المجلد الثالث - ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف

وكان ابتداء المحرم يوم الأربعاء فيه وصل القابجي الذي على يده التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وطلع إلى بولاق‏.‏

وفيه وردت مكاتبات من الجهة القبلية فيها أنهم كبسوا على عرضي الألفية وصحبتهم سليمان بك البواب وحاربوهم وهزموهم ونهبوا حملاتهم وقطعوا منهم عدة رؤوس وهي واصلة في طريق البحر وصادفت هذه البشارة مع بشارة ورود القابجي ووصوله فعمل لذلك شنك ضربت لذلك مدافع كثيرة من القلعة في كل وقت من الأوقات الخمسة ثلاثة أيام آخرها الجمعة ثم أنه مضى عدة أيام ولم تحضر الرؤوس التي أخبروا عنها واختلفت الروايات في ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابعه عملوا جمعية ببيت القاضي حضرها المشايخ والأعيان وذكروا أنه لما وردت الأوامر بتحصين الثغور فأرسل الباشا سليمان آغا ومعه طائفة من العسكر وأرسل إلى أهالي الثغور والمحافظين عليها مكاتبات بأنهم إن كانوا يحتاجون إلى عساكر فيرسل لهم الباشا عساكر زيادة على الذين أرسلهم فأجابوا بأن فيهم الكفاية ولا يحتاجون إلى عساكر زيادة تأتيهم من مصر فإنهم إذا كثروا في البلد تأتي منهم الفساد والإفساد فعملوا هذه الجمعية لإثبات هذا القول ولخلاص عهدة الباشا لئلا يتوجه عليه اللوم من السلطنة وينسب إليه التفريط‏.‏

وفي تاسعه وردت مكاتبات مع السعاة من ثغر الإسكندرية وذلك يوم الخميس وقت العصر وفيها الأخبار بورود مراكب الإنكليز وعدتها اثنان وأربعون مركبًا فيها عشرون قطعة كبارًا والباقي صغار فطلبوا الحاكم والقنصل وتكلموا معهم وطلبوا الطلوع إلى الثغر فقالوا لهم لا تمكنكم من الطلوع إلا بمرسوم سلطاني فقالوا لم يكن معنا مراسيم وإنما مجيئنا لمحافظة الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر نقيمهم بالأبراج لحفظ البلدة والقلعة والثغر فقالوا لهم لم يكن معنا إذن وقد أتتنا مراسيم بمنع كل من وصل عن الطلوع من أي جنس كان فقالوا لا بد من ذلك فإما أن تسمحوا لنا في الطلوع بالرضا والتسليم وأما بالقهر والحرب والمهلة في رد الجواب بأحد الأمرين أربعة وعشرين ساعة ثم تندمون على الممانعة فكتبوا بذلك إلى مصر فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخدا بك وحسن باشا وبونابارته الخازندار وطاهر باشا والدفتردار والروزنامجي وباقي أعيانهم وذلك بعد الغروب وتشاوروا في ذلك ثم أجمع رأيهم على إرسال الخبر بذلك إلى محمد علي باشا ويطلبونه للحضور هو ومن بصحبته من العساكر ليستعدوا لما هو أولى وأحق بإليهتمام ففعلوا ذلك وانصرفوا إلى منازلهم بعد حصة من الليل وأرسلوا تلك المكاتبة إليه في صبح يوم الجمعة صحبة هجانين وشاع الخبر وكثر لغط الناس في ذلك ولما انقضت الأربعة وعشرون ساعة التي جعلها الإنكليز أجلًا بينهم وبين أهل الإسكندرية وهم في الممانعة ضربوا عليهم بالقنابر والمدافع الهائلة ممن البحر فهدموا جانبًا من البرج الكبير وكذلك الأبراج الصغار والسور فعند ذلك طلبوا الأمان فرفعوا عنهم الضرب ودخلوا البلدة وذلك يوم الجمعة التالي‏.‏

وفي ليلة الاثنين ثالث عشره وردت مكاتبة من رشيد بذلك الخبر على سبيل الإجمال من غير معرفة حقيقة الحال بل بالعلم بأنهم طلعوا إلى الثغر ودخلوا البلدة وعدم علمهم بالكيفية وتغيب الحال واشتبه الأمر‏.‏

وفيه حضر قنصل الفرنساوية إلى مصر وكان بالإسكندرية فلما وردت مراكب الإنكليز انتقل إلى رشيد فلما بلغه طلوعهم إلى البر حضر إلى مصر وذكر أنه يريد السفر إلى الشام هو وباقي الفرنساوية القاطنين بمصر‏.‏ وفي

ليلة الخميس سادس عشرة

وردت مكاتبة من الباشا يذكر فيها أنه تحارب مع المصريين وظهر عليهم وأخذ منهم أسيوط وقبض على أنفار منهم وقتل في المعركة كثير من كشافهم ومماليكهم فعملوا في ذلك اليوم شنكًا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت وأشاعوا أيضًا أن الإسكندرية ممتنعة على الإنكليز وأنهم طلعوا إلى رأس التين والعجمي فخرج عليهم أهل البلاد والعساكر وحاربوهم وأجلوهم عن البر ونزلوا إلى المراكب مهزومين وأحرقوا منهم مركبين وأنه وصل إليهم عمارة العثمانيين والفرنساوية وحاربوهم في البحر وأحرقوا مراكبهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولم يبق منهم إلا القليل واستمر الأمر في هذا الخلط القبلي والبحري عدة أيام ولم يأت من الإسكندرية سعاة ولا خبر صحيح‏.‏

وفيه وصل الكثير من أهالي الفيوم ودخلوا إلى مصر وهم في أسوأ حال من الشتات والعري مما فعل بهم ياسين بك فخرجوا على وجوههم وجلوا عن أوطانهم ولم يمكنهم الخروج من بلادهم حتى ارتحل عنهم المذكور يريد الحضور إلى ناحية مصر عندما بلغه خبر حضور الإنكليز إلى ثغر إسكندرية‏.‏

وفي سابع عشره وصل ياسين بك المذكور إلى ناحية دهشور وأرسل مكاتبة خطابًا للسيد عمر والقاضي وسعيد آغا يذكر فيها أنه لما بلغه وصول الإنكليز أخذته الحمية الإسلامية وحضر وصحبته ستة آلاف من العسكر ليرابط بهم بالجيزة أو بقليوب ويجاهد في سبيل الله فكتبوا له أجوبة مضمونها إن كان حضوره بقصد الجهاد فينبغي أن يتقدم بمن معه إلى الإسكندرية وإذا حصل له النصر تكون له اليد البيضاء والمنقبه والذكر والشهرة الباقية فإنه لا فائدة بإقامته بالجيزة أو قليوب وخصوصًا قليوب بالبر الشرقي وكان حسن باشا خرج بعرضيه في موكب إلى ناحية الحلي قبل ذلك بأيام ويرجع إلى داره آخر النهار فيبيت بها ثم يخرج في الصباح وعساكره وأوباشه ينتشرون بتلك النواحي يعبثون ويخطفون متاع الناس ومبيعات الفلاحين وأهل بولاق وفي كل يوم يشيعون بأنه مسافر إلى جهة البحيرة لمحاربة الإنكليز فلما ورد خبر مجيء ياسين بك تأخر عن السفر وعملوا مشورة فاقتضى رأيهم أن حسن باشا يعدى إلى البر الغربي ويقيم بالجيزة لئلا يأتي ياسين ويملكها فعدى حسن باشا في يوم الاثنين عشرينه وأقام بها وأعرض عن السفر إلى جهة البحيرة‏.‏

وفيه وردت الأخبار الصحيحة بأخذ الإسكندرية واستيلاء الإنكليز عليها يوم الخميس المتقدم تاسع الشهر ودخلوها وملكوا الأبراج يوم الأحد صبيحة النهار وسكن ساري عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالي البلد شروط منها أنهم لا يسكنون البيوت قهرًا عن أصحابها بل بالمؤاجرة والتراضي ولا يمتهنون المساجد ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية وأعطوا أمين آغا الحاكم أمانًا على نفسه وعلى من معه من العسكر وأنوا لهم بالذهاب إلى أي محل أرادوه ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصيبه حالًا والنصف الثاني مؤجلًا ومن أراد السفر في البحر من التجار وغيرهم فليسافر في خفارتهم إلى أي جهة أراد ما عدا إسلامبول وأما العرب والشام وتونس وطرابلس ونحوها فمطلق السراح لا حرج ذهابًا وإيابًا ومن شروطهم التي شركوها مع أهل البلد أنهم إن احتاجوا إلى قومانيه أو مال لا يكلفون أهل الإسكندرية بشيء من ذلك وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة تحكم بشرائعها ولا يكلفون أهل الإسلام بقيام دعوى عند الإنكليز بين رضاهم والحمايات من أي بنديرة تكون مقبولة عند الإنكليز الموجودين في الإسكندرية ويقيمون مأمونين رعاية لخاطر أهل الإسكندرية ولم يحصل لهم شيء من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية والجمارك من كل الجهات على كل مائة اثنان ونصف وعلى ذلك انتهت الشروط وليعلم أن هذه الطائفة من الإنكليز ومن انضم إليهم وعدتهم على ما قيل ستة آلاف لم تأت إلى الثغر طمعًا في أخذ مصر بل كان ورودهم ومجيئهم مساعدة ومعاونه للألفي على أخصامه باستدعائه لهم استنجاده بهم قبل تاريخه وسبب تأخرهم في المجيء لما بينهم وبين العثماني الصلح فلا يتعدون على ممالكه من غير إذنه لمحافظتهم على القوانين فلما وقعت الغرة بينهم وبينه بما تقدم فعند ذلك انتهزوا الفرصة وأرسلوا هذه الطائفة وكان الألفي ينتظر حضورهم بالبحيرة فلما طال عليه الانتظار وضاقت عليه البحيرة ارتحل بجيوشه مقبلًا وقضى الله موتًا بإقليم الجيزة وحضر الإنكليز بعد ذلك إلى الإسكندرية فوجدوه قد مات فلم يسعهم الرجوع فأرسلوا إلى الأمراء القبليين يستدعونهم ليكونوا مساعدين لهم على عدوهم ويقولون لهم إنما جئنا إلى بلادكم باستدعاء الألفي لمساعدته ومساعدتكم فوجدنا الألفي قد مات وهو شخص واحد منكم وأنتم جمع فلا يكون عندكم تأخير في الحضور لقضاء شغلكم فإنكم لا تجدون فرصة بعد هذه وتندمون بعد ذلك إن تلكأتم فلما وصلتهم مراسلة الإنكليز تفرق رأيهم وكان عثمان بك حسن منعزلاُ عنهم وهو يدعى الورع وعنده جيش كبير فأرسلوا إليه يستدعونه فقال‏:‏ أنا مسلم هاجرت وجاهدت وقاتلت في الفرنساوية والآن أختم عملي والتجئ إلى الإفرنج وأنتصر بهم على المسلمين أنا لا أفعل ذلك وعثمان بك يوسف كان بناحية الهو وكان الباشا يحارب الذين بناحية أسيوط وهم المرادية والإبراهيمية والألفي والتقى معهم وانكسروا منه وقتل منهم أشخاصًا فلما ورد عليه خبر الإنكليز انفعل لذلك وداخله وهم كبير وأرسل إليهم المشايخ وخلافهم يطلبهم للصلح وكان ما سيتلى عليك قريبًا وما كان إلا ما أراده المولى جل جلاله من تعسة الإنكليز والقطر وأهله إلا أن يشاء الله‏.‏

وفيه وصل مكتوب من محمد علي باشا يطلب مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليرسلهم إلى الأمراء القبالي فتراخوا في الذهاب لكونهم وجدوا تاريخ المكتوب حادي عشر الشهر فعلموا أن ذلك قبل تحقق خبر الإنكليز‏.‏

ثم ورد منه مكتوب آخر يذكر فيه عزمه على الرجوع إلى مصر قريبًا فإن العساكر يطالبونه بالعلائف ويأمرهم فيه بتحصيل ذلك وتنظيمه ليستلموها عند حصولهم بمصر يتجهزوا لمحاربة الإنكليز‏.‏

وفي ثالث عشرينه ورد مكتوب من أهالي دمنهور خطابًا إلى السيد عمر النقيب مضمونه أنه لما دخلت المراكب الإنكليزية إلى سكندرية هرب من كان بها من العساكر وحضروا إلى دمنهور فعندما شاهدهم الكاشف الكائن بدمنهور ومن معه من العسكر انزعجوا انزعاجًا شديدًا وعزموا على الخروج من دمنهور فخاطبهم أكابر الناحية قائلين لهم كيف تتركونا وتذهبوا ولم تروا منا خلافًا وقد كنا فيما تقدم من حروب الألفي من أعظم المساعدين لكم فكيف لا نساعد الآن بعضنا بعضًا في حروب الإنكليز فلم يستمعوا لقولهم لشدة ما داخلهم من الخوف وعبوا متاعهم وأخرج الكاشف أثقاله وجبخانته ومدافعه وتركها وعدى وذهب إلى قوة من ليلته ثم أرسل في ثاني يوم من أخذ الأثقال فهذا ما حصل أخبرناكم به وأما بونابارته الخازندار الذي سافر لحرب الإنكليز فإنه نزل على القليوبية وفعل ما أمكنه وقدر عليه بالبلاد من السلب والنهب والجور والكلف والتساويف حتى وصل إلى المنوفية وكذلك طاهر باشا الذي سافر في أثره وإسماعيل كاشف المعروف بالطوبجي فرض على البلاد جمالًا وخيولًا وأبقارًا وغير ذلك ومن جملة أفاعيلهم أنهم يوزعون الأغنام المنهوبة على البلاد ويلزمونهم بعلفها وكلفها ثم يطلبون أثمانها مضاعفة بما يضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وأمثال ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة رابع عشرينه وردت أخبار من ثغر رشيد يذكرون بأن طائفة من الإنكليز وصلت إلى رشيد في صبح يوم الثلاثاء حادي عشرينه ودخلوا إلى البلد وكان أهل البلدة ومن معهم من العساكر منتبهين ومستعدين بالأزقة والعطف وطيقان البيوت فلما حصلوا بداخل البلدة ضربوا عليهم من كل ناحية فألقوا ما بأيديهم من الأسلحة وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين وفر طائفة إلى ناحية دمنهور وكان كاشفها عندما بلغه ما حصل برشيد اطمأن خاطره ورجع إلى ناحية ديبي ومحلة الأمير وطلع بمن معه إلى البر فصادف تلك الشرذمة فقتل بعضهم وأخذ ما بقي منهم أسرى وأرسلوا السعاة إلى مصر بالبشارة فضربوا مدافع وعملوا شنكًا وخلع كتخدا بك على السعاة الواصلين وأسرعت المبشرون من أتباع العثمانيين وهم القواسة الأتراك بالسعي إلى بيوت الأعيان يبشرونهم ويأخذون منهم البقاشيش والخلع وصار الناس ما بين مصدق ومكذب فلما كان يوم الأحد سادس عشرينه أشيع وصول رؤوس القتلى ومن معهم من الأسرى إلى بولاق فهرع الناس بالذهاب للفرجة ووصل الكثير منهم إلى ساحل بولاق وركب أيضًا كبار العسكر ومعهم طوائفهم لملاقاتهم فطلعوا بهم إلى البر وصحبتهم جماعة العسكر المتسفرين معهم فأتوا بهم من خارج مصر ودخلوا بهم من بابا النصر وشقوا بهم من وسط المدينة وفيهم فسيال كبير وآخر كبير في السن وهما راكبان على حمارين والبقية مشاة في وسط العسكر ورؤوس القتلى معهم على نبابيت وقد تغيرت وأنتنت رائحتها وعدتها أربعة عشر رأسًا والأحياء الخمسة وعشرون ولم يزالوا سائرين بهم إلى بركة الأزبكية وضربوا عند صولهم شنكًا ومدافع وطلعوا بالأحياء مع فسيالهم إلى القلعة‏.‏

وفيه نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب للجهاد في الإنكليز حتى مجاوري الأزهر وأمرهم بترك حضور الدروس وكذلك أمر المشايخ المدرسين بترك إلقاء الدروس‏.‏

وفيه وصل عابدين بك وعمر بك وأحمد آغا لاظ أوغلي من ناحية قبلي وأشيع وصول الباشا بعد يومين‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل أيضًا جملة من الرؤوس والأسرى إلى بولاق فطلعوا بها على الرسم المذكور وعدتها مائة رأس واحد وعشرون رأسًا وثلاثة عشر أسيرًا وفيهم جرحى ومات أحدهم على بولاق فقطعوا رأسه ورشقوها مع الرؤوس وشقوا بها من وسط المدينة آخر النهار‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حصلت جمعية ببيت القاضي وحضر حسن باشا وعمر بك والدفتردار وكتخدا بك السيد عمر النقيب والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وباقي المشايخ فتكلموا في شأن حادثة الإنكليز والاستعداد لحربهم وقتالهم وطردهم فإنهم أعداء الدين والملة وقد صاروا أيضًا أخصامًا للسلطان فيجب على المسلمين دفعهم ويجب أيضًا أن يكون الناس والعسكر على حال الأفة والشفقة والاتحاد ولن تمتنع العساكر عن التعرض للناس بالإيذاء كما هو شأنهم وأن يساعدوا بعضهم بعضًا على دفع العدو ثم تشاوروا في تحصين المدينة وحفر خنادق فقال بعضهم أن الإنكليز لا يأتون إلا من البر الغربي والنيل حاجز بين الفريقين وأن الفرنساوية كانوا أعلم بأمر الحروب وأنهم لم يحفروا إلا لخندق المتصل من الباب الحديد إلى البر فينبغي الاعتناء بإصلاحه ولو لم يكن كوضعهم وإتقانهم إذ لا يمكن فعل ذلك واتفقوا على ذلك‏.‏

وفيه حضر مكتوب من ثغر رشيد عليه إمضاء علي بك حاكم رشيد وأحمد بك المعروف ببونابارته مؤرخ بيوم الجمعة رابع عشرينه يذكرون فيه أن الإنكليز لما حضروا إلى رشيد وحصل لهم ما حصل من القتل والأسر ورجعوا خائبين حصل لباقيهم غيظ عظيم وهم شارعون في الاستعداد للعود والمحاربة والقصد أن تسعفونا وتمدونا بإرسال الرجال والمحاربين والأسلحة والجبخانة بسرعة وعجلة وإلا فلا لوم علينا بعد ذلك وقد أخبرناكم وعرفناكم بذلك فأرسلوا في ذلك عدة من المقاتلين وكتبوا مكاتبات إلى البلاد والعربان الكائنين ببلاد البحيرة يدعونهم للمحاربة والمجاهدة وكذلك أرسلوا في ثاني يوم عدة من العسكر‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه ركب السيد عمر النقيب والقاشي والأعيان المتقدم ذكرهم ونزلوا إلى ماحية بولاق لترتيب أمر الخندق المذكور وصحبتهم قنصل الفرنساوية وهو الذي أشار عليهم بذلك وصحبتهم الجمع الكثير من الناس والأتباع والكل بالأسلحة‏.‏

وفيه وصل المشايخ الثلاثة الذين كانوا ذهبوا لإجراء الصلح بين الباشا والأمراء القبالي وذهبوا إلى دورهم وكان من خبرهم أنهم لما وصلوا إلى الباشا بناحية ملوى استأذنوه في الذهاب فيما أتوا بسببه من السعي في الصلح فاستمهلهم وتركهم بناحية ملوى واستعد وذهب إلى أسيوط وأودع الجماعة بمنفلوط وتلاقى مع الأمراء وحاربهم وظهر عليهم وقتل من الأمراء في تلك المعركة سليمان بك المرادي المعروف بريحة بتشديد الياء وسليمان بك الآغا ورجع الأمراء القبالي إلى ناحية بحري فعند ذلك حضر المشايخ وكتب مكاتبات إلى الأمراء وأرسلها صحبة المشايخ المذكورين إلى الأمراء وكانوا بالجانب الغربي بناحية ملوى فتفاوضوا معهم فيما أتوا بسببه من أمر الصلح مع الباشا وكف الحروب فقالوا كم من مرة يراسلنا في الصلح ثم يغدر بنا ويحاربنا فاحتجوا عليهم بما لقنه لهم من مخالفتهم لأكثر الشروط التي كان اشترطها عليهم من إرسال الأموال الميرية والغلال وتعديهم على الحدود التي يحددها معهم في الشروط ثم إنهم اختلوا مع بعضهم وتشاوروا فيما بينهم وكان عثمان بك حسن منعزلًا عنهم بالبر الشرقي ولم يكن معهم في الحرب ولا في غيره وبعد انقضاء الحرب استعلى إلى جهة قبلي وعثمان بك يوسف كان أيضًا بناحية الهو والكوم الأحمر‏.‏

وفي أثناء ذلك ورد على الباشا خبر الإنكليز وأخذهم الإسكندرية وأرسلوا رسلهم إلى الأمراء القبالي فارتبك في أمره وأرسل إلى المشايخ يستعجلهم في إجراء الصلح وقبولهم كل ما اشترطوه على الباشا ولا يخالفهم في شيء يطلبونه أبدًا ولما وصلتهم رسل الإنكليز اختلفت آراؤهم وأرسلوا إلى عثمان بك حسن يخبرونه ويستدعونه للحضور فامتنع وتورع وقال أنا لا أنتصر بالكفار ووافقه على رأيه ذلك عثمان بك يوسف واختلفت آراء باقي الجماعة وهم إبراهيم بك الكبير وشاهين بك المرادي وشاهين بك الألفي وباقي أمرائهم فاجتمعوا ثانيًا بالمشايخ وقالوا لهم ما المراد بهذا الصلح فقالوا المراد منه راحة الطرفين ورفع الحروب واجتماع الكلمة ولا يخفاكم أن الإنكليز تخاصمت مع سلطان الإسلام وآغارت على ممالكه وطرقت ثغر سكندرية ودخلتها وقصدهم أخذ الإقليم المصري كما فعل الفرنساوية فقالوا أنهم أتوا باستدعاء الألفي لنصرتنا ومساعدتنا فقالوا لا تصدقوا أقوالهم في ذلك وإذا تملكوا البلاد لا يبقون على أحد من المسلمين وحالهم ليس كحال الفرنساوية فإن الفرنساوية لا يتدينون بدين ويقولون بالحرية والتسوية وأما هؤلاء الإنكليز فإنهم نصارى على دينهم ولا تخفى عداوة الأديان ولا يصح ولا ينبغي منكم الانتصار بالكفار على المسلمين ولا الالتجاء إليهم ووعظوهم وذكروا لهم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأن الله هداهم في طفوليتهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وقد نشؤا في كفالة أسيادهم وتربوا في حجور الفقهاء وبين أظهر العلماء وقرؤوا القرآن وتعلموا الشرائع وقطعوا ما مضى من أعمارهم في دين الإسلام وإقامة الصلوات والحج والجهاد ثم يفسدون أعمالهم آخر الأمر ويوادون من حاد الله ورسوله ويستعينون بهم على إخوانهم المسلمين ويملكونهم بلاد الإسلام يتحكمون في أهلها فالعياذ بالله من ذلك وكان بصحبة المشايخ مصطفى أفندي كتخدا قاضي العسكر يكلمهم باللغة التركية ويترجم لهم ذلك وهو فصيح الكلام فقالوا كل ما قلتموه وأبديتموه فعلمه ولو تحققنا الأمن والصدق من مرسلكم ما حصل منا خلاف ولحاربنا وقاتلنا بين يديه ولكنه غدار لا يفي بعهد ولا يوعد ولا يبر في يمين ولا يصدق في قول وقد تقدم أنه يصطلح معنا وفي أثر ذلك يأتي لحربنا ويقتلنا ويمنع عنا من يأتي إلينا باحتياجاتنا من مصر ويعاقب على ذلك حتى من يأتي من الباعة والمتسببين إلى الناحية التي نحن فيها ولا يخفاكم أنه لما أتى القبودان ومعه الأوامر بالرضا والعفو الكامل عنا والأمر له بالخروج فلم يمتثل وأرسل إلينا وخدعنا وتحيل علينا بإرسال الهدايا وصدقناه واصطلحنا معه فلما تم له الأمر غدر بنا وما مراده بصلحنا إلا تأخرنا عن ذهابنا إلى الإنكليز فلا نذهب إليهم ولا نستعين بهم وإن كان مراده يعطينا بلادًا يصالحنا عليها فها هي البلاد بأيدينا وقد عمها الخراب باستمرار الحروب من الفريقين وقد تفرق شملنا وانهدمت دورنا ولم يبق لنا ما نأسف عليه أو نتحمل المذلة من أجله وقد ماتت إخواننا ومماليكنا فنحن نستمر على ما نحن عليه حتى نموت عن آخرنا ويرتاح قلبه من جهتنا فقال لهم الجماعة هذه المرة هي الأخرى وليس بعدها شر ولا حرب بل بعدها الصداقة والمصافاة ويعطيكم كل ما طلبتموه من بلاد وغيرها فلو طلبتم من الإسكندرية إلى أسوار لا يمنع ذلك بشرط أن تكونوا معنا بالمساعدة في حرب الإنكليز ودفعهم عن البلاد وأيضًا تسيرون بأجمعكم من البر الغربي والباشا وعساكره من البر الشرقي وعند انقضاء أمر الإنكليز ورجوعكم إلى بر الجيزة ينعقد مجلس الصلح بحضرة المشايخ الكبار والنقيب والوجاقلية وأكابر العسكر وإن شئتم عقدنا مجلس الصلح بالجيزة قبل التوجه لمحاربة الإنكليز ولا شر بعد ذلك أبدًا فانخدعوا لذلك كتبوا أجوبة ورجع بها مصطفى أفندي كتخدا القاضي وصحبته يحيى كاشف وفيه شرعوا في حفر الخندق المذكور ووزعوا حفره على مياسير الناس وأهل الوكاكل والحانات والتجار وأرباب الحرف والروزنامجي وجعلوا على البعض أجرة مائة رجل من الفعلة وعلى البعض أجرة خمسين وعشرين وكذلك أهل بولاق ونصارى ديوان المكس والنصارى الأروام والشوام والأقباط واشتروا المقاطف والغلفان والفؤس والقزم وآلات الحفر وشرعوا في بناء حائط مستدير أسفل تل قلعة السبتية‏.‏

وفي يوم الخميس غايته ورد مكتوب من السيد حسن كريت نقيب الأشراف برشيد والمشار إليه بها يذكر فيه أن الإنكليز لما وقع لهم ما وقع برشيد رجعوا في هزيمتهم إلى الإسكندرية استعدوا وأحضروا إلى ناحية الحماد قبلي رشيد ومعهم المدافع الهائلة والعدد ونصبوا متاريسهم من ساحل البحر إلى الجبل عرضًا وذلك ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه فهذا ما حصل أخبرناكم به ونرجو الإسعاف والإمداد بالرجال والجبخانه والعدة والعدد وعدم التأني وإليهما فلما وصل ذلك الجواب قرأه السيد عمر النقيب على الناس وحثهم على التأهب والخروج للجهاد فامتثلوا ولبسوا الأسلحة وجمع إليه طائفة المغاربة وأتراك خان الخليلي وكثير من العدوية والأسيوطية وأولاد البلد وركب في صبحها إلى كتخدا بك واستأذنه في الذهاب فلم يرض وقال حتى بأتي أفندينا الباشا ويرى رأيه في ذلك فسافر من سافر وبقي من بقي وانقضى الشهر وفيه ورد الخبر بأن ركب الحاج الشامي رجع من منزلة هدية ولم يحج في هذا العام وذلك أنه لما وصل إلى المنزلة المذكورة أرسل الوهابي إلى عبد الله باشا أمير الحاج يقول له تأت إلا على الشرط الذي شرطناه عليك في العام الماضي وهو أن يأتي بدون المحمل وما يسصحبهم من الطبل والزمر والأسلحة وكل ما كان مخالفًا للشرع فلما سمعوا ذلك رجعوا من غير حج ولم يتركوا مناكيرهم‏.‏

واستهل شهر صفر بيوم الجمعة سنة 1222 فيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبالي وختم عليها كثير من مشايخ الأزهر وغيرهم وأرسلوها إليهم‏.‏

وفي يوم السبت ثانيه وردت مكاتبة أيضًا من ثغر رشيد وعليها إمضاء علي بك السنانكلي حاكم الثغر وطاهر باشا وأحمد آغا المعروف ببونابارته بمعنى مكتوب السيد حسن السابق ويذكرون فيه أن الإنكليز ملكوا أيضًا كوم الأفراح وأبو منضور ويستعجلون النجدة‏.‏

وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وصل محمد علي باشا ودخل إلى داره بالأزبكية في سادس ساعة من الليل وكان أشيع وصوله قبل ذلك اليوم وخرج السيد عمر النقيب والمشيخ والحروقي لملاقاته يوم الجمعة فبعضهم ذهب إلى الآثار وبات هناك بالقرافة بضريح الإمام الشافعي ورجعوا في ثاني يوم يحصل لهم ملاقاة فلما طلع نهار ذلك اليوم وأشيع حضوره إلى داره ركب الجميع وذهبوا للسلام عليه ودار بينهم الكلام في أمر الإنكليز فأظهر إليهتمام وأمر كتخدا بك وحسن باشا بالخروج في ذلك اليوم فأخرجوا مطلوباتهم وعازتهم إلى بولاق وسخط على أهل الإسكندرية والشيخ المسيري وأمين آغا حيث مكنوا الإنكليز من الثغر وملوكهم البلدة ولم يقبل لهم عذرًا في ذلك ثم قالوا له إنا نخرج جميعًا للجهاد مع الرعية والعسكر فقال ليس على رعية البلد خروج وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر وانقضى المجلس وركبوا إلى دورهم‏.‏

وفيه وصل حجاج المغاربة إلى مصر من طريق البر وأخبروا أنهم حجوا وقضوا مناسكهم وأن مسعود الوهابي وصل إلى مكة بجيش كثيف وحج مع الناس بالأمن وعدم الضرر ورخاء الأسعار وأحضر مصطفى جاويش أمير الركب المصري وقال له ما هذه العويدات والطبول التي معكم يعني بالعويدات المحمل فقال هو إشارة وعلامة على اجتماع الناس بحسب عادتهم فقال لا تأت بذلك بعد هذا العام وإن أتيت به أحرقته وأنه هدم القباب وقبة آدم وقباب ينبع والمدينة وأبطل شرب التنباك والنارجيلة من الأسواق وبين الصفا والمروة وكذلك البدع‏.‏

وفي تلك الليلة أرسل الباشا وطلب السيد عمر في وقت العشاء الأخيرة وأزمه بتحصيل ألف وفي يوم الاثنين رابعه دخلت طوائف العسكر الواصلين من الجهة القبلية إلى المدينة وطلبوا سكنى البيوت كعادتهم ولم يرجعوا إلى الدور التي كانوا ساكنين بها وأخربوها‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وردت مكاتبة من رشيد وعليها إمضاء السيد حسن كريت يخبر فيها بان الإنكليز محتاطون بالثغر ومتحلقون حوله ويضربون على البلد بالمدافع والقنابر وقد تهدم الكثير من الدور والأبنية ومات كثير من الناس وقد أرسلنا لكم قبل تاريخه نطلب الآغاثة والنجدة فلم تسعفونا بإرسال شيء وما عرفنا لأي شيء هذا الحال وما هذا إليهمال فالله الله في الإسعاف فقد ضاق الخناق وبلغت القلوب الحناجر من توقع المكروه وملازمة المرابطة والسهر على المتاريس ونحو ذلك من الكلام وهي خطاب للسيد عمر النقيب والمشايخ ومؤرخة في ثاني شهر صفر‏.‏

وفي ذلك اليوم اهتم الباشا وعزم على السفر بنفسه إلى بولاق وركب وصحبته حسن باشا وعابدين بك وعمر بك فسافروا في تلك الليلة‏.‏

وفي يوم الأربعاء سافر أيضًا حجو بك وخرج معه بعض المتطوعة من الأتراك وغيرهم تهيئوا واتفقوا مع المسافرين معهم وأمدهم الكثير من إخوانهم بالاحتياجات والذخيرة والمؤن ونصبوا لهم وخرجوا ومعهم طبل وزمر‏.‏

وفي يوم الجمعة ركب أيضًا أحمد آغا لاظ وشق بعساكره الذين كان بهم بالمنية وتداخل فيهم الكثير من أجناسهم وغيرهم من مغاربة وأتراك بلدية ومر الجميع من وسط المدينة في عدة وافرة ويذهب الجميع إلى بولاق يوهمون أنهم مسافرون على قدم الاستعجال بهمة ونشاط واجتهاد فإذا وصلوا إلى بولاق تفرقوا ويرجع الكثير منهم ويراهم الناس في اليوم الثاني والثالث بالمجينة ومن تقدم منهم وسافر بالفعل ذهب فريق منهم إلى المنوفية وفريق إلى الربية ليجمعوا في طريقهم من أهل البلاد والقرى ما تصل إليه قدرة عسفهم من المال والمغارم والكلف وخطف البهائم ورعي المزارع وخطف النساء والبنات والصبيان وغير ذلك‏.‏

وفيه سافر أيضًا حسن باشا طاهر وفيه نزل الدالاتية إلى بولاق وكذلك الكثير من العسكر وحصل منهم الإزعاج في أخذ الحمير والجمال قهرًا من أصحابها ونزلوا بخيولهم على ريب البرسيم والغلال الطائبة التي بناحية بولاق وجزيرة بدران وخلافها فرعتها وأكلتها بهائمهم في يوم واحد ثم انتقلوا إلى ناحية منية السيرج وشبرا والزاوية الحمراء والمطرية والأميرية فأكلوا زروعات الجميع وخطفوا مواشيهم وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان وأخذوهم وباعوهم فيما بينهم حتى باعوا البعض بسوق مسكة وغيره وهكذا تفعل المجاهدون ولشدة قهر الخلائق منهم وقبح أفعالهم تمنوا مجيء الإفرنج من أي جنس كان وزال هؤلاء الطوائف الخاسره الذين ليس لهم ملة ولا شريعة ولا طريقة يمشون عليها فكانوا يصرخون بذلك بمسمع منهم فيزداد حقدهم وعداوتهم ويقولون أهل هذه البلاد ليسوا مسلمين لأنهم يكرهوننا ويحبون النصارى ويتوعدونهم إذا خلصت لهم البلاد ولا ينظرون لقبح أفعالهم‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشره حضر جماعة من الططر الذين من عادتهم يأتون بالأخبار والبشارات بالمناصيب وقد وصلوا من طريق الشام يبشرون بولاية السيد علي باشا وعزل صالح قبودان عن رياسة الدونانمة ويذكرون أنه خرج بالدونانمة التي تسمى بالعمارة وصحبته عدة مراكب فرنساوية قاصدين جهة مالطة ليقطعوا على الإنكليز الطرق وأن هؤلاء الططر الواصلين لم يعلموا بورود الإنكليز إلى الإسكندرية إلا عند وصولهم صيدا وذكروا أن سبب عزل صالح القبودان أن الإنكليز وردوا بوغاز إسلامبول بإثني عشر مركبًا وقيل أربعة عشر وظلوا داخلين والمدافع تضرب عليهم من القلاع المتقابلة فلم يبالوا بذلك حتى حصلوا بداخل المينة تجاه البلد فانزعج أهالي البلد انزعاجًا شديدًا وصرخت النساء وهاجت المجينة وماجت بأناسها ولو ضرب عليها الإنكليز لاحترقت عن آخرها لكنهم لم يفعلوا بل استمروا يومهم ورموا مراسيهم ثم أخذوها وولوا راجعين ولسان حالهم يقول ها نحن ولجنا بغازكم الذي تزعمون أنه لا أحد يقدر على عبوره وقدرنا عليكم وعفونا عنكم ولو شئنا أخذ دار سلطنتكم لأخذناها أو أحرقناها وعندما فعلوا ذلك طلب السلطان قبودان باشا فوجدوه يتعاطى الشراب في بعض الأماكن فعند ذلك أحضروا السيد علي وقلدوه رياسة الدونانمة ونزل إلى الإنكليز وتكلم معهم إلى أن خرجوا من البوغاز وأخرجوا صالح قبودان منفيًا إلى بعض الجهات‏.‏

وفي ذلك اليوم طلع الباشا إلى القلعة وصحبته قنصل الفرنساوية يهندس معه الأماكن ومواطن الحصار والقنصل المذكور مظهر إليهتمام والاجتهاد ويسهل الأمر ويبذل النصح ويكثر من الركوب والذهاب والإياب وأمامه الخدم وبأيديهم الحراب المفضضة وخلفه ترجمانه وأتباعه‏.‏

وفيه أرسل الأمراء القبليون جوابًا عن جواب أرسل إليهم قبل ذلك وعليه ختوم كثيرة باستدعائهم واستعجالهم للحضور فأرسلوا هذا الجواب يعتذرون فيه بأن السبب في تأخرهم أنهم لم يتكاملوا وأن أكثرهم متفرقون بالنواحي مثل عثمان بك حسن وغيره وأنهم إلى الآن لم يثبت عندهم حقيقة الأمر لأن من الثابت عندهم صداقة الإنكليز مع العثماني من قديم الزمان وان المراسيم التي وردت بالتحذير والتحفظ من الموسكوب ولم يذكر الإنكليز فاتفق الحال بأن يرسلوا لهم جوابًا بالحقيقة صحبة مصطفى أفندي كتخدا القاضي يصحب معه المراسيم التي وردت في شأن ذلك وفيها ذكر الإنكليز ومنابذتهم للدولة فسافر الكتخدا المذكور في صبحها إليهم وكانوا حضروا إلى ناحية المنية وأما ياسين بك فإنه أذعن للصلح على أن يعطيه الباشا أربعمائة كيس بعد تردد المراسلات بينه وبين الباشا ثم انه عدى إلى ناحية شرق اطفيح وفرض عليهم الأموال الجسيمة وكان أهل تلك البلاد اجتمعوا بصول والبرنبل بمتاعهم وأموالهم ومواشيهم فنزل عليهم وطلب منهم الأموال فعصوا عليه فأوقد فيهم النيران وحرق جرونهم ونهبهم‏.‏

وفي عصر يوم الثلاثاء حضر جماعة من العرب وصحبتهم ثلاثة أنفار من البرية وأحضروهم إلى مصر فمثلوا بين يدي الباشا وكلمهم ثم أمر بطلوعهم إلى القلعة وفيهم شخص كبير يقال أنه من قباطينهم‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشره عملوا ديوانًا ببيت القاضي اجتمع فيه الدفتردار والمشايخ والوجاقلية وقرؤوا مرسومًا تقدم حضوره قبل وصول الإنكليز إلى الإسكندرية مضمونه ضبط تعلقات الإنكليز وما لهم من المال والودائع والشركات مع التجار بمصر والثغور‏.‏

وفي ذلك اليوم حضر شخصان من السعاة وأخبرا بالنصر على الإنكليز وهزيكتهم وذلك أنه اجتمع الجم الكثير من أهالي بلاد البحيرة وغيرها وأهالي رشيد ومن معهم من المتطوعة والعساكر وأهل دمنهور وصادف وصول كتخدا بك وإسماعيل كاشف الطوبجي إلى تلك الناحية فكان بين الفريقين مقتلة كبيرة وأسروا من الإنكليز طائفة وقطعوا منهم عدة رؤوس فخلع الباشا على الساعيين جوختين وفي أثر ذلك وصل أيضًا شخصان من الأتراك بمكاتبات بتحقيق ذلك الخبر وبالغا في الأخبار وان الإنكليز انجلوا عن متاريس رشيد وأبي منصور والحماد ولم تزل المقاتلون من أهل القرى خلفهم إلى أن توسطوا البرية وغنموا جبخاناتهم وأسلحتهم ومدافعهم ومهراسين عظيمين وذكرا أنه واصل خلفهم أسرى ورؤس قتلى كثيرة في عدة مراكب وأنه وصل معهما من جملة المتطوعين رجلان من آهل مكة التجار المقيمين بمصر كانا في الواقعة بنحو مائة من البدو والمغاربة وغيرهم ينفقان عليهم ويحرضانهم على القتال ويعينان المقاتلين من إليه ألي بما في أيديهما ويقاتلان بأنفسهما وبذلا جهدهما في ذلك وأنهما بعد هزم الإنكليز وسلبهم فرقًا ما غنماه وما بقي معهما من الأشياء على من خرج خلف الإنكليز وحضرا معهما وهما السيد أحمد النجاري وأخوه السيد سلامة فطلبهما الباشا وسألهما عن الخبر فأخبراه بخبر التركيين فانسر الباشا لذلك سرورًا عظيمًا وشكر فعلهما وأنعم عليهما وخلع عليهما ورتب لهما مرتبًا ووعدهما بالاستخدام في مصالحه وخلع على ذينك التركيين فروتي سمور وحضرا بصحبة الساعيين إلى منزل السيد عمر النقيب بعد الغروب وتعشوا عنده وطلبوا البقشيش وبعد أن أخذوه توسل التركيان به بأن يسعى لهما عند الباشا في أن ينعم عليهما بمناصب فوعدهما بذلك وترجى الباشا لهما يضاعف مرتبهما وربوا في صبح ذلك اليوم مجافع كثيرة من القلعة بالأزبكية وبولاق والجيزة وذك بين الظهر والعصر‏.‏ وفي

يوم الجمعة خامس عشرة

حضروا بأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصًا وعدة رؤس فمروا بهم من وسط الشارع الأعظم وأما الرؤس فمروا بها من طريق باب الشعرية وعدتها نيف وثلاثون رأسًا موضوعة على نبابيت رشقوها بوسط بركة الأزبكية مع الرؤس الأولى صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله‏.‏

وفيه وصل ثلاث دوات من جدة إلى ساحل السويس فيها أتراك وشوام وأجناس آخرون وذكروا أن الوهابي نادى بعد انقضاء الحج أن لا يأتي إلى الحرمين بعد هذا العام من يكون حليق الذقن وتلافي المناداة قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا تقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وأخرجوا هؤلاء الواصلين إلى مصر‏.‏

وفي يوم السبت وصل أيضًا تسعة أشخاص أسرى من الإنكليز وفيهم فسيال‏.‏

وفي يوم الأحد وصل أيضًا نيف وستون وفيهم رأس واحد مقطوعة فمروا بهم على طريق باب النصر من وسط المجينة وهرع الناس للتفرج عليهم وبعد الظهر أيضًا مروا بثلاثة وعشرين أسيرًا وثمانية رؤوس وبعد العصر بثلاثة وعشرين رأسًا وأربعة وأربعين أسيرًا من ناحية باب الشعرية وطلعوا بالجميع إلى القلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية فرشقوا الرؤس بالأزبكية مع الرؤس الأول وهي نحو المائة واثنين وأربعين والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين فطلعوا بهم إلى القلعة عند إخوانهم فكان مجموع الأسرى أربعمائة أسير وستة وستين أسيرًا والرؤس ثلثماثة ونيف وأربعون وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم وهذه الوقعة حصلت على غير قياس وصادف بناؤها على غير أساس وقد أفسد الله رأي كل طائفة من الإنكليز والأمراء المصرية وأهل الإقليم المصري لبروز ما كتبه وقدره في مكنون غيبه على أهل الإقليم من الدمار الحاصل وما سيكون بعد كما ستسمع به ويتلى عليك بعضه أما فساد رأي الإنكليز فلتعديهم الإسكندرية مع قلتهم وسماعهم بموت الألفي وتغريرهم بأنفسهم وأما الأمراء المصريون فلا يخفى فساد رأيهم بحال وأما أهالي الإقليم فلانتصارهم لمن يضرهم ويسلب نعمهم وما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيدي الناس وما أصابك من سيئة فمن نفسك ولم يخطر في الظن حصول هذا الواقع ولا أن الرعايا والعسكر لهم قدرة على حروب الإنكليز وخصوصًا شهرتهم بإتقان الحروب وقد تقدم لك أنهم هم الذين حاربوا الفرنساوية وأخرجوهم من مصر‏.‏

ولما شاع أخذهم الإسكندرية داخل العسكر والناس وهم عظيم وعزم أكثر العسكر على الفرار إلى جهة الشام وشرعوا في قضاء أشغالهم واستخلاص أموالهم التي أعطوها للمتضايقين والمستقرضين بالربا وإبدال ما بأيديهم من الدراهم والقروش والفرانسة التي يثقل حملها بالذهب البندقي والمحبوب الزر لخفة حملها حتى أنها زادت في المصارفة بسبب كثرة الطلب لها وبلغ صرف البندقي المشخص الناقص في الوزن أربعمائة وعشرين نصفًا والزر مائتين وعشرين والفرانسة مائتين واستمرت تلك الزيادة بعد ذلك وسيزيد الأمر محشًا وسعوا في مشترى أدوات الارتحال والأمور اللازمة لسفر البر وفارق الكثير منهم النساء وباعوا ما عندهم من الفرش الأمتعة حتى أن محمد علي باشا لما بلغه حصولهم بالإسكندرية وكان يحارب المصريين ويشدد عليهم فعند ذلك انحلت عزائمه وأرسل يصالحهم على ما يريدونه ويطلبونه وثبت في يقينه استيلاء الإنكليز على الديار المصرية وعزم على العود متلكئًا في السير يظن سرعة ورودهم إلى المجينة فيسير شرقًا على طريق الشام ويكون له عذر بغيبته في الجملة فلما وصلت الشرذمة الأولى من الإنكليز إلى رشيد ودخلوها من غير مانع وحبسوا أنفسهم فيها فقتلوا وأسروا وهرب من هرب ووصلت الرؤوس والأسرى وأسرعت في الحضور وترجعت نفوس العساكر وطمعوا عند ذلك في الإنكليز وتجاسروا عليهم وكذلك أهل البلاد قويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة واشتروا الأسلحة ونادوا على بعضهم بالجهاد وكثر المتطوعون ونصبوا لهم بيارق وأعلامًا وجمعوا من بعضهم دراهم وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء وخرجوا في مواكب وطبول وزمور فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليز دهموهم من كل ناحية على غير قوانين حروبهم وترتيبهم وصدقوا في الحملة عليهم وألقوا أنفسهم في النيران ولم يبالوا برميهم وهجموا عليهم واختلطوا بهم وأدهشوهم بالتكبير والصياح حتى أبطلوا رميهم ونيرانهم فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان فلم يلتفتوا لذلك وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم وحضروا بالأسرى والرؤوس على الصور المذكورة وفر الباقون إلى من بقي بالإسكندرية وليت العامة شكروا على ذلك أو نسب إليهم فعل بل نسب كل ذلك للباشا وعساكره وجوزيت العامة بضد الجزاء بعد ذلك ولما أصعدوا الأسرى إلى القلعة طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء لمعالجة الجرحى ومهد لهم أماكن وميز الكبار منهم والفسيالات في مكان يليق بهم وفرش لهم فرشات ورتب لهم تراتيب وصرف عليهم فقات ولوازم واستمر يتعاهدهم في غالب الأيام والجرئحية يترددون إليهم في كل يوم لمداواتهم كما هي عادة الإفرنج مع بعضهم إذا وقع في أيديهم جرحى من المحاربين لهم فعلوا بهم ذلك وأكرموا الأسرى وأما من وقع منهم في أيدي العسكر من المردان فإنهم اختصوا بهم وألبسوهم من ملابسهم وباعوهم فيما بينهم ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحيلة لطيفة فمن ذلك أن غلامًا منهم قال للذي هو عنده أن لي بولصة عند قنصل الفرنساوية وهي مبلغ عشرون كيسًا ففرح وقال له أرنيها فأخرج له ورقة بخطم وهؤلاء يعرف ما فيها فأخذها منه طمعًا في إحرازها لنفسه وذهب مسرعًا إلى القنصل وأعطاها له فلما قرأها قال له لا أعطيك هذا المبلغ إلا بيد الباشا ويعطيني بذلك رجعة بختمه لتخلص ذمتي فلما صاروا بين يدي الباشا فأخبره القنصل فأمر بإحضار الغلام فلما حضر سأله الباشا فقال أريد الخلاص منه واحتلت عليه بهذه الحيلة لأتوصل إليه فطيب الباشا خاطر العسكري بدراهم وأرسل الغلام إلى أصحابه بالقلعة ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية نزل الأتراك على الحماد وما جاورها واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها ومواشيها زاعمين أنها صارت دار حرب بنزول الإنكليز عليها وتملكها حتى أن بعض الظاهرين كلمهم في ذلك فرد عليه بذلك الجواب فأرسلوا إلى مصر بذلك وكتبوا في خصوص ذلك سؤلًا وكتب عليه المفتون بالمنع وعدم الجواز وحتى يأتي الترياق من العراق يموت الملسوع ومن يقرأ ومن يسمع وعلى أنه لم يرجع طالب الفتوى بل أهملت عند المفتي وتركها المستفتي ثم أحاطت العساكر ورؤساؤهم برشيد وضربوا على أهلها الضرائب وطلبوا منها الأموال والكلف الشاقة وأخذوا ما وجدوه بها من الأرز للعليق فخرج كبيرها اليد حسن كريت إلى حسن باشا وكتخدا بك وتكلم معهما وشنع عليهما وقال أما كفانا ما وقع لنا من الحروب وهدم الدور وكلف العسكر ومساعدتهم ومحربتنا معهم معكم وما قاسيناه من التعب والسهر وإنفاق المال ونجازي منكم بعدها بهذا الأفاعيل فدعونا نخرج بأولادنا وعيالنا ولا نأخذ معنا شيئًا ونترك لكم البلدة افعلوا بها ما شئتم فلاطفوه في الجواب وأظهروا له إليهتمام بالمناداة والمنع وكت المذكور أيضًا مكاتبات بمعنى ذلك وأرسلها إلى البلدة والسيد عمر بمصر فكتبوا فرمانًا وأرسلوه بالكف والمنع وهيهات ولما وصل من وصل بالقبلي والأسرى أنعم الباشا على الواصلين منهم بالخلع والبقاشيش وألبسهم شلنجات فضة على رؤوسهم فازداد جبروتهم وتعديهم ولما رجع الإنكليز إلى ناحية الإسكندرية قطعوا السد فسالت المياه وغرقت الأراضي حول الإسكندرية‏.‏

وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك إلى ناحية طرا وحضر أبوه إلى مصر ودخل كثير من أتباعه إلى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية‏.‏

وفيه دفنوا رؤس القتلى من الإنكليز وكانوا قطعوا آذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها إلى إسلامبول‏.‏

وفيه أرسل الباشا فسيالًا كبرًا من الإنكليز إلى الإسكندرية بدلًا عن ابن أخي عمر بك وقد كان المذكور سافر إلى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب إلى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا الفسيال ليرسلوا بدله ابن أخي عمر بك‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقه جهة شبرا ومنية السيرج‏.‏

وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان آغا صالح وكيل دار السعادة سابقًا وهو الذي كان بإسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع أمرائه بعد موته وكان الباشا قد أرسل له يستدعيه بأمان فأجاب إلى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبه بالضربخانة وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه إلى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقبلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع أجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان آغا ما أعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل أصابوه بأعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك إلى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعًا فانطلقت رصاصتها وخرقت كفه اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع إلى داره بجراحته وأذن له برد حملته وذهب ياسين بك إلى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل‏.‏

وفيه سافر المتسفر بآذان القتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضًا شخصان من أسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضًا بصورة الحال من إنشاء السيد إسمعيل الخشاب وبالغوا فيه‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن أحمد كتخدا إلى ناحية القليوبية لأجل القبض على أيوب فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب إليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من بضائع التجار وأموالهم أو أنهم يفتدون أنفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون إلى أيوب فوده كبير الناحية فيتبرأ منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده أبناس فلما وصلوا إلى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمه وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر إلى السيد عمر وصالح على نفسه بثلاثمائة كيس ورجع الحال إلى حاله وذلك خلاف ما أخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها وأقاموا فيها واحتجوا عليها‏.‏

وفيه حضر الكثير من أهل رشيد بحريمهم وأولادهم ورحلوا عنها إلى مصر‏.‏

وفيه حضر كتخدا القاضي من عند الأمراء القبالي وأخبر أنهم محتاجون إلى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وأرسلها إليهم مع هذه الصورة وإظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب إليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذهبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم وإذا وقعوا بشخص أو غمزوا عليه عند الحاكم أو صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرأ منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المقيدين بأبواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفًا من خروج النساء القبالي وذهابهن إلى أزواجهن واتفق أنهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر إلى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه أنه يريد الذهاب بذلك إلى الأمراء وأتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر محبوسًا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب إلى جهة القرافة وقبض على أشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بأن بعض أتباع الأمراء القبالي يخرجون إليهم بالأمتعة لأسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها إلى أسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئًا واجتمع عليه خدام الأضرحة وأهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فأعجب لهذا التناقض‏.‏

وفيه وصل مكتوب من كبير الإنكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب أسماء الأسرى من الإنكليز والوصية بهم وإكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فإنهم لما دخلوا إلى الإسكندرية أكرموا من كان بها منهم وأذنوا لهم بالسفر بمتاعهم وأحوالهم إلى حيث شاؤا وكذلك من أخذوه أسيرًا في حرابة رشيد‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت سنة 1222 فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابًا عن رسالته‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير إلى هذا الوقت وأنهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم إلى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم أقام ثلاثة أيام ورجع إلى مرسله وصحبته سليمان آغا الوكيل‏.‏

وفيه حضر عابدين بك أخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر أيضًا في أثره أحمد آغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك أنهم ذهبوا خلف الإنكليز إلى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانًا كثيرة فولوا راجعين وحضروا إلى مصر‏.‏

وفيه حضر أيضًا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان أرسل بدلًا عن ابن أخي عمر بك وقيل أنه ابن أخي صالح قوش فلما وصل إليهم أجابوا بأن المذكور سافر مع من سافر إلى الروم بمتاعهم وأموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودًا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع إلى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل أطلق له الإذن أيضًا في الرجوع إلى الإسكندرية أو إلى بلاده متى أحب واختار‏.‏

وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك أنه لما حضر إلى مصر وخلع عليه الباشا دفع إليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له ما تقادم وإنعامات على أنه يسافر إلى الإسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه وأخذ لهم الكساوى والسراويلات وأخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والإفازة والمحاصرة إلى غير ذلك وقلد أباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه إلى ناحية الحلي ببولاق فانضم إليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب إليه يكتبه من جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وأزعر ومخالف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما أرسل إليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت أوباشه يعبثون في النواحي وبث أكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجه عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته وأحرقوها وأخذوا أهلها أسرى فعند ذلك أخذ الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين إليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره أمر عساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج إلى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم إلى نواحي السبتية والخندق وأحالوا بينه وبين بولاق ومصر‏.‏

وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج تلك الناحية وحصن أبواب المدينة بالعساكر وأيقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وأرسل الباشا إلى ياسين بك يقول له أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر وإلا تذهب إلى بلادك وإلا فأنا واصل إليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره أين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم إلى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت إلى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم أبوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت إلى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن أميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا إلى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها وأما أبوه فإنه التجأ إلى شيخ قليوب الشواربي فأخذ له أمانًا وأحضر في ثاني يوم الإلى الباشا فألبسه فروة وأمره أن يلحق بابنه فنزل إلى بولاق ونزل في مركب مسافرًا‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرًا ورؤساء عساكر وخيالة واصب معهم شديدًا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها أفاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب وأخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي وأخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوباتها أحرقوه بالنار‏.‏

وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك أنهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل إلى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وإيابهم تدمير القرى‏.‏

وفيه ورد قاصد قابجي من إسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمه وتاريخه نحو ثلاثة أشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة‏.‏

وفي يوم السبت تاسع عشرينه رجع سليمان آغا من قبلي إلى مصر وأخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وأن شاهين بك وصل إلى زارية المصلوب وإبراهيم بك جهة قمن العروس وأنهم واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين 1222 فيه سافر مصطفى آغا والصابونجي إلى جهة قبلي وصحبتها كتخدا القاضي‏.‏

وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانًا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضي الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من إسلامبول وذهب إلى ناحية أدرنه وأن العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكورن فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤس قتلى وأسرى كثيرة وأنه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب إلى ثغر الإسكندرية وأن الكائنين بالثغر ترخوا في حربهم حتى طلعوا إلى الثغر فمن اللازم إليهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم عن الثغر وقد أرسلنا البيورلديات إلى سليمان باشا والي صيدا وإلى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر إلى مصر للمساعدة وإن لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو إلى آخر ما نقموه وسطروه محل القصد من ورود هذه البيولديات والفرمانات والأغوات والقبيجات إنما هو جر المنفعة لهم بما يأخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم إذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة أعدوا له منزلًا يليق به ونظموه بالفرش والأداوت اللازمة وخصوصًا إذا كان حضر في أمر مهم أو لتقرير المتولي على السنة الجديدة أو بصحبته خلع رضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده إلى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو شهر أو شهرين ويأخذون خدمتهم وبشارتهم بالأكياس وإذا وصل هو أدخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانًا ومدافع وشنكًا وأنزل في المنزل المعد له وأقبلت عليه التقادم والهدايا من المتولي وأعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لمآكله وأتباعه لمطبخه وشراب حالته أيام مكثه شهر أو شهورًا ثم يعطى من الأكياس قدرًا عظيمًا وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وأنواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهنجية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وإن كان دون ذلك أنزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في أعز مجلس ويقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات أنفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلًا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى أتباعه ويمكث على ذلك شهورًا حتى يأخذ خدمته ويقبض أكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرًا ومثنيًا عليه عند مخدومه وأهل دولته أقضية يحار العقل والنقل في تصويرها‏.‏

وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها أغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعًا وأما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين وأخبر الواصلون أنهم منعوا من زيارة المدينة وأن الوهابي أخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضًا الذي كان أميرًا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبة من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة وأخبروا أنه أمر بحرق المحمل واضطربت أخبار الأخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس إليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن إبراهيم بك وصل إلى بني سويف وأن شاهين بك ذهب إلى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وأن أمين بك وأحمد بك الألفيين ذهبا إلى ناحية الإسكندرية للإنكليز‏.‏

وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط وإقطاعات الأراضي وكذلك أخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين ذلك خلاف ما فرضوه علىالبنادر من الأكياس الكثيرة المقادير‏.‏

وفي ذلك اليوم أرسل الآغا والي الشرطة أتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يأمرونهم بالحضور من الغد إلى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما أصبح يوم الاثنين واجتمع الناس أبرزوا لهم مرسومًا قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته إلى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب إلى مائتين وعشرين وأكثر والمشخص البندقي وصل إلى أربعمائة وأربعين فضة ونحو ذلك فلما قرؤوا عليهم المرسوم وأمروهم بعدم الزيادة وأن يكون صرف الفراسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا أمر منوط بالصيارف وانفض المجلس‏.‏

وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم بك ومن الرسل مضمونها الأخبار بقدومهم وأرسل إبراهيم بك يستدعي إليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وأمتعة‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشره سافر أولاد إبراهيم بك والمطلوبات التي أرسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الاثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي وآخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة أرسلت إلى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز إلى ثغر سكندرية ودخولهم إليها بمخامرة أهلها ثم زحفهم إلى رشيد وقد حاربتهم أهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم وأسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء وأكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار وإخراجهم وإبعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك‏.‏

وفيه أحضروا أربعة رؤوس من الإنكليز وخمسة أشخاص أحياء فمروا بهم من وسط المدينة ذكروا أن كاشف دمنهور حارب بناحية الإسكندرية فقتل منهم وأسر هؤلاء وقيل أنهم كانوا يسيرون لبعض أشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فأحاط بهم وفعل بهم ما فعل وأرسلهم إلى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل أنهم سألوهم فقالوا نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لا غير فأخذونا وقتلوا منا من قتلوه وأبقونا‏.‏

وفيه وصلت مكاتبة من إبراهيم وأرسل الباشا إليهم جوابًا صحبة إنسان يسمى شريف آغا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت أخبار من ناحية الشام بأنه وقع بإسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبد الحميد بن أحمد وخطب له ببلاد الشام‏.‏

وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر يتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعة سادس عشرينه‏.‏

وفي أواخره أحدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترًا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها أضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم‏.‏

وفيه كتبوا أورقًا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب أموال الناس‏.‏

وفيه كتبوا مراسلة إلى الأمراء القبليين بالصلح وأرسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ إبراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك أنه لما رجع شريف آغا الذي كان توجه إليهم بمراسلتهم أرسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على أيديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلًا عنهم‏.‏

وفي هذه الأيام كث خروج العساكر والدلاة وهم يعدون إلى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل إلى بر أنبابة وأقام هناك أيامًا‏.‏

فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التي كانت أنشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرًا كثيرًا ووسق عدة مراكب وأرسلها إلى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورًا على البلد وأبراجًا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وأنزلوهم في المراكب قهرًا‏.

وفي منتصفه وصل إلى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية أتوا من ناحية الشام ودخلوا إلى المدينة‏.‏

وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن وأهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع وأجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله أو نخزنه شيئًا إلا بقصد الدفع من أصل المطلوب منهم ثم أردفوا ذلك بمطلوبات من أفراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسًا في بيته فما يشعر إلا والمعينون واصلون إليه وبيدهم بصلة الطلب إما خمسة أكياس أو عشرة أو أقل أو أكثر فإما أن يدفعها وإلا قبضوا عليه وسحبوه إلى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب فنه فنزل بالناس أمر عظيم وكرب جسيم‏.‏

وفي الناس من كان تاجرًا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغارم وانقطاع الأسباب والأسفار وأفلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه وأساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقه بنحو ما تقدم لكونه كان معروفًا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعًا ولا راحمًا وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذكل على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل وأطراف النهار بطلب الكلف واللوازم وأشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الإنسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر أهلها وجلوا عنها فكان يجتمع أهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك وأما غالب بلاد السواحل فإنها خربت وهرب أهلها وهدموا دورها ومساجدها وأخذوا أخشابها ومن جملة أفاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها أنهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا أوراقًا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعًا لمنصب أو منفعة ثم يرتب له خدمًا وأعوانًا ثم يسافر إلى الإقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث أعوانه إلى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون ما رسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما أدى إليه اجتهاده قليلًا أو كثيرًا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التي وفي أواخره قوي عزم الباشا على السفر لناحية الإسكندرية وأمر بإحضار اللوازم والخيام وما يحتاج إليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات‏.‏

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الخميس سنة 1222 في ثانية وهو يوم الجمعة ركب الباشا إلى بولاق وعدى إلى ناحية بر أنبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر إلى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية أيامًا وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت المقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع‏.‏

وفي ثالثه طلبوا أيضًا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها إلى العرضي اختاروا منها جيادها وأعطوا أربابها عن كل فرس خمسين قرشًا وردوا البواقي لأصحابها‏.‏

وفيه طلبوا أيضًا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسًا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا إلى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من التجأ إلى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة أيام وركب السيد عمر وعدى إلى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم أمانًا بذلك‏.‏

وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته أشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بأنبابة فرقدوا بها ليأخذوا لهم راحة وناموا فلما استيقظا فلم يدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا إلى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها‏.‏

وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدًا ومولدًا بحارتهم وأولموا بينهم ولائم وأوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكًا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي‏.‏

وفي الثلاثاء ثالث عشرة

طلب الباشا حسين أفندي الروزنامجي فعدى إليه ببر أنبابة فخلع الدفتردارية وحضر إلى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب إليه الناس يهنؤونه وانفصل أحمد أفندي عاصم عن الدفتردارية‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكًا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما أصبح أمر بالارتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال إلى المنصورة‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق لسادس مسرى القبطي أفي النيل أذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة أيام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت أثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت إليهم أنفسهم وأظهروا الغلال في العرصات والرفع وركب كتخدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج‏.‏

وفيه وصل قابجي إلى ثغر سكندرية وحضر بعد ذلك إلى ثغر بولاق من طريق البر إلى قبرص وتحرى الوصول إلى دمياط ثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانه باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وإبطاله من إسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يومًا فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا وأحضروا الآغا بموكب ودخل من باب النصر وقرئ الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكًا ومدافع من أبراج القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة‏.‏

ومن الحوادث أنه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد فيه الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع إليه الكثير من أهل القرى وأكثرهم الأحداث ونصيبوا له خيمة وكثر جمعه وأقبلت عليه أهالي القرى بالنذور الهدلي وصار يكتب إلى النواحي أوراقًا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به أهل القرية الفلانية حال وصول الورقة إليكم تدفعون لحاملها خمسة أرداب قمح أو أقل أو أكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفًا أو نحو ذلك فلا يتأخرون عن إرسال المطلوب في الحال وصال الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئًا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن أتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين إلى تلك النواحي يطلب الكلف أو الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وإن عاند قتلوه فثقل أمره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام وأخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين أمرد وغالبهم أولاد مشايخ البلاد وكان إذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلامًا وسيم الصورة أرسل يطلبه فيحضورنه إليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردنا وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضًا وعمل للمردان عقودًا من الخرز الملون في أعناقهم ولبعضهم أقراطًا في آذانهم ثم أن شيخًا من فقهاء الأزهر من أهالي بنها يقال له الشيخ عبد الله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجره من أراضي بنها كان لأسلافه وأن الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل بإغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونه ولم يحسن سبك دعواه وخصوصًا كونه مفلسًا وخليًا من الدراهم التي لا بد منها الآن في الجعالات والبراطيل للوسايط وأرباب الأحكام وأتباعهم ويظن في نفسه أنه يقضي قضيته يقال المصنف إكرامًا لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع أمره إلى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا للباشا أنه غير محق وطردوه فسافر إلى بلده وسافر الباشا أيضًا إلى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبد الله المذكور إلى الشيخ سليمان المذكور وأغراه على الحضور إلى مصر وأنه متى وصل اجتمع عليه المشايخ وأهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء إلى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم في اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن أوصاف ذلك الشيخ أنه لا يتكلم إلا بالذكر أو الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في أكثر أوقاته بالإشارة ثم إنه أطاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه ومعه طبول وكاسات على طريق مشايخ أهل العصر والأوان الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعًا ودخلوا إلى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة إلى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في أيديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد إلى العصر ثم دعاهم إنسان من الأجناد يقال له إسماعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه إلى داره بعطفة عبد الله بك فعشاهم وباتوا عنده إلى الصباح فلما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته إلى ضريح الإمام الشافعي فجلس بالمسجد أيضًا مع أتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وأمثاله فكتب تذكرة وأرسلها إلى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به وأكد في الطلب وقصده أن يفتك بهم لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فأرسل يقول له إن كنت من أهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك وإلا فاذهب وتغيب وكان صالح آغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب إلى مقام الشافعي وأراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك إياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ إلى قريب العصر وأشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرقعنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب إلى مقام الليث ابن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهبت بداياته وغلمانه إلى دار إسماعيل كاشف التي باتوا بها ولما سار إلى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى أثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع إلى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب آغا حضرا إلى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما أنه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا أنرسل إلى كاشف القليوبية بالقبض عليه أينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت إسماعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان وأخذوهم إلى دورهم ولم ينج منهم إلا من كان بعيدًا وهرب وتغيب وتفرق أتباعه ذوو اللحى وأما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب إلى نوب فعرف بمانه الشيخ عبد الله زقزوق البنهاوي الذي كان أغراه على الحضور إلى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب إلى كتخدا بك وطلب له أمانًا وأخبره أنه مختف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه أمانًا وذهب إليه وأحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له أرخ لحيتك واترك ما أنت عليه وأقم في بلدك وأعطيك طينًا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا أحد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته أربعة أنفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم أمر أشخاصًا من العسكر فأخذوه وذهبوا به إلى بولاق وأنزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين أنهم قتلوه وألقوه في البحر إلا واحدًا من الأربعة ألقى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع إلى البر وهرب وانفض أمره‏.‏

وفيه أرسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر إليه طائفة من العسكر فلما أتوا إليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني أخبروني بطلبه وأنا أدفعه إن كان غرامة أو كلفة فقالوا لا ندري وإنما أمرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا إلى البر فركب شيخ البلد خيوله وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وأبلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربًا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوه في دور أهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز‏.‏

وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصًا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار أخرى فانتهزه وأراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربًا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحًا هو وأتباعه حتى وصل إلى ناحية الأزبكية‏.‏

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1222 في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز وأتفقوا على خروجهم من الإسكندرية وخلوها ونزولهم منها وأرسل يطلب الأسرى من الإنكليز‏.‏

وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب أفندي فوصل إلى بولاق يوم الاثنين حادي عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب إليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا طاهر وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق‏.‏

وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز إلى المراكب ليسافروا إلى الإسكندرية‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية إلى المراكب ودخل إليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيمًا عند السد‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب إلى بيت الباشا وضربوا لقدومه مجافع من القلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا بها فعملوا شنكًا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة آخرها السبت‏.‏

وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وأزعجوا الناس وأخرجوهم من أوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير إلى السيد عمر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم كل من كان ساكنًا قبل الخروج إلى العرضي في دار ليرجع إليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئًا لأن البيوت التي كانوا بها أخربوها وحرقوا أخشابها وتركوها كيمانًا وذلك دأبهم‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1222 في ثالثه يوم الاثنين وصل الباشا إلى ساحل بولاق فضربوا لقدومه مدافع من القلعة وعملوا له شنكًا ثلاثة أيام واتفق أن الباشا في حال رجوعه من الإسكندرية نزل في سفينة صغيرة وصحبته حسن باشا طاهر وسليمان آغا الوكيل سابقًا فانقلبت بهم وأشرف ثلاثتهم على الغرق وتعلق بعضهم بحرف السفينة فلحقتهم مركب أخرى أنقذتهم من الغرق وطلعوا سالمين وكان ذلك عند زفيتة‏.‏

وفيه كتبوا أواق البشارة بذهاب الإنكليز وسفرهم من الإسكندرية وأرسلوها إلى البلاد والقرى وعليها حق الطريق أربعة آلاف وألفين فضة وصورة ما حصل أنه لما وصل الباشا إلى ناحية الإسكندرية راسل الإنكليز وحضر إليه أنفار منهم واختلى معهم ولم يعلم أحد ما دار بينهم من الكلام وذهبوا من عنده وأشيع الصلح وفرحت العساكر لأنهم لما رأوا صورة المتاريس والطوابي والخنادق وجري المياه بين ذلك بالأوضاع المتقنة هالهم ذلك ثم حضر من عظمائهم أشخاص ولما علم الباشا بوصولهم رتب العساكر ونظم ديوانًا وهيأه وأوقف العساكر صفوفًا يمنة ويسرة وعندما وصلوا ضربوا لهم مدافع كثيرة وشنكًا وقدم لهم خيولًا وهدايا وأقمشة هندية وخلع عليهم خلعًا وشيلانًا كشميرية وغير ذلك ثم ركب معهم في قلة إلى حيث منزلة ساري عسكرهم وكبيرهم فتلاقى معهم وقدم لهم الآخر هدايا وظرائف ثم ركب معه إلى الإسكندرية وتسلم القلعة وذلك بعد دخول كتخدا بك بخمسة أيام وكان في أسرى الإنكليز أنفار من عظمائهم فأحضرهم الباشا مع باقي الأسرى وتم الصلح على رد المذكورين على أنهم لم يأتوا طمعًا في البلاد كما تقدم ولما نزلوا بالمراكب لم يبعدوا عن الثغر إلا مسافة قليلة واستمروا يقطعون على المراكب الواردين على الثغور وذلك لما بينهم وبين العثماني من المفاقمة‏.‏

هذا ما كان من أمر الإنكليز وأما العساكر فإنهم أفحشوا في التعدي على الناس وغصب البيوت من أصحابها فتأتي الطائفة منهم إلى الدار المسكونة ويدخلونها من غير احتشام ولا إذن ويهجمون على سكن الحرم بحجة أنهم يتفرجون على أعالي الدار فتصرخ النساء ويجتمع أهل الخطة ويكلمونهم فلا يلتفتون إليهم فيعالجونهم مرة بالملاطفة وأخرى بكثر الجمع إن كان بهم قوة أو بمعونة ذي مقدرة وإذا انفصلوا فلا يخرجون من الدار إلا بمصلحة أو هدية لها قدر ويشترطون في ذلك الشيلان الكشميري فإذا أحضروا لهم مطلوبهم فلا يعجب كبيرهم ويطلب خلافه أحمر أو أصفر واتفق أن بعضهم دخل عليه بينباشا بجماعته فلم يزل به حتى صالحه على شال يأخذه ويترك له داره فأتاه بشال أصفر فأظهر أنه لا يريد إلا الأحمر الدودة فلم يسعه إلا الرضا وأراد أن يرد الأصفر ويأتيه بالأحمر فحجزه وقال دعه حتى تأتي بالأحمر ضمه إلى الأصفر وأخذ الاثنين ثم انصرف عنه وذلك خلاف ما يأخذونه من الدراهم فإذا انصرفوا وظن صاحب الدار أنهم انجلوا عنه فيأتيه بعد يومين أو ثلاثة خلافهم ويقع في ورطة أخرى مثل الأولى أو أخف أو أعظم منها وبعضهم يدخل الدار ويسكنها بالتحيل والملاطفة مع صاحب الدار فيقول له يا أخي يا حبيبي أنا معي ثلاثة أنفار وأربعة لا غير ونحن مسافرون بعد عشرة أيام والقصد أن تفسح لنا نقيم في محل الرجال وأنت بحريمك في مكانهم أعلى الدار فيظن صدقهم ويرضى بذلك على تخوف وكره فيعبرون ويجلسون كما قالوا في محل الرجال ويربطون خيولهم في الحوش ويعلقون أسلحتهم ويقولون نحن صرنا ضيوفك فإذا أراد أن يرفع فرش المكان يقولون نحن نجلس على المحصير والبلتط وأي شيء يصيب الفرش فيتركه حياء وقهرًا ثم يطلبون الطعام والشراب فما يسعه إلا أن يتكلف لهم ذلك في أوقاته ويستعملون الأواني ويطلبون ما يحتاجون إليه مثل الطشت والإبريق وغير ذلك ثم تأتيهم رفقاؤهم شيئًا فشيئًا ويدخلون ويخرجون وبأيديهم الأسلحة ويضيق عليهم المكان فيقولون لصاحب المكان أخل لنا محلًا آخر في الدار فوق لرفقاتنا فإن قال ليس عندنا محل آخر أو قصر في مطلوب ابتداؤه بالقسوة فعند ذلك يعلم صاحب الدار أنهم لا انفكاك لهم عن المكان وربما مضت العشرة أيام أو أقل أو أكثر وظهرت قبائحهم وقذروا المكان وأحرقوا البسط والحصر بما يتساقط عليها من الجمر من شربهم النارجيلات والتنباك والدخان وشربوا الشراب وعربدوا وصرخوا وصفقوا وغنوا بلغاتهم المختلفة وفقعت رائحة العرقي في المنزل فيضيق صدر الرجل وصدر أهل بيته ويطيب خاطرهم على الخروج والنقلة فيطلبون لأنفسهم مسكنًا ولو مشتركًا عند أقاربهم ومعارفهم وتخرج النساء في غفلة بثيابهن وما يمكنهن حمله ثم يشرعون في إخراج المتاع والأواني والنحاس والفرش فيحجزونه منهم ويقولون إذا أخذتم ذلك فعلى أي شيء نجلس وفي أي شيء نطبخ وليس معنا فرش ولا نحاس والذي كانمعنا استهلك منا في السفر والجهاد ودفع الكفار عنكم وأنتم مستريحون في بيوتكم وعند حريمكم فيقع النزاع وينفصل الأمر بينهم وبين صاحب الدار إما بترك الدار بما فيها أو بالمقاسمة والمصالحة بالترجي والوسايط ونحو ذلك وهذا الأمر يقع لأعيان الناس والمقيمين بالبلدة من الأمراء والأجناد المصريين وأتباعهم ونحوهم ثم أنهم تعدوا إلى الحارات والنواحي التي لم يتقدم لهم السكنى بها من قبل ذلك مثل نواحي المشهد الحسيني وخلف الجامع المؤيدي والخرنفش والجمالية حتى ضاقت المساكن بالناس لقلتها وصار بعض المحتشمين إذا سكن بجواره عسكر يرتحل من داره ولو كانت ملكه بعد أمن جوارهم وخوفًا من شرهم وتسلقهم على الدار لأنهم يصعدون على الأسطح والحيطان ويتطلعون على من بجوارهم ويرمون بالبندقيا والطبنجات ومما اتفق أن كبيرًا منهم دخل بطائفته إلى منزل بعض الفقهاء المعتبرين وأمره بالخروج منها ليسكن هو بها فأخبره أنه من مشايخ العلم فلم يلتفت لقوله فتركه ولبس عمامته وركب بغلته وحضر إلى إخوانه المشايخ واستغاث بهم فركب معه جماعنه منهم وذهبوا إلى الدار ودخلوا إليها راكبين بغالهم فعندما شاهدهم العسكر وهم واصلون في كبكبة أخذوا أسلحتهم وسحبوا عليهم السيوف فرجع البعض هاربًا وثبت الباقون ونزلوا عن بغالهم وخاطبوا كبيرهم وعرفوه أنها دار العالم الكبير وهذا لا يناسب وأن النصارى واليهود يكرمون قسسهم ورهبانهم وأنتم أولى لأنكم مسلمون فقالوا لهم في الجواب أنتم لستم بمسلمين لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم وتقولون أنهم خير منا ونحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى وأخرجناهم من البلتد فنحن أحق بالدور منكم ونحو ذلك من القول الشنيع ثم لم يزالوا في معالجتهم إلى ثاني يوم ولم ينصرفوا عن الدار حتى دفعوا لهم مأتي قرش وشال كشمير لكبيرهم وفعل مثل ذلك بعدة بيوت دخلها على هذه الصورة وأخذ منها أكثر من ذلك ومنها دار إسماعيل أفندي صاحب العيار بالضربخانة وهو رجل معتبر أخذ منه خمسمائة قرش وشال كشمير وفعل مثل ذلك بغيرهم هو و أمثاله ولما أكثر الناس من التشكي للباشا وللكتخدا قال الكتخدا أناس قاتلوا وجاهدوا أشهرًا وأيامًا وقاسوا ما قاسوه في الحر والبرد والطل حتى طردوا عنكم وأجلوهم عن بلاد أفلا تسعونهم في السكنى ونحو ذلك من القول‏.‏

ولما انقضى هذا الأمر واستقر الباشا واطمأن خاطره وخلص له الإقليم المصري وثغر الإسكندرية الذي كان خارجًا عن حكمه حتى قبل مجيء الإنكليز فإن الإسكندرية كانت خارجة عن حكمه فلما حصل مجيء الإنكليز وخروجهم صار الثغر في حكمه أيضًا فأول ما بدأ به أن أبطل مسموح المشايخ والفقهاء معًا في البلاد التي التزموا بها لأنه لما ابتدع المغارم والشهريات والفرض التي فرضها على القرى ومظالم الكشوفية جعل ذلك عامًا على جميع الالتزامات والحصص التي بأيدي جميع لناس حتى أكابر العسكر وأصاغرهم ما عدا البلاد والحصص التي للمشايخ خارجة عن ذلك ولا يؤخذ منها نصف الفائظ ولا ثلثه ولا ربعه وكذلك من ينتسب لهم أو يحتمي فيهم ويأخذون الجعالات والهدايا من أصحابها ومن فلاحيهم تحت حمايتها ونظير صيانتها واغتروا بذلك واعتقدوا دوامه وأكثروا من شراء الحصص من أصحابها المنجلحين بدون القيمة وافتتنوا بالدنيا وهجروا مذاكرة المسائل ومدارسة العلم إلا بمقدار حفظ الناموس مع ترك العمل بالكلية وصار بيت أحدهم مثل بيت أحد الأمراء الألوف الأقدمين واتخذوا الخدم والمقدمين وأعوان وأجروا الحبس والتعزيز والضرب بالفلقة والكرابيج المعروفة بزب الفيل واستخدموا كتبة الأقباط وقطاع الجرائم في الإرساليات للبلاد وقدروا حق طرق لأتباعهم وصارت لهم استعجالات وتحذيرات وإنذارات عن تأخر المطلوب مع عدم سماع شكاوى الفلاحين ومخاصمتهم القديمة مع بعضهم بموجبات التحاسد والكراهية المجبولة والمركوزة في طباعهم الخبيثة وانقلب الوضع فيهم بضده وصار ديدنهم واجتماعهم ذكر الأمور الدنيوية والحصص والالتزام وحساب الميري والفائظ والمضاف والرماية والمرافعات والمراسلات والتشكي والتنجي مع الأقباط واستدعاء عظمائهم في جمعياتهم وولائنهم والاعتناء بشأنهم والتفاخر بتردادهم والتردد عليهم والمهاداة فيما بينهم إلى غير ذلك مما يطول شرحه وأوقع مع ذلك زيادة عما هو بينهم من التنافر والتحاسد والتحاقد على الرياسة والتفاقم والتكالب على سفاسف الأمور وحظوظ الأنفس على الأشياء الواهية مع ما جلبوا عليه من الشح والشكوى والاستجداء وفراغ الأعين والتطلع للأكل في ولائم الأغنياء والقراء والمعاتبة عليها إن لم يدعوا إليها والتعريض بالطلب وإظهار الاحتياج لكثرة العيال والأتباع واتساع الدائرة وارتكابهم الأمور المخلة بالمروءة المسقطة للعدالة كالاجتماع في سماع الملاهي والأغاني والقيان والآلات المطربة وإعطاء الجوائز والنقوط بمناداة الخلبوص وقوله واعلاماه في السامر وهو يقول في سامر الجمع بمسمع من النساء والرجال من عوام الناس وخواصهم برفع الصوت الذي يسمعه القاضي والداني وهو يخاطب رئيسة المغاني يا ستي حضرة شيخ الإسلام والمسلمين مفيد الطالبين الشيخ العلامة فلان منه كذا وكذا من التصفيات الذهب قدر مسماه كثير وجرمه قليل نتيجته التفاخر الكذب والازدراء بمقام العلم بين العوام وأوباش الناس الذين اقتدوا بهم في فعل المحرمات الواجب عليهم النهي عنها كل ذلك من غير احتشام ولا مبالاة مع التضاحك والقهقهة المسموعة من البعد في كل مجمع ومواظبتهم على الهزليات والمضحكات وألفاظ الكتابة المعبر عنها عند أولاد البلد بالأنقاط والتنافس في الأحداث إلى غير ذلك‏.‏

وفيه فتحوا الطلب من الملتزمين ببواقي الميري على أربع سنوات ماضية‏.‏

وفي عاشره فتحوا أيضًا دفاتر الطلب بميري السنة القابلة ووجهوا الطلب بها إلى العسكر فدهى الناس بدواه متوالية منها خراب القرى بتوالي المظالم والمغارم والكلف وحق الطرق والاستعجالات والتساويف والبشارات فكان أهل القرية النازل بها ذلك ينتقلون إلى القرية المحمية لشيخ من الأشياخ وقد بطلت الحماية أيضًا حينئذ ثم أنزلوا بالبنادر مغارم عظيمة لها قدر من الأكياس الكثيرة وذلك عقب فرصة البشارة مثل دمياط ورشيد والمحلة والمنصورة مائة كيس وفي أثناء ذلك قرروا أيضًا فرضة غلال وسمن وشعير وفول على البلاد والقرى وإن لم يجد المعينون للطلب شيئًا من الدراهم عند الفلاحين أخذوا مواشيهم وأبقارهم لتأتي أربابها ويدفعوا ما تقرر عليهم ويأخذوها ويتركونها بالجوع والعطش فعند ذلك يبيعونها على الجزارين ويرمونها عليهم قهرًا بأقصى القيمة ويلزمونهم بإحضار الثمن فإن تراخوا وعجزوا شددوا عليهم بالحبس والضرب‏.‏ وفي

يوم الخميس ثالث عشرة

مر الباشا في ناحية سويقة العزي سائرًا إلى ناحية بيت بلغيا وهناك المكتب فوق السبيل الذي بين الطريقين تجاه من يأتي من تلك الناحية فطلع إلى ذلك المكتب شخصان من العسكر يرصدان الباشا فر مروره فحيثما أتى مقابلًا لذلك المكتب أطلقا في وجهه برودتين فأخطأتاه وأصابت إحدى الرصاصتين فرس فارس من الملازمين حوله فسقط ونزل الباشا عن جواده على مصطبة حانوت مغلقة وأمر الخدم بإحضار الكامنين بذلك المكتب فطلعوا إليهما وقبضوا عليهما ثم حضر كبيرهم من دار قريبة من ذلك المكان واعتذر إلى الباشا بأنهما مجنونان وسكرانان فأمره بإخراجهما وسفرهما من مصر وركب وذهب إلى داره‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث عشرينه اجتمع عسكر الأرنؤد والترك على بيت محمد علي باشا وطلبوا علائفهم فوعدهم بالدفع فقالوا لا نصبر وضربوا بنادق كثيرة ولم يزالوا واقفين ثم انصرفوا وتفرقوا وارتجت البلد وأرسل السيد عمر إلى أهل الغورية والعقادين والأسواق يأمرهم برفع بضائعهم من الحوانيت ففعلوا وأغلقوها فلما كان قبيل الغروب وصل إلى بيت الباشا طائفة من الدلاتية وضربوا أيضًا بنادق فضرب عليهم عسكر الباشا كذلك فقتل من الدلاة أربعة أنفار وانجرح بعضهم فانكفوا ورجعوا وبات الناس متخوفين وخصوصًا نواحي الأزهر وأغلقوا البوابات من بعد الغروب وسهروا خلفها بالأسلحة ولم تفتح إلا بعد طلوع الشمس وأصبح يوم الثلاثاء والحال على ما هو عليه من الاضطراب ونقل الباشا أمتعته الثمينة تلك الليلة إلى القلعة وكذلك في ثاني يوم ثم أنه طلع إلى القلعة في ليلة الأربعاء وشيعه حسن باشا إلى القلعة ورجع إلى داره ويقال أن طائفة من العسكر الذين معه بالدار أرادوا غدره تلك الليلة وعلم ذلك منهم بإشارة بعضهم لبعض رمزًا فغالطهم وخرج مستخفيًا من البيت ولم يعلم بخروجه إلا بعض خواصه الملازمين له وأكثرهم أقاربه وبلدياته ولما تحققوا من خروجه من الدار وطلوعه إلى القلعة صرف بونابارته الخازندار الحاضرين في الحال ونقل الأمتعة والخزينة في الحال وكذلك الخيول والسروج وخرجت عساكره يحملون ما بقي من المتاع والفرش والأواني إلى القلعة وأشيع في البلدة أن العساكر نهبوا بيت الباشا وزاد اللغط والاضطراب ولم يعلم أحد من الناس حقيقة الحال حتى ولا كبار العسكر وزاد تخوف الناس من العسكر وحصل منهم عربدات وخطف عمائم وثياب وقتل أشخاص وأصبح يوم الخميس وباب القلعة مفتوح والعساكر مرابطون وواقفون بأسلحتهم وطلع أفراد من كبار العسكر بدون طوائفهم ونزلوا واستمر الحال على ذلك يوم الجمعة والعسكر والناس في اضطراب وكل طائفة متخوفة من الأخرى والأرنؤد فرقتان فرقة تميل إلى الأتراك وفرقة تميل إلى جنسها والدلاة تميل إلى الأتراك وتكره الأرنؤد وهم كذلك والناس متخوفة من الجميع ومنهم ومن يخشى من قيام الرعية ويظهر التودد لهم وقد صاروا مختلطين بهم في المساكن والحارات وتأهلوا وتزوجوا منهم‏.‏

وفي يوم السبت طلع طائفة من المشايخ إلى القلعة وتكلموا وتشاوروا في تسكين هذا الحال بأي وجه كان ثم نزلوا‏.‏

وفي ليلة الأحد كانت رؤية هلال رمضان فلم يعمل الموسم المعتاد وهو الاجتماع ببيت القاضي وما يعمل به من الحراقة والنفوط والشنك وركوب المحتسب ومشايخ الحرف والزمور والطبول واجتماع الناس للفرجة بالأسواق والشوارع وبيت القاضي فبطل ذلك كله ولم تثبت الرؤية تلك الليلة وأصبح يوم الأحد والناس مفطرون فلما كان وقت الضحوة نودي بالإمساك ولم تعلم‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الاثنين سنة 1222 وفي ليلته بين العصر والمغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وأردفوا ذلك بالبنادق الكثيرة المتتابعة وكذلك العسكر الكائنون بالبلدة فعلوا كفعلهم من كل ناحية ومن أسطحة الدور والمساكن وكان شيئًا هائلًا واستمر ذلك إلى بعد الغروب وذلك شنك لقدوم رمضان في دخوله وانقضائه‏.‏

وفي رابعه انكشفت القضية عن طلب مبلغ ألفي كيس بعد جمعيات ومشاورات تارة ببيت السيد عمر النقيب وتارة في أمكنة أخرى كبيت السيد المحروقي وخلافه حتى رتبوا ذلك ونظموه فوزع منه جانب على رجال دائرة الباشا وجانب على المشايخ الملتزمين نظير مسموحهم في فرض حصصهم التي أكلوها وهي مبلغ مائتي كيس وزعت على القراريط على كل قيراط ثلاثة آلاف نصف فضة على سبيل القرض لأجل أن ترد أو تحسب لهم في الكشوفات من رفع المظالم ومال الجهات يأخذونها من فلاحيهم وفرض من ذلك مبالغ على أرباب الحرف وأهل الغورية ووكالة الصابون ووكالة القرب والتجار الآفاقية واستقر ديوان الطلب ببيت ابن الصاوي بما يتعلق بالفقهاء وإسماعيل الطوبجي بالمطلوب من طائفة الأتراك وأهل خان الخليلي والمرجع في الطلب والدفع والرفع إلى السيد عمر النقيب واجتمع كثير من أهل الحرف كالصرماتية وأمثالهم والتجؤا إلى الجامع الأزهر وأقاموا به ليالي وأيامًا فلم ينفعهم ذلك وانبث المعينون بالطلب وبأيديهم الأوراق بمقدار المبلغ المطلوب من الشخص وعليها حق الطريق وهم قواسة أتراك وعسكر ودلاة وقواسة بلدي ودهى الناس بهذه الداهية في الشهر المبارك فيكون الإنسان نائمًا في بيته ومتفكرًا في قوت عياله فيدهمه الطلب ويأتيه المعين قبل الشروق فيزعجه ويصرخ عليه بل ويطلع إلى جهة حريمه فينتبه كالمفلوج من غير اصطباح ويلاطف المعين ويعده ويأخذ بخاطره ويدفع له كراء طريقة المرسوم له في الورقة المعين بها المبلغ المطلوب قبل كل شيء فما يفارقه إلا ومعين آخر واصل إليه على النسق المتقدم وهكذا‏.‏

وفيه حضر محمد كتخدا شاهين بك الألفي بجواب عن مراسلة أرسلها الباشا إلى مخدومه فأقام أيامًا يتشاور مع الباشا في مصالحته مع شاهين بك وحصل الاتفاق على حضور شاهين بك إلى الجزيرة ويتراضى مع الباشا على أمر وسافر في ثاني عشره وصحبته صالح آغا السلحدار‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشره قصد الباشا نفي رجب آغا الأرنؤدي وأرسل إليه يأمره بالخروج والسفر بعد أن قطع خرجه وأعطاه علوفته فامتنع من الخروج وقال أنا لي عنده خمسون كيسًا ولا أسافر حتى أقبضها وذلك أنه في حياة الألفي الكبير اتفق مع الباشا بأن يذهب عند الألأفي وينضم إليه ويتحيل في اغتياله وقتله فإن فعل ذلك وقتله وتمت حيلته عليه أعطاه خمسين كيسًا فذهب عند الألفي والتجأ إليه وأظهر أنه راغب في خدمته وكره الباشا وظلمه فرحب به وقبله وأكرمه مع التحذر منه ظلمًا طال به الأمد ولم يتمكن من قصده رجع إلى الباشا فلما أمره بالذهاب أخذ يطالبه بالخمسين كيسًا فامتنع الباشا وقال جعلت له ذلك في نظير شيء يفعله ولم يخرج من يده فعله فلا وجه لمطالبته به واستمر رجب آغا في عناده وذلك أنه لا يهون بهم مفارقة مصر التي صاروا فيها أمراء وأكابر بعد أن كانوا يحتطبون في بلادهم ويتكسبون بالصنائع الدنيئة ثم أنه جمع جيشه إليه من الأرنؤد بناحية سكنه وهو بيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق فأرسل إليه الباشا من يحاربه فحضر حسن آغا سرششمه من ناحية قنطرة باب الخرق وحضر أيضًا الجم الكثير من الأتراك وكبرائهم من جهة المدابغ وعمل كل منهم متاريس من الجهتين وتقدموا قليلًا حتى قربوا من مساكن الأرنؤد تجاه بيت البارودي فلم يتجاسروا على الإقدام عليهم من الطريق بل دخلوا من البيوت التي في صفهم ونقبوا من بيت إلى آخر حتى انتهوا إلى أول منزل من مساكنهم فنقبوا البيت الذي يسكن به الشيخ محمد سعد البكري ونفذوا منه إلى المنزل الذي بجواره ثم منه إلى منزل علي آغا الشعراوي إلى بيت سيدي محمد وأخيه سيدي محمود المعروف بأبي دفية الملاصق لمسكن طائفة من الأرنؤد وعبثوا في الدور وأزعجوا أهلها بقبح أفعالهم فإنهم عندما يدخلون في أول بيت يصعدون إلى الحريم بصورة منكرة من غير دستور ولا استئذان وينقبون في مساكن الحريم العليا فيهدمون الحائط ويدخلون منها إلى محل حريم الدار الأخرى وتصعد طائفة منهم إلى السطح وهم يرمون بالبنادق في الهواء في حال مشيهم وسيرهم وهكذا ولا يخفى ما يحصل للنساء من الانزعاج ويصرن يصرخن ويصحن بأطفالهن ويهربن إلى الحارات الأخرى مثل حارة قواديس وناحية حارة عابدين بظاهر الدور المذكورة بغاية الخوف والرعب والمشقة وطفقت العساكر تنهب الأمتعة والثياب والفرش ويكسرون الصناديق ويأخذون ما فيها ويأكلون ما في القدور من الأطعمة في نهار رمضان من غير احتشام ولقد شاهدت أثر قبح فعلهم ببيت أبي دفية المذكور من الصناديق المكسرة وانتشار حشو الوسائد والمراتب التي فتقوها وأخذوا ظروفها ولم يسلم لأصحاب المساكن سوى ما كان لهم خارج دورهم وبعيدًا عنها أو وزعوه قبل الحادثة وأصيب محمد أفندي أبو دفية برصاصة أطلقها بعضهم من النقيب الذي نقب عليهم نفذت من كتفه وكذلك فعل العساكر التي أتت من ناحية المدابغ بالبيوت الأخرى واستمروا على هذه الأفعال ثلاثة أيام بلياليها فلما كان ليلة الاثنين ثاني عشرينه حضر عمر بك كبير الأرنؤد الساكن ببولاق وصالح قوج إلى رجب آغا المذكور وأركباه وأخذاه إلى بولاق وبطل الحرب بينهم ورفعوا المتاريس في صبحها وانكشفت الواقعة عن نهب البيوت ونقبها وإزعاج أهلها وما فيما بينهم أنفار قليلة وكذلك مات أناس وانجرح أناس من أهل البلد‏.‏

وفي يوم السبت وصل شاهين بك الألفي إلى دهشور ووصل صحبته مراكب بها سفار وهدية من إبراهيم بك ومحمد بك المرادي المعروف بالمنفوخ برسم الباشا وهي نحو الثلاثين حصانًا ومائة قنطار بن قهوة ومائة قنطار سكر وأربع خصيهن وعشرون جارية سوداء فلما وصل شاهين بك إلى دهشور فحضر محمد كتخداه وعلي كاشف الكبير فأرسل الباشا إليه صحبتهما هدية ومعهما ولده وديوان أفندي‏.‏

وفي خامس عشرينه سافر رجب آغا وتخلف عنه كثير من عساكره وأتباعه وذهب من ناحية دمياط‏.‏

وفيه حضر ديوان أفندي من دهشور وابن الباشا أيضًا وخلع شاهين بك على ابن الباشا فردة وقدم له تقدمة وسلاحًا نفيسًا إنكليزيًا‏.‏

وفي ثاني عشرينه وصل شاهين بك إلى شبرامنت وقد أمر الباشا بأن يخلوا له الجيزة وينتقل منها الكاشف والعسكر فعدى الجميع إلى البر الشرقي وتسلم علي كاشف الكبير الألفي القصر وما حوله وما به من الجبخانة والمدافع وآلات الحرب وغيرها‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1222 ولم يعمل العسكر شنكهم تلك الليلة من رميهم الرصاص والبارود الكثير المزعج من سائر النواحي والبيوت والأسطحة لانقباض نفوسهم وإنما ضربوا مدافع من القلعة مدة ثلاثة أيام العيد وفي خامسه اعتنى الباشا بتعمير القصر لسكن شاهين بك بالجيزة وكان العسكر أخربوه وكذلك بيوت الجيزة ولم يتركوا بها دارًا عامرة إلا القليل فرسم الباشا للمعمارجية بعمارة القصر فجمعوا البنائين والنجارين والخراطين وحملوا الأخشاب من بولاق وغيرها وهدموا بيت أبي الشوارب وأحضروا الجمال والحمير لنقل أخشابه وأنقاضه وأخرجوا منه أخشابًا عظيمة في غاية العظم والثخن ليس لها نظير في هذا الوقت والأوان‏.‏

وفي سابعه حضر شاهين بك إلى بر الجيزة وبات بالقصر وضربوا لقدومه مدافع كثيرة من الجيزة وعمل له جربجي موسى الجيزاوي وليمة وفرض مصروفها وكلفتها على أهل البلدة وأعطاه الباشا إقليم الفيوم بتمامه التزامًا وكشوفية وأطلق له فيها التصرف وأنعم عليه أيضًا بثلاثين بلدة من إقليم البهنا مع كشوفيتها وعشرة بلاد من بلاد الجيزة من البلاد التي ينتقيها ويختارها وتعجبه مع كشوفية الجيزة وكتب له بذلك تقاسيط ديوانية وضم له كشوفية البحيرة بتمامها إلى حد الإسكندرية وأطلق له التصرف في جميع ذلك ومرسوماته نافذة في سائر البر الغربي‏.‏

وفي صبح يوم الأربعاء تاسعه ركب السيد عمر أفندي النقيب والمشايخ وطلعوا إلى القلعة باستدعاء إرسالية أرسلت إليهم في تلك الليلة فلما طلعوا إلى القلعة ركب معهم ابن الباشا طوسون بك ونزل الجميع وساروا إلى ناحية مصر القديمة وكان شاهين بك عدى إلى البر الشرقي بطائفة من الكشاف والمماليك والهوارة فسلموا عليه وكان بصحبتهم طائفة من الدلاة ساروا أما القوم بطبلاتهم وسفافيرهم ومن خلفهم طائفة من الهوارة ومن خلفهم الكشاف والمماليك والسيد عمر النقيب والمشايخ ثم شاهين بك وبجانبه ابن الباشا وخلفهم الطوائف والأتباع والخدم وخلفهم النقاقير فساروا إلى ناحية جهة القرافة وزاروا ضريح الإمام الشافعي ثم ركبوا وساروا إلى القلعة وطلعوا من باب العزب إلى سراية الديوان وانفصل عنهم المشايخ ونزلوا إلى دورهم وقابلوا الباشا وسلم شاهين بك عليه فخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة وسيفًا وخنجرًا مجوهرًا وتعابى وقدم له خيولًا بسروجها وعزم عليه ابن الباشا فأذن له أن يتوجه صحبته إلى سرايته فركب معه وتغدى عنده ثم ركب بصحبته ونزلا من القلعة وذهب عند حسن باشا فقابله أيضًا وسلم عليه وخلع عليه أيضًا وقدم له خيولًا وركب صحبتهما وذهبوا عند طاهر باشا ابن أخت الباشا فسلم عليه أيضًا وقدم له تقادم ثم ركب عائدًا إلى الجيزة وذهب إلى مخيمه بشبرامنت واستمر مقيمًا بالمخيم حتى تمم عمارة القصر وتردد كشافهم وأجنادهم إلى بيوتهم بالمدينة فيبيتون الليلة والليلتين ويرجعون إلى مخيمهم‏.‏

وفيه قطع الباشا رواتب طوائف من الدلاة وأمروا بالسفر إلى بلادهم‏.‏

وفي يوم الجمعة انتقل الألفية بعرضيهم وخيامهم إلى بحري الجيزة‏.‏

وفي يوم السبت ثاني عشره وصل أربعة من صناجق الألفية وهم أحمد بك ونعمان بك وحسين بك ومراد بك فطلعوا إلى القلعة وخلع عليهم الباشا فراوى وقلدهم سيوفًا وقدم لهم تقادم ثم نزلوا إلى حسن باشا فسلموا عليه وخلع عليه أيضًا خلعًا ثم ذهبوا إلى بيت صالح آغا السلحدار فأقاموا عنده إلى أواخر النهار ثم ذهبوا إلى البيوت التي بها حريمهم فباتوا وذهبوا في الصباح إلى الجيزة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خامس عشره عملت وليمة وعقدوا لأحمد بك الألفي على عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير والوكيل في العقد شيخ السادات وقبل عنه محمد كتخدا بوكالته عن أحمد بك ودفع الصداق الباشا من عنده وقدره ثمانية آلاف ريال‏.‏

وفيه أنفقوا على إرسال نعمان بك ومحمد كتخدا وعلي كاشف الصابونجي إلى إبراهيم بك الكبير لإجراء الصلح‏.‏

وفيه أيضًا أرادوا إجراء عقد زينب هانم ابنة إبراهيم بك على نعمان بك فامتنعت وقالت لا يكون ذلك إلا عن إذن أبي وهاهو مسافر إليه فليستأذنه ولا أخالف أمره فأجيبت إلى ذلك وأراد شاهين بك أن يعقد لنفسه على زوجة حسين بك المقتول المعروف بالوشاش وهو خشداشه وهي ابنة السفطي فاستأذن الباشا فقال أني أريد أن أزوجك ابنتي وتكون صهري وهي واصلة عن قريب أرسلت بحضورها من بلدي قوله فإن تأخر حضورها جهزت لك سرية وزوجتك إياها‏.‏

وفي يوم الأربعاء نزل الباشا من القلعة وذهب إلى مضرب النشاب واستدعى شاهين بك من الجيزة وعمل معه ميدانًا وترامحوا وتسابقوا ولعبوا بالرماح والسيوف ثم طلع الجميع إلى القلعة واستمر شاهين بك عند الباشا إلى بعد الظهر ثم نزل مع نعمان بك إلى بيت عديلة هانم فمكثا إلى قبيل المغرب ثم أرسل إليهما الباشا فطلعا إلى القلعة فباتا عنده ونزلا في الصباح وعديا إلى الجيزة‏.‏

قال الشاعر‏:‏ أمور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب وفيه تقلد حسن آغا سرششمه إمارة دمياط عرضا عن احمد بك وتقلد عبد الله كاشف الدرندلي إمارة المنصورة عوضًا عن عزيز آغا‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه وصل قابجي ومعه مرسومات يتضمن أحدها التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر وآخر بالدفتردارية باسم ولده إبراهيم وآخر بالعفو عن جميع العسكر جزاء عن إخراجهم الإنكليز من ثغر الإسكندرية وآخر بالتأكيد في التشهيل والسفر لمحاربة الخوارج بالحجاز واستخلاص الحرمين والوصية بالرعية والتجار وصحبته أيضًا خلع وشلنجات فأركبوه في موكب في صبح يوم الخميس وطلع إلى القلعة وقرئت المراسيم المذكورة بحضرة الباشا والمشايخ وكبار العسكر وشاهين بك وخشداشينه الألفية وضربوا مدافع وشنكًا‏.‏

وفيه سافر إبراهيم بك ابن الباشا على طريق القليوبية وصحبته طائفة من مباشري الأقباط وفيهم جرجس الطويل وهو كبيرهم وأفندية من أفندية الروزنامة وكتبة مسلمين للكشف على الأطيان التي رويت من ماء النيل والشرقي فأنزلوا بالقرى النوازل من الكلف وحق الطرقات وقرروا على كل فدان رواه النيل أربعمائة وخمسين نصف فضة تقبض للديوان وذلك خلاف ما للملتزم والمضاف والبراني وما يضاف إلى ذلك من حق الطرق والكل المتكررة‏.‏

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1222 وفيه فرضوا على مساتير الناس سلف أكياس ويحسب لهم ما يؤخذ منهم من أصل ما يتقرر على حصصهم من المغارم في المستقبل وعينوا العساكر بطلبها فتغيب غالبهم وتوارى لعدم ما بأيديهم وخلو أكياسهم من المال والتجأ الكثير منهم إلى ذوي الجاه ولازموا أعتابهم حتى شفعوا فيهم كشفوا غمتهم‏.‏

وفي عاشره ورد الخبر من الجهة القبلية بأن الأمراء المصريين تحاربوا مع ياسين بك بناحية المنية وذلك عن أمر الباشا وهزموه إلى المنية ونهبوا حملته متاعه‏.‏

وفي أثر ذلك حضر أبو ياسين بك إلى مصر وعينت عساكر إلى جهة قبلي وأميرها بونابارته الخازنجار وتقدمهم سليمان بك الألفي في آخرين‏.‏

وفي عشرينه تعين أيضًا عدة عساكر إلى ناحية بحري وفيهم عمر بك تابع لأشقر المصرلي لمحافطة رشيد وآخرين إلى الإسكندرية ثم تعوق عمر بك عن السفر وسبب ذلك أنه ورد قائد الإنكليز إلى ثغر سكندرية وأخبر بخروج عمارة الفرنسيس إلى البحر بسيسيليه وربما استولوا عليها وكذلك مالطه فلما ورد هذا الخبر حضر البطروش قنصل الإنكليز المقيم برشيد إلى مصر بأهله وعياله‏.‏

وفي أواخره جمعوا عدة كبيرة من البنائين والنجارين وأرباب الأشغال لعمارة أسوار وقلاع الإسكندرية وأبي قير والسواحل‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1222 في ثاني عشره ورد الخبر بأن سليمان بك الألفي لما وصل إلى المنية ونزل بفنائها خرج إليه ياسين بك بجموعه وعساكره وعربانه فوقع بينهما وقعة عظيمة وانهزم ياسين بك وولى هاربًا إلى المنية فتبعه سليمان بك في قلة وعدى الخندق خلفه فأصيب من كمين بداخل الخندق ووقع ميتًا بعد أن نهب جميع متاع ياسين بك وجماله وأثقاله وشتت جموعه وانحصر هو وعساكره وعربانه وما بقي منهم بداخل المنية وكانت الواقعة يوم الأربعاء سادس الشهر فلما ورد الخبر بذلك على الباشا أطهر أنه اغتم على سليمان بك وتأسف على موته وأقام العزاء عليه خشداشينه بالجيزة وفي بيوتهم طفق الباشا يلوم على جراءة المصريين وإقدامهم وكيف أن سليمان بك يخاطر بنفسه ويلقي بنفسه من داخل الخندق ويقول أنا أرسلت إليه أحذره وأقول له أنه ينتظر بونابارته الخازندار ويرسل ياسين بك ويطلعه على ما بيده من المراسيم فغن أبى وخالف ما في ضمنها فعند ذلك يجتمعون على حربه وتتقدم عسكر الأتراك لمعرفتهم وصبرهم على محاصرة الأبنية فلم يستمع لما قلت له وغرر بنفسه وأيضًا ينبغي لكبير الجيش التأخر عن عسكره فإن الكبير عبارة عن المدير الرئيس وبمصابه تنكسر قلوب قومه وهؤلاء القوم بخلاف ذلك يلقون بأنفسهم في المهالك ولما أرسل جماعة سليمان بك يخبرون بموت كبيرهم وأنهم مجتمعون على حالتهم ومقيمون بعرضهم ومحطتهم على المنية وأنهم منتظرون من يقيمه الباشا رئيسًا مكانه فعند ذلك أرسل الباشا إلى شاهين بك يعزيه ويلتمس منه أن يختار من خشداشينه من يقلده الباشا إمارة سليمان بك فتشاور شاهين بك مع خشداشينه فلم يرض أحد من الكبار أن يتقلد ذلك ثم وقع اختيارهم على شخص من المماليك يسمى يحيى أرسلوه إلى الباشا فخلع عليه وأمره بالسفر إلى المنية فأخذ في قضاء أشغاله وعدى إلى بر الجيزة‏.‏

وفي منتصفه ورد الخبر بأن بونابارته الخازندار وصل إلى المنية بعد الواقعة وياسين بك محصور بها فأرسل إليه يستدعيه إلى الطاعة وأطلعه على المكاتبات والمراسيم التي بيده من الباشا خطابًا له ولأمراء الحاضرين والغائبين المصرية وفي ضمنها أن أبي ياسين بك عن الدخول في الطاعة واستمر على عناده وعصيانه فإن بونابارته والأمراء المصرية يحاربونه فعند ذلك نزل ياسين بك على حكم بونابارته وحضر عنده بعد أن استوثق منه بالأمان ووصلت الأخبار بذلك إلى مصر وخرجت العربان المحصورون بالمنية بعد أن صالحوا على أنفسهم وفتحوا لهم طريقًا وذهبوا إلى أماكنهم واستلم بونابارته المنية فأقام بها يومين وارتحل عنها وحضر إلى مصر‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء تاسعى عشره حضر ياسين بك إلى ثغر بولاق وركب في صبحها وطلع إلى القلعة فعوقه الباشا وأراد قتله فتعصب له عمر بك الأرنؤدي وصالح قوج وغيرهما وطلعوا في يوم الجمعة وقد رتب الباشا عساكره وجنده وأوقفهم بالأبواب الداخلة والخارجة وبين يديه وتكلم عمر بك وصالح آغا مع الباشا في أمره وأن يقيم بمصر فقال الباشا لا يمكن أن يقيم بمصر والساعة اقتله وانظر أي شيء يكون فلم يسع المتعصبين له إلا الامتثال ثم أحضرعه وخلع عليه فروة وأنعم عليه بأربعين كيسًا ونزلوا بصحبته بعد الظهر إلى بولاق وسافر إلى دمياط ليذهب إلى قبرص ومعه محافظون‏.‏

وفي يوم الأحد حضر بونابارته الخازندار من المنية إلى مصر وانقضت السنة وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الشيخ العلامة بقية العلماء والفضلاء والصالحين الورع القانع الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن علاء الدين البرماوي الذهبي الشافعي الضرير ولد ببلده برما بالمنوفية سنة 1138 ونشأ بها وحفظ القرآن والمتون على الشيخ المعاصري ثم انتقل إلى مصر فجاور بالمدرسة الشيخونية بالصليبة وتخرج في الحديث على الشيخ أحمد البرماوي وحضر دروس مشايخ الأزهر كالشيخ محمد فهرس والشيخ علي قايتباوي والشيخ الدفري والشيخ سليمان الزيات والشيخ الملوي والشيخ المدابغي والشيخ الغنيمي والشيخ محمد الحفني وأخيه الشيخ يوسف عبد الكريم الزيات والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ سالم النفراوي والشيخ عمر الشنواني والشيخ أحمد رزة والشيخ سليمان البسوسي والشيخ علي الصعيدي واقرأ الدروس وأفاد الطلبة ولازم الأقراء وكان منجمعًا عن الناس قانعًا راضيًا بما قسم له لا يزاحم على الدنيا ولا يتداخل في أمورها وأخبرني ولده العلامة الفاضل الشيخ مصطفى أنه ولدًا بصيرًا فأصابه الجدري فطمس بصره في صغره فأخذه عم أبيه الشيخ صالح الذهبي ودعا له فقال في دعائه اللهم كما أعميت بصره نور بصيرته فاستجاب الله دعاءه وكان قوي الإدراك ويمشي وحده من غير قائد ويركب من غير خادم ويذهب في حوائجه المسافة البعيدة ويأتي إلى الأزهر ولا يخطئ الطريق ويتنحى عما عساه يصيبه من راكب أو جمل أو حمار مقبل عليه أو شيء معترض في طريقه أقوى من ذي بصر فكان يضرب به المثل في ذلك مع شدة التعجب كما قال القائل ما عماء العيون مثل عمى القلب فهذا هو العمى والبلاء فعماء العيون تغميض عين وعماء القلوب فهو الشفاء ولم يزل ملازمًا على حالته من الانجماع والاشتغال بالعلم والعمل به وتلاوة القرآن وقيام الليل فكان يقرأ كل ليلة نصف القرآن إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول من هذه السنة وله من العمر أربع وثمانون سنة وصلي عليه بجامع ابن طولون ودفن بجوار المشهد المعروف بالسيدة سكينة رضي الله عنها بجانب الشيخ البرماوي رحمه الله وبارك في ولده الشيخ مصطفى وأعانه على وقته ومات العمدة الفاضل حاوي الكمالات والفضائل الشيخ محمد بن يوسف ابن بنت الشيخ محمد بن سالم الحفناوي الشافعي ولد سنة 1163 وتربى في حجر جده وتخلق بأخلاقه وحفظ القرآن والألفية والمتون وحضر دروس جده وأخي جده الشيخ يوسف الحفناوي وحضر أشياخ الوقت كالشيخ علي العدوي والشيخ احمد الدردير والشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي وغيرهم وتمهر وأنجب وأخذ طريق الخلوتية عن جده ولقنه الأسماء ولما توفي جده ألقى الدروس في محله بالأزهر ونشأ من صغره على أحسن طريقة وعفة نفس وتباعد عن سفاسف الأمور الدنيئة ولازم الاشتغال بالعلم وفتح بيت جده وعمل به ميعاد الذكر كعادته وكان عظيم النفس مع تهذيب الأخلاق والتبسيط مع الإخوان والممازحة مع تجنبه ما يخل بالمروءة وله بعض تعليقات وحواش وشعر مناسب ولم يزل على حالته إلى أن توفي يوم السبت رابع شهر ربيع الأول من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن مع جده في تربة واحدة بمقبرة المجاورين ولم يخلف ذكورًا رحمه الله ومات الشيخ العلامة المفيد والتحرير المجيد محمد الحصافي الشافعي الفقية النحوي الفرضي تلقى العلوم وحضر أشياخ الطبقة الأولى ودرس العلوم بالأزهر وأفاد الطلبة وقرأ الكتب المفيدة وعاش طول عمره منعكفًا في زوايا الخمول منعزلًا عن الدنيا وهي منعزلة عنه راضيًا بما قسم الله له قانعًا بما يسره له مولاه لا يدعي في وليمه ولا ينهمك على شيء من أمور الدنيا ولم يزل على حالته حتى توفي يوم الاثنين ثالث عشر شوال من السنة ومات العمدة المفضل الشيخ محمد عبد الفتاح المالكي من أهالي كفر حشاد بالمنوفية قدم من بلده صغيرًا فجاور بالأزهر وحضر على أشياخ الوقت ولازم دروس الشيخ الأمير وبه تخرج وتفقه عليه وعلى غيره من علماء المالكية وتمهر في المعقولات وأنجب وصارت له ملكه واستحضار ثم سافر إلى بلده وأقام بها يفيد ويفتي ويرجعون إليه في قضاياهم ودعاويهم فيقضي بينهم ولا يقبل من أحد جعالة ولا هدية فاشتهر ذكره بالإقليم واعتقدوا فيه الصلاح والعفة وأنه لا يقضي إلا بالحق ولا يأخذ رشوة ولا جعالة ولا يجابي في الحق فامتثلوا لقضاياه وأوامره فكان إذا قضى قاض من قضاة البلدان بين خصمين رجعا إلى المترجم وأعادا عليه دعواهما فإن رأى القضاء صحيحًا موافقًا للشرع أمضاه وامتثل الخصم الآخر ولا يمانع بعد ذلك أبدًا ويذعن لما قضاه الشيخ لعلمه أنه لا لغرض دنيوي وإلا أخبرهم أن الحق خلافه فيمتثل الخصم الآخر ولم يزل على حالته حتى كان المولد المعتاد بطندتا فذهب ابن الشيخ الأمير إلى هناك فأتى لزيارة ابن شيخه ونزل في الدار التي هو نازل فيها فانهدمت الجهة التي هو بها وسقطت عليه فمات شهيدًا مردومًا ومعه ثلاثة أنفار من أهالي قرية العكروت وذلك في أوائل شهر الحجة ولم يخلف بعده مثله رحمه الله ومات الأمير سعيد آغا دار السعادة العثماني الحبشي قدم إلى مصر بعد مجيء يوسف باشا الوزير في أبهة ونزل بدرب الجماميز في البيت الذي كان نزل به شريف أفندي الدفتردار بعد انتقاله منه وفتح باب التفتيش على جهات أوقاف الحرمين وغيرها وأخاف الناس وحضر إليه كتبة الأوقاف وجلسوا لمقارفة الناس والتعنت عليهم بطلب السندات ويهولون عليهم بالآغا المذكور ويأخذون منهم المصالحات ثم ينهون إليه الأمر على حسب أغراضهم ويعطونه جزأ ويأخذون لأنفسهم الباقي ثم تنبه لذلك فطرد غالبهم وسدد على الباقين وتساهل مع الناس وكان رئيسًا عاقلًا معدودًا في الرؤساء تعمل عنده الدواوين والاجتماعات في مهمات الأمور والوقائع كما تقدم ذكر ذلك في مواضعه ثم أنه تمرض بذات الرئة شهورًا ومات في يوم الاثنين رابع شهر صفر ومات الأمير سليمان بك المرادي وهو من الأمراء الذين تأمروا بعد موت مراد بك وكان ظالمًا غشومًا ويعرف بريحه بتشديد الياء كان إذا أراد قتل إنسان ظلمًا يقول لأحد أعوانه خذه وريحه فيأخذه ويقتله ومات في واقعة أسيوط الأخيرة أخذت جلة المدفع دماغه وقطع ذراعه وعرفوا قتلخ بخاتمه الذي في إصبعه المقطوع ومات سليمان بك الألفي الذي قتل في واقعة ياسين بك بالمنية عند الخندق وغير هؤلاء والله أعلم‏.‏