ومن خرج من فلسطين مغربا يريد مصر خرج من الرملة إلى مدينة يبناثم إلى مدينة عسقلان، وهي على ساحل البحر، ثم إلى مدينة غزة وهي على الساحل أيضا، ثم إلى رفح وهي آخر أعمال الشأم، ثم إلى موضع يقال له الشجرتين وهي أول حد مصر، ثم إلى العريش وهي أول مسالح مصر وأعمالها، ويسكن العريش قوم من جذام وغيرهم وهي قرية على ساحل البحر، ومن العريش إلى قرية يقال لها البقارة، ومنها إلى قرية يقال لها الورادة في جبال من رمال، ثم إلى الفرما وهي أول مدن مصر وبها أخلاط من الناس، وبينها وبين البحر الأخضر ثلاثة أميال، ومن الفرما إلى قرية يقال لها جرجير مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها فاقوس مرحلة، ومنها إلى قرية يقال لها غيفة، ثم الفسطاط، وكانت الفسطاط تعرف بباب أليون وهو الموضع المعروف بالقصر، فلما افتتح عمرو ابن العاص باب أليون في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين، اختطت قبائل العرب حول فسطاط عمرو بن العاص فسميت الفسطاط لهذا، ثم اتسعوا في البلد فاختطواعلى النيل، واختطت قبائل العرب في المواضع المنسوبة إلى كل قبيلة، وبنى عمرو بن العاص مسجد جامعها، ودار إمارتها المعروفة بدار الرمل، وجعل الأسواق محيطة بالمسجد الجامع في الجانب الشرقي من النيل، وجعل لكل قبيلة محرساً وعريفاً، وابتنى حصن الجيزة في الجانب الغربي من النيل، وجعله مسلحة للمسلمين، وأسكنه قوما وكتب إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه لا تجعل بيني وبين المسلمين ماء. وافتتح عمر كور مصر صلحاً، خلا الإسكندرية، فإنه أقام يحارب أهلها ثلاث سنين، ثم فتحها سنة ثلاث وعشرين، لأنه لم يكن في البلد مدينة تشبهها حصانة وسعة وكثرة عدة. وكور مصر منسوبة إلى مدنها، لأن لكل كورة مدينة مخصوصة بأمر من الأمور. فمن مدن الصعيد وكورها: مدينة منف وهي مدينة قائمة خراب، يقول أهل مصر: إنها المدينة التي كان فرعون يسكنها. ومدينة بوصير كوريدس، ومدينة دلاص وإليها ينسب اللجم الدلاصية. ومدينة الفيوم وكان يقال في متقدم الأيام مصر والفيوم لجلالة الفيوم، وكثرة عمارتها، وبها القمح الموصوف وبها يعمل الخيش. ومدينة القيس وبها تعمل الثياب القيسية والأكسية الصوف الجياد. ومدينة البهنسا وبها تعمل الستور البهنسية. ومدينة أهناس وبها تعمل الأكسية، وبها شجر اللبخ. ومدينة طحا وبها القمح الموصوف، والكيزان التي يسميها أهل مصر البواقيل. وأنصنا وهي مدينة قديمة يقال إن سحرة فرعون كانوا منها، وإن بها بقية من السحر، وهي في الجانب الشرقي من النيل. ومدينة الأشمونين وبها فرهة الخيل والدواب والبغال، وهي من مدن مصر العظام. ومدينة أسيوط وهي من عظام مدن الصعيد، بها يعمل الفرش القرمز الذي يشبه الأرمني. وقهقاوة وبها مدينة قديمة يقال لها بوتيج ومدينة يقال لها بشمور وبها القمح اليوسفي المجزع. ومدينة أخميم وهي في الجانب الشرقي من النيل، ولها ساحل وبها يعمل الفرش القطوع والجلود الأخميمية. والدير المعروف بدير بو شنودة ويقال إن فيه قبر رجلين من حواري المسيح. ومدينة أبشاية يقال لها البلينا. ومن أبشاية تسلك إلى الواحات في مفازة وجبال خشنة ست رحلات، ثم إلى ألواح الخارجة وهي بلاد فيها حصون، ومزارع، وعيون مطردة، ومياه جارية، ونخل وأصناف الشجر، والكروم، ومزدع أرز وغير ذلك. ثم إلى ألواح الداخلة ولها مدينة يقال لها الفرفرون وأهلها أخلاط من الناس من أهل مصر وغيرهم. ومن مدينة أبشاية التي يقال لها مدينة البلينا إلى مدينة هو. ومدينة هو مدينة قديمة كان بها أربع كور: كورة هو، وكورة دندرة من غربي النيل، وكورة فاو، وكورة قنا من الجانب الشرقي، فخربت وقلت عمارتها لكثرة من يخرج إليها في الناحية من الأعراب والخارجين وقطاع الطريق، وانتقل الناس عنها إلى ما هو أعمر منها. ومن مدينة هو إلى مدينة قفط مرحلتان، وهي مدينة في الجانب الشرقي فيها آثار الملوك المتقدمين وبربا، ومن قفط تسلك إلى معادن الزمرذ وهو معدن يقال له: خربة الملك، على ثمان رحلات من مدينة فقط، وفيه جبلان: يقال لأحدهما العروس، وللآخر الخصوم، فيهما معادن الزمرد، وفيه موضع يقال له كوم الصابوني، وكوم مهران، ومكابر، وسفسيد، وكل هذه معادن يوجد فيها الجوهر وتسمى الحفائر، التي يخرج منها الجوهر شيم واحدتها شيمة وكان بها معدن قديم يقال له دمرومط، وهو معدن كان في الجاهلية، وكذلك معدن مكابر.
ومن المعدن الذي يقال له خربة الملك إلى جبل صاعد وهو معدن تبر مرحلة، وإلى الموضع الذي يقال له الكلبي، وموضع يقال له الشكري، وموضع يقال له العجلي، وموضع يقال له العلاقي الأدنى، وموضع يقال له الريفة، وهو ساحل بحر خربة الملك، وكل هذه معادن تبر، ومن الخربة إلى معدن يقال له رحم، معدن تبر ثلاث مراحل، وبرحم قوم من بلي وجهينة وغيرهم من أخلاط الناس، يقصدون للتجارات. فهذه معادن الجوهر وما يتصل بها من معادن التبر القريبة.
ومن مدينة قفط إلى مدينة الأقصر وهي مدينة قد خربت وصارت مكانها مدينة قوص، وهي على ساحل النيل من الجانب الشرقي من النيل، وكورة أسنا ومدينة أسنا في الجانب الغربي من النيل. ويقال إن أهلها المريس ومنها الحمير المريسية، ثم كورة أتفو، وهي في الجانب الغربي من النيل، وكورة بيبان وهي من الجانب الغربي، ثم مدينة أسوان العظمى، وبها تجار المعادن، وهي في الجانب الشرقي من النيل، وهي ذات نخل كثير، ومزدرع وتجارات، مما يأتي من بلاد النوبة، والبجة، وآخر مدن بلاد الإسلام من هذه الناحية مدينة في جزيرة في وسط النيل يقال لها بلاق عليها سور حجارة، ثم حد بلاد النوبة بموضع يقال له القصر على مقدار ميل من بلاق.