الجزء السابع - ذكر متيم الهشامية وبعض أخبارها

ذكر متيم الهشامية وبعض أخبارها

مغنية شاعرة اشتراها علي بن هشام وهي أم ولده: كانت متيم صفراء مولدةً من مولدات البصرة، وبها نشأت وتأدبت وغنت. وأخذت عن إسحاق وعن أبيه من قبله وعن طبقتهما من المغنين. وكانت من تخريج بذل وتعليمها. وعلى ما أخذت عنها كانت تعتمد. فاشتراها علي بن هشام بعد ذلك، فازدادت أخذاً ممن كان يغشاه من أكابر المغنين. وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناءً وأدباً. وكانت تقول الشعر ليس مما يستجاد، ولكنه يستحسن من مثلها. وحظيت عند علي بن هشام حظوةً شديدة، وتقدمت على جواريه جمع عنده، وهي أم ولده كلهم.


كانت مولاة للبانة واشتراها منها علي بن هشام وأولدها: وقال عبد الله بن العنز فيما أخبرني عنه محمد بن إبراهيم قريش قال أخبرني الحسن بن أحمد المعروف بأبي عبد الله الهشامي قال: كانت متيم للبانة بنت عبد الله بن إسماعيل المراكبي مولي عريب، فاشتراها علي بن هشام منها بعشرين ألف درهم وهي إذ ذاك جويرية، فولدت له صفية وتكنى أم العباس، ثم ولدت محمداً ويعرف بأبي عبد الله، ثم ولدت بعده ابناً يقال له هارون ويعرف بأبي جعفر، سماه المأمون وكناه لما ولد بهذا الاسم والكنية. قال: ولما توفي علي بن هشام عتقت.


كانت تغني المأمون والمعتصم: وكان المأمون يبعث إليها فتجيئه فتغنيه. فلما خرج المعتصم إلى سر من رأى أرسل إليها فأشخصها وأنزلها داخل الجوسق في دار كانت تسمى الدمشقي وأقطعها غيرها. وكانت تستأذن المعتصم في الدخول إلى بغداد إلى ولدها فتزورهم وترجع، ثم ضمها لما خرجت قلم. وقلم جاريةٌ كانت لعلي بن هشام. وكانت متيم صفراء حلوة الوجه.


فضلها عبد الله بن العباس على نفسه: فذكر محمد بن الحسن الكاتب أن الحسين بن يحيى بن أكثم حدثه عن الحسن بن إبراهيم بن رياح قال: سألت عبد الله بن العباس الربيعي: من أحسن من أدركت صنعةً؟ قال: إسحاق. قلت: ثم من؟ قال: علويه. قلت: ثم من؟ قال: متيم. قلت: ثم من؟ قال: ثم أنا. فعجبت من تقديمه متيم على نفسه، فقال: الحق أحق أن يتبع.


أخبرني محمد بن الحسن قال حدثنا عمر بن شبة قال: سئل عبد الله بن العباس الربيعي عن أحسن الناس غناءً. فذكر مثل هذه الحكاية، وزاد فيها أن قال له: أحسن أن أصنع كما صنعت متيم في قوله:

فلا زلن حسرى ظلعاً لم حملنها

ولا كما صنع علويه في قول الصمة:

فواحسرتي لم أقض منك لبانةً

 

ولم أتمتع بالجوار وبالقـرب

قال: فأين عمرو بن بانة؟ قال: عمرو لا يضع نفسه في الصنعة هذا الموضع، ولكنه صنع لحناً في هذا الغناء.
نسبة صوت علويه صوت

فواحسرتي لم أقض منـك لـبـانةً

 

ولم أتمتع بالجـوار وبـالـقـرب

يقولون هذا آخر العهـد مـنـهـم

 

فقلت وهذا آخر العهد من قلـبـي

ألا يا حمام الشعب شعب مراهـق

 

سقتك الغوادي من حمامٍ ومن شعب

الشعر للصمة بن عبد الله القشيري. والغناء فيه لعلويه، ثقيل أول مطلق في مجرى الوسطى. وفيه لمخارق خفيف رمل بالوسطى، أوله: ألا يا حمام الشعب ثم الثاني ثم الأول. وذكر حبشٌ أن فيه لإسحاق ثاني ثقيل بالبنصر.
تطاول إبراهيم بن المهدي إلى منظرة كانت تغني بها وأخذ منها صوتاً: وقال ابن المعتز أخبرني الهشامي قال: كانت متيم ذات يوم جالسةً بين يدي المعتصم ببغداد وإبراهيم بن المهدي حاضرٌ، فغنت متيم في الثقيل الأول:

لزينب طيفٌ تعتريني طوارقـه

 

هدواً إذا ما النجم لاحت لواحقه

فأشار إليها إبراهيم إن تعيده، فقالت متيم للمعتصم: يا سيدي، إبراهيم يستعيدني الصوت وكأنه يريد أن يأخذه، فقال لها: لا تعيديه. فلما كان بعد أيام كان إبراهيم حاضراً مجلس المعتصم ومتيم غائبةً، فانصرف إبراهيم بعد حين إلى منزله ومتيم في منزلها بالميدان وطريقه عليها وهي في منظرة لها مشرفةٍ على الطريق وهي تغني هذا الصوت وتطرحه على جواري علي بن هشام، فتقدم إلى المنظرة وهو على دابته فتطاول حتى أخذ الصوت، ثم ضرب باب المنظرة بمقرعته وقال: قد أخذناه بلا حمدك.


طلبها المأمون من علي بن هشام فلم يرض: وقال ابن المعتز: وحدثت أن المأمون سأل علي بن هشام أن يهبها له وكان بغنائها معجباً ، فدفعه بذلك ولم يكن له منها ولدٌ. فلما ألح المأمون في طلبها حرص عليٌّ على أن تعلق منه حتى حبلت ويئس المأمون منها. فيقال إن ذلك كان سبباً لغضبه عليه حتى قتله. كان المعتصم يمازحها: وحدثني سليمان الطبال أنه رأى متيم في بعض مجالس المعتصم يمازحها ويجبذ بردائها.


غنت علي بن هشام صوتاً أراد إسحاق انتحاله فعوضه عنه ببرذون: وحكى علي بن محمد الهشامي قال: أهدي إلى علي بن هشام برذونٌ أشهب قرطاسي وكان في النهاية من الحسن والفراهة، وكان عليٌّ به معجباً، وكان إسحاق يشتهيه شهوةً شديدة، وعرض لعلي بطلبه مراراً فلم يرض أن يعطيه له. فسار إسحاق إلى علي يوماً بعقب صنعة متيم فلا زلن حسرى فاحتبسه عليٌّ وبعث إلى متيم أن تجعل صوتها هذا في صدر غنائها ففعلت، فأطرب إسحاق إطراباً شديداً، وجعل يسترده، فترده وتستوفيه ليزيد في إطرابه إسحاق وهو يصغي إليها ويتفهمه حتى صح له. ثم قال لعلي: ما فعل البرذون الأشهب؟ قال: علي ما عهدت من حسنه وفراهته. قال: فاختر الآن مني خلةً من اثنتين: إما أن طبت لي نفساً به وحملتني عليه، وإما أن أبيت فأدعي والله هذا الصوت لي وقد أخذته، أفتراك تقول: إنه لمتيم وأقول: إنه لي ويؤخذ قولك ويترك قولي؟! قال: لا والله ما أظن هذا ولا أراه، يا غلام قد البرذون إلى منزل أبي محمد بسرجه ولجامه، لا بارك الله له فيه!.


كان إسحاق يرى أنها ساوته: قال علي بن محمد وحدثني أحمد بن حمدون: أن إسحاق قال لمتيم لما سمع هذا الصوت منها: أنت أنا فأنا من! يريد أنها قد حلت محله وساوته. قال علي بن محمد وقال جدي أبو جعفر: كانت متيم تقول: صوت

فلا زلن حسرى ظلعاً لم حملنها

الرمل كله.
علي بن هشام وعتابه بذل جاريته: وحدثني الهشامي قال مد علي بن هشام يده إلى بذل جاريته في عتابٍ يعاتبها، ثم ندم على فعله ذلك، ثم أنشأ يقول:

فليت يدي بانت غداة مددتها

 

إليك ولم ترجع بكفٍّ وساعد

وغنت متيم جاريته فيه في الثقيل الأول، فكان يقال لبذل جارية عليٍّ بذل الصغيرة.


ضرب موسوس بذل بالعود فكان سبب موتها: وحدثني الهشامي قال: كان سبب موت بذل هذه أنها كانت ذات يوم جالسةً عند المأمون فغنته، وكان حاضراً في ذلك المجلس موسوسٌ يكنى بأبي الكركدن من أهل طبرستان يضحك منه المأمون، فعبثوا به فوثب عليهم وهرب الناس من بين يديه فلم يبق أحدٌ حتى هرب المأمون، وبقيت بذل جالسةً والعود في حجرها، فأخذ العود من يدها وضرب به رأسها فشجها في شابورتها اليمنى، فانصرفت وحمت، وكان سبب موتها.


تزوج المعتصم بذل الصغيرة وبقيت في قصره بعد موته: وحدثني الهشامي قال: لما مات علي بن هشام ومات المأمون، أخذ المعتصم جواري علي بن هشام كلهن فأدخلهن القصر، فتزوج ببذل المغنية وبقيت عنده إلى نأأن مات، فخرجت بذل الكبيرة والباقون إلا بذل الصغيرة لأنها كانت حرمته فلم يخرجوها .


ويقال: إنه لم يكن في المغنين أحسن صنعةً من علويه وعبد الله بن العباس ومتيم.


شعر ابن الجهم في متيم الهشامية وأولادها: وفي أولادها يقول علي بن الجهم:

بني متيم هل تدرون ما الخبـر

 

وكيف يستر أمرٌ ليس يستتـر

حاجيتكم من أبوكم يا بني عصبٍ

 

شتى ولكنما للعاهر الحـجـر

غضبت من علي بن هشام وصالحها بشعر: قال: وحدثني جدي قال: كلم علي بن هشام متيم فأجابته جواباً لم يرضه، فدفع يده في صدرها، فغضبت ونهضت، فتثاقلت عن الخروج إليه. فكتب إليها: صوت

فليت يدي بانت غداة مددتهـا

 

إليك ولم ترجع بكفٍّ وساعـد

فإن يرجع الرحمن ما كان بيننا

 

فلست إلى يوم التنادي بعـائد

غنته متيم خفيف رملٍ بالبنصر.
عتبت على علي بن هشام وترضاها ثم كتب إليها فرضيت: قال: وعتبت عليه مرةً فتمادى عتبها، وترضاها فلم ترض، فكتب إليها : الإدلال يدعو إلى الإملال، ورب هجرٍ دعا إلى صبر، وإنما سمي القلب قلباً لتقلبه. ولقد صدق العباس بن الأحنف حيث يقول:

ما أراني إلا سأهجر من لـي

 

س يراني أقوى على الهجران

قد حدا بي إلى الجفاء وفـائي

 

ما أضر الوفاء بـالإنـسـان

قال: فخرجت إليه من وقتها ورضيت .


كانت تهدي للهشامي نبقاً لأنه يحبه: وحدثني الهشامي قال: كانت متيم تحبني حباً شديداً يتجاوز محبة الأخت لأخيها، وكانت تعلم أني أحب النبق، فكانت لا تزال تبعث إلي منه. فإني لأذكر في ليلة من الليالي في وقت السحر إذا أنا ببابي يدق. فقيل: من هذا؟ فقالوا: خادم متيم يريد أن يدخل إلى أبي عبد الله. فقلت: يدخل. فدخل ومعه إلي صينية فيها نبقٌ، فقال لي: تقرئك السلام وتقول لك: كنت عند أمير المؤمنين المعتصم بالله فجاءوه بنبقٍ من أحسن ما يكون، فقلت له: يا سيدي، أطلب من أمير المؤمنين شيئاً؟ فقال لي: تطلبين ما شئت. قالت: يطعمني أمير المؤمنين من هذا النبق، فقال لسمانة : اجعل من هذا النبق في صينية واجعلوها قدام متيم، فأخذته وذللته لك وقد بعثت به إليك معي، ثم دفعت إلي دراهم وقالت: هب للحراس هذه الدراهم لكي يفتحوا الدروب لك حتى تصير به إليه.


أراد إسحاق انتحال غناء متيم فعوضه علي بن هشام عن ذلك ببرذون: ثم حدثنا الهشامي قال: بعث علي بن هشام إلى إسحاق فجاء، فأخرج متيم جاريته إليه، فغنت بين يديه:

فلا زلن حسرى ظلعاً لم حملنها

 

إلى بلدٍ ناءٍ قلـيل الأصـادق

فاستعاده إسحاق واستحسنه، ثم قال له: بكم تشتري مني هذا الصوت؟ فقال له علي بن هشام: جاريتي تصنع هذا الصوت وأشتريه منك! قال: قد أخذته الساعة وأدعيه، فقول من يصدق، قولي أو قولك! فافتداه منه ببرذون اختاره له.


سمع علي بن هشام من قلم جارية زبيدة صوتاً فأخرجه لجواريه بمائة ألف دينار: وحدثني الهشامي قال: سمع علي بن هشام قدام المأمون من قلم جارية زبيدة صوتاً عجيباً، فرشا لمن أخرجه من دار زبيدة بمائة ألف دينار حتى صار إلى داره وطرح الصوت على جواريه. ولو علمت بذلك زبيدة لاشتد عليها، ولو سألها أن توجه به ما فعلت.


ذكر إسحاق متيم في كتابه وكان يتعالى من ذكر غيرها: وحدثني يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن أبيه قال: لما صنعت متيم اللحن في قوله:

فلا زلن حسرى ظلعاً لم حملنها

أعجب به علي بن هشام، وأسمعه إسحاق فاستحسنه وقال: من أين لك هذا؟ فقال: من بعض الجواري.


فقال : إنه لعريب، ولم يزل يستعيده حتى قال: إنه لمتيم، فأطرق. وكان متحاملاً على المغنين شديد النفاسة عليهم كثير الظلم لهم مسرفاً في حط درجاتهم، وما رأيته في غنائه ذكر لعلويه ولا مخارق ولا عمرو بن بانة ولا عبد الله بن عباس وأولا محمد بن الحارث صوتاً واحداً ترفعاً عن ذكرهم منتصباً لهم، وذكر في آخر الكتاب قوله:

فلا زلن حسرى ظلعاً لم حملنها

 

إلى بلد ناءٍ قلـيل الأصـادق

ووقع تحته لمتيم. وذكر آخر كل صوت في الكتاب ونسب إلى كل مغنٍّ صوته غير مخارقٍ وعلويه وعمرو بن بانة وعبد الله بن عباس فما ذكرهم بشيء.
سمعت شاهك جدة علي بن هشام صوتها فأعجبت بها وأمرت لها بجائزة: أخبرنا أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ابن المكي عن أبيه قال قال لي علي بن هشام: لما قدمت علي شاهك جدتي من خراسان، قالت: اعرض جواريك علي، فعرضتهن عليها. ثم جلسنا على الشراب، وغنتنا متيم. وأطالت جدتي الجلوس فلم أنبسط إلى جواري كما كنت أفعل، فقلت هذين البيتين: صوت

أنبقى على هذا وأنت قـريبةٌ

 

وقد منع الزوار بعض التكلم

سلامٌ عليكم لا سلام مـودعٍ

 

ولكن سلامٌ من حبيب متـيم

وكتبتهما في رقعة ورميت بها إلى متيم، فأخذتها ونهضت إلى الصلاة ، ثم عادت وقد صنعت فيه اللحن الذي يغنى فيه اليوم، فغنت. فقالت شاهك: ما أرانا إلا قد ثقلنا عليكم اليوم، وأمرت الجواري فحملن محفتها، وأمرت بجوائز للجواري وساوت بينهن، وأمرت لمتيم بمائة ألف درهم.


هي أول من عقد على الإزار زناراً: وأخبرني قال: أول من عقد من النساء في طرف الإزار زناراً وخيط إبريسم ثم تجعله في رأسها فيثبت الإزار ولا يتحرك ولا يزول متيم.


مرت بقصر مولاها بعد قتله فرثته: أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال: مرت متيم في نسوةٍ وهي مستخفيةٌ بقصر علي بن هشام بعد أن قتل، فلما رأت بابه مغلقاً لا أنيس عليه وقد علاه التراب والغبرة وطرحت في أفنيته المزابل، وقفت عليه وتمثلت: صوت

يا منزلاً لم تبل أطلالـه

 

حاشا لأطلالك أن تبلـى

لم أبك أطلالك لكنـنـي

 

بكيت عيشي فيك إذ ولى

قد كان لي فيك هوًى مرةً

 

غيبه التراب ومـا مـلا

فصرت أبكي جاهداً فقده

 

عند اذكاري حيثما حـلا

فالعيش أولى ما بكاه الفتى

 

لا بد للمحزون أن يسلى

فيه رمل بالوسطى لا بن جامع قال: ثم بكت حتى سقطت من قامتها، وجعل النسوة يناشدنها ويقلن: الله الله في نفسك! فإنك تؤخذين الآن، فبعد لأيٍ ما حملت تتهادى بين امرأتين حتى تجاوزت الموضع.


أمرها المعتصم بالغناء فعرضت بمولاها: نسخت من كتاب أبي سعيد السكري حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني محمد بن الحسن عن عبد الله بن العباس الربيعي قال: قالت لي متيم: بعث إلي المعتصم بعد قدومه بغداد، فذهبت إليه، فأمرني بالغناء فغنيت:

هل مسعدٌ لبكاء

 

بغبرة أو دماء

فقال: اعدلي عن هذا البيت إلى غيره، فغنيته غيره من معناه، فدمعت عيناه وقال: غني غير هذا. فغنيت في لحني:

أولئك قومي بعد عزٍّ ومنعةٍ

 

تفانوا وإلا تذرف العين أكمد

فبكى وقال: ويحك! لا تغنيني في هذا المعنى شيئاً البتة . فغنيت في لحني:

لا تأمن الموت في حلٍّ وفي حرمٍ

 

إن المنايا تغشى كـل إنـسـان

واسلك طريقك هوناً غير مكترثٍ

 

فسوف يأتيك ما يمني لك الماني

فقال: والله لولا أني أعلم أنك إنما غنيت بما في قلبك لصاحبك وأنك لم تريدني لمثلت بك، ولكن خذوا بيدها فأخرجوها، فأخذوا بيدي فأخرجت.
نسبة ما في هذا الخبر من الغناء صوت

هل مسعدٌ لبكاء

 

بعبرة أو دماء

وذا لفقد خلـيلٍ

 

لسادةٍ نجبـاء

الشعر لمراد شاعرة علي بن هشام ترثيه لما قتله المأمون. والغناء لمتيم. ولحنه من الثقيل الأول بالوسطى. منها:

ذهبت من الدنيا وقد ذهبت مني

وقد أخرج في أخبار إبراهيم بن المهدي لأنه من غنائه وشعره، وشرحت أخباره فيه. ولحنه رملٌ بالوسطى. ومنها: صوت

أولئك قومي بعد عزّ ومنعة

 

تفانوا وإلا تذرف العين أكمد

وقد أخرج في أخبار أبي سعيد مولى فائد والعبلي وغنيا فيه من مراثيهما في بني أميه. ولحن متيم هذا الذي غنت فيه المعتصم ثاني ثقيل بالوسطى.


ومنها: صوت

لا تأمن الموت في حل وفي حرم

ذك الهشامي أنه مما وجده من غناء متيم، غير أن لها لحناً فيه يذكر في موضع غير هذا على شرحٍ إن شاء الله تعالى، وإنما ألفت صوتاً تولعت به وغنته فنسبه إليها .


كانت تغني لنفسها خفيف رمل: وأخبرني قال: كنا في مجلسنا نياماً. فلما كان مع الفجر إذا متيم قد دخلت علينا وقالت: أطعموني شيئاً، فأخرجوا إليها شيئاً تأكله، فأكلت، ودعت بنبيذ وابتدأت الشرب، ودعت بعود فاندفعت تغني لنفسها وتشرب. وكان مما غنت:

كيف الثواء بأرض لا أراك بها

 

يا أكثر الناس عندي منةً ويدا

خفيف رمل وقال: ما رأيت أحداً من المغنين والمغنيات إذا غنوا لأنفسهم يكادون يغنون إلا خفيف رمل.
نوحها على سيدها: وأخبرني قال حدثني بعض أهلها قال: لما أصبنا بعلي بن هشام، جاء النوائح، فطرح بعض من حضر من مغنياته عليهن نوحاً من نوح متيم، وكان حسناً جيداً، فأبطأ نوح النوائح اللاتي جئن لحسنه وجودته. وكانت زين حاضرةً فاستحسنته جداً، وقالت: رضي الله عنك يا متيم! كنت علماً في السرور، وأنت علم في المصائب.
وأخبرني قال: إني لأذكر من بعض نوحها:

لعليٍّ وأحمد وحسـينٍ

 

ثم نصر وقبله للخليل

هزجٌ.
أرسلت لها مؤنسة هدية يوم حجامتها: قال ابن المعتز: وأخبرني الهشامي قال: وجهت مؤنسة جارية المأمون إلى متيم جارية علي بن هشام في يومٍ احتجمت في مخنقةً في وسطها حبةٌ لها قيمة جليلة كبيرة وعن يمين الحبة ويسارها أربع يواقيت وأربع زمردات وما بينها من شذور الذهب، وباقي المخنقة قد طيب بغاليةٍ.


كانت تحب البنفسج وتؤثره على غيره: وأخبرني قال: كانت متيم يعجبها البنفسج جداً، وكان عندها آثر من كل ريحان وطيبٍ، حتى إنها من شدة إعجابها به لا يكاد يخلو من كمها الريحان ولا نراه إلا كما قطف من البستان .


لما ماتت هي وإبراهيم بن المهدي وبذل قالت جارية للمعتصم أظن أن في الجنة عرساً: وقد أخبرني رحمه الله قال حدثنا أبو جعفر بن الدهقانة: أن جاريةً للمعتصم قالت له لما ماتت متيم وإبراهيم بن المهدي وبذل: يا سيدي، أظن أن في الجنة عرساً، فطلبوا هؤلاء إليه. فنهاها المعتصم عن هذا القول وأنكره. فلما كان بعد أيام، وقع حريقٌ في حجرة هذه القائلة فاحترق كل ما تملكه. وسمع المعتصم الجلبة فقال: ما هذا؟ فأخبر عنه، فدعا بها فقال: ما قصتك؟ فبكت وقالت: يا سيدي، احترق كل ما أملكه. فقال: لا تجزعي، فإن هذا لم يحترق وإنما استعاره أصحاب ذلك العرس.


أمرها المأمون بأن تجيز شعراً: وقد ذكرت في متقدم أخبار متيم أنها كانت تقول الشعر ولم أذكر شيئاً. فمن ذلك ما أخبرنا به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي طالب الديناري قال حدثني الفضل بن العباس بن يعقوب قال حدثني أبي قال: قال المأمون لمتيم جارية علي بن هشام: أجيزي لي هذين البيتين:

تعالي تكون الكتب بيني وبينكم

 

ملاحظةً نومي بها ونشـير

ورسلي بحاجاتي وهن كثيرةٌ

 

إليك إشاراتٌ بهـا وزفـير

صوت من المائة المختارة

إن العيون التي في طرفها مرض

 

قتلننا ثم لـم يحـيين قـتـلانـا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك له

 

وهن أضعف خلق الله أركـانـا

عروضه من البسيط. والشعر لجرير. والغناء لابن محرز. ولحنه المختار من القدر الأوسط من الثقيل. وفي هذه القصيدة أبياتٌ أخر تغنى فيه ألحانٌ سوى هذا اللحن، منها قوله: صوت من المائة المختارة

أتبعتهم مقلةً إنسـانـهـا غـرقٌ

 

هل ما ترى تاركٌ للعين إنسانـا

إن العيون التي في طرفها مرضٌ

 

قتلننا ثم لـم يحـيين قـتـلانـا

الغناء في هذين البيتين ثقيلٌ أول مطلق بإطلاق الوتر في مجرى البنصر.


ومنها أيضاً: صوت

بان الأخلا وما ودعت من بـانـا

 

وقطعوا من حبال الوصل أركانـا

أصبحت لا أبتغي من بعدهم بـدلاً

 

بالدار داراً ولا الجيران جـيرانـا

وصرت مذ ودع الأظعان ذا طربٍ

 

مروعاً من حذار البين محـزانـا

في الأول والثاني والثالث من الأبيات خفيف رمل بالبنصر. وفيها للغريض ثاني ثقيل بالبنصر، من رواية عمرو بن بانة والهشامي. وذكر حبشٌ أن فيه لمالك خفيف رملٍ بالوسطى، ولابن سرجس في الأول والثاني وبعدهما:

أتبعتهم مقلةً إنسانها غرقٌ

رملٌ بالوسطى. وذكر الهشامي أن لابن محرز في الأول والثاني بعدهما أتبعتهم مقلة لحناً من الثقيل الأول بالبنصر، وذكر المكي أنه لمعبد.