القيروان

ومن قابس إلى مدينة القيروان أربع مراحل: أولها عين الزيتونة، غير آهلة، ثم للس قصر فيه عمارة، ثم غدير الأعرابي، ثم قلشانة. وهي موضع المعرس لمن خرج من القيروان وقدم إليها، ثم مدينة القيروان العظمى التي اختطها عقبة بن نافع الفهري سنة ستين، في خلافة معاوية، وكان عقبة الذي افتتح اكثر المغرب؛ على أن أول من دخل ارض أفريقية وافتتحها عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان ابن عفان سنة ست وثلاثين.

والقيروان مدينة كان عليها سور من لبن وطين، فهدمه زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب، لما ثار عليه عمران بن مجالد وعبد السلام بن المفرج ومنصور الطنبذي، فإنهم ثاروا عليه بالقيروان، وهم من الجند القدم الذين كانوا قدموا مع ابن الأشعث. وشربهم من ماء المطر إذا كان الشتاء، ووقعت الأمطار والسيول، دخل ماء المطر من الأودية إلى برك عظام، يقال لها المؤاجل؛ فمنها شرب السقاة، ولهم وادٍ يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة، يأتي فيه ماء مالح، لأنه في سباخ الناس يستعملونه فيما يحتاجون إليه. ومنازل بني الأغلب على ميلين من مدينة القيروان في قصور قد بني عليها عدة حيطان، لم تزل منازلهم حتى تحول عنها إبراهيم بن أحمد، فنزل بموضع يقال له الرقادة على ثمانية أميال من مدينة القيروان، وبنى هناك قصراً.

وفي مدينة القيروان أخلاط من الناس من قريش، ومن سائر بطون العرب، من مضر، وربيعة، وقحطان، وبها أصناف من العجم، من أهل خراسان، ومن كان وردها مع عمال بني هاشم من الجند، وبها عجم من عجم البلد البربر والروم وأشباه ذلك.

ومن القيروان إلى سوسة وهي على ساحل البحر المالح مرحلة، وبها دار صناعة، تعمل فيها المراكب البحرية وتردها المراكب. وأهل سوسة أخلاط من الناس.

ومن القيروان إلى الموضع الذي يقال له الجزيرة مرحلة، وهي جزيرة أبي شريك، موغلة في البحر، يحيط بها ماء البحر، كثيرة التجارة، وفيها قوم من رهط عمر بن الخطاب، وسائر بطون العرب والعجم، ولها عدة مدن ليست بالعظام، يتفرق فيها الناس، وعاملها ينزل مدينة يقال لها النواتية، وبالقرب من اقليبية التي يركب منها إلى سقلية.

ومن القيروان إلى مدينة بسفوطره مرحلتان خفيفتان، وهي مدينة كبيرة فيها قوم من قريش، ومن قضاعة وغيرهم. ومن القيروان إلى مدينة تونس وهي على ساحل البحر، وبها دار صناعة، وهي مدينة عظيمة، منها كان حماد البربري مولى هارون الرشيد، وهو صاحب اليمن. وكان على تونس سور من لبن وطين، وكان سورها مما يلي البحر بالحجارة، فخالف أهلها على زيادة الله بن الأغلب، وكان منهم منصور الطنبذي، وحصين التجيبي، والقريع البلوي، فحاربهم فلما ظهر عليهم هدم سور المدينة، بعد أن قتل فيهم خلقاً عظيماً. ومن ساحل تونس يعبر إلى جزيرة الأندلس، وقد ذكرنا جزيرة الأندلس وأحوالها عن ذكرنا تاهرت.

ومن القيروان إلى مدينة باجة ثلاث مراحل، ومدينة باجة مدينة كبيرة، عليها سور حجارة قديم، وبها قوم من جند بني هاشم القدم، وقوم من العجم، ويلي مدينة باجة قوم من البربر، يقال لهم وزداجة، ممتنعين لا يؤدون إلى ابن الأغلب طاعة.

ومن القيروان إلى مدينة الأربس مرحلتان، وهي مدينة كبيرة عامرة بها أخلاط من الناس. ومن القيروان إلى مدينة يقال لها مجانة أربع مراحل، وبهذه المدينة معادن الفضة، والكحل، والحديد، والمرتك، والرصاص بين جبال وشعاب؛ وأهلها قوم يقال لهم السناجرة، يقال إن أولهم من سنجار من ديار ربيعة، وهو جند للسلطان، وبها أصناف من العجم من البربر وغيرهم.

ومن القيروان مما يلي القبلة إلى بلاد قمودة، وهو بلد واسع فيه مدن وحصون، والمدينة التي ينزلها العامل في هذا الوقت مذكورة، والمدينة القديمة العظمى هي التي يقال لها سبيطلة، وهي التي افتتحت في أيام عثمان بن عفان، وحصرها عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وأمير الجيش عبد الله بن سعد بن أبي سرح سنة سبع وثلاثين.

ومن بلد قمودة إلى مدينة قفصة، وهي مدينة حصينة، عليها سور حجارة، وفيها عيون ماء داخل المدينة، وهي مفروشة بالبلاط، وحولها عمارة كثيرة، وثمار موصوفة.

ومن قفصة إلى مدائن قسطيلية؛ وهي أربع مدائن في أرض واسعة، لها النخل والزيتون. فالمدينة العظمى يقال لها توزر، وبها ينزل العمال. والثانية يقال لها الحامة. والثالثة تقيوس. والرابعة نفطة. وحول هذه المدن أربع سباخ، وأهل هذه المدن قوم عجم من الروم القدم، والأفارقة، والبربر.

ومن مدائن قسطيلية إلى مدائن نفزاوة ثلاث مراحل، ونفزاوة عدة مدن: فالمدينة العظمى التي ينزلها العمال يقال لها بشرة، وبها قوم من الأفارقة العجم، ومن البربر، يحيط بالمدائن التي تلي القبلة الرمال. ومما يلي القبلة من القيروان بلد يقال له الساحل، ليس بساحل بحر، كثير السواد من الزيتون، والشجر، والكروم، وهي قرى متصلة بعضها في بعض كثيرة، ولهذا البلد مدينتان يقال لأحداهما سنه، وللأخرى قبيشة. ومن بلد الساحل إلى مدينة يقال لها أسفاقس يكون من سنه وقبيشة على مرحلتين، وهي على ساحل البحر يضرب البحر المالح سورها، وهي آخر بلد الساحل.

ومن أسفاقس إلى موضع يقال له بنزرت مسيرة ثمانية أيام، وفي جميع المراحل حصون متقاربة ينزلها العباد والمرابطون. ومن القيروان إلى بلاد الزاب عشر مراحل، ومدينة الزاب العظمى طبنة، وهي التي ينزلها الولاة، وبها أخلاط من قريش، والعرب، والجند، والعجم، والأفارقة، والروم، والبربر. والزاب بلد واسع، فمنه مدينة قديمة يقال لها باغاية، بها قبائل من الجند، وعجم من أهل خراسان، وعجم من عجم البلد من بقايا الروم، حولها قوم من البربر من هوارة، بجبل جليل يقال له أوراس، يقع عليه الثلج. ومدينة يقال لها تيجس من عمل باغاية، حولها قوم بربر عجم يقال لها نفزة. ومدينة عظيمة جليلة، يقال لها ميلة، عامرة محصنة، لم يلها والٍ قط، ولها حصن دون حصن، فيه رجل من بني سليم، يقال له موسى بن العباس ابن عبد الصمد من قبل ابن الأغلب؛ وسواحل البحر تقرب من هذه المدينة ولها مرسى يقال له جيجل ومرسى يقال له قلعة خطاب، ومرسى يقال له أسكيدة، ومرسى يقال له مابر، ومرسى يقال له مرسى دنهاجة، وهذا البلد كله عامر، كثير الاشجار والثمار، وهم في جبال وعيون. ومدينة يقال لها سطيف، بها قوم من بني أسد بن خزيمة، عمال من قبل ابن الأغلب. ومدينة يقال لها بلزمة، أهلها قوم من بني تميم، وموالى لبني تميم، وقد خالفوا على ابن الأغلب في هذا الوقت. ومدينة يقال لها نقاوس، كثيرة العمارة، والشجر، والثمر، بها قوم من الجند، وحواليها البربر من مكنانة، بطن من زناتة، وحولهم قوم يقال لهم أوربة. وطبنة مدينة الزاب العظمى، وهي في وسط الزاب، وبها ينزل الولاة. ومدينة يقال لها مقرة، لها حصون كثيرة. والمدينة العظمى مقرة أهلها قوم من بني ضبة، وبها قوم من العجم، وحولها قوم من البربر، يقال لهم بنو زنداج، وقوم يقال لهم كربره، وقوم يقال لهم سارنبه، ومنها إلى حصون تسمى برحلس وطلمة وحرور بها قوم من بني تميم من بني سعد يقال لهم بنو الصمصامة، خالفوا على ابن الأغلب، وظفر ابن الأغلب ببعضهم فحبسهم. ومدينة احه، وهي على الجبل، وخالف أهلها على ابن الأغلب، وكان من خلفه قوم من هوارة، يقال لهم بنو سمعان، وبنو ورجيل وغيرهم. ومدينة أربة وهي آخر مدن الزاب مما يلي المغرب في آخر عمل بني الأغلب، ولم يتجاوزها الممودة.

وإذا خرج الخارج من عمل الزاب مغرباً، صار إلى قوم يقال لهم بنو برزال، وهم فخذ من بني دمر من زناتة وهم شراة كلهم.

وقد ذكرنا فتح أفريقية وأخبارها في كتاب أفردناه.

ومن هذا الموضع البلد الذي تغلب عليه الحسن بن سليمان ابن سليمان بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عم ، وأول المدن التي في يده مدينة يقال لها هاز، سكانها قوم من البربر القدم، يقال لهم بنو يرنيان من زناتة أيضاً، ثم مدن بعد ذلك سكانها صنهاجة، وزواوة، يعرفون بالبرانس، وهم أصحاب عمارة، وزرع، وضرع، وإلى هاز ينسب البلد، وبينها وبين عمل أدنة مسير ثلاثة أيام، ثم إلى قوم يقال لهم بنو دمر من زناتة في بلد واسع، وهم شراة كلهم، عليهم رئيس منهم يقال له مصادف بن جرتيل في بلد زرع، ومواشٍ، بينه وبين هاز مرحلة، ومنها إلى حصن يقال له حصن ابن كرام وليس أهله بشراة، ولكنهم جماعية، بلدهم بلد زرع. ثم يصير إلى بلد يقال له متيجة، تغلب فيه رجال من ولد الحسن ابن علي بن أبي طالب عم يقال لهم بنو محمد بن جعفر، وهو بلد واسع فيه عدة مدن وحصون، وهو بلد زرع، وعمارة، بين هذا البلد وبين حصن مصادف بن جرتيل، مسيرة ثلاثة أيام مما يلي البحر. ثم مدينة مدكرة، فيها ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عم . ومدينة الخضراء، ويتصل بهذه مدن كثيرة، وحصون، وقرى، ومزارع، يتغلب على هذا البلد ولد محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن ابي طالب عم كل رجل منهم مقيم متحصن في مدينة وناحية، وعددهم كثير حتى إن البلد يعرف بهم، وينسب إليهم، وآخر المدن التي في أيديهم المدينة التي تقرب من ساحل البحر، يقال لها سوق إبراهيم، وهي المدينة المشهورة، فيها رجل يقال له عيسى بن إبراهيم ابن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. ثم من هذه إلى تاهرت. والمدينة العظمى مدينة تاهرت جليلة المقدار، عظيمة الأمر، تسمى عراق المغرب، لها أخلاط من الناس، تغلب عليها قوم من الفرس، يقال لهم بنو محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الفارسي، وكان عبد الرحمن ابن رستم يتولى أفريقية، وصار ولده إلى تاهرت، فصاروا أباضية، ورأس الأباضية، فهم رؤساء أباضية المغرب ويتصل بمدينة تاهرت بلد عظيم ينسب إلى تاهرت في طاعة محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، والحصن الذي على ساحل البحر الأعظم ترسي به مراكب تاهرت يقال له مرسى فروخ.