الجزء الثالث - سعية بن غريض وشعره وهو يحتضر

سعية بن غريض وشعره وهو يحتضر

وأما سعية بن غريض فقد كان ذكر خبر جده السموءل بن غريض بن عاديا في موضع غير هذا. وكان سعية بن غريض شاعراً، وهو الذي يقول لما حضرته الوفاء يرثي نفسه: صوت

ياليت شعري حين يذكر صالحي

 

ماذا تؤنبنـي بـه أنـواحـي

أيقلن لاتبعـد، فـري كـريهة

 

فرجتها ببـشـارة وسـمـاح

وإذا دعيت لصعبة سهلـتـهـا

 

أدعى بأفلح تـارية ونـجـاح

-غناه ابن سريج ثاني ثقيل بالبنصر على مذهب إسحاق من رواية عمر -وأسلم سعية وعمر عمراً طويلاً، ويقال: إنه مات في آخر خلافة معاوية

سعية بن غريض ومعاوية بن أبي سفيان

فأخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني أحمد بن معاوية عن الهيثم بن عدي قال: حج معاوية حجتين في خلافته، وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليه نساؤه وجواريه. قال: فحج في إحداهما فرأى شيخاً يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا: سعية بن غريض حج معاوية حجتين في خلافته، وكانت له ثلاثون بغلة يحج عليها نساؤه وجواريه. قال: فحج في إحداهما فرأى شيخاً يصلي في المسجد الحرام عليه ثوبان أبيضان، فقال: من هذا؟ قالوا: سعية بن غري، وكان من اليهود، فأرسل إليه يدعوه، فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين؛ قال: أوليس قد مات أمير المؤمنين! قيل: فأجب معاوية؛ فأتاه رسوله فقال: أجب أمير المؤمنين؛ قال: أو ليس قد مات أمي رالمؤمنين! قيل: فأجب معاوية؛ فأتاه فيم يسلم عليه الخلافة؛ فقال له معاوية: مافعلت أرضك التي بتيماء؟ قال: يكسى منها العري ويرد فضلها على الجار؛ قال: أفتبيعها؟ قال: نعم؛ قال: بكم؟ قال: بستين ألف دينار، ولولا خلة أصابت الحي لم أبعها؛ قال: لقد أغليت! قال: أما لو كانت لبعض أصحابك لأخذتها بستمائة ألف دينار ثم دينار ثم لم تبل! قال: أجل، وإذا بخلت بأرضك فأنشدني شعر أبيك يرثي "به" نفسه؛ فقال: قال أبي:

ياليت شعري حين أندب هالكاً

 

ماذا تؤنبنـي بـه أنـواحـي

أيقلن لاتبعد، فـرب كـريهة

 

فرجتها بشجـاعةٍ وسـمـاح

ولقد أخذت الحق غير مخاصم

 

ولقد رددت الحق غير ملاحي

وإذا دعيت لصعبة سهلتـهـا

 

أدعى بأفلح مـرة ونـجـاح

فقال: أنا كنت بهذا الشهر أولى من أبيك؛ قال: كذبت ولؤمت؛ قال: أما كذبت فنعم، وأما لؤمت فلم، قال: لأنك كنت ميت الحق في الجاهلية وميته في الأسلام، أما في الجاهلية فقاتلت النبي صلى الله عليه وسلم والوحي حتى جعل الله " عز وجل " كيدك المردود، وأما في الإسلام فمنعت ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلافة، وماأنت وهي! وأنت طليق ابن طليقٍ! فقال معاوية: قد خرف الشيخ فأقيموه، فأخذ بيده فأقيم.
وسعية هذا هو الذي يقول:

صوت

يادار سعدى بأقصى تلعة النـعـم

 

حييت داراً على الإقواء والقـدم

ومابجزعك إلا الوحش سـاكـنة

 

وهامد من رماد القدر والحمـم

عجنا فما كلمتنا الدار إذ سـئلـت

 

ومابها عن جواب خلت من صمم

الشعر لسعية بن غريض، والغناء لابن محرز ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر.