المجلد الثالث - سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف

سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف

فكان أول المحرم يوم الأحد فيه برز القابجي المسمى بيانجي بك إلى السفر على طريق البر وخرج الباشا لوداعه وهذا القابجي كان حضر بالأوامر بخروج العساكر للبلاد الحجازية وخلاص البلاد من أديد الوهابية وفي مراسيمه التي حضر بها التأكيد والحث على ذلك فلم يزل الباشا يخادعه ويعده بإنفاذ الأمر ويعرفه أن هذا الأمر لا يتم بالعجلة ويحتاج إلى استعداد كبير وإنشاء مراكب في القلزم وغير ذلك من الاستعدادات وعمل الباشا ديوانًا جمع فيه الدفتردار والمعلم غالي والسيد عمر والمشايخ وقال لهم لا يخفاكم أن الحرمين استولى عليها الوهابيون ومشوا أحكامهم بها وقد رودت علينا الأوامر السلطانية المرة بعد المرة للخروج إليهم ومحاربتهم وجلائهم وطردهم عن الحرمين الشريفين ولا تخفي عنكم الحواث والوقائع التي كانت سببًا في التأخير عن المبادرة في امتثال الأوامر والآن حصل الهد وحضر قابجي باشا بالتأكيد والحث على خروج العساكر وسفرهم وقد حسبنا المصاريف اللازمة في هذه الوقت فبلغت أربعة وعشرين ألف كيس فاعملوا رأيكم في تحصيلها فحصل ارتباك واضطراب وشاع ذلك في الناس وزاد بهم الوسواس ثم اتفقوا على كتابة عرضحال ليصحبه ذلك القابجي معه بصورة نمقوها‏.‏

وفي سادسه حضر مرزوق بك وسليم بك المحرمجي وعلي كشاف الصابونجي المرسل فطلعوا إلى القلعة وقابلوا الباشا وخلع على مرزوق بك والمحرمجي فروتين ونزلا إلى دورهما ثم ترددوا وطلعوا ونزلوا وبلغوا رسائل الأمراء القبليين وذكروا مطالبهم وشروط الباشا عليهم والاتفاق في تقرير الصلح والمصالحة عدة أيام‏.‏

وفيه حضر عرب الهنادي والجهنة وصالحوا على أنفسهم وأن يرجعوا إلى منازلهم بالبحيرة ويطردوا أولاد علي وكانوا تغلبوا على الإقليم وحصل منهم الفساد والإفساد وكانت مصالحتهم بيد شاهين بك الألفي وسافر معهم شاهين بك وخشداشينه ولم يبق بالجيزة سوى نعمان بك وذهبوا إلى ناحية دمنهور وارتحل أولاد علي إلى الحوش ابن عيسى وذلك أواخر المحرم ثم أن شاهين بك ركب بمن معه وحاربهم ووقع بينهم مقتلة عظيمة وقتل فيها شخصان من كبار الأجناد الألفية وهما عثمان كاشف وآخر ونحو ستة مماليك وقتل جملة كثيرة من العرب وانكشف الحرب عن هزيمة العرب وأسروا منهم نحو الأربعين وغنموا منهم غنائم كثيرة من أغنام وجمال وتفرقوا وتشتتوا وذهبوا إلى ناحية قبلي والفيوم وذلك في شهر صفر في عاشره حضر شاهين بك وباقي الألفية‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1223 وفي عشرينه ورد الخبر بموت شاهين بك المرادي فخلع الباشا عن سليم بك المحرمجي وجعله كبيرًا ورئيسًا على المرادية عوضًا عن شاهين بك وسافر إلى قبلي‏.‏

وفيه أيضًا حضر أمين بك الألفي من غيبته وكان مسافرًا مع الإنكليز الذين كانوا حضروا إلى الإسكندرية ورشيد وحصل لهم ما حصل فلم يزل غائبًا حتى بلغه صلح خشداشينه مع وفيه زوج الباشا شاهين بك سرية انتقتها زوجة الباشا ونظمتها وفرش له سبعة مجالس بقصر الجيزة وجمعوا لذلك المنجدين وتقيد بتجهيز الشوار والأقمشة واللوازم الخواحجا محمود حسن وكذلك زوج نعمان بك سرية أخرى وسكن بيت المشهدي بدرب الدليل بعد أن عمرت له الدار وفرشت على طرف الباشا وكذلك تزوج عمر بك بجارية من جواري الست نفيسة المرادية وجهزتها جهازًا نفيسًا من مالها وتزوج أيضًا علي كاشف الكبير الألفي بزوجة أستاذه‏.‏

شهر جمادى الأول سنة 1223 فيه سافر مرزوق بك بعد تقرير أمر الصلح بينه وبين الأمراء المصريين القبالي وقلد الباشا مرزوق بك ولاية جرجا وإمارة الصعيد وألبسه الخلعة وشرط عليه إرسال المال والغلال الميرية فعند ذلك اطمأنت الناس وسافرت السفار والمتسببون ووصل إلى السواحل مراكب الغلال والأشياء التي تجلب من الجهة القبلية‏.‏

واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1223 فيه قطع الباشا مرتب الدلاة الأغراب وأخرجهم وعزل كبيرهم الذي يسمى كردي بوالي الساكن ببولاق وقلد ذلك مصطفى بك من أقاربه وجعله كبيرًا على طائفة الدلاتية الباقين وضم إليه طائفة من الأتراك ألبسهم طراطير وجعلهم دلاتية وسافر كردي بوالي لبلاده في منتصف الشهر وخرج صحبته عدة كبيرة من الدلاة‏.‏

وفي أواخره وردت الأخبار من إسلامبول وذلك أن طائفة من الينكجرية تعصبت وقامت على السلطان سليم وعزلوه وأجلسوا مكانه السلطان مصطفى وأبطلوا النظام الجيد وقتلوا دفتردار النظام الجديد وكتخدا الدولة ودفتردار الدولة وغيرهم وقطعوهم في أت ميدان بعد أن تغيبوا واختفوا في أماكن حتى في بيوت النصارى واستدلوا عليهم واحدًا بعد واحد فكانوا يستحبون الأمير منهم المترفه على صورة منكرة إلى أت ميدان فيقتلونه وبعضهم قطعوه في الطريق وسكن الحال على سلطنة السلطان مصطفى بن عبد الحميد وكان السلطان سليم عندما أحس بحركة الينكجرية أرسل يستنجد ويستدعي مصطفى باشا البيرقدار وكان يرشق بالروملي بمخيم العرضي المتعين على حرب الموسكوب ووصل خبر الواقعة إلى من بالعرضي فأقام أيضًا الينكجرية الفتنة العرضي وقتلوا آغات العرضي وخلافه عند مصطفى باشا المذكور وقد وصله مراسلة السلطان سليم فحركوا همته على القيام بنصرة السلطان سليم على الينكجرية فركب من العرضي في عدة وافرة وحضر إلى إسلامبول وشق بجمعه وعسكره من وسطها في كبكبة حتى وصل إلى باب السراية فوجده مغلقًا فأراد كسره أو حرقه إلى أن فتحوه بالعنف وعبر إلى داخل السراية وطلب السلطان سليم فعند ذلك أرسل السلطان مصطفى المتولي جماعة من خاصته فدخلوا على السلطان سليم في المكان الذي هو مختف به وقتلوه بالخناجر والسكاكين حتى مات وأحضره ميتًا إلى مصطفى باشا البيرقدار وقالوا له هاهو السلطان سليم الذي تطلبه فلما رآه ميتًا بكى وتأسف ثم أنه عزل السلطان مصطفى وأحضر محمودًا أخاه بن عبد الحميد وأجلسه على تخت الملك ونودي باسمه وكان ذلك يوم الخميس خامس جمادى الثانية من السنة وعمره ثلاث وعشرون سنة‏.‏

ومات السلطان سليم وعمره إحدى وخمسون سنة لأنه ولد سنة 1172 ومجة ولايته نحو العشرين سنة تنقص شهرًا فلما وردت هذه الأخبار وتواترت في مكاتبات التجار والسفار خطب بعض الخطباء يوم الجمعة سادس عشرينه باسم السلطان محمود وبعضهم أطلق في الدعاء ولم يذكر الاسم‏.‏

وفيه قوي عزم الباشا على السفر إلى جهة دمياط ورشيد والإسكندرية فطلب لوازم السفر ووعد بسفره بعد قطع الخليج وطفق يستعجل بالوفاء ويطلب ابن الرداد المقياسي ويسأله عن الوفاء ويقول اقطعوا جسر الخليج في غد أو بعد غد فيقول تأمرونا بقطعه قبل الوفاء فيقول لا ويقول ليس الوفاء بأيدينا‏.‏

فلما كان يوم السبت سابع عشرينه وخامس عشر مسى القبطي نقص النيل نحو خمسة أصابع وانكشف الحجر الراقد الذي عند فم الخليج تحت الحجر القائم فضج الناس ورفعوا الغلال من الرقع والعرصات والسواحل وانزعجت الخلائق بسبب شحة النيل في العام الماضي وهيفان الزرع وتنوع المظالم وخراب الريف وجلاء أهله واجتمع في ذلك اليوم المشايخ عند الباشا فقال لهم اعملوا استسقاء وأمروا الفقراء والضعفاء والأطفال بالخروج إلى الصحراء وادعوا الله فقال له الشيخ الشرقاوي ينبغي أن ترافقوا بالناس وترفعوا الظلم فقال أنا لست بظالم وحدي وأنتم أظلم مني فإني رفعت عن حصتكم الفرض والمغارم إكرامًا لكم وأنتم تأخذونها من الفلاحين وعندي دفتر محرر فيه ما تحت أيديكم من الحصص تبلغ ألفي كيس ولا بد أني أفحص عن ذلك وكل من وجدته يأخذ الفرضة المرفوعة من فلاحيته أرفع الحصة عنه فقالوا له لك ذلك ثم اتفقوا على الخروج والتقيا في صبحها بجامع عمرو بن العاص لكونه محل الصحابة والسلف الصالح يصلون به صلاة الاستسقاء ويدعون الله ويستغفرونه ويتضرعون إليه في زيادة النيل وبالجملة ركب السيد عمر والمشايخ وأهل الأزهر وغيرهم والأطفال واجتمع عالم كثير وذهبوا إلى الجامع المذكور بمصر القديمة فلما كان صبحها وتكامل الجمع صعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى الاستسقاء ودعا الله وأمن الناس على دعائه وحول ردائه ورجع الناس بعد صلاة الظهر وفي تلك الليلة رجع الماء إلى محل الزيادة الأولى واستتر الحجر الراقد بالماء‏.‏

وفي يوم الاثنين خرجوا أيضًا وأشار بعض الناس بإحضار النصارى أيضًا فحضروا وحضر المعلم غالي ومن يصحبه من الكتبة الأقباط وجلسوا في ناحية من المسجد يشربون الدخان وانفض الجمع أيضًا‏.‏

وفي تلك الليلة التي هي ليلة الثلاثاء زاد الماء ونودي بالوفاء وفرح الناس وطفق النصارى يقولون أن الزيادة لم تحصل إلا بخروجنا‏.‏

فلما كانت ليلة الأربعاء طاف المنادون بالرايات الحمر ونادوا بالوفاء وعمل الشنك والوقدة تلك الليلة على العادة‏.‏

وفي صبحها حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس وكسروا السد وجرى الماء في الخليج جريانًا ضعيفًا لعلو أرض الخليج وعدم تنظيفه من الأتربة المتراكمة فيه من مدة سنين وكان ذلك يوم الأربعاء غرة شهر رجب وتاس عشر مسى القبطي‏.‏

واستهل شهر رجب بيوم الأربعاء سنة 1223 في ثانيه يوم الخميس وصل إلى بولاق راغب أفندي وهو أخو خليل أفندي الرجائي الدفتردار المقتول وعلى يده مرسوم بإجراء الخطبة باسم السلطان محمود بن عبد الحميد وأنزلوه ببيت ابن السباعي بالغورية وضربوا مدافع بالقلعة وشنكًا ثلاثة أيام في الأوقات الخمسة وخطب الخطباء في صبحها باسم السلطان محمود الدعاء له في جميع المساجد‏.‏

وفي ليلة الأحد خامسه سافر محمد علي باشا إلى بحري ونزل في المراكب وأرسل قبل نزوله بأيام بتشهيل الإقامات والكلف على البلاد من كل صنف خمسة عشر وأخلوا لمن معه بيوت البنادر مثل المنصورة ودمياط ورشيد والمحلة والإسكندرية وفرض الفرض والمغارم على البلاد على حكم القراريط التي كانوا ابتدعوها في العام الماضي على كل قيراط سبعة آلاف نصف فضة وسماها كلفة الذخيرة وأمر بكتابة دفتر لذلك فكتب إليه الروزنامجي أن الخراب استولى على كثير من البلاد فلا يمكن تحصيل هذا الترتيب فأرسل من المنصورة يأمر بتحرير العمار بدفتر مستقل والخراب بدفتر آخر فلما فعل الروزنامجي ذلك أدخل فيها بلاد بها بعض الرمق لتخلصمن الفرضة وفيها ما هو لنفسه فلما وصلت إليه أمر بتوزيع ذلك الخراب على أولاده وأتباعه وأغراضه وعدتها مائة وستون بلدة وأمر الروزنامجي بكتابة تقاسيطها بالأسماء التي عينها له فلم يمكن الروزنامجي أن يتلاقى ذلك فتظهر خيانته ووزعت وارتفعت عن أصحابها وكذلك حصل بإقليم البحيرة لما عمها الخراب وتطل خرابها وطلبوا الميري من الملتزمين فتظلموا واعتذروا بعموم الخراب فرفعوها عنهم وفرقها الباشا على أتباعه واستولوا عليها وطلبوا الفللاحين الشاردة والمتسحبه من البلاد الآخر وأمروهم بسكناها وزادوا في الطنبور نقمات وهوانهم صاروا ينتبعون أولاد البلد أرباب الصنائع الذين لهم نسبة قديمة بالقرى وذلك بإغراء أتباعهم وأعوانهم فيكون الشخص منهم جالسًا في حانوته وصناعته فما يشعر إلا والأعوان محيطون به يطلبونه إلى مخدومهم فإن امتنع أو تلكأ سحبوه بالقهر وأدخلوه إلى الحبس وهو لا يعرف له ذنبًا فيقول وما ذنبي فيقال له عليك مال الطين فيقول وأي شيء يكون الطين فيقولون له طين فلاحتك من مدة سنين لم تجفعه وقدره كذا وكذا فيقول لا أعرف ذلك ولا أعرف البلد ولا رأيتها في همري لا أنا ولا أبي ولا جدي فيقال له ألست فلانًا الشيراوي أو الميناوي مثلًا فيقول لهم هذه النسبة قديمة سرت إلي من عمي أو خالي أو جدي فلا يقبل منه ويحبس ويضرب حتى يدفع ما ألزموه به أو يجد شافعًا يصالح عليه وقد وقع ذلك لكثير من المتسببين والتجار وصناع الحريري وغيرهم ولم يزل الباشا في سيره حتى وصل إلى دمياط وفرض على أهلها أكياسًا وأخذ من حكامها هدايا وتقادم ثم رجع إلى سمنود وركب في البر إلى المحلة وقبض ما فرضه عليها وهو خمسون كيسًا نقصت سبعة أكياس عجزوا عنها بعد الحبس والعقاب وقدم له حاكمها ستين جملًا وأربعين حصانًا خلاف الأقمشة المحلاوية مثل الززدخانات والمقاطع الحرير وما يصنع بالمحلة من أنواع الثياب والأمتعة صناعة من بقي بها من الصناع ثم ارتحل عنها ورجع إلى بحر منوف وذهب إلى رشيد والإسكندرية ولما استقر بها أعبى هدية إلى الدولة وأرسل إلى مصر فطلب عدة قناطر من البن والأقمشة الهندية وسبعمائة أردب أرز أبيض أخذت من بلاد الأرز وأرسل الهدية صحبة إبراهيم أفندي المهردار وحضر إليه وهو بالإسكندرية قابجي من طرف مصطفى باشا البيرقدار الوزير برسالة ورجع بالجواب على أثره ولم يعلم ما دار بينهما‏.‏

وفي منتصفه أعثى شعبان حضر محمد علي باشا من غيبته وطلع على ساحل بولاق ليلة الخميس خامس عشره وذهب إلى داره بالأزبكية ثم طلع في ثاني يوم إلى القلعة وضربوا لحضوره مدافع‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة 1223 فيه وردت الأخبار بحرق القمامة القدسية وظهر حريقها من كنيسة الأروام‏.‏

وفيه سافر عدة من العسكر والدلاة وعمر بك الألفي ومعه طائفة من المماليك إلى البحيرة بسبب عربان أولاد علي فإنهم كانوا بعد الحوادث المتقدمة نزلوا بالإقليم وشاركوا وزرعوا مثل ما كان عليه الهنادي والجهنة فلما اصطح الألفية مع الباشا توسط شاهين بك في صلح الهنادي والجهنة على قدر وذلك لما كان بينهم وبين أستاذه من النسابة ونزل صحبتهم إلى البحيرة وغمرهم بأرضها كما كانوا أولاد وطرد أولاد علي وحاربهم ومكن الهنادي والجهنة ورجع إلى الجيزة فراسل أولاد علي الباشا بوساطة بعض أهل الدولة وعملوا للباشا مائة ألف ريال على رجوعهم للبحيرة وإخراج الهنادي فأجابهم طمعًا في المال فحنق أولئك وعصوا وحاربوا أولاد علي ونهبوا ونالوا منهم بعد أن كانوا ضيقوا عليهم وحصلت اختلافات وامتنع أولاد علي من دفع المال الذي قرروه على أنفسهم واجتمعوا بحوش ابن عيسى فأرسل إليهم الباشا عمر بك المذكور ومن معه فحاربوهم مع الهنادي فظهر عليهم أولاد علي وهزموهم وقتل من الدلاة أكثر من مائة وكذلك من العسكر ونحو الخمسة عشر من المماليك فأمر الباشا بسفر عساكر أيضًا وصحبتهم نعمان بك وخلافه وسافرت طائفة من العرب إلى ناحية الفيوم فأرسلوا لهم عدة من العسكر‏.‏

وفي أواخره سافر أيضًا شاهين بك وياقي الألفية خلاف أحمد بك فإنه أقام بالجيزة‏.‏

وفيه نودي على المعاملة بأن يكون صرف الريال الفرنسا بمائتين وعشرين وكان بلغ في مصارفته إلى مائتين وأربعين والمحبوب بمائتين وخمسين فنودي على صرفه بمائتين وأربعين وذلك كله من عدم الفضة العددية بأيدي الناس والصيارف لتحكيرهم عليها ليأخذها تجار الشام بفرط في مصارفتها تضم للميري فيدور الشخص على صرف القرش الواحد فلا يجد صرفه إلا بعد وفيه سافر أيضًا حسن الشماشرجي ولحق بالمجردين‏.‏

وفي أواخره ورد الخبر بأن محو بك كاشف البحيرة قبض على السيد حسين نقيب الأشراف بدمنهور وأهانه وضربه وصادره وأخذ منه ألفي ريال بعد أن حلف أنه لم يأت بها في مدة أريع وعشرين ساعة وإلا قتله فوقع في عرض النصارى المباشرين فدفعوها عنه حتى تخلص بالحياة وكذلك قبض على رجل من التجار وقرر عليه جملة كثيرة من المال فدفع الذي حصلته يده وبقي عليه ما قرره عليه فلم يزل في حبسه حتى مات تحت العقوبة فطلب أهله رمته فحلف ألا يعطيها لهم حتى يكون ابنه في الحبس مكانه‏.‏

ومن الحوادث السماوية أن في سابع عشرين رمضان غيمت السماء بناحية الغربية والمحلة الكبرى وأمطرت بردًا في مقدار بيض الدجاج وأكبر وأصغر فهدمت دورًا وأصابت أنعامًا غير أنها قتلت الدودة من الزرع البدري‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الأحد سنة 1223 في أواخره حضر شاهين بك الألفي من ناحية البحيرة وذلك بعد ارتحال أولاد علي من الإقليم‏.‏

وفيه أيضًا حضر سليمان كاشف البواب من ناحية قبلي وصحبته عدة من المماليك وأربعة من الكشاف فقابل الباشا وخلع عليه وأنزله ببيت طنان بسويقة العزى وسكن بها وحضر مطرودًا من إخوانه المرادية‏.‏

واستهل شهر القعدة بيوم الاثنين سنة 1223 فيه عزل الباشا السيد المحروقي عن نظارة الضربخانه ونصب بها شخصًا من أقاربه‏.‏

وفي ثالث عشره نزل والي الشرطة وأمامه المناداة على ما يستقرضه الناس من العسكر بالربا والزيادة على أن يكون على كل كيس ستة عشر قرشًا في كل شهر لا غير والكيس عشرون ألف نصف فضة وهو الكيس الرومي وذلك بسبب ما انكسر على المحتجين والمضطرين من الناس من كثرة الربا الضيق المعاش وانقطاع المكاسب وغلو الأسعار وزيادة المكوس قيضطر الشخص إلى الاستدانة فلا يجد من يداينه من أهل البلد فيستدين من أحد العسكر ويحسب عليه على كل كيس خمسين قرشًا في كل شهر وإذا قصرت يد المجيون عن الوفاء أضافوا الزيادة على الأصل وبطول الزمن تفحش الزيادة ويؤول الأمر لكشف حال المديون وجرى ذلك على كثير من مساتير الناس وباعوا أملاكهم ومتاعهم والبعض لما ضاق به الحال ولم يجد شيئًا خرج هاربًا وترك أهله وعياله خوفًا من العسكري وما يلاقي منه وربما قتله فعرض بعض المديونين إلى الباشا فأمر بكتابة هذا البيورلدي ونزل به والي الشرطة ونادى به في الأسواق فعد ذلك من غرائب الحكام حيث ينادي على الربا جهارًا في الأسواق من غير احتشام ولا مبالاة لأنهم لا يرون ذلك عيبًا في عقيدتهم‏.‏

وفي رباع عشرينه غضب الباشا على محو بك الكبير الذي كان كاشفًا بالبحيرة ونفاه إلى أبي قير وأخذ أمواله وأنعم ببيته وهو بيت حسن آغا شنين بحارة عابدين وما بها من الخيل والجمال والجوار والخيام والمتاع على محو بك الصغير الأورفلي‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة 1223 فيه وصلت الأخبار من إسلامبول بوقوع فتنة عظيمة وأنه لما حصل ما حصل في منتصف السنة من دخول مصطفى باشا البيرقدار على الصورة المذكورة وقتل السلطان سليم وتولية السلطان محمود وخذلان الينكجرية وقتلهم ونفيهم وتحكم مصطفى باشا في أمور الدولة واستمر من بقي منهم تحت الحكم فأجمعوا أمرهم ومكر مكرهم وحذر بعضهم مصطفى باشا من المذكورين فلم يكترث بذلك واستهون أمرهم واحتقر جانبهم وقال أي شيء هؤلاء منا وأرى بمعنى أنهم بياعون الفاكهة فكان حاله كما قيل فلا تحتقر كيد العدو فربما تموت الأفاعي من سموم العقارب ثم أنهم تحزبوا وحضروا إلى سرايته على حين غفلة بعد السحور ليلة السابع والعشرين من رمضان وجماعته وطائفته متفرقون في أماكنهم فحرقوا باب السراية وكبسوا عليه فقتل من قتل من أتباعه وهرب من هرب على حمية واختفى مصطفى باشا في سرداب فلم يجدوه وأوقعوا بالسراية الحرق والهدم والنهب وخاف السلطان لان سراية الوزير بجانب السراية السلطانية ففتح باب السراية التي بناحية البحر وأرسل يستعجل قاضي باشا بالحضور وكذلك قبطان باشا فحضرا إلى السراية واشتد الحرب بين الفريقين وأكثر الينكجرية من الحريق في البلدة حتى أحرقوا منها جانبًا كبيرًا فلما عاين السلطان ذلك هاله وخاف من عموم حريق البلدة وهو ومن معه محصورون بالسراية يومًا وليلة فلم يسعه إلا تلافي الأمر فراسل كبار الينكجرية وصالحهم وأبطلوا الحرب وشرعوا في إطفاء الحريق وخرج قاضي باشا هاربًا وكذلك قبودان باشا وهو عبد الله رامز أفندي الذي كان في أيام الوزير بمصر ثم أنهم أخرجوا مصطفى باشا من المكان الذي اختفى فيه ميتًا من تحت الردم وسحبوه من رجليه إلى خارج وعلقوه في شجرة ومثلوا به وأكثروا على رمته من السخرية وعند وقوع هذه الحادثة ومجيء قاضي باشا وكان من أغراض السلطان مصطفى المنفصل فخاف السلطان أن قاضي باشا إن غلب على الينكجرية فيعزله ويولي أخاه ويرده إلى السلطنة فقتل السلطان محمود أخاه مصطفى خنقًا ثم لما سكن الحال عينوا على قاضي باشا وقتلوه وكذلك عبد الله أفندي رامز قبودان باشا وكان مصطفى باشا البيرقدار هذا مشكور السيرة يحب إقامة العدل والوقت بخلاف ذلك‏.‏

وفيه قوي إليهتمام بسد ترعة الفرعونية وتعين لذلك شخص يسمى عثمان السلانكلي الذي كان مباشرًا على جسر الإسكندرية‏.‏

وفي منتصفه سافر الباشا وصحبته حسن باشا لمباشرة الترعة التي يريدون سدها وأمر بوصق الأحجار وأفردوا لذلك عدة من المراكب تشحن بالأشجار والأخشاي الكبيرة وترجع فارغة وتعود موسوقة في كل يوم مرة وأمر بجمع الرجال من القرى للعمل‏.‏

وفيه أيضًا شرع الباشا في إنشاء أبنية بساحل شبرا الشهيرة الآن بشبرا المكاسة وأشيع أن قصده إنشاء سواقي وعمائر وبساتين ومزارع وأخذ في الاستيلاء على ما يحاذي ذلك من القرى والأطيان والرزق والإقطاعات من ساحل شبرا إلى جهة بركة الحاج عرضًا‏.‏

وفي سابع عشره خرجت عساكر كثيرة إلى البر الغربي بقصد الذهاب إلى الفيوم صحبة شاهين بك والألفية بسبب أولاد علي الذين كانوا بالبحيرة‏.‏

وفي ثاني عشرينه وصل واحد قابجي وأشيع أنه طلع من بولاق وذهب إلى بيت الباشا وعلى يده مرسومان أحدهما تقرير للباشا على ولاية مصر والثاني يذكر فيه أن يوسف باشا المعدني الصدر السابق تعين بالسفر على جهة الشام لتنظيم بلاد العرب والحجاز أو يقوم محمد علي باشا بلوازمه وما يحتاج إليه من أدوات وذخير وغير ذلك ولم يظهر لذلك الكلام أثر ولما أصبح النهار وحضر ذلك القابجي في موكب إلى بيت الباشا وحضر الأشياخ والأعيان وكان الباشا غائبًا في الترعة كما تقدم وعوضه كتخدا بك وأكابر دولتهم وقرئت المراسيم تحقق الخبر وانقضت السنة بحوادثها العامة توالي الفرض والمظالم المتوالية وإحداث أنواع المظالم على كل شيء والتزايد فيها واستمرار الغلاء في جميع أسعار المبيعات والمآكل والمشارب بسبب ذلك وفقر أهل القرى وبيعهم لمواشيهم في الغارم فقل اللحم والسمن والجبن وأخذ مواشيهم وأغنامهم من غير ثمن في الكلف ثم رميها على الجزارين بأغلى ثمن ولا يذبحونها إلا في المذبح ويؤخذ منهم إسقاطها وجلودها ورؤوسها ورواتب الباشا وأهل دولته ثم يذهبون بما يبقى لهم لحوانيتهم فتباع على أهل البلد بأغلى ثمن حتى يخلص للجزار رأس ماله وإذا عثر المحتسب على جزار ذبح شاة اشتراها في غير المذبح قبض عليه وأشهره وأخذ ما في حانوته من اللحم من غير ثمن ثم يحبس ويضرب ويغرم مالًا ولا يغفر ذنبه ويسمى خائنًا وفلاتيًا ومنها انقطاع الحج الشامي والمصري معتلين بمنع الوهابي الناس عن الحج والحال ليس كذلك فإنه لم يمنع أحدًا يأتي الحج على الطريقة المشروعة وإنما يمنع من يأتي بخلاف ذلك من البدع التي لا يجيزها الشرع مثل المحمل والطبل والزمر وحمل الأسلحة وقد وصل طائفة من حجاج المغاربة وحجوا ورجعوا في هذا العام وما قبله ولم يعترض لهم أحد بشيء ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي وانقطع عن أهل المدينة ومكة ما كان يصل إليهم من الصدقات والعلائف والصرر التي كانوا يتعيشون منها خرجوا من أوطانهم بأولادهم ونسائهم ولم يمكث إلا الذي ليس له إيراد من ذلك وأتوا إلى مصر والشام ومنهم من ذهب إلى إسلامبول يتشكون من الوهابي ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من إجراء الأرزاق واتصال الصلات والنيابات والخدم في الوظائف التي بأسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك ويذكرون أن الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر والجواهر ونقلها وأخذها فيرون أن أخذه لذلك من الكبائر العظام وهذه الأشياء أرسلها ووضعها خساف العقول من الأغنياء والملوك والسلاطين الأعاجم وغيرهم إما حرصًا على الدنيا وكراهة أن يأخذها من يأتي بعدهم أو لنوائب الزمان فتكون مدخرة ومحفوظة لوقت الاحتياج إليها فيستعان بها على الجهاد ودفع الأعداء فلما تقادمت عليها الأزمنة وتوالت عليها السنين والأعوام الكثيرة وهي في الزيادة فارتدت معنى لا حقيقة وارتسم في الأذهان حرمة تناولها وأنها صارت مالًا للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لأحد أخذها ولا إنفاقها والنبي عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك ولم يدخر شيئًا من عرض الدنيا في حياته وقد أعطاه الله الشرف الأعلى وهو الدعوة إلى الله تعالى والنبوة والكتاب واختار أن يكون عبدًا ولم يختر أن يكون نبيًا ملكًا‏.‏

وثبت في الصحيحين وغيرهما أنه قال اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا‏.‏

وروى الترمذي بسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا قلت لا يا رب ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا أو قال ثلاثًا أو نحو ذلك فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك ثم إن كانوا وضعوا هذه الذخائر والجواهر صدقة على الرسول ومحبة فيه فهو فاسد فهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ومنع بني هاشم من تناول الصدقة وحرمها عليهم والمراد الانتفاع في حال الحياة لا بعدها فإن المال أوجده المولى سبحانه وتعالى من أمور الدنيا لا من أمور الآخرة قال تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد وهو من جملة السبعة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات مكن النساء والبنين والقناطير المقنظرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب فهذه السبعة بها تكون الخبائث والقبائح وليست هي في نفسها أمورًا مذمومة بل قد تكون معينة على الآخرة إذا صرفت في محلها‏.‏

وعن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال يقول ابن آدم مالي مالي فهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت إلى غير ذلك ومحبة الرسول بتصديقه واتباع شريعته وسنته لا بمخالفة أوامره وكنز المال بحجرته وحرمان مستحقيه من الفقراء والمساكين وباقي الأصناف الثمانية وإن قال المدخر أكنزها لنزائب الزمان ليستعان بها على مجاهدة الكفار والمشركين عند الحاجة إليها قلنا قد رأينا شدة احتياج ملوك زماننا واضطرارهم في مصالحات المتغلبين عليهم من قرانات الإفرنج وخلو خزائنهم من الأموال التي أفنوها بسوء تدبيرهم وتفاخرهم ورفاهيتهم فيصالحون المتغلبين بالمقادير العظيمة بكفالة إحدى الفرق من الإفرنج المسالمين لهم واحتالوا على تحصيل المال من رعاياهم بزيادة المكوس والمصادرات والطلبات والاستيلاء على الأموال بغير حق حتى أفقروا تجارهم ورعاياهم ولم يأخذوا من هذه المدخرات شيئًا بل ربما كان عندهم أو عند خونداتهم جوهر نفيس من بقايا المدخرات فيرسلونه هدية إلى الحجرة ولا ينتفعون به في مهماتهم فضلًا عن إعطائه لمستحقه من المحتاجين وإذا صار في ذلك المكان لا ينتفع به أحد إلا ما يختلسه العبيد خصيون الذين يقال لهم أغوات الحرم والفقراء من أولاد الرسول وأهل العلم والمحتاجون وأبناء السبيل يموتون جوعًا وهذه الذخائر محجور عليها وممنوعون منها إلى أن حضر الوهابي واستولى على المدينة وأخذ تلك الذخائر فيقال أنه عبى أربعة سحاحير من الجواهر المحلاة بالألماس والياقوت العظيمة القدر ومن ذلك أربع شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة ألماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام نحو مائة سيف قراباتها ملبسة بالذهب الخالص ومنزل عليها ألماس وياقوت ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك وسلاحها من الحديد الموصوف كل سيف منها لا قيمة له وعليها دمعات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك‏.‏

ومنها أن الباشا عزم على عمارة المجراة التي تنقل الماء إلى القلعة وقد خربت وتلاشى أمرها وتهدمت قناطرها وبطل نقل الماء عليها من نحو عشرين سنة فقيد بعمارتها محمد أفندي طبل ناظر المهمات فعمرها وأجرى الماء بها في أواخر الشهر الماضي‏.‏

ومنها أحداث عدة مكوس على أصناف كثيرة منها على بضاعة اللبان عن كل قطعة ثلاثمائة نصف فضة وكذلك على صنف الحناء عن كل مخلة عشرة أنصاف وكذلك الموزونات كل مائة درهم أربعة دراهم على البائع درهمان وعلى المشتري درهمان وغير ذلك حوادث كثيرة لا نعلمها‏.‏ فمات

 

الأجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي

ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو أخو الشيخ أحمد البكري الصديقي الذي كان متوليًا على سجادتهم ولما مات أخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة واتكابه أمورًا غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد أفندي مضافة لنقابة الأشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالأزبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفه وأنشأ فيه بستانًا زرع فيه أصناف الأشجار والفواكه فلما توفي السيد محمد أفندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطي فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هاربًا من الفرنساوية إلى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وأنهم غصبوها منه فقلدوه إياها واستولى على وقفها وإبرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوي والشكاوي واجتمع عنده مماليك من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى التي انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والأمراء المصرية وأهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الأزبكية إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون وأطلقوه بعد أن أشرف على الهلاك وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره وأسكن روعه وألبسه ثيابًا وأكرمه وبقي بداره إلى أن انقضت أيام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في أيام الفرنسيس فلما أشيع حضور الوزير والقبودان والإنكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الأشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو أنهى إليه لكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب إلى الفرنسيس بعلمه وأنه قتلها خوفًا وتبرئة لنفسه من الشهرة التي لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره فيها ولا التنصل منها وإنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصًا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد وهو من جملة أتباع المترجم ولكنه فقير لا يملك شيئًا ولا دابة يركبها فقال الباشا أنا أواسيه وأعطيه فأحضروه له بعد أن ألبسوه تاجًا كبيرًا وثيابًا وهو رجل مبارك طاعن في السن فألبسه فروة سمور وقدم له حصانًا معددًا وقيد له ألف قرش وسكن دارًا بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل أمر المترجم واشترى دارًا بدرب الجماميز بعطفة الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها أشدارًا وحسنها وأتقنها وبنى له مجلسًا مطلًا عليها وبالأسفل مياطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الأمراء المتقدمينن بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بأنقاضهما وأخشابهما وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على إيراده فيما يخصه من وقف جده لأنه الأستاذ الحنفي وتصدى لمفاقمته وأذيته أنفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى أنه كان عقد لابنه سيدي أحمد على بنت المرحوم محمد أفندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وأبطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي ةتسلط عليه من له دين أو دعوى أو مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد أشترى مملوكًا في أيام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ما حصل ادعى عليه البائع أنه أخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الأمر والمصالحة على أن عثمان بك المرادي أخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلي عليه بمسجد جده لأمه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند أسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه‏.‏

ومات الأمير شاهين بك المرادي ويعرب بباب اللوق لأنه كان ساكنًا هناك وهو من مماليك مراد بك وأصله جركسي الجنس ولما أعتقه مراد بك أنعم عليه بكشوفية إقليم الغربية ثم رجع إلى مصر وأقام بطالًا متطلعًا للإمارة ويرى أنه أحق بها من غيره ولما رجع المصريون إلى مصر بعد قتل طاهر باشا وكان الألفي غائبًا ببلاد الإنكليز انضم إليه عثمان بك البرديسي ووافقه على كراهة الألفي الباطنية وكان هو أحد المباشرين والضاربين لحسين بك الوشاش بالبر الغربي ليلة خروجهم وتعديتهم لملاقاة الأفلي ثم خرج من مصر مع عشيرته ولم يزل حتى مات في منتصف شهر ربيع الأول من السنة المذكورة والله أعلم‏.‏

سنة أربع وعشرين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة أعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وأمطرت في محلات قليلًا وفي أخرى كثيرًا ثم انجلت السماء سريعًا فظهرت النجوم وبعد أيام أخبر الواردون من ناحية السماحات بالغربية أنها أمطرت بتلك الناحية في تلك الليلة بردًا كبيرًا وصغيرًا والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية وأهلكت زروعًا كثيرة‏.‏

وفي يوم الأحد رابعه قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعة الفرعونية وأرسل رأسه إلى مصر فعلقت بباب زويلة‏.‏

وفي أواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد وأشغلوا المراكب في نقل الأحجار ليلًا ونهارًا والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعًا وصخورًا فكانوا يشقون الجبل بألغام البارود مثل عمل الإفرنج وظهر في قطعهم كهوف وممغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بأنواع الأكاذيب والخرافات كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه أقفال ففتحوه ونظروا من داخله أشخاصًا على خيول إلى غير ذلك‏.‏

وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالإسكندرية فقال له حاكم الإسكندرية ينبغي أن تذهب إلى الباشا بالترعة وتقابله فذهب إليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة وأصبح ميتًا فأخرجوه إلى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان أحدهما الأخبار عن صلح الدولة مع الإنكليز والموسكوب وانفتاح البحر وأمن المسافرين والثاني الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وأن يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضًا بالسفر من ناحيته على الدرعية وأحضر للباشا تقريرًا بالولاية مجددًا وخلعة وسيفًا‏.‏

ودخلت سنة 1224 واستهل شهر صفر بيوم السبت سنة 1224 فيه حضر الآغا الواصل إلى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وأرباب العكاكيز فأركبوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع إلى القلعة وقرؤوا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكًا‏.‏

وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وأمطرت كثيرًا ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكًا صغيرًا من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الأرضص وأحضروا منه إلى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة‏.‏

وفيه اهتم الباشا بإخراج تجريده إلى الأمراء القبليين وذلك أنه تقدم بالإرسال إليهم يطالبهم بالغلال والأموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل إليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه أجوبة وهدية وفيها خيول وجوار وعبيد وسكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال أنا لست أطلب إحسانهم وصدقاتهم حتى أنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور وحيث أنهم لا يرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم وأرسل إلى من بمصر من الأكبر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح آغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيانهم ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أيامًا معدودة فلما حضر من الترعة أخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر إلى البر الغربي وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحري لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالًا وجمالًا وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لا يقدرون على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك وإعطائهم الرشوات وحضر أيضًا نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك وقابل الباشا على الترعة فلم ينفع حضوره أيضًا ولم يسمع له قول ورجع مزيفًا‏.‏

وفي خامسه حضر علي بك أيوب وصحبته آخر يقال له رضوان بك البرديسي فطلعا إلى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك أيوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الإمهال إلى حصاد الغلال فقال أنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو أربعة أيام ثم أشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد وأكل المزروعات وخراب البلدان فإنهم أكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفًا وخمسمائة فدان ولما أشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وأيسوا من زروعاتهم وخرجوا من أوطانهم على وجوههم لا يدرون أين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية‏.‏

وفي صبحها أعيد أمر التجريدة وأشيع خروج العساكر ثانيًا فانقبضت النفوس ثانيًا وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس وانبثت المعينون للطلب‏.‏

وفي عاشره بطل أمر التجريدة وانقضى أمر الصلح على شروط وهي أنهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف أردب وسبعة آلاف أردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعدًا للباشا شاهين بك الألفي والموعد أحد وثلاثون يومًا وسافر علي بك أيوب ورضوان بك البرديسي وأكرمهما الباشا وخلع عليهما‏.‏

وفي حادي عاشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلمًا وسبب ذلك أنه لما نزل قبودان لجمع المراكب المطلوبة لسفر التجريدة فصادف شخصًا من الأرنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه ليأخذ منه السفينة فقال كيف تأخذها وفيها غلتي قال أخرج غلتك منها على البر واتركها فإنه مطلوبة لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها ولم يجد سفينة أخرى لأن جميع السفن مطلوبة مثلها وقال له عندما أصل بها إلى مصر وأنقل منها الغلة أرسل معي من يأخذها فقال القبودان لا سبيل إلى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الأرنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الأرنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فأراد أتباع القبودان القبض عليه ففر منهم إلى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فالتجأ إليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى آغا المذكور ملتزم البلدة هناك وغائبًا في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر إليهم وخاف من وقوع قتل أو شر يقع بالبلدة فيكون سببًا لخراب الناحية فقال يا جماعة اذهبوا بنا إلى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا إلى ساحل بولاق فعندما وصلوا إلى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الأمير مصطفى المذكور فقال له عمر بك اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي وأنت لا بأس عليك ففعل فقال له الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجئ إليهم وكأنهم هم الذين أفلتوه فأمر بحبسه فأرسل إلى عمر بك فحضر إلى الباشا وترجى في إطلاقه فوعده أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل فقال أنه عند أزمير آغا وهو لا يسلم فيه وركب إلى داره فلما كان في الصباح أمر بقتل الأمير مصطفى المذكور فأنزلوه إلى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلمًا‏.‏

وفي صبحها أيضًا قتلوا شخصًا من الدلاة بسبب هذه الحادثة‏.‏

وفي ثاني يوم قتل الأرنؤد شخصين من الدلاة أيضًا‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشره أرسل الباشا وطلب الأرنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال إن لم يرسله وإلا أحرقت عليه داره فامتنع من إرساله وجمع إليه طائفة من الأرنؤد وصالح آغا قوج جاره وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعًا إلى داره بالأزبكية وقت الغروب وكثرت الأرجاف والقلقة بين الأرنؤد والدلاتية‏.‏

وفي خامس عشره قتل الأرنؤد شخصين من الدلاتية أيضًا جهة قناطر السباع ثم أن القاتل الذي قتل القبودان التجأ إلى كبير من كبار الأرنؤد فأرسل الباشا إلى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير وأكد في طلبه أو أنه بقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وأرسل إليه برأس ملفوفة في ملاية تسكينًا لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه‏.‏

وفي أواخره أمر الباشا بتحرير دفاتر فرضة الأطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها أربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة أعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الأفندية والأقباط بجهات متباعدة الأفندية بربع أيوب ببولاق والأقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عد أيام ووقع الطلب في جانب معجلًا سموه الترويجة‏.‏

وفيه أمر الباشا عمر بك الأرنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه وراتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحري شبرا واختصها لنفسه فلما استولى على حصص عمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحيرة عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول سنة 1224 فيه شرع السيد عمر مكرم نقيب الأشراف في عمل مهم لختان ابن ابنته ودعا الباشا والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا والتعابي وعمل له زفة يوم الاثنين سادس عشره مشى فيها أرباب الحرف والعربات والملاعيب وجمعيات وعصب صعايدة وخلافهم من أهالي بولاق والكفور والحسينية وغيرها من جميع الأصناف وطبول وزمور وجوع كثيرة فكان يومًا مشهودًا اكتريت فيه الأماكن للفرجة وكان هذا الفرح هو آخر طنطنة السيد عمر بمصر فإنه حصل له عقيب ذلك ما سيتلى عليك قريبًا من النفي والخروج من مصر‏.‏

وفيه كمل سد ترعة الفرعونية واستمر العمل فيها وفي تأييد السد بالأحجار والمشمعات والأتربة نحو ستة أشهر وصرف عليها من الأموال ما لا يحصى وجرى مجرى البحر الشرقي وغزر ماؤه وجرت فيه السفن من دمياط بعد أن كان مخاضة وملحت عذوبة النيل بما انعكس فيه وخالطه من ماء البحر الملح إلى قبلي فارس كور وأقام بالسد عمر بك تابع الأشقر لخفارته وتعهد الخلل وكتم الجسر من النشع والتنفيس وسكن هناك ولم يفارقه واستمر في هذه الوظيفة والخدمة ولم يقم بمصر‏.‏

وفي هذا الشهر وما قبله تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الأردب القمح ألفًا وستمائة نصف فرضة وعز وجوده بالرقع والعرصات وأما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق ومع ذلك استمرار المغارم والفرض حتى فرض الغلة عين وكذلك تبن وجمال وما ينضاف إلى ذلك مما سمعته غير مرة مما يطول شرحه‏.‏

وليه نودي على صرف الفراسة والمحبوب والمجر كما نودي في العام الماضي لأنه لما نودي بنقص صرفها ومضى نحو الشهر أو الشهرين رجع الصرف إلى ما كان عليه وزيادة فأعيد النداء كذلك وسيعود الخلاف ما دام الكرب والضيق بالناس على أن هذه المناداة والأوامر بالنقص والزيادة ليست من باب الشفقة على الناس ولا الرحمة وإنما هي بحسب أغراضهم وزيادة طمعهم فإنه إذا توجهت المطالبات بالفرض والمغارم نودي بالنقص ليزيد الفرط وتتوفر لهم الزيادة ويحصل التشديد والمعاقبة على من يقبض بالزيادة من أهل الأسواق وإذا كان الدفع من خزانتهم في علائف العسكر أو لوازمهم الكبيرة قبضوها بأزيد من الزيادة التي نادوا عليها من غير مبالاة ولا احتشام تناقض ما لنا إلا السكوت عنه‏.‏

وفي أواخره تواجدت الغلال وانحل سعرها وحضر الفلاحون ببداري الغلة وانحط السعر والحمد لله‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1224 في سادسه وردت مراسيم من الروم وبشارة بمولودة ولدت للسلطان وسموها فاطمة وفي المراسيم الأمر بالزينة فاقتضى الرأي أن يعملوا شنكًا ومدافع من القلعة تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام وهذا شيء لم يسمع بمثله فيما سبق أن يعملوا للأنثى شنكًا أو زينة أو يذكر ذلك مطلقًا وإنما يعمل ذلك للمولود الذكر من بدع الأعاجم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر من الأمراء المصريين القبالي مرزوق بك ابن إبراهيم بك وسليم آغا مستحفظان وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك أيوب حسب الاتفاق المتقدم في تقرير الصلح ولكن لم يكن سليم آغا مذكورًا في الحضور بل كان منجمعًا وممتنعًا عن التداخل في هذه الأحوال والسبب في حضوره أن زوجته توفيت من نحو نصف شهر فحضر لأجل تركتها ومتاعه إلى عندها وحصصها ولما حضر وجد الباشا استولى على ذلك وأخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار وأخذ الحصص وأخذ حلوانها وذلك بيد محمود بك الدويدار فلما حضر سليم آغا لم يجد شيئًا لا دار ولا عقار ولا نافخ نار فنزل عند علي بك أيوب بمنزله بشمس الدولة فحضر إليه محمود بك الدويدار والترجمان وأخذ بخاطره وطمناه وأخبراه أن الباشا سيعوض عليه ما ذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح فلم يسعه إلا التسليم‏.‏

وفيه سقط سقف القصر الذي أنشأه الباشا بشبرا وشرعوا في تعميره ثانيًا‏.‏

وفيه وصل الخبر بحضور زوجة الباشا أم أولاده وابنه الصغير واسمه إسماعيل وابن بونابارته الخازندار وكثير من أقاربهم وأهاليهم حضر الجميع من بلدهم قوله إلى الإسكندرية فإنهم لما طابت لهم مصر واستوطنوها وسكنوها وتنعموا فيها أرسلوا إلى أهاليهم وأولادهم وأقاربهم بالحضور فكانوا في كل وقت يأتون أفواجًا أفواجًا نساء ورجالًا وأطفالًا فلما وصل خبر وصولهم إلى اسكندرية سافر لملاقاتها ابنها إبراهيم بك الدفتردار وذلك حادي عشره‏.‏

وفي ثالث عشره حضر المذكور قبل حضور الواصلين ولما وصلوا نزل الباشا لملاقاتهم إلى بولاق‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره نبهوا على جميع النساء والخوندات وكل من كانت لها اسم في الالتزام أن يركبن بأسرهن ويذهبن إلى ملاقاة امرأة الباشا ببولاق وذلك صبح يوم الأربعاء واعتذرت الست نفيسة المرادية بأنها مريضة ولا تقدر على الحركة والخروج فلم يقبلوا لها عذرًا فلما كان صبح يوم الأربعاء اجتمع السواد الأعظم من النساء بساحل بولاق على الحمارة المكارية وهم أزيد من خمسمائة مكاري حتى ركبت زوجة الباشا وساروا معها إلى الأزبكية وضربوا لوصولها وحلولها بمصر عدة مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية ثم وصلت الهدايا والتقادم وأقبلت من كل ناحية الهدايا المختصة بالأولاد والمختصة بالنساء‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1224 في ثالثه يوم السبت نزل عمر بك الأرنؤد إلى المراكب من بيته من بولاق وسافر على طريق دمياط ليذهب إلى بلاده وسافر معه نحو المائة وهم الذين جمعوا الأموال واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال أشياء كثيرة عبأها في صناديق كثيرة وأخذها معه وذلك خلاف ما أرسله إلى بلاده في دفعات قبل تاريخه‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره سافر علي بك أيوب وسليم آغا مستحفظان إلى ناحية قبلي وفيه طلب الباشا ألف كيس من لمعلم غالي وألزمه بها فوزعها على المباشرين والكتبة وجمعها في أقرب زمن‏.‏

وفيه حضر سلحدار الوزير يوسف باشا وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان أحدثه حين كان بمصر على أوراق الإقطاعات والفراغات وتقاسيط الالتزام الذي سموه قصر اليد وخرج القلم وجعل إيراد ذلك لنفسه فأرسل يطلب ذلك من تاريخ سنة 1217 سبعة عشر ومائتين وألف إلى وقت تاريخه حسب قدر ذلك فبلغ نيفًا وأربعة آلاف كيس‏.‏

وفيه شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين ودفتر آخر بفرض مال على الرزق الإحباسية المرصدة على المساجد والأسبلة والخيرات وجهات البر والصدقات وكذلك أطيان الأوسية المختصة أيضًا بالملتزمين وكتبوا مراسيم إلى القرى والبلاد وعينوا بها معينين وحق طرق من طرف كشاف الأقاليم بالكشف على الرزق المرصدة على المساجد والخيرات وتقدموا إلى كل متصرف في شيء من هذه الأطيان وواضع عليها يده بأن يأتي بسنده إلى الديوان ويجدد سنده ويقوى بمرسوم جديد وإن تأخر عن الحضور في ظرف أربعين يومًا يرفع عنه ذلك ويمكن منه غيره وذكروا في مرسوم الأمر علة وحجة لم يطرق الأسماع نظيرها بأنه إذا مات السلطان أو عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه ويحتاج إلى تجديد تواقيع من نواب المتولي الجديد ونحو ذلك ثم ليعلم أن هذه الإرصادات والأطيان موضوعة من أيام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الأيوبي في القرن الخامس من مصاريف بيت المال ليصل إلى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة ثم اقتدى به في ذلك الملوك والسلاطين والأمراء إلى وقتنا هذا فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والأسبلة ويرصدون عليها أطيانًا يخرجونها من زمام أو سيتهم فيستغل أخراجها أو غلالها لتلك الجهة وكذلك يربطون على بعض الأشخاص من طلبة العلم والفقراء على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم وإذا مات المرصد عليه ذلك قرر القاضي أو الناظر خلافه ممن يستحق ذلك وقيد اسمه في سجل القاضي ودفتر الديوان السلطاني عند الأفندي المقيد بذلك الذي عرف بكاتب الرزق فيكتب له ذلك الأفندي سندًا بموجب التقرير يقال له الإفراج ثم يضع عليه علامته ثم علامة الباشا والدفتردار ولكل إقليم من الأقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج مكتوب فيها اسم ذلك الإقليم ليسهل الكشف والتحرير والمراجعة عند الاشتباه وتحرير مقادير حصص أرباب الاستحقاقات ولم يزل ديوان الرزق الأحباسية محفوظًا مضبوطًا في جميع الدول المصرية جيلًا بعد جيل لا يتطرفه خلل إلا ما ينزل عنه أرباب لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل ويقرر للمفرغ على نفسه قدرًا مؤجلًا دون القيمة الأصلية في نظير المعجل الذي دفعه للمفرغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام لم تزل على ذلك بطول القرون الماضية وتملك الفرنساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا الشيء من ذلك ولما حضر شريف أفندي الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير ووجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانًا جديدًا على النظام والنسق الذي ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأي وجه زاعمين أن أرض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية وأنهم استنقذوها منهم واستولوا عليها باستيلاء جديد وصارت جميع أراضيها ملكًا لهم فمن يريد الاستيلاء على شيء من أرض وغيرها فليشتره من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذي قدروه واطلعوا عليه على التقاسيط وفي بعضها ما رفع عنه الميري الذي يقبض للخزينة بإذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الأحباسية ويسمونه خزينة بند ومنهم من أبقى على التزامه شيئًا قليلًا سموه مال الحماية فلم يسهل بهم إبطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الميري الذي كان مقيدًا عليها أو أقل أو زيد بحسب واضع اليد وإكرامه إن كان ممن يكرم وضمه إلى مال الحماية الأصلي أو المستجد فقط وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التي وضعوها وقيدوها في نظير جعلها بند كما ذكر تقي لكتابة الإعلامات عبد الله أفندي رامز القبودان وقاضي باشا وسمي في ذلك الوقت بكاتب الميري وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الإعلامات لثبوت رزقهم الأحباسية وتجديد سنداتها فتعنت عليهم بضروب من التعنت كأن يطلب من صاحب العرضحال إثبات استحقاقه فإذا ثبت له لا يخلو إما أن يكون ذلك بالفراغ أو المحلول فيكلفه إحضار السنجات وأوراق الفرآغات القديمة فربما عدمت أو بليت لتقادم السنين أو تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد أو كان القديم مشتملًا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالمنزول عنه ويبقى القديم عند صاحب الأصل فإن أحضره إليه تعلل بشيء آخر واحتج بشبهة أخرى فإذا لم يبق له شبهة طالبه بحلوانها عن مقدار إيرادها ثلاث سنوات وإلا فخمس سنوات وذلك خلاف المصاريف فضج الناس واستغاثوا بشريف أفندي دفتردار فعزل عبد الله أفندي رامز المذكور عن ذلك وقيد أحد كتابه الإعلامات وقرر على كل فدان عشرة أنصاف فضة فما دونها يرسمها في السند الجديد وجعلها مال حماية وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة في تأكيد الأحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع في الإقليم المصري فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم ويعلم عليها الدفتردار فقط وأما الصورة القديمة فكانت تكتب في كاغد كبير بخط عربي مجرد وعليها طرة بداخلها اسم والي مصر وممهورة بختمه الكبير وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة أخرى تسمى التذكرة مستطيلة على صورة التقسيط الفرمة ممهورة أيضًا وعليها العلامة والختم وهي متضمنة ما في الكبيرة وعلى ذلك كان استمرار الحال في هذا الأوان من قرون خلت ومدد مضت‏.‏

وفيه أيضًا حرروا دفتر الإقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشارقي وأضافوا إليه طين الأوسية والرزق وكتبوا بذلك مناشير وأخرج المباشرون كشوفاتها بأسماء الملتزمين فضج الناس واجتمعوا إلى مشايخ الأزهر وتشكوا فوعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت‏.‏

وفيه قبض آغات التبديل على شخص من أهل العلم من أقارب السيد حسن البقلي وحبسه فأرسل المشايخ يترجون في إطلاقه فلم يفعل وأرسله إلى القلعة‏.‏

وفيه سعى محمد أفندي طبل ناظر المهمات لصديقه السيد سلامة النجاري عند الباشا في العام ووظيفة وسبب ذلك أن المذكور أرسل جملة طاقات من الأقمشة الهندية الغريبة المقصبة وغيرها وحصانًا من أعظم خيول المصريين كان اشتراه منهم هدية إلى محمد أفندي المذكور فاقتضت مروءته أنه أخذها وقدمها للباشا وقال له أن السيد سلامة أحضر هذه الهدية لأفندينا شكرًا لأنعامه السابق عليه فقبلها الباشا وأنعم عليه بعشرة أكياس وأمر محمد أفندي بأن يجعله في وظيفة معه‏.‏

وفيه أيضًا شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين بأنواع الأقمشة وباعة النعالات التي هي الصرم والبلغ وجعلوا عليها ختمية فلا يباع منها شيء حتى يعلم بيد الملتزم ويختم وعلى وضع الختم والعلامة قدر مقدر بحسب تلك البضاعة وثمنها فزاد الضجيج واللغط في الناس‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره حضر المشايخ بالأزهر على عادتهم لقراءة الدروس فحضر الكثير من النساء والعامة وأهل المسجون وهم يرخون ويستغيثون وأبطلوا الدروس واجتمع المشايخ بالقبلة وأرسلوا إلى السيد عمر النقيب فحضر إليهم وجلس معهم ثم قاموا وذهبوا إلى بيوتهم ثم اجتمعوا في ثاني يوم وكتبوا عرضحال إلى الباشا يذكرون فيه المحدثات من المظالم والبدع وختم الأمتعة وطلب مال الأوسية والرزق والمقاسمة في الفائظ وكذلك أخذ قريب البقلي وحبسه بلا ذنب وذلك بعد أن جلسوا مجلسًا خاصًا وتعاهدوا وتعاقدوا على الاتحاد وترك المنافرة وعند ذلك حضر ديوان أفندي وقال الباشا يسلم عليكم ويسأل عن مطلوباتكم فعرفوه بما سطروه إجمالًا وبينوه له تفصيلًا فقال ينبغي ذهابكم إليه تخاطبونه مشافهة بما تريدون وهو لا يخالف أوامركم ولا يرد شفاعتكم وإنما القصد أن تلاطفوه في الخطاب لأنه شاب مغرور جاهل وظالم غشوم ولا تقبل نفسه التحكم وربما حمله غروره على حصول ضرر بكم وعدم إنفاذ الغرض فقالوا بلسان واحد لا نذهب إليه أبدًا ما دام يفعل هذه الفعال فإن رجع عنها وامتنع عن إحداث البدع والمظالم عن خلق الله رجعنا إليه وترددنا عليه كما كنا في السابق فإننا بايعناه على العدل لا على الظلم والجور فقال لهم ديوان أفندي وأنا قصدي أن تخاطبوه مشافهة ويحصل إنفاذ الغرض فقالوا لا نجتمع عليه أبدًا ولا نثير فتنة بل نلزم بيوتنا ونقتصر على حالنا ونصبر على تقدير الله بنا وبغيرنا وأخذ ديوان أفندي العرضحال ووعدهم برد الجواب ثم بعد رجوعه أطلقوا قريب لسيد حسن البقلي الذي كان محبوسًا ولم يعلم ذلك ثم انتظروا عودة ديوان أفندي فأبطأ عليهم وتأخر عوده إلى خامس يوم بعد الجمعية فاجتمع الشيخ المهدي والشيخ الدواخلي عند محمد أفندي طبل ناظر المهمات وثلاثتهم في نفسهم للسيد عمر ما فيها وتناجوا مع بعضهم ثم انتقلوا في عصريتها وتفرقوا وحضر المهدي والدواخلي إلى السيد عمر وأخبراه أن محمد أفندي ذكر لهم أن الباشا لم يطلب مال الأوسية ولا الروق وقد كذب من نقل ذلك وقال أنه يقول إني لا أخالف أوامر المشايخ وعند اجتماعهم ومواجهته يحصل كل المراد فقال السيد عمر أما إنكاره طلب مال الرزق والأوسية فها هي أوراق من أوراق المباشرية عندي لبعض الملتزمين مشتملة على الفرضة ونصف الفائظ ومال الأوسية والرزق وأما الذهاب إليه فلا أذهب إليه أبدًا وإن كنتم تنقضون الأيمان والعهد الذي وقع بيننا فالرأي لكم ثم انفض المجلس وأخذ الباشا يدبر في تفريق جمعهم وخذلان السيد عمر لما في نفسه من عدم إنفاذ أغراضه ومعارضته له في غالب الأمور ويخشى صولته ويعلم أن الرعية والعامة تحت أمره إن شاء جمعهم وإن شاء فرقهم وهو الذي قام بنصره وساعده وأعانه وجمع الخاصة والعامة حتى ملكه الإقليم ويرى إن شاء فعل بنقيض ذلك فطفق يجمع إليه بعض أفراد من أصحابه المظهر ويختلي معه ويضحك إليه فيغتر بذلك ويرى أنه صار من المقربين وسيكون له شأن إن وافق ونصح فيفرغ له جراب حقده ويرشده بقدر اجتهاده لما فيه من المعاونة ثم في ليلتها حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان وحضر المهدي والدواخلي الجميع عند السيد عمر وطال بينهم الكلام والمعالجة في طلوعهم ومقابلتهم الباشا ورقرق لذلك كل من المهدي والدواخلي والسيد عمر مصمم على الامتناع ثم قالوا لابد من كون الشيخ الأمير معنا ولا نذهب بدونه فاعتذر الشيخ الأمير بأنه متوعك ثم قام المهدي والدواخلي وخرجا صحبة ديوان أفندي والترجمان وطلعوا إلى القلعة وتقابلوا مع الباشا ودار بينهم كلام وقال في كلامه أنا لا أرد شفاعتكم ولا أقطع رجاءكم والواجب عليكم إذا رأيتم مني انحرافًا أن تنصحوني وترشدوني ثم أخذ يلوم على السيد عمر في تخلفه وتعنته ويثني على البواقي وفي كل وقت يعاندني ويبطل في أحكامي ويخوفني بقيام الجمهور فقال الشيخ المهدي هو ليس إلا بنا وإذا خلا عنا فلا يسوى بشيء إن هو إلا صاحب حرفة أو جابي وقف يجمع الإيراد ويصرفه على المستحقين فعند ذلك تبين قصد الباشا لهم ووافق ذلك ما في نفوسهم من الحقد للسيد عمر والشيخ الدواخلي حضوره نيابة عن الشيخ الشرقاوي وعن نفسه ثم تناجوا معه حصة وقاموا منصرفين مذبذبين ومظهرين خلاف ما هو كامن في نفوسهم من الحقد وحظوظ النفس غير مفكرين في العواقب وحضروا عند السيد عمر وهو ممتلئ بالغيظ مما حصل من الشذوذ ونقض العهد فأخبروه بأن الباشا لم يحصل منه خلاف وقال أنا لا أرد شفاعتكم ولكن نفسي لا تقبل التحكم والواجب عليكم إذا رأيتموني فعلت شيئًا مخالفًا أن تصحوني وتشفعوا فأنا لا أردكم ولا أمتنع من قبول نصحكم وأما ما تفعلونه من التشنيع والاجتماع بالأزهر فهذا لا يناسب منكم وكأنكم تخوفوني بهذا الاجتماع وتهيج الشرور وقيام الرعية كما كنتم تفعلون في زمان المماليك فأنا لا أفزع من ذلك وإن حصل من الرعية أمر ما فليس عندي إلا السيف والانتقام فقلنا له هذا لا يكون ونحن لا نحب ثوران الفتن وإنما اجتماعنا لأجل قراءة البخاري وندعو الله برفع الكرب ثم قال أريد أن تخبروني عمن أنتبذ لهذا الأمر ومن ابتدأ بالخلف فغالطناه وأنه وعدنا بإبطال الدمغة وتضعيف الفائظ إلى الربع بعد النصف وأنكر الطلب بالأوسية والرزق من إقليم البحيرة ثم قاموا منصرفين وانفتح بينهم باب النفاق واستمر القال والقيل وكل حريص على حظ نفسه وزيادة شهرته وسمعته ومظهر خلاف ما في ضميره‏.‏

فيه حضر ديوان أفندي وعبد الله بكتاش الترجمان واجتمع المشايخ ببيت السيد عمر وتكلموا في شأن الطلوع إلى الباشا ومقابلته فحلف السيد عمر أنه لا يطلع إليه ولا يجتمع به ولا يرى له وجهًا إلا إذا أبطل هذه الأحدوثات وقال أن جميع الناس يتهموني معه ويزعمون أنه لا يتجارأ على شيء يفعله إلا باتفاقي معه ويكفي ما مضى ومهما تقادم يتزايد الظلم والجور وتكلم كلامًا كثيرًا فلما لم يجبهم إلى الذهاب وقالوا إذا يطلع المشايخ وأرسلوا الشيخ الأمير فاعتذر بأنه متوعك الجسم ولا يقدر على الحركة ولا الركوب ثم اتفقوا على طلوع الشيخ عبد الله الشرقاوي والمهدي والدواخلي والفيومي وذلك على خلاف غرض السيد عمر وقد ظن أنهم يمتنعون لامتناعه للعهد السابق والأيمان فلما طلعوا إلى الباشا وتكلموا معه وقد فهم كل منهم لغة الآخر الباطنية ثم ذاكروه في أمر المحدثات فأخبرهم أنه يرفع بدعة الدمغة وكذلك يرفع الطلب عن الأطيان الأوسية وتقرير ربع الفائظ وقاموا على ذلك ونزلوا إلى بيت السيد عمر وأخبروه بما حصل فقال وأعجبكم ذلك قالوا ثلاث قال‏:‏ إنه أرسل يخبرني بتقرير ربع المال الفائظ فلم أرض وأبيت إلا رفع ذلك بالكلية فإنه في العام السابق لما حصل إحداث الربع قلت له هذه تصير سنة متبعة فحلف أنها اثنين قوله قالوا‏:‏ قال إلخ‏.‏

وهكذا في جميع النسخ التي معنا ولعله قالوا لا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الأصل لا تكون بعد هذا العام ولعله قالوا أو نعم أو نحو ذلك كذا بهامش الأصل لا تكون بعد هذا العام وذلك لضرورة النفقة وإن طلبها في المستقبل يكون ملعونًا ومطرودًا من رحمة الله وعاهدني على ذلك وهذا في علمكم كما لا يخفاكم قالوا نعم وأما قوله أنه رفع الطلب عن الأوسية والرزق فلا أصل لذلك وها هي أوراق البحيرة وجهوا بها الطلب فقالوا إننا ذكرنا له ذلك فأنكر وكابرناه بأوراق الطلب فقال أن السبب في طلب ذلك من إقليم البحيرة خاصة وأن الكشافين لما نزلوا للكشف على أراضي الري والشراقي ليقرروا عليها فرضة الأطيان حصل منهم الخيانة والتدليس فإذا كان في أرض البلدة خمسمائة فدان ري قالوا عليها مائة وسموا الباقي رزقًا وأوسية فقررت ذلك عقوبة لهم في نظيرته لبسهم وخيانتهم فقال السيد عمر وهل ذلك أمر واجب فعله أليس هو مجرد جور وظلم أحدثه في العام الماضي وهي فرضة الأطيان التي ادعى لزومها لإتمام العلوفة وحلف أنه لا يعود لمثلها فقد عاد وزاد وأنتم توافقونه وتسايرونه ولا تصدونه ولا تصدعونه بكلمة وأنا الذي صرت وحدي مخالف وشاذًا ووجه عليهم اللوم في نقضهم العهد والأيمان وانفض المجلس وتفرقت الآراء وراج سوق النفاق وتحركت حفائظ الحقد والحسد وكثر سعيهم وتناجيهم بالليل والنهار والباشا يراسل السيد عمر ويطلبه للحضور إليه والاجتماع به ويعده بإنجاز ما يشير عليه به وأرسل إليه كتخدا ليترفق به وذكر له أن الباشا يرتب له كيسًا في كل يوم ويعطيه في هذا الحين ثلاثمائة كيس خلاف ذلك فلم يقبل ولم يزل الباشا متعلق الخاطر بسببه ويتجسس ويتفحص عن أحواله وعلى من يتردد عليه من كبار العسكر وربما أغرى بهب عض الكبار فراسلوه سرًا وأظهروا له كراهيتهم للباشا وأنه إن انتبذ لمفاقمته ساعدوه وقاموا بنصرته عليه فلم يخف على السيد عمر مكرم ولم يزل مصممًا وممتنعًا عن الاجتماع به والامتثال إليه ويسخط عليه والمترددون أيضًا ينقلون ويحرفون بحسب الأغراض والأهواء واتفق في أثناء ذلك أن الباشا أمر بكتابة عرضحال بسبب المطلوب وزير الدولة وهي الأربعة آلاف كيس ويذكر فيه أنها صرفت في المهمات منها ما صرف في سد ترعة الفرعونية ومبلغه ثمانمائة كيس وعلى تجاريد العساكر لمحاربة الأمراء المصرية حتى دخلوا في الطاعة كذلك مبلغًا عظيمًا وما صرف في عمارة القلعة والمجرأة التي تنقل المياه إليها مبلغًا أيضًا وكذلك في حفر الخلجان والترع ونقص المال الميري بسبب شراقي البلاد ونحو ذلك وأرسله إلى السيد عمر ليضع خطه وختمه عليه فامتنع وقال أما ما صرفه على سد الترعة فإن الذي جمعه وجباه من البلاد يزيد على ما صرفه أضعافًا كثيرة أما غير ذلك فكله كذب لا أصل له وإن وجد من يحاسبه على ما أخذ من القطر المصري من الفرض والمظالم لما وسعته الدفاتر فلما ردوا عليه وأخبروه بذلك الكلام حنق واغتاظ في نفسه وطلبه للاجتماع به فامتنع فلما أكثر من التراسل قال إن كان ولا بد فأجتمع معه في بيت السادات وأما طلوعي إليه فلا يكون فلما قيل له في ذلك ازداد ولما أصبح يوم الأربعاء سابع عشرينه ركب الباشا وحضر إلى بيت ولده إبراهيم بك الدفتردار وطلب القاضي والمشايخ المذكورين وأرسل السيد عمر رسولًا من طرفه ورسولًا من طرف القاضي للحضور ليتحاقق ويتشارع معه فرجعا وأخبرا بأنه شرب دواء ولا يمكنه الحضور في هذا اليوم وكان قد أحضر شيخ السادات الوفائية والشيخ الشرقاوي فعند ذلك أحضر الباشا خلعة وألبسها لشيخ السادات على نقابة الأشراف وأمر بكتابة فرمان بخروج السيد عمر ونفيه من مصر يوم تاريخه فتشفع المشايخ في إمهاله ثلاثة أيام حتى يقضي أشغاله فأجاب إلى ذلك ثم سألوه في أن يذهب إلى بلده أسيوط فقال لا يذهب إلى أسيوط ويذهب إما إلى سكندرية أو دمياط فلما ورد الخبر على السيد عمر بذلك قال أما منصب النقابة فإني راغب عنه وزاهد فيه وليس فيه إلا التعب وأما النفي فهو غاية مطلوبي وأرتاح من هذه الورطة ولكن أريد أن يكون في بلدة لم تكن تحت حكمه إذا لم يأذن لي في الذهاب إلى أسيوط فليأذن لي في الذهاب إلى الطور أو إلى ورثه فعرفوا الباشا فلم يرض إلا بذهابه إلى دمياط ثم أن السيد عمر أمر باشجاويش أن يأخذ الجاويشية ويذهب بهم إلى بيت السادات وأخذ في أسباب السفر‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه الموافق لخامس مسرى القبطي أوفى النيل المبارك ونوجي بالوفاء تلك الليلة وخرج الناس لأجل الفرجة والضيافات في الدور المطلة على الخليج فلما كان آخر النهار برزت الأوامر بتأخير الموسم لليلة السبت بالروضة فبرد طعام أهل الولائم والضيافات وتضاعفت كلفهم ومصاريفهم وحصلت الجمعية ليلة السبت بالروضة وعند قنظرة السد وعملوا الحراقات والشنك وحضر الباشا وأكابر دولته والقاضي وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج وانفض الجمع‏.‏

وفي ذلك اليوم اعتنى السيد محمد المحروقي بأمر السيد عمر وذهب إلى الباشا وكلمه وأخبره بأنه أقامه وكيلًا على أولاده وبيته وتعلقاته فأجازه بذلك وقال هو آمن من كل شيء وأنا لم أزل أراعي خاطره ولا أفوته ثم أرسل السيد المحروقي فحضر بن ابنه السيد عمر فقابل به الباشا وطمن خاطره ولكن قال لابد من سفره إلى دمياط وعندما طلب السيد المحروقي الغلام إلى الباشا أشيع في الناس وقوع الرضا وتناقل الناس ذلك وفرح أهل منزله وزغرطوا وسروا واستمروا على ذلك حتى رجع الغلام وبين أنه لا شيء فانقلب الفرح بالترح وتعين بالسفر صحبة السيد عمر كتخدا الأفي إلى دمياط‏.‏ واستهل

شهر رجب بيوم الأحد سنة 1224

فيه اجتمع المودعون للسيد عمر ثم حضر محم كتخدا المذكور فعند وصوله قام السيد عمر وركب في الحال وخرج صحبته وشيعه الكثير من المتعممين وغيرهم وهم يتباكون حوله حزنًا على فراقه وكذلك اغتم الناس على سفره وخروجه من مصر لأنه كان ركنًا ولجًا مقصدًا للناس ولتعصبه على نصرة الحق فسار إلى بولاق ونزل في المركب وسافر في ليلته بأتباعه وخدمه الذين يحتاج إليهم إلى دمياط‏.‏

وفي ذبح ذلك اليوم حضر الشيخ المهدي عند الباشا وطلب وظائف السيد عمر فأنعم عليه الباشا بنظر أوقاف الإمام الشافعي ونظر وقف سنان باشا ببولاق وحاسب على المنكسر له من الغلال مدة أربع سنوات فأمر يدفعها له من خزينته نقدًا وقدرها خمسة وعشرون كيسًا وذلك في نظير اجتهاده في خيانة السيد عمر حتى أوقعوا به ما ذكر‏.‏

وفيه تقيد الخواجا محمود حسن بزوجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية فعمرها على وضعها القديم وقد كان آل إلى الخراب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خلع الباشا على ثلاثة من الأجناد المصرية المنسوبين لسليمان بك البواب وقلدهم صناجق وأمراء الوقت وضم إليهم عساكر أتراك وأرنؤد ليسافر الجميع إلى الجهة القبلية بسبب عصيان الأمراء المرادية وتوقفهم عن دفع المال والغلال وكذلك عين للسفر أيضًا أحمد آغا لاظ وصالح قوج وبونابارته وحسن باشا وعابدين بك فارتجت البلد وطلبوا المراكب فتعطل المسافرون إلى الجهة القبلية والبحرية وكذلك امتنع مجيء الواصلين بالغلال والبضائع خوفًا من التسخير وقد كان حصل بعض الاطمئنان وسلوك الطريق القبلية ووصول المراكب بالغلال والمجلوبات‏.‏

وفي عاشره سافر أحمد آغا لاظ وصالح قوج وخرجوا بعساكرهم ونزلوا في المراكب وذهبوا إلى قبلي‏.‏

وفيه حضر محمد كتخدا الألفي من دمياط راجعًا من تشييع السيد عمر ووصوله إلى دمياط واستقراره بها‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشره سافر من كان متأخرًا إلى الجهة القبلية ولم يبق منهم أحد‏.‏

وفي ثالث عشرينه نادى منادي المعمار على أرباب الأشغال في العمائر من البنائين والحجارين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنًا من كان وأن يجتمع الجميع في عمارة الباشا بناحية الجبل‏.‏

وفي تاسع عشرينه وردت أخبار عن التجريدة أزعجت الباشا فاهتم اهتمامًا عظيمًا وقصد الذهاب بنفسه ونبه على جميع كبراء العساكر بالخروج وأن لا يتخلف منهم أحد حتى أولاده إبراهيم بك الدفتردار وطوسون بك وأنه هو المتقدم عنهم في الخروج في يوم الخميس واستعجل التشهيل والطلب وأمر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفية والغربية والشرقية والقليوبية وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة‏.‏

وفيه تقلد حسن آغا الشماشرجي كشوفية المنوفية وأرخى لحيته على ذلك‏.‏

استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1224 فيه نمق مشايخ الوقت عرضحال في حق السيد عمر بأمر الباشا ليرسله صحبة السلحدار وذكروا فيه سبب عزله ونفيه عن مصر وعدوا له مثالب ومعايب وجنحًا وذنوبًا منها أنه أدخل في دفتر الأشراف أسماء أشخاص ممن أسلم من القبط واليهود ومنها أنه أخذ من الألفي في السابق مبلغًا من المال ليملكه مصر في أيام فتنة أحمد باشا خورشيد ومنها أنه كاتب الأمراء المصريين أيضًا في وقت الفتنة حين كانوا بالقرب من مصر ليحضروا على حين غفلة في يوم قطع الخليج وحصل لهم ما حصل ونصر الله عليهم حضرة الباشا ومنها أنه أراد إيقاع الفتن في العساكر لينقض دولة الباشا ويولي خلافه ويجمع عليه طوائف المخاربة والصعائدة وأخلاط العوام وغير ذلك وذلك على حد من أعان ظالمًا سلط عليه وكتبوا عليه أسماء المشايخ وذهبوا به إليهم ليضعوا ختومهم عليه فامتنع البعض من ذلك وقال هذا كلام لا أصل له ووقع بينهم محاججات ولا الأعاظم الممتنعين على الامتناع وقالوا لهم أنتم لستم بأروع منا وأثبت لنفسه ورعًا وحصل بينهم منافسات ومخالفات ومقابحات ثم غيروا صورة العرضحال بأقل من التحامل الأول وكتب عليه بعض الممتنعين وكان من الممتنعين أولًا وآخرًا السيد عمر الطحطاوي الحنفي فزادوا في التحامل عليه وخصوصًا شيخ السادات والشيخ الأمير وخلافهما واتفق أنه دعي في وليمة عند الشيخ الشنواني بحارة خوشقدم وتأخر في حضوره عنهم فصادفهم حال دخوله إلى المجلس وهم خارجون فسلم عليهم ولم يصافحهم لما سبق منهم في حقه من الإيذاء فتطاول عليه ابن الشيخ الأمير ورفع صوته بتوبيخه وشتمه لكونه لم يقبل يد والده ويقول له في جملة كلامه أبيس هو إلا قليل الأدب والحياء ثالث طبقة للشيخ الوالد ونحو ذلك‏.‏

وفي ثالثه سافر الباشا إلى الجهة القبلية وتبعه العساكر‏.‏

وفي منتصفه خرجت الدلاة والأرنؤد وباقي الأجناد والعسكر وأقام الباشا كتخدا بك قائم مقامه وأقام بالقلعة‏.‏

وفيه اتفق الأشياخ والمتصدرون على عزل السيد أحمد الطحطاوي من إفتاء الحنفية وأحضروا الشيخ حسين المنصوري وركبوا صحبته وطلعوا به إلى القلعة بعد أن مهدوا القضية فألبس قائمقام الشيخ حسينًا فروة ثم نزلوا ثم طاف للسلام عليهم وخلعوا هم عليه أيضًا خلعهم فلما بلغ الخبر السيد احمد الطحطاوي طوى الخلع التي كانوا ألبسوها له عندما تقلد الإفتاء بعد موت الشيخ إبراهيم الحريري في جمادى الأولى بقرب عهد وأرسلها إليهم وكان الشيخ السادات ألبسه حين ذاك فروة فلما ردها عليه احتد واغتاظ وأخذ يسبه ويذكر لجلسائه جرمه ويقول انظروا إلى هذا الخبيث كأنه يجعلني مثل الكلب الذي يعود في قيئه ونحو ذلك‏.‏

وأما السيد أحمد فإنه اعتكف في داره لا يخرج منها إلا إلى الشيخونية بجواره واعتزلهم وترك الخلطة بهم وتباعد عنهم وهم يبالغون في ذمه والحط عليه لكونه لم يوافقهم في شهادة الزور والحامل لهم على ذلك كله الحظوظ النفسانية والحسد مع أن السيد عمر كان ظلًا ظليلًا عليهم وعلى أهل البلدة يدافع وبرافع عنهم وعن غيرهم ولم تقم بعد خروجه من مصر راية ولم يزالوا بعده في انحطاط وانخفاض‏.‏

وأما السيد عمر فإن الذي وقع له بعض ما يستحقه ومن أعان ظالمًا سلط عليه ولا يظلم ربك أحدًا‏.‏

وفي ثالث عشره سافر حسن باشا وعساكر الأرنؤد وتتابعوا في الخروج وتحدث الناس بروايات عن الباشا والأمراء المصريين وصلحه معهم وأن عثمان بك حسن ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الإبراهيمي وصلوا عند الباشا وقابلوه وأنه أرسل إلى إبراهيم بك الكبير ولده طوسون باشا فتلقاه وأكرمه وأرسل هو أيضًا ولده الصغير إلى الباشا فأكرمه ووصل إلى مصر بعض نساء حريمه وحريم الأمراء‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الأربعاء سنة 1224 وفي أواخره وصل طائفة من الدلاتية من ناحية الشام ودخلوا إلى مصر وهم في حالة رثة كما حضر غيرهم وصحبتهم من المخنثين المعروفين بالخولات الذين يتكلمون بالكلام المؤنث ومعهم دفوف وطنابير‏.‏

وفي أواخره حرروا دفتر الأطيان على ضريبة واحدة عن كل فدان خمسة ريالات غير البراني والخدم ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مرافعة في شيء كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة وعلا على الأعالي وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والأقصاب بقبلي وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبحر الشرقي بسبب انسداد الترعة الفرعونية بتلك الناحية ولما تمموا تحرير الدفاتر على النسق المطلوب والباشا بقبلي وأرسل بطلبها ليطلع عليها فسافر إليه بها المعلم غالي وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامه وعبد الله بكتاش الترجمان فذهبوا إليه بأسيوط وأطلعوه عليها فحتم عليها وانقضى شهر رمضان‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الخميس سنة 1224 في ثالث عشره حضر المعلم غالي وأحمد أفندي وبكتاش وغيرهم من غيبتهم وحضر أيضًا في أثرهم المعلم جرجس الجوهري وقد تقدم أنه خرج من مصر هاربًا إلى الجهة القبلية واختفى مدة ثم حضر بأمان إلى الباشا وقابله وأكرمه ولما حضر نزل في بيته الذي بحارة الونديك وفرشه له المعلم غالي وقام له بجميع لوازمه وذهب الناس مسلمهم ونصرانيهم وعالمهم وجاهلهم للسلام عليه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عشرينه وصل الباشا على حين غفلة إلى مصر في تطريده وقد وصل من أسيوط إلى ناحية مصر القديمة في ثلاثين ساعة وصحبته ابنه طوسون وبونابارته الخازندار وسليمان آغا الوكيل سابقًا لا غير فركبوا حميرًا متنكرين حتى وصلوا إلى القلعة من ناحية الجبل وطلع من باب الجبل وعند طلوعه من السفينة أمر ملاحيها أن لا يذكروا لأحد وصوله حتى يسمعوا ضرب المدافع من القلعة ثم طلع إلى سرايته ودخل إلى الحريم فلم يشعروا به إلا وهو بالحريم وعند ذلك أمر بضرب المدافع وأشيع حضوره فركب كتخدا بك وغيره مسرعين لملاقاته ثم بلغهم طلوعه إلى القلعة فرجعوا على أثره وكان الخواجا محمود حسن البزرجان خرج لملاقاته قبل وصوله بثلاثة أيام إلى ناحية الآثار وأخرج معه مطابخ وأغنامًا واستعد لقدومه استعدادًا زائدًا وذهب تعبه في الفارغ البطال ثم بعد وصول الباشا بثلاثة أيام وصلت طوائف العسكر وعظمائهم ومعهم المنهوبات من الغلال والأغنام والفحم والحطب والقلل وأنواع التمر وغير ذلك حتى أخشاب الدور وأبوابها‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل حسن باشا وطوائف الأرنؤد وصالح قوج والدلاة والترك ووصل أيضًا شاهين بك الألفي وصحبته محمد بك المنفوخ المرادي ومحمد بك الإبراهيمي وهم الذين حضروا في هذه المرة من المخالفين وقيل أن البواقي أخذوا مهلة لبعد التحضير وأما إبراهيم بك تابع الأشقر ومحمد آغا تابع مراد بك الصغير وصحبتهما عساكر فذهبا إلى ناحية السويس بسبب وصول طائفة من العربان قالوا أنها من التابعة للوهابيين حضروا وأقاموا عند بئر الماء ومنعوا السقيا منها‏.‏

فيه حضر إبراهيم بك ابن الباشا وباقي العسكر وسكنوا الدور وأزعجوا الناس أخرجوهم من مساكنهم ومنازلهم ببولاق ومصر وغيرهما واتفق أن بعض ذوي المكر من العسكر عندما أراد السفر إلى جهة قبلي أرسل لصاحب الدار التي هو غاصبها وساكن فيها فأحضره وسلمه المفتاح وهو يقول له تسلم يا أخي دارك واسكنها بارك الله فيها وسامحني وأبرئ ذمتي فربما أموت ولا أرجع ولأن الكثير منهم تولى المناصب والأمريات بالجهة القبلية وعندما يتسلم صاحب الدار داره يفرح بخلاصها ويشرع في عمارتها وإعادة ما تهدم منها فيكلف نفسه ولو بالدين ويعمرها فما هو إلا أن تمم العمارة والمرمة في مدة غيبتهم فما يشعر إلا وصاحبه داخل عليه بحصانه وجمله وخدمه فما يسع الشخص إلا الرحلة ويتركها لغريمه وقد وقع ذلك لكثير من الناس المغفلين‏.‏

وفيه وصلت أخبار بأن عمارة الفرنساوية نزلت إلى البحر وعدة مراكبهم مائتان وسبعة عشر مركبًا محاربين لا يعلم قصدهم أي جهة من الجهات وحضر ثلاثة أشخاص من الططر المعدين لتوصيل الأخبار وبيدهم مرسوم مضمونه الأمر بالتحفظ على الثغور فعند ذلك أمر الباشا بالاستعداد وخروج العساكر إلى الثغور‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه سافر جملة من العسكر إلى ناحية بحري فسافر كبير منهم ومعه جملة من وفي ليلة الاثنين ثامن عشره ركب الباشا ليلًا وخرج مسافرًا إلى السويس ليكشف قلاع القلزم وقام له بالاحتياجات من أحمال الماء والعليق والزوادة واللوازم السيد محمد المحروقي وكان خروجه ومن معه على الهجن‏.‏

وفي ليلة الأحد رابع عشرينه حضر الباشا من السويس وكان وصوله ليلًا وطلع إلى القلعة‏.‏ واستهل

شهر ذي الحجة بيوم الأحد سنة 1224

فيه شرع الباشا في إنشاء مراكب ببحر القلزم فطلب الأخشاب لصالحة لذلك وأرسل المعينين لقطع أشجار التوت والنبق من القطر المصري القبلي والبحري وغيرها من الأخشاب المجلوبة من الروم وجعل بساحل بولاق ترسخانة وورشات وجمعوا الصناع والنجارين والنشارين فيهيؤنها وتحمل أخشابًا على الجمال ويركبها الصناع بالسويس سفينة ثم يقلفونها ويبيضونها ويلقونها في البحر فعملوا أربع سفائن كبار إحداها تسمى الإبريق وخلاف ذلك أدوات لحمل السفار والبضائع‏.‏

ومن الحوادث في آخره أن امرأة ذهبت إلى عرصة الغلة بباب الشعرية واشترت حنطة ودفعت ثمنها قروشًا فما ذهبت نظروها ونقدوها فإذا هي من عمل الزغلية ثم عادت بعد أيام فاشترت الغلة ودفعت الثمن قروشًا أيضًا فذهب البائع معها إلى الصيرفي فوجدها مزغولة مثل الأولي فعلموا أنه الغريمة فقال لها الصيرفي من أين لك هذا فقالت من زوجي فقبضوا عليها وأتوا بها إلى الآغا فسألها الآغا عن زوجها فقالت هو عطار بسوق الأزهر فأخذها الآغا وحضر بها إلى بيت الشيخ الشرقاوي بعد العشاء وأحضروا زوجها وسألوه فقال أنا أخذتها من فلان تابع الشيخ الشرقاوي فانفعل الشيخ وقال إن يكن هو ابني فأنا بريء منه وطلبوه فتغيب واختفى وأخذ الآغا المرأة وزوجها وقررهما فأقر الرجل وعرف من عدة أشخاص يفعلون ذلك وفيهم من مجاوري الأزهر فلم يزل يتجسس ويتفحص ويستدل على البعض بالبعض وقبض على أشخاص ومعهم العدد والآلات وحبسهم أيضًا بالقلعة عند كتخدا بك وفر ناس من مجاوري الأزهر من مصر لما قام بهم من الوهم وف كل يوم يشاع بالتنكيل والتجريس للمقبوض عليهم وقتلهم ولم يزل الآغا يتجسس حتى جمعوا ست عشرة عدة وأرسلوها إلى بيت محمد أفندي ناظر المهمات وسألوا الحدادين عمن اصطنع هذه العدد منكم فأنكروا وجحدوا وقالوا هذا من صناعة الشام ثم كسروها وأبطلوها وطال أمر المحبوسين والتفحص عن غيرهم فكان بعض المقبوض عليهم يعرف عن غيره أو شريكه فكانت هذه الحادثة من أشنع لحوادث خصوصًا بنسبتها لخطة الأزهر فكان كل من اشترى شيئًا ودفع ثمنه للبائع قروشًا ذهب بها إلى الصيرفي لأن في ذاك الوقت لم يكن موجودًا بأيدي الناس خلافها وكانوا يقولون في ذهابهم إلى الصيرفي لربما تكون أزهرية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وانقضت السنة بحوادثها التي منها ما ذكر‏.‏

ومنها إحداث بدعة المكس على النشوق وذلك أن بعض المتصدرين من نصارى الأروام أنهى إلى كتخدا بك أمر النشوق وكثرة المستعملية له والدقاقين والباعة وأنه إذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد ويجعل عليهم مقادير ويلتزم به ويضبط رجاله وجمع ماله وإيصاله إلى الخزينة من يكون ناظرًا وقيمًا عليه كغيره من أقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك فإنه يتحصل من ذلك مال له صورة فلما سمع كتخدا بك ذلك أنهاه إلى مخدومه فأمر في الحال بكتابة فرمان بذلك واختار الذي جعلوه ناظرًا على ذلك خانًا بخطة بين الصورين ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان ومنعوهم من جلوسهم بالأسواق والخطط المتفرقة والقيم على ذلك يشتري الدخان المعد لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده لا يزيد على ذلك ولا يشتريه سواه وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولا ينقص عنه ومن وجده باع شيئًا من الدخان أو اشتراه أو سحق نشوقًا خارجًا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه قبضوا عليه وعاقبوه وغرموه مالًا وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية ومعهم من ذلك الدخان فيأتون إلى القرية ويطلبون مشايخها ويعطونهم قدرًا موزونًا ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم فيقول أهل القرية نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه وليس لنا به حاجة ولا نشتريه ولا نأخذه فقال لهم إن لم تأخذوه فهاتوا ثمنه فإن أخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزومون بدفع القدر المعين المرسوم ثم كراء طريق المعينين وكلفتهم وعليق دوابهم‏.‏

ومنها أيضًا النطرون فرقوه وفرضوه على القرى محتجين أيضًا باحتياج الحياكة والقزازين إليه لغسل غزل الكتان وبياض قماشه ونحو ذلك وأشنع من ذلك كله أنهم أرادوا فعل مثل هذا في الشراب المسكر المعروف بالعرقي وإلزام أهل القرى بأخذه ودفع ثمنه إن أخذوه أو لم يأخذوه فقيل لهم في ذلك قالوا أن شربه يقوي أبدانهم على أعمال الزرع والزراعة والحرث والكد في القطوة والنطالة والشادوف ثم بطل ذلك‏.‏

ومنها أن الباشا شرع في عمل زلاقة تجاه باب القلعة المعروف بباب الجبل موصلة إلى أعلى الجبل المقطم فجمعوا البنائين والحجارين والفعلة للعمل فأحرقوا عدة قمينات للجير بجانب العمارة وطواحين للجبس ونودي بالمدينة على البنائين والفعلة بأن لا يشتغلوا في عمارة أحد من الناس كائنًا من كان ويجتمع الجميع في عمارة الباشا بالقلعة والجبل إلى أن كمل عملها في السنة التالية طريقًا واسعًا منحدرًا من الأعلى إلى الأسفل ممتدًا في المسافة سهلًا في الطلوع إلى الجبل أو الانحدار منه بحيث يجوز عليه الماشي والراكب من غير مشقة ولا تعب كثير‏.‏

وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات العلامة المفيد والنحرير الفريد النبيه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد الحريري الحنفي مفتي مذهب السادات الحنفية كوالده تفقه على والده وحضر في المعقولات على أشياخ الوقت كالبيلي والدردير والصبان وغيرهم وأنجب وتمهمر وصارت فيه ملكة جيدة واستحضار للفروع الفقهية ولما مات والده في شهر رجب سنة عشرين ومائتين وألف تقلد منصب والده في الإفتاء وكان لها أهلًا في التحري والمراجعة في المسائل المشكلة والعفة والصيانة والديانة والتباعد من الأمور المخلة بالمروءة مواظبًا لوظائفه ودروسه ملازمًا لداره إلا ما دعته الضرورة إليه من المواساة وحضور المجالس مع أرباب المظاهر وكان مبتلى بضعف البصر وبآخرته اعتراه داء الباسور وقاسى منه شدة وانقطع بسببه عن الخروج من داره ووصف له حكيم بدمياط فسافر إليه لأجل ذلك وقصد تغيير الهواء وذلك بإشارة نسيبه الشيخ المهدي وقاسى أهوالًا في معالجته وقطعه بالآلة فلم ينجح ورجع إلى مصر متزايد الألم ولم يزل ملازمًا للفراش حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بمدرسة الشعبانية بحارة الدويداري ظاهر حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الجامع الأزهر وخلف ولده النجيب الأديب سيدي محمدً الملقب عبد المعطي بارك الله فيه وأعانه على وقته‏.‏

ومات الغمام العلامة والعمدة الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين الشيخ عبد المنعم ابن شيخ الإسلام الشيخ أحمد العماوي المالكي الأزهري وهو من أهل القرن الثاني عشر تفقه على الشيخ الزهار وغيره من علماء مذهبه وحضر الأشياخ المتقدمين كالدفري والحفني والصعيدي والشيخ سالم النفراوي والشيخ الصباغ السكندري والشيخ فارس وقرأ الدرس وانتفع به الطلبة ولم يزل ملازمًا على إلقاء الدروس بالأزهر على طريقة المتقدمين مع العفة والديانة والانجماع عن الناس راضيًا بحاله قانعًا بمعيشته ليس بيده من التعلقات الدنيوية سوى النظر على ضريح سيدي أبي السعود أبي الشعائر ولم يتجرأ على الفتيا مع أهليته لذلك وزيادة ولم تطمح نفسه لزخارف الدنيا وسفاسف الأمور مع التجمل في الملبس والمركب وإظهار الغنى وعدم التطلع لما في أيدي الناس ويصدع بالحق في المجالس ولا يتردد إلى بيوت الحكام والأكابر إلا في النادر بقدر الضرورة مع الأنفة والحشمة ولا يشكو ضرورة ولا حاجة ولا زمانًا ولم يزل على حالته حتى مرض أيامًا وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة عن أربع وثمانين سنة وخرجوا بجنازته من منزله الكائن بدرب الحلفاء بالقرب من باب البرقية فمروا بالجنازة على خطة الجمالية على النحاسين على الأشرفية ودخلوا من جارة الخراطين إلى الجامع الأزهر وصلي عليه في مشهد حافل ودفن على والده بتربة المجاورين وخلف من الأولاد الذكور أربعة رجال ذوي لحى صلحاء وخطهم ومات الفقيه النبيه الصالح الورع العالم المحقق الشيخ أحمد الشهير ببرغوت المالكي ومولده بالبلدة المعروفة باليهودية بالبحيرة تفقه على أشياخ العصر ومهر في الفقه والمعقول وأقرأ الدروس وانتفع به الطلبة واشتهر ذكره بينهم وشهدوا بفضله وكان على حالة حسنة منجمعًا عن الناس وراضيًا بما قسمه له مولاه منكسر النفس متواضعًا ولم يتزى بعمامة الفقهاء يمشي في حوائجه وتمرض بالزمانة مدة سنين يتعكز بعصاه ولم يقطع درسه ولا أماليه حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه وتعالى يوم الأربعاء خامس شهر صفر من السنة ودفن بتربة المجاورين رحمه الله‏.‏

ومات العمدة النحرير والنبيل الشهير الشيخ سليمان الفيومي المالكي ولد بالفيوم وحضر إلى مصر وحفظ القرآن وجاور برواق القيمة بالأزهر وكان في أول عمره يمشي خلف حمار الشيخ الصعيدي وعليه دراعة صوف وشملة صفراء ثم حضر دروسه ودروس الشيخ الدردير وغيرهما واختلط مع المنشدين وكان له صوت شجي فيذهب مع المتذكرين إلى بيوت الأعيان في الليالي فينشد الإنشادات ويقرأ الأعشار فيعجبون به ويكرمونه زيادة على غيره واختلط ببعض الأعيان الذين يقال لهم البرقوقية من ذرية السلطان برقوق وهم نظار على أوقافه فراج أمره وكثرت معارفه بالأغوات الطواشية وبهم توصل إلى نساء الأمراء والسعي في حوائجهن وقضاياهن وصار له قبول زائد عندهن وعند أزواجهن وتجمل بالملابس وركب البغال وأحدق به المحدقون وتزوج بامرأة بناحية قنطرة الأمير حسين سوكن بدارها فماتت فورثها ولما مات الشيخ محمد العقاد تعين المترجم لمشيخة رواق القيمة وبنى له محمد بك المعروف بالمبدول دارًا عظيمة بحارة عابدين واشتهر ذكره وعلا شأنه وطار صيته وسافر في بعض مقتضيات الأمراء إلى دار السلطنة وعاد إلى مصر وأقبلت عليه الهدايا من الأمراء والحريمات والأغوات والأقباط وغيرهم واعتنوا بشأنه وزوجته الست زليخا زوجة إبراهيم بك الكبير بنت عبد الله الرومي وتصرف في أوقاف أبيها ومنها عزب البر تجاه رشيد وغيرها فاشتهر بالبلاد القبلية والبحرية وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركًا بسبب التداخل في القضايا وكان كريم النفس جدًا يجود وما لديه قليل مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير والجليل والحقير وطعامه مبذول للواردين ومن أتى في منزله إلى حاجة أو زائرًا لا يمكنه الذهاب حتى يغديه أو يعشيه وإذا أتاه مسترقد ولم يجد معه أشياء اقترض وأعطاه فوق ما موله ولا يبخل بجاهه وسعيه على أحد كائنًا من كان بعوض وبدونه ومما اتفق له مرارًا أنه يركب من الصباح في حوائج الناس فلا يعود إلا بعد العشاء الأخيرة فيلاقيه آخر ذو حاجة في نصف الطريق أو آخره فينهي إليه قصته إما بشفاعة عند أمير أو خلاص مسجون أو غير ذلك فيقف له ويستمع لقصته وهو راكب فيقول له في غد نذهب إليه فإن الوقت صار ليلًا فيقول صاحب الحاجة هو في داره في هذا الوقت فيعود من طريقه مع صاحب الحاجة إلى ذلك الأمير ولو بعدت داره ويقضي حاجته ويعود بعد حصة من الليل وهذا شأنه ولا ينتظر ولا يؤمل جعالة ولا أجرة نظير سعيه فإن أتوه بشيء أخذه أو هدية قبلها قلت أو كثرت وشكرهم على ذلك فمالت إليه القلوب ووفدت إليه ذوو الحاجات من كل ناحية فلا يرد أحدًا ويستقبلهم بالبشاشة وينزلهم في داره ويطعمهم ويكرمهم ويستمرون في ضيافته حتى يقضي حوائجهم ويزودهم ويرجعون إلى أوطانهم مسرورين ومجبورين وشاكرين ثم يكافئونه بما أمكنهم من المكافآت وإذا وصلت إليه هدية وادف وصولها حضوره بالمنزل فرق منها على من بمجلسه من الحاضرين فبذلك انجذبت إليه القلوب وساد على أقرانه ومعاصريه ولما حضر حسن باشا الجزايرلي إلى مصر وارتحل الأمراء المصريون إلى الصعيد وأحاط بدورهم وطلب الأموال من نسائهم وقبض على أولادهم وجواريهم وأمهات أولادهم وأنزلهم سوق المزاد التجأ إلى المترجم الكثير من نساء الأمراء الكبار فآواهن وأجهد نفسه في السعي في حمايتهن والرفق بهن ومواساتهن مدة إقامة حسن باشا بمصر وبعدها في إمارة إسماعيل بك فلما رجع أزواجهن بعد الطاعون إلى إمارتهم ازداد قدر المترجم عندهم وقبوله ومحبته ووجاهته واشتهر عندهم بعدم قبوله الرشوة ومكارم الأخلاق والديانة والتورع فكان يدخل إلى بيت الأمير ويعبر إلى محل الحريم ويجلس معهن وينسرون بدخوله عندهن ويقولون زارنا أبونا الشيخ وشاورنا أبانا الشيخ فأشار علينا بكذا ونحو ذلك ولم يزل مع لجميع على هذه الحالة إلى أن طرقت الفرنساوية البلاد المصرية وأخرجوا منها الأمراء وخرج النساء من بيوتهن وذهبن إليه أفواجًا أفواجًا حتى امتلأت داره وما حولها من الدور بالنساء فتصدى لهن المترجم وتداخل في الفرنساوية ودافع عنهن وأقمن بداره شهورًا وأخذ أمانًا لكثير من الأجناد المصرية وأحضرهم إلى مصر وأقاموا بداره ليلًا ونهارًا وأحبه الفرنساوية أيضًا وقبلوا شفاعاته ويحضرون إلى داره ويعمل لهم الولائم وساس أموره معهم وقرروه في رؤساء الديوان الذي رتبوه لإجراء الأحكام بين المسلمين ولما نظموا أمور القرى والبلدان المصرية على النسق الذي جعلوه رتبوا على مشايخ كل بلد شيخًا ترجع أمور البلدة ومشايخها إليه وشيخ المشايخ المترجم مضافًا ذلك لمشيخة الديوان وحاكمهم الكبير فرنساوي يسمى ابريزون فازدحمت داره بمشايخ البلدان فيأتون إليه أفواجًا وله مرتب خاص خلاف مرتب الديوان واستمر معهم في وجاهته إلى أن انقضت أيامهم وسافروا إلى بلادهم وحضرت العثمانية والوزير والمترجم في عداد العلماء والمتصدرين وافر الحرمة شهير الذكر بعيد الصيت مرعي الجانب مقبول القول عند الأكابر والأصاغر ولما قتل خليل أفندي الرجائي الدفتردار وكتخدا بك في حادثة مقتل طاهر باشا التجأ إليه أخو الدفتردار وخازنداره وغيرهما وذهبوا إلى داره وأقاموا عنده فحماهم وواساهم حتى سافروا إلى بلادهم ولم يزل على حالته حتى نزل به بارد فأبطل شقه وعقد لسانه واستمر أيامًا وتوفي ليلة الأحد خامس عشر ذي الحجة وخرجوا بجنازته من بيته بحارة عابدين وصلي عليه بالأزهر في مشهد عظيم جدًا مثل مشاهد العلماء الكبار المتقدمين وربما كان جمع النساء خلفه كجمع الرجال في الكثرة ووجدوا عليه ديونًا نحو العشرة آلاف ريال سامحه أصحابها ولم يخلف من الأولاد إلا ابنتين رحمه الله وسامحه وعفا عنا وعنه آمين‏.‏

سنة خمس وعشرين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الاثنين فيه وردت الأخبار من الديار الرومية بغلبة الموسكوب واستيلائهم على ممالك كثيرة وأنه واقع بإسلامبول شدة حصر وغلاء في الأسعار وتخوف وأنهم يذيعون في الممالك بخلاف الواقع لأجل التطمين‏.‏

وفي خامسه حضر إبراهيم أفندي القابجي الذي كان توجه إلى الدولة من مدة سابقة وعلى يده مراسيم بطلب ذخيرة وغلال وعملوا لقدومه شنكًا ومدافع وطلع في موكب إلى القلعة‏.‏

وفيه رجع ديوان أفندي من ناحية قبلي وصحبته أحمد آغا شويكار فأقاما بمصر أيامًا ثم رجعا بجواب إلى الأمراء القبليين‏.‏

وفي ليلة السبت ثالث عشره حصلت زلزلة عجيبة وارتجت منها الجهات ثلاث درجات متواليات واستمرت نحو أربع دقائق فانزعج الناس منها من منامهم وصار لهم جلبة وقلقة وخرج الكثير من دورهم هاربين إلى الأزقة يريدون الخلاص إلى الفضاء مع بعده عنهم وكان ذلك في أول الساعة السابعة من الليل وأصبح الناس يتحدثون بها فيما بينهم وسقط بسببها بعض حيطان ودور قديمة وتشققت جدران وسقطت منارة بسوس ونصف منارة بأم أخنان بالمنوفية وغير ذلك لا نعلمه‏.‏

وفي عصر يوم السبت أيًا حصلت زلزلة ولكن دون الأولى فانزعج الناس منها أيضًا وهاجوا ثم سكنوا ثم كثر لغط العالم بمعاودتها فمنهم من يقول ليلة الأربعاء ومنهم من يقول خلافه وأنها تستمر طويلًا وأسندوا ذلك لبعض المنجمين ومنهم من أسنده لبعض النصارى واليهود وأن رجلًا نصرانيًا ذهب إلى الباشا وأخبره بحصول ذلك وأكد في قوله وقال له احبسني وإن لم يظهر صدقي اقتلني وأن الباشا حبسه حتى يمضي الوقت الذي عينه ليظهر صدقه من كذبه وكل ذلك من تخيلاتهم واختلافاتهم وأكاذيبهم وما يعلم الغيب إلا الله‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره أمر الباشا بالاحتياط على بيوت عظماء الأقباط كالمعلم غالي والمعلم جرجس الطويل وأخيه وفلتيوس وفرانسيسكو وعدتهم سبعة فأحضروهم في صورة منكرة وسمروا دورهم وأخذوا دفاترهم فلما حضروا بين يديه قال لهم أريد حسابكم بموجب دفاتركم هذه وأمر بحبسهم فطلبوا منه الأمان وأن يأذن لهم في خطابه فأذن لهم فخاطبه المعلم غالي وخرجوا من بين يديه إلى الحبس ثم قرر عليهم بواسطة حسين أفندي الروزنامجي سبعة آلاف كيس بعد أن كان طلب منهم ثلاثين ألف كيس‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشره شاع في الناس حصول زلزلة تلك الليلة وهي ليلة الجمعة ويكون ذلك في نصف الليل فتأهب غالب الناس للطلوع بخارج البلد فخرجوا بنسائهم وأولادهم إلى شاطئ النيل ببولاق ونواحي الشيخ قمر ووسط بركة الأزبكية وغيرها وكذلك خرج الكثير من العسكر أيضًا ونصبوا خيامًا في وسط الرميلة وقراميدان والقرافتين وقاسوا تلك الليلة من البرد ما لا يكيف ولا يوصف لأن الشمس كانت ببرج الدلو وهو وسط الشتاء ولم يحصل شيء مما أشاعوه وأذاعوه وتوهموه وتسلق العيارون والحرامية تلك الليلة على كثير من الدور والأماكن وفتشوها فلما أصبح يوم الجمعة كثر التشكي إلى الحكام من ذلك فنادوا في الأسواق بأن لا أحد يذكر أمر الزلزلة وكل من خرج لذلك من داره عوقب فانكفوا وتركوا هذا اللفظ الفارغ‏.‏

وفيه ظهر أنفار يقفون بالليل بصحن الجامع الأزهر فإذا قام إنسان لحاجته منفردًا أخذوا ما معه وأشيع ذلك فاجتهد الشيخ المهدي في الفحص والقبض على فاعل ذلك إلى أن عرفوا أشخاصهم ونسبهم وفيهم من هو من أولاد أصحاب المظاهر المتعممين فستروا أمرهم وأظهروا شخصًا من رفقائهم ليس له شهرة وأخرجوه من البلدة منفيًا ونسبوا إليه الفعال وسنكشف ستر الفاعلين فيما بعد ويفتضحون بين العالم كما يأتي خبر ذلك في سنة سبع وعشرين وكذلك أخرجوا طائفة من القوادين والنساء الفواحش سكونا بحارة الأزهر واجتمعوا في أهله حتى أن أكابر الدولة وعساكرهم بل وأهل البلد والسوقة جعلوا سمرهم وديدنهم ذكر الأزهر وأهله ونسبوا له كل رذيلة وقبيحة ويقولون هي كل موبقة تظهر منه ومن أهله وبعد أن كان منيع الشريعة والعلم صار بعكس ذلك وقد ظهر منه قبل الزغلية والآن الحرامية وأمور غير ذلك مخفية‏.‏

وفيه طلب الباشا تمهيد الطريق الموصلة من القلعة إلى الزلاقة التي أنشأها طريقًا يصعد منها إلى الجبل المقطم السابق ذكرها وأراد أن يفرض على الأخطاط والحارات رجالًا للعمل بعدد مخصوص ومن اعتذر عن الخروج والمساعدة يفرض عليه بدلًا عنه قدرًا من الدراهم يدفعها نظير البدل وأشيع هذا الأمر واستحضر الأوباش على الطبول والزمور كما كانوا يفعلون في قضية عمارة محمد باشا خسرو ثم أن الشيخ المهدي اجتمع بكتخدا بك وأدخل عليه وهمًا أن محمد باشا خسرو لما فعل ذلك لم يتم له أمر وعزل ولم تطل أيامه ونحن نطلب دوام دولتكم والأولى ترك هذا الأمر فتركوا ذلك ولم يذكروه بعد‏.‏

واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1225 فيه قلد الباشا خليل أفندي النظر على الروزنامجي وكتابه وسموه كاتب الذمة أي ذمة الميري من الإيراد والمصرف وكان ذلك عند فتح الطلب بالميري عن السنة الجيدي فلا يكتب تحويل ولا تنبيه ولا تذكرة حتى يطلعوه عليها ويكتب عليها علامته فتكدر من ذلك الروزنامجي وباقي الكتبة وهذه أول دسيسة أدخلوها في الروزنامة وابتداء فضيحتها وكشف سرها وذلك بإغراء بعض الأفندية الخاملين أنهى إليهم أن الروزنامجي ومن معه من الكتاب يوفرون لأنفسهم الكثير من الأموال الميرية ويتوسعون فيها وفي ذلك إجحاف بمال الخزينة وخليل أفندي هذا كان كاتب الخزينة عند محمد باشا خسرو ولا يفيق من الشرب‏.‏

وفيه طلب الباشا ثلاثة أشخاص من كتبة الأقباط الذين كانوا متقيدين بقياس الأراضي بالمنوفية وضربهم وحبسهم لكونه بلغه عنهم أنهم أخذوا البراطيل والرشوات على قياس طين أراضي بعض البلاد ونقصوا من القياس فيما ارتوى من الطين وهي البدعة التي حدثت على الطين الري وسموها القياسة وقد تقدم ذكرها غير مرة وحررت في هذه السنة على الكامل لكثرة النيل وعموم الماء الأراضي على أنه بقي الكثير من بلاد البحيرة وغيرها شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور واشتغال الفلاحين والملتزمين بالفرض المظالم وعجزهم عن ذلك‏.‏

وفي خامسه طلب الباشا كشاف الأقاليم وشرع في تقريري فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الأقاليم والمعلمين‏:‏ البط فقرروا على أعلاها ثمانين كيسًا والأدنى خمسة عشر كيسًا ولم يتقيد بتحرير ذلك أحد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال ولم يعطوا بالمقادير أوراقًا لملتزمي الحصص كما كانوا يفعلون قبل ذلك فإن الملتزم كان إذا بلغه تقرير فرضة تدارك أمره وذهب إلى ديوان الكتبة وأخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها وأخذ منهم مهلة بأجل معلوم وكتب على نفسه وثيقة وأبقاها عندهم ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه وإن لم يسعفوه في الدفع وحولوا عليه الكلب دفعه من عنده إن كان ذا مقدرة أو استدانه وبو بالربا ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئًا فشيئًا كل ذلك حرصًا على راحة فلاحي حصته وتأمينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم وإن لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك من كاشف الناحية وعين على الناحية الأعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم وإن تأخر الدفع تكرر الإرسال والطلب على النسق المشروح فيتضاعف الهم وربما ضاع في ذلك قدر الأصل المطلوب وزيادة عنه مرة أو مرتين والذي يقبضونه يحبسونه بالفرط وهو في كل ريال عشرة أنصاف فضة يسمونها ديواني فيقبض المباشر عن الريال تسعين نصفًا فضة ويجعل التسعين ثمانين وذلك خلاف ما يقرره في أوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة ثم يفر من بلدته إلى غيرها فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعيني من كاشف الناحية بحق طريق أيضًا فربما أداه الحال إن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار والخروج من الإقليم بالكلية وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والرومية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها وخرجوا منها وتغربوا عن أوطانهم من عظيم هول الجور وإذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحال يشكو حاله وحال بلده أو حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف وتجاسر وقدم عرضحال إلى الباشا يقال له هات التقسيط وخذ ثمن حصتك أو بدلها أو يعين له ترتيبًا بقدر فائظها على بعض الجهات الميرية من المكوس و الجمارك التي أحدثوها فإن سلم سنده وكان ممن يراعي جانبه حول إلى بعض الجهات المذكورة صورة وإلا أهمل أمره وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال القرض وقد وقع ذلك الكثير من أصحاب الذمم المتعددة انكسر عليه مقادير عظيمة فنزل عن بعضها وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة وبقي عليه الباقي يطالب به فإن حدثت فرضة أخرى قبل غلاق الباقي وقعد بها وضمت إلى الباقي وقصرت يده لعجز فلاحيه واستدان بالربا من العسكر تضاعف الحال وتوجه عليه الطلب من الجهتين فيضطر إلى خلاص نفسه وينزل عما بقي تحت يده كالأول وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديونًا وقد وقع ذلك لكثير كانوا أغنياء ذوي ثروة وأصبحوا فقراء محتاجين من حيث لا يشعرون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وفيه تحركت همم الأمراء المصريين القبليين إلى الحضور إلى ناحية مصر بعد ترداد الرسل والمكاتبات وحضور ديوان أفندي ورجوعه وحضور محمد بك المنفوخ أيضًا وكل من حضر منهم أنعم عليه الباشا وألبسه الخلع ويقدم له التقادم ويعطيه المقادير العظيمة من الأكياس وقصده الباطني صيدهم حتى أنه كان أنعم على محمد بك المنفوخ بالتزام جمرك ديوان بولاق ثم عوضه عنه ستمائة كيس وغير ذلك‏.‏

وفيه قلد الباشا نظر المهمات لصالح بن مصطفى كتخدا الرزاز ونقلوا ورشة الحدادين ومنافخهم وعددهم من بيت محمد أفندي طبل الودنلي المعروف بناظر المهمات إلى بيت صالح المذكور بناحية التبانة وكذلك العربجية وصناع الجلل والمدافع ونزعوا منه أيضًا معمل البارود وكان تحت نظره وكذلك قاعة الفضة وجمرك اللبان وغيره‏.‏

وفيه وصلت الأخبار من البلاد الرومية والشامية وغيرها بوقوع الزلزلة في الوقت الذي حصلت فيه بمصر إلا أنها كانت أعظم وأشد وأطول مدة وحصل في بلاد كريت إتلافات كثيرة وهدمت أماكن ودورًا كثيرة وهلك كثير من الناس تحت الردم وخسفت أماكن وتكسر على ساحل مالطة عدة مراكب وحصل أيضًا باللاذقية خسف وحكى الناقلون أن الأرض انشقت في جهة من اللاذقية فظهر في أسفلها أبنية انخسفت بها الأرض قبل ذلك ثم انطبقت ثانيًا‏.‏

وفيه من الحوادث ما وقع ببيت المقدس وهو أنه لما احترقت القمامة الكبرى كما تقدم ذكر حرقها في العام الماضي عرضوا إلى الدولة فبرز الأمر السلطاني بإعادة بنائها وعينوا لذلك آغا قابجي وعلى يده مرسوم شريف فحضر إلى القدس وحصل الاجتهاد في تشهيل مهمات العمارة وشرعوا في البناء على وضع أحسن من الأول وتوسعوا في مسحة جرمها وأدخلوا فيها أماكن مجاورة لها وأتقنوا البناء إتقانًا عجيبًا وجعلوا أسوارها وحيطانها بالحجر النحيت ونقلوا من رخام المسجد الأقصى فقام بمنع ذلك من جماعة من الأشراف الينكجرية وشنعوا على الآغا المعين وعلى كبار البلدة وتعصبوا حماية للدين قائلين أن الكنائس إذا خربت لا يجوز إعادتها إلا بأنقاضها ولا يجوز الاستعلاء بها ولا تشييدها ولا أخذ رخام الحرم القدسي ليوضع في الكنيسة ومانعوا في ذلك فأرسل ذلك الآغا المعين إلى يوسف باشا يعرفه عن المعارضين لأوامر الدولة فأرسل يوسف باشا طائفة من عسكره في عدة وافرة فوصلوا من طريق الغور وهو مسلك موصل إلى القدس قريب المسافة خلاف الطريق المعتاد فدهموا الجماعة المعارضين على حين غفلة وحاصروهم في دير وقتلوهم عن آخرهم وهم نيف وثلاثون نفرًا وشيدوا القمامة كما أرادوا أعظم وأضخم مما كانت عليه قبل حرقها فنسأل المولى السلامة في الدين‏.‏ واستهل

شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1225

فيه وصلت الأمراء المصريون القبالي إلى ناحية بني سويف وكثير من الأجناد إلى مصر وترددت الرسل وحضر ديوان أفندي ثم رجع ثانيًا إليهم‏.‏

وفيه أمر الباشا كتاب بعمل حساب حسنين أفندي الروزنامجي عن السنتين الماضيتين وهما سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين وذلك بإغراء البعض منهم فاستمروا في عمل الحساب أيامًا فزاد لحسين أفندي مائة وثمانون كيسًا فلم يعجب الباشا ذلك واستخونهم في عمل الحساب ثم ألزمه بدفع أربعمائة كيس وقال أنا كنت أريد منه ستمائة كيس وقد سامحته في مائتين في نظير الذي تأخر له وطلع في صبحها إلى الباشا وخلع عليه فروة باستقراره في منصبه ونزل إلى داره فلما كان بعد الغروب حضر إليه جماعة من العسكر في هيئة مزعجة ومعهم مشاعل وطلبوا الدفاتر وهم يقولون معزول معزول وأخذوا الدفاتر وذهبوا وحولوا عليه الحوالات بطلب الأربعمائة كيس فاجتهد في تحصيلها ودفعها ثم ردوا له الدفاتر ثانيًا‏.‏

وفيه حصلت كائنة أحمد أفندي المعروف باليتيم من كتاب الروزنامة وذلك أن الباشا كان ببيت الأزبكية فوصل إليه مكتوب من كاشف إقليم الدقهلية يعرفه فيه أنه قاس قطعة أرض جارية في إقطاع أحمد أفندي المذكور فوجد مساحتها خلاف القيد بدفتر المقياس الأول ومسقوط منها نحو خمسمائة فدان وذلك من فعل المذكور ومخامرته مع النصارى الكتبة والمساحين لأنهم يراعونه ويدلسون معه لأن دفاتر الروزنامة بيده فلما قرأ المكتوب أمر في الحال بالقبض على أحمد أفندي وسجنه وكان السيد محمد المحروقي حاضرًا وكذلك علي كاشف الكبير الألفي فترجيا عند الباشا وأخبراه بأن المذكور مريض بالسرطان في رجله ولا يقدر على حركتها واستأذنه السيد المحروقي بأن يأخذه إلى داره فإن داره باب من أبوابه فأجابه إلى ذلك وركب في الحال ولحق بالمعيني وكانوا قد وصلوا إليه وأزعجوه فمنعهم عنه وأخذه إلى داره وراجع الباشا في أمره فقرر عليه ثمانين كيسًا بعد أن قال أني كنت أريد أن أقول ثلاثمائة كيس فسبق لساني فقلت مائة كيس وقد تجاوزت لأجلك عن عشرين كيسًا وهو يقدر على أكثر من ذلك لأنه يفعل كذا وكذا وعدد أشياء تدل على أنه ذو غنية كبيرة منها أنه لما سافر إلى الباشا بدفتر الفرضة إلى ناحية أسيوط طلع إلى البلدة في هيئة وصحبته فرش وسحاحير وبشخانات وكرارات وفراشون وخدم وكيلارجية ومصاحبجية والحكيم والمزين فلما شاهد الباشا هيئته سأل عنه وعن منصبه فقيل له أنه جاجرت من كتبة الروزنامة فقال إذا كان جاجرت بمعنى تلميذ فكيف يكون باش جاجرت أو قلقاوات لإقليم فضلًا عن كبيرهم الروزنامجي وأي شيء ذلك وأسر ذلك في نفسه وطفق يسأل ويتجسس عن أحوالهم لأنه من طبعه الحقد والحسد والتطلع لما في أيدي الناس ولما قلد خليل أفندي كتابة الذمة في الروزنامة كما تقدم انضم إليه الكارهون للمذكور الذين كانوا خاملي الذكر بوجوده وتوصلوا إلى باب الباشا وكتخدا بك وأنهوا فيه أنه يتصرف في الأموال الميرية كما يختار وأن حسين أفندي الروزنامجي لا يخرج عن مراده وإشارته وبيته مفتوح للضيفان ويجتمع عنده في كل ليلة عدة من الفقراء يثرد لهم الثريد في القصاع ويواسي الكثير من أهل العلم وغيرهم ويتعهد بكثير من الملتزمين بالفرض التي تقرر على حصصهم ويضمها في حسابه ويصبر عليهم حتى يوفرها له في طول الزمن ونحو ذلك وكل ما ذكر دليل على سعة الحال والمقدرة وأما الذنب الذي أخذه به فإن القدر المذكور من الطين كان من الموات فاتفق المذكور مع شركائه ملتزمي الناحية وجرفوه وأحيوه وأصلحوه بعد أن كان خرسًا ومواتًا لا ينتفع به وجعلوه صالحًا للزراعة وظن أن ذلك لا يدخل في المساحة فأسقطه منها فوقع وفيه انحرف أيضًا الباشا على الخواجا محمود حسن وعزله من الجمارك والبرزجانية وأكل عليه المطلوب له وهو مبلغ ألفان وخمسون كيسًا‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم السبت سنة 1225 فيه وصلت الأخبار من البلاد الحجازية بنزول سيل عظيم حصل منه ضرر كثير وهدم دورًا كثيرة بمكة وجدة وأتلف كثيرًا م البضائع للتجار حكوا أنه هدم بمكة خاصة ستمائة دار وكان ذلك في شهر صفر‏.‏

وفيه وصل الأمراء المصريون إلى ناحية الرقق وأوائلهم وصلوا إلى دهشور وخرج إليهم الأتباع بالملاقاة من بيوتهم وأحبابهم وذهب إليهم مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وديوان أفندي ثم الباشا ثم في أثرهم طوسون ابن الباشا وقدم له إبراهيم بك تقادم وأقام بوطاقه أيامًا ثم رجعوا وكثر ترداد المراسلات والاختلافات في أمر الشروط‏.‏

وفي خامسه حضر عثمان بك يوسف وصحبته صنجق آخر فطلعا إلى القلعة وقابلا الباشا ثم رجعا وحضرا في ثاني يوم كذلك فخلع عليهما خلعًا وأعطاهما أكياسًا وأرسل إلى إبراهيم بك هدايا وإلى سليم بك المحرمجي المرادي أيضًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حادي عشره وصل الجميع إلى الجيزة ونصبوا وكطاقهم خارج الجيزة وصحبتهم عربان وهوارة كثيرة وانتزروا أن الباشا يضرب لحضورهم مدافع فلم يفعل وقال إبراهيم بك سبحان الله ما هذا الاحتقار ألم أكن أمير مصر نيفًا وأربعين سنة وتقلدت قائمقامية ولايتها ووزارتها مرارًا وبالآخرة صار من أتباعي وأعطيه خرجه من كيلاري ثم أحضر أنا وباقي الأمراء على صورة الصلح فلا يضرب لنا مدافع كما يفعل لحضور بعض الإفرنج وتأثر من ذلك وأشيع في الناس تعدية الباشا من الغد للسلام على إبراهيم بك فلم يثبت وظهر أنه لم يفعل وأصبح مبكرًا إلى شبرا وجلس في قصره وحضر إليه شاهين بك الألفي في سفينة ووقع بينهما مكالمات ورجع من عنده عائدًا إلى الجيزة منفعل الخاطر ثم أن الباشا عرض عساكره فاجتمع إليه الجميع وبدا اللغط وكثرت القلقة وعندما وصل شاهين بك إلى الجيزة أزر حريمه وأركبهن وأرسلهن إلى الفيوم ونقل متاعه وفرشه من قصر الجيزة في بقية اليوم وكسر المرايات وزجاج الشبابيك التي في مجالسه الخاصة ثم ركب في طوائفه وأتباعه وخشداشينه ومماليكه وذهب إلى عرضي إخوانه وقبيلته ونصب خيامه ووطاقه بحذائهم واجتمع بهم وتصافى معهم وقد كان حضر إليه عبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحول دماغه واتفق معه على الانضمام إليهم والخروج عن الباشا ففعل ما فعل وجعلوه رئيس الأمراء المرادية‏.‏

وفي ذلك اليوم عدى حسن باشا وصالح آغا قوج إلى بر الجيزة وذهبا إلى عرضي الأمراء وسلما عليهم وتغديا عند شاهين بك وجرى بينهما وبين إبراهيم بك كلام كثير وقال له حسن باشا أنكم وصلتم إلى هنا لتمام لصلح على الشروط التي حصلت بينكم وبين الباشا والاتفاق الذي جرى بأسيوط ويكون تمامه عند وصولكم إلى الجيزة واجتماعكم وقد حصل فقال له إبراهيم بك وما هي الشروط قال هي أن تدخلوا تحت حكمه وطاعته وهو يوليكم المناصب التي تريدونها بشرط أن تقوموا بدفع الفرض التي يقررها على النواحي والغلال الميرية والخراج وتعيين من يريده منكم صحبة العساكر الموجهة إلى البلاد الحجازية لفتح الحرمين وتكونوا معه أمراء مطيعين وهو يعطيكم الأمريات والإنعامات الجزيلة ويعمر لكم ما تريدونه من الدور والقصور التي لكم ولأتباعكم على طرفه لا يكلفكم بشيء من الأشياء وقد رأيتم وسمعتم ما فعله من الإكرام والإنعام على شاهين بك وما أعطاه من المماليك والجواري الحسان وشفاعاته عنده لا ترد وأطلق له التصرف في البر الغربي من رشيد إلى الفيوم إلى بني سويف والبهنسا مما هو تحت حكمه ويراعي بجانبه إلى الغاية فقال له إبراهيم بك نعم إنه فعل مع شاهين بك ما لا تفعله الملوك فضلًا عن الوزراء وليس ذلك لسابق معروف فهل شاهين بك معه ليستحق به ذلك بل هو لغرض سوء يكمنه في نفسه وشبكة يصطاد بها غيره فإننا سبرنا أحواله وخيانته وشاهدنا ذلك في كثير ممن خدموه ونصحوا معه حتى ملكوه هذه المملكة قال ومن هم قال أو لهم مخدومه محمد باشا خسرو ثم كتخداه وخازنداره عثمان آغا جنج الذي خامر معه وملك مع أخيه المرحوم طاهر باشا القلعة وأحرق سرايته ثم سلط الأتراك على طاهر باشا حتى قتلوه في داره وأظهر موالاتنا وصداقتنا ومساعدتنا وصبر نفسه من عسكرنا واتحد بعثمان بك البرديسي وأظهر له خلوص الصداقة والأخوة وعاهد بالإيمان حتى أغراه على علي باشا الطرابلسي وجرى ما جرى عليه من القتل ونسب ذلك إلينا ثم اشتغل معه على خيانته لأخيه الألفي وأتباعه ثم سلط علينا العساكر يطلب العلوفة وأشار على عثمان بك بطلب المال من الرعية حتى وقع لنا ما وقع وخرجنا من مصر على الصورة التي خرجنا عليها لم أحضر أحمد باشا خورشيد وولاه وزيرًا وخرج هو لمحاربتنا ثم اتضح أمره لأحمد باشا وأراد الإيقاع به فعجل العود إلى مصر وأوقع بينه وبين جنده حتى نفروا منه ونابذوه وألقى إلى السيد عمر والقاضي والمشايخ أن أحمد باشا يريد الفتك بهم فهيجوا العامة والخاصة وجرى ما جرى من الحروب وحرق الدور وبذل السيد عمر جهده في النصح معه بما يظهره له من الحب والصداقة وراجت عليه أحواله حتى تمكن أمره وبلغ مراده وأوقع به وأخرجه من مصر وغربه عن وطه ونقض العهود والمواثيق التي كانت بينه وبينه كما فعل بعمر بك وغيره وكل ذلك معلوم ومشاهد لكم ولغيركم فمن يأمن لهذا ويعقد معه صلحًا واعلم يا ولدي أننا كنا بمصر نحو العشر آلاف أو أقل أو أكثر ما بين مقدمي ألوف وأمراء وكشاف وأكابر وجاقات ومماليك وأجناد وطوائف وخدم واتباع مرفهي المعاش بأنواع الملا كل أمير مختص ومعتكف بإقطاعه مع كثرة مصارفنا في الأوقات المعهودة ولا نعرف عسكرًا ولا علوفة عسكر والقرى والبلاد مطمئنة والفلاحون ومشايخ البلاد مرتاحون في أوطانهم ومضايفهم مفتوحة للواردين والضيفان مع ما كان يلزم علينا من المصارف الميرية ومرتبات الفقراء وخزينة السلطان وصرة الحرمين والحجاج وعوائد العربان وكلف الوزراء المتولين والأغوات والقابجية المعينين وخدمهم والهدايا السلطانية وغير ذلك وأفندينا ما كفاه إيراد الإقليم وما أحدثه من الجمارك والمكوس وما قرره على القرى والبلدان من فرض المال والغلال والجمال والخيول والتعدي على الملتزمين ومقاسمتهم في فائظهم ومعاشهم وذلك خلاف مصادرات الناس والتجار في مصر وقراها والدعاوي والشكاوي والتزايد في الجمارك وما أحدثه في الضربخانة من ضرب القروش النحاس واستغراقها أموال الناس بحيث صار إيراد كل قلم من أقلام المكوس بلإيراد إقليم من الأقاليم ويبخل علينا بما نتعيش به ونحن وعيالنا ومن بقي معنا من أتباعنا ومماليكنا بل وقصده صيدنا وهلاكنا عن آخرنا فقال حسن باشا حاشا الله لم يكن ذلك ودائمًا يقول والدنا إبراهيم بك ولكن لا يخفاكم أن الله أعطاه ولاية هذا القطر وهو يؤتي الملك من يشاء ولا ترضى نفسه من يخالف عليه أو يشاركه بالقهر والاستيلاء فإذا صار الصلح ووقع الصفاء أعطاكم فوق ما مولكم فهز إبراهيم بك رأسه وقال صحيح يكون خيرًا وانفض المجلس ورجع حسن باشا وصالح قوج وعديا إلى بر مصر‏.‏

وفي تلك الليلة خرج جميع من كان بمصر من الأمراء والأجناد المصرية بخيلهم وهجنهم ومتاعهم وعدوا إلى بر الجيزة ولم يبق منهم إلا القليل واجتمعوا مع بعضهم وقسموا الأمر بينهم ثلاثة أقسام قسم للمرادية وكبيرهم شاهين بك وقسم للمحمدية وكبيرهم علي بك أيوب وقسم للإبراهيمية وكبيرهم عثمان بك حسن وكتبوا مكاتبات وأرسلوها إلى مشايخ العربان لم أقف على مضمونها‏.‏

وفي يوم الجمعة رابع عشره أوقفوا عساكر على أبواب المدينة يمنعون الخارجين من البلد حتى الخدم ومنعوا التعدية إلى البر الغربي وجمعوا المراكب والمعادي إلى البر الشرقي ونقلوا البضائع التي في مراكب التجار المعدة لسفر رشيد ودمياط المعروفة بالرواحل وأخذوها إليهم وشرعوا في التعدية بطول يوم الجمعة والسبت وعدى الباشا آخر النهار دخل إلى قصر الجيزة الذي كان به شاهين بك وكذا عدوا بالخيام والمدافع والعربات والأثقال واجتمعت طوائف العسكر من الأتراك والأرنؤد والدلاة والسجمان بالجيزة وتحققت المفاقمة والأمراء المصرية خلف السور في مقابلتهم واستمروا على ذلك إلى ثاني يوم والناس متوقعون حصول الحرب بين الفريقين ولم يحصل وانتقل المصرية وترفعوا إلى قبلي الجيزة بناحية دهشور وزنين‏.‏

وفي يوم الاثنين والثلاثاء أنفق الباشا على العسكر وكان له مدة شهور لم ينفق عليهم‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء ركب الباشا ليلًا وسافر إلى ناحية كرداسة على جرائد الخيل ورجع في ثاني ليلة وكان سبب ركوبه أنه بلغه أن طائفة من العربان مارين يريدون المصرية فأراد أن يقطع عليهم الطريق فلم يجد أحدًا وصادف نجعًا مقيمين في محطة فنهب مواشيهم ورجع تعبًا وانقطع عنه أفراد من العسكر ومات بعضهم من العطش‏.‏

وفي يوم الجمعة ارتحل المصرية وترفعوا إلى ناحية جرزا الهوى بالقرب من الرقق‏.‏

وفيه حضر مشايخ عربان أولاد علي للباشا فكساهم وخلع عليهم وألبسهم شالات كشميري عدتها ثمان شالات وأنعم عليهم بمائة وخمسين كيسًا وحضر عند المصرية عربان الهنادي ومشايخهم وانضموا إليهم‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشرينه عدى الباشا إلى بر مصر وذهب إلى بيته بالأزبكية فبات به ليلتين ثم طلع يوم الثلاثاء إلى القلعة وقد تكدر طبعه من هذه الحادثة بعد أن حصلوا بالجيزة وكاد يتم قصده فيهم وخصوصًا ما فعله شاهين بك الذي أنفق عليه ألوفًا من الأموال ذهبت وفي هذه الأيام أعني منتصف شهر بشنس القبطي زاد النيل زيادة ظاهرة أكثر من ذراع ونصف واستمر أيامًا ثم رجع إلى حاله الأول وهذا من جملة عجائب الوقت‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الأحد سنة 1225 فيه عمل الباشا ميدان رماحه بالجيزة فتقنطر به الحصان ووقع به الأرض فأقاموه وأصيب غلام من مماليكه برصاصة فمات ويقال أن الضارب لها كان قاصدًا الباشا فأخطأته وأصابت ذلك المملوك والأجل حصن‏.‏

وفيه نبهوا على العسكر بالخروج فسعوا بالجد والعجلة في قضاء أشغالهم ولوازمهم وطفقوا يخطفون حمير الناس وجمالهم ومن يصادفونه ويقدرون عليه من أهل البلد وخلافهم ويقولون في غد مسافرون وراحلون لمحاربة المصريين والمصريون أيضًا مستمرون في منزلتهم لم ينتقلوا عنها‏.‏

وفي خامسه خرج حسن باشا وبرز خيامه بناحية الآثار وخرج أيضًا محو بك بعسكره وطوائفه ومعهم بيارق وسافر جملة عساكر في المراكب ليرابطوا في البنادر فإنها خالية ليس بها أحد من المصريين وفي كل يوم يخرج عساكر ثم يرجعون إلى المدينة وهم مستديمون على خطف الدواب وحمير البطيخ وجمال السقائين والباشا يعدي إلى بر مصر في كل يومين أو ثلاثة ويطلع إلى القلعة وفي يوم الثلاثاء سابع عشره بلغ الباشا أن الأمراء المرادية والإبراهيمية وغالب المصرية لهم مراسلات ومعاملات مع السيد سلامة النجاري وأخيه وابن أخيه وأنه يرسل لهم جميع ما يلزم من أسلحة وأمتعة وخلافها بواسطة بعض عملائهم من العربان خفية وأنه اشترى جملة أسلحة وخيول وثياب وغيرها وأخذ أشياء من بيوت بعضهم لأجل أن يرسل الجميع إليهم وأن جميع ذلك موجود عند المذكور الآن ومن جملة أيام حضر رسول من عندهم بدارهم ومعه حصان نعمان بك وهو عنده أيضًا فأمر بجلبه وحبسه وهجم منزله وضبط أوراقه وضبط ما يوجد بها ففعلوا ذلك وحبسوا معه ابن أخيه وأزعجوهما وهجموا منزله فوجدوا فيه خمسة خيول وجملة أسلحة فطغوا وبغوا ونهبوا متاعه وبددوا شمل كتب أبيه ولم يجدوا مكاتبات من الأمراء القبالي ولا أثر لذلك بل أنهم وجدوا جوابًا من أخيه السيد أحمد مضمونه أننا عند وصولنا إلى مكة المشرفة اشترينا أربعة خيول نجدية بها العلامات التي أفدتمونا عنها وهي مرسلة لكم عسى أن تفوزوا بتقديمها لأفندينا ولما سئل عن الأسلحة والخيول التي عنده قال‏:‏ أن السلاح عندنا من قديم وله مدد ورؤيته تدل على ذلك وأما الخيول فمنها أربعة أحضرتها هدية لأفندينا وجاءت ضعيفة فأبقيتها عندي حتى تتقوى وأقدمها إليه والحصان الخامس اشتريته لنفسي من رجل عميلنا اسمه عطوان أحمد من أهالي كفر حكيم أخبرني أنه اشتراه من ناحية صول ولما رأيت فيه علامات الجودة وجاءت الأربعة خيول تركت ركوبه وأبقيته معها حتى أقدم الجميع لأفندينا فعند ذلك توجه محمد أفندي طبل للباشا وفهمه براءة ذمة المذكور وأخبره بما صار وما وجدوه وما قاله المذكور وسعى في إزالة هذه التهمة عنه وعرفه أن هذا الرجل مستقيم الأحوال وأنه من وقت توظيفه معه لم ينظر عليه ما يخالف وصدق عليه الحاضرون فلما ظهر للباشا كذب التهمة وتحقق براءته وأنه أحضر هذه الخيول هدية له أمر بإطلاقه من السجن واسترجاع ما نهبته الأعوان من منزله وتخلق عليهم بسبب ذلك ثم أمر بإحضاره وإحضار الخيول المهداة له فقبلها منه ثم سأله عن علامات الجودة وما يحمد في الخيل وما يذم فيها فأجابه بأجوبة مفيدة استحسنها فأنعم عليه وضاعف مرتبه وأحال عليه نظر مشتري الخيول‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بأن حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك وعساكر الأرنؤد وصلوا إلى ناحية صول والبرنبل فوجدوا المصريين جعلوا متاريس ومدافع على البر ليمنعوا مرور المراكب فحاربوهم حتى أجلوهم عنها وملكوا المتاريس وقتل رجل من الأجناد وهو الذي كان محافظًا على المتاريس يقال له إبراهيم آغا سقط به الجرف إلى البحر فأخذوه إليهم ومعه آخر وقتلوهما وقطعوا رؤوسهما وأرسلوهما صحبة المبشرين إلى الباشا فعلقوا الرأسين بباب زويلة ولما بلغ الأمراء المصريين أخذ المتاريس وتأهبوا وساروا من أول الليل وهي ليلة السبت رابع عشره مكمنين وكاتمين أمرهم فدهموا الأرنؤد من كل ناحية فوقع بينهم مقتلة عظيمة وأخذوا منهم عدة بالحياة وأخذوا منهم أشياء وكان حسن باشا وأخوه عابدين صعدا بمراكبهما إلى قبلي المتريس فاحترق من مراكب أخيه مركب وألقى من فيها بأنفسهم إلى البحر فمنهم من نجا ومنهم من غرق وأما مراكب حسن باشا فإنه ساعدها الريح أيضًا فسارت إلى ناحية بني سويف ثم أن المصريين عدى منهم طائفة إلى شرق اطفيح وانتقل بواقيهم راجعين إلى ناحية الجيزة قريبًا من عرضي الباشا‏.‏

وفي ليلة الخميس تاسع عشره عدى الباشا إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فلما كان الليل وصل طائفة من المصريين إلى المرابطين لخفارة عرضي الباشا واحتاطوا بهم وساقوهم إليهم فانزعج العرضي وحصل فيهم غاغة فأرسل طوسون باشا إلى أبيه فركب ونزل من القلعة في سادس ساعة من الليل وعدى إلى البر الغربي ومما سمعته أن الباشا عندما نزل المعدية وسار بها في البحر سمع واحدًا يقول لآخر قدم حتى نقتل المصريين ونبد شملهم ويكرر ذلك فأرسل الباشا مركبًا وأرسل بعض أتباعه بها لينظروا هذين الشخصين ولأي شيء نزلا البحر في هذا الوقت فلما ذهبوا إلى الجهة التي سمعه منها الصوت لم يجدوا أحدًا وتفحصوا عنهما فلم يجدوهما فاعتقد من له اعتقاد منهم أنهما من الأولياء وأن الباشا مساعد بأهل الباطن‏.‏

وفي عشرينه ظهر التفاشل بين الأمراء المصريين وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقي هم ثلاثة أمراء من الألفية وهم نعمان بك وأمين بك ويحيى بك وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا وأميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور إليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم يتحكم فيهم وفي طوائف العربان وأهالي البلاد والفلاحين بما يريد وكذلك أموال المعادي بناحية الأخصاص وأنبابة والخبيري وغير ذلك وهو شيء له قدر كبير وزاد فيهم أيضًا أضعاف المعتاد فيأخذ جميع ذلك ويختص به وذلك خلاف أنعامات الباشا عليه بالمئتين من الأكياس ويشتري المماليك والجواري الحسان ولا يدفع لهم ثمنًا فيشكون إلى الباشا فيدفعه إلى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر وإخوانه يتأثرون لذلك وتأخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم إلا النزر مع المن والتضجر وفيهم من هو أقدم منه هجرة ويرى في نفسه أنه أحق بالتقدم منه لما دنت وفاة أستاذهم أحضر شاهين بك وسلمه خزينته وأوصاه بأن يعطي لكل أمير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص ولم يعطهم وطفق كلما أعطاهم شيئًا حسبه عليهم من الوصية حتى إذا أعطى اليلك والبنش لنعمان بك مثلًا يعطيه له أنقص من بنش أمين بك نصف ذراع ويقول هو قصير القامة ونحو ذلك فيحقدون ذلك عليه ويتشكون من خسته وتقصيره في حقهم ويعلم الباشا ذلك فلما نقض شاهين بك عهده وانضم إلى المخالفين وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي راسلهم الباشا سرًا ووعدهم ومناهم بأنهم إذا حضروا إليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم أنزلهم منزلة شاهين بك وزيادة واختص بهم اختصاصًا كبيرًا فمالت نفوسهم لذلك القول واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته وأنهم إذا رجعوا إليه هذه المرة ونبذوا المخالفين اعتقد صداقتهم وخلوصهم وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده وتذكروا عند ذلك ما كانوا فيه أقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة والرفاهية والفرش الوطيئة وتحركت غلمتهم للنساء والسرارى التي أنعم عليهم الباشا وقالوا مالنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والجروب والإلقاء بنفوسنا في المهالك وعدم الراحة في النوم واليقظة فردوا الجواب وتمنوا عليه أيضًا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح المؤاخذة والعفو الكامل بواسطة من يعتمد صدقه فاْجابهم لكل ماساْلوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المواري وهو معدود سابقًا منهم وانفصل عنهم وانتمى إلى كتخدا بك وصار من أتباعه فعند ذلك شرعوا في مناكدة أخيهم شاهين بك ومفارقته وعقدوا معه مجلسًا وقالوا له قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا به القسمة التي شرطوها فإننا شركاؤك فإن إبراهيم بك قسم مع جماعته وكذلك عثمان بك وعلي بك أيوب فقال لهم وما هو الذي ملكناه حتى أقاسمكم فيه فقالوا أنت تجحف علينا وتختص بالشيء دوننا فإنك لما اصطلحنا معك مع الباشا وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده وهو كذا وكذا دوننا ولم تشركنا معك في شيء ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعًا فنحن لا نرافقك ولا نصحبك ولا نحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة ثم انفصلوا عنه ونقلوا خيامهم إلى ناحية البحر واعتزلوه وفارقوا عرضي الجميع فلما علم بذلك إبراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أي شيء هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع وذهب إليهم ليصالحهم ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم وقال لهم إن كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف أنا أعطيكم من عندي عشرين ألف ريال أقسموها بينهم وعودوا لمضربكم معنا فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك فرجع إبراهيم بك يريد أخذ شاهين بك إليهم فامتنع من ذهابه إليهم وقال أنا لست محتاجًا إليهم وإن ذهبوا قلدت أمراء خلافهم وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعًا لي دونهم فإن هؤلاء يرون أنهم أحق مني بالرياسة والجماعة شرعوا في التعدية وانتقلوا إلى البر الشرقي وحال البحر بين الفريقين ووصل إليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوه الباشا واجتمعوا معه عند عبد الله آغا المقيم بناحية بني سويف وضرب لهم شنكًا ومدافع ثم أنهم انهزموا على الحضور إلى مصر فوصلوا في يوم الخميس خامس عشرينه وقابلوا الباشا وخلع عليهم وأعطاهم تقادم ورجعوا إلى مضربهم ناحية الآثار وصحبتهم ستة عشر من كشافهم والجميع يزيدون عن المائين واْنعم عليهم الباشا بمائتي كيس لكل كبير من الأربعة عشرون كيسًا ومائة وعشرون كيسًا لبقيتهم واشتروا دورًا واسعة وشرعوا في تغييرها وزخرفتها على طرف فاشترى اْمين بك دار عثمان كتخذا المنفوخ بدرب سعادة من عتقائه ودفع له الباشا ثمنها وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج إليه في العمارة واللوازم وحولهم بذلك على المعلم غالي ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد أربعة من أتباعه أمرياتهم وأعطاهم بيرقًا وخيولًا وضم لهم مماليك وطوائف وتمت حيلة الباشا التي أحكمها بمكره وعند ذلك أشيع في الإقليم القبلي والبحري تفرقهم وتفاشلهم ورجع من كان عازمًا من القبائل والعربان عن الانضمام إليهم وطلبوا الأمان من الباشا وحضروا إليه ودخلوا في طاعته وأنعم عليهم وكساهم وكانت أهالي البلاد عندما حصلت هذه الحادثة عصت عن دفع الفرض والمغارم وطردوا المعينين وتعطل الحال وخصوصًا عندما شاع غلبة المصريين على الأرنؤد وتفرقت عنهم العربان الذين كانوا انضموا إليهم وأطاع المخالف والعاصي والممانع وكلها أسباب لبروز المقدور والمستور في غيبه سبحانه وتعالى‏.‏

وفي أواخره حضر كثير من عسكر الدلاة من الجهة الشامية وكذلك حضر أتراك من على ظهر واستهل

شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225

في ثالثه يوم الخميس قلد الباشا ديوان أفندي نظر مهمات الحرمين والتأهب لسفر الحجاز لمحاربة الوهابية وسكن ببيت قصبة رضوان كل ذلك مع توجه الهمة والاستعداد لمحاربة الأمراء المصريين والمذكورون بناحية قنطرة اللاهون‏.‏

وأما حسن باشا وصالح قوج وعابدين بك ومن معهم فإنهم صعدوا إلى قبلي وملكوا البنادر إلى حد جرجا واستقر دبوس أوغلي بمنية ابن خصيب‏.‏

وفي يوم السبت خامسه ارتحل الباشا بعساكره من الجيزة وانتقل إلى جزيرة الذهب ونودي في المدينة بخروج العساكر المقيمين بمصر ولا يتخلف منهم أحد فزاد تعديهم وخطفهم الحمير والجمال والرجال والفلاحين وغيرهم لتسخيرهم في خدمتهم وفي المراكب عوضًا عن النوتية والملاحين الذين هربوا وتركوا سفائنهم فكانوا يقبضون على كل من يصادفونه ويحبسونهم في الحواصل ببولاق واتفق أنهم حبسوا نحو ستين نفرًا في حاصل مظلم وأغلقوه عليهم وتركوهم من غير أكل ولا شرب أيامًا حتى ماتوا عن آخرهم وانحدر قبطان بولاق وأعوانه في طلب المراكب من بحر النيل فكانوا يقبضون على المراكب الواصلة إلى مصر بالغلال والبضائع والسفار فيلقون شحنها التي لا حاجة لهم بها على شطوط الملق ويأتون بالمراكب إلى بولاق والجيزة إلا أن يعطوهم براطيل على تركهم الغلة بالمراكب حتى يصلوا بها إلى ساحل بولاق فيخرجونها منها ثم يأخذون المركب وهكذا كان دأبهم بطول هذه المدة‏.‏

وفي عاشره ارتحل الباشا من جزيرة الذهب يريد محاربة المصريين‏.‏

وفي منتصفه ورد الخبر بأن حسين بك تابع حسين بك المعروف بالوشاش الألفي أراد الهروب والمجيء إلى الباشا فقبض عليه شاهين بك وأهانه وسلب نعمته وكتفه وأركبه على جمل مغطى الرأس وأرسله إلى الواحات فاحتال وهرب وحضر إلى عرضي الباشا فأكرمه وأنعم عليه وأعطاه خمسين كيسًا واستمر عنده‏.‏

وفي خامس عشرينه وصلت الأخبار بأن الباشا ملك قناطر اللاهون وأن المصريين ارتحلوا إلى ناحية البهنسا ولم يقع بينهم كبير محاربة وأن الباشا استولى على الفيوم وأرسل الباشا هدايا لمن في سرايته ولكتخدا بك من ظرائف الفيوم مثل ماء الورد والعنب والفاكهة وغير ذلك واستولى على ما كان مودعًا للمصريين من الغلال بالفيوم‏.‏

وفي أواخره وصلت أخبار من ناحية الشام بأن طائفة من الوهابية جردوا جيشًا إلى تلك الجهة فتوجه يوسف باشا إلى المزيريب وحصن قلعتها واستعد إليهم بجيش وحاربوهم وطردوهم ثم واستهل شهر رجب بيوم الخميس سنة 1225 فيه وردت الأخبار بورود قزلا آغا من طرف الدولة وعلى يده أوامر وخلعة وسيف وخنجر لمحمد علي باشا وصحبته أيضًا مهمات وآلات مراكب ولوازم حروب لسفر البلاد الحجازية ومحاربة الوهابية وهو يسمى عيسى آغا وأنه طلع إلى ثغر سكندرية‏.‏

وفي يوم السبت عاشره الموافق لسادس مسى القبطي أوفى النيل وحصلت الجمعية وحضر كتخدا بك والقاضي وباقي الأعيان وكسر السد بحضرتهم في صبحها يوم الأحد وجرى الماء في الخليج‏.‏

وفيه وصل الآغا شبرا وعملوا له هناك شنكًا وحراقات وتعليقات قبالة القصر الذي أنشأه الباشا بساحل شبرا وخرجوا لملاقاته في صبحها بعد ثلاث ليال في يوم الثلاثاء ثالث عشره وعملوا له موكبًا عظيمًا وطلع إلى القلعة وضربوا عند طلوعه إلى القلعة مدافع وهذا الآغا أسمر اللون حبشي مخصي لطيف الذات متعاظم في نفسه قليل الكلام وفي حال مروره كان بجانبه شخصان ينثران الذهب والفضة والإسلامبولي على الناس المتفرجين وحضر صحبته وصحبة أتباعه السكة الجديدة التس ضربت بإسلامبول من الذهب والفضة وهي دراهم فضة خالصة سالمة من أغش زنة الدرهم منها درهم وزني كامل ستة عشر قيراطًا يصرف بخمسة وعشرين نصفًا من الأنصاف المعاملة العددية المستعملة في معاملة الناس الآن وكذلك قطعة مضروبة وزن درهمين بالدرهم الوزني تصرف بخمسين وكذلك قطعة مضروبة وزنها أربعة دراهم وتصرف بمائة نصف وقطعة وزنها ثمانية داهم وتصرف بمائتين وكذلك ذهب فندقلي إسلامي يصرف بأربعمائة نصف وأربعين نصفًا ونصفه وربعه‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره حضر الآغا المذكور إلى المسجد الحسيني وصلي به الجمعة وخرج وهو يفرق على الفقراء والمستجدين أرباع الفنادقة وأعطى خدمة الضريح وخدمة المسجد قروشًا إسلامبولي في صرر أقل ما في الصرة الواحدة عشرة قروش‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره عملوا ديوانًا بالقلعة وأحضروا خلعة وصلت صحبة الآغا المذكور أرسلها صحبة خازنداره وألبسوها لابن الباشا وجعلوه باشا مير ميران وابن الباشا المذكور ولد مراهق صغير يسمى إسماعيل وضربوا شنكًا ومدافع وأشيع أنه وصلت مبشرون من الجهة القبلية بنصرة الباشا على المصريين وأرسلوا بذلك أوراقًا للأعيان أخبروا فيها بوقوع الحرب بين الفريقين ليلة السبت أو يوم السبت عاشر رجب‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء عشرينه أرسلوا تنابيه إلى المشايخ بالحضور من الغد لأنفار عدوها ويكون حضورهم بالمشهد الحسيني فبات الناس في ارتياب وظنون وتخامين فلما أصبح اليوم حضر شيخ السادات وهو الناظر على أوقاف المشهد إلى قبة المدفن وحضر الشيخ البكري وأغلقوا باب القبة ومنعوا الناس من العبور بالمسجد متشوفين لثمرة هذا الاجتماع وكل من حضر من الأشياخ المشاهير استأذنوا له وأدخلوه إلى القبة وحضر الشيخ الأمير والشيخ المهدي وتأخر حضور الشيخ الشرقاوي لكونه كان ببيت في بولاق ثم حضر الآغا المذكور ودخل إلى القبة وصحبته ظرف من خشب ففتحه وأخرج منه لوحًا طوله أزيد من ذراعين في عرض ذراع ونصف مكتوب فيه البسملة بخط الثلث مموه بالذهب وهي بخط يد السلطان محمود وتحتها طرة العلامة السلطانية فعلقوه على مقصورة المقام وقرؤوا الفاتحة ودعا السيد محمد المنزلاوي خطيب المسجد بدعوات للسلطان ولما فرغ دعا أيضًا السيد بدر الدين المقدسي ثم خلع على المشايخ خلعًا وفرق ذهبًا ثم خرج الجميع وركبوا إلى دورهم فكان هذا الجمع جمع سخف لا غير‏.‏

وفي يوم الجمعة ركب الآغا المذكور وذهب إلى ضريح السادات الوفائية بالقرافة صحبة الشيخ المتولي خلافتهم فزار مقابرهم وعلق هناك نوحا أيضًا وفرق دراهم وخلع على الشيخ المذكور خلعة‏.‏

ومن الحوادث البدعية من هذا القبيل أن عثمان آغا المتولي آغات مستحفظان سولت له نفسه عمارة مشهد الرأس وهو رأس زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ويعرف هذا المشهد عند العامة بزين العابدين وبذلك اشتهر ويقصدونه بالزيارة صبح يوم الأحد فلما كانت الحوادث ومجيء الفرنسيس أهملوا ذلك وتخرب المشهد وأهيلت عليه الأتربة فاجتهد عثمان آغا المذكور في تعمير ذلك فعمره وزخرفه وبيضه وعمل به سترًا وتاجًا ليوضع على المقام وأرسل فنادى على أهل الطرق الشيطانية المعروفين بالأشاير وهم السوقة وأرباب الحرف المرذولة الذين ينسبون أنفسهم لأرباب الضرائح المشهورين كالأحمدية والرفاعية والقادرية والبرهامية ونحو ذلك وأكد في حضورهم قبل الجمع بأيام ثم أنهم اجتمعوا في يوم الأحد خامس عشرينه بأنواع من الطبول والزمامير والبيارق والأعلام والشراميط والخرق الملونة والمصبغة ولهم أنواع من الصياح والنياح والجلبة والصراخ الهائل حتى ملؤوا النواحي والأسواق وانتظموا وساروا وهم يصيحون ويترددون ويتجاوبون بالصلوات والآيات التي يحرفونها وأنواع التوسلات ومناداة أشياخهم أيضًا المنتسبين إليهم بأسمائهم كقولهم برفع الصوت وضرب الطبلات وقولهم يا هو يا هو يا جباوي ويا بدوي ويا دسوقي ويا بيومي ويصحبهم الكثير من الفقهاء والمتعممين والآغا المذكور راكب معهم والستر المصنوع مركب على أعواد وعليه العمامة مرفوعة بوسط الستر على خشب ومتحلقين حوله بالصياح والمقارع يمنعون أيدي الناس الذين يمدون أيديهم للتمسح والتبرك من الرجال والنساء والصبيان المتفرجين ويرمون الخرق والطرح حتى أنهم يرخونها من الطيقان بالحبال لتصل إلى ذلك التمثال لينالوا جزأ من بركته ولم يزالوا سائرين به على هذا النمط والخلائق تزداد كثرة حتى وصلوا إلى ذلك المشهد خارج البلدة بالقرب من كوم الجارح حيث المجراة وصنع في ذلك اليوم والليلة أطعمة وأسمطة للمجتمعين وباتوا على ذلك إلى ثاني يوم‏.‏

وفيه بعث عيسى آغا الواصل نجيب أفندي إلى الباشا يخبره بحضوره وبالغرض الذي حضر من أجله ويستدعيه للمجيء‏.‏

وفي يوم الجمعة غايته وردت أخبار بوقوع حرابة بين الباشا والمصريين وقتل بين الفريقين مقتلة عظيمة عند دلجة والبدرمان وكانت الغلبة للباشا على المصريين وأخذوا منهم أسرى وحضر إلى الباشا جماعة من الأمراء الألفية وهرب الباقون وصعدوا إلى قبلي فعملوا لذلك اليوم شنكًا ومدافع ثلاثة أيام كل يوم ثلاث مرات‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1225 فيه حضر الباشا وقت الغروب في تطريدة وصحبته جماعة قليلون وطلع من البحر من بر طرا والمعيصرة وركب من هناك خيولًا من خيول العرب وطلع إلى القلعة على حين غفلة فضربوا في ذلك الوقت مدافع إعلامًا بحضوره‏.‏

وفي ثاني ليلة صعد إليه عيسى آغا المذكور عند الغروب وقابله وسلم عليه‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالثه عمل الباشا ديوانًا وركب ذلك الآغا من بيت عثمان آغا الوكيل الكائن بدرب الجماميز في موكب وطلع إلى القلعة وقرأ المرسوم الذي وصل صحبته بالمعنى السابق وهو الأمر بالخروج إلى الحجاز ولبس الباشا الخلعة والسيف بحضرة الجمع وضربوا مدافع كثيرة عقيب ذلك‏.‏

وفيه وردت الأخبار بمجيء يوسف باشا والي الشام إلى ثغر دمياط وكان من خبر وروده على هذه الصورة أنه لما ظهر أمره وأتته ولاية الشام فأقام العدل وأبطل المظالم واستقامت أحواله وشاع أمر عدله النسبي في البلدان فنقل أمره على غيره من الولاة وأهل الدولة لمخالفته طرائقهم فقصدوا عزله وقتله فأرسلوا له ولوالي مصر أوامر بالخروج إلى الحجاز فحصل التواني وفي أثناء ذلك حضر فرقة من العربان الوهابيين وخرج إليهم يوسف باشا المذكور وحصن المزيريب كما تقدم ورجع إلى الشام وتفرقت الجموع ثم وصل عيسى آغا هذا وعلى يده مراسيم بولاية سليمان باشا على الشام وعزل يوسف باشا وأشاعوا ذلك وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا في جمع وخرج يوسف باشا بجموعه أيضًا فتحاربا فانهزم يوسف باشا ونزل بالمزة واستعجل الرجوع إلى الشام فقامت عليه عساكره ونهبوا متاعه وخرج سليمان باشا تابع الجزار من عكا وتفرقوا عنه فما وسعه إلا الفرار وترك ثقله وأمواله ونزل في مركب ومعه نحو الثلاثين نفرًا وحضر إلى مصر ملتجئًا لواليها محمد علي باشا لأن بينهما صداقة ومراسلات فلما وصلت الأخبار بوصوله أرسل إلى ملاقاته طاهر باشا وحضر صحبته إلى مصر وأنزله بمنزل مطل على بركة الأزبكية وعين له ما يكفيه وأرسل إليه هدايا وخيولًا وما يحتاج إليه‏.‏

وفي هذه الأيام اختل سد ترعة الفرعونية وانفتح منه شرم واندفع فيه الماء فضج الناس وتيعين لسدها ديوان أفندي وأخذ معه مراكب وأحجارًا وأخشابًا وغاب يومين ثم رجع واتسع الخرق واستمر عمر بك تابع الأشقر مقيمًا عليها لخفارتها وليمنع مرور المراكب ويقوي ردمها لئلا تنحرها المياه فيزداد اتساع الخرق‏.‏

وفي هذه الأيام توقفت زيادة النيل فكان يزيد من بعد الوفاة قليلًا ثم ينقص قليلًا ثم يرجع النقص وهكذا فأشار بالاجتماع بالاستسقاء بالأزهر فتجمع القليل ثم تفرقوا وذلك يوم الثلاثاء رابعه وخرج النصارى الأقباط يستسقون أيضًا واجتمعوا بالروضة وصحبتهم القساقسة والرهبان وهم راكبون الخيول والرهوانات والبغال والحمير في تجمل زائد وصحبتهم طائفة من أتباع الباشا بالعصي المفضضة وعملوا في ذلك اليوم سيانة وحانات وقهوات وأسمطة وسكردانات عند جميز العبد ويقولون أن النيل لما توقفت زيادته في العام الذي قبل العام الماضي وخرج الناس يستسقون بجامع عمرو وخرج النصارى في ثاني يوم فزاد النيل تلك الليلة وذلك لا أصل له على أنه لا استغراب للزيادة في أوانها وهذه الأيام أيضًا أواخر مسرى وأيام النسيء وفيها قوه الزيادة وأيام النوروز‏.‏

وفي يوم السبت خرج المشايخ والناس إلى جامع عمرو بمصر القديمة وأرسلوا تلك الليلة فجمعوا الأطفال من مصر وبولاق فحضر الكثير وخطبوا وصلوا وأضر بالمجتمعين الجوع في ذلك اليوم ولم يجدوا ما يأكلونه‏.‏

وفي ثاني يوم نقص النيل واستمر ينقص في كل يوم‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشره حضرت العساكر والتجريدة إلى واحي الآثار والبساتين ودخلوا في صبيحة يوم الجمعة رابع عشره بطموشهم وحملاتهم حتى ضاقت بهم الأرض وحضر صحبتهم الكثير من الأجناد المصرية وأسرى ومستأمنين‏.‏

وفيه حضر يوسف باشا المنفصل عن الشام ونزل بقصر شبرا وضربوا لحضوره مدافع ثم انتقل إلى الأزبكية وسكن هناك كما تقدم ذكره‏.‏

وفي خامس عشرينه زاد النيل ورجع ما كان انتقصه وزاد على ذلك نحو قيراطين وثبت إلى أواخر توت واطمأن الناس‏.‏

وفي غايته سافر عيسى آغا بعد ما قبض ما أهداه إليه الباشا له ولمخدومه من الهدايا والأكياس والتحف والسكاكر والشرابات والأقمشة الهندية وغير ذلك ونزل لتشييعه عثمان آغا الوكيل وسافر صحبته نجيب أفندي‏.‏

وفي أواخره سافر سليمان بك البواب لمصالحة الأمراء المنهزمين على يد حسن باشا‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم الأحد سنة 1225 في سابع عشره قبض الباشا على المعلم غالي كبير المباشرين الأقباط والمعلم فلتيوس والمعلم جرجس الطويل والمعلم فرنسيس أخي المعلم غالي وباقي أعيان المباشرين فأما غالي وفلتيوس فنزلوا بهما تلك الليلة إلى بولاق وأنزلوهما في مركب ليسافرا إلى دمياط وحبسوا الباقين بالقلعة وختموا على دورهم ووجدوا عند المعلم غالي نيفًا وستين جارية بيضاء وسوداء وحبشية ثم قلدوا المباشرة إلى المعلم منصور ضريمون الذي كان معلم ديوان الجمرك ببولاق سابقًا والمعلم بشارة ورزق الله الصباغ مشاركان معه ثم أنزلوا النصارى المعتقلين من القلعة إلى بيت إبراهيم بك الدفتردار بالأزبكية وفيه جرجس الطويل وأخوه حنا وجرجس وفرنسيس أخو غالي ويعقوب كاتبه وغيرهم وأشاعوا عمل حسابهم ثم دار الشغل وسعت الساعون في المصالحة على غالي ورفقائه إلى أن تم الأمر على أربعة وعشرين كيسًا ونزل له فرمان الرضا والخلع والبشائر وذلك في آخر رمضان‏.‏

واستهل شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1225 فيه نزلت طبلخانة الباشا إلى بيت المعلم غالي واستمروا يضربون النوبة التركية ثلاثة أيام العيد ببيته وكذلك الطبل الشامي وباقي الملاعيب وترمى لهم الخلع والبقاشيش‏.‏

وفي سابعه حضر المعلم غالي وطلع إلى القلعة وخلع عليه الباشا خلع الرضا وألبسه فروة سمور وأنعم عليه ونزل له عن أربعة آلاف كيس من أصل الأربعة وعشرين ألف كيس المطلوبة في المصالحة ونزل إلى داره وأمامه الجاويشية والأتباع بالعصي المفضضة وجلس بدكة داره وأقبل عليه الأعيان من المسلمين والنصارى للسلام عليه والتهنئة له بالقدوم المبارك وأما المعلم منصور ضريمون فجبروا خاطره بأن قيده بخدمة بيت إبراهيم بك ابن الباشا الدفتردار وقيدوا رفيقيه في خدم أخرى‏.‏

وفي يوم الخميس عاشر شوال حضر شاهين بك الألفي ومن معه إلى مصر ونصب وطاقه بناحية البساتين وذلك بعد أن تمموا الصلح على يد حسن باشا بواسطة سليمان بك البواب فلما استقر بخيامه وعرضيه ببر مصر حضر مع رفقائه وقابل الباشا وهو ببيت الأزبكية فبش في وجهه فقال شاهين بك نرجو سماح أفندينا وعفوه عما ذنبناه فقال نعم من قبل مجيئكم بزمان وهو مصر لهم على كل كريهة وأخلى له بيت محمد كتخدا الأشقر بجوار طاهر باشا بالأزبكية وفرشوه ونظموه ووعده برجوعه إلى الجيزة في مناصبه كما كان حتى يتحول منها محرم بك صهر الباشا لأنه عند انتقال شاهين بك من الجيزة عدى إليها محرم بك بحريمه وهي ابنة الباشا وسكن القصر بعسكره وكذلك أسكن كبار أتباعه وخواصه القصور التي كان يسكنها الألفية وكذلك البيوت والدور فوعده بالرجوع إلى محله وظن بخسافة عقله صحة ذلك وحضر صحبة شاهين بك جملة من العسكر والدلاة وغيرهم واستمرت حملاتهم وأمتعتهم تدخل إلى المدينة إرسالًا في عدة أيام‏.‏

وفي يوم الجمعة عمل الباشا ديوانًا بالأزبكية في بيت ابنه إبراهيم بك الدفتردار واجتمع عنده المشايخ والوجاقلية وغيرهم فتكلم الباشا وقال يا أحبابنا احتياجي إلى الأموال الكثيرة لنفقات العساكر والمصاريف والمهمات والإيراد لا يكفي ذلك فلزم الحال لتقرير الفرض على البلاد والأطيان وقد أجحف ذلك بأهاليها حتى جلت وخربت القرى وتعطلت المزارع وبارت الأطيان ولا يمكنني رفع ذلك بالكلية والقصد أن تدبروا لنا تدبيرًا وطريقًا لتحصيل المال من غير ضرر ولا إجحاف على أهل القرى وتعود مصلحة التدبير عليهم وعلينا فقال الجميع الرأي لك فقال إني فوضت الرأي في تدبير الأمور السابقة لجماعة الكتبة وهم الأفندية والأقباط فوجدت الجميع خائنين وإني دبرت رأيًا لا تدخله التهمة وهو أن من المعلوم أن جميع الحصص لها سندات ومعين بها مقدار الميري والفائظ فنقرر على كل حصة قدر ميريها وفائظها إما سنة أو سنتين فلا يضر ذلك بالملتزمين ولا بالفلاحين فانتبذ أيوب كتخدا الفلاح وهو كبير الاختيارية وقال لكن يا أفندينا إلى مساواة الناس فإن حصص كثير من المشايخ مرفوع ما علبها من المغارم ويرجع تتميم الغرامة على حصص الشركاء فحنق من كلامه الشيخ الشرقاوي وقال له أنت رجل سوء وثار عليه باقي المشايخ الحاضرين وزاد فيهم الصياح فقان الباشا من المجلس وتركهم وذهب بعيدًا عنهم وهم يتراددون ويتشاجرون فأرسل إليهم الباشا الترجمان وقال إنكم شوشتم على الباشا وتكدر خاطره من صياحكم فسكتوا وقاموا من المجلس وذهبوا إلى دورهم وهم منفعلون المزاج ولعل كلام أيوب كتخدا وافق غرض الباشا أو هو بإغرائه ثم شرعوا في تحرير الدفاتر وتبديل الكيفيات وكان في العزم أولًا أن يجعلها على ذمم الأطيان شارقًا وغارقًا بما فيها من الأوسية التي للملتزمين والأرزاق ومسموح مشايخ البلاد وذكر ذلك في المجلس فقيل له أن الأوسية معايش الملتزمين والرزق قسمان قسم داخل في زمام أطيان البلد ومحسوب في مساحة فلاحتها وقسم خارج عن زممها والقسمان من الإرصادات على الخيرات وعلى جهات البر والصدقة والمساجد والأسبلة والمكاتب والأحواض لسقي الدواب وغير ذلك فيلزم منه إبطال هذه الخيرات وتعطيلها فقال الباشا أن المساجد غالبها متخرب ومتهدم فقالوا له عليك بالفحص والتفتيش وإلزام المتولي على المسجد بعمارته إذا كان إيراده رائجًا إلى آخر ما قيل‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشرينه قتلوا شخصًا من الأجناد الألفية وقطعوا رأسه بباب الخرق بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها‏.‏

واستهل شهر ذي القعدة بيوم الأربعاء سنة 1225 في ثانيه سافر الباشا إلى ثغر سكندرية ليكشف على عمارة الأبراج والأسوار ويبيع الغلال التي جمعها من البلاد في الفرض التي فرضت عليهم وكذلك ما أحضره من البلاد القبلية فجمعوا المراكب وشحنوها بالغلال وأرسلها إلى الإسكندرية ليبيعها على الإفرنج فباع عليهم أزيد من مائتي ألف أردب كل أردب بمائة قرش وسعرها بمصر ثمانية عشر قرشًا وهو لم يشترها ولم تكن عليه بمال بل أخذها من زراعات الفلاحين من أصل ما فرضه عليهم وألزمهم بكلفة شيله وأجرة نقله إلى المحل الذي يلزمونهم بوضعه فيه وأخذ من الإفرنج في ثمنه أصناف النقود من الذهب المشخص البندقي والمجر والفرانسه وعروض البضائع من الجوخ المتنوعة والدودة التي يقال لها القرمز والقزدير وأصناف البضائع الإفرنكية وأحدث وهو بالإسكندرية أحداثًا ومكوسًا‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الأحد سنة 1225 في ثاني عشرينه حضر الباشا من الإسكندرية إلى مصر وذلك يوم الجمعة أواخر النهار وحضر في العشية إلى بيت الأزبكية وبات عند حريمه وطلع في صبح يوم السبت إلى القلعة وضربوا مدافع كثيرة لحضوره وبذلك علم الناس حضوره وانقضت السنة بحوادثها التي قصصنا بعضها إذ لا يمكن استيفاؤها للتباعد عن مباشرة الأمور وعدم تحققها على الصحة وتحريف النقلة وزيادتهم ونقصهم في الرواة فلا أكتب حادثة حتى أتحقق صحتها بالتواتر والاشتهار وغالبها من الأمور الكلية التي لا تقبل الكثير من التحريف وربما أخذت قيد حادثة حتى أثبتها ويحدث غيرها وأنساها فأكتبها في طيارة حتى أفيدها في محلها إن شاء الله تعالى عند تهذيب هذه الكتابة وكل ذلك من تشويش البال وتكدر الحال وهم العيال وكثرة الاشتغال وضعف البدن وضيق العطن‏.‏

ومن حوادثها أحداث عدة مكوس زيادة على ما أحدث على الأرز والكتان والحرير والحطب والملح وغير ذلك مما لم يصل إلينا خبره حتى غلت أسعارها إلى الغاية وكان سعر الدرهم الحرير نصفين فصار بخمسة عشر نصفًا وكنا نشتري القنطار من الحطب الرومي في أوانه بثلاثين نصفًا وفي غير أوانه بأربعين نصفًا فصار بثلاثمائة نصف وكان الملح يأتي من أرضه بثمن القفاف التي يوضع فيها لا غير ويبيعه الذين ينقلونه إلى ساحل بولاق الأردب بعشرين نصفًا وأردبه ثلاثة أرداب ويشتريه المسبب بمصر بذلك السعر لآن أردبه أردبان ويبيعه أيضًا بذلك السعر ولكن أردبه واحد فالتفاوت في الكيل لا في السعر فلما احتكر صار الكيل لا يتفاوت وسعره الآن أربعمائة وخمسون نصفًا والتزم وأوقف رجاله في موارده البحرية لمنع من يأخذ منه شيئًا من المراكب المارة بالسعر الرخيص من أربابه ويذهب به إلى قبلي أو نحو ذلك‏.‏

ومنها وهي من الحوادث الغريبة أنه ظهر بالتل الكائن خارج رأس الصورة المعروفة الآن بالحطابة قبالة الباب المعروف بباب الوزير في وهدة بين التلول نار كامنة بداخل الأتربة واشتهر أمرها وشاع ذكرها وزاد ظهورها في أواخر هذه السنة فيظهر من خلال التراب ثقب ويخرج منها الدخان بروائح مختلفة كرائحة الخرق البالية وغير ذلك وكثر ترداد الناس لاضطلاع عليها أفواجًا أفواجًا نساء ورجالًا وأطفالًا فيمشون عليها ويجدون حرارتها تحت أرجلهم فيحفرون قليلًا فتظهر النار مثل نار الدمس فيقربون منها وإن غوصوا فيها خشبة أو قصبة احترقت ولما شاع ذلك وأخبروا بها كتخدا بك نزل إليها بجمع من أكابره وأتباعه وغيرهم وشاهد ذلك فأمر والي الشرطة بصب الماء عليها وإهالة الأتربة من أعالي التل فوقها ففعلوا ذلك وأحضروا السقائين وصبوا عليها بالقرب ماء كثيرًا وأهالوا عليها الأتربة وبعد يومين صارت الناس المتجمعة والأطفال يحفرون تحت ذلك الماء المصبوب قليلًا فتظهر النار ويظهر دخانها فيقربون منها الخرق والحلفاء واليدكات فتورى وتدخن واستمر الناس يغدون ويرجون للفرجة عليها نحو شهرين وشاهدت ذلك في جملتهم ثم بطل ذلك‏.‏

ومنها أنه نودي أواخر السنة على صرف المحبوب بزيادة صرفه ثلاثين نصفًا وكان يصرف بمائتين وخمسين من زيادات الناس في معاملاتهم فكانوا ينادون بالنقص ورجوعها إلى ما كان قبل الزيادة ويعاقبون على التزايد‏.‏

وفي هذه الأيام نودي بالزيادة وذلك بحسب الأغراض والمقاصد والمقتضيات ومراعاة مصالح أنفسهم لا المصلحة العامة هذا مع نقص عياره ووزنه عما كان عليه قبل المناداة وكذلك نقصوا وزن القروش وجعلوا القرش على النصف من القرش الأول ووزنه درهمين وكان أربعة دراهم وفي الدرهمين ربع درهم فضة هذا مع عدم الفضة العددية ووجودها بأيدي الناس والصيارف وإذا أراد إنسان صرف قرش واحد من غيره صرفه بنقص ربع العشر وأخذ بدله قطعًا صغارًا إفرنجية يصرف منها الواحدة باثني عشر وأخرى بعشرة وأخرى بخمسة ولكنها جيدة العيار وهم الآن يجمعونها ويضربونها بما يزاد عليها من النحاس وهو ثلاثة أرباع قروشًا لأن القطعة الصغيرة التي تصرف بخمسة أنصاف وزنها درهم واحد وزني فيصيرونها أربعة قروش فتضاعف الخمسة إلى ثمانين وكل ذلك نقص واختلاس أموال الناس من حيث لا يشعرون‏.‏

وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر فمات الفقيه الفريد والعلامة المفيد الشيخ علي الحصاوي الشافعي ولا أعلم له ترجمة وإنما رأيته يقرر الدروس ويفيد الطلبة في الفقه والمعقول ويشهد الفضلاء بفضله ورسوخه وكان على طريقة المتقدمين في الانقطاع للإفادة وعدم الرفاهية الرضا بما قسم له منعكفًا في حاله وتمرض بالبرودة ولم ينقطع عن ملازمة الدروس حتى توفي في منتصف جمادى الثانية من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن في تربة المجاورين بالصحراء ومات المعلم جرجس الجوهري القبطي كبير المباشرين بالديار المصرية وهو أخو المعلم إبراهيم الجوهري ولما مات أخوه في زمن رياسة الأمراء المصرية تعين مكانه في الرياسة على المباشرين والكتبة وبيده حل الأمور وربطها في جميع الأقاليم المصرية نافذ الكلمة وافر الحرمة وتقدم في أيام الفرنسيس فكان رئيس الرؤساء وكذلك عند مجيء الوزير والعثمانيين وقدموه وأجلسوه ولما يسديه إليهم من الهدايا والرغائب حتى كانوا يسمونه جرجس أفندي ورايته يجلس بجانب محمد باشا خسرو وبجانب شريف أفندي الدفتردار ويشرب بحضرتهم الدخان وغيره ويراعون جانبه ويشاورونه في الأمور وكان عظيم النفس ويعطي العطايا ويفرق على جميع الأعيان عند قدوم شهر رمضان الشموع العسلية والسكر والأرز والكساوي والبن ويعطي ويهب وبنى عدة بيوت بحارة الونديك والأزبكية وأنشأ دار كبيرة وهي التي يسكنها الدفتردار الآن ويعمل فيها الباشا وابنه الدواوين عند قنطرة الدكة وكان يقف على أبوابه الحجاب والخدم ولم يزل على حالته حتى ظهر المعلم غالي وتداخل في هذا الباشا وفتح له الأبواب لأخذ الأموال والمترجم يدافع في ذلك وإذا طلب الباشا طلبًا واسعًا من المعلم جرجس يقول له هذا لا يتيسر فيأتي المعلم غالي فيسهل له الأمور ويفتح له أبواب التحصيل فضاق خناق المترجم وخاف على نفسه فهرب إلى قبلي ثم حضر بأمان كما تقدم وانحط قدره ولازمته الأمراض حتى مات في أواخر شعبان وانقضى وخلا الجو للمعلم غالي وتعين بالتقدم ووافق الباشا في أغراضه الكلية والجزئية وكل شيء له بداية وله نهاية والله أعلم‏.‏