المجلد الثاني - شهر شوال سنة 1214 في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية

شهر شوال سنة 1214 في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية

وهي أول الحوادث التي حصلت بينهم وهو أن جماعة من عسكر العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في الناس زعجة وكرشة وأغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها أشخاص قليلة من الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء العسكر في تمهيد ذلك وأزالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن أثار الفتنة وهم ستة أنفار وأرسلهم الى ساري عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره بذلك‏.‏

وقال لابد من خروج عسكرهم الى عرضيهم حتى تنقضي الأيام المشروطة وإذا دخل منهم أحد الى المدينة لا يدخلون إلا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم أحد ووقف جماعة من الفرنساوية خارج باب النصر فإذا أراد أحد من العسكر أو من أعيان العثمانية الدخول الى المدينة فعند وصوله إليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص أو شخصان موكلان به يمشيان أمامه حتى يقضي شغله ويرجع فإذا وصل الى الفرنساوية الملازمين خارج البلد أعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي الى أصحابه فكان هذا شأنهم‏.‏

وفي منتصفه توجه جماعة من أعيان الفرنساوية الى الاسكندرية بمتاعهم وأثقالهم وفيهم دوجا قائمققام وديزه ساري عسكر الصعيد وبوسليك رئيس الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم الى البحر يريدون السفر الى بلادهم فتعرض لهم الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا الى ساري عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك الى الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه وأصبح زاحفًا الى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر أيام المهلة المتفق عليها في دخول الوزير الى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك طلبوا ثمانية أيام أجلة زيادة على أيام المهلة فأجيبوا الى ذلك ووصل الأمراء المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية الى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم ووطاقهم هناك ثم إن الفرنساوية جعلوا الثمانية أيام المذكورة ظرفًا لجمع عساكرهم وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلًا بأطراف مصر ممتدًا من مصر القديمة الى شبرا وترددوا الى نواحي القلاع وهي لم يكن بها أحد وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع والبنب على العربات ليلًا ونهارًا والناس يتعجبون من ذلك‏.‏

ومصطفى باشا قائمقام ومن معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئًا والبعض يقول إن الوزير أرسل إليهم وأمرهم برد ذلك كما كان ونحو ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن‏.‏

ويقال إن الفرنساوية أرسل إليهم بعض أصدقائهم من الانكليز وعرفوهم أن الوزير اتفق مع الانكليز على الإحاطة بالفرنساوية إذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الإشارة إليه تحققوا ذلك وأرسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصر ما ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم الى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا الجهات وأبقوا من أبقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم الى ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم إلا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الألفي بالأزبكية وبعض بيوت الأزبكية وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل‏.‏

وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن آغا نزله أمين فلما حضرا إليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب ساري عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره طوابير فمنهم من توجه الى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليها فلم يسعهم إلا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من إخوانهم الى جهة العرضي فلما قاربوه أرسلوا الى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه إلا الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء‏.‏

وأما أهل مصر فإنهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم اللغط والقيل والقال ولم يدركوا حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا الى أطارف البلد وقتلوا أشخاصًا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا الى أصحابهم وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساوية وخرج السيد عمر أفندي نقيب الأشراف والسيد أحمد المحروقي وانضم إليهما أتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك حسين آغا شتن أخو أيوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة أهل البلد وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والأوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالأزقة وأطارف البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على ساق وخرج الكثير منهم الى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الأجناد المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم أيضًا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك الى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم ابراهيم بك ثم أخرى وخلفهم سليم آغا ثم أخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الأشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان آغا الخازندار وابراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسناري وصحبتهم مماليكهم وأتباعهم فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا الى وكالة ذي الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة‏:‏ اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة الى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكسبون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم فتحزبت النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوي والأروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الأسلحة والبارود والمقاتلون لظنهم وقوع هذا الأمر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمي بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالأزقة من العامة والعسكر ويحامون عن أنفسهم والآخرون يرمون من أسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والأتباع وطوائف من العساكر بخط الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح أرسلوا الى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحبته الأمراء المصرية على أقدامهم وجروا أمامهم الثلاثة مدافع وسحبوها الى الأزبكية وضربوا منها على بيت الألفي وكان به أشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم أيضًا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب بين الفريقين الى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالأطراف كلها وبجهة الأزبكية وشرعوا في بناء بعض جهات السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعًا بها فلما عاين ذلك الجميع أجمع رأي الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب وعزة الأقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة أهلها وربما طال الحال فلا يجدون الأقوات لأن غالب قوت أهلها يجلب من قراها في كل يوم وربما امتنع وصول ذلك إذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل‏.‏

وتسامح الناس بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت الخطة الجمالية وما والاها من الأخطاط بازدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة وركب بعضهم بعضًا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن والجمال المحملة بالأثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف ما لا يوصف وتسامع أهل خان الخليلي من الألداشات وبعض مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا الى خيول الأمراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل وأغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة أصحابهم بالجمالية وفي أزقة الحارات أيضًا وكل متهيئ للخروج‏.‏

فلما حصل ذلك وأصبح يوم السبت فتهيأ كرباء العساكر والعساكر ومعظم أهل مصر ما عدا الضعيف الذي لا قوة له للحرب وذهب المعظم الى جهة الأزبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس وأخذوا عدة مدافع زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الأمراء وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد وأحجار استعملوها عوضًا عن الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت ساري عسكر بالأزبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي أو فرنساوي أخذه وذهب به الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر أمره ويقتل البعض ظلمًا وربما قتل العامة من قتلوه وأتوا برأسه لأجل البقشيش وكذلك كل من قطع رأسًا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها إما لنصوح باشا بالأزبكية وإما لعثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد أيام أغلقوا باب القرافة وباب البرقية وباقي الأبواب التي في أطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي الاحتراس وجلس عثمان بك الأشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف أيوب وجماعة أيوب بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح وأولاد القرافة والعامة وزعر الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل من كان في حارة من أطراف البلد انضم الى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع أهل مصر والعساكر كلها واقفة بأطراف البلد عند الأبواب والمتاريس والأسوار وبعض عساكر من العثمانية وما انضم إليهم من أهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية إذا جاء صارخ من جهة من الجهات أمدوه بطائفة من هؤلاء وصار جميع أهل مصر إما بالأزقة ليلًا ونهارًا وهو من لا يمكنه القتال‏.‏

وأما بالأطراف وراء المتاريس وهو من عنده إقدام وتمكن من الحرب ولم ينم أحد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وابراهيم بك وجماعاتهم وعسكر من الينجرية والأرنؤد والدلاة وغيرهم جهة الأزبكية ناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التي عند جامع أزبك والعتبة الزرقا وأنشاء عثمان كتخدا معملًا للبارود ببيت قائد آغا بخط الخرنفش وأحضر القندقجية والعربجية والحدادين والسباكين لإنشاء مدافع وبنبات وإصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئية وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الأخشاب وفوع الأشجار والحديد وجمعوا الى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وأرباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتمامًا زائدًا وأنفق أموالًا جمة وأرسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما أدخلوا مدفعًا أدخلوه بجمع عظيم من الأوباش والحرافيش والأطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب بكلمات مثل قولهم‏:‏ الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك الألفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة التي عند درب عبد الحق وعطفة البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه وأشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصًا اسمعيل بك كاشف المعروف بأبي قطية فإنه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب وبيت مراد بك الذي أصله بيت حسن بك الأزبكاوي وبيت أحمد آغا شويكار وتترس فيهما وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي‏.‏

وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة أخرى وحضر أيضًا رجل مغربي يقال إنه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقًا والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي أمورًا تنكر عليه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهن من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعًا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم إليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل إليهم الأطعمة‏.‏

فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض أوباش العامة ونهبوا داره وسجنوه مع أولاده وحريمه وأحضروه الى الجمالية وهو ماش على أقدامه ورأسه مكشوفة وحصلت له إهانة بالغة وسمع من العامة كلامًا مؤلمًا وشتمًا فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هاله ذلك واغتم غمًا شديدًا‏.‏

ووعده بخير وطيب خاطره وأخذه سيدي أحمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه الى داره وأكرمهم وكساهم وأقاموا عنده حتى انقضت الحادثة وباشر السيد أحمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمآكل والمشارب وكذلك جميع أهل مصر كل إنسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان بعضهم بعضًا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة وأما الفرنساوية فإنهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد وببيت الألفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم والبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر الناس بعد دخول الباشا والأمراء ومن معهم من العسكر الى مصر أيامًا قليلة وهم يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الأرياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على أهل مصر ثم يرجعون الى بلادهم كل ذلك ولم يعلم أحد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب واختلفت الروايات والأخبار وأما الوزير فإنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فإنهما تقاتلا مع الفرنساوية ثم رجعا الى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا الى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الأمان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم وأخرجوهم حيث شاؤوا فذهبوا أشتاتًا في الأرياف يتكففون الناس ويأوون الى المساجد الخربة ومات أكثرهم من العري والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية وتكلموا مع الوزير وأوجعوه بالكلام فاعتذر إليهم بأعذار ومنها عدم الاستعداد للحرب وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالًا على أمر الصلح الواقع بين الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع الانكليز فقال له عثمان بك‏:‏ أرسل معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم إلا المطيع والمتطوع وهم نحو الألف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتًا ومنتشرًا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة وأصيب سرج ساري عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانه الى الأرض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم واستصرخ الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد الظلام أحاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فأصبح المسلمون وقد رأوا إحاطة العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على إثرهم الى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير ورجع الى الشام وأما مراد بك فإنه بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على اباشا والأمراء بالمطرية‏.‏

وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب الى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الأمور وأقام مطمئنًا على نفسه واعتزل الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والأمراء الذين انحصروا بمصر ذلك أخفوه بينهم وأشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وإرسال السعاة في طلب النجدة والمعونة‏.‏

وربما افتعلوا أجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت إن حضرة الصدر الأعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس وفي غد أو بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما أنتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على الصبر والقتال وملاقاة العدو ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لأصحابهم الذين بمصر فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر الأرنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم الى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول الخارجة فحاموا ودافعوا عن أنفسهم وخلصوا منهم ودخلوا الى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا أن يقولوا للناس إذا سئلوا أنهم حاضرون مددًا وسيأتي في إثرهم عشرون ألفًا وعليهم كبير ونحو ذلك وأما بولاق فإنها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى ابشتيلي وأمثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم وأسلحتهم ورمحوا وصفحوا وأول ما بدؤوا به أنهم ذهبوا الى وطاق الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا الى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية وأخذوا ما أحبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد وقوي في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنًا ببولاق من نصارى القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم أشخاص هذا ما كان من أمر هؤلاء وأما ما كان من أمر ساري عسكر الفرنساوية ومن معه فإنه لما استوثق بهزيمة الوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل لخفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضًا من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبلبيس ورجع الى مصر وقد بلغت الأخبار بما حصل من دخول ناصف باشا والأمراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل الى داره بالأزبكية وأحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية أيام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن البلدين وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون إليهم ويتسلقون من الأسوار والحيطان بحريمهم وأولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب وأكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع وأكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من أعالي التلول والقلعات خصوصًا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل وأطراف النهار في الغدو والبكور والأسحار وعدمت الأقوات وغلت أسعار المبيعات وعزت المأكولات وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الأسواق وامتنع الطوافون به على الأطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من المآكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار أو الأسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفًا وستين نصفًا وأما البحر فلا يكاد يصل إليه أحد وتكفل التجار ومساتير الناس والأعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين فأرسلوا إليهم الأمان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والأمراء وأعانوهم بالمال واللوازم وأما يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس واتهم مصطفى آغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية وأنه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس‏.‏

فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا أنفارًا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض على حمية حتى خلصوا الى الناصرية وأما الآغا فإنهم قبضوا عليه وأحضروه بين يدي عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلًا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه فكان الناس يبيتون بالأزقة والأسواق حتى الأمراء والأعيان وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس‏.‏

بحيث صار ينادي على الحمار أو البغل المعدد الذي قيمته ثلاثون ريالًا وأكثر بمائة نصف فضة أو ريال واحدًا وأقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل يوم يتضاعف الحال وتعظم الأهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان اسمعيل بك كاشف الألفي تحصن ببيت أحمد آغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لغمًا بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الأبنية والناس وطاروا في الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم اسمعيل كاشف المذكور وانهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا الى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها الى الرحبة المقابلة لبيت الألفي سكن ساري عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها وكذلك خط الرويعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت الى حد حارة النصارى وصارت كلها تلالًا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت عليها أيدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأقفرت مساكنها وهكذا عقبى سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا‏.‏

وأرسلوا الى مراد بك يطلبونه للحضور أو يرسلوا الأمراء والأجناد التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول إنه محافظ على الجهة التي هو فيها فأرسلوا إليه بالإرسال والاستكشاف عن أمر الوزير فأرسل يخبر أنه أرسل هجانًا الى الشرق من نحو عشرة أيام والى الآن لم يحضر وأن الفرنساوية إذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يضربونهم وأنتم كذلك معهم‏.‏

فاقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الأشقر وغيرهم وسفهوا رأيه وقالوا‏:‏ كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا الى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين ونحو ذلك هذا مما لا يكون أبدًا فأشار ابراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الأشقر ليقول الأشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لرأي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز‏.‏

ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه إن وجدوا شيئًا‏.‏

واستمر ضرب المدافع والقناير والبنادق والنيران ليلًا ونهارًا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائمًا أبدًا بالأزقة والأسواق وكأنما على رؤوسهم الجميع الطير وأما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الأبنية الى غير ذلك‏.‏

وفي أثناء ذلك فرضوا على الناس من أهل الأسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصاري وصار مؤونة غالب الناس الأرز ويطبخونه بالعسل واللبن‏.‏

ويبيعون ذلك في طشوت وأوان بالأسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون‏:‏ عليكم بالجهة الفلانية الحقوا إخوانكم المسلمين فيرمحون الى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون الى غيرها فيفعلون كذلك وكان المحتمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عندما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من إقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلًا ونهارًا ما ينبئ عن فضيلة نفس وقوة قلب وسمو همة وقل أن وقع حرب في جهة من الجهات إلا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والآغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد أحمد المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل الوقت ويأمرون الناس بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون من أتباع الشرطة وينادون باللغة التركية مثل ذلك وجرى على الناس ما لا يسطر في كتاب ولم يكن لأحد في حساب ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلًا عن جزئياته منها عدم النوم ليلًا ونهارًا وعدم الطمأينة وغلو الأقوات وفقد الكثير منها خصوصًا الأدهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولغط الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال الى نحو عشرة أيام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف ورستم تارة أخرى والاثنان من أتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها إذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطًا لطيفًا وأقاموا عليه علمًا وأبطلوا الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولًا من قبلهم الى الباشا والكتخدا والأمراء يطلبون المشايخ يتكلمون معهم في شأن هذا الأمر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم فلما وصلوا الى ساري عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن ساري عسكر قد أمن أهل مصر أمانًا شافيًا وأن الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون إليه من المؤونة والذخيرة حتى يصلوا الى معسكرهم وأما الأجناد المصرية الداخلة معهم فمن أراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الإكرام ومن أراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وإن كان يأخذه الكتخدا فليأخذه وعلينا أن نداويهم حتى يبرأوا ومن أقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن أراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى أهل مصر الأمان فإنهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا عليه ولما كان الغد وشاع أمر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزومًا ورجع هاربًا ولا يمكن عوده في هذا الحين إلا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف باشا وكتخدا الدولة‏:‏ وابراهيم بك ومن معهم فإنهم هم الذين أثاروا الفتنة وهيجوا الرعايا ومنوا الناس الأماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام طويل‏:‏ قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فإنهم لا طاقة لهم على حربنا ويكونون سببًا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له‏:‏ نخشى أنهم إذا امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا الى ساري عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا بعد ذلك فقالوا‏:‏ لا نفعل ذلك فإنهم إذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم وإياهم وعقدنا صلحًا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم وأعطيناهم ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم الى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر أحدًا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائمهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا يقولون‏:‏ هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذلان المسلمين وأنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من أمثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل المغربي الملتف عليه أخلاط العالم ونادى من عند نفسه‏:‏ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصاري فتحير واحتال بأن خرج وأمامه شخص ينادي بقوله‏:‏ الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك أغراض العامة لعدم إدراكهم لعواقب الأمور فالتوا عليهم وتعضد كل بالآخر وأن غرضه هو في دوام الفتنة فإن بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصوره الإمارة باجتماع الأوغاد عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم إليه واشتطاط في المآكل مع فقد الناس لا دون ما يؤكل حتى أنه كان إذا نزل جهة من جهات المدينة لإظهار أنه يريد المعونة أو الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول‏:‏ لا آكل إلا الفراخ ويظهر أنه صائم فيكلف أهل تلك الجهة أنواع المشقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئًا بل إذا دهم العدو تلك الجهة التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما يخاف عليه من مسكن أو أهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل‏:‏ لا ناقتي فيها ولا جملي فإذا قدر ما قدر تخلص مع حزبه الى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد الناس ويرجع لحالته الأولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخًا منصوبًا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الأحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته أظهر من نار على علم أو اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع أنفسهم في مرضاة رب العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم وبالجملة فكان هذا الرجل سببًا في تهدم أغلب المنازل بالأزبكية ومن جملة ما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين أشيع أمر الصلح وتكلم به الأشياخ‏:‏ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه أفتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والأمراء المصرية فما قدر هذا الأهوج حتى ينقض صلحًا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي أو ينصب نفسه بدون أن ينصبه أحد لذلك‏:‏ لكنها الفتن يشتنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة وثوران الرعاع والغوغاء إذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم على أن المشايخ لم يأمروا بشيء ولم يذكروا صلحًا ولا غيره إنما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لأجله لحضرة الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم رموا بعمامته الى الأرض وأسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون‏:‏ لولا أن الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابًا بل ضربوا بالمدافع والبنادق فأرسلوا أيضًا رسلًا يسألونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ فأرسل إليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم‏:‏ إن العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن آخرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل الفرنساوية جواب ذلك في ورقة يقولون في ضمنها‏:‏ قد عجبنا من قولكم إن العساكر لم ترض بالصلح وكيف يكون الأمير أميرًا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو ذلك وأرسلوا أيضًا رسولًا الى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة وشغبًا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويًا يقول‏:‏ أمان أمان سوا سوا وبيده ورقة من ساري عسكر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر أنهم إنما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف وأشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال‏.‏

والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الألفي الى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن أن فيه الصواب وهو أن يرفعوا على هلالات المنارات أعلامًا نهارًا ويوقدون عليها القناديل ليلًا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون أن البلد بيد المسلمين وأنهم منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس أن هناك عسكرًا قادمين لنجدتهم‏.‏

وظن أهل بولاق أن الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين الى يوم الخميس ثاني عشرينه الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت السماء غيمًا كثيفًا وأرعدت رعدًا مزعجًا عنيفًا وأمطرت مطرًا غزيرًا وسيلت سيلًا كثيرًا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه والأوحال ولطخت الأمراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين‏.‏

والفرنساوية هجموا على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لأنهم في خارج الأفنية وهي لا تتأثر بالمياه كداخل الأبنية وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم وكذلك أسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية على أعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية باب الحديد وكوم أبي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون أيضًا وأمامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئًا فشيئًا‏.‏

والمسلمون أيضًا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الآغا وأكثر الناس الى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالًا شديدًا وهاجت العامة وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من كل جهة هذا والأمطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد والبرق وعثمان بك الأشقر الابراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادي ومصطفى كاشف رستم يذهبون ويجيئون من الفرنسيس الى المسلمين ومن الفرنسيس إليهم ويسعون في الصلح بين الفريقين‏.‏

ثم إنهم هجموا على بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلوا بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والأزقة واحترقت الأبنية والدور والقصور وخصوصًا البيوت والرباع المطلة على البحر وكذلك الأطارف وهرب كثير من الناس عندما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم الى الجهة القبلية ثم أحاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والأبازير والأرز والأدهان والأصناف العطرية وما لا تسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفًا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحًا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيًا وأصبح من بقي من ضعفاء أهل بولاق وأهلها وأعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم‏.‏

وذلك يوم الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية أخذ منهم أمانًا لنفسه وأوهم أصحابه أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل إليهم واختفى البشتيلي‏.‏

فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى الرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت ساري عسكر وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث أطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم أن يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وأنه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه‏:‏ إن الكلب دعانا للصلح فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله الى الكتخدا فوقع في يد ساري عسكر كلهبر فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي فعله وقوبل على ذلك بأن أسلم الى عصبته وأمروا أن يطوفوا به البلد ثم يقتلوه ففعلوا ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بأن يرتبوا ديوانًا لفصل الأحكام‏.‏

وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين ألزموا بغرامة مائتي ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب والنهب والسلب الى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصًا الفقراء والدواب وإيذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم الميرة والمدد والفرنساوية بالعكس وفي لك يوم يزحفون الى قدام والمسلمون الى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم أبي الريش وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون المتاريس الى أن وصلوا من ناحية قنطرية الحروبي وناحية باب الحديد الى قرب باب الشعرية‏.‏

وكان شاهين آغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من مكانه ورجع القهقرى فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض‏.‏

وملك الفرنساوية كوم أبي الريش وصاروا يحاربون من كوم أبي الريش وهم في العلو والمسلمون أسفل منهم وكان المحروقي زور كتابًا على لسان الوزير وجاء به رجل يقول إنه رسول الوزير وإنه اختفى في طريق خفية ونط من السور وإن الوزير يقدم بعد يومين أو ثلاثة وإنه ترك بالصالحية وإن ذلك كذب لا أصل له وأن يكتب جوابًا عن فرمان كتبوه على لسان المشايخ والتجار وأرسلوه الى الوزير في أثناء الواقعة‏.‏

هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والأشقر يسعون في أمر الصلح الى أن تموه على كف الحرب وأن الفرنساوية يمهلون العثمانية والأمراء ثلاثة أيام حتى يقضوا أشغالهم ويذهبون حيث أتوا وجعلوا الخليج حدًا بين الفريقين لا يتعدى أحد من الفريقين بر الخليج الآخر وأبطلوا الحرب وأخمدوا النيران وتركوا القتال وأخذ العثمانية والأمراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء أشغالهم وزودهم الفرنساوية وأعطوهم دراهم وجمالًا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانًا مضمونه أنهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر ويرسلون ثلاثة أنفار من أعيانهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل الى الصالحية وأن يوصلهم ساري عسكر داماس بثلثمائة من العسكر خوفًا عليهم من العرب وأن من جاء منهم من جهة يرجع إليها ومن أراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الأشقر فإنه إذا رجع الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين الى وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا فهاجت العامة وراموا قتلهم وهموا بقتل عثمان كتخدا فأغلق دونهم باب الخان ومنع نصوح باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه الى الحسينية وطلب محاربة الفرنسيس فحضر أهل الحسينية الى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو منعه‏.‏

فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه المناداة بأن لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي فهاجوا في العامة ففروا وسكن الحال‏.‏ واستهل

شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1215

فيه خرج العثمانية وعساكرهم وابراهيم بك وأمراؤه ومماليكه والألفي وأجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من أهل مصر ركبانًا ومشاة‏.‏

الى الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي وأجاده وأما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا صحبة الوزير فلم يسع ابراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما وذهابهم بأنفسهم الى قبلي بل رجعا بجماعتهما على إثرهما وذاقوا وبال أمرهم وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة أمل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس من هذه العمارة وما جرى من الغارة إلا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر بما فيها من الثلاثة أيام الهدنة سبعة وثلاثين يومًا وقع بها من الحروب والكروب والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الأمور وقتل الرجال ونهب الأموال وتسلط الأشرار وهتك الأحرار وخصوصًا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الأزبكية الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت الى بيت ساري عسكر بالقرب من قنطرة الدكة‏.‏

وكذلك جهة باب الهواء الى حارة النصارى من الجهة القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فإنها صارت كلها تلالًا وخرائب وكيمان أتربة وقد كانت هذه البركة من أجل منتزهات مصر قديمًا وحديثًا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للأمير بكتمر الحاجب من أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون لأنه هو الذي احتفرها وأجرى إليها الماء من الخليج الناصري وبنى القنطرة المنسوبة إليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها وبين الخليج دورًا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانًا عظيمًا قطع أشجاره وغالب نخيله الفرنساوية‏.‏

ومما تخرب أيضًا حارة المقس من قبل سوق الخشب الى باب الحديد وجميع ما في ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وقال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلًا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون‏.‏

وقال تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا‏.‏

ودخل الفرنساوية الى المدينة يسعون والى الناس بعين الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه وأعده العثمانية والقنابر والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل إنهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية‏.‏

وركب المشايخ والأعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا الى كبير الفرنسيس فلما وصلوا الى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة أبرز إليهم ورقة مكتوب فيها‏:‏ النصرة لله الذي يريد أن المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك ساري عسكر العام يريد أن ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى أهل بر مصر ولو كانوا يخالطون العثملي في الحروب‏.‏

وأنهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليهم بحضورهم الى قبة النصر بكرة تاريخه‏.‏

ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالأسواق وبين أيديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والأمان فلما أصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ والوجاقلية وذهبوا الى خارج باب النصر‏.‏

وخرج أيضًا القلقات والنصارى القبط والشوام وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبًا وساروا ودخلوا من باب النصر وقدامهم جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلًا وبأيديهم سيوف مسلولة ينهرون الناس ويأمرونهم بالوقوف على أقدامهم ومن تباطأ في القيام أهانوه فاستمرت الناس وقوفًا من ابتداء سير الموكب الى انتهائه ثم تلا الطائفة الآمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم لابسون جوخًا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف أشكالهم وأجناسهم وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الأعيان والمشايخ والوجاقلية وأتباعهم الى أن قدم ساري عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر‏.‏

وخلفهم طوائف من خيالة الفرنسيس‏.‏

ولما انقضى أمر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة أيام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلًا ثم دعاهم في يوم الأربعاء وعمل لهم سماطًا عظيمًا على طريقة المصرلية‏.‏

وقلدوا في ذلك اليوم محمد آغا الطناني أغات مستحفظان وركب ونادى بالأمان وأعطوا البكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من عنده فرحين مطمئنين مستبشرين‏.‏

فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب الى مراد بك بجزيرة الذهب باستدعاء فمد لهم أسمطة عظيمة وانبسط معهم وافتخر افتخارًا زائدًا وأهدى الى بعضهم هدايا جليلة وتقادم عظيمة‏.‏

وأعطاه ما كان أرسله درويش باشا معونة للباشا والأمراء من الأغنام وغيرها وكانت نحو الأربعة آلاف رأس وولوه إمارة الصعيد من جرجا الى أسنا ورجع عائدًا الى داره بالأزبكية فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب الى بيت ساري عسكر ولبسوا أفخر ثيابهم وأحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن أن ساري عسكر يقله في هذا اليوم أجل المناصيب أو ربما حصل التغيير والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقربهم الجلوس في الديوان الخارج أهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أحد ثم فتح باب المجلس الداخل وطلبوا الى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الأولى ثم خرج إليهم ساري عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من أعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس وجلس عليه ووقف الترجمان وأصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية وأعيان النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الأشقر والبرديسي أيضًا حاضران وكلم ساري عسكر الترجمان كلامًا طويلًا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان الى الجماعة وشرع يفسر لهم مقالة ساري عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول إن ساري عسكر يطلب منكم عشرة آلاف ألف الى آخر العبارة الآتية وأما هذه العبارة فإنه قالها المهدي‏:‏ فقط إننا لما حضرنا الى بلدكم هذه نظرنا أن أهل العلم هم أعقل الناس والناس بهم يقتدون ولأمرهم يمتثلون ثم أنكم أظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الأمور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم الديوان وغمرناكم بالإحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولأمركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له‏:‏ نحن ما قمنا مع العثملي إلا عن أمركم لأنكم عرفتمونا أننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان وأن البلاد والأموال صارت له وخصوصًا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا إلا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا أنفسنا في وسطهم فلم يمكننا التخلف عنهم‏.‏

فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم أجابهم بقوله‏:‏ ولأي شيء لم تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالوا‏:‏ لا يمكننا ذلك خصوصًا وقد تقوتوا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم‏:‏ وإذا كان الأمر كما ذكرتم ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم إلا الضرر لأنكم إذا حضر أخصامنا قمتم معهم وكنتم وإياهم علينا وإذا ذهبوا رجعتم إلينا معتذرين فكان جزاؤكم أن نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث أننا أعطيناكم الأمان فلا ننقض أماننا ولا نقتلكم وإنما نأخذ منكم الأموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف ألف فرنك عن كل فرنك ثمانية وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة خزنة مصري منها خمسمائة ألف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك خمسمائة وخمسة وثلاثون ألفًا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفًا‏.‏

وأخيه الشيخ فتوح خمسون ألفًا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفًا والشيخ العناني مائتان وخمسون ألفًا نقطتعها من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين آغا شتن وما بقي تدبرون رأيكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر شخصًا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع أصحابه الى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب‏.‏

ووقف الحرس على الباب الآخر يمنعون من يخرج من الجالسين فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا الى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا الأمر إلا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته بمرأى منهم‏.‏

وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به إلا بعض الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم أنه لم يكن شيئًا مذكورًا ولم يزالوا على ذلك الحال الى قريب العصر حتى بال أكثرهم في ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودًا من الرؤساء أخرجوه بحجة أو سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيًا وما صدق بخلاص نفسه‏.‏

هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمخيظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين والقبانين وقضاة المحاكم وغيرهم‏.‏

كل طائفة مبلغ له صورة ثمل ثلاثين ألف فرانسا وأربعين ألفًا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون والزياتون والشواؤون والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على أجرة الأملاك والعقار والدور أجرة سنة كاملة ثم أنهم استأذنوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث أراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائمقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فأضافوا غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون ألف فرانسة وانفض المجلس على ذلك وركب ساري عسكر من يومه ذلك وذهب الى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في المسلمين ما يشاء وقائمقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الأمور والرهونات ونزل الشيخ السادات وركب الى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره فلما مضت حصة من الليل حضر إليه مقدار عشرة من العسكر أيضًا فأركبوه وطلعوا به الى القلعة وحبسوه في مكان فأرسل الى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا له‏:‏ أما القتل فلا نقتله لشفاعتك وأما المال فلابد من دفعه ولابد من حبسه وعقوبته حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه وحبسوهما‏.‏

ثم أنزلوه الى بيت قائمقام فمكث به يومين ثم أصعدوه الى القلعة ثانيًا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة فأقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع إليه هو وبرطلمان فقال لهما‏:‏ أنزلوني الى داري حتى أسعى وأبيع متاعي وأشهل حالي‏.‏

فاستأذنوا له وأنزلوه الى داره فأحضر ما وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة‏.‏

عنها ستة آلاف ريال فرانسة ثم قوموا ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك خمسة عشر ألف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات أحدًا وعشرين ألف فرانسة والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع الى حريمه ولا الى غيره وكان وزع حريمه وابنه الى مكان آخر وبعد أن فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون ويحفرون الأرض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئًا ثم نقلوه الى بيت قائمقام ماشيًا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمدًا السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين الموت حتى عرفهم بمكانهما فأحضروهما وأودعوا ابنه عند أغات الانكشارية وحبسوا زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الإنكاء ثم أن المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الأمير وزين الفقار كتخدا تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها الى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله وأخذوا مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب أكثر أتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فأضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر ألف فرانسة ورد الباقي على الفردة العامة‏.‏

وأما الشيخ محمد ابن الجوهري فإنه اختفى فلم يجدوه فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم أنه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك فأرسلت الى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده كاشفًا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها أيضًا علي الفردة العامة ثم أنهم وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت البارودي وألزموا الآغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء أربابها وأعطوه عسكرًا وأمره بتحصيلها من أربابها وكذلك علي آغا الوالي الشعراوي وحسن آغا المحتسب وعلي كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الأعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها‏.‏

ومضى عيد النحر ولم يلتفت إليه أحد بل ولم يشعروا به ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فإن أحد الناس غنيًا كان أو فقيرًا لابد وأن يكون من ذروي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفيته وأجرة داره أيضًا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم من عند الناس واحتاج كل الى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري وإذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الأثمان‏.‏

وأما أثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا يوجد من يأخذه وأمروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقًا سوى خمسة أنفار من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والأمير وابن محرم والنصارى المترجمين وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبه أو حريمه أو ينهبون داره فإن لم يجدوا شيئًا ردوا غرامته على أبناء جنسه وأهل حرفته‏.‏

وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم أغراضهم وأظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانًا وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤون يطوفون ويحررون أجر المكان والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون أسماء أربابها وقيمتها‏.‏

وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا الى القرى والأرياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار إليه فيما تقدم فتوجه لجهة الصعيد وأقام بأسيوط فأقام بها نحو ثمانية عشر شهرًا‏.‏

ثم أن أكثر الفارين رجع الى مصر لضيق القرى وعدم ما يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار والقتل فيما بينهم وتعدي القوي على الضعيف‏.‏

واستمرت الطرق محفرة والأسواق معفرة والحوانيت مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والأرزاق عاطلة والمطالب عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة وإذا أراد الإنسان أن يفر الى أبعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقًا للذهاب وخصوصًا من الملاعين الأعراب الذين هم أقبح الأجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالأمر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏.‏

وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي الى بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام وما جرى فيه من الحوادث العظام إقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام‏.‏

فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برًا وبحرًا ووقوف الانكليز بثغر الاسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد وتخطوا أيضًا بمراكبهم الى بحر القلزم‏.‏

ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام أيضًا حتى لم يرجع المحمل بل كان مودوعًا بالقدس فلما حضر العساكر الإسلامية أحضروه صحبتهم الى بلبيس‏.‏

فيقال إن السيد بذرا رجع به الى جبل الخليل‏.‏

ومنها وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من أبناء السبيل والتجار وتسلطوا على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر والغنم والجمال والحمير وإفساد المزارع ورعيها حتى كان أهل البلاد لا يمكنهم الخروج ببهائمهم الى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب أهل القرى على بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بأنواع الشرور واستعان بعضهم على بعض وقوي القوي على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وآن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا الى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فإذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت العرب على أثرهم وهكذا كان حالهم وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون‏.‏

ومنها أن النيل قصر مده في هذه السنة فشرقت البلاد وارتحل أهل البحيرة الى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لأنه بقي لهم في الحي نخيل‏.‏

ومنها أنه لما حضرت العثمانية وشاع أمر الصلح وخضوع الفرنساوية لهم نزل طائفة من الفرنسيس الى المنوفية وطلبوا من أهلها كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب أهلها واجتمعوا الى قاضيها وخرج لحربهم فأكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقًا بالمدافع البنادق فقتلوا منهم نيفًا وستمائة إنسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم إلا من فر وكان طويل العمر وكذلك أهل طنتداء عند حضورهم إليهم وصل إليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة الشرق لزيارة سيدي أحمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة أنفار وكان بعض الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض أشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك الرجل بقولهم‏:‏ نصر الله دين الإسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بألسنتهن وصاحت الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم‏.‏

وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجمعي عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا بالبلدة وضربوا عليهم مدفعًا ارتجوا له ثم هجموا عليه ودخلوا إليهم وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم ملتزمو البلدة وأكابرها ومتهمون بكثرة الأموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم بإغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر ألف ريال فرانسة بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا الى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفًا على نهب الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم الى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة أيام خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الأغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا المذكورين صحبتهم الى منوف وحبسوهم أيامًا ثم نقلوهم الى الجيزة أيام الحرابة بمصر‏.‏

فلما انقضت تلك الأيام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة في طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدًا وخمسين ألف ريال فرانسة وعلى أهل البلدة كذلك بل أزيد وأقاموا حول البلد محافظين عليهم وأطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لأنه صاحب الأكثر في الوظيفة والالتزام وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت له نفاخات في جسده ثم أخذوا خليفة المقام أيضًا وذهبوا به الى منوف ثم ردوه وولوه رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك واستمروا على ذلك الى انقضاء العام حتى أخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص زنتا نحو خمسة آلاف مثقال وأما المحلة الكبرى فإنهم رجعوا عليها وقرروا عليها نيفًا ومائة ألف ريال فرانسة وأخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع المياسير من أهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتداء والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم أقبح في الظلم من الفرنسيس بل ومن العرب فإنهم معظم البلاد أيضًا فإنهم هم الذين يعرفون دسائس أهل البلاد ويشيعون أحوالهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم‏.‏

واستمروا على ذلك أيضًا ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون‏.‏

ومنها أنه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية أرسل الوزير فرمانات للثغور بإطلاق الأسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها الى ثغر الاسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا الى المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فاستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم وسلاحهم وحبسوا القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من البحرية والنصارى الأروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحًا وزيوهم بزيهم وأضافوهم الى عسكرهم وأرسلوهم الى مصر فكانوا أقبح مذكور في تسلطهم على إيذاء المسلمين ثم أخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لأنفسهم‏.‏

وبقي الأمر على ذلك وكان ذلك في أواسط شهر القعدة‏.‏

ومنها أنه بعد نقض الصلح أرسل الفرنسيس عسكرًا الى متسلم السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه أهل البندر فحاربوهم فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار وغير ذلك‏.‏

ومنها أن مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح أخذ ما جمعه درويش باشا من الصعيد من أغنام وخيول وميرة وكان شيئًا كثيرًا فتسلم الجميع منه وعدى درويش باشا الى الجهة الشرقية متوجهًا الى الشام وأرسل مراد بك جميع ذلك للفرنساوية بمصر‏.‏

ومنها أيضًا انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس على المخازن والغلا التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلاد الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والأتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد وقرروا على النواحي غلالًا وشعيرًا وفولًا وتبنًا وزادوا خيلًا وجمالًا فوقع على كل إقليم زيادة عن ألف فرس وألف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو نحو ثمنها أو أزيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك‏.‏

وكل ذلك بإرشاد القبطة وطوائف البلاد لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الأقاليم والتزموا لهم بجمع الأموال ونزل كل كبير منهم الى إقليم وأقام بسرة الإقليم مثل الأمير والعساكر الفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والأتباع والأجناد من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين يديه الجنائب والبغال والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم الحراب المفضضة والمذهبة والأسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل الى ولايات الإقليم من جهته المتسوفين من القبط أيضًا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من الفرنساوية والطوائف والجاويشية والصرافين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فإن مضت ولم يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصًا إذا فر مشايخ البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم وإلا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على مفاصلهم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال وأذاقوهم أنواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم وأتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم إليهم الأسافل من القبط والأراذل من المنافقين وتقربوا إليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم وأجهدوا أنفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم الى غير ذلك ما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون‏.‏

ممن له ذكر مات الإمام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوي والجوهري والبليدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد من البكائين عند ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد القرينة وأم الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها وأخبرني بها توفي في هذه السنة ودفن ببستان المجاورين‏.‏ ومات

العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل

أحمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقري الأزهري حضر من بلده طرابلس الغرب الى مصر في سنة إحدى وتسعين وجاور بالأزهر وكان فيه استعداد وحضر دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ أبي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد مرتضى المسلسل بالأولية وغير المسلسل أيضًا وأخذ منه الإجازة في سنة اثنتين وتسعين ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل الى أن تزوج بزوجته بنت الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكيين‏.‏

وتجمل بالملابس وتودد للناس بحس المعاشرة ومكارم الأخلاق وكان سموح النفس جدًا دمث الطباع والأخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيهًا طويل القامة بهي الطلعة بشوشًا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب الى بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة‏.‏

ومات السيد الأفضل والسند الأكمل المقري بن المقري والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق المشكلات بإتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات الفهوم لثامها فأظهر الأنفس من نفيسها والأعز من عزيزها فلا غرو فإنه بذلك حقيق كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي ربي في حجر أبيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات وأتقن القراءات الأربعة عشر بعد أن أتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس وامتدح الأعيان وبينه وبين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفًا في ترجمتها وله أيضًا تآليف وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى استكبرت أم كنت من العالين وكان الباعث على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ أحمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور وأجاره الأمير المذكور بأن رتب له تدريسًا بالمشهد الحسيني ورتب له معلومًا بوقته وقدره كل يوم عشرة أنصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى ماتفي شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف‏.‏

ثم دخلت سنة خمسة عشر ومائتين وألف كان ابتداء المحرم يوم الأحد في خامسه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة وكان أرسل الى كبار القبط بأن يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بأنه لابد من تشهيل قدر نصف الباقي أولًا ولا يمكن غير ذلك وأما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر إرساله للنصارى وغيرهم نقلوهم الى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة‏.‏

وفيه أشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم الى ثغر الاسكندرية وسافر ساري عسكر كلهبر وصحبته الفرنساوية فغاب أيامًا ثم عاد الى مصر ولم يظهر لهذا الخبر أثر‏.‏

وفيه طلبوا عسكرًا من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وأرسلوا الى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الألفين وأحضروهم الى مصر وأضافوهم الى العسكر‏.‏

وفي حادي عشرينه أعادو الشيخ أحمد العريشي الى القضاء كما كان وعملوا له موكبًا وركب معه أعيان الفرنسيس وسواري عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والأعيان وبجانبه قائمقام عبد الله منو الذي كان ساري عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى أوصلوه الى المحكمة الكبرى بعد أن شقوا به المدينة‏.‏

وفي ذلك اليوم أعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو أن ساري عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالأزبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فأشار إليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد إليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان أعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط الى الأرض صارخًا فصاح رفيقه المهندس فذهب إليه وضربه أيضًا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحًا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وأرسلوا العساكر الى الحصون والقلاع وظنوا أنها من فعل أهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا لابد من قتل أهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون عن ذلك القاتل حتى وجدوه منزويًا في البستان المجاور لبيت ساري عسكر المعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميًا فأحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيًا واسمه سليمان فسألوه عن محل مأواه فأخبرهم أنه يأوي ويبيت بالجامع الأزهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل أخبر أحدًا بفعله وهل شاركه أحد في رأيه وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الأيام أو الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة أهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد وقد كانوا أرسلوا أشخاصًا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك براءتهم من ذلك ثم أنهم أمروا بإحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ أحمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم الى نصف الليل وألزموهم بإحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وأنه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الآغا وحضروا الى الجامع الأزهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الآغا وحبسهم ببيت قائمقام بالأزبكية ثم أنهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى أفندي البرصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه أخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أوراقًا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخًا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رأيت كثيرًا من الناس تتشوق نفسه الى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الاعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسوبهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الإقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم ساري عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من أخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجتمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى أفندي البرصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه بعد ذلك من أفعال أوباش العساكر الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد‏.‏

صورة ترجمة الأوراق المذكورة بيان شرح الاطلاع على جسم ساري عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحو الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر الى بيت ساري عسكر العام في الأزبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو أننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبر أن ساري عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأينا في آخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا أنه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت أربعة الأول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني أوطى من الأول جنب السرة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفتردار سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لأجل أن يسلم البيان المذكور الى ساري عسكر مدير الجيوش تحريرًا في سراية ساري عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بإمضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون أننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو أيضًا في جنب ساري عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة أمرار بسلاح مدبب وله حد وهذا بيان الجروحات الأول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الإصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم الى تأييد ذلك وضعنا أسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرًا في سراية ساري عسكر مدبر الجيوش في اليوم والشهر والسنة والساعة المرموقة أعلاه بإمضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن‏.‏

نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت ساري عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من أهل البلد مدعيًا أن هذا هو الذي قتل ساري عسكر العام كلهبر المتهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع ساري عسكر حين انغدر لأنه أيضًا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات‏.‏

ثانيًا المتهوم المذكور كان انشاف بين جماعة ساري عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح ساري عسكر وبعض حوائج أيضًا بتوع المتهوم فحالًا بدئ الفحص بحضور ساري عسكر منو الذي هو أقدم أقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان ساري عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي أحضره ساري عسكر منو لأجل ذلك المتهوم المذكور‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره أربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب‏.‏

سئل كم زمان له في مصر فجاوب أنه بقي له خمسة أشهر وأنه حضر في قافلة وشيخها يسمى سئل عن ملته فجاوب أنه من ملة محمد وأنه كان سابقًا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين أخرى في مكة والمدينة‏.‏

سئل هل يعرف الوزير الأعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب أنه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الأعظم‏.‏

وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب أنه لم يعرف أحدًا وأكثر قعاده في الجامع الأزهر وجملة ناس تعرفه وأكثرهم يشهدون في مشيه الطيب‏.‏

سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وأنه كان قاصد ينشبك كاتب عند أحد ولكن ما قسم له نصيب‏.‏

سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب أن كلهم سافروا‏.‏

سئل كيف يمكن أنه لم يعرف أحدًا من الذين كتب لهم في الأيام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب أنه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وأن غير ممكن أن يفتكر أسماهم‏.‏

سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب أنه يسمى محمد مغربي السويسي بياع عرقسوس وأنه ما كتب لأحد في الجيزة‏.‏

سئل ثانيًا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائمًا أنه كان قاصدًا أن ينشبك كاتبًا‏.‏

سئل كيف مسكوه فيجنينة ساري عسكر فجاوب أنه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له انه ما ينجيك إلا الصحيح لأن عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح أنه كان في الجنينة ولكن ما كان مستخبي بل قاعد لأن الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر أن يروح للمدينة وأن ما كان عنده سكينة ولم يعرف أن كان هذا موجود في الجنينة‏.‏

سئل لأي سبب كان تابع ساري عسكر من الصبح فجاوب أنه كان مراده فقط يشوفه‏.‏

سئل هل يعرف حتة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه ساري عسكر فجاوب بأن هذه ما هي تعلقه‏.‏

سئل إن كان تحدث مع أحد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب أنه ما تكلم مع ناس إلا لأجل مشترى بعض مصالح وأنه نام في الجيزة في جامع فأشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له إن هذه الجروحات بينت أنه هو الذي غدر ساري عسكر لأن أيضًا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب أنه ما انجرح إلا ساعة ما مسكوه‏.‏

سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف أو مع مماليكه فجاوب أنه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته أمر ساري عسكر أنهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالًا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من أول وجديد كما هو مشروح‏.‏

سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب أنه له واحد وثلاثين يومًا وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين‏.‏

سئل لأي سبب حضر من غزة فجاوب لأجل أن يقتل ساري عسكر العام‏.‏

سئل من الذي أرسله لأجل أن يفعل هذا الأمر فجاوب أنه أرسل من طرف أغات الينكجرية وأنه حين رجعل عساكر العثملي من مصر الى بر الشام أرسلوا الى حلب بطلب شخص يكون قادرًا على قتل ساري عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا‏.‏

سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل سارر أحدًا على نيته فجاوب أن ما أحد تصدر له وأنه راح سكن في الجامع الأزهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد أحمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه أنه يرجع عن ذلك لأن غير ممكن أن يطلع من يده ويموت فرط وأن كان لازم يشخصوا واحدًا غيره في قضاء هذه المادة ثم أنه كل يوم كان يتكلم معه في الشغل المذكور وأن أمس تاريخه قال لهم إنه رائح يقضي مقصوده ويقتل ساري عسكر وأنه توجه الى الجيزة حتى ينظر إن كان يطلع من يده وأن هناك قابل النواتية بنوع قنجة ساري عسكر فاستخبر عليه منهم إن كان يخرج برًا فسألوه ايش طالب منه فقال لهم إن مقصوده يتحدث معه فقالوا له إنه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف ساري عسكر معديًا للمقياس وبعده ماشي الى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة ساري عسكر منو بحضور باقي سواري العساكر الكبار وملازمين ببيت ساري عسكر العام ثم انختم بإمضاء ساري منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو أيضًا خط يده واسمه بالعربي سليمان إمضاء ساري عسكر عبد الله منو إمضاء عسكر داماس إمضاء الجنرال والتين إمضاء الجنرال موراند إمضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لروا إمضاء الدفتردار سارتلون إمضاء الترجمان لوماكا إمضاء الترجمان حنا روكه إمضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان ساري عسكر العام‏.‏

فحص الثلاثة مشايخ المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل ساري عسكر العام أمير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل ساري عسكر العام كلهبر فساري عسكر منو أمر بفحصهم فبدئ ذلك حالًا في حضور بعض سواري العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوماكا الترجمان كما يذكر أدناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل أولًا لوحده‏.‏

سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الأزهر وهناك كان كاره مقرئ القرآن وأنه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة‏.‏

سئل إن كانت سكنته في الجامع الأزهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب أنه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه‏.‏

سئل هل يعرف رجلًا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب أن من مدة خمسين يوم ما شاف أحدًا حضر من بر الشام فقيل له إن رجلًا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يومًا قال إنه يعرفك والظاهر أنك لم تتكلم بالصدق فجاوب أنه ملهي دائمًا في وظيفته وأنه ما شاف أحدًا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له أيضًا إن ناسًا حضروا من بر الشام يقولون إنهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب أن هذا غير ممكن وأنهم يقابلوه مع الذي فتن عليه‏.‏

سئل هل يعرف واحدًا اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يومًا فجاوب لا فقيل له إن هذا الرجل يحقق أنه شافه وأنه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب أنه ما شافه وأن هذا الرجل كذاب وأنه يريد أن يموت إن كان ما يحكي الصحيح فحالًا ساري عسكر نده الى محمد الغزي الذي هو أيضًا متهوم في قتل ساري عسكر وبدئ الفحص كما يذكر‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الأزهر ثم صنعته مقرئ القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع إلا لكي يشتري ما يأكل‏.‏

سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب أن في بعض الأوقات يحضر ناس غرباء وأما البواب فهو الذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي‏.‏

سئل هل يعرف رجلًا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يومًا فجاوب أنه لم سئل أنه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فإن المذكور يحقق أنه تكلم معه في الجامع فجاوب أنه يعرفه من مدة ثلاث سنين وأنه كان عنده خبر أنه راح مكة وأما من بعده ما شافه ولم يعرف إن كان رجع أم لا‏.‏

سئل هل السيد عبد الله الغزي يعرفه أيضًا فجاوب نعم فقيل له محقق إن أمس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وأن الشواهد موجودة فجاوب أن هذا صحيح سئل لأي سبب كان بدأ يقول إنه ما شافه فجاوب أن تخمينه ما قال هذا وأن المترجمين غلطوا‏.‏

سئل هل سليمان المذكور ما بلغه عن شيء مذنب قوي وتحقيقًا لذلك معلوم عندنا أنه كان قصده يحوشه فجاوب أنه لم يعرف هذا الأمر وأن سليمان المذكور راح وجاء كام مرة الى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له إنه موجود شواهد أن سليمان المذكور كان أخبره أن مراده أن يغدر ساري عسكر العام وأنه أراد أن يمنعه فجاوب أنه ما بلغه عن هذا الأمر بل أمس تاريخه قال له إنه رائح ويمكن أن ما بقى يرجع فبعده أحضرنا عبد الله الغزي لأجل ينفحص ثانيًا كما يذكر أدناه‏.‏

سئل لأي سبب قال إنه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث أن موجودة شواهد أن هذا له في مصر واحد وثلاثون يومًا وأنه تقابل وإياه جملة مرات وتحدث معه أكثر الأيام فجاوب سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرئ القرآن في جامع الأزهر فجاوب نعم‏.‏

سئل السيد عبد الله المذكور لأي سبب أنكر ذلك فجاوب أنهم لخبطوا عليه السؤال وأن هذا الوقت بحيث أنهم سألوه عن سليمان الذي في حلب فيقر أنه يعرفه فقيل له إنه معلوم عندنا أنه شافه مرارًا كثيرة وتحدث معه فجاوب أنه بقي له ثلاثة أيام ما شافه‏.‏

سئل هل أنه ما قصد يمنعه عن قتل ساري عسكر العام فجاوب أنه ما قال له أبدًا على هذا الأمر وأنه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته‏.‏

سئل لأي سبب ما يحكي الصحيح بحيث أنه موجودة عليه شواهد فجاوب أنه غير ممكن يوجد عليه شواهد وأنه ما شاف سليمان المذكور إلا لأجل أن يسلموا على بعض حين تقابلوا‏.‏

سئل هل سليمان ما أخبره أبدًا عن سبب مجيئه الى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك أخروا الاثنين المذكورين وأحضروا السيد أحمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد أحمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرئ القرآن في الجامع الأزهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره‏.‏

سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب أن وظيفته يقرأ ولا ينتبه الى الغرباء فقيل له إن بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون إنهم شافوه في الجامع فجاوب أنه ما شاف أحدًا‏.‏

سئل هل شاف رجلًا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال إنه يعرفه فجاوب لا وإن كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله‏.‏

سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب أنه يعرف واحدًا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد أفندي وكان طالب أنه يستقيم في الجامع وأن هذا الرجل قال إنه من حلب ومن مدة عشرين يومًا كان شافه وبعدها ما قابله ثم كان قال له إن الوزير في يافا وإن عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه‏.‏

سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب أنه لم يعرفه طيبًا حتى يضمنه‏.‏

سئل هل الاثنان الآخران المتهومان معارفه وهل أن الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب أم أمس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل إنه يعرف أن سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وأنه وضع في الجامع جملة أوراق مضمونها أنه كان قوي متعبدًا لخالقه‏.‏

سئل هل المذكور أمس أيضًا ما وضع أوراقًا في الجامع فجاوب أن ما عنده خبر بذلك‏.‏

سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب أنه أبدًا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب أنه قال له إنه كان مراده يغازي في سبيل الله وإن هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما أخبره باسمه وأنه قصد يمنعه بقوله إن ربنا أعطى القوة للفرنساوية ما أحد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحلة وهذا الفحص تحتم بحضور سواري العساكر المجموعين بإمضاء ساري عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص ساري عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا أسماءهم وخطهم بالعربي تحريرًا في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثلاثة إمضاءات بالعربي إمضاء ساري عسكر منو إمضاء الدفتردار سارتلون إمضاء الترجمان لوماكا ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر‏.‏

المادة الأولى - أن ينشأ ديوان قضاة لأجل أن يشرعوا على الذين غدروا ساري عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال‏.‏

المادة الثانية - القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم ساري عسكر رينيه ساري عسكر فرياند ساري عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بريراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور‏.‏

المادة الثالثة - القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر‏.‏

المادة الرابعة - القضاة المذكورون مفوضون الأمر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى أنهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور أو يكون عندهم خبرة المادة الخامسة - القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق الى موت القاتل ورفقائه‏.‏

المادة السادسة - القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة إمضاء ساري عسكر منو وهذه نسخة من الأصل إمضاء الجنرال رنه كتخدا مدبر الجيوش الفرنسية‏.‏

شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضًا عن ساري عسكر فرياند حكم أمر ساري عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل أبهر في وظيفة وكيل الجمهور لأجل قضاء شريعة قتل ساري عسكر العام كلهبر الذي انغدر أمس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم ساري عسكر رينيه وعلى قرار أمر ساري عسكر منو المشروح أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السر لهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا ساري عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة أعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم أن السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لأجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر إمضاء الوكيل رجنيه إمضاء رئيس المعمار بريراند إمضاء رئيس المدافع فاور إمضاء رئيس العسكر جرجه إمضاء الجنرال موراند إمضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لرو إمضاء ساري عسكر روبين إمضاء ساري عسكر رينيه إمضاء كاتم السر بينه إقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة ساري عسكر العام منو أمير الجيوش في وظيفة مبلغ حكم الأمر الذي خرج من طرفه‏.‏

انتشار القضاة في شرع القاتلين ساري عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر أنه حضر بين يدنا يوسف برين عسكري خيال من الطبجية الملازمين بيت ساري عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال أيضًا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر ساري عسكر العام وأنهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة ساري عسكر وأنهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وأن الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وأن سليمان المذكور كان أيضًا ملغمطًا بدم وأنهم مسكوه في هذه الحالة وأن بعده التزموا يضربوه بالسيف لأجل يمشوه ثم برين المذكور قال إن بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وأنه سلم السكينة في بيت ساري عسكر العام فقربنا إليه إقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب إن هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء برين الخيال إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه ثم حرر أيضًا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أحد الطبجية الملازمين وقال إنه حين كان يفتش على الذي قتل ساري عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة ساري عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وأن في هذه الحالة عرفت أن هذا هو القاتل وأن الحيطان التي كان فات عليها كانت أيضًا ملغمطة دم وأن حين مسكوه بان منه وهم وأن بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وأنهم سلموها في بيت ساري عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الأرض فقرأنا عليه إقراره هذا ثم سألناه إن كان ما فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه إمضاء روبرت الخيال إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه أنا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت الى بيت السيتوين بروتاين لأنه كان راقدًا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه‏:‏ أنا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو أعضاء مدرسة العلم في بر مصر أنني كنت أتمشور تحت الكعبية الكبيرة التي في جنينة ساري عسكر وتطل على بركة الأزبكية وكنت برفقة ساري عسكر العام فنظرت رجلًا لابسًا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فأنا كنت بعيد كام خطوة عن ساري عسكر أنادي على الغفراء فانتبهت لأجل أشوف السيرة رأيت أن الرجل المذكور يضرب ساري عسكر بالسكينة ذاتها كام مرة فارتميت على الأرض وفي الوقت سمعت ساري عسكر يصرخ ثانيًا فهميت ورحت قريبًا من ساري عسكر فرأيت الرجل يضربه فهو ضربني ثانيًا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما عدت نظرت شيا غير أنني أعرف طيب أننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أحد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه والسيتوين بروتاين بعدما ختم الورقة أعلاه قال إن مقصوده يضيف عليها أن بعد غدر ساري عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو متهوم في غدره وغدر ساري عسكر العام عرفه أنه هو ذاته الذي كان ضرب ساري عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه أيضًا هذه الإضافة فجاوب أنها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا إمضاء بروتاين سارتلون إمضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه ستة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة ساري عسكر العام كلهبر ذهبت الى مساعدين ساري عسكر المذكور لأجل أن أسمع إقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن أربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند ساري عسكر كلهبر قال إنه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان ساري عسكر العام حين حضر الى الأزبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وأنه شاف رجلًا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائمًا تابع ساري عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وأنه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أحد سأله ولكن حين نزل ساري عسكر من بيته الى الجنينة لأجل ينفذ الى جنينة ساري عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة ساري عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر ساري عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لأنه كان رماه جنب ساري عسكر وبعده حين انمسك الرجل فعرفه أنه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرئ هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لأجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد أن ينقص فجاوب أن هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرًا في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء السيتوين دهوج إمضاء سارتلون إمضاء بينه كاتم السر‏.‏

ثاني فحص سليمان الحلبي نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهوري الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتيه مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين الى شرع كل من هو متهوم في غدر ساري عسكر العام كلهبر أحضر سليمان الحلبي لأجل نسأله من أول وجديد عن صورة غدر وقتل ساري عسكر وهذا صار بواسطة سئل المذكور عن قصة ساري عسكر فجاوب أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وأنه كان راكب هجين وبحيث أن القافلة كانت خائفة أن تنزل بمصر توجهت الى ريف يسمى الغيطة في ناحية الألفية وهناك استكرى حمارًا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم أن أحد آغا وياسين آغا من أغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل ساري عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب بحيث أنه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وأنهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الأزهر وأن لا يعطي سره لأحد كليًا بل يوعي لروحه ويكسب الفرصة في قضاء شغله لأنها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل ساري عسكر لكن حين وصل الى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لأنه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وأنه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر وأن المشايخ المذكورين قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم إنه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لأنه كان يعرفهم بليدين وأن اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل ساري عسكر قابل أحدهم الذي هو محمد الغزي فعرفه أن مقصوده أن يتوجه الى الجيزة ليفعل هذا الغدر وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر وأن الأوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لأنه عوائد الكتبة أولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وأنه ما أخذ دراهم من أحد في مصر لأن الأغوات كانوا أعطوا له كفايته وأن الأفندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى أفندي وكان يقرأ عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة ولكن ما أخبره بسر خوفًا أن ينشهر وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه قال لهم كل شيء لأنهم من أولاد بلاده ثم حقق لهم أنه ناوي أن يغازي في سبيل الله‏.‏

سئل أين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة فجاوب أنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش‏.‏

سئل أين شاف أحمد آغا الذي يقول إنه عرض عليه مادة قتل ساري عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب أنه حين انكسر الوزير رجع الى العريش وغزة في أواخر شوال أو في أوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وأن أحمد آغا المذكور هو من جملة أغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين أخذ العريش وحين رجع أرسله الى القدس في بيت المتسلم ثم أنه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من ابراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم أباه الذي يسمى الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم أنه رجع عند أحمد آغا ثاني يوم وأن الآغا في وقتها قال له إنه محب ابراهيم باشا وأنه ما يقصر ويوصيه في راحة أبيه ولكن بشرط أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه أيضًا هذا السؤال وحالًا أرسله الى ياسين آغا في غزة لأجل أن يعطي له مصروفه وأنه من بعد هذا الكلام بأربعة أيام سافر من القدس الى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من أحمد آغا وأما أحمد آغا المذكور كان أرسل خدامًا الى غزة لأجل يخبر ياسين آغا بالذي اتفقوا عليه‏.‏

سئل كم يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يومًا‏.‏

سئل لأي سبب قعد عشرين يومًا في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الأغوات فجاوب أن السكة كانت ملآنة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وأنه كان في غزة في أواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي‏.‏

سئل ايش عمل في غزة وايش قال له ياسين آغا فجاوب أن ثاني يوم وصوله راح شاف الآغا والمذكور قال له إنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وإنه أسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلًا ونهارًا ويتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرائم عن أبيه وأنه دائمًا يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح أعلاه وهذا صار سرًا بينهم ثم أعطى له أربعين قرشًا لمصروف السفر وبعد عشرة أيام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقًا وأن سفره من غزة كان في أوائل شهر ذي الحجة الموافق الى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقي باين أنه حين غدر ساري عسكر كان له واحد وثلاثيون يومًا في مدينة مصر‏.‏

سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به ساري عسكر فجاوب نعم يعرفه‏.‏

سئل من أين أحضر هذا الخنجر وهل أحد من الأغوات أعطاه له أم أحد خلافهم فجاوب أنه ما أحد أعطاه له وإنما بحيث أنه كان قاصد قتل ساري عسكر توجه الى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه‏.

سئل هل أن أحمد آغا أو ياسين آغا ما حدثاه أصلًا عن الوزير

وعشموه بشيء من طرفه إن كان يقدر يقتل ساري عسكر فجاوب لا بل أنهم ذاتهم وعدوه أنهم يساعدوه في كل ما يلزمه إن كان يخرج هذا الشيء من يده‏.‏

سئل هل أن الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب أنه لا يعلم بل يعرف أن الوزير كان أرسل طاهر باشا لأجل يعين الذين كانوا بمصر وأنه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر‏.‏

سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الإرسالية فجاوب أن تخمينه هكذا لأن هذا الكلام قد سئل كيف كان يعمل حتى أنه كان يعرف الأغوات بالذي فعله فجاوب أنه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم أو يرسل لهم حالًا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء سليمان الحلبي بالعربي إمضاء كاتم السر بينه‏.‏

مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل ساري عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لأجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل ساري عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر أدناه‏.‏

سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل محمد الغزي هل أن سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يومًا أنه حضر من بر الشام من طرف أحمد آغا وياسين آغا لأجل ساري عسكر العام وهو كل يوم ما حدثه في هذا الشغل حتى أنه في آخر يوم قال له إنه رائح الى الجيزة حتى يغدر ساري عسكر فجاوب أن هذا ما له أصل لكن حين شافوا بعضًا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح الى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له إنه ما يرجع إلا غدًا فقيل إنه ما يخبر بالصحيح لأن سليمان يحقق أنه أخبره بهذه السيرة كل يوم وأن عشية قبل غدر ساري عسكر كان قال له إنه رائح لقضاء هذا الأمر فجاوب أن هذا الرجل يكذب‏.‏

سئل هل كان يروح مرارًا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الأيام الأخيرة ما راح بات عنده فجاوب أن من حين دخول الفرنساوية ما راح أبدًا بات عنده وأما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له إنه ما يحكي الصحيح لأن في فحص أمس قال إنه كان يروح مرارًا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما قال ذلك‏.‏

سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بأنه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل ساري عسكر وخصوصًا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وأنه ما قال إلا الصحيح وأن الشيخ محمد الغزي ما كان يقر بالحق أمرنا بضربه كعادة البلد فحالًا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب‏.‏

سئل هل سليمان أخبره على ضميره في قتل ساري عسكر فجاوب أن سليمان كان قال له إنه حضر من غزة لأجل أنه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وأنه معه عن ذلك بقوله إنه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه أنه مراده يغدر ساري عسكر إلا الليلة التي راح فيها الى الجيزة وصباحها قتله‏.‏

سئل لأي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب أنه أبدًا ما كان يصدق أن واحدًا مثل هذا يقدر على قتل ساري عسكر الذي الوزير بذاته ما قدر عليه‏.‏

سئل هل أخبر بالذي قال له عليه سليمان لأحد من المدينة وخصوصًا الى الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما أخبر أحدًا بذلك وحتى إذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك‏.‏

سئل هل يعرف أحدًا خلاف سليمان حضر لأجل غدر الفرنساوية وأين هم قاعدين فجاوب أنه ما يعرف وأن سليمان ما قال له على أحد‏.‏

سئل سليمان المذكور أنه يشهر رفقاءه فجاوب أنه لم يعرف أحد في مصر وأن تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وأبقينا سليمان لأجل نقابله مع السيد أحمد الوالي الذي حالًا أحضرنا لأجل ذلك‏.‏

سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل أيضًا سليمان هل يعرف السيد أحمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو أيضًا نعم‏.‏

سئل السيد أحمد الوالي هل أن سليمان ما أخبره على نيته في قتل ساري عسكر وخصوصًا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب أن سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يومًا كان قال له إنه حضر حتى يغازي في الكفرة وأنه نصحه عن ذلك بقوله إن هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة ساري عسكر‏.‏

سئل سليمان المذكور أنه يبين هل حدثه أحمد الوالي في قتل ساري عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب أن في أوائل وصوله قال له إنه حضر بصدد الغزو في الكفار وأن السيد أحمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة أيام أخبره على نيته في قتل ساري عسكر ومن بعدها عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد أحمد الوالي إنه لم يصدق في قوله لأنه ينكر أن سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل ساري عسكر فجاوب الآن لما فكره سليمان افتكر أنه أخبره‏.‏

سئل لأي سبب ما أشهر سليمان المذكور فجاوب أنه ما أشهره لسببين الأول أنه كان يخمن أنه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه‏.‏

سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع أحد بذلك وخصوصًا مع الشيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبره بكل ما يجري فجاوب أن سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما أخبر بذلك أحدًا ولا أيضًا شيخ الجامع‏.

سئل هل يعرف الأمر الذي خرج من ساري عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب أنه ما دري بذلك‏.‏

سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب أنه قال على مراده في قتل ساري عسكر فجاوب لا لأن كل أهل الإسلام تقدر تسكن في الجمع‏.‏

سئل سليمان هل أنه ما قال بأنهم ما كانوا يريدون يسكنوه لولا أنه قال لهم على سبب مجيئه لمصر فجاوب أن كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم وأما هو يقول الحق إن ما أحد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا أرسلنا السيد أحمد الوالي الى حبسه وبقي سليمان الحلبي لأجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي أحضرناه في الحال‏.‏

سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل ساري عسكر فجاوب وأقر أن يوم حضور سليمان عرفه أنه حضر يغازي في الكفرة وأنه مراده يقتل ساري عسكر وأنه قصد يمنعه عن ذلك‏.‏

سئل لأي سبب ما شكاه فجاوب أنه كان يظن أن سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وأن المذكورين يمنعوه ولكن من الآن صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية‏.‏

سئل هل يعرف أنه موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب أن ما عنده خبر وأن تخمينه لم يوجد أحد‏.‏

فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الأربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي والسيد عبد الله الغزي وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولا فيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لا ثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الاثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء المتهومين بالعربي إمضاء الترجمان لوماكا إمضاء دمياسومر براشويش كاتم السر وترجمان ساري عسكر العام إمضاء المبلغ سرتلون إمضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح أعلاه أنا المبلغ سارتلون سألت الأربعة المتهومين المذكورين أنهم يختاروا لهم واحدًا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا إن ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لأجل يمشي لهم في ذلك‏.‏

بيان فحص مصطفى أفندي نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل ساري عسكر العام سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بأنه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب‏.‏

سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب أن هذا الرجل مشدوده من مدة ثلاث سنين وأنه من مدة عشرة أو عشرين يومًا حضر عنده وبات ليلة ومن حيث أنه رجل فقير قال له يروح يفتش له عن محل غيره‏.‏

سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل ساري عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمه من قديم‏.‏

سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب أن كل اجتهاده كان في أنه يصرفه من عنده بحيث أنه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لأجل يتقن القراءة‏.‏

سئل هل يعرف بأن سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصًا عند أحد من المشايخ الكبار فجاوب أنه لا يعرف شيئًا لأنه ما شافه إلا قليلًا وأنه لم يقدر يخرج كثيرًا من بيته بسبب ضعفه وكبره‏.‏

سئل هل أنه ما يعلم القرآن إلا مشاديده فجاوب نعم‏.‏

سئل هل أن القرآن يرضى بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب ما يعرف ايش هي المغازاة التي في القرآن ينبي عنها‏.‏

سئل هل يعلم مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ما له دعوة في هذه الأشياء بل أنه يعرف أن القرآن ينبي عن المغازاة وأن كل من قتل كافرًا يكسب أجرًا‏.‏

سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب أنه ما علمه إلا الكتابة فقط‏.‏

سئل هل عنده خبر أن أمس تاريخه رجل مسلم قتل ساري عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهو بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب أن القاتل يقتل وأما هو يظن أن شرف الفرنساوية هو من شرف الإسلام وإذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالًا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سألناه هل شاف مصطفى أفندي مرارًا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب أنه ما شافه سوى مرة واحدة لأجل أنه يسلم عليه بحيث أنه معلمه القديم وبما أنه رجل اختيار وضعيف قوى ما رأى مناسب يخبره عن ضميره‏.‏

سئل هل هو من ملة المغازين وهل أن المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب أنه ما فتح سيرة المغازاة إلا الى الأربعة مشايخ فقط الذين سئل هل أنه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما شاف هذا الشيخ لأنه ما هو من ملته بسبب أن الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى أفندي إقرارهم هذا فجاوبوا أن هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء الاثنين المتهومين بالعربي إمضاء لوماكا الترجمان إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه‏.‏

هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من إقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل ساري عسكر العام كلهبر وأيضًا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور‏:‏ يا أيها القضاة إن المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الآن بعسكرنا لأن ساري عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجرة من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والآن أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطًا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدي الأسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدًا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية إلا ألمًا بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الآن قراءة إعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود وإقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه إني أنا راوي لكم سرعة الإعمال جاهد نفسي إن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم بلاد الروم والدنيا بكمالها أن الوزير الأعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى أرسلوا قتال معدوم العرض الى الجريء والأنجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا الى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والأرض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا إجراءها والوزير أغرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم أهالي مصر محتفين بأغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم أسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك آغا مغضوبًا منه ووعد له إعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر إن كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوي هو أحمد آغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والآغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر بإجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لا فهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لإجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الآغا يوم وصوله القدس ويترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من أذيات ابراهيم باشا والي حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الآغا عن احتيال أصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم أنه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وأنه هو الآن بالقدس للزيارة وأنه قد حج سابقًا بالحرمين وأن العته النسكي هو منصوب في أعلى رأسه المضطرب من زيغانه وجهالاته بكمالة إسلامه وباعتماده أن المسمى منه جهاد وتهليك غير المؤمنين فمما أنهى وأيقن أن هذا هو الإيمان ومن ذلك الآن مار ما بقي تردد أحمد أغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وإنعامه وفي الحال أرسله الى ياسين آغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته وأقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل بجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في أوائل شهر فلوريال الماضي وياسين آغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارًا وتكرارًا بالنهار والليل مدة عشرة أيام مكثه بغزة يعلمه وبعد ما أعطاه أربعين غرشًا أسديًا ركبه بعقبية الهجين الذي وصل مصر بعد ستة أيام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال الى مصر التي قد سكنها سابقًا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور‏:‏ علاه وتأنس مع الأربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثله مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متآمرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد أحمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته أو لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه الى الجيزة وبذاك اليوم أعقد سره الى الشركاء المذكورين أعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجهًا مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدر حتى لزم أن يطردوه مرارًا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدارًا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبى على قيافة فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجره ثلاثة جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع أيضًا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الأماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو أول اذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيًا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة الى دموع الأجناد الى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر أنتم جميعًا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمي شركاء وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الأثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلًا أنهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الإثم وقالوا باطلًا أيضًا أن لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الأعمال شهود تزور وتنبئ أنهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية إلا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجهًا من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى أفندي بما أن لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الأمر من الذي أنتم مأمورون بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن أن يليق أن تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الإثم تستدعي أن يصير عذابه مهيبًا فإن سألتوني أجبت أنه يستحق الخوزقة وأن قبل كل شيء تحرق يد ذا الرجل الأثيم وأنه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت أمره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة أنهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الأبدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بإقلال جزائنا إنما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار إليه بالبنان لمعرفته بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما أولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وانهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لأبدانهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم إلا اكتساب خجالتهم ولعدم أولًا - أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السر عسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضًا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور‏.‏

ثانيًا - أن الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الغزي يكونون متبينين منكم أنهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤوسهم‏.‏

ثالثًا - أن الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضًا بذلك العذاب‏.‏

رابعًا - أن إجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وأمام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه‏.‏

خامسًا - أن مصطفى أفندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق الى ما نرى‏.‏

سادسًا - أن ذا الإعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من شهرنا برريال سنة ثمانية من إقامة الجمهور المنصور ممضي سارتلون‏.‏

الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر لأجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل ساري عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع والعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر روبين ودفتردار البحر لرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المعمار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في ربتة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل ساري عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وساري عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الأمر المذكور أعلاه الخارج على يد ساري عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر ساري عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والأبواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا ساري عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا إلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فساري عسكر رينيه سألهم أيضًا إن كان مرادهم يقولوا شيئًا مناسبًا لتبرئتهم فأجابوه بشيء فحالًا ساري عسكر المذكور أمر بدرهم الى الحبس مع الخفراء عليهم ثم أن ساري عسكر رينيه التفت الى القضاة وسألهم إيش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجليستشاروا بعضهم من غير أن أحدًا يسمعهم ثم انوضع أول سؤال وقال‏:‏ سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب متهم بقتل ساري عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة ساري عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد أن سليمان الحلبي مذنب‏.‏

السؤال الثاني - السيد عبد القادر الغزي مقرئ قرآن في الجامع الأزهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر ساري عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

ثم وضع السؤال الثالث وقال‏:‏ محمد الغزي ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرئ قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر ساري عسكر وأنه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضًا وهو ما عرف أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال الرابع‏:‏ - عبد الله الغزي ابن ثلاثين سنة ولادة غزة ومقرئ قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه كان يعرف في غدر ساري عسكر وأنه ما بلغ أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال الخامس - أحمد الوالي ولادة غزة مقرئ قرآن في جامع الأزهر متهوم أن عنده خبر في غدر ساري عسكر وأنه ما بلغ أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال السادس - مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر ساري عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تمامًا جاوبوا بأنه غير مذنب وأمروا بإطلاقه فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب أنهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤوا بقراءة خامس مادة من الأمر الذي أخرجه أمس ساري عسكر منو بسبب ذلك والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل ساري عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين ويكون لافق للذنب الذي صدر وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن ساري عسكر العام كلهبر وقدم كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم أفتوا بموت السيد عبد القادر الغزي مذنب أيضًا كما ذكر أعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق الذيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضًا أفتوا على محمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي أن تقطع رؤوسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين أعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم أن ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية م كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرًا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم ان القضاة حطوا خط يدهم بأسمائهم برفقة كاتم السر ممضي في أصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا أن ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الأول فحالًا قضوا أمرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا بأصله الدفتردار سارتلون وكاتم السر بينه وهذه نسخة من الأصل إمضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم أغير شيئًا مما رقم إذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الأصل والله أعلم‏.‏

ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بأمر ساري عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة أيام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما أصبحوا اجتمع عساكرهم وأكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانًا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة أربعة بيارق صغار في أركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى اطبول خرق سود والعسكر بأيديهم البنادق وهي منكسة الى أسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الأزبكية على باب الخرق الى درب الجماميز الى جهة الناصرية فلما وصلوا الى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة الى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها درابزين وفوقه كساء أبيض وزرعوا حوله أعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلًا ونهارًا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائمقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليًا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائمقام والآغا الى الأزهر ودخلا إليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ‏.‏

وفي يوم الخميس حضر ساري عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الآغا وطافوا به أيضًا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل أمتعتهم منه ونقل كتبهم وإخلًا الأروقة ونقلوا الكتب المرقوفة بها الى أماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وأمروهم أن لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا إليهم آفاقيًا مطلقًا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم أن الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للأشياخ وهذا لا يصح ولا يتفقهذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقل اكفونا شر دسائسكم يا قبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة فإن للأزهر سعة لا يمكن الإحاطة بمن يدخله فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على إنجاز غرضه ونبل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فإذن كبير الفرنسيي بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنًا فلما أصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات‏.‏

وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم بإحضار ما عندهم من الأسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي أحضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك أسلحة العساكر العثمانية والأجناد المصرية وقد سافروا بها‏.‏