عليه الكتاب الفلاني تعزز عليه وتمنع ويساومه على ذلك بعد جهد عظيم وكان له حانوت بجوار باب الأزهر يتكسب فيه ببيع المناكيب لمعرفة الأوقات والكتب وتسفيرها‏.‏

وألف كتابًا حافلًا في الفروع الفقهية على مذهب الإمام الشافعي وهو كتاب ضخم في مجلدين معتبر مشهـور معتمـد الأقوال في الأفتاء وله غير ذلك كثير‏.‏

وبالجملة فكان طودا راسخًا تلقى عنه كثيـر مـن أشيـاخ العصـر ومنهـم شيخنـا الشيـخ محمـد الشافعـي الجناجـي المالكي وغيره‏.‏

توفي سنة 170‏.‏ ومات

الشيخ الإمـام المعمـر القطـب

أحـد مشايـخ الطريـق صاحـب الكرامـات الظاهـرة والأنـوار الساطعة الباهرة عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد ابن حجازي بن عبد القادر بن أبي العبـاس بـن مديـن بـن أبـي العباس بن عبد القادر بن أبي العباس بن شعيب بن محمد بن القطب سيدي عمر الرزوقي العفيفي المالكي البرهاني يتصل نسبه إلى القطب الكبير سيدي مرزوق الكفافي المشهور ولد المترجم بمنية عفيف إحدى قرى مصر ونشأ بها على صلاح وعفة ولما ترعـرع قـدم إلـى مصـر فحضـر علـى شيـخ المالكيـة فـي عصـره الشيـخ سالـم النفـراوي أيامـا فـي مختصـر الشيخ خليل وأقبل على العبادة وقطن بالقاعة بالقرب من الأزهر بجوار مدرسة السنانية وحج فلقي بمكة الشيخ أدريس اليماني فأجازه وعاد إلى مصر وحضر دروس الحديث على الإمام المحدث الشيخ أحمد بن مصطفى الإسكندري الشهير بالصباغ ولازمه كثيرا حتى عرف به‏.‏

وأجازه مولاي أحمد التهامي حين ورد إلى مصر بطريقة الأقطاب والأحزاب الشاذلية والسيد مصطفـى البكـري بالخلوتيـة‏.‏

ولمـا توفـي شيخه الصباغ لازم السيد محمد البليدي في دروسه من ذلـك تفسيـر البيضـاوي بتمامـه‏.‏

وروى عنـه جملـة من أفاضل عصره كالشيخ محمد الصبان والسيد محمد مرتضى والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوي وسمعوا عليه صحيح مسلم بالاشرفية وكان كثير الزيارة لمشاهد الأولياء متواضعًا لا يرى لنفسه مقاما متحرزًا في مأكله وملبسه لا يأكل إلا ما يؤتى إليه من زرعه من بلده من العيش اليابـس مـع الدقـة وكانـت الأمـراء تأتـي لزيارتـه ويشمئـز منهـم ويفـر منهم في بعض الأحيان‏.‏

وكل من دخل عنده يقدم له ما تيسر من الزاد من خبـزه الـذي كـان يأكـل منـه‏.‏

وأنتفـع بـه المريدون وكثروا في البلاد ونجبوا ولم يزل يترقى في مدارج الوصول إلى الحق حتى تعلل أياما بمنزله الذي بقصر الشوك‏.‏

توفي في ثاني عشر صفر سنة 172 ودفن بجوار سيدي عبد الله المنوفي ونزل سيل عظيم وذلك في سنة 1178 فهدم القبور وعامـت الأمـوات فانهـدم قبـره وامتـلأ بالمـاء فاجتمـع أولـاده ومريـدوه وبنـوا لـه قبـرًا في العلوة على يمين تربة الشيخ المنوفي ونقلوه إليه قريبا من عمارة السلطان قايتباي وبنوا على قبره قبة معقودة وعملوا له مقصورة ومقاما من داخلها وعليه عمامة كبيرة وصيروه مزارا عظيمًا يقصد للزيارة ويختلـط بـه الرجـال والنسـاء‏.‏

ثـم أنيشـأوا بجانبه قصرًا عاليًا عمره محمد كتخدا اباظة وسوروا له رحبة متسعة مثل الحوش لموقف الدواب من الخيل والحمير دثروا بها قبورا كثيرة بها كثير من أكابـر الأوليـاء والعلمـاء والمحدثيـن غيرهـم مـن المسلميـن والمسلمـات‏.‏

ثـم أنهـم أبتدعـوا له موسمًا وعيدًا في كل سنة يدعون إليه الناس من البلاد القبلية والبحريـة فينصبـون خيامـًا كثيـرة وصواويـن ومطابخ وقهاوي ويجتمع العالم الأكبر من أخلاط الناس وخواصهم وعوامهم وفلاحي الأرياف وأربـاب الملاهـي والملاعـب والغـوازي والبغايـا والقراديـن والحـواة فيملأون الصحراء والبستان فيطـأون القبـور يوقـدون عليهـا النيـران ويصبـون عليها القاذورات ويبوبون ويتغوطون ويزنون ويلوطون ويلعبون ويرقصون ويضربون بالطبول والزمور ليلًا ونهارًا ويستمر ذلك نحو عشرة أيام أو أكثر ويجتمع لذلك أيضًا الفقهاء والعلماء وينصبون لهم خيامًا أيضًا ويقتدي بهم الأكابر من الأمراء والتجار والعامة من غير إنكار بل ويعتقدون ذلك قربة وعبادة‏.‏

ولو لم يكن كذلك لأنكره العلماء فضلًا عن كونهم يفعلونه فالله يتولى هدانا أجمعين‏.‏

ومات الشيخ الأجل المعظم سيدي محمد بكري بن أحمد بن عبد المنعم ابن محمد بن أبي السرور محمد بن القطب أبي المكارم محمد أبيض الوجه ابن أبي الحسن محمد بن الجلال عبد الرحمن بـن أحمـد بـن محمـد بـن أحمـد ابـن محمـد بـن عـوض بـن محمـد بـن عبـد الخالـق بـن عبـد المنعـم بـن يحيـى بـن الحسـن بـن موسـى بـن يحيـى بـن يعقـوب بـن نجـم بـن عيسـى بـن شعبـان ابـن عيسى بن داود بن محمد بن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وكان يقال له سيـدي أبـو بكـر البكـري شيـخ السجـادة بمصـر ولـاه أبـوه الخلافـة فـي حياتـه لمـا تفرس فيه النجابة مع وجـود أخوتـه الذيـن هـم أعمامـه وهـم أبـو المواهـب وعبـد الخالـق ومحمـد بن عبد المنعم‏.‏

فسار في المشيخة أحسن سير وكان شيخًا مهيبًا ذا كلمـة نافـذة وحشمـة زائـدة تسعـى إليـه الـوزراء والأعيان والأمراء‏.‏

وكان الشيخ عبد الله الشبراوي يأتيه في كل يوم قبل الشروق يجلس معه مقدار ساعة زمانية ثم يركب ويذهب إلى الأزهر‏.‏

ولما مات خلفه ولده الشيخ سيد أحمد وكـان المترجـم متزوجـًا بنـت الشيخ الحنفي فأولدها سيدي خليلا وهو الموجود الآن تركه صغيرًا فتربـى فـي كفالـة ابـن عمـه السيـد محمد أفندي ابن علي أفندي الذي أنحصرت فيه المشيخة بعد وفـاة ابـن عمه الشيخ سيد أحمد مضافة إلى نقابة السادة الأشراف كما يأتي ذكر ذلك أن شاء الله‏.‏

وكانت وفاة المترجم في أواخر شهر صفر سنة 1171‏.‏

ومات أيضًا في هذه السنة السلطان عثمان خان العثماني‏.‏

وتولى السلطان مصطفى بن أحمد خـان وعـزل علـي باشـا ابـن الحكيم وحضر إلى مصر محمد سعيد باشا في أواخر رجب سنة 171 واستمر في ولاية مصر إلى سنة 1173‏.‏

وفي تلك السنة نزل مطر كثير سالت منه السيول‏.‏

ومات أفضل النبـلاء وأنبـل الفضـلاء بلبـل دوحـة الفصاحـة وغريدهـا مـن انحـازت لـه بدائعهـا طريفها وتليدها الماجد الأكرم مصطفى أسعد اللقيمي الدمياطي هو أحد الأخوة الأربعة وهم عمر ومحمد وعثمان والمترجم أولاد المرحوم أحمد بن أحمد بن صلاح الدين اللقيمي الدمياطي الشافعي سبط العنبوسي وكلهم شعراء بلغاء توفي سنة 1173‏.‏

وما أديب الزمان وشاعر العصر والأوان العلامة الفاضل شمس الدين الشيخ محمد سعيد بن محمد الحنفي الدمشقي الشهير بالسمان ورد إلى مصر في سنة 1144 فطارح الأدباء وزاحم بمناكبـه الفضـلاء ثـم عـاد إلـى وطنـه وورد إلـى مصـر أيضًا في سنة 1172 وكان ذا حافظة وبراعة وحسن عشرة وصار بينه وبين الشيخ عبد الله الادكاوي محاضرات ومطارحات وذكره في مجموعته وأثنى عليه وأورد له من شعره كثيرًا ثم توجه إلى الشام وقد وافاه الحمام ودفـن بالصالحية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف‏.‏

ومات الشيخ الصالح الشاعر اللبيب الناظم الناثر الشيخ عامر الأنبوطي الشافعي شاعر مفلق هجاء ليب شراره محرق كان يأتي من بلده يزور العلماء والأعيان‏.‏

وكلما رأى لشاعر قصيدة سائرة قلبها وزنا وقافية إلى الهزل والطبيخ فكانوا يتحامون عن ذلك‏.‏

وكان الشيخ الشبراوي يكرمه ويكسيه ويقول له‏:‏ يا شيخ عامر لا تزفر قصيدتي الفلانية وهذه جائزتك‏.‏

ومن بعده الشيخ الخفني كان يكرمه ويغدق عليه ويستأنس لكلامه‏.‏

وكان شيخًا مسنًا صالحًا مكحل العينين دائمًا عجيبًا في هيئته ومن نظمه ألفية الطعام على وزن ألفية ابن مالك وأولها‏:‏ يقول عامـر هـو الانبوطـي أحمـد ربي لست بالقنوطي ومـات الأميـر الكبيـر عمـر بـك بـن حسـن بـك رضوان وذلك أنه لما قلد إبراهيم كتخدا تابعه علي بك الكبير إمارة الحج وطلع بالحجاج ورجع في سنة 1167 ونزل عليهم السيل العظيم بظهر حمار وألقى الحجاج وأحمالهم إلى البحر ولم يرجع منهم إلا القليل تشاور فيمن يقلدونه إمارة الحج فاقتضى رأي إبراهيم كتخدا تولية المترجم وقد صار مسنًا هرمًا فاستعفى من ذلك فقـال لـه إبراهيـم كتخـدا‏:‏ أمـا أن تطلـع بالحـج أو تدفع مائتي كيس مساعدة‏.‏

فحضر عند إبراهيم كتخـدا فـرأى منـه الجد‏.‏

فقال‏:‏ إذا كان ولابد فأني أصرفها واحد ولو أني أصرف ألف كيس‏.‏

ثم توجه إلى القبلة وقال‏:‏ اللهم لا ترني وجه إبراهيم هذا بعد هذا اليوم أما أني أموت أو هو يموت‏.‏

فاستجـاب اللـه دعوتـه ومـات إبراهيـم كتخـدا فـي صفـر قبـل دخـول الحجـاج إلـى مصـر بخمسـة ومات الرجل الفاضـل النبيـه الذكـي المتفنـن المتقـن الفريـد الأوسطـي إبراهيـم السكاكينـي كـان إنسانـا حسنـًا عطارديـا يصنـع السيـوف والسكاكيـن ويجيـد سقيهـا وجلاءهـا ويصنـع قراباتها ويسقطها بالذهب والفضة ويصنـع المقاشـط الجيـدة الصناعـة والسقـي والتطعيـم والبـر كـارات للصنعة وأقلام الجدول الدقيقة الصنعة المخرمة وغير ذلك‏.‏

وكان يكتب الخط الحسن الدقيق بطريقة متسقة معروفة من دون الخطوط لا تخفى وكتب بخطه ذلك كثيرًا مثل مقامات الحريري وكتب أدبية ورسائل كثيرة في الرياضيات والرسميات وغير ذلك وبالجملة فقد كان فريدا في ذاته وصفاته وصناعتـه لـم يخلـف بعـده مثلـه‏.‏

توفـي فـي حـدود هـذا التاريـخ وكـان حانوتـه تجـاه جامـع المرداني بالقرب من درب الصياغ‏.‏

وفي تلك السنة أعني سنة 1171 نزل مطر كثير سالت منه السيول وأعقبه الطاعون المسمى بقارب شيحة الذي أخذ المليح والمليحة‏.‏

مات به الكثير من الناس المعروفين وغيرهم ما لا يحصـى ثـم خـف وأخـذ ينقـر في سنة 1172 وكان قوة عمله في رجب وشعبان وولد للسلطان مصطفـى مولـود فـي تلـك السنـة وورد الأمـر بالزينـة فـي تلـك الأيـام‏.‏

وهـذا المولـود هو السلطان سليم المتولـي الـآن ولمـا قتـل حسيـن بـك القازدغلـي المعـروف بالصابونجـي وتعيـن فـي الرياسـة بعـده علـي بك الكبير وأحضر خشداشينه المنفيين وأستقر أمرهم وتقلد إمارة الحج سنة 1173 فبيت مـع سليمـان بـك الشابـوري وحسـن كتخدا الشعراوي وخليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش المجنـون وأتفـق معهـم علـى قتـل عبـد الرحمـن كتخـدا فـي غيبتـه وأقـام عوضـه فـي مشيخـة البلد خليل بـك الدفتـر دار فلمـا سافـر استشعـر عبـد الرحمـن كتخـدا بذلـك فشـرع فـي نفـي الجماعة المذكورين فأغرى بهم علي بك بلوط فبن فنفى خليل جاويش حيضان مصلي وأحمد جاويش إلى الحجـاز مـن طريـق السويـس علـى البحـر ونفـى حسـن كتخـدا الشعـراوي وسليمـان بـك الشابوري مملوك خشداشه إلى فارسكور‏.‏

فلما وصل علي بك وهو راجع بالحج إلى العقبة وصـل إليـه الخبـر فكتـم ذلك وأمر بعمل شنك يوهم من معه بأن الهجان أتاه بخبر سار ولم يزل سائرًا إلى أن وصل إلى قلعة نخل فانحاز إلى القلعة وجمع الدويدار وكتخدا الحج والسدادرة وسلمهـم الحجـاج والمحمـل وركـب فـي خاصتـه وسـار إلى عزة وسار الحجاج من غير أمير إلى أن وصلوا إلى أجرود فأقبل عليهم حسن بك كشكش ومن معه يريد قتل علي بك فلم يجده فحضر بالحجاج ودخل بالمحمل إلى مصر وأستمر علي بك بغزة نحو ثلاثة شهر وأكثر وكاتب الدولـة بواسطـة باشـة الشـام فارسلـوا إليـه واحـدًا أغـا ووعـدوه ومنـوه وتحيلـوا عليه حتى استقصـوا مـا معـه مـن المـال والأقمشـة وغيـر ذلـك‏.‏

ثم حضر إلى مصر بسعاية نسيبه علي كتخدا الخربطلي وأغراضه ومات بعد وصوله إلى مصر بثمانية أيام‏.‏

يقال أن بعض خشداشينه شغله ولاية مصطفى باشا وأحمد باشا كامل وفـي تلـك السنـة حضـر مصطفـى باشـا واليًا على مصر وأستمر إلى أواخر سنة 1174 ونزل إلى القبة متوجهًا إلى جدة فأقام هناك‏.‏

وحضر أحمد باشا كامل المعروف بصبطلان في أواخر سنـة 1174‏.‏

وكـان ذا شهامـة وقـوة مراس فدقق في الأحكام وصار يركب وينزل ويكشف على الأنبار والغلال فتعصبت عليه الأمراء وعزلوه وأصعدوا مصطفى باشا المعزول وعرضوا في شأنه إلى الدولة وسافر بالعرض الشيخ عبد الباسط السنديوني ووجه مصطفى باشا خازنداره إلى جدة وكيلًا عنه‏.‏

ولما وصـل العـرض إلـى الدولـة وكان الوزير إذ ذاك محمد باشا راغب فوجهوا أحمد باشا المنفصل إلى ولاية قندية ومصطفى باشا إلى حلب ووجهوا باكير باشا والي حلب إلى مصر فحضر وطلع إلـى القلعـة وأقـام نحـو شهريـن ومـات ودفـن بالقرافـة سنـة 1175 وحضر حسن باشا في أواخر سنة ست وسبعين ثم عزل‏.‏

وحضر حمزة باشا في سنة 1179 وسيأتي تتمة ذلك واستقر الحال وتقلـد فـي إمـارة الحـج حسيـن بـك كشكـش وطلـع سنـة 1174 ووقـف لـه العـرب في مضيق وحضر إليه كبراؤهم وطلبوا مطالبهم وعوائدهم فأحضر كاتبه الشيخ خليـل كاتـب الصـرة والصـراف وأمرهم بدفع مطلوبات العرب‏.‏

فذهبوا معه إلى خيمته وأحضر المال وشرع الصراف يعد لهم الدراهم فضرب عند ذلك مدفع الشيل فقال لهم حينئذ‏:‏ لا يمكن في هذا الوقت فاصبروا حتـى ينـزل الحـج فـي المحطـة يحصـل المطلـوب‏.‏

وسـار الحـج حتى خرج من ذلك المضيق إلى الوسع ورتب مماليكه وطوائفه وحضر العرب وفيهم كبيرهم هزاع فأمر بقتلهم فنزلوا عليهم بالسيوف فقتلوهم عن أخرهم وفيهم نيف وعشرون كبيرًا من مشايخ العربان المشهورين خلاف هـزاع المذكور وأمر بالرحيل وضربـوا المدفـع وسـار الحـج وتفـرق قبائـل العـرب ونساؤهـم يصرخـون بطلب الثأر‏.‏

فتجمعب القبائل من كل جهة ووقفوا بطريق الحجاج وفي المضايق وهو يسوق عليهـم مـن إمـام الحـج وخلفـه ويحاربهـم ويقاتلهـم بمماليكـه وطوائفـه حتـى وصل إلى مصر بالحج سالما ومعه رؤوس العربان محملة على الجمال‏.‏

ودخل المدينة بالمحمل والحجاج منصورا مؤيدا فاجتمع عليه الأمراء من خشداشينه وغيرهم وقال له علي بك بلوط قبن‏:‏ أنك افسدت علينا العرب وأخربـت طريـق الحـج ومـن يطلـع بالحـج فـي العـام القابـل بعـد هـذه الفعلـة التـي فعلتهـا‏.‏

فقال‏:‏ أنا الذي أسافر بالحج في العام القابل ومنى للعرب أصطفل‏.‏

فطلع أيضًا في السنة الثانية وتجمع عليه العـرب ووقفـوا فـي كـل طريق ومضيق وعلى رؤوس الجبال وأستعدوا له بما أستطاعوا من الكثرة من كل جهة فصادمهم وقاتلهم وحار بهم وصار يكر ويفر ويحلق عليهم من إمام الحج ومن خلفـه حتـى شردهـم وأخافهـم وقتـل منهـم الكثيـر ولـم يبـال بكثرتهم مع ما هو فيه من القلة فإنه لم يكن معه إلا نحو الثلثمائة مملوك خلاف الطوائف والأجناد وعسكر المغاربة‏.‏

وكان يبرز لحربهم حاسرا رأسه مشهورًا حسامه فيشتت شملهم ويفـرق جمعهـم فهابـوه وأنكمشـوا عـن ملاقاتـه وأنكفـوا عـن الحـج‏.‏

فلـم تقـم للعـرب معـه بعـد ذلـك قائمـة‏.‏

فحـج أربـع مـرات أميـرًا بالحـج آخرهـا سنـة 176 ورجع سنة 1177 ولم يتعرض له أحد من العرب ذهابًا وايابًا بعد ذلك‏.‏

وكذلك أخاف العربان الكائنين حوالي مصر ويقطعون الطريق على المسافرين والفرحين ويسلبون الناس فكان يخـرج إليهـم علـى حيـن غفلـة فيقتلهـم وينهـب مواشيهـم ويرجع بغنائمهم ورؤوسهم في أشناف على الجمال فارتدعوا وأنكفوا عن أفاعيلهم‏.‏

وأمنت السبل وشاع ذكره بذلك‏.‏

وفـي هـذه المـدة ظهـر شـأن علـي بـك بلـوط قبـن واستفحـل أمـره وقلـد اسمعيـل بـك الصنجقية وجعله أشراقـه وزوجـه هانـم بنـت سيـده وعمل له مهما عظيما أحتفل به للغاية ببركة الفيل‏.‏

وكان ذلك فـي أيـام النيـل سنـة 1174 فعلموا على معظم البركة أخشابًا مركبة على وجه الماس يمشي عليها الناس للفرجة‏.‏

واجتمع بها أرباب الملاهي والملاعيب وبهلوان الحبل وغيره من سائر الأصناف والفرج والمتفرجون والبياعون من سائر الأصناف والأنواع وعلقوا الناديل والوقدات على جميع البيـوت المحيطـة بالبركـة وغالبها سكن الأمراء والأعيان أكثرهم خشداشين بعضهم البعض ومماليك إبراهيم كتخدا أبي العروس‏.‏

وفي كل بيت منهم ولائم وعزائم وضيافات وسماعات وآلات وجمعيات‏.‏

وأستمر هذا الفرح والمهم مدة شهر كامل والبلد مفتحة والناس تغدو وتروح ليلًا ونهارًا للحظ والفرجة من جميع النواحي‏.‏

ووردت على علي بك الهدايا والصلات من إخوانه الأمراء والأعيان والاختيارية والوجاقلية والتجار والمباشرين والأقباط والإفرنج والأروام واليهود والمدينـة عامـرة بالخيـر والنـاس مطمئنـة والمكاسب كثيرة والأسعار رخية والقرى عامرة‏.‏

وحضرت مشايخ البلدان وأكابر العربـان ومقـادم الإقاليـم والبنـادر بالهدايـة والأغنـام والجواميـس والسمـن والعسل وكل من الأمراء والإبراهيمية كأنه صاحب الفرح والمشار إليه من بينهم صاحب الفرح علـي بيـك‏.‏

وبعد تمام الشهر زفت العروس في موكب عظيم شقوا به من وسط المدينة بأنواع الملاعيب والبهلوانات والجنك والطبول ومعظم الأعيان والجاويشية والملازمين والسعاة والأغوات إمام الحريمات وعليهم الخلع والتخاليق المثمنة وكذلك المهاترة والطبالـون وغيرهـم مـن المقدميـن والخـدم والجاويشية والركبدارية والعروس في عربة‏.‏

وكان الخازندار لعلي بيك في ذلك الوقت محمد بك أبو الذهب ماشيًا بجانب العربة وفي يده عكاز ومن خلفها أولاد خزنات الأمراء ملبسين بالزرد والخود واللثامات الكشميري مقلدين بالقسي والنشاب وبأيديهم المزاريق الطوال وخلف الجميع النوبة التركية والنفيرات‏.‏

فمن ذلك الوقت أشبهر أمر علي بك وشاع ذكره ونما صيته وقلد أيضًا مملوكه علي بك المعروف بالسروجية‏.‏

ولما كان عبد الرحمـن كتخـدا بـان سيدهـم ومركـز دائـرة دولتهـم انضـوى إلـى ممالأتـه ومـال هـو الآخـر إلـى صداقتـه ليقوى به على أرباب الرياسة من اختيارية الوجاقات وكل منهما يريد تمام الأمر لنفسه‏.‏

حتى أن عبد الرحمن كتخدا لما أراد نفي الجماعة المتقدم ذكرهم مع بعض المتكلمين وصوروا علي أحمد جاويش المجنون ما يقتضـي نفيـه ثـم عرضـوا ذلـك علـى عبـد الرحمن كتخدا فمانع في ذلك وأظهر الغيظ وأصبح في ثانـي يـوم أجتمـع عنـده الاختياريـة والصناجـق علـى عادتهـم‏.‏

فلما تكامل حضور عين عبد الرحمن كتخـدا غاديـا إلـى بيـت علـي بـك وكذلـك باقـي الأمـراء والاختياريـة وصـار الجميـع والديـوان في بيته من ذلك اليوم ولبس الخلعة من الباشا على ذلك ثم أنهم طلعوا أيضًا في ثاني يوم إلى الديوان وأجتمعوا بباب الينكجرية وكتبوا عرضحال بنفي أحمد جاويش وخليل جاويش وسليمان بك الشابوري فقال عبد الرحمن كتخدا‏:‏ وأكتبوا معهـم حسـن كتخـدا الشعـراوي أيضـًا‏.‏

فكتبـوه وأخرجوا فرمانًا بذلك نفوهم كما ذكر واستمروا في نفيهم‏.‏

وعمل أحمد جاويش وقادا بالحرم المدني وخليل جاويش أقام أيضًا بالمدينة والشابوري وحسن كتخدا جهة فارسكور والسرو ورأس الخليج وأخذ علي بك يمهد لنفسه وأستكثر من شراء المماليك وشرع فـي مصـادرة الناس‏.‏

ويتحيل على أخذ الأموال من أرباب البيوت المدخرة والأعيان المستورين مع الملاطفة حادثة سماوية ومـن الحـوادث السماويـة أن فـي يـوم السبـت تاسـع عشـر جمادى الأولى هبت رسح عظيمة شديدة نكبـاء غريبـة وغـرق منهـا بالإسكندريـة ثلاثـة وثلاثـون مركبـا فـي مرسـى المسلميـن وثلاثـة مراكـب في مرسى النصارى‏.‏

وضجت الناس وهاج البحر شديدًا وتلف بالنيل بعض مراكب وسقطت عدة أشجار‏.‏

وطلـع علـي بـك أميـرًا بالحـج فـي سنـة 1177 ورجـع فـي أوائـل سنـة 1178 فـي أبهـة عظيمـة وأرخى مملوكه محمد الخازندار لحيته على زمزم‏.‏

فلما رجع قلده الصنجقية وهو الذي عرف بأبي الذهب‏.‏

ثم قلد مملوكه أيوب أغا ورضوان قرابينه وإبراهيم شلاق بلغيه وذا الفقار وعلي بك الحبشي صناجق أيضًا‏.‏

وأنقضت تلك السنة وأمر علي بك يتزايد‏.‏

وشهلوا أمور الحج على العادة وقبضوا الميري وصرفوا العلوفات والجامكية والصرة وغلال الحرمين والانبار وخرج المحمل علـى القانـون المعتـاد وأميره حسن بك رضوان‏.‏

ولما رجع من البركة بعد أرتحال الحج طلع علي بك وخشداشينه وأغراضه وملكوا أبواب القلعة وكتبوا فرمانا وأخرجوا عبد الرحمن كتخدا وعلي كتخدا الخربطلي وعمر جاويش الداودية ورضوان جربجي الرزاز وغيرهم منفيين‏.‏

فأما عبـد الرحمـن كتخدا فأرسلوه إلى السويس ليذهب إلى الحجاز وعينوا للذهاب معه صالح بك ليوصلـه إلـى السويـس‏.‏

ونفـوا باقـي الجماعـة إلـى جهـة بحـري وأرتجـت مصـر فـي ذلـك اليـوم وخصوصًا لخروج عبد الرحمن كتخدا فإنه كان أعظم الجميع وكبيرهم وابن سيدهم وله الصولة والكلمة والشهرة وبه أرتفع قدر الينكجرية على العزب وكان له عزوة كبيرة ومماليك وأتباع وعساكر مغاربـة وغيرهـم حتـى ظـن الناس وقوع فتنة عظيمة في ذلك اليوم‏.‏

فلم يحصل شيء من ذلك سـوى مـا نـزل بالنـاس مـن البهتـة والتعجـب‏.‏

ثم أرسل إلى صالح بك فرمانا ينفيه إلى غزة فوصل إليه الجاويش فـي اليـوم الـذي نـزل فيـه عبـد الرحمـن كتخـدا فـي المركـب وسافـر وذهـب صالـح بـك إلـى غزة فأقام بها مدة قليلة ثم أرسلوا له جماعة ونقلوه من غزة وحضروا به إلى ناحية بحري وأجلسـوه برشيـد ورتـب لـه علـي بـك مـا يصرفـه وجعـل لـه فائظـا فـي كـل سنة عشرة أكياس‏.‏

فأقام برشيـد مـدة فحضـرت أخبـار وصـول الباشا الجديد وهو حمزة باشا إلى ثغر سكندرية فأرسلوا إلى صالح بك جماعة يغيبونه من رشيد ويذهبون به إلى دمياط يقيم بها وذلك لئلا يجتمع بالباشا‏.‏

فلما وصلت إليه الأخبار بذلك ركب بجماعته ليلًا وسار إلى جهة البحيرة وذهب مـن خلـف جبـل الفيـوم إلـى جهة قبلي فوصل إلى منية ابن خصيب فأقام بها وأجتمع عليه أناس كثيرة من الذين شردهم علي بك ونفاهم في البلاد وبنى له أبنية ومتاريس وكان له معرفة وصداقـة مـع شيـخ العـرب همـام وأكابـر الهـوارة وأكثـر البلـاد الجارية في التزامه جهة قبلي‏.‏

وأجتمع عليـه الكثيـر منهـم وقدمـوا لـه التقـادم والذخيـرة وما يحتاج إليه ووصل المولى حفيد أفندي القاضي وكـان من العلماء الأفاضل ويعرف بطرون أفندي وكان مسنًا هرمًا فجلس على الكرسي بجامع المشهـد الحسينـي ليملـي درسًا فأجتمع عليه الفقهاء الأزهرية وخلطوا عليه وكان المتصدي لذلك الشيـخ أحمـد بـن يونـس والشيـخ عبـد الرحمن البراذعي فصار يقول لهم‏:‏ كلموني بآداب البحث أما قرأتـم آداب البحـث‏.‏

فـزادوا فـي المغالطـة فمـا وسعـه إلا القيـام فانصرفـوا عنـه وهـم يقولون عكسناه‏.‏

وفي شعبان من السنة المذكورة شرع القاضي المذكور في عمل فرح لختان ولده فأرسل إليه علي بك هدية حافلة وكذلك باقي الأمراء والاختيارية والتجار والعلماء حتى امتلأت حواصل المحكمـة بالـأرز والسمـن والعسـل والسكر وكذلك امتلأ المقعد بفروق البن ووسط الحوش بالحطب الرومي وأجتمع بالمحكمة أرباب الملاعيب والملاهي والبهلوانات وغيرهم وأستمر ذلك عدة أيام والنـاس تغـدو وتـروح للفرجـة‏.‏

وسعـب العلماء والأمراء والأعيان والتجار لدعوته‏.‏

وفي يوم الزفة أرسل إليه علي بك ركوبته وجميع اللوازم من الخيول والمماليك وشجر الدر والزرديات وكذلك طاقـم الباشـا من الأغوات والسعاة والجاويشية والنوبة التركية وأركبوا الغلام بالزفة إلى بيت علي بك فألبسه فروة سمور ورجع إلى المحكمة بالموكب وختن معه عدة غلمان وكان مهما مشهودًا وأتحـد هـذا القاضـي بالشيـخ الوالـد بالشيـخ الوالـد وتـرد كـل منهمـا على الآخر كثيرًا وحضر مرة في غيـر وقـت ولا موعـد في يوم شديد الحر فلما صعد إلى أعلى الدرج وكان كثيرًا فاستلقى من التعـب علـى ظهـره لهرمـه فلما تروح وأرتاح في نفسه قال له الشيخ‏:‏ يا أفندي لاي شيء تتعب نفسك أنا آتيك متى شئت‏.‏

فقال‏:‏ أنا أعرف قدرك وأنت تعرف قدري‏.‏

وكان نائبه من الأذكياء أيضًا‏.‏

ولما حضر حمزة باشا سنة 1179 المذكورة واليًا على مصر وطلع إلى القلعة عرضوا له أمر صالح بك وأنه قاطع الطريق ومانع وصول الغلال والميري وأخذوا فرمانا بالتجريد عليه وتقلد حسيـن بـك كشكـش حاكـم جرجـا وأمي رالتجريدة وشرعوا في التشهيل والخروج فسافر حسين بك كشكش وصحبته محمد أبو الذهب وحسن بك الأزبكاوي فالتطموا مع صالح بك لطمة صغيـرة ثـم توجـه وعـدى إلـى شـرق أولـاد يحيـى وكـان حسيـن بـك شبكـة مملـوك حسين بك كشكش نفـاه علـي بـك إلـى قبلـي فلمـا ذهـب صالـح بـك إلـى قبلـي أنضـم إليه وركب معه فلما توجه حسين بك بالتجريدة وعدى صالح بك شرق أولاد يحيى أنفصل عنه وحضر إلى سيده حسين بك وأنضم إليه كما كان ورجع محمد بك وحسن بك إلى مصر وتخلف حسين بك عن الحضور يريـد الذهـاب إلـى منصبـه بجرجـا وأقـام فـي المنيـة فأرسـل إليـه علـي بـك فرمانـا بنفيـه إلـى جهة عينها له فلم يمتثل لذلك وركب في مماليكه وأتباعه وأمرائه وحضر إلى مصر ليلًا فوجـد البـاب الموصـل لجهـة قناطـر السبـاع مغلوقـا فطرقـه فلـم يفتحوه فكسره ودخل وذهب إلى بيته وبقي الأمر بينهـم علـى المسالمة ايامًا فأراد علي بك أن يشغله بالسم بيد عبد الله الحكيم وقد كان طلب منه معجونًا للبـاءة فوضـع لـه السـم فـي المعجـون وأحضـره لـه فأمـره أن يأكـل منـه أولًا فتلكـأ وأعتذر فأمر بقتله‏.‏

وكان عبد الله الحكيم هذا نصرانيًا روميًا يلبس على رأسه قلبق سمور وكان وجيهًا جميل الصورة فصيحًا متكلمًا يعرف التركية والعربية والرومية والطليانية‏.‏

وعلم حسين بك أنها من عزيمة علي بك فتأكدت بينهما الوحشة وأضمر كل منهما لصاحبه السوء وتوافق علي بك مع جماعته على غدر حسين بك أو أخراجه فوافقوه ظاهرًا وأشتغل حسين بك على أخراج علي بك وعصب خشداشينه وغيرهم وركبوا عليه المدافع فكرنك في بيته وأنتظر حضور المتوافقين معه فلم يأته منهم أحد وتحقق نفاقهم عليه‏.‏

فعند ذلك أرسل إليهم يسألهـم عـن مرادهـم فحضـر إليه منهم من يأمره بالركوب والسفر فركب وأخرجوه منفيًا إلى الشام ومعـه مماليكـه وأتباعه وذلك في أواخر شهر رمضان سنة 1179 وأقام بالعادلية ثلاثة أيام حتى عملـوا حسابـه وحسـاب أتباعـه وهـم محيطون بهم من كل جهة بالعسكر والمدافع حتى فرغوا من الحسـاب وأستخلصـوا مـا بقـي علـى طرفهـم ثـم سافـروا إلـى جهة غزة وكانت العادة فيمن ينفى من أمـراء مصـر انـه إذا خـرج إلـى خارج فعلوا معه ذلك ولا يذهب حتى يوفي جميع ما يتأخر بذمته مـن ميري وخلافه وأن لم يكن معه ما يوفي ذلك باع أساس داره ومتاعه وخيوله ولا يذهب إلا خالص الذمة‏.‏

وسافر صحبة علي بك أمراؤه وهم محمد بك وأيوب بك ورضوان بك وذو الفقار بك وعبد الله أغا الوالي وأحمد جاويش وقيطاس كتخدا وباقي أتباعه‏.‏

وأستقر خليل بك كبير البلد مع قسيمه حسين بك كشكش وباقي جماعته وحسن بك جوجو وعزلوا عبد الرحمن الرحمن أغا وقلدوا قاسم أغا الوالي أغات مستحفظان وورد الخبر من الجهة القبلية بأن صالـح بـك رجـع مـن شـرق أولـاد يحيى إلى المنية وأستقر فيها وحصنها‏.‏

فعند ذلك شرعوا في تشهيل تجريـدة وبـرزوا إلـى جهـة البساتيـن‏.‏

وفـي تلـك الأيـام رجـع علـي بـك ومـن معـه علـى حيـن غفلـة ودخل إلى مصر فنزل ببيت حسين بك كشكش ومحمد بك نزل عند عثمان بك الجرجاوي وأيوب بك دخل منزل إبراهيم أغا الساعي فأجتمع الأمراء بالآثار وعملوا مشوره في ذلك‏.‏

فاقتضى الرأي بأن يرسلوه إلى جدة فأجتمع الرأي بأن يعطوه النوسات ويذهب إليها فرضي بذلـك وذهـب إلـى النوسـات وأقـام بهـا وأرسلـوا محمـد بـك وأيـوب بـك وضـوان بـك إلى قبلي بناحية أسيـوط وجهاتها وكان هناك خليل بك الأسيوطي فانضموا إليه وصادقوه وسفروا التجريدة إلى صالـح بـك فهزمـت فأرسلـوا لـه تجريـدة أخـرى وأميرهـا حسـن بـك جوجو وكان منافقا فلم يقع بينهم إلا بعض مناوشات ورجعوا أيضًا كأنهم مهزومون وأرسلوا له ثالث ركبة فكانت الحرب بينهم سجالًا ورجعوا كذلك بعد أن اصطلحوا مع صالح بك أن يذهب إلى جرجا ويأخذ ما يكفيه هو ومن معه ويمكث بها ويقوم بدفع المال والغلال‏.‏

وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 180 وفـي ثانـي شعبـان منهـا اتهمـوا حسـن بـك الأزبكـاوي أنـه يراسـل علـي بك وعلي بك يراسله فقتلوه في ذلك اليوم بقصر العيني ورسموا بنفي خشداشينه وهم حسن بك أبو كرش ومحمد بك الماوردي وسليمان أغا كتخدا الجاويشية سيد الثلاثة وهو زوج أم عبد الرحمن كتخدا وكان مقيمًا بمصر القديمة وقد صار مسنًا فسفروهم إلى جهة بحري ةتخيلوا من أقامـة علـي بـك بالنوسات فأرسلوا له خليل بك السكران فأخذه وذهب به إلى السويس ليسافر إلى جدة من القلزم وأحضر له المركب لينزل فيها‏.‏

وفي ثاني شهر شوال من السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد وكان معتاد الرسـوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد كذلك أرباب العكاكيز فيطلعون إلـى القلعـة ويمشـون إمـام الباشـا مـن بـاب السراية إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون كذلك ثم يقبلون أتكه ويهنئونه وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضًا على رسمهم وأصطلاحهم وينزل الباشا في ثاني يوم إلى الكشك بقراميدان وقد هيئت مجالسـه بالفـرش والمساند والستائر واستعد فراشو الباشا بالتطلي والقهوة والشربات والقماقم والمباخر ورتبـوا جميع الأحتياجات واللوازم من الليل وأصطف الخدم والجاويشيـة والسعـاة والملازمـون وجلـس الباشـا بذلـك الكشك وحضرت أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد ثم يأتي الدفتر دار وأمير الحـاج والأمـراء الصناجـق والاختياريـة وكتخـدا الينكجريـة والعـزب أصحاب الوقت والمقادم والأوده باشية واليمقات والجربجية فيهنئون الباشا ويعيدون عليه وعلى قدر مراتبهم بالقانون والترتيب ثم ينصرفون‏.‏

فلما حضروا في ذلك اليوم المذكور وهنأ الأمراء الصناجـق الباشـا وخرجـوا إلـى دهليـز القصـر يريـدون النـزول وقـف لهم جماعة وسحبوا السلام عليهم وضربوا عليهم بنـادق فأصيـب عثمـان بـك الجرجـاوي بسيف في وجهه وحسين بك كشكش أصيب برصاصة نفذت من شقه وسحب الآخرون سلاحهم وسيوفهم وأحتاط بهم مماليكهم نط أكثرهم من حائـط البستـان ونفـذوا مـن الجهـة الأخرى وركبوا خيولهم وهم لا يصدقون بالنجاة‏.‏

و انجرح أيضًا اسمعيل بك أبـو مدفـع ومحمـود بـك وقاسـم أغـا ولكـن لـم يمـت منهـم إلا عثمـان بـك‏.‏

وباتـوا علـى ذلـك فلما أصبحوا اجتمعـوا وطلعـوا إلـى الأبـواب وأرسلـوا إلـى الباشـا يأمرونـه بالنـزول فنـزل إلـى بيـت أحمـد بـك كشـك بقوصـون وعنـد نزولـه ومـروره ببـاب العـزب وقـف لـه حسين بك كشكش وأسمعه كلامًا قبيحًا ثم أنهم جعلوا عوضا خليل بك بلغيه قائمقام وقلدوا عبد الرحمن أغا مملوك عثمان بك صنجقًا عوضًا عن سيده ونسبت هذه النكتة إلى حمزة باشا وقيل أنها من علي بك الذي بالنوسـات ومراسلاته إلى حسن بك جوجو فبيت مع أنفار من الجلفية وأخفاهم عنده مدة أيام وتواعدوا على ذلك اليوم وذهبوا إلى الكشك بقراميدان وكانوا نحو الأربعين فاختلفوا واتفقوا علـى ثاني يوم بدهليز بيت القاضي وتفرقوا إلا أربعة منهم ثبتوا على ذلك الأتفاق وفعلوا هذه الفعلـة وبطل أمر العيد من قراميدان من ذلك اليوم‏.‏

وتهدم القصر وخرب وكذلك الجنينة ماتت أشجارهـا وذهبـت نضارتهـا لمـا حصلـت هـذه الحادثـة أرسلوا حمزة بك إلى علي بك فوجده في المركب بالغاطس ينتظر أعتدال الريح للسفر فرده إلى البر وأركبه بمماليكه وأتباعه ورجع إلى جهـة مصـر ومـر مـن الجبـل وذهب إلى جهة شرق اطفيح ثم إلى أسيوط بقبلي ورجع حمزة بك إلـى مصـر‏.‏

ثـم أن علـي بـك أجتمـع عليه المنفيون وهوارة وخلافهم وأراد الأنضمام إلى صالح بك فنفر منه فلم يزل يخادعه وكان علي كتخدا الخربطلي هناك منفيًا من قبله وجعله سفيرًا فيما بينـه وبيـن صالـح بـك هـو وخليـل بـك الأسيوطـي وعثمـان كتخـدا الصابونجـي فأرسلهـم فلم يزالوا به حتى جنح لقولهم‏.‏

فعند ذلك أرسل إليه محمد بك أبو الذهب فلم يزل به حتى أنخدع له وأجتمـع عليـه بكفالـة شيـخ العرب همام وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا على الكتاب والسيف‏.‏

وكتبوا بذلـك حجـة وأتفـق مع علي بك أنه إذا تم لهم الأمر أعطى لصالح بك جهة قبلي قيد حياته‏.‏

وأتفقـوا علـى ذلـك بالمواثيـق الأكيـدة وأرسلـوا بذلـك إلـى شيـخ العـرب همام فانسر بذلك ورضي به مراعاة لصالح بك وأمدهم عند ذلك همام بالعطايا والمال والرجال وأجتمع عليهـم المتفرقـون والمشـردون مـن الغـز والأجنـاد والهوارة والشجعان ولموا جموعا كثيرة وحضروا إلى المنية وكان بها خليل بك السكران‏.‏

فلما بلغه قدومهم أرتحل منها وحضر إلى مصر هاربًا وأستقر علي بك وصالح بك وجماعتهم بالمنية وبنوا حولها أسوارا وأبراجا وركبوا عليها المدافع وقطعوا الطريق علـى المسافريـن المبحريـن والمقبليـن‏.‏

وأرسـل علـي بـك إلـى ذي الفقار بك وكان بالمنصورة وصحبته جماعة كشاف فارتحلوا ليلًا وذهبوا إلى المنية فعمل الأمراء جمعية وعزموا على تشهيل تجريدة وتكلمـوا وتشـاوروا فـي ذلك فتكلم الشيخ الحفناوي في ذلك المجلس وأفحمهم بالكلام ومانع في ذلـك وحلـف أنـه لا يسافـر أحد بتجريدة مطلقًا وإن فعلوا ذلك لا يحصل لهم خير أبدًا فقالوا‏:‏ إنه هـو الذي يحرك الشر ويريد الانفراد بنفسه ومماليكه وأن لم نذهب إليه أتى هو إلينا وفعل مراده فينا فقال لهم الشيخ‏:‏ أنا أرسل إليه مكاتبة فلا تتحركوا بشيء حتى يأتي رد الجواب‏.‏

فلم يسعهـم إلا الإمتثـال فكتـب لـه الشيـخ مكتوبًا ووبخه فيه وزجره ونصحه ووعظه وأرسلوه إليه فلم يلبـث الشيـخ بعـد هـذا المجلـس إلا أيامـًا ومـرض ورمـى بالـدم وتوفـي إلـى رحمـة اللـه تعالـى‏.‏