مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن قصد مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المنزل الذي يقال له معدن النقرة إلى بطن نخل، ثم العسيلة، ثم طرفة، ثم المدينة.

والمدينة كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة في مستوى من الأرض عذبة، برية، جبلية، وذلك أن لها جبلين: أحدهما: أحد. والآخر: عير. وأهلها المهاجرون والأنصار والتابعون، وبها قبائل العرب من قيس ابن عيلان، من مزينة، وجهينة، وكنانة وغيرهم؛ ولها أربعة أودية، يأتي ماؤها في وقت الأمطار والسيول من جبال بموضع يقال له حرة بني سليم، على مقدار عشرة فراسخ من المدينة. وهي وادي بطحان والعقيق الكبير والعقيق الصغير، ووادي قناة، فمياه هذه الأودية تأتي في وقت السيول، ثم تجتمع كلها بموضع يقال له الغابة، ويخرج إلى وادٍ يقال له وادي أضم ثم يخرج العقيق الكبير والعقيق الصغير في آبار منها: بئر رومة: وهي حفير بني مازن، وبئر عروة. فيشرب أهل المدينة سائر السنة من هاتين البئرين وغيرهما من الآبار، التي ليست لها شهرة هاتين البئرين، وبها آبار يسقى منها النخل والمزارع، تجرها النواضح وهي الإبل التي تعمل في الزرانيق. وبالمدينة عيون نابعة معينة، فمنها: عين الصورين، وعين ثنية مروان، وعين الخانقين، وعين أبي زياد وخيف القاضي، وعين برد، وعين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وأكثر أموال أهلها النخل، ومنه معاشهم وأقواتهم. وخراجها من أعشار النخل والصدقات؛ والبحر الأعظم منها على ثلاثة أيام، وساحلها موضع يقال له الجار، وإليه ترسي مراكب التجار، والمراكب التي تحمل الطعام من مصر. ومن المدينة إلى قباء ستة أميال، وبها كانت منازل الأوس والخزرج قبل الإسلام، وبها نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصير إلى موضع المدينة. فإنه صلى الله عليه وسلم نزل بقباء على كلثوم بن الهدم، ثم مات كلثوم فنزل على سعد بن خيثمة الأنصاري، ودار سعد بن خيثمة إلى جانب مسجد قباء، ثم انتقل إلى المدينة فكتب معاقلها، واختط الناس بها الخطط، وكانوا قبل ذلك مفترقين، واتصل البنيان بعضه ببعض حتى صارت مدينة. ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة: فأولها: ذو الحليفة ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة، وهي على أربعة أميال من المدينة، ومنها إلى الحفيرة وهي منازل بني فهر من قريش، وإلى ملل وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب، وإلى السيالة وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عم وكان بها قوم من قريش وغيرهم، وإلى الروحاء وهي منازل مزينة، وإلى الرويثة وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب، وإلى العرج وهي أيضاً منازل مزينة، وإلى سقيا بني غفار وهي منازل بني كنانة، وإلى الأبواء وهي منازل أسلم، وإلى الجحفة وبها قوم من بني سليم وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق، وإلى قديد وبها منازل خزاعة، وإلى عسفان، وإلى مر الظهران وهي منازل كنانة، وإلى مكة.