الجزء السابع - أخبار يزيد بن ضبة ونسبه

أخبار يزيد بن ضبة ونسبه

نسبه وولاؤه وانقطاعه إلى الوليد بن يزيد: أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أحمد بن الهيثم عن الحسن بن إبراهيم بن سعدان عن عبد العظيم بن عبد الله بن يزيد بن ضبة الثقفي قال: كان جدي يزيد بن ضبة مولى لثقيف. واسم أبيه مقسم، وضبة أمه غلبت على نسبه، لأن أباه مات وخلفه صغيراً، فكانت أمه تحضن أولاد المغيرة بن شعبة ثم أولاد ابن عروة بن المغيرة، فكان جدي ينسب إليها لشهرتها. قال: وولاؤه لبني مالك بن حطيط ثم لبني عامر بن يسار. قال عبد العظيم: وكان جدي يزيد بن ضبة منقطعاً إلى الوليد بن يزيد في حياة أبيه متصلاً به لا يفارقه.


أراد أن يهنىء هشاماً بالخلافة فرده لانقطاعه للوليد وشعره في ذلك فلما أفضت الخلافة إلى هشام أتاه جدي مهنئاً بالخلافة. فلما استقر به المجلس ووصلت إليه الوفود وقامت الخطباء تثني عليه والشعراء تمدحه، مثل جدي بين السماطين فاستأذنه في الإنشاد، فلم يأذن له، وقال: عليك بالوليد فامدحه وأنشده، وأمر بإخراجه. وبلغ الوليد خبره، فبعث إليه بخمسمائة دينار، وقال له: لو أمنت عليك هشاماً لما فارقتني، ولكن اخرج إلى الطائف، وعليك بمالي هناك، فقد سوغتك جميع غلته، ومهما احتجت إلي من شيء بعد ذلك فالتمسه مني. فخرج إلى الطائف، وقال يذكر ما فعله هشام به:

أرى سلمى تصد وما صددنا

 

وغير صدودها كنـا أردنـا

لقد بخلت بنائلهـا عـلـينـا

 

ولو جادت بنائلها حمـدنـا

وقد ضنت بما وعدت وأمست

 

تغير عهدها عما عهـدنـا

ولو علمت بما لاقيت سلمـى

 

فتخبرني وتعلم ما وجـدنـا

تلم على تنائي الـدار مـنـا

 

فيسهرنا الخيال إذا رقـدنـا

ألم تر أننـا لـمـا ولـينـا

 

أموراً خرقت فوهت سددنا

رأينا الفتق حين وهى عليهم

 

وكم من مثله صدع رفأنـا

إذا هاب الكريهة من يليهـا

 

وأعظمها الهيوب لها عمدنا

وجبارٍ تـركـنـاه كـلـيلاً

 

وقائد فتـنةٍ طـاغٍ أزلـنـا

فلا تنسوا مواطنـنـا فـإنـا

 

إذا ما عاد أهل الجرم عدنـا

وما هيضت مكاسر من جبرنا

 

ولا جبرت مصيبة من هددنا

ألا من مبلغٌ عني هشـامـاً

 

فما منا البلاء ولا بـعـدنـا

وما كنا إلى الخلفاء نفضـي

 

ولا كنا نؤخر إن شـهـدنـا

ألم يك بالبلاء لـنـا جـزاءٌ

 

فنجزى بالمحاسن أم حسدنـا

وقد كان الملوك يرون حقـا

 

لوافدنا فنكـرم إن وفـدنـا

ولينا الناس أزمـانـاً طـوالاً

 

وسسناهم ودسناهم وقـدنـا

ألم تر من ولدنا كيف أشبـى

 

وأشبينا وما بهـم قـعـدنـا

نكون لمن ولدنـاه سـمـاءً

 

إذا شيمت مخايلنا رعـدنـا

وكان أبوك قد أسدى إلـينـا

 

جسيمة أمره وبه سعـدنـا

كذلك أول الخلفـاء كـانـوا

 

بنا جدوا كما بهـم جـددنـا

هم آباؤنـا وهـم بـنـونـا

 

لنا جبلوا كما لهم جبـلـنـا

ونكوي بالعداوة من بغـانـا

 

ونسعد بالمودة مـن وددنـا

نرى حقاً لسائلنـا عـلـينـا

 

فنحبوه ونجزل إن وعـدنـا

ونضمن جارنا ونراه مـنـا

 

فنرفده فنجزل إن رفـدنـا

وما نعتد دون المجـد مـالاً

 

إذا يغلى بمكـرمةٍ أفـدنـا

وأتلد مـجـدنـا أنـا كـرامٌ

 

بحد المشرفية عـنـه ذدنـا

هنأ الوليد بالخلافة فأعطاه لكل بيت ألف درهم: قال: فلم يزل مقيماً بالطائف إلى أن ولي الوليد بن يزيد الخلافة، فوفد إليه. فلما دخل عليه والناس بين يديه جلوس ووقوف على مراتبهم هنأه بالخلافة، فأدناه الوليد وضمه إليه، وقبل يزيد بن ضبة رجليه والأرض بين يديه، فقال الوليد لأصحابه: هذا طريد الأحول لصحبته إياي وانقطاعه إلي. فاستأذنه يزيد في الإنشاد وقال له: يا أمير المؤمنين، هذا اليوم الذي نهاني عمك هشام عن الإنشاد فيه قد بلغته بعد يأس، والحمد لله على ذلك. فأذن له، فأنشده:

سليمى تلك في العـير

 

قفي أسألك أو سيري

إذا ما بنت لـم تـأوي

 

لصب القلب مغمور

وقد بانت ولم تعـهـد

 

مهاةٌ في مهاً حـور

وفي الآل حمول الـح

 

ي تزهى كالقراقـير

يواريها وتبـدو مـن

 

ه آلٌ كالـسـمـادير

وتطفو حين تطفو في

 

ه كالنخل المـواقـير

لقد لاقيت من سلمـى

 

تباريح التـنـاكـير

دعت عيني لها قلبـي

 

وأسباب المـقـادير

وما إن من به شـيبٌ

 

إذا يصبو بمـعـذور

لسلمى رسم أطـلالٍ

 

عفتها الريح بالمـور

خريقٌ تنخل الـتـرب

 

بأذيال الأعـاصـير

فأوحش إذ نأت سلمى

 

بتلك الدور مـن دور

سأرمي قانصات البي

 

د إن عشت بعسبـور

من العيس شجوجـاةٍ

 

طواها النسع بالكور

إذا ما حقبٌ مـنـهـا

 

قرنـاه بـتـصـدير

زجرنا العيس فارقدت

 

بإعصافٍ وتشـمـير

تقاسيهـا عـلـى أين

 

بإدلاجٍ وتـهـجـير

إذا ما اعصوصب الآل

 

ومال الظل بالقـور

وراحت تتقي الشمس

 

مطايا القوم كالعـور

إلى أن يفضح الصبح

 

بأصوات العصافـير

لتعتام الولـيد الـقـر

 

م أهل الجود والخير

كريمٌ يهـب الـبـزل

 

مع الخور الجراجير

تراعي حين تزجيهـا

 

هوياً كالـمـزامـير

كما جاوبت الـنـيب

 

رباع الخلج الخـور

ويعطى الذهب الأحـم

 

ر وزناً بالقنـاطـير

بلوناه فـأحـمـدنـا

 

ه في عسر وميسور

كريم العود والعنـص

 

ر غمرٌ غير منزور

له السبق إلى الـغـايا

 

ت في ضم المضامير

إمامٌ يوضح الـحـق

 

له نور علـى نـور

مقالٌ من أخـي ود

 

بحفظ الصدق مأثور

بإحكـام وإخـلاص

 

وتفهيم وتـحـبـير

قال: فأمر الوليد بأن تعد أبيات القصيدة ويعطى لكل بيت ألف درهم، فعدت فكانت خمسين بيتاً فأعطي خمسين ألفاً. فكان أول خليفة عد أبيات الشعر وأعطى على عددها لكل بيت ألف درهم، ثم لم يفعل ذلك إلا هارون الرشيد، فإنه بلغه خبر جدي فأعطى مروان بن أبي حفصة ومنصوراً النمري لما مدحاه وهجوا آل أبي طالب لكل بيت ألف درهم.


أمره الوليد بمدح فرسه السندي وكانا قد خرجا إلى الصيد: قال عبد العظيم وحدثني أبي وجماعةٌ من أصحاب الوليد: أن الوليد خرج إلى الصيد ومعه جدي يزيد بن ضبة، فاصطاد على فرسه السندي صيداً حسناً، ولحق عليه حماراً فصرعه، فقال لجدي: صف فرسي هذا وصيدنا اليوم، فقال في ذلك:

أحوى سـلـس الـمـر

 

سن مثل الصدع الشعب

سما فـوق مـنـيفـاتٍ

 

طوالٍ كالقنـا سـلـب

طويل الساق عنـجـوجٌ

 

أشق أصمع الكـعـب

على لأمٍ أصم مـضـم

 

ر الأشعر كالـقـعـب

ترى بـين حـوامــيه

 

نسوراً كنوى القـسـب

معالًى شنـج الأنـسـا

 

ء سامٍ جرشع الجنـب

طوى بين الشـراسـيف

 

إلى المنقب فالقـنـب

يغوص الملحم الـقـائ

 

م ذو حد وذو شـغـب

عتيد الشد والـتـقـري

 

ب والإحضار والعقـب

صلـيب الأذن والـكـاه

 

ل والموقف والعجـب

عريض الخد والجـبـه

 

ة والبركة والـهـلـب

إذا ما حـثـه حـارثٌ

 

يباري الريح في غرب

وإن وجـهـه أســر

 

ع كالخدروف في الثقب

وقـفـاهـن كـالأجـد

 

ل لما انضم للضـرب

ووالى الطعن يخـتـار

 

جواشـن بـدنٍ قــب

ترى كـل مـدلٍّ قــا

 

ئماً يلهث كالـكـلـب

كأن الماء في الأعـطـا

 

ف منه قطع العطـب

كأن الدم في الـنـحـر

 

قذالٌ عل بالخـضـب

يزين الدار مـوقـوفـاً

 

ويشفي قوم الـركـب

قال: فقال له الوليد: أحسنت يا يزيد الوصف وأجدته، فاجعل لقصيدتك تشبيباً وأعطه الغزيل وعمر الوادي حتى يغنيا فيه، فقال: صوت

إلى هندٍ صبا قلبـي

 

وهندٌ مثلها يصبـي

وهنـدٌ غـادةٌ غـيدا

 

ء من جرثومةٍ غلب

وما إن وجد النـاس

 

من الأدواء كالحـب

لقد لج بهـا الإعـرا

 

ض والهجر بلا ذنب

ولما أقض من هنـدٍ

 

ومن جاراتها نحبـي

أرى وجدي بهنـدٍ دا

 

ثماً يزداد عن غـب

وقد أطولت إعراضاً

 

وما بغضهم طبـي

ولـكـن رقـبة الأع

 

ين قد تحجز ذا اللب

ورغم الكاشح الـراغ

 

م فيها أيسر الخطب

قال: ودفع هذه الأبيات إلى المغنين فغنوه فيها.
كان فصيحاً يطلب الحوشي من الشعر: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي، وحدثني به محمد بن الحسن بن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال: كان يزيد بن ضبة مولى ثقيف، ولكنه كان فصيحاً، وقد أدركته بالطائف، وقد كان يطلب القوافي المعتاصة والحوشي من الشعر.

قال أهل الطائف إن له ألف قصيدة انتحلتها شعراء العرب: قال أبو حاتم في خبره خاصة وحدثني غسان بن عبد الله بن عبد الوهاب الثقفي عن جماعة من مشايخ الطائفيين وعلمائهم قالوا: قال يزيد بن ضبة ألف قصيدة، فاقتسمتها شعراء العرب وانتحلتها، فدخلت في أشعارها.