بلاد البجة

ومن العلاقي إلى أرض البجة الذين يسمون الحداربة والكدس خمس وعشرون مرحلة، ومدينة ملك البجة الحداربة يقال لها هجر، يأتيها الناس من المسلمين للتجارات. والبجة ينزلون خيام جلود، وينتفون لحاهم، وينزعون فلك ثدي الغلمان لئلا يشبه ثديهم ثدي النساء، ويأكلون الذرة وما أشبهها، ويركبون الإبل، ويحاربون عليها كما يحارب على الخيل، ويرمون بالحراب فلا يخطئون. ومن العلاقي إلى أرض البجة الذين يقال لهم الزنافجة خمس وعشرون مرحلة. والمدينة التي يسكنها ملك الزنافجة يقال لها بقلين. وربما صار المسلمون إليها للتجارات، ومذهبهم مثل مذهب الحداربة، وليس لهم شريعة إنما كانوا يعبدون صنماً يسمونه ححاخوا.

فأما مدن مصر التي بأسفل الأرض: فأولها مدينة إتريب: ولها كورة واسعة وبها القرية المعروفة ببنها التي بها العسل الموصوف. ثم مدينة عين شمس: وهي مدينة قديمة، يقال إن بها مساكن لفرعون، وبها آثار عجيبة، وفيها مسلتان شاهقتان عظيمتان من حجارة صلدة، مكتوب عليهما باللسان القديم يقطر من رأس إحداهما ماء، لا يدري ما سببه. ثم مدينة نتو، ومدينة بسطة، ومدينة طرابية، ومدينة قربيط، ومدينة حبان، ومدينة ابليل، هذه التسع المدن تسمى كور الحوف.

ثم مدينة بنا: وهي مدينة جليلة قديمة؛ ومدينة بوصير: وهي نظيرة بنا في العظم والجلالة؛ ومدينة سمنود، ومدينة نوسا، ومدينة الأوسية: وهي مدينة دميرة؛ ومدينة البجوم. وهذه الست المدن في الجانب الشرقي من النيل تسمى كور بطن الريف.
ومدينة سخا، ومدينة تيدة، ومدينة الأفراحون، ومدينة طوه، ومدينة منوف السفلى. وهذه المدن والكور السبع في جزيرة من النيل بين خليج دمياط، وخليج الغرب.

فأما المدن التي على ساحل البحر المالح: فأولها الفرما وهي المدينة القديمة التي تدخل إلى مصر منها. ثم مدينة تنيس يحيط بها البحر الأعظم المالح، وبحيرة يأتي ماؤها من النيل، وهي مدينة قديمة تعمل بها الثياب الرفيعة الصفاق والرقاق من الدبيقى والقصب والبرود، والمخمل، والوشي، وأصناف الثياب، وبها مرسى المراكب الواردة من الشأم والمغرب. ثم مدينة شطا: وهي على ساحل البحر وبها تعمل الثياب الشروب الشطوية. ثم مدينة دمياط: وهي على ساحل البحر وإليها ينتهي ماء النيل، ثم يفترق من دمياط فيخرج بعضه إلى بحيرة تنيس، وهي بحيرة تجري فيها السفن والمراكب العظام، ويجري باقي ماء النيل إلى البحر المالح؛ وتعمل بدمياط الثياب الصفاق الدبيقية والثياب الشروب والقصب. وبورة: وهي حصن على ساحل البحر من عمل دمياط، تعمل بها الثياب والقراطيس. ثم حصن نقيزة على ساحل البحر.ثم مدينة البرلس: على ساحل البحر المالح، وهي موضع الرباط. ثم مدينة رشيد: وهي مدينة عامرة آهلة، لها مينا يجري فيه ماء النيل إلى البحر المالح، وتدخله المراكب من البحر حتى تصير في النيل. ومدينة اخنو: وهي على ساحل البحر.

والمدينة يقال له وسيمة: يعمل بها القراطيس. ثم مدينة الإسكندرية العظيمة الجليلة التي لا توصف سعة، وجلالة، وكثر آثار الأولين، ومن عجائب الآثار التي بها المنارة التي على ساحل البحر على فوهة المينا الأعظم وهي منارة متقنة محكمة، طولها مائة وخمس وسبعون ذراعاً، وعليها مواقيد توقد فيها النيران، إذا نظر النواظير إلى مراكب في البحر على مسافة بعيدة، وبها مسلتان من حجارة مجزعة على سرطانات نحاس، وعليهما كتاب قديم وآثارها وعجائبها كثيرة، ولها خليج يدخله الماء العذب من النيل ثم يصب في البحر المالح. وللإسكندرية من الكور مما ليس على ساحل البحر المالح، وهو على ساحل خلجان النيل: كورة البحيرة، وكورة مصيل، وكورة المليدس، وهذه الكور على خليج الإسكندرية الذي يدخل المدينة، وكورة ترنوط، وكورة قرطسا وكورة خربتا، وهي أيضاً على هذا الخليج، وكورة صا، وكورة شباس، وكورة الخير، وكورة البدقون. وقورة الشراك وهذه الكور على خليج من النيل يقال له النسترو. وللإسكندرية بعد ذلك من الكور كورة مريوط، وهي كورة عامرة ولها كروم وشجر ولها ثمار موصوفة، ثم كورة لوبية، ثم كورة مراقية، وهاتان الكورتان على ساحل البحر المالح ينزل أداني قراها قوم من بني مدلج من كنانة، وينزل أكثرها قوم من البربر وبها قرى وحصون.

افتتحت كور مصر كلها في خلافة عمر بن الخطاب، والأمير عمرو ابن العاص بن وائل السهمي، وبلغ خراج مصر على يد عمرو في خلافة عمر في أول سنة من جزية رؤوس الرجال أربعة عشر ألف ألف دينار، ثم جباها عمرو في السنة الثانية عشرة آلاف ألف؛ فكتب إليه عمر يا خائن؛ وجباها عبد الله ابن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان بن عفان اثني عشر ألف ألف دينار.

ثم أسلم رجالها فبلغ خراج الأرض في أيام معاوية مع جزية رؤوس الرجال خمسة آلاف ألف دينار. وبلغ في أيام هارون الرشيد أربعة آلاف ألف دينار، ثم وقف مال مصر على ثلاثة آلاف ألف دينار. وشرب مصر وجميع قراها من ماء النيل صيفاً وشتاء، يزيد في أيام الصيف، ويأتي من أرض علوة، مخرجة من عيون، وزيادته من أمطار تأتي في الصيف، فينتشر على وجه الأرض حتى يطبق جميع الأرضين ثم يبتدئ في شهر من شهور القبط يقال له بابه وهو تشرين الأةل، فيبتدىء الناس بالعمارة وزرع الغلات، لأن أرض مصر لا تمطر إلا المطر اليسير إلا ما كان منها على السواحل. وعجم مصر جميعاً القبط، فمن كان بالصعيد يسمون المريس، ومن كان بأسفل الأرض يسمون البيما.