الجزء الثالث - ذكر طويس وأخباره

ذكر طويس وأخباره

اسمه وكنيته

طويس لقب غلب عليه، واسمه عيسى بن عبد الله، وكنيته أبو عبد المنعم وغيرها المخنثون فجعلوها أبا عبد النعيم، وهو مولى بني مخزوم. وقد حدثني جحظة عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الواقدي عن ابن أبي الزناد: قال سعد بن أبي وقاص: كني طويس أبا عبد المنعم.

أول من غنى بالعربية في المدينة

وألقى الخنث بها:

أخبرنا الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن المسيبي ومحمد بن سلام الجمحي، وعن الواقدي ابن أبي الزناد؛ وعن المدائني عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن ابن الكلبي عن أبيه وعن أبي مسكين.
قالوا: أول من غنى بالعربي بالمدينة طويس، وهو أول من ألقى الخنث بها، وكان طويلاً أحول يكنى أبا المنعم، مولى بني مخزوم، وكان لا يضرب بالعود. إنما كان ينقر بالدف، وكان ظريفاً عالماً بأمر المدينة وأنساب أهلها، وكان يتقى للسانه.

شؤمه

قالوا: وسئل عن مولده فذكر أنه ولد يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطم يوم مات أبو بكر، وخثن يوم قتل عمر، وزوج يوم قتل عثمان، وولد له ولد يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين. قال وقيل: إنه ولد له ولد يوم مات الحسن بن علي عليه السلام. قال: وكانت أمي تمشي بين نساء الأنصار بالنميمة. قالوا: وأول غناء غناه وهزج به:

صوت

كيف يأتي من بـعـيدٍ

 

وهو يخفيه القـريب

نازح بالشـأم عـنـا

 

وهو مكسال هـيوب

قد يراني الحب حتـى

 

كدت من وجدي أذوب

الغناء لطويس هزج بالبنصر.


بعض ما روي عن شؤمه قال إسحاق: أخبرني الهيثم بن عدي قال قال صالح بن حسان الأنصاري أنبأني أبي قال: اجتمع يوماًجماعة بالمدينة يتذاكرون أمر المدينة إلى أن ذكروا طويساً، فقالوا: كان وكان؛ فقال رجل منا: أما لو شاهدتموه لرأيتم ما تسرون به علماً وظرفاً وحسن غناء وجودة نقرٍ الدف، ويضحك كل ثكلى حرى؛ فقال بعض القوم: والله إنه على ذلك كان مشؤوماً؛ وذكر خبر ميلاده كما قال الواقدي، إلا أنه قال: ولد يوم مات نبينا صلى الله عليه وسلم، وفطم يوم مات صديقنا، وختن يوم قتل فاروقنا، وزوج يوم قتل نورنا، وولد له يوم قتل أخو نبينا؛ وكان مع ذلك مخنثاً يكيدنا ويطلب عثراتنا؛ وكان مفرطاً في طوله مضطرباً في خلقه أحول. فقال رجل من جلة أهل المجلس: لئن كان كما قلت لقد كان ممتعاً فهما يحسن رعاية من حفظ له حق المجالسة، ورعاية حرمة الخدمة، وكان لا يحمل قول من لا يرعى له بعض ما يرعاه له.


كان يحب قريشاً ويحبونه:  ولقد كان معظماً لمواليه بني مخزوم

ومن والاهم من سائر قريش، ومسالماً لمن عاداهم دون التحكيك به؛ وما يلام من قال بعلم وتكلم على فهم، والظالم الملوم، والبادئ أظلم. فقال رجل آخر: لئن كان ما قلت لقد رأيت قريشاً يكتنفونه ويحدقون به ويحبون مجالسته وينصتون إلى حديثه ويتمنون غناءه، وما وضعه شيء إلا خنثه ولولا ذلك ما بقي رجل من قريش والأنصار وغيرهم إلا أدناه.


أخبرني رضوان بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا يوسف بن إبراهيم قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي قال حدثني إسماعيل بن جامع عن سياط قال: كان أول من تغنى بالمدينة غناء" يدخل في الإيقاع طويس، وكان مولده يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطامه في اليوم الذي نوفي فيه أبو بكر، وختانه في اليوم الذي قتل فيه عمر، وبناؤه بأهله في اليوم الذي قتل فيه عثمان، وولد له يوم قتل علي رضوان الله عليهم أجمعين، وولد وهو ذاهب العين اليمنى.

كان يلقب بالذائب وسبب ذلك

وكان يلقب بالذائب، وإنما لقب بذلك لأنه غنى:

قد يراني الحب حتـى

 

كدت من وجدي أذوب

أخبرني الحسين عن حماد عن أبيه قال أخبرني ابن الكلبي عن أبي مسكين قال:

مروان بن الحكم والنغاشي المخنث: كان بالمدينة مخنث يقال له النغاشي، فقيل لمروان بن الحكم: إنه لا يقرأ من كتاب الله شيئاً، فبعث إليه يومئذ، وهو على المدينة، فاٌستقرأه أم الكتاب؛ فقال: والله ما معي بناتها، أو ما أقرأ البنات فكيف أقرأ أمهن! فقال: أتهزأ لا أم لك! فأمر به فقتل في موضع يقال له بطحان، وقال: من جاءني بمخنث فله عشرة دنانير.

طلبه مروان في المخنثين

ففر منه حتى مات:

فأتي طويس وهو في بني الحارث بن الخزرج من المدينة، وهو يغني بشعر حسان بن ثابت:

لقد هاج نفسك أشجانهـا

 

وعاودها اليوم أديانـهـا

تذكرت هنداً وماذكرهـا

 

وقد قطعت منك أقرانها

وقفت عليها فساءلتـهـا

 

وقد ظعن الحي ما شأنها

فصدت وجاوب من دونها

 

بما أوجع القلب أعوانها

فأخبر بمقالة مروان فيهم؛ فقال: أما فضلني الأمير عليهم بفضل حتى جعل في وفيهم أمراً واحداً! ثم خرج حتى نزل السويداء- على ليلتين من المدينة في طريق الشأم-فلم يزل بها عمره، وعمر حتى مات في ولاية بن الوليد بن عبد الملك.

هيت المخنث وبادية بنت غيلان

قال إسحاق وأخبرني ابن الكلبي قال أخبرني خالد بن سعيد عن أبيه وعوانة قالا: قال هيت المخنث لعبد الله بن أبي أمية: إن فتح الله عليكم الطائف فسل النبي صلى الله عليه وسلم بادية بنت غيلان بن سلمة بن معتب، فإنها هيفاء شموع نجلاء، إن تكلمت تغنت، وإن قامت تثنت، تقبل بأربع وتدبر بثمان، مع ثغر كأنه الأقحوان، وبين رجليها كالإناء المكفوء، كما قال قيس بن الخطيم:

تغترق الطرف وهي لاهية

 

كأنما شف وجهها نـزف

بين شكول النساء خلقتهـا

 

قصد فلا جبلة ولاقضـف

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لقد غلغلت النظر ياعدو الله "، ثم جلاه عن المدينة إلى الحمى. قال هشام: وأول ما اتخذت النعوش من أجلها. قال: فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له بريهة. فلم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده؛ فلما ولي عمر رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده وقال: إن رأيته لأضربن عنقه؛ فلما ولي عثمان رضي الله عنه كلم فيه فأبى أن يرده؛ فقيل له: قد كبر وضعف واحتاج؛ فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه. وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، وكان طويس له؛ فمن ثم قيل الخنث.
وجلس يوماً فغنى في مجلس

فيه ولد لعبد الله بن أبي أمية:

" تغترق الطرف وهي لاهية" إلى أخر البيتين؛ فأشير إلى طويس أن اسكت؛ فقال: والله ما قيل هذان البيتان في ابنة غيلان بن سلمة وإنما هذا مثل ضربة هيت في أم بريهة؛ ثم التفت إلى ابن عبد الله فقال: يابن الطاهر، أوجدت علي في نفسك؟ أقسم بالله قسماً حقاً لاأغني بهذا الشعر أبداً.

ضافه عبد الله بن جعفر فأكرمه وغناه

قال إسحاق وحدثنا أبو الحسن الباهلي الراوية عن بعض أهل المدينة، وحدثنا الهيثم بن عدي والمدائني، قالوا: كان عبد الله بن جعفر معه إخوان له في عشية من عشايا الربيع، فراحت عليهم المساء بمطر جود فأسأل كل شيء؛ فقال عبد الله: هل لكم في العقيق؟-وهو منتزه أهل المدينة في أيام الربيع والمطر-فركبوا دوابهم ثم انتهوا إليه فوقفوا على شاطئه وهو يرمي بالزبد مثل مد الفرات، فإنهم لينظرون إذ هاجت السماء، فقال عبد الله لأصحابه ليس معنا جنة نستجن بها وهذه سماء خليقة أن تبل ثيابنا، فهل لكم في منزل طويس فإنه قريب منا فنستكن فيه ويحدثنا ويضحكنا؟ وطويس في النظارة يسمع كلام عبد الله بن جعفر؛ فقال له عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: جعلت فداءك! وما تريد من طويس عليه غضب الله: مخنث شائن لمن عرفه؛ فقال له عبد الله: لا تقل ذلك، فإنه مليح خفيف لنا فيه أنس؛ فلما استوفى طويس كلامهم تعجل إلى منزله فقال لامرأته: ويحك! قد جاءنا عبد الله بن جعفر سيد الناس، فما عندك؟ قالت: نذبح هذه العناق، وكانت عندها عنيقة قد ربتها باللبن، واختبز خبزاً رقاقاً؛ فبادر فذبحها وعجنت هي. ثم خرج فتلقاه مقبلاً إليه؛ فقال له طويس: بأبي أنت وأمي؛ هذا المط، فهل لك في المنزل فتستكن فيه إلى أن تكف السماء؟ قال: إياك أريد؛ قال: فامض ياسيدي على بركة الله، وجاء يمشي بين يديه حتى نزلوا، فتحدثوا حتى أدرك الطعام، فقال: بأبي أنت وأمي، تكرمني إذ دخلت منزلي بأن تتعشى عندي؛ قال: هات ما عندك؛ فجاءه بعناقٍ سمينةٍ ورقاق، فأكل وأكل القوم حتى تملئوا، فأعجبه طيب طعامه، فلما غسلوا أيديهم قال: بأبي أنت وأمي، أتمشى معك وأغنيك؟ قال: افعل ياطويس؛ فأخذ ملحفة فأتزر بها وأرخى بها ذنبين، ثم أخذ المربع فتمشى وأنشأ يغني:

يا خليلي نابني سهـدي

 

لم تنم عيني ولم تـكـد

كيف تلحوني على رجلٍ

 

آنس تلـتـذه كـبـدي

مثل ضوء البدر طلعته

 

ليس بالزميلة النـكـد

فطرب القوم وقالوا أحسنت والله ياطويس. ثم قال: يا سيدي، أتدري لمن هذا الشعر؟ قال: لا والله، ما أدري لمن هو، إلا أن سمعت شعراً حسناً؛ قال: هو لفارعة بنت ثابت أخت حسان بن ثابت وهي تتعشق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وتقول فيه هذا الشعر؛ فنكس القوم رؤوسهم، وضرب عبد الرحمن برأسه على صدره، فلو شقت الأرض له لدخل فيها.


خبره مع سعيد بن عبد الرحمن قال وحدثني ابن الكلبي والمدائني عن جعفر بن محرز قال: خرج عمر بن عبد العزيز، وهو على المدينة، إلى السويداء وخرج الناس معه، وقد أخذت المنازل، فلحق بهم يزيد بن بكر بن دأب الليثي وسعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري، فلقيهما طويس فقال لهما: بأبي أنتما وأمي! عرجا إلى منزلي؛ فقال يزيد لسعيد: مل بنا مع أبي عبد النعيم؛ فقال سعيد: أين تذهب مع هذا المخنث! فقال يزيد: إنما هو منزل ساعة فمالا، واحتمل طويس الكلام على سعيد، فأتيا منزله فإذا هو قد نصحه ونصعه، فأتاهما بفاكهة من فاكهة الماء؛ ثم قال سعيد: لو أسمعتنا يا أبا عبد النعيم! فتناول خريطة فاستخرج منها دفاً ثم نقره وقال:

يا خليلي نابني سهـدي

 

لم تنم عيني ولم تـكـد

فشاربي ماأسـيغ ومـا

 

أشتكي ما بي إلى أحد

كيف تلحوني على رجل

 

آنس تلـتـذه كـبـدي

مثل ضوء البدر صورته

 

ليس بالزميلة النـكـد

من نبي آل المغـيرة لا

 

خامل نكس ولاجـحـد

نظرت يوماً فلا نظرت

 

بعده عيني إلـى أحـد

ثم ضرب بالدف الأرض، فقال سعيد: ما رأيت "كاليوم" قط شعراً أجود ولاغناء أحسن كمه؛ فقال له طويس: يا بن الحسام، أتدري من يقوله؟ قال: لا؛ قال: قالته عمتك خولة بنت تشبب بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي؛ فخرج سعيد وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط مثل ما استقبلني به هذا المخنث! والله لايفلتني! فقال يزيد: دع هذا وأمته ولا ترفع به رأساً. قال أبو الفرج الأصبهاني: هذه الأبيات، فيما ذكر الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار، لابن زهير المخنث

مدح ابن سريج غناءه

قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن ابن عياش، وابن الكلبي عن أبي مسكين، قالا: قدم ابن سريج المدينة فغناهم، فاستظرف الناس غناءه وآثروه على كل غنى؛ وطلع عليهم طويس فسمعهم وهم يقولون ذلك، فاستخرج دفاً من حضنه ثم نقر به وغناهم بشعر عمارة بن الوليد المخزومي في خولة بنت ثابت، عارضها بقصيدتها فيه:

يا خليلي فيكـم وجـدي

 

وصدع حبكم كـبـدي

فقلبي مسعـر حـزنـاً

 

بذات الخال في الخـد

فما لاقى أخو عـشـقٍ

 

عشير العشر من جهدي

فأقبل عليهم ابن سريج فقال: والله هذا أحسن الناس غناء أخبرني وكيع محمد بن خلف قال حدثنا إسماعيل بن مجمع قال حدثني المدائني قال: قدم ابن سريج المدينة فجلس يوماً في جماعةٍ وهم يقولون: أنت والله أحسن الناس غناء، إذ مر بهم طويس فسمعهم وما يقولون: فاستل دفه من حضنه ونقره وتغنى:

إن المجنـبة الـتـي

 

مرت بنا قبل الصباح

في حـلةٍ مـوشـية

 

مكية غرثى الوشـاح

زين لمشهد قطرهـم

 

وتزينهم يوم الأضاحي

-الشعر لابن زهير المخنث. والغناء لطويس هزج، أخبرنا بذلك الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار-فقال ابن سريج: هذا والله أحسن الناس غناء لا أنا.

تبع جارية فزجرته ثم تغنى بشعر

قال إسحاق حدثني المدائني قال: حدثت أن طويساً تبع جارية فراوغته فلم ينقطع عنها، فخبت في المشي فلم ينقطع عنها؛ فلما جازت بمجلس وقفت ثم قالت: يا هؤلاء، لي صديق ولي زوج ومولى ينكحني، فسلوا هذا ما يريد مني! فقال أضيق ما قد وسعوه. ثم جعل يتغنى:

أفق يا قلب عن جمـل

 

وجمل قطعت حبـلـي

أفق عنها فقـد عـنـي

 

ت حولاً في هوى جمل

وكيف يفيق مـحـزون

 

بجمل هائم الـعـقـل

براه الحب في جـمـلٍ

 

فحسبي الحب من ثقـل

وحسبي فيك ما ألـقـى

 

من التفنـيد والـعـذل

وقدماً لامـنـي فـيهـا

 

فلم أحفل بهم أهـلـي

حديث طويس والرجل المسحور

قال إسحاق وقال المدائني قال مسلمة بن محارب حدثني رجل من أصحابنا قال: خرجنا في سفرة ومعنا رجل، فانتهينا إلى وادٍ فدعونا بالغداء، فمد الرجل يده إلى الطعام فلم يقدر عليه، وهو قبل ذلك يأكل معنا في كل منزل، فخرجنا نسأل عن حاله فلقينا رجلاً طويلاً أحول الخلق في زي الأعراب، فقال لنا: مالكم؟ فأنكرنا سؤاله لنا، فأخبرنا خبر الرجل؛ فقال: ما اسم صاحبكم؟ فقلنا: أسيد؛ فقال: هذا واد قد أخذت سباعه فارحلوا، فلو قد جاوزتم الوادي استمر صاحبكم وأكل. قلنا في أنفسنا: هذا من الجن، ودخلتنا فزعة؛ ففهم ذلك وقال: ليفرخ روعكم فأنا طويس. قال له بعض من معنا من بني غفار أو من بني عبس: مرحباً بك يا أبا عبد النعيم، ما هذا الزي! فقال: دعاني بعض أودائي من الأعراب فخرجت إليهم وأحببت أن أتخطى الأحياء فلا ينكروني. فسألت الرجل أن يغنينا؛ فاندفع ونقر بدف كان معه مربعٍ، فلقد تخيل لي أن الوادي ينطق معه حسناً، وتعجبنا من علمه وما أخبرنا "به" من أمر صاحبنا.


وكان الذي غنى به شعر عروة بن الورد في سلمى امرأته الغفارية حيث رهنها على الشراب:

سقوني الخمر ثم تكنـفـونـي

 

عداة اللـه مـن كـذب وزور

وقالوا لست بعد فداء سلـمـى

 

بمفنٍ مـا لـديك ولا فـقـير

فلا والله لو مـلـكـت أمـري

 

ومن لي بالتدبر فـي الأمـور

إذاً لعصيتهم في حب سلـمـى

 

على ما كان من حسك الصدور

فيا للناس كيف غلبـت أمـري

 

على شيءٍ ويكرهه ضمـيري

قصة عروة وامرأته سلمى الغفارية

قال إسحاق وحدثني الواقدي قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير وأجلاهم عن المدينة خرجوا يريدون خيبر يضربون بدفوفٍ ويزمرون بالمزامير وعلى النساء المعصفرات وحلي الذهب مظهرين لذلك تجلداً، ومرت في الظعن يومئذ سلمى امرأة عروة بن الورد "العبسي "، وكان عروة حليفاً في بني عمرو بن عوف، وكانت سلمى من بني غفار، فسباها عروة من قومها وكانت ذات جمالٍ فولدت له أولاداً وكان شديد الحب لها وكان ولده يعيرون بأمهم ويسمون بني الأخيذة- أي السبية - فقالت: ألا ترى ولدك يعيرون؟ قال: فماذا ترين؟ قالت: أرى أن تردني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يزوجونك فأنعم لها، فأرسلت إلى قومها أن ألقوه بالخمر ثم اتركوه حتى يسكر ويثمل فإنه لا يسأل حينئذ شيئاً إلا أعطاه؛ فلقوه وقد نزل في بني النضير فسقوه الخمر، فلما سكر سألوه سلمى فردها عليهم ثم أنكحوه بعد. إلا أعطاه؛ فلقوه وقد نزل في بني النضير فسقوه الخمر، فلما انتشى منعوه ولاشيء معه إلا هي فرهنها، ولم يزل يشرب حتى غلقت؛ فلمنا قال لها: انطلقي قالت: لا سبيل إلى ذلك، قد أغلقتني. فبهذا صارت عند بني النضير. فقال في ذلك:

سقوني الخمر ثم تكنفوني

 

عداة الله من كذب وزور

هذه الأبيات مشهورة بأن لطويس فيها غناء"، وما وجدته في شيء من الكتب مجنساً فتذكر طريقته.

كان يغري بين الأوس والخزرج

ويتغنى بالشعر الذي قيل في حروبهم:

قال إسحاق وحدثني المدائني قال: كان طويس ولعاً بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم، وكان يريد بذلك الإغراء فقل مجلس اجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء؛ فنهي عن ذلك، فقال: والله لا تركت الغناء بشعر الأنصار حتى يوسدوني التراب؛ وذلك لكثرة تولع القوم به، فكان يبدي السرائر ويخرج وكان يستحسن غناؤه ولا يصبر عن حديثه ويستشهد على معرفته، فغنى يوماً بشعر قيس بن الخطيم في حرب الأوس والخزرج وهو:

رد الخليط الجمال فانصرفوا

 

ماذا عليهم لو أنهم وقفـوا

لو وقفوا ساعة" نسائلـهـم

 

ريث يضحي جماله السلف

فليت أهلي وأهل أثلة في ال

 

دار قريب من حيث نختلف

فلما بلغ إلى آخر بيت غنى فيه طويس من هذه القصيدة وهو:

أبلغ بني جحجبى وقومهم

 

خطمة أنا وراءهم أنف

تكلموا وانصرفوا وجرت بينهم دماء، وانصرف طويس من عندهم سليماً لم يكلم ولم يقل شيء سبب الحرب بين الأوس والخزرج قال إسحاق فحدثني الواقدي وأبو البختري، قالا: قال قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويل. ونذكر سبب أول ما جرى بين الأوس والخزرج من الحرب: قال إسحاق قال أبو عبد الله اليزيدي وأبو البختري، قالا: قال قيس بن الخطيم هذه القصيدة لشغب أثاره القوم بعد دهر طويلٍ ونذكر سبب أول ما جرى بين الأوس والخزرج من الحرب: قال إسحاق قال أبو عبد الله اليزيدي" وأبو البختري"، وحدثني مشايخ لنا قالوا: كانت الأوس والخزرج أهل عز ومنعةٍ وهما أخوان لأب وأم وهما ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وأمهما قيلة بنت جفنة بن عتبة بن عمرو؛ وقضاعة تذكر أنها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة. وكانت أول حرب جرت بينهم في مولى كان لمالك بن العجلان قتله سمير بن يزيد بن مالك، وسمير رجل من الأوس ثم أحد بني عمرو بن عوف، وكان مالك سيد الحيين في زمانه، وهو الذي ساق تبعاً إلى المدينة وقتل الفطيون صاحب زهرة وأذل اليهود للحيين جميعاً، فكان له بذلك الذكر والشرف عليهم، وكانت دية المولى فيهم-وهو الحليف- خمساً من الإبل، ودية الصريح عشراً، فبعث مالك إلى عمرو بن عوف: ابعثوا إلي سميراً حتى أقتله بمولاي فإنا نكره أن تنشب بيننا وبينكم حرب، فأرسلوا إليه: إنا نعطيك الرضا من مولاك فخذ منا عقلة، فإنك قد عرفت أن الصريح لا يقتل بالمولى؛ قال: لا آخذ في مولاي دون دية الصريح، فأبوا إلا دية المولى. فلما رأى ذلك مالك بن العجلان جمع قومه من الخزرج، وكان فيهم مطاعاً، وأمرهم بالتهيؤ للحرب. فلما بلغ الأوس استعدوا لهم وتهيئوا للحرب واختاروا الموت على الذل؛ ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصفينة بين بئر سالم وبين قباء (قرية لنبي عمرو بن عوف) فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى نال بعض القوم من بعض. ثم إن رجلاً من الأوس استعدوا لهم وتهيئوا للحرب واختاروا الموت على الذل؛ ثم خرج بعض القوم إلى بعض فالتقوا بالصفينة بين بئر سالم وبين قباء (قرية لبني عمرو بن عوف) فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى نال بعض القوم من بعض. ثم إن رجلاً من الأوس نادى: يا مالك، ننشدك الله والرحم - وكانت أم مالك إحدى نساء بني عمرو بن عوف-فاجعل بيننا وبينك عدلاً من قومك فما حكم علينا سلمنا لك؛ فارعوى مالك عند ذلك، وقال نعم؛ فاختاروا عمرو بن امرئ القيس أحد بني الحارث بن الخزرج فرضي القوم به، واستوثق منهم، ثم قال: فإني أقضي بينكم: إن كان سمير قتل صريحاً من القوم فهو به قود، وإن قبلوا العقل فلهم دية الصريح، وإن كان مولى فلهم دية المولى بلا نقصٍ، ولايعطى فوق نصف الدية، وما أصبتم منا في هذه الحرب ففيه الدية مسلمة إلينا، وما أصبنا منكم فيها علينا فيه دية مسلمة إليكم. فلما قضى بذلك عمرو بن امرئ القيس غضب مالك بن العجلان ورأى أن يرد عليه رأيه، وقال: لا أقبل هذا القضاء؛ وأمر قومه بالقتال، فجمع القوم بعضهم لبعضٍ ثم التقوا بالفضاء عند آطام بني قنيقاع، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم تداعوا إلى الصلح فحكموا ثابت بن حرام بن المنذر أبا حسان بن ثابت النجاري، فقضى بينهم أن يدوا مولى مالك بن العجلان بدية الصريح ثم تكون السنة فيهم بعده على مالكٍ وعليهم كما كانت أول مرة: المولى على ديته؛ والصريح على ديته؛ فرضي مالك وسلم الآخرون. وكان ثابت إذ حكموه أراد إطفاء النائرة فيما بين القوم ولم شعثهم، فأخرج خمساً من الإبل من قبيلته حين أبت عليه الأوس أن تؤدي إلى مالك أكثر من خمسٍ وأبي مالك أن يأخذ دون عشرٍ. فلما أخرج ثابت الخمس أرضى مالكاً بذلك ورضيت الأوس، واصطلحوا بعهد وميثاق ألا يقتل رجل في داره ولا معقله- والمعاقل: النخل-فإذا خرج رجل من داره أو معقله فلا دية له ولا عقل. ثم انظروا في القتلى فأي الفريقين فضل على صاحبه ودى له صاحبه. فأفضلت الأوس على الخزرج بثلاثة نفر فودتهم الأوس واصطلحوا. ففي ذلك يقول حسان بن ثابت لما كان أبوه أصلح بينهم ورضاهم بقضائه في ذلك:

وأبي في سميحة القائل الـفـا

 

صل حين التفت عليه الخصوم

وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم قصيدته وهي طويلة:

رد الخليط الجمال فانصرفوا

 

ماذا عليهم لو أنهم وقفـوا

رأي عمر بن عبد العزيز في شعره

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: كان عمر بن عبد العزيز ينشد قول قيس بن الخطيم:

بين شكول النساء خلقتهـا

 

قصد فلا جبلة ولاقضـف

تنام على كبر شأنهـا فـإذا

 

قامت رويداً تكاد تنقصف

تغترق الطرف وهي لاهية

 

كأنما شف وجهها نـزف

ثم يقول: قائل هذا الشعر أنسب الناس.

ومما في المائة المختارة من أغاني طويس

صوت

يا لقومي قد أرقتني الهموم

 

ففؤادي مما يجن سـقـيم

أندب الحب في فؤادي ففيه

 

لو تراءى للناظرين كلوم

يجن: يخفى، والجنة من ذلك، والجن أيضاً مأخوذ منه. وأندب: أبقى فيه ندباً وهو أثر الجرح؛ قال ذو الرمة:

تريك سنة وجهٍ غير مقرفةٍ

 

ملساء ليس بها خال ولاندب

الشعر لابن قيس الرقيات فيما قيل. والغناء لطويس، ولحنه المختار خفيف رمل مطلق في مجرى الوسطى، قال إسحاق: وهو أجود لحن غناه طويس، ووجدته في كتاب الهشامي خفيف رمل بالوسطى منسوباً إلى ابن طنبورة. قال وقال ابن المكي: إنه لحكم، وقال عمرو بن بانة: إنه لابن عائشة أوله هذان البيتان، وبعدهما:

ما لذا الهم لايريم فـؤادي

 

مثل ما يلزم الغريم الغريم

إن من فرق الجماعة منـا

 

بعد خفضٍ ونعمة لذمـيم

انقضت أخبار طويس

صوت من المائة المختارة

من صنعة قفا النجار

حجب الألى كنا نسر بقربـهـم

 

ياليت أن حجابهـم لـم يقـدر

حجبوا ولم نقض اللبانة منهـم

 

ولنا إليهم صبوة لم تقـصـر

ويحيط مئزرها بردفٍ كامـلٍ

 

رابى المجسة كالكثيب الأعفر

وإذا مشت خلت الطريق لمشيها

 

وحلاً كمشي المرجحن الموقر

لم يقع إلينا قائل الشعر. والغناء لقفا النجار، ولحنه المختار من النقيل الثاني بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. ويقال: إن فيه لحناً لابن سريج. وذكر يحيى بن علي" ابن يحيى" في الاختبار الواثقي أن لحن قفا النجار المختار من الثقيل الأول .

صوت من المائة المختارة

أفق يادرامي فقد بـلـيتـا

 

وإنك سوف توشك أن تموتا

أراك تزيد عشقـاً كـل يومٍ

 

إذا ما قلت إنك قد بـريتـا

الشعر والغناء جميعاً لسعيدٍ الدرامي، ولحنه المختار من خفيف الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى.