المجلد الثالث - خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء

خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء

وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرا فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة المشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكًا واحدًا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة‏.‏

وفيه رجع الكثير من عسكر الأرنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون العلوفة واستمر من بقي منهم ببهتيم وبلقس ومسطرد وقد أخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال وأتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان برمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك‏.‏

وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز وأخبروا بأن الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين وأخبروا أيضًا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار الدولة العثمانيين ووردت أخبار أيضًا من البلاد الشامية بوفاة أحمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشره أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء وأصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم محضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الآغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل‏.‏

وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحرى وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية وأصبح يوم الاثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدًا إلى السيد عمر النقيب يقول أننا دافعنا عن الفقراء فقال له أن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون‏.‏

وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم رأس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم وأخذوها منهم‏.‏

وفي تاسع عشره حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال إنما نأخذها بأثمانها فقال له ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وإن أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقًا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في إثر ذلك بالأمان‏.‏

وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينًا وشمالًا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور آغات الإنكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق وآخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات من وصول الأطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحرية أخرى‏.‏

وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية وأخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلًا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر وأخذوا مركبين وأحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها الشلنبات وضربوا عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل‏.‏

وفي أواخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها رجع منهم قتلى ومجارح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وأمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك‏.‏

وفي عصرية ذلك اليوم وأخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجبخانة أيضًا محملة على نيف وثلاثين جملًا‏.‏

وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برًا وبحرًا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وكذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولا يعرفون من الأحكام إلا أخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث أنه لا يخلو يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات إما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شر بأدنى سبب مع العامة والباعة أو مشاحنه مع السوقة والمتسببين بسبب إبدال دنانير ذهب ناقص بدراهم فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالًا والفول والشعير أكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شيء أخذوه لاحتياج العليق قهرًا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفًا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفًا بحيث حسب ثمن الأردب بع غربلته وأجرته ومكسه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزًا أربعة وعشرون ريالًا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفًا والسمن القنطار بألفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالًا والجبن القريش بثمانية عشر نصفًا للرطل وأما الخضات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفًا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفًا الرطل الواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفًا والعسل الأسود خمسة عشر نصفًا والعسل القطر عشرون نصفًا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفًا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرًا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفًا الحملة بعد ثلاثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره أكثر الناس لقلته وغلو ثمنه فإنه بيعت الواحدة بعشرين نصفًا فأقل فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلوعه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لا تقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفًا والتفاح الأخضر كذلك وقس على وذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسببين وأخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الإتيان فإنها كثرت انحل سعرها عما كانت‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1219 استهل بيوم السبت فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم وأخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء وأغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوي وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسًا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه‏.‏

وفي رابعه حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا‏.‏

وفي يوم الخميس سادسه حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد الواقع بمصر فكتب له الباشا جوابًا ملخصه على ما نقل إلينا أنك في السابق عرفتنا أنك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالإذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعًا وممتثلًا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا بالجواب يوم السبت ثامنه‏.‏

وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروينها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم‏.‏

وفيه وردت مكاتبات من الحجاز وأخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صير في الصرة وأن طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وأن ببلاد الحجاز غلاء شديدًا لمنع الوارد عنهم والأردب القمح بثلاثين ريالًا فرانس عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه أرسلوا فعلة وعمالًا لعمل متاريس وأبنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف‏.‏

وفي ثالث عشره ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل وأخبروا بمحاصرة الوهابيين لمكة والمدينة وجدة وأن أكثر أهل المدينة ماتوا جوعًا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسًا إن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسًا وقس على ذلك‏.‏

وفي خامس عشره يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا أنهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد والأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضًا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولًا ويرقًا وطبلخانات وأركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وأمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنبيات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال أن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصولا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانًا في ذلك الوقت بعد العصر وقرؤوا التقليد المذكور‏.‏

وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر وفي يوم الاثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابًا للمشايخ العلماء مضمونه أنه لا يخفاكم أننا كنا سافرنا سابقًا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا بأوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى أفندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا وأطلعوه عليها فقال في الجواب أنه تقدم تركوا نساءهم للفرنسيس وأخذوا منهم أموالًا وأني كنت أعطيت جرجا ولعثمان بك قنًا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن أكاتب الدولة وأطلب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم‏.‏

وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس‏.‏

وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي فلما حضرا إليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانًا وحضر المشايخ والوجاقلية وأظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان وأوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان الغورى وقد أعدوا له كرسيًا بغاشية جوخ أحمر وبساط مفروشًا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية وأحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما أكثر كلامًا من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم وأخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وأمرناهم بأن يلازموا الطاعة ويكونوا مع أحمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وإبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل وخل إليه المشايخ فخلع عليهم فراوى سمور وكذلك الوجاقية والكتبة والسيد أحمد المحروقي ثم عملوا شنكًا ومدافع كثيرة وطبولًا وأحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيًا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليه أيضًا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس‏.‏

وفي يوم السبت ثاني عشرينه أفرجوا عن مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلاثمائة كيس‏.‏

وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنأه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك والي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكًا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الأزبكية وجهة الموسكي والحال أنهم لا يقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة وأخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية‏.‏

وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس آغا كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصًا‏.‏

وفيه أرسل الباشا آغاة الإنكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الأنماطيين فأرسل إلى الأرنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان آغا كبير الأرنؤد الذي التجأ إليهم المذكور حضر إليه وأخذه إلى داره بالأزبكية وصحبته الأمير مصطفى البردقجي الألفي أيضًا‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي إلى الباشا فعندما قرأ الباشا المراسلة أمر بقتله حالًا فرموا عنقه برحبة القلعة وحضر أيضًا مملوك بمراسلة من عند عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وأنه غتر بكلامه وتمويهاته عليه وأن بيده أوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور وأمثال ذلك فكتب له جوابًا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالمًا‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه أفرجوا عن النصارى الأقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسًا ونزلوا إلى بيوتهم بعد العشاء الأخيرة في الفوانيس‏.‏

وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله إلى بر أنبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع وأشيع أن الألفي الكبير وصل إلى الشوبك وعثمان بك حسن وصل إلى حلوان ورجع إبراهيم بك والبرديسي وباقي الأمراء إلى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخرج كثير من العسكر إلى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها إلى الشرق وخرج أيضًا عدة من العسكر إلى ناحية طر والجيزة‏.‏

وفيه أرسل الألفي الصغير ورقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الأنف كان من أتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور إليه ويعده بالإكرام ولن يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول إلى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وأنعم على مقطوع الأنف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بأيام وصلت هجانة من العريش وأخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون ألفان أو ثلاثة‏.‏

وفي يوم الأربعاء تواترت الأخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الأمراء البحرية إلى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة إلى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من أثقالهم إلى المدينة‏.‏

وفي يوم الخميس أحضر الباشا طائفة من اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس‏.‏

وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية أنبابة إلى جهة الشيمي باستدعاء سيده وأشاع العثمانية أنهم ذهبوا ورجعوا من حيث أتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم أمور لا تتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية‏.‏

وفيه أرسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملًا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية أحاط بهم العربان وأخذوهم‏.‏

وفيه تسحب أشخاص من كبار العسكر بأتباعهم وذهبوا إلى المصريين وانضموا إليهم فمنهم من ذهب إلى قبلي ومنهم من ذهب إلى بحري‏.‏

وفيه عدي الألفي الكبير والصغير إلى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم إلى قبلي‏.‏

وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر إلى بولاق وانتقل محمد علي إلى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا إلى تلك الجهة‏.‏

وفي يوم الأحد غايته أفرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني‏.‏

وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية إلى ساحل بولاق وصحبته أمتعة ولوازم للباشا وأشياء في صناديق‏.‏

استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين سنة 1219 فيه ركب الخازندار المذكور وطلع إلى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته أغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريًا مشوا أمامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية أمامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من أتباع الباشا وأمامه الجنبيات والخيول‏.‏

وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية إلى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم إلا القليل وأكثرهم قتله العسكر الذي بقي بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم إليهم من أجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبًا ضمهم إليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع‏.‏

وفيه أنبهم أمر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن أخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال أنهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث أتوا وبعضهم طلب الأمان وانضم إليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل أنهم حضروا بثمانين رأسًا منهم إلى بلبيس‏.‏

وفي يوم الأربعاء خرج الوالي بعدة من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية وفي يوم الخميس رابعه هجم الأمراء القبالي وهم الألفي وأتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم إليهم من طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من أعلى الجبل وتعدوا إلى ناحية البساتين وتركوا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا من طوابير العسكر وكانوا أنفارًا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج إليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم أنفار‏.‏

وفيه وصل جواب من الأمراء القبالي إلى المشايخ يذكرون فيه أنهم يخاطبون الباشا في إخماد الحرب وصلحه معهم فإن ذلك أصلح له ويكونون معه على ما يحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي أوجبت له المصادرات وسلب الأموال وخراب الإقليم وأن يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك وأطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي إلا الحرب‏.‏

وفي يوم الجمعة حصلت أيضًا بينهم محاربة وأصيب من المراكب الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت إحداهما وأحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة‏.‏

وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحري وذهب إلى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر وفي يوم الأحد أشيع حضور الأمراء القبالي إلى ناحية بهتيم وأنهم أرسلوا إلى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر إلى جهة البساتين فلم يروا أحدًا من المصرلية فركب محمد علي وأخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يروا أمامهم أحدًا فلم يزالوا سائرين وإذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فأوقع معهم وقعة قوية حتى أصخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقوا بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقًا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم إلى القلعة ودخل الباقون إلى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة وأخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر وأعطوا لمن بقي الأمان وهم نحو الثلاثين شخصًا‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة المشرق ووصلت مقدماتهم إلى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج إليهم أحد من العسكر بل أخذوا يضربون المدافع من أعلى السور ودخل محمد بك المنفوخ إلى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والأتباع على الدكاكين والقهاوى واستمر ضرب المدافع إلى بعد الظهر ثم أن المصرلية ترفعوا عن الحسينية إلى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وأمامه ثلاثة رؤوس تبين أنها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة‏.‏

وفيه طلب جماعة المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج إليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وإبراهيم بك فأسر إليه إبراهيم بك بأن يكون سفيرًا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وأنه لا يستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه مع محمد باشا وأما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في أواخر النهار فلما أصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع إلى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع إليهم بالجواب فقال أنا فحقدها عليه ثم قام من عنده فأرسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب إليه في ثاني يوم شيخ السادات والسيد عمر النقيب وترجوا في إطلاقه فامتنع وقال أخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح إطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة أيام يكون خيرًا فإنه مقيم عند الخازندار في إكرام وفي مكان أحسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج إلى المخالفين متنكرًا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود إليهم ثانيًا‏.‏ وفي

ليلة الثلاثاء المذكورة حضر محمد على الباشا

بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسًا وقيل ثمانين ورجع إلى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم علي من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وأمثال ذلك وفي ظن أولئك صدقه وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو أربعة آلاف فراسانًا ورجالًا فلما قربوا من الحرس في آخر السادسة ترجلوا وقسموا أنفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا إلا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا إلى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وأبراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين إلى هذا الوقت محصورين وقد أشرفوا على طلب الأمان وأخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض أمتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسًا وقتل بينهم بعض أشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان أو سياس أو غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وأرسلوا المبشرين آخر الليل إلى الأعيان ليأخذوا البقاشيش وأشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير وأحضروه معهم حيًا والباقي رموا بأنفسهم إلى البحر ولما طلع محمد علي إلى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت هل من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع وأظهروا السرور وداروا بالأسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بآنافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الإشاعة وأن تلك الرأس رأس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء عاشره وصل من بحري ثلاث شلنبات

كان الباشا أرسل بطلبها عوضًا عما تلف فعندما وصلوا إلى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال أقعدوا به ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضًا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لا يصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة إحدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مكب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا ما فيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ما كان موجودًا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفًا وقل وجود الخبز من الأسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الأفران وأخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الأكل والعليق لدوابهم‏.‏

وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفًا وثمانين نصفًا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعًا بمائة نصف فضة فيكون الأردب على ذلك الحساب بألفين وأربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورع القبليون إلى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من أبراجها ونقلوا إليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر وأخذوا جمال السقائين لنقل الماء إلى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر وأخذوا منها ما وجدوه من الغلة وأمروا ببيعه على الناس بخمسين نصفًا الربع وأخذوا لأنفسهم ما وجدوه من الشعير والفول‏.‏

وفي يوم السبت قلدوا حسن آغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر إمكانهم واجتهد هو أيضًا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين وأما اللحم الضاني فإنه انعدم بالكلية لعدم ورود الأغنام‏.‏

وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب أناس إلى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفًا وأزيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق أكثر الناس على بهائمهم ما وجدوه من أصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس وأما غيرهم فاقتصروا على التبن وأما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما إلا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفًا والتين بسبعة أنصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما إلى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من أكابر العسكر أربعة أو خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز إلى معسكرهما وبعد هجمة من الليل اجتمع العسكر من الإنكشارية والأرنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالإفرنجي وعلي بك أيوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا إليهما ومنهم الرماة والطبجية فأجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرًا وعدة من مماليك علي بك أيوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية إلى جهة الشرق بالخانكة وأبي زعبل وقيل أن العسكر المنضمين إليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما أصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة بشوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية إبراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه رأس إبراهيم بك بلا شك وأشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر إليه ووصل الخبر إلى الباشا فأحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به وآخرين وطلب الرأس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من أنكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط الأسنان ثم أعيدت إلى مكانها على ذلك الاشتباه ثم أنهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضًا وفعل مثل ذلك وردها أيضًا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند مكابر حتى وردت خدم من معسكرهم وأخبروا بحياة إبراهيم بك وأنه بوطاقه جهة الشرق فزال الشك وأرسل المصريون إلى بيوتهم أوراقًا‏.‏

وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفًا آخذًا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة أصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان بأول برج الدلو‏.‏

وفي ليلة الخميس وصل أمير أخور الصغير من الديار الرومية وطلع إلى بولاق في صبحها وركب إلى القلعة فأنزله الباشا ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الأوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه إخراج خمسمائة من العسكر إلى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون إليه من مؤونة وغلال وجبخانة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء قرؤوا تلك الأوامر وفيها أنه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام إلى الحجاز فأحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الأمر وقال لهم أنه ورد لي إذن عام في تقليد من أقلده فمن أحب منكم قلدته أمرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبًا خارجًا عنها ووصلت الأخبار في هذه الأيام أن الوهابيين ملكوا الينبع‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الألفي عدى إلى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى إلى البر الغربي وانتشرت عساكره إلى الجسر الأسود ثم رجعوا وعدوا إلى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره ركب الأمراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم وأثقالهم وذهبوا إلى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكان في ظنهم أنهم إذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج إليهم الكثير من العسكر وانضم إليهم لمقدمات سبقت منهم مراسلات وكلام وقع بينهم وبين أتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند أكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل وإخراج بعض الأتباع والمماليك بمطلوبات إلى أسيادهم خفية وليلًا حتى استقر في أذهان كثير من العقلاء ممالآت كثير من البنباشايات ورؤساء العسكر مع المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا إلى المدينة بأثقالهم وحمولهم وانتشروا بها حتى ملؤا الأزقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم أناس كانوا منضمين إليهم طلبوا أمانًا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك إلى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق وأخرجوا منها أهلها وسكنوها وإذا سكنوا دارًا أخربوها وكسروا أخشابها وأحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابًا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم إلى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصًا بيوت الأمراء والأعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الأكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار وأما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل وأورثت العين بوحشتها بكاء وعويلًا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنًا طويلًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين إلى الينبع أميرًا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فإن كان أخبث من تقلد الولاية من العثمنية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من أخلاط مصر البطالين أروام وخلافهم‏.‏

وفيه قلدوا مناصب كشوفية الأقاليم لأشخاص من العثمانية‏.‏

وفي ثامن عشرينه تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الإفرنج بالموسكي فأراد العسكري قتل الفرنساوي فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربًا فاجتمع العسكر وأرادوا نهب الحارة فوصل الخبر إلى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب وأغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية وأخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر‏.‏

وفي تلك الليلة مر جماعة من العسكر بخط الدرب الأحمر فأرادوا أخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه وأخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحًا وسمعوا القصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضًا عسكريًا مقتولًا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من أخذ النساء والمردان والأمتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر‏.‏

وفيه استقر الأمراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي وأتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وأرسل الباشا إلى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة وطلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية أربعين نصفًا بعد المشقة في تحصيله لأنه لم يبق إلا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرًا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالى هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل‏.‏

شهر جمادى الأولى سنة 1219 استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعًا قبل الظهر إلى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب أذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والأسواق حتى أنهم في آخر الليلة التي كان من عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها إلى الصباح أغلقوا الحوانيت وأطفؤا القناديل من بعد أذان العشاء وذهبوا إلى وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة عشر أردبًا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن إقليم القليوبية لم يبق به إلا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية آلاف أردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا إلى الينبع ثم قرروا فردة كذلك أيضًا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية‏.‏

وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الأمراء المصريين خطابًا للمشايخ مضمونه أنهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وأنه يخرج هذه العساكر فإنهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الإقليم وأما نحن فإننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وإن أرادوا الرحب فليخرجوا الناس بعيدًا عن الأبنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء إلى آخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلًا فقالوا نحن لا نكتب شيئًا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس‏.‏

وفيه عزم جماعة من أكابر العسكر على السفر إلى بلادهم م أحمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما وأخذوا في تشهيل أنفسهم وبيع متاعهم ونزلوا إلى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر آغا فاجتمع العسكر وأحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم أعطونا علوفاتنا المنكسرة وإلا عطلناكم ولا ندعكم تسافرون بأموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على أيام وامتنعوا من السفر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعامة عوضًا عن علي آغا الذي تولى باشة السفر للينبع‏.‏

وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للأرنؤد جامكية شهر‏.‏

وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادى الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي أوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعًا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبار العسكر وجميع العسكر وكان جمعًا مهولًا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصًا بهم دون أولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة أشخاص نساء ورجالًا أصيبوا من بنادقهم ومما وقع أنه أصيب شخص من أولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر أهله يصرخون وأرادوا أخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت أذن لهم في أخذه ومواراته ونظر بعضهم إلى أعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فأصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق أخباره‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشره خرج علي باشا الوالي المسافر إلى الينبع خارج البلد وأقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشره ومعه مائة عسكري لا غير وذهب إلى جهة السويس‏.‏

وفيه أرسل الباشا إلى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على أهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدافعوا بما أمكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه إنما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده إليهم فقالوا له لم يبق بأيدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت إلى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال أيوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد أحمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا أنهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي أنهم قرروا على الوجاقلية قدرًا من الأكياس وكتبوا بها تنابيه بأسماء أشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسًا وعشرة وخمسة وأقل وأكثر وكذلك وزعوا على أشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة أغراب وأهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه وأودعوه في أضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وأرسلوا العسكر إلى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الأكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وأمثال ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشرينه أرسل الباشا عسكرًا فقبض على الأمير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب إليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال أنه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس ومن الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألافي وأنه عند هروب مخدومه من الشرقية أخذ ما كان معه من المال على أربعة جمال ودخل بها إلى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا أطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشرينه توفي الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من أعيان العلماء الشافعية‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن وعشرينه أحضروا المحمل من السويس فنزل كتخدا الباشا والآغا والوالي وأكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر‏.‏

وفي أواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا وأخذها وأعطى أصحاب البن وثائق بثمن البن لأجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من أصل علوفاتهم قلبغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن إلا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعواوى الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو أنه غصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرًا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته أشخاصًا معينين من أقرانه فيسحبون المدعي عليه إلى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي إعلامًا بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الإعلام فيذهبون إلى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الإعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم أعط المباشرين خدمتهم خمسة أكياس واذهب وأمثال ذلك فإن وجد شافعًا أو مغيثًا توسط له أو تشفع في تخفيف ذلك قليلًا أو ضمنه أو دفع عنه وأنقذه وإلا حبس كغيره وذاق في الحبس أنواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكو أنظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من أيام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والإيراد فأمر الكتخدا بإحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسألهم فأخبروا بتعطيل الإيراد فأحضروا مباشرين الأوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا أعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا ثلاثون كيسًا من كل ناظر عشرة أكياس فبهت الجماعة وتحيروا في أمرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم إلى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينه وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه وأما الاثنان الآخران فاستمرا في الحبس والحديد مدة طويلة وأمثال ذلك‏.‏

وفي أواخره أفرجوا عن السيد علي المدني بعدما قرروا عليه أربعة آلاف ريال خلاف البراني وأمثال ذلك كثير‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1219 استهل بيوم الخميس فيه حضر القاضي الجديد إلى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع إلى القلعة وسلم على الباشا ورجع إلى المحكمة وكان عندما وصل إلى رشيد أرسل إلى الباشا ليأمر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا أصحابها بالعمارة وأمرهم بالاجتهاد في ذلك‏.‏

وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل وأما العسل الأبيض فبلغ الرطل خمسين نصفًا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية وأسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي‏.‏

وفي خامسه أشيع سفر محمد علي إلى بلاده وكذلك أحمد بك وغيرهم من أكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر إفساد العساكر وخطفهم وأغلق أهل الأسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصًا الإنكشارية‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على أقدامه وكذلك حسن بك أخو طاهر باشا وعابدي بك وآغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وأمام بعضهم المناداة بالتركي بالأمن والأمان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي أثر مرورهم وقع الخطف والتعرية‏.‏

وفي ذلك اليوم أواخر النهار مت مركبان فيهما عسكر أرنؤد بالخليج المرخم ومعهم امرأة وبتلك الجهة عسكر إنكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصًا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا أو عرف العوم فتحزب الأرنؤد وجاء منهم طائفة لذلم البيت فلم يجدوا به أحدًا فأرسل محمد علي إلى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك‏.‏

وفي صبحها يوم الأربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال أنه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب آخر‏.‏

وفيه سافر جماعة من العسكر وأخذوا المراكب وأرسلوا إلى سكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجيء وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الأسباب والمأكولات زيادة عن الواقع وإذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة أنفار أو العشرة والحال أنها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره سافر أحمد بك وعلي بك أخو طاهر باشا‏.‏

وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من وفي يوم الأحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ إبراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانه من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم أنفارًا‏.‏

وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر إلى التجريدة وكل من كان مسافر إلى بلاده فليسافر‏.‏

وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب إلى زوجها بقبلي فلما بلغ الخبر الباشا أحضر أخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق أخاها عنده ثم أطلقه بشفاعة المحروقي‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1219 استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية إلى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد أفندي‏.‏

وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الآغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر أذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت أشغال الناس في السعي إلى مصالحهم ونقل بضائعهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء سافرت التجريدة برًا وبحرًا وتأخر محمد علي عن السفر إلى بلاده كما كان أشيع ذلك واشتهر أنه مسافر إلى جهة قبلي وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها أحد من المصرلية‏.‏

وفي يوم الأحد تاسعه نزل الباشا إلى وليمة عرس مدعوًا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر أفندي نقيب الأشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين‏.‏

وفي حادي عشره نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريًا يشتري كوز صفيح فأعطاه خمسة أنصاف فأبى السمكري إلا بعشرة فأبى ولم يدفع له إلا خمسة فرآه الباشا فقال له أعطه ثمنه فقال له وإيش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له أما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره أحضروا أربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة وأشاعوا أنهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالى وأشاعوا أنه بعد يومين تصل رؤس كثيرة ووصل أيضًا جملة أسرى طلعوا بهم إلى القلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء طلع محمد علي إلى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره إلى قبلي وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري آغا بأنه يكاتب الأمراء المصرلية القبالى ومنعوه من السفر إلى قبلي وأمروه بأن يسافر إلى بلاده فركب في عسكره وذهب إلى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم إليه كثير من العسكر فحضر إليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر إليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب إلا بمرادنا وأعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري آغا إلى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فإن منعتموه من الأسواق طلعنا إلى البيوت وأخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الإفساد فأخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك أيامًا‏.‏

وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها إلا على ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن وأغنام وقمح وتبن وشعير‏.‏

وفي أواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر أناس بعد أيام من جهة شرقية بلبيس وأخبروا أنه نزل بناحية مشتول صواعق أهلكت نحو العشرين من بني آدم وأبقارًا وأغنامًا وعميت أعين أشخاص من الناس‏.‏

وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد أحمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك