ولاة خراسان

أول من دخل خراسان عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة ابن حبيب بن عبد شمس، كتب إليه عثمان بن عفان في سنة ثلاثين، وكان يومئذ على البصرة، وكتب إلى سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، وكان عامله بالكوفة، يأمرهما بالنفوذ إلى خراسان ويقول لكل واحد منهما إنه إن سبق إلى خراسان فهو أمير عليها. وكان قد صار إلى عبد الله بن عامر كتاب ملك طوس فقال له: أنا أسبق بك على أن تملكني على نيسابور فسبق به، فكتب له كتاباً هو عند ولده إلى هذه الغاية، فافتتح عبد الله بن عامر عدة كور من خراسان في سنة إحدى وثلاثين، وكان على مقدمته عبد الله بن خازم السلمي وكان معه الأحنف بن قيس التميمي، ثم انصرف عبد الله بن عامر وولى خراسان قيس بن الهيثم بن أسماء بن الصلت السلمي، وخلف معه الأخنف ابن قيس. ثم ولى عبد الله حاتم بن النعمان الباهلي، فأقام بخراسان يفتح ويغزو حتى قتل عثمان سنة خمس وثلاثين. وولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عم على خراسان جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي، وكان قد قدم على علي بن أبي طالب عم وهو بالبصرة ماهويه مرزبان مرو، فصالحه وكتب له كتاباً وهو بمرو إلى هذه الغاية. ولما قتل عليّ عم ولى معاوية عبد الله بن عامر خراسان فوجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي وعبد الرحمن بن سمرة فسارا جميعاً وحطا على بلخ حتى افتتحاها. ثم انصرف عبد الرحمن ابن سمرة فسلم خراسان إلى عبد الله بن خازم السلمي. ثم ولى معاوية زياد بن أبي سفيان البصرة وخراسان وسجستان، فوجه زياد إلى خراسان الحكم بن عمرو الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أميراً، فخرج إلى خراسان سنة أربع وأربعين، وكان جميل السيرة، فاضل المذهب، وكتب إليه زياد لما افتتح ما افتتح من كور خراسان: أن أمير المؤمنين معاوية كتب إليَّ أن أصطفي له البيضاء والصفراء، فلا تقسمن شيئاً من الذهب والفضة، فلم يلتفت الحكم إلى كتابه، ورفع الخمس وقسم ما بقي بين الناس، وكتب إلى زياد أني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين معاوية، ولو أن السماء والأرض كانتا رتقاً على عبد ثم اتقى الله، لجعل الله له منها مخرجاً والسلم.

وكان المهلب بن أبي صفرة أحد رجال الحكم بن عمرو، ومات الحكم بخراسان ثم وجه زياد الربيع بن زياد بن أنس بن الديان بن قطن بن زياد الحارثي أميراُ على خراسان، وكان الحسن البصري كاتبه. وولى معاوية خالد بن معمر السدوسي خراسان، فسار يريدها فدس إليه زياد سماً فمات، ولم يصل إلى خرسان. فولى زياد خراسان عبد الله ابن الربيع بن زياد مكان أبيه، ثم عزله، وولى عبد الرحمن بن سمرة ابن حبيب، ثم توفي زياد فأقر معاوية عبد الرحمن على سجستان، وولى عبيد الله بن زياد خراسان، وأنفذه في جيوش وأمره أن يعبر النهر من بلاد طخارستان، فخرج في جمع وغزا بلاد طخارستان، والمهلب ابن أبي صفرة مدبر الأمر وصاحب الحرب، وأقام عبيد الله بن زياد بخراسان سنتين، ثم انصرف إلى معاوية واستخلف على خراسان أسلم ابن زرعة بن عمرو بن الصعق الكلابي، وولى معاوية عبيد الله البصرة، وولى أخاه عبد الله بن زياد خراسان، فاقام أربعة أشهر، وبلغه ضعفه ومهانته فعزله وولى معاوية بعد عبد الله بن زياد عبد الرحمن بن زياد خراسان فلم يحمده فعزله، وولى معاوية سعيد بن عثمان، وكان سعيد بن عثمان قد امتنع وكلمه بكلام غليظ فنفذ إلى خراسان وغزا سمرقند، ويقال إنه أول من قطع إلى ما وراء النهر، وغزا طخارستان وبخارا وسمرقند.

وكان على خراج خراسان أسلم بن زرعة الكلابي، فطلب من سعيد ابن عثمان المال فلم يعطه، وجعل يحمله إلى عبيد الله بن زياد، وهو أمير البصرة، ثم هرب أسلم بن زرعة من خراسان وكتب إلى معاوية بخبره، وإن سعيد بن عثمان أراد أخذ المال، فعزل معاوية سعيد بن عثمان، وولى أسلم ابن زرعة خراسان، فخرج أسلم إلى خراسان حتى قدم مرو الشاهجان وبها سعيد بن عثمان بالرمح وكان أسلم في جمع كثيف فطعن بعض أصحابه سرادق بن عثمان فقتل جارية له، فكتب إلى معاوية فكتب إليه وإلى أسلم أن أقدما جميعاً عليَّ. وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب قد خرج إلى سعيد بن عثمان فمات بمرو، وكان مالك بن الريب الشاعر مع سعيد ابن عثمان، وكان معه يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، فانصرف سعيد ابن عثمان عن خراسان وولى عبيد الله بن زياد أخاه عباد بن زياد خراسان. فخرج إليها فاستصحب يزيد بن مفرغ، فترك ابن مفرغ سعيداً وصحبه فلم يحمد صحبته، فهو حيث هجاه وهجا آل زياد. ثم ولى عبد الرحمن بن زياد خراسان فانصرف عنها واستخلف بها قيس بن الهيثم السلمي، ثم ولى يزيد ابن معاوية سلم بن زياد خراسان، وكان بينه وبين أخيه عبيد الله بن زياد عناد شديد فخرج معه المهلب بن أبي صفرة، وعبد الله بن خازم، وطلح بن عبد الله بن خلف الخزاعيٌّ وهو طلح الطالحات، وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، و عباد بن حصين الحبطي وعمران بن فصيل البرجمي وغير هؤلاء من وجوه الناس من أهل البصرة، فهدم عبيد الله بن زياد دور جميع من خرج مع أخيه، فكتب إليه يزيد بن معاوية أن يبنيها بالجص والآجر والساج من ماله فبناها. وغزا سلم خوارزمي وافتتح مدينة كنداكين وبخارا، ومات يزيد ابن معاوية وكانت فتنة ابن الزبير فانصرف سلم واستخلف عرفجة بن الورد السعدي. وسار عبد الله ابن خازم السلمي مع سلم متبعاً له، فرده وكتب عهده على خراسان، فلما رجع امتنع عرفجة أن يسلم إليه، فتحاربوا بالسهام فأصاب عرفة سهم فمات وأقام عبد الله بن خازم بخراسان يغزو ويفتح، وهو في طاعة ابن الزبير إلى أن قتل عبد الملك بن مران مصعب بن الزبير، فوجه برأسه إلى عبد الله بن خازم، وكتب يدعوه إلى طاعته، فأخذ رأس مصعب فغسله وحنطه وكفنه ودفنه، وأجاب عبد الملك جواباً غليظاً ولم يقبل ما جعل له عبد الملك بن مروان فوثب عليه أهل خراسان فقتلوه، قتله وكيع ابن الدورقية، وبايع لعبد الملك بن مروان وبعثوا برأسه إليه، ولما استقامت الأمور لعبد الملك بن مروان ولى خراسان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد ابن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس، فقطع أمية إلى ما وراء النهر وصار إلى بخارا، ثم خالف عليه بكير بن وشاح، فرجع ولم يزل أمية على خراسان حتى ولي الحجاج العراق، فلما ولي الحجاج كتب إلى عبد الملك يخبره أن أمر خراسان قد اضطرب فرد إليه الأمر، فولى المهلب بن أبي صفرة خراسان وولى عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، ولما صار المهلب إلى خراسان أقام مدة ثم سار إلى طخارستان، ثم إلى كش مدينة الصغد، ثم اعتل المهلب، فرجع إلى مرورود وهو عليل من إكلة وقعت في رجله، ثم مات المهلب بخراسان وقد عهد إلى ابنه يزيد بن المهلب، فأقام مدة ثم عزل الحجاج يزيد بن المهلب، وولى المفضل بن المهلب خراسان، فلم يزل بخراسان حتى وثب الحجاج بيزيد بن المهلب وحبسه، ولما وثب الحجاج بيزيد بن المهلب كتب إلى قتيبة بن مسلم الباهلي، وكان عامله بالريّ بولاية خراسان، وأمره أن يقبض على المفضل وسائر آل المهلب، فيحملهم إليه في الأصفاد، ففعل ذلك، وقدم قتيبة بن مسلم خراسان، فحمل المهلب إلى الحجاج، وصار إلى بخارا فافتتحها، ثم صار إلى الطالقان، وقد عصى باذام فحاربه حتى ظفر به وقتله. وولى الوليد بن عبد الملك وقتيبة بخراسان وقد جل أمره وقوي على البلد، وقتل نيزك طرخان، وسار إلى خوارزم ثم سار إلى سمرقند ففتحها، وصالح غوزك أخشيد سمرقند، وولى سليمان بن عبد الملك وتوفي الحجاج قبل ذلك بشهور، فولى يزيد بن المهلب العراق وأمره أن يقصد أسباب الحجاج، فلما بلغ قتيبة بن مسلم أراد أن يخلع فوثب عليه وكيع بن أبي سود التميمي فقتله، وأقام وكيع بخراسان وهو لا يشك أن سليمان يوليه خراسان، فلم يفعل وولى سليمان يزيد بن المهلب خراسان مع العراق، فشخص يزيد بن المهلب إلى خراسان بنفسه، فتتبع أصحاب قتيبة وحبس وكيع بن أبي سود وناله بكل مكروه، وخالفت كور خراسان على يزيد ابن المهلب، ففرق أخوته وولده في كور خراسان وولاهم أعمالهم.

وولي عمر بن عبد العزيز بن مروان، فلما بلغ يزيد ولايته، شخص من خراسان واستخلف بها مخلداً ابنه، وتحمل بجميع أمواله، فأشار عليه قوم ألا يفعل، فلم يقبل ووافى البصرة، وقد عزله عمر بن عبد العزيز وولى عدي ابن أرطاة الفزاري، فأخذه عديٌّ بالشخوص إلى عمر فشخص فحبسه، وولى عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله الحكمي خراسان، وأمره أن يأخذ مخلد بن يزيد بن المهلب فيستوثق منه ففعل، وقدمت وفود التبت عليه يسألونه أن يبعث إليهم من يبصرهم دين الإسلام، ثم عزل عمر بن عبد العزيز الجراح بن عبد الله وولى عبد الرحمن بن نعيم الغامدي، وكتب إليه أن ينقل عيالات المسلمين وذراريهم مما وراء النهر إلى مرو فلم يفعلوا وأقاموا.

وولي يزيد بن عبد الملك بن مروان، فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخراسان، فولى مسلمة خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث ابن الحكم بن أبي العاص، فحارب ملك فرغانة، وحاصر خجندة من بلاد الصغد، وقتل وسبى ثم عزله مسلمة، وولى سعيد بن عمرو الحرشي من أهل الشأم، ثم جمعت خراسان والعراق لعمر بن هبيرة الفزاري، فولى خراسان مسلم ابن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي، فقدم خراسان فغزا فلم يعمل شيئاً، وقاتله أهل فرغانة حتى هزموه. وولي هشام بن عبد الملك بن مروان، وقد ظهر بخراسان دعاة لبني هاشم، فولى خالد بن عبد الله ابن يزيد بن أسد بن كرز القسري العراق وخراسان، وأمره أن يوجه إلى خراسان من يثق به، فوجه خالد أخاه أسد ابن عبد الله، فبلغه خبرهم فأخذ جماعة اتهمهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وبلغ هشاماً اضطراب خراسان، فولى من قبلها أشرس بن عبد الله السامي، ثم عزله، وولى الجنيد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث بن خارجة بن سنان المري، ثم عزله وولى عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، وبلغ هشاماً أن خراسان قد افتتنت، فضمها ثانية إلى خالد ابن عبد الله القسري، فوجه إليها أخاه أسد بن عبد الله، ومات أسد بن عبد الله بخراسان، واستخلف عليها جعفر بن حنظلة البهراني من أهل الشأم، وعزل هشام خالد بن عبد الله عن العراق وولى يوسف بن عمر الثقفي، وأمره أن يوجه إليه برجل له علم بخراسان، فوجه إليه بعبد الكريم بن سليط بن عطية الحنفي، فسأله عن خراسان وحالها ورجالها، فجعل يقص عليه حتى اسمى له نصر ابن سيار الليثي، فكتب بعهده على خراسان، وكان قبل ذلك يتولى كورة من كور خراسان، فعزل جعفر بن حنظلة وتولى البلد وأخذ يحيى بن زيد بن الحسين من بلخ فحبسه في القهندز، وكتب إلى هشام فوافى كتابه وقد مات هشام.

وولي الوليد بن يزيد بن عبد الله واحتال يحيى بن زيد حتى هرب من الحبس، وصار إلى ناحية نيسابور، فوجه نصر بن سيار سلم بن أحوز الهلالي فلحقه بالجوزجان، فحاربه وأتي بسهم غرب، فقتل يحيى بن زيد وصلبه سلم ابن أحوز على باب الجوزجان، فلم يزل يحيى بن زيد مصلوباً حتى غلب أبو مسلم، فأنزله وكفنه ودفنه، وقتل كل من شايع على قتله، وكثرت دعاة بني هاشم بخراسان في سنة ست وعشرين، وحارب نصر ابن سيار جديع بن علي الكرماني الأزدي.

وقتل الوليد وولي يزيد بن الوليد بن عبد المللك وأمر خراسان مضطرب، ودعاة بني هاشم قد كثروا، ونصر بن سيار قد اعتزلته ربيعة واليمن.

ثم ولي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وقد ظهر أمر أبي مسلم بخراسان، وضعف عنه نصر بن سيار، ثم طلب نصر المتاركة والمكافة، ثم قتل أبو مسلم نصر بن سيار وغلب على خراسان سنة ثلاثين ومائة، ووجه بعماله ورجاله ووجه قحطبة وغيره إلى العراق.

وولي أبو العباس عبد الله بن محمد أمير المؤمنين، فظهرت الدولة الهاشمية المباركة، وأقام أبو مسلم بخراسان إلى سنة ست وثلاثين ومائة، ثم استأذن أبا العباس أمير المؤمنين في الحج، فأذن له فقدم العراق واستخلف على خراسان أبا داود خالد ين إبراهيم الدهلي.

ومات أبو العباس أمير المؤمنين وولي أبو جعفر المنصور وأبو داود خالد ابن إبراهيم بخراسان خليفة لأبي مسلم، ثم قتل أبو مسلم فخرج بخراسان سنفاذ يطلب بدم أبي مسلم، فوجه إليه المنصور جهور بن مرار العجلي فهزمه وقتله وفرق جمعه، وولى أبو جعفر المنصور عبد الجبار ابن عبد الرحمن الأزدي خراسان سنة ثمان وأربعين ومائة، فخرج إليها وكان يتولى شرطة المنصور، فلما كثرت أمواله وعدده بخراسان، أظهر المعصية وكشف رأسه للخلاف، فوجه المنصور المهدي فحاربه وأسره وحمله إلى أبي جعفر فقتله وصلبه بقصر ابن هبيرة سنة تسع وأربعين ومائة. وكان مقام المهدي بالري فعصى قارن أصبهبذ طبرستان فوجه إليه المهدي خازم بن خزيمة التميمي وروح ابن حاتم المهلبي، ففتحت طبرستان وأسر قارن، وولى المهدي خراسان أسيد بن عبد الله الخزاعي فمات بها، ثم ولاها حميد بن قحطبة الطائي، فأقام بها مدة ثم عزله المنصور، وولى أبا عون عبد الملك بن يزيد، ثم عزل عبد الملك بن يزيد. وقد ولي الخلافة المهدي فرد حميد بن قحطبة فأقام بها حتى مات ثم ولى المهدي خراسان معاذ بن مسلم الرازي مولى ربيعة، وقد خرج يوسف البرم الحروري، ووجه المهدي لمحاربة يوسف البرم يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، فحاربه حتى أسره، وحمله إلى المهدي فقطع يديه ورجليه؛ ثم خرج بعقب يوسف البرم حكيم الأعور المعروف بالمقنع، ومعاذ بن مسلم عامل خراسان، ومعه عقبة بن سلم الهنائي، وجبريل بن يحيى البجلي، والليث مولى أمير المؤمنين، فأفرد المهدي لمحاربة المقنع سعيداً الحرشي، فلم يزل يهزمه حتى صار إلى بلاد الصغد، فتحصن في قلعة بكش، فلما اشتد به الحصار، شرب هو وأصحابه السم فماتوا جميعاً، وفتحت القلعة، وعزل المهدي معاذ بن مسلم عن خراسان، وولاها المسيب بن زهير الضبي؛ ثم عزل المهدي المسيب في آخر خلافته، وولى خراسان الفضل ابن سليمان الطوسي، فلم يزل عليها حتى مات المهدي.

وفي خلافة موسى الهادي ولي هارون الرشيد خراسان جعفر بن محمد ابن الأشعث الخزاعي، ففلج ومات؛ وولى مكانه ابنه العباس بن جعفر ابن محمد بن الأشعث، ثم عزله وولى الغطريق ابن عطاء، وكان خال الرشيد فلم يضبط خراسان، فعزله وولى حمزة بن مالك بن الهيثم الخزاعي، ثم عزله وولى خراسان الفضل بن يحيى ابن خالد بن برمك، فصار إلى بلخ وافتتح عدة كور من طخارستان، وكابل شاه، وشقنان، ثم عزل الفضل ابن يحيى بن خالد وولى علي ابن عيسى بن ماهمان وكان على شرطة الرشيد، وقدم علي بن عيسى خراسان، وقد خرج أبو عمرو الشاري فحاربه حتى قتله، ثم خرج على علي بن عيسى بن ماهمان حمزة الشاري ببادغيس فنهض إليه علي بن عيسى فهزمه، واتبعه حتى صار إلى كابل فحاربه حتى قتله.

وخرج عليه بعد حمزة أبو الخصيب بباورد، فحاربه وقتله، وصار إلى علي ابن عيسى أموال جليلة. وكان علي قد وجه برافع بن الليث بن نصر بن سيار ابن رافع الليثي على سمرقند، فعصى رافع واشتدت شوكته وقوي أمره، وبلغ الرشيد أن هذا تدبير من علي بن عيسى، فوجه إليه هرثمة بن أعين، فقبض عليه وحمله في الحديد إلى الرشيد، وقبض أمواله فحملها، وولى هرثمة ابن أعين البلخي خراسان في سنة إحدى وتسعين ومائة.

ثم خرج الرشيد إلى خراسان، واستخلف ابنه محمداً الامين ببغداد، وأخرج معه المأمون إلى خراسان، وخرجت العساكر معه، فلما صار إلى طوس اعتل فاشتدت به العلة، فأنفذ المأمون ومعه هرثمة والقواد إلى مرو، وتوفي الرشيد بطوس في جمادي الآخر سنة ثلاث وتسعين ومائة فقبره بطوس. وأقام المأمون بمرو عاملاً على خراسان وكورها، وسائر أعمالها، وأنفذ هرثمة بن أعين إلى سمرقند، لمحاربة رافع بن الليث ابن نصر بن سيار الليثي، فلم يزل يحاربه حتى فتح سمرقند، وخرج رافع في الأمان، فحمله هرثمة إلى المأمون، وحمله المأمون إلى محمد، وكتب إليه بالفتح. وأقام المأمون بمرو بقية سنة ثلاث وتسعين ومائة وسنة أربع وتسعين ومائة، ثم كتب إليه محمد في القدوم إلى بغداد، ووجه إليه العباس بن موسى بن عيسى، ومحمد بن عيسى بن نهيك، وصالحاً صاحب المصلى، فامتنع المأمون من القدوم وقال: هذا نقض الشرط، فوجه إليه عصمة بن أبي عصمة السبيعي في جيش فأقام عصمة بالري، ولم يبرح، فوجه علي بن عيسى بن ماهمان، وكان قد أطلقه إلى خراسان، فلما بلغ المأمون ذلك، وجه طاهر بن الحسين ابن مصعب البوشنجي من مرو في أربعة آلاف، فلقي علي بن عيسى بالري فقتله، ثم وجه المأمون هرثمة بن أعين أيضاً إلى العراق، ولم يزل المأمون بمرو مقيماً حتى قتل محمد في آخر المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة، وبويع له بالخلافة. ثم أقام المأمون بخراسان سنة تسع وتسعين ومائة وسنة مائتين، وهو يوجه إلى العراق بالرجال، فوجه بحميد بن عبد الحميد بن ربعي الطائي الطوسي، ثم وجه علي بن هشام بن خسرو المروروذي، ثم وجه بذي العلمين علي ابن أبي سعيد ابن خالة الفضل بن سهل على خراج العراق، ثم وجه الحسن بن سهل على جميع الأمور، وانصرف هرثمة من العراق مغاضباً، وصار إلى المأمون فحبسه المأمون ومات في الحبس بعد ثلاثة أيام بمرو في سنة مائتين. ثم بايع المأمون للرضا علي بن أبي طالب عم بمرو بولاية العهد سنة اثنين ومائتين، ثم خرج من مرو في هذه السنة، فسار سيراً مهوناً، ثم صار إلى سرخس، فأقام بها، وقتل الفضل ابن سهل وزيره بسرخس في الحمام، فقتل المأمون جماعة بسببه، وسار المأمون إلى طوس، فلما قدم طوس أقام بها، وذلك في سنة ثلاث ومائتين، وتوفي الرضا عم بطوس، وكان المأمون قد كاتب جميع ملوك خراسان فاستصلحهم حتى استقامت، وولى خراسان كلها رجاء بن أبي الضحاك، وكان زوج أخت الفضل بن سهل؛ وقدم المأمون بغداد في النصف من صفر سنة أربع ومائتين، وفسدت خراسان كلها على يد رجاء بن أبي الضحاك، فولى المأمون خراسان غسان بن عباد فأصلحها واستقامت على يده، وأحمده المأمون وأقام بقية سنة أربع ومائتين وأشهر من سنة خمس ومائتين، ثم احتال طاهر بن الحسين ابن مصعب البوشنجي حتى ولاه المأمون خراسان، وعهد له عليها؛ فخرج إليها في سنة خمس ومائتين، وبلغه سوء رأي من المأمون، فأظهر خلافاً لم يكشف رأسه فيه، وبلغ المأمون ذلك فيقال إنه احتيل له بشربة، وتوفي طاهر في سنة سبع ومائتين؛ فولى المأمون مكانه ابنه طلحة بن طاهر ابن الحسين، فأقام أميراً بخراسان سبع سنين مستقيم الأمر، ثم توفي طلحة ابن طاهر سنة خمس عشرة ومائتين، وكان المأمون قد ولى عبد الله بن طاهر كور الجبل وآذربيجان، فخرج وأقام بالدينور عليلاً، فولاه المأمون خراسان مكان أخيه طلحة بن طاهر، ووجه إليه بعهده وعقده مع إسحاق بن إبراهيم ويحيى بن أكثم قاضي القضاة، فشخص عبد الله بن طاهر إلى خراسان، فنزل نيسابور ولم ينزلها والٍ من ولاة خراسان قبله، وجعلها وطنه، وأقام عبد الله ابن طاهر على خراسان وأعمالها مستقيم الأمر، شديد السلطان، والبلدان كلها مستقيمة أربع عشرة سنة، ثم توفي بنيسابور في سنة ثلاثين ومائتين، وله ثمان وأربعون سنة، فولى الواثق خراسان ابنه طاهر بن عبد الله بن طاهر، فأقام بخراسان خلافة الواثق والمتوكل والمنتصر وبعض خلافة المستعين، ووليها ثماني عشرة سنة مستقيم الأمور، ثم توفي بنيسابور في رجب سنة ثمان وأربعين ومائتين، وله أربع وأربعون سنة. وولى المستعين خراسان ابنه محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر، فأقام والياً عليها من سنة ثمان وأربعين ومائتين إلى سنة تسع وخمسين ومائتين، وقد كانت الأمور اضطربت بخروج الحسن بن زيد الطالبي بطبرستان وغيره، وخروج يعقوب بن الليث الصفار بسجستان، وتخطيه إلى كور خراسان، ثم سار يعقوب بن الليث الصفار إلى نيسابور في شوال سنة تسع وخمسين ومائتين، فقبض على محمد بن طاهر، واستوثق منه ومن أهل بيته، وقبض أموالهم، وما تحويه منازلهم، وحملهم في الأصفاد إلى قلعة بكرمان، يقال لها قلعة بمّ، فلم يزالوا في تلك الحال حتى مات الصفار، وخلت خراسان منهم، وصار بها عمرو ابن الليث أخو الصفار، فأقام آل طاهر ولاة خراسان خمساً وخمسين سنة، وليها منهم خمسة أمراء؛ ومع انقضاء الدول تزول الأمور وتتغير الأحوال، ويقع العجز ويظهر التقصير.

وكان خراج خراسان يبلغ في كل سنة من جميع الكور أربعين ألف ألف درهم، سوى الأخماس التي ترتفع من الثغور، ينفقها آل طاهر كلها فيما يرون، ويحمل إليهم بعد ذلك من العراق ثلاثة عشر ألف ألف سوى الهدايا.

فهذا ربع المشرق قد ذكرنا منه ما حضرنا ذكره، وعلمنا خبره، ووصفنا أحواله، فلنذكر الآن ربع القبلة وما فيه وبالله التوفيق.