الربع الثالث الجربي وهو ربع الشمال

قد ذكرنا التيمن وهو ربع القبلة، فلنذكر الآن ربع الجربي وهو ربع الشمال، وما فيه من المدائن والكور. من أراد من بغداد إلى المدائن، وما والاها مما على حافتي دجلة من المدن والطساسيج، وواسط والبصرة، والأبلة، واليمامة، والبحرين، وعمان، والسند، والهند، خرج من بغداد، فسلك أي الجانبين أحب، الشرقي من دجلة، أو الغربي في قرى عظام، فيها ديار الفرس، حتى يصير إلى المدائن، وهي على سبعة فراسخ من بغداد.

والمدائن دار ملوك الفرس، وكان أول من نزلها أنوشروان، وهي عدة مدن في جانبي دجلة، فالجانب الشرقي فيه المدينة التي يقال لها العتيقة، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرون من بناه، وفيها المسجد الجامع، الذي بناه المسلمون لما افتتحت. وفي الجانب الشرقي أيضاً المدينة التي يقال لها أسبانبر وفيها إيوان كسرى العظيم، الذي ليس للفرس مثله، ارتفاع سمكه ثمانون ذراعاً. وبين المدينتين مقدار ميل، وفي هذه المدينة كان ينزل سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وبها قبراهما. ثم تلي هاتين المدينتين، مدينة يقال لها الرومية التي يقال إن الروم بنتها لما غلبت على ملك فارس، وبها كان أمير المؤمنين المنصور لما قتل أبا مسلم. وما بين هذه المدن الثلاث متقارب الميلان والثلاثة الأميال.

في الجانب الغربي من دجلة مدينة يقال لها بهرسير ثم ساباط المدائن على فرسخ من بهرسير فما كان من جانب دجلة الشرقي فشربه من دجلة، وما كان من جانب دجلة الغربي فشربه من الفرات، يأتي من نهر يقال له نهر الملك يأخذ من الفرات. افتتحت هذه المدائن كلها سنة أربع عشرة، افتتحها سعد بن أبي وقاص. ومن المدائن إلى واسط خمس مراحل.

أولها دير العاقول: وهي مدينة النهروان الأوسط وبها قوم دهاقين أشراف.

ثم جرجرايا: وهي مدينة النهروان الأسفل، وهي ديار أشراف الفرس، ومنها رجاء بن أبي الضاحك وأحمد بن الخصيب.

ثم النعمانية: وهي مدينة الزاب الأعلى، ويقرب منها منازل آل نوبخت، وفي مدينة النعمانية دير هزقل الذي يعالج فيه المجانين.

ثم جبل: وهي مدينة قديمة عامرة. ثم مادرايا وهي منزل أشراف العجم قديمة. ثم المبارك نهر قديم. وبعد النعمانية من الجانب الغربي من دجلة القرية المعروفة بنعماباذ وهي فرضة ينتقل منها مير دجلة إلى النيل، ثم نهر سابس وهي في الجانب الغربي وهي بإزاء المبارك، لأن مدينة المبارك من الجانب الشرقي، منها يسلك إلى طسوجي بادرايا وباكسايا. ثم قناطر الخيزران من الجانب الشرقي. ثم فم الصلح وبه منازل الحسن بن سهل، وإلى هذا الموضع صار المأمون لما زار الحسن بن سهل، وابتنى بابنته بوران، ثم واسط وهي مدينتان على جانبي دجلة، فالمدينة القديمة في الجانب الشرقي من دجلة، وابتنى الحجاج مدينة في الجانب الغربي، وجعل بينهما جسراً بالسفن، وبنى الحجاج قصره بهذه المدينة الغربية، والقبة الخضراء التي يقال لها خضراء واسط، والمسجد الجامع وعليها السور، نزلتها الولاة بعد الحجاج، وبها كان يزيد بن عمر ابن هبيرة الفزاري لما انهزم من أصحاب قحطبة وتحصن فيها حتى أعطي الأمان؛ وسكان هاتين المدينتين أخلاط من العرب والعجم، ومن كان من الدهاقين فمنزله بالمدينة الشرقية وهي مدينة كسكر، وخراجها داخل في خراج طساسيج السواد، وإنما سميت واسط لأن منها إلى البصرة خمسين، وإلى الكوفة خمسين، وإلى الأهواز خمسين فرسخاً، وإلى بغداد خمسين فرسخاً، فلذلك سميت واسط. ويتصل بها نهرابان وبه يصنع الفرش الذي يعمل منه الارمني، ثم يحمل إلى أرمينية، فيغزل وينسج، ثم إلى عبداسي، ثم إلى المذار وهي مدينة ميسان ومدينة المذار على دجلة أيضاً، ومما يلي المذار كورة أبزقباذ والمدينة يقال لها فسى. ومن واسط إلى البصرة في البطائح، وإنما سميت البطائح لأنه تجتمع فيها عدة مياه، ثم يصير من البطائح في دجلة العوراء، ثم يصير إلى البصرة فيرسي في شط نهر ابن عمر.