جزيرة الأندلس ومدنها

ومن أراد جزيرة الأندلس نفذ من القيروان إلى تونس- على ما ذكرنا وهي على ساحل البحر المالح- فركب البحر المالح، يسير فيه مسيرة عشرة أيام مسحلاً غير موغل، حتى يحاذي جزيرة الأندلس من موضع يقال له تنس، بينه وبين تاهرت مسيرة أربعة أيام، أو صار إلى تاهرت يوافي الجزيرة، جزيرة الأندلس، فيقطع اللج في يوم وليلة، حتى يصير إلى بلد تدمير، وهو بلد واسع عامر، فيه مدينتان يقال لإحداهما العسكر، وللأخرى لورقة. في كل واحدة منبر، ثم يخرج منها إلى المدينة التي يسكنها المتغلب من بني أمية، وهي مدينة يقال له قرطبة فيسير ستة أيام من هذا الموضع في قرى متصلة، وعمارات، ومروج، وأودية، وأنهار، وعيون، ومزارع، وقبل أن يصير إلى مدينة قرطبة من تدمير يصير إلى مدينة يقال لها البيرة نزلها من كان قدم البلد من جند دمشق من مضر، وجلهم قيس، وأفناء قبائل العرب، بينها وبين قرطبة مسيرة يومين. وغربيها مدينة يقال لها رية نزلها جند الأردن، وهم يمن كلهم، من سائر البطون. وغربي رية مدينة يقال لها شدونة نزلها جند حمص، وأكثرهم يمن، وفيهم من نزار نفر يسير. وغربي شدونة مدينة يقال لها الجزيرة نزلها البربر وأخلاط من العرب قليل. وغربي المدينة التي يقال لها الجزيرة، مدينة يقال لها أشبيلية على نهر عظيم، وهو نهر قرطبة، دخلها المجوس الذين يقال لهم الروس سنة تسع وعشرين ومائتين، فسبوا، ونهبوا، وحرقوا، وقتلوا. وغربي أشبيلية مدينة يقال لها لبلة نزلها العرب أول ما دخل البلد مع طارق مولى موسى بن نصير اللخمي. وغربيها مدينة يقال لها باجة نزلها العرب أيضاً مع طارق. وغربيها على البحر المالح المحيط مدينة يقال لها الأشبونة. وغربيها على البحر أيضاً مدينة يقال لها أحسونبة وهي الأندلس، في الغرب على البحر الذي يأخذ إلى بحر الخزر. ومما يلي الشرق من هذه المدينة مدينة يقال لها ماردة على نهر عظيم، وبينها وبين قرطبة أربعة أيام، وهي غربي قرطبة، وهي محاذى أرض الشرك، وجنس منهم يقال لهم الجلالقة، وهي في الجزيرة. ثم يخرج من قرطبة مشرقاً إلى مدينة يقال لها جيان، وبها من كان من جند قنسرين والعواصم، وهم أخلاط من العرب من معد واليمن. ومن جيان ذات الشمال إلى مدينة طليطلة وهي مدينة منيعة جليلة، ليس في الجزيرة مدينة أمنع منها، وأهلها يخالفون على بني أمية، وهم أخلاط من العرب، والبربر، والموالي، ولها نهر عظيم يقال له دوير. ومن طليطلة لمن أخذ مشرقاً إلى مدينة يقال لها وادي الحجارة، كان عليها رجل من البربر، يقال له مبتل بن فرج الصنهاجي. يتولاها يدعو لبني أمية، ثم صار ولده وذريته بعده إلى هذه الغاية في البلد. ثم منها مشرقاً إلى مدينة سرقصطة، وهي من أعظم مدائن ثغر الأندلس، على نهر يقال له أبره. وذات الشمال منها مدينة يقال لها تطيلة، محاذية لأرض الشرك، الذين يقال لهم البسكنس. وذات الشمال من هذه المدينة مدينة يقال لها وشقة، وهي محادة من الأفرنج لجنس يقال لهم الجاسقس. ومن سرقصطة إلى القبلة مدينة يقال لها طرطوشة، وهي آخر ثغر الأندلس في الشرق، محادة للإفرنجيين، وهي على هذا النهر المنحدر من سرقصطة. ومن طرطوشة لمن أخذ مغربا إلى بلد يقال له بلنسية، وهو بلد واسع جليل، نزله قبائل البربر، ولم يعطوا بني أمية الطاعة، ولهم نهر عظيم ببلد يقال له الشقر. ومنها إلى بلد تدمير البلد الأول فهذه جزيرة الأندلس ومدنها.