الجزء الحادي عشر - نسب عمر بن كلثوم وخبره

نسب عمر بن كلثوم وخبره

نسب عمر بن كلثوم من قبل أبويه: هو عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان. وأم عمرو بن كلثوم ليلى بنت مهلهل أخي كليب، وأمها بنت بعج بن عتبة بن سعد بن زهير .


أخبرني محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني العكلي عن العباس بن هشام عن أبيه عن خراش بن إسماعيل عن رجل من بني تغلب ثم من بني عتاب قال: سمعت الأخذر وكان نسابة يقول: لما تزوج مهلهل بنت بعج بن عتبة أهديت إليه، فولدت له ليلى بنت مهلهل. فقال مهلهل لامرأته هند: اقتليها. فأمرت خادماً لها أن تغيبها عنها. فلما نام هتف هاتف يقول:

كم من فتـى يؤمـل

 

وسـيد شـمـردل

وعدةٍ لا تـجـهـل

 

في بطن بنت مهلهل

واستيقظ فقال: يا هند أين بنتي؟ قالت: قتلتها. قال: كلا وإله ربيعة! فكان أول من حلف بها فاصدقيني، فأخبرته. فقال: أحسني غداءها. فتزوجها كلثوم بن مالك بن عتاب. فلما حملت بعمرو بم كلثوم قالت: إنه أتاني آتٍ في المنام فقال:

يا لك ليلى من ولد

 

يقدم إقدام الأسـد

من جشمٍ فيه العدد

 

أقول قيلاً لا قند

فولدت غلاماً فسمته عمراً. فلما أتت عليه سنة قالت أتاني ذلك الآتي في الليل أعرفه، فأشار إلى الصبي وقال:

إني زعيم لك أم عـمـرو

 

بماجد الجد كريم النـجـر

أشجع من ذي لبدٍ هـزبـر

 

وقاص أقرانٍ شديد الأسر

يسودهم في خمسةٍ وعشر

 

 

قال الأخذر: فكان كما قال ساد وهو ابن خمسة عشر، ومات وله مائة وخمسون سنة .


قصة قتله لعمرو بن هند: قال أبو عمرو حدثني أسد بن عمرو الحنفي وكرد بن السمعي وغيرهما، وقال ابن الكلبي حدثني أبي وشرقي بن القطامي، وأخبرنا إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة: أن عمرو بن هند قال ذات يوم لندمائه: هل تعلمون أحداً من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟ فقالوا: نعم! أم عمرو بن كلثوم. قال: ولم؟ قالوا: لأن أباها مهلهل بن ربيعة، وعمها كليب وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه. فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا في وجوه بني تغلب ؟. فدخل عمرو بن كلثوم على عمر بن هند في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرواق. وكانت هند عمة امرئ القيس بن حجر الشاعر، وكانت أم ليلى بنت مهلهل بنت أخي فاطمة بنت ربيعة التي هي أم امرئ القيس، وبينهما هذا النسب. وقد كان عمرو بن هند أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى. فدعا عمرو بمائدةٍ ثم دعا بالطرف. فقالت هند: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق. فقالت ليلى: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها. فأعادت عليها وألحت. فصاحت ليلى: واذلاه! يا لتغلب! فسمعها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه، ونظر إلى عمر بن هند فعرف الشر في وجهه، فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيفٍ لعمرو بن هند معلقٍ بالرواق ليس هناك سيف غيره، فضرب به رأس عمرو بن هند، ونادى في بني تغلب، فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه، وساروا نحو الجزيرة. ففي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:

ألا هبي بصحنك فاصبحينا

تعظيم تغلب بقصيدته المعلقة: وكان قام بها خطيباً بسوق عكاظ وقام بها في موسم مكة. وبنو تغلب تعظمها جداً ويرويها صغارهم وكبارهم، حتى هجوا بذلك؛ قال بعض شعراء بكر بن وائل:

ألهى بني تغلبٍ عن كل مكرمةٍ

 

قصيدة قالها عمرو بن كلثـوم

يروونها أبداً مذ كان أولـهـم

 

يا للرجال لشعرٍ غير مسـؤوم

فخر شعراء تغلب بقتله عمرو بن هند: وقال الفرزدق يرد على جرير في هجائه الأخطل:

ما ضر تغلب وائلٍ أهجوتها

 

أم بلت حيث تناطح البحران

 

قوم هم قتلوا ابن هنـدٍ عـنـوةً

 

عمراً وهم قسطوا على النعمان

           

وقال أفنون صريم التغلبي يفخر بفعل عمرو بن كلثوم في قصيدةٍ له:

لعمرك ما عمرو بن هندٍ وقد دعا

 

لتخدم ليلـى أمـه بـمـوفـق

فقام ابن كلثومٍ إلى السيف مصلتاً

 

فأمسك من ندمائه بالمـخـنـق

وجلله عمرو على الرأس ضربةً

 

بذي شطبٍ صافي الحديدة رونق

قال: وكان لعمرو أخ له مرة بن كلثوم، فقتل المنذر بن النعمان وأخاه. وإياه عنى الأخطل بقوله لجرير:

أبني كليبٍ إن عمي اللـذا

 

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

وكان لعمرو بن كلثوم ابن يقال له عباد، وهو قاتل بشر بن عمرو بن عدس. ولعمرو بن كلثوم عقب باق، ومنهم كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر صاحب الرسائل .


أغار على بني تميم ثم انتهى إلى بني حنيفة فأسره يزيد بن عمرو ثم أطلقه فمدحه: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال حدثني محمد بن الحسن الأحول عن ابن الأعرابي قال: أغار عمرو بن كلثوم التغلبي على بني تميم ثم مر من غزوه ذلك على حي من بني قيس بن ثعلبة، فملأ يديه منهم وأصاب أسارى وسبايا؛ وكان فيمن أصاب أحمد بن جندل السعدي، ثم انتهى إلى بني حنيفة باليمامة وفيهم أناس من عجل، فسمع به أهل حجر ؛ فكان أول من أتاه من بني حنيفة بنو سحيم عليهم يزيد بن عمرو بن شمر. فلما رآهم عمرو بن كلثوم ارتجز فقال:

من عاذ مني بعدها فلا اجتـبـر

 

ولا سقى الماء ولا أرعى الشجر

بنو لجيمٍ وجعـاسـيس مـضـر

 

بجانب الدو يدهدون الـعـكـر

فانتهى إليه يزيد بن عمرو فطعنه فصرعه عن فرسه وأسره. وكان يزيد شديداً جسيماً، فشده في القد وقال له: أنت الذي تقول:

متى تعقد قرينتنا بحـبـلٍ

 

تجد الحبل أو تقص القرينا

أما إني سأقرنك إلى ناقتي هذه فأطردكما جميعاً. فنادى عمرو بن كلثوم: يل لربيعة! أمثلة !. قال: فاجتمعت بنو لجيم فنهوه ولم يكن يريد ذلك به. فسار به حتى أتى قصراً بحجرٍ من قصورهم، وضرب عليه قبة ونحر له وكساه وحمله على نجيبه وسقاه الخمر. فلما أخذت برأسه تغنى:

أأجمع صحبتي السحر ارتحالاً

 

ولم أشعر ببينٍ منـك هـالا

ولم أر مثل هالة في مـعـدٍ

 

أشبه حسنهـا إلا الـهـلالا

ألا أبلغ بني جشم بن بـكـرٍ

 

وتغلب كلمـا أتـيا حـلالا

بأن الماجد القرم ابن عمـرٍو

 

غداة نطاع قد صدق القتـالا

كتيبتـه مـلـمـلـمة رداح

 

إذا يرمونها تفني الـنـبـالا

جزى الله الأغر يزيد خـيراً

 

ولقاه المسرة والـجـمـالا

بمأخذه ابن كلثوم بن عمـرٍو

 

يزيد الخير نـازلـه نـزالا

بجمعٍ من بني قـران صـيدٍ

 

يجيلون الطعـان إذا أجـالا

يزيد يقدم السفـراء حـتـى

 

يروي صدرها الأسل النهالا

حواره مع عمرو بن أبي حجر الغساني حين مر ببني تغلب فلم يكرموه: أخبرني علي بن سليمان قال أخبرنا الأحول عن ابن الأعرابي قال: زعموا أن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء فلحقوا بالشام خوفاً منه. فمر بهم عمرو بن أبي حجر الغساني، فتلقاه عمرو بن كلثوم. فقال له: يا عمرو، ما منع قومك أن يتلقوني ؟! فقال له: يا عمرو يا خير الفتيان، فإن قومي لم يستيقظوا لحربٍ قط إلا علا فيها أمرهم واشتد شأنهم ومنعوا ما وراء ظهورهم. فقال له: أيقاظ نومةٍ ليس فيها حلم، أجتث فيها أصولهم، وأنفى فلهم إلى اليابس الجرد، والنازح الثمد. فانصرف عمرو بن كلثوم وهو يقول:

ألا فاعلم أبيت اللعن أنـا

 

على عمدٍ سناتي ما نريد

تعلم لأن محملنا ثـقـيل

 

وأن زناد كبتنـا شـديد

وأنا ليس حي من معـدٍ

 

يوازينا إذا لبس الحـديد

هجاؤه للنعمان بن المنذر: قال: وقال ابن الأعرابي: بلغ عمرو بن كلثومٍ أن النعمان بن المنذر يتوعده، فدعا كاتباً من العرب فكتب إليه:

ألا أبلغ النعمان عني رسـالةً

 

فمدحك حولي وذمك قـارح

متى تلقني في تغلب ابنة وائلٍ

 

وأشياعها ترقى إليك المسالح

وهجا النعمان بن المنذر هجاءً كثيراً، منه قوله يعيره بأمه سليمى:

حلت سليمى بخبتٍ بعد فرتـاج

 

وقد تكون قديماً في بني نـاج

إذ لا ترجي سليمى أن يكون لها

 

من بالخورنق من قينٍ ونسـاج

ولا يكون على أبوابهـا حـرس

 

كما تلفف قبـطـي بـديبـاج

تمشي بعدلين من لؤمٍ ومنقـصةٍ

 

مشي المقيد في الينبوت والحاج

قال وقال في النعمان:

لحا الله أدنانا إلى اللـؤم زلـفة

 

وألامنا خالاً وأعجـزنـا أبـا

وأجدرنا أن ينفخ الكير خـالـه

 

يصوغ القروط والشنوف بيثربا

وفاته ونصيحته لبنيه: أخبرني الحسين بن علي قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن المغيرة عن ابن الكلبي عن رجل من النمر بن قاسط قال: لما حضرت عمرو بن كلثومٍ الوفاة وقد أتت عليه خمسون ومائة سنة، جمع بنيه فقال: يا بني، قد بلغت من العمر ما لم يبلغه أحد من آبائي، ولا بد أن ينزل بي ما نزل بهم من الموت. وإني والله ما عيرت أحداً بشيء إلا عيرت بمثله، إن كان حقاً فحقاً، وإن كان باطلاً فباطلاً. ومن سب سب؛ فكفوا عن الشتم فإنه أسلم لكم، وأحسنوا جواركم يحسن ثناؤكم، وامنعوا من ضيم الغريب؛ فرب رجلٍ خير من ألف، ورد خير من خلف. وإذا حدثتم فعوا، وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار تكون الأهذار . وأشجع القوم العطوف بعد الكر، كما أن أكرم المنايا القتل. ولا خير فيمن لا روية له عند الغضب، ولا من إذا عوتب لم يعتب . ومن الناس من لا يرجى خيره، ولا يخاف شره؛ فبكؤه خير من دره، وعقوقه خير من بره. ولا تتزوجوا في حيكم فإنه يؤدي إلى قبيح البغض .
صوت:

لمن الديار ببرقة الـروحـان

 

إذ لا نبيع زماننـا بـزمـان

صدع الغواني إذ رمين فؤاده

 

صدع الزجاجة ما لذاك تداني

إن زرت أهلك لم أنول حاجةً

 

وإذا هجرتك شفني هجراني

الشعر لجرير يهجو الأخطل ويرد عليه حكومته التي حكم بها للفرزدق عليه. والغناء، فيما ذكره علي بن يحيى المنجم في كتابه الذي لقبه بالمحدث، لمعبدٍ ثقيل أول بالوسطى، وذكر الهشامي أنه لحنين، قال ويقال: إنه لمعبد. وفيه ليزيد حوراء لحن ذكره عبد الملك بن موسى عنه، وقال: لا أدري أهو الثقيل الأول أم خفيف الرمل. وذكر حبش أن الثقيل الأول للغريض وأن خفيف الرمل بالبنصر للدلال .

ذكر سبب تصال الهجاء بين جرير والأخطل

سبب التهاجي بين جرير والأخطل: أخبرني علي بن سليمان الأخفش ومحمد بن العباس اليزيدي قالا حدثنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن أبي عبيدة وعن أبي غسان دماذٍ عن أبي عبيدة، وأخبرني محمد بن يحيى قال حدثنا أبو ذكوان القاسم بن إسماعيل قال حدثنا أبو غسان عن أبي عبيدة، وأخبرنا الصولي عن إبراهيم بن المعلى الباهلي عن الطوسي عن ابن الأعرابي وأبي عمرو الشيباني، وقد جمعت رواياتهم. قال أبو عبيدة حدثني عامر بن مالك المسمعي قال: كان الذي هاج التهاجي بين جريرٍ والأخطل أنه لما بلغ الأخطل تهاجي جرير والفرزدق قال لابنه مالكٍ وهو أكبر ولده وبه كان يكنى: انحدر إلى العراق حتى تسمع منهما وتأتيني بخبرهما. فانحدر مالك حتى لقيهما وسمع منهما ثم اتى أباه. فقال له: كيف وجدتهما؟ قال: وجدت جريراً يغرف من بحر، ووجدت الفرزدق ينحت من صخر. فقال الأخطل: الذي يغرف من بحرٍ أشعرهما؛ وقال يفضل جرير على الفرزدق:

إني قضيت قضاءً غير ذي جنفٍ

 

لما سمعت ولما جاءني الخبـر

أن الفرزدق قد شالت نعامـتـه

 

وعضه حية من قومـه ذكـر

وفي رواية ابن الأعرابي: قد سال الفرات به. قال أبو عبيدة: ثم إن بشر بن مروان دخل الكوفة، فقدم عليه الأخطل، فبعث إليه محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة بألف درهم وكسوة وبغلة وخمر، وقال له: لا تعن على شاعرنا، واهج هذا الكلب الذي يهجو بني دارم؛ فإنك قد قضيت على صاحبنا، فقل أبياتاً واقض لصاحبنا عليه. فقال الأخطل:

أجرير إنك والذي تسمو لـه

 

كأسيفةٍ فخرت بحدج حصان

 

عملت لربتها فلما عـولـيت

 

نسلت تعارضها مع الركبان

 

أتعد مأثرةً لغيرك فخـرهـا

 

وثناؤها في سالف الأزمـان

تاج الملوك وفخرهم في دارمٍ

 

أيام يربوع مـع الـرعـيان

           

وهي طويلة يقول فيها:

فاخسأ إليك كليب إن مجاشـعـاً

 

وابا الفوارس نهشـلاً أخـوان

سبقوا أباك بكل أعلـى تـلـعةٍ

 

في المجد عند مواقف الركبان

قوم إذا خطرت عليك فرومهـم

 

ألقتك بين كـلاكـلٍ وجـران

وإذا وضعت أباك في ميزانهـم

 

رجحوا وشال أبوك في الميزان

وقال جرير يرد حكومة الأخطل:

لمن الديار ببرقة الروحان

 

إذ لا نبيع زماننا بزمـان

وهي طويلة يقول فيها:

يا ذا الغباوة إن بشراً قد قضى

 

ألا تجوز حكومة النـشـوان

فدعوا الحكومة لستم من أهلها

 

إن الحكومة في بني شيبـان

قتلوا كليبكم بلقحة جـارهـم

 

يا خزر تغلب لستم بهجـان

قصيدة للأخطل وشرح بعض كلماتها: ومما غني فيه من نقائض جرير والأخطل: صوت:

أناخوا فجروا شاصياتٍ كأنهـا

 

رجال من السودان لم يتسربلوا

فقلت أصبحوني لا أبا لأبيكـم

 

وما وضعوا الأثقال إلا ليفعلوا

تمر بها الأيدي سنيحاً وبارحـاً

 

وترفع باللهم حـي وتـنـزل

الشاصيات: الشائلات القوائم من امتلائها. وعنى بالشاصيات ها هنا الزقاق، لأنها إذا امتلأت شالت أكارعها؛ يقال شصا برجله إذا رفعها، وشصا ببصره إذا شخص؛ قال الراجز يصف الشاخص:

وبـقـرٍ خـمـاص

 

ينظرن من خصاص

بأعـين شـواصـي

 

كفلق الـرصـاص

والسانح والسنيح: ما جاء عن يمينك يريد شمالك. والبارح: ما جاء عن شمالك يريد يمينك. والجابه ما جاء من أمامك مواجهاً لك. والقعيد والخفيف: ما جاء من ورائك. شبه دور الكأس واختلافها بينهم بالسوانح والبوارح .


الشعر للأخطل. والغناء لمالك، فيه لحنان كلاهما له، أحدهما رمل بالبنصر في مجراها في الأبيات الثلاثة على الولاء من رواية إسحاق، والآخر خفيف رملٍ بالوسطى في الثالث ثم الأول والثاني عن عمرو. وذكر عمرو أن الرمل أيضاً لابن سريج وأنه بالوسطى. وفيه لإبراهيم رمل بالبنصر في الأول والثاني عن الهشامي وعمرو. وفيه لابن محرز خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر عن عمرو والهشامي. ومنها: صوت:

خف القطين فراحوا منك أو بكروا

 

وأزعجتهم نوى في صرفها غـير

كأنني شارب يوم استـبـد بـهـم

 

من قرقفٍ ضمنتها حمص أو جدر

جادت بها ذوات القـار مـتـرعة

 

كلفاء ينحت من خرطومها المـدر

يا قاتل الله وصل الـغـانـيات إذا

 

أيقن أنك ممن قد زها الـكـبـر

أعرضن لما حنى قوسي موترهـا

 

وابيض بعد سواد اللمة الشـعـر

استبد بهم أي علي عليهم. والقرقف: التي تأخذ شاربها رعدة لشدتها. والكلفاء: الخابية في لونها كلف وقوله: زها الكبر، يعني استخفه وأضعفه؛ يقال: زهاه وازدهاه. وقال أبو عبيدة: الأصل في زهاه رفعه؛ فكأنه أراد أنه رفعه في علو سنه عما يردن منه. واللمة: الشعر المجتمع .


الشعر للأخطل يمدح عبد الملك بن مروان ويهجو قيساً وبني كليب ويقول فيها:

أما كليب بن يربوعٍ فلـيس لـهـا

 

عند التفـاخـر إيراد ولا صـدر

مخلفون ويقضي الناس أمـرهـم

 

وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا

ملطمون بأعقار الحـياض فـمـا

 

ينفك من دارمـي فـيهـم أثـر

بئس الصحاة وبئس الشراب شربهم

 

إذا جرى فيهم المزاء والسـكـر

قوم تناهت إليهم كـل مـخـزيةٍ

 

وكل فاحشةٍ سبت بهـا مـضـر

الآكلون خبيث الـزاد وحـدهـم

 

والسائلون بظهر الغيب ما الخبر

وهذه القصيدة من فاخر شعر الأخطل ومقدمه ومما غلب فيه على جرير. وقد احتاج جرير إلى سلخ بيته هذا الأخير فرده عليه بعينه في نقيضة هذه القصيدة، وضمنه بيتين من شعره فقال:

الآكلون خبيث الـزاد وحـدهـم

 

والنازلون إذا واراهم الخـمـر

والظاعنون على العمياء إن رحلوا

 

والسائلون بظهر الغيب ما الخبر

وفي هذه القصيدة يقول الأخطل يمدح عبد الملك:

إلى امرئ لا تعـرينـا نـوافـلـه

 

أظفره الله فليهنئ لـه الـظـفـر

الخائض الغمر والميمـون طـائره

 

خليفة الله يستسقى به الـمـطـر

والهم بعد نجي النـفـس يبـعـثـه

 

بالحزم والأصمعان القلب والحـذر

وما الفرات إذا جاشـت غـواربـه

 

في حافتيه وفي أوساطه العـشـر

وزعزعته رياح الصيف واضطربت

 

فوق الجآجـيء مـن آذيه غـدر

مسحنفر من جبال الـروم يسـتـره

 

منها أكافـيف فـيهـا دونـه زور

يوماً بأجود منـه حـين تـسـألـه

 

ولا بأجهر منه حـين يجـتـهـر

في نبعةٍ من قريش يعصبون بـهـا

 

ما إن يوازى بأعلى نبتها الشـجـر

حشد على الخبر عيافو الخنـا أنـف

 

إذا ألمت بهم مكروهة صـبـروا

لا يستقل ذوو الأضغان حـربـهـم

 

ولا يبين فـي عـيدانـهـم خـور

شمس العداوة حتى يستقـاد لـهـم

 

وأعظم الناس أحلامـاً إذا قـدروا

مدح الرشيد بيتاً للأخطل: أخبرنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن أبيه: أن الرشيد قال لجماعة من أهله وجلسائه: أي بيت مدح به الحلفاء منا ومن بني أمية أفخر؟ فقالوا وأكثروا. فقال الرشيد: أمدح بيتٍ وأفخره قول ابن النصرانية في عبد الملك:

شمس العداوة حتى يستقاد لهـم

 

وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

مدح آدم بن عمر بن عبد العزيز بيتاً للأخطل في مجلس المهدي فأغضبه: أخبرني الحسن قال حدثنا ابن مهرويه قال حدثني أحمد بن الحارث عن المدائني قال: قال المهدي يوماً وبين يديه مروان بن أبي حفصة: أين ما تقوله فينا من قولك في أمير المؤمنين المنصور:

له لحظات عن حفافي سريره

 

إذا كرها فيها عقاب ونـائل

فاعترضه آدم بن عمر بن عبد العزيز فقال: هيهات والله يا أمير المؤمنين أن يقول هذا ولا ابن هرمة كما قال الأخطل:

شمس العداوة حتى يستقاد لهـم

 

وأعظم الناس أحلاماً إذا قدروا

قال: فغضب المهدي حتى استشاط وقال: كذب والله ابن النصرانية العاض بظر أمه وكذبت يا عاض بظر أمك! والله لولا أن يقال: إني خفرت بك لعرفتك من أكثر شعراً! خذوا برجل ابن الفاعلة فأخرجوه عني! فأخرجوه على تلك الحال، وجعل يشتمه وهو يجر ويقول: يابن الفاعلة! أراها في رؤوسكم وأنفسكم .
صوت:

إني أرقت ولم يأرق مع صاح

 

لمستنكف بعيد النـوم لـواح

دانٍ مسفٍ فويق الأرض هيدبه

 

يكاد يدفعه من قام بـالـراح

عروضه من البسيط. الشعر لأوس بن حجر وهكذا رواه الأصمعي، أخبرنا بذلك اليزيدي عن الرياشي عنه، ووافقه بعض الكوفيين، وغير هؤلاء يرويه لعبيد بن الأبرص والغناء لإبراهيم الموصلي ثقيل أول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. ولحسين بن محرز لحن في البيت الثاني وبعده:

إن شرب الخمر أو أغلى بها ثمناً

 

فلا محالة يوماً أنـنـي صـاح

وطريقته خفيف رمل بالوسطى .

قوله: مستكف: يعني مستديراً؛ وكل طرة كفة. أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال سمعت أبا مهدي يقول وهو يصف شجاعاً عرض له في طريقه: تبعني شجاع من هذه الشجعان، فمر خلفي كأنه سهم زالج، فحدت عنه، واستكف كأنه كفة حابلٍ، فرميته فنظرت ثلاثة أثنائه وكذلك يقال كُفة الحابل وكِفة الميزان بالكسر، والأولى مضمومة . ولواح: من قولهم لاح يلوح إذا ظهر. ومسف: قد أسف على وجه الأرض إذا صار عليها أو قرب منها أو دنا إليها؛ ومن هذا يقال: أسف الطائر إذا طار على وجه الأرض؛ ويقال ذلك للسهم أيضاً. وهيدبه: الذي تراه كالمتعلق بالسحاب. يقول: هذا السحاب يكاد من قال أن يمسه ويدفعه براحته لقربه من الأرض؛ وهو أحسن ما وصف به السحاب .