الجزء الحادي عشر - أخبار أبي جلدة ونسبه

أخبار أبي جلدة ونسبه

نسب أبي جلدة: أبو جلدة بن عبيد بن منقذ بن حجر بن عبيد الله بن مسلمة بن حبيب بن عدي بن جشم بن غنم بن حبيب بن كعب بن يشكر بن بكر بن وائلٍ، شاعر إسلامي، من شعراء الدولة الأموية، ومن ساكني الكوفة. وكان ممن خرج مع ابن الأشعث فقتله الحجاج .


كان أخص الناس بالحجاج ثم صار من أشدهم تحريضاً عليه حين خرج مع ابن الأشعث وقتل: أخبرني بخبره في جملة ديوان شعره محمد بن العباس اليزيدي وقرأته عليه قال حدثني عمي عبد الله قال حدثني محمد بن حبيب، وأخبرني به علي بن سليمان الأخفش أيضاً عن الحسن ابن الحسن اليشكري عن ابن الأعرابي قال: كان أبو جلدة اليشكري من أخص الناس بالحجاج، حتى إنه بعثه وبعث معه عبد الله بن شداد ابن الهادي الليثي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فخطب الحجاج منه ابنته أم كلثوم. ثم خرج بعد ذلك مع ابن الأشعث، وكان من أشد الناس تحريضاً على الحجاج. فلما أتي الحجاج برأسه ووضع بين يديه مكث ينظر إليه طويلاً ثم قال: كم من سرٍ أودعته في هذا الرأس فلم يخرج حتى أتيت به مقطوعاً. فلما كان يوم الزاوية خرج خرج أبو جلدة بين الصفين، ثم أقبل على أهل الكوفة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها:

فقل للحواريات يبـكـين غـيرنـا

 

ولا تبكنا إلا الكـلاب الـنـوابـح

بكين إلينا خشـيةً أن تـبـيحـهـا

 

رماح النصارى والسيوف الجوارح

بكين لكيما يمنعـوهـن مـنـهـم

 

وتأبى قلوب أضمرتها الجـوانـح

ونادينـا أين الـفـرار وكـنـتـم

 

تغارون أن تبدو البرى والوشـائح

أأسلمتمونا للعدو عـلـى الـقـنـا

 

إذا انتزعت منها القرون النواطـح

فما غار منكـم غـائر لـحـلـيلةٍ

 

ولا عزب عزت عليه المنـاكـح

قال: فلما أنشدهم هذه الأبيات أنفوا وثاروا فشدوا شدة تضعضع لهم عسكر الحجاج، وثبت لهم الحجاج وصاح بأهل الشام فتراجعوا وثبتوا، فكانت الدائرة له، فجعل يقتل الناس بقية يومه، حتى صاح به رجل: والله يا حجاج لئن كنا قد أسأنا في الذنب لما أحسنت في العفو، ولقد خالفت الله فينا وما أطعته. فقال له: وكيف ويلك؟ قال: لأن الله تعالى يقول " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها " وقد قتلت فأثخنت حتى تجاوزت الحد، فأسر ولا تقتل، ثم قال: أو امنن. فقال أولى لك ! ألا كان هذا الكلام منك قبل هذا الوقت! ثم نادى برفع السيف وأمن الناس جميعاً، قال ابن حبيب قال ابن الأعرابي: فبلغني أن الحجاج قال يوماً لجلسائه ما حرض على أحد أبو جلدة؛ فإنه نزل على سرحةٍ في وسط عسكرٍ لابن الأشعث ثم نزع سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه. فقالوا له: ما لك ويلك أجننت! ما هذا الفعل! قال: كلكم قد فعلتم هذا إلا أنكم سترتموه وأظهرته. فشتموه وحملوا علي، فما أنساهم وهو يقدمهم ويرتجز:

نحن جلبنا الخيل من زرنجا

 

ما لك يا حجاج منا منجى

لتبعجن بالسيوف بعـجـا

 

أو لتفرن فذاك أحـجـى

فوالله لقد كاد أهل الشام يومئذٍ يتضعضعون لولا أن الله تعالى أيد بنصره .
قال وقال أبو جلدة يومئذٍ:

أيا لهفي ويا حزني جميعاً

 

ويا غم الفؤاد لما لقينـا

تركنا الدين والدنيا جميعاً

 

وخلينا الحلائل والبنينـا

فما كنا أناسـاً أهـل دينٍ

 

فنصبر للبلاء إذا بلينـا

ولا كنا اناساً أهـل دنـيا

 

فنمنعها وإن لم نرج دينا

تركنا دورنا لطغام عـك

 

وأنباط القرى والأشعرينا

ذم القعقاع بن سويد بعض ما عامله به فقال فيه شعراً: قال ابن حبيب: وكان أبو جلدة مع القعقاع بن سويد المنقري بسجستان، فذم منه بعض ما عامله به، فقال فيه:

ستعلم أن رأيك رأي سـوءٍ

 

إذا ظل الإمارة عنـك زالا

وراح بنو أبيك ولست فيهـم

 

بذي ذكرٍ يزيدهم جـمـالا

هناك تذكر الأسلاف منهـم

 

إذا الليل القصير عليك طالا

فقال له القعقاع: ومتى يطول علي الليل القصير؟ قال: إذا نظرت إلى السماء مربعةً. فلما عزل وحبس أخرج رأسه ليلةً فنظر ، فإذا هو لا يرى السماء إلا بقدر تربيع السجن، فقال: هذا والله الذي حذرنيه أبو جلدة .
مدح مسمع بن مالك حين ولي سجستان ورثاه حين توفي: قال: وولي مسمع بن مالك سجستان، وكان مكث أبي جلدة بها، فخرج إليه فتلقاه ومدحه بقصيدته التي أولها:

بانت سعاد وأمسى حبلها انقطـعـا

 

وليت وصلاً لها من حبلها رجعـا

شطت بها غـربة زوراء نـازحة

 

فطارت النفس من وجدٍ بها قطعا

ما قرت العين إذ زالت فينفعـهـا

 

طعم الرقاد إذا ما هاجع هجـعـا

منعت نفسي من روحٍ تعـيش بـه

 

وقد أكون صحيح الصدر فانصدعا

غدت تلوم على ما فات عاذلـتـي

 

وقبل لومك ما أغنيت من منـعـا

مهلاً ذريني فإني غالني خلـقـي

 

وقد أرى في بلاد الله متـسـعـا

فخري تليد وما أنفقت أخـلـفـه

 

سيب الإله وخير المال ما نفـعـا

ما عضني الدهر إلا زادني كرمـاً

 

ولا استكنت له إن خان أو خدعـا

ولا تلين على العلات معجمـتـي

 

في النائبات إذا ما مسني طبـعـا

ولا تلين مـن عـودي غـمـائزه

 

إذا المغمز منها لان أو خضـعـا

ولا أخائل رب البيت غـفـلـتـه

 

ولا أقول لشيءٍ فات ما صنـعـا

إني لأمدح أقوامـاً ذوي حـسـبٍ

 

لم يجعل الله في أقوالهم قـذعـا

الطيبين على العلات مـعـجـمةً

 

لو يعصر المسك من أطرافهم نبعا

بني شهابٍ بها أعـنـي وإنـهـم

 

لأكرم الناس أخلاقاً ومصطنـعـا

قال: فوصله مسمع بن مالك وحمله وكساه وولاه ناشيتكين وكان مكتبه . قال: ثم توفي مسمع بن مالك سجستان، فقال أبو جلدة يرثيه:

أقول للنفـس تـأسـاءً وتـعـزيةً

 

قد كان من مسمعٍ في مالكٍ خلف

يا مسمع الخير من ندعو إذا نزلت

 

إحدى النوائب بالأقوام واختلـفـوا

يا مسمعاً لعراقٍ لا زعـيم لـهـا

 

بمن ترى يؤمن المستشرف النطف

تلك العيون بحيث المصر سـادمة

 

تبكيك إذ غالك الأكفان والجـرف

قد وسدوك يمينـاً غـير مـوسـدة

 

وبذل جود لما أودي بك إلى التلف

كنت الشهاب الذي يرمى العدو بـه

 

والبحر منه سجال الجود تغتـرف

كان ينادم شقيق بن سليط واستثقل أخاه ثعلبة فهجاه: قال ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان أبو جلدة ينادم شقيق بن سليط بن بديل السدوسي أخاً بسطام بن سليطٍ، وكان لهما أخ يقال له ثعلبة بن سليطٍ، وكان ثقيلاً بخيلاً مبغضاً، وكان يطفل عليهم ويؤذيهم. فقال فيه أبو جلدة:

أحب على لذاذتنا شقيقـاً

 

وأبغض مثل ثعلبة الثقيل

له غم على الجلساء مؤذٍ

 

نوافله إذا شربوا قلـيل

أعطى مسمع مالاً لعشيرته وجفا بكر فقال هو شعراً فأكرمه وأرضاه: قال ابن حبيب عن ابن الأعرابي: وفرق مسمع بن مالك في عشيرته بني قيس بن ثعلبة عطايا كثيرةً وقربهم وجفا سائر بطون بكر بن وائلٍ. فقال أبو جلدة:

إذا نلت مالاً قلت قيس عشيرتي

 

تجور علينا عامداً في قضائكـا

وإن كانت الأخرى فبكر بن وائلٍ

 

بزعمك يخشى داؤها بدوائكـا

هنالك لا نمشي الضراء إليكـم

 

بني مسمعٍ إنا هنـاك أولـئكـا

عسى دولة الذهلين يوماً ويشكرٍ

 

تكر علينا سبغةً من عطـائكـا

قال: فبعث إليه مسمع فترضاه ووصله وفرق في سائر بطون بكر بن وائل على جذمين، جذمٍ يقال له الذهلان، وجذمٍ يقال له اللهازم. فالذهلان: بنو شيبان بن ثعلبة بن يشكر بن وائل، وبنو ضبيعة بن ربيعة . واللهازم: قيس بن ثعلبة، وتيم اللات بن ثعلبة، وعجل بن لجيم، وعنزة بن أسدٍ بن رببيعة. قال الفرزدق:

وأرضى بحكم الحي بكر بن وائلٍ

 

إذا كان في الذهلين أو في اللهازم

قال: وقد دخل بنو قيس بن عكابة مع إخوتهم بني قيس بن ثعلبة بن عكابة. وأما حنيفة فلم تدخل في شيء من هذا لانقطاعهم عن قومهم باليمامة في وسط دار مضر، وكانوا لا ينصرون بكراً ولا يستنصرونهم. فلما جاء الإسلام ونزل الناس مع بني حنيفة ومع بني عجل بن لجيم فتلهزموا ودخل معهم حلفاؤهم بنو مازن بن جدي بن مالك بن صعب بن عليٍ، فصاروا جميعاً في اللهازم. وقال موسى بن جابر الحنفي السحيمي بعد ذلك في الإسلام:

وجدنا أبانـا كـان حـل بـبـلـدةٍ

 

سوًى بين قيسٍ قيس عيلان والفزر

فلما نأت عنا العشـيرة كـلـهـا

 

أقمنا وحالفنا السيوف على الدهـر

فما أسلمتنا بعـد فـي يوم وقـعةٍ

 

ولا نحن أغمدنا السيوف على وتر

كان جاره سيف يشرب ويعربد عليه فهجاه: وقال ابن حبيب عن ابن الأعرابي قال: كان لأبي جلدة بسجستان جار يقال له سيف من بني سعد، وكان يشرب الخمر ويعربد على أبي جلدة، فقال يهجوه:

قل لذوي سيفٍ وسيفٍ ألـسـتـم

 

أقل بني سعدٍ حصاداً ومزرعـا

كأنكـم جـعـلان دار مـقـامةٍ

 

على عذرات الحي أصبحن وقعا

لقد نال سيف في سجستان نهـزةً

 

تطاول منها فوق ما كان إصبعـا

أصاب الزنا والخمر حتى لقد نمت

 

له سرة تسقى الشراب المشعشعا

فلولا هوان الخمر ما ذقت طعمها

 

ولا سقت إبريقاً بكفك متـرعـاً

كما لم يذقها أن تكـون عـزيزةً

 

أبوك ولم يعرض عليها فيطمعـا

وكان مكان الكلب أو مـن ورائه

 

إذا ما المغني للذاذة أسـمـعـا

خبره مع القعقاع حين أرجف به فتهدده بالعزل: قال ابن حبيب: وكان أبو جلدة قد استعمله القعقاع بن سويد حين تولى سجستان على بست والرخج، فأرجف الناس بالقعقاع وأرجف به أبو جلدة معهم، وكتب القعقاع إليه يتهدده؛ فكتب إليه أبو جلدة:

يهددني القعقاع في غير كنهـه

 

فقلت له بكر إذا رمتني ترسي

 

كأنا وأياكم إذا الحـرب بـينـنـا

 

أسود عليها الزعفران مع الورس

ترى كمصابيح الدياجي وجوهنـا

 

إذا ما لقينا والهرقلية الـمـلـس

هناك السعود السانحات جرت لنـا

 

وتجري لكم طير البوارح بالنحس

وما أنت يا قعقاع إلا كمن مضى

 

كأنك يوماً قد نقلت إلى الرمـس

أظن بغال البرد تسـري إلـيكـم

 

به غطفانياً وإلا فمـن عـبـس

وإلا فبالبسـال يا لـك إن سـرت

 

به غير مغموز القناة ولا نكـس

فعمالنـا أوفـى وخـير بـقـيةً

 

وعمالكم أهل الخيانة واللـبـس

وما لبني عمرٍو عـلـي هـوادة

 

ولا للرباب غير تعسٍ من التعس

           

قال: فلما انتهت هذه القصيدة إلى القعقاع وجه برسولٍ إلى أبي جلدة، وقال: انظر، فإن كان كتب هذا الكتاب بالغداة فاعزله، وإن كان كتبه بالليل فأقرره على عمله ولا تعزله ولا تضربه. وكان أبو جلدة صاحب شرابٍ، فقال للرسول: والله ما كتبته إلا بالعشي. فسأله البينة على ذلك فأتاه بأقوامٍ شهدوا له بما قال، فأقره على عمله وانصرف عنه .


شبب ببنت دهقان فأهدى له ليترك ذكرها: قال ابن حبيب: ومر أبو جلدة بقصرٍ من قصور بست ينزله رجل من الدهاقين، فرأى ابنته تشرف من أعلى القصر، فأنشأ يقول:

إن في القصر ذي الخبا بدر تمٍ

 

حسن الدل للفؤاد مـصـيبـا

ولعاباً بالخلـوق يأرج مـنـه

 

ريح رندٍ إذا استقل مـنـيبـا

يلبس الخز والمطارف والـق

 

ز وعصباً من اليماني قشيبـا

ورأيت الحبيب يبـرز كـفـاً

 

ما رآه المحب إلا خضـيبـا

فبلغ ذلك من قوله الدهقان، فأهدى له وبره وسأله ألا يذكر ابنته في شعرٍ بعد ذلك .
لحقه ضيم فلم يمنعه قومه فهتف بمسمع بن مالك وآخرين فسعى له قومه: قال ابن حبيب: ولحق أبا جلدة ضيم من بعض الولاة، فهتف بقومه فلم يقدروا على منعه منه ولا معونته رهبةً للسلطان، فهتف بأعلى صوته: يا مسمع بن مالك، يا أمير بن أحمر، ثم أنشأ يقول:

ولما أن رأيت سراة قومي

 

سكوتاً لا يثوب لهم زعيم

هتفت بمسمعٍ وصدى أميرٍ

 

وقبر معمرٍ تلك القـروم

قال: فأبكى جميع من حضر، وقاموا جميعاً إلى الوالي فسألوه في أمره حتى كف عنه. قال: وأمير بن أحمر رجل من بني يشكر، وكان سيداً جواداً، وفيه يقول زياد الأعجم:

لولا أمير هلكـت يشـكـر

 

ويشكر هلكى على كل حال

قال ابن الأعرابي: كان أمير بن أحمر والياً على خراسان في أيام معاوية .


ومعمر الذي عناه أبو جلدة معمر بن شمير بن عامر بن جبلة بن ناعب بن صريمٍ، وكان أمير سجستان، وكان سيداً شريفاً.
خطب خليعة بنت صعب فأبت وتزوجت غيره فقال شعراً: وقال: خطب أبو جلدة امرأة من بني عجلٍ يقال لها خليعة بنت صعبٍ، فأبت أن تتزوجه وقالت: أنت صعلوك فقير لا تحفظ مالك ولا تلفي شيئاً إلا أنفقته في الخمر، وتزوجت غيره. فقال أبو جلدة في ذلك: صوت:

لما خطبت إلى خليعة نفسهـا

 

قالت خليعة ما أرى لك مالا

أودى بمالي يا خليع تكرمـي

 

وتخرقي وتحملي الأثـقـالا

إني وجدك لو شهدت مواقفي

 

بالسفح يوم أجلل الأبـطـالا

سيفي، لسرك أن تكوني خادماً

 

عندي إذا كره الكماة نـزالا

الغناء لإبراهيم الموصلي ثاني ثقيل بالوسطى عن الهشامي من كتاب علي بن يحيى .


ضرط بين قوم فضحكوا فأكرههم على أن يضرطوا: قال أبو سعيدٍ السكري وعمر بن سعيد صاحب الواقدي: إن أبا جلدة كان في قريةٍ من قرى بست يقال لها الخيزران ومعهم عمرو بن صوحان أخو صعصعة في جماعةٍ يتحدثون ويشربون، إذ قام أبو جلدة ليبول فضرط، وكان عظيم البطن، فتضاحك القوم منه، فسل سيفه وقال: لأضربن من لايضرط في مجلسه هذا ضربةً بسيفي، أمني تضحكون لا أم لكم! فما زال حتى ضرطوا جميعاً غير عمر بن صوحان. فقال له: قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ولك بدلها عشر فسوات. قال: لا والله أو تفصح بها! فجعل عمر يجثي وينحني فلا يقدر عليها، فتركه. وقال أبو جلدة في ذلك:

أمن ضرطةٍ بالخيزران ضرطتها

 

تشـدد مـنـي دارةً وتـلـين

 

فما هو إلا السيف أو ضرطة لها

 

يثور دخان ساطـع وطـنـين

           

قال: ولعمرو بن صوحان يقول أبو جلدة اليشكري وطالت صحبته إياه فلم يظفر منه بشيء:

صاحبت عمراً زماناً ثم قلت لـه

 

الحق بقومك يا عمرو بن صوحانا

فإن صبرت فإن الصبر مكـرمة

 

وإن جزعت فقد كان الذي كانـا

هجا زياداً الأعجم لهجوه بني يشكر: قال ابن سعيد وحدثني أبو صالح قال: بلغ أبا جلدة أن زياداً الأعجم هجا بني يشكر، فقال فيه:

لا تهج يشكـر يا زياد ولا تـكـن

 

غرضاً وأنت عن الأذى في معزل

واعلم بأنهـم إذا مـا حـصـلـوا

 

خير وأكرم مـن أبـيك الأعـزل

لولا زعيم بني المعلى لـم نـبـت

 

حتى نصبحكم بجيشٍ جـحـفـل

تمشي الضراء رجالهم وكأنـهـم

 

أسد العرين بكل عضبٍ منصـل

فاحـذر زياد ولا تـكـن تــدرأٍ

 

عند الرجال ونهزةً لـلـخـتـل

مدح سليمان بن عمرو بن مرثد كان صديقاً له: وقال ابن حبيب: كان سليمان بن عمرو بن مرثد البكري صديقاً لأبي جلدة، وكان فارساً شجاعاً، وقتله ابن خازمٍ لشيء بلغه فأنكره؛ وفيه يقول أبو جلدة:

إذا كـنـت مـرتـــاداً نـــديمـــاً مـــكـــرراً

 

نمـاه سـراة مـن ســراة بـــنـــي بـــكـــر

فلا تـعـد ذا الـعـلـيا سـلــيمـــان عـــامـــداً

 

تجـد مـاجـداً بـالـجـود مـنـشـرح الـــصـــدر

كريمـاً عـلـى عــلاتـــه يبـــذل الـــنـــدى

 

ويشـربـهـا صـهـبـاء طــيبة الـــنـــشـــر

معتقةً كالمسك يذهب ريحها الزكام وتدعو المرء للجود بالوفر

 

 

وتترك حاسي الكأس منها مرنحاً

 

يمـيد كـمـا مـاد الأثـيم مـــن الـــســـكـــر

تلـوح كـعـين الـديك ينـزو حـــبـــابـــهـــا

 

إذا مـزجـت بـالـمـاء مـثـل لـظـى الـجـمـــر

فتـلــك إذا نـــادمـــت مـــن آل مـــرثـــدٍ

 

علـيهـا نـديمـاً ظـل يهـرف بـالـــشـــعـــر

يغـــنـــيك تـــاراتٍ وطـــوراً يكـــرهـــا

 

علـــيك بـــحــــياك الإلـــــــه ولا يدري

تعـود ألا يجـهـل الـــدهـــر عـــنـــدهـــا

 

وأن يبـذل الـمـعـروف فـي الـعـسـر والـيســـر

وإن سـلـيمـان بـن عـمــرو بـــن مـــرثـــدٍ

 

تألـــى يمـــينــــاً أن يريش ولا يبـــــــري

فهـمـتـه بـذل الـنـدى وابـتــنـــا الـــعـــلا

 

وضرب طـلـى الأبـطـال فـي الـحـرب بـالـبـتـر

وفـي الأمـن لا ينــفـــك يحـــســـو مـــدامةً

 

إذا مـا دجـا لـيل إلـى وضــح الـــفـــجـــر

قال: فلما بلغت سليمان هذه الأبيات قال: هجاني أخي وما تعمد، لكنه يرى أن الناس جميعاً يؤثرون الصهباء كما يؤثرها هو، ويشربونها كما يشربها. وبلغ قوله أبا جلدة فأتاه فاعتذر إليه، وحلف أنه لم يتعمد بذلك ما يكرهه وينكره. قال: قد علمت بذلك وشهدت لك به قبل أن تعتذر، وقبل عذره .


سأل الحضين بن المنذر شيئاً فلم يعطه إياه فهجاه: وقال ابن حبيب: سأل أبو جلدة الحضين بن المنذر الرقاشي فلم يعطه إياه، وقال: لا أعطيه ما يشرب به الخمر. فقال أبو جلدة يهجوه:

يا يوم بؤسٍ طلعـت شـمـسـه

 

بالنحس لا فارقت رأس الحضين

إن حضـينـاً لـم يزل بـاخـلاً

 

مذ كان بالمعروف كز الـيدين

فبلغ الحضين قول أبي جلدة، فقال يهجوه:

عض أبو جلدة مـن أمـه

 

معترضاً ما جاوز الأسكتين

بظراً طويلاً غاشياً رأسـه

 

أعقف كالمنجل ذا شعبتين

وقال أبو جلدة في حضينٍ أيضاً:

لعمرك إني يوم أسند حـاجـتـي

 

إليك أبا ساسـان غـير مـسـدد

فلا عالم بالغيب مـن أين ضـره

 

ولا خائف بث الأحاديث في غـد

فليت المنايا حلقت بي صروفهـا

 

فلم أطلب المعروف عند المصرد

فلو كنت حراً يا حضين بن منـذرٍ

 

لقمت بحاجاتي ولـم تـتـبـلـد

تجهمتني خوف القرى واطرحتني

 

وكنت قصير الباع غير المقـلـد

ولم تعد ما قد كنت أهلاً لمثـلـه

 

من اللؤم يابن المستذل المعـبـد

تهدده بنو رقاش لهجائه الحضين فقال شعراً: قال: فبلغ أبا جلدة أن بني رقاش تهددوه بالقتل لهجائه الحضين بن منذرٍ، فقال:

تهددني جهـلاً رقـاش ولـيتـنـي

 

وكل رقاشي على الأرض في الحبل

 

فباست حضينٍ واست أمٍ رمـت بـه

 

فبئس محل الضيف في الزمن المحل

وإن أنا لم أترك رقاش وجمـعـهـم

 

أذل على وطء الهوان من النـعـل

فشلت يداي واتبعت سـوى الـهـدى

 

سبيلاً وقفت للـخـير والـفـضـل

عظام الخصى ثط اللحى معدن الخنـا

 

مباخيل بالأزواد في الخصب والأزل

إذا أمنوا ضراء دهرٍ تـعـاظـلـوا

 

عظال الكلاب في الدجنة والـوبـل

وإن عضهم دهر بـنـكـبة حـادثٍ

 

فأخور عيداناً من الـمـرخ والأثـل

أسود شرى وسط النـدي ثـعـالـب

 

إذا خطرت حرب مراجلها تغـلـي

           

شعره في دهقانة كان يختلف إليها: أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني محمد بن عبد الله الأصبهاني المعروف بالحزنبل عن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه قال: عشق أبو جلدة دهقانة ببست وكان إليها ويكون عندها دائماً، وقال فيها:

وكأسٍ كأن المسك فيها حسوتها

 

ونازعيها صاحب لي مـلـوم

أغر كأن البدر سـنة وجـهـه

 

له كفل وافٍ وفرع ومبـسـم

يضيء دجى الظلماء رونق خده

 

وينجاب عنه الليل والليل مظلم

وثديان كالحقين والمتن مدمـج

 

وجيد عليه نسق درٍ مـنـظـم

وبطن طواه الله طياً ومنـطـق

 

رخيم وردف نيط بالحقو مفـأم

به تبلتني واستبتنـي وغـادرت

 

لظًى في فؤادي نارها تتضرم

أبيت بها أهذي إذا الليل جننـي

 

وأصبح مبهوتاً فما أتـكـلـم

فمن مبلغ قومي الدنا أن مهجتي

 

تبين، لئن بانـت ألا تـتـلـوم

وعهدي بها والله يصلح بالـهـا

 

تجود على من يشتهيها وتنعـم

فما بالها ضنت علي بـودهـا

 

وقلبي لها يا قوم عانٍ مـتـيم

قال: فلما بلغها الشعر سألت عن تفسيره ففسر لها. فلما انتهى المفسر إلى هذين البيتين الأخيرين غضبت فقالت: أنا زانية كما زعم! إن كلمته كلمةً أبداً. أو كلما اشتهاني إنسان بذلت له نفسي وأنعمت من روحي إذاً! أي أنا إذاً زانية. فصرمته، فلم يقدر عليها وعذب بها وعذب بها زماناً، ثم قال فيها لما يئس منها:

صحا قلبي وأقصر بعـد غـيٍ

 

طويلٍ كان فيه من الغـوانـي

بأن قصد السبيل فبـاع جـهـلاً

 

برشدٍ وارتجى عقبى الزمـان

وخاف الموت واعتصم ابن حجرٍ

 

من الحب المبرح بالـجـنـان

وقدماً كان معترماً جـمـوحـاً

 

إلى لذاته سـلـس الـعـنـان

وأقلع بعد صبوتـه وأضـحـى

 

طويل الليل يهرف بالـقـران

ويدعو الله مجتهـداً لـكـيمـا

 

ينال افوز من غرف الجـنـان

قال شعراً في يزيد بن المهلب ثم تنصل منه: قال ابن حبيب قال أبو عبيدة: كان يزيد بن المهلب يتهم بالنساء. فقال فيه أبو جلدة:

إذا اعتكرت ظلماء ليلٍ ونومـت

 

عيون رجالٍ واستلذوا المضاجعا

سما نحو جار البيت يستام عرسه

 

يزيد دبيباً للمعانـاة قـابـعـا

وإن أمكنته جارة البيت أو رنت

 

إليه أتاها بعـد ذلـك طـائعـا

فشاعت الأبيات ورواها الناس لقتادة بن معرب . فقال أبو جلدة:

أبا خالدٍ ركني ومـن أنـا عـبـده

 

لقد غالني الأعداء عمداً لتغضـبـا

فإن كنت قلت اللذ أتاك به الـعـدا

 

فشلت يدي اليمنى وأصبحت أعضبا

ولا زلت محمولاً عـلـي بـلـية

 

وأمسيت شلواً للسبـاع مـتـربـا

فلا تسمعن قول العـدا وتـبـينـن

 

أبا خالدٍ عذراً وإن كنت مغضـبـا

سئل عنه البعيث فذكر شعراً لقتادة بن معرب يهجوه به: وقال ابن حبيب: قال رجل للبعيث: أي رجلٍ هو أبو جلدة؟ فقال: قتادة بن معرب أعرف به حيث يقول:

إن أبا جلدة مـن سـكـره

لا يعرف الحق من الباطل

يزداد غياً وانهمـاكـاً ولا

يسمع قول الناصح العاذل

أعيا أبوه وبـنـو عـمـه

وكان في الذروة من وائل

فليته لم يك مـن يشـكـرٍ

فبئس خدن الرجل العاقل

أعمى عن الحق بصير بمـا

يعرفه كل فتًـى جـاهـل

يصبح سكران ويمسي كمـا

أصبح، لا أسقي من الوابل

شد ركاب الغي ثم اغتـدى

إلى التي تجلب من بـابـل

فالسجن إن عاش له منـزل

والسجن دار العاجز الخامل

           

شعر له يناقض به قتادة بن معرب: وقال أبو جلدة يجيبه:

قبحت لو كنت أمراً صالحـاً

 

تعرف ما الحق من الباطل

كففت عن شتمي بلا إحـنةٍ

 

ولم تورط كفة الـحـابـل

لكن أبت نفسك فعل النهـى

 

والحزم والنجدة والـنـائل

فتحت لي بالشتم حتـى بـدا

 

مكنون غشٍ في الحشا داخل

فاجهد وقل لا تترك جاهـداً

 

شتم امرئٍ ذي نجدةٍ عاقـل

تعذلني فـي قـهـوةٍ مـزةٍ

 

درياقةٍ تجلب مـن بـابـل

ولو رآها خر من حـبـهـا

 

يسجد للشيطان بالـبـاطـل

يا شر بكرٍ كلها مـحـتـداً

 

ونهزة المختـلـس الآكـل

عرضك وفره ودعني ومـا

 

أهواه يا أحمق من بـاقـل

عربد عليه ابن عم له فاحتمله وقال شعراً: قال ابن حبيب: كان أبو جلدة يشرب مع ابن عم له من بكر بن وائل، فسكر نديمه فعربد عليه وشتمه، فاحتمله أبو جلدة وسقاه حتى نام، وقال في ذلك:

أبى لي أن ألحى نديمي إذا انتشـى

 

وقال كلاماً سيئاً لي على السكـر

وقاري وعلمي بالشراب وأهـلـه

 

وما ندم القوم الكرام كذي الحجر

فلست بلاحٍ لـي نـديمـاً بـزلةٍ

 

ولا هفوةٍ كانت ونحن على الخمر

عركت بجنبي قول خدني وصاحبي

 

ونحن على صهباء طيبة النشـر

فلما تمادى قلت خـذهـا عـريقةً

 

فإنك من قومٍ جحاجـحةٍ زهـر

فما زلت أسقيه وأشرب مثل مـا

 

سقيت أخي حتى بدا وضح الفجر

وأيقنت أن السكر طـار بـلـبـه

 

فأغرق في شتمي وقال وما يدري

ولاك لساناً كان إذ كان صـاحـياً

 

يقلبه في كل فنٍ من الـشـعـر

شعر له وقد دعا رجلاً من قومه للشراب فأبى: أخبرني محمد بن مزيدٍ قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال: كان أبو جلدة اليشكري قد خرج إلى تستر في بعثٍ، فشرب بها في حانةٍ مع رجلٍ من قومه كان ساكناً بها. ثم خرج عنها بعد ذلك وعاد إلى بست والرخج وكان مكتبه هناك، فأقام بها مدة، ثم لقي بها ذلك الرجل الذي نادمه بتستر ذات يومٍ، فسلم عليه ودعاه إلى منزل، فأكلا، ثم دعا بالشراب ليشربا، فامتنع الرجل وقال: إني قد تركتها لله. فقال أبو جلدة وهو يشرب:

ألا رب يومٍ لـي بـبـسـت ولـيلةٍ

 

ولا مثل أيامي المواضي بتسـتـر

غنيت بها أسقـي سـلاف مـدامةٍ

 

كريم المحيا من عرانـين يشـكـر

نبادر شرب الراح حتى نـهـرهـا

 

وتتركنا مثل الصريع المـعـفـر

فذلك دهر قـد تـولـى نـعـيمـه

 

فأصبحت قد بدلت طول التـوقـر

فراجعني حلمي وأصبحت منهج ال

 

شراب وقدماً كنت كالـمـتـحـير

وكل أوان الحق أبصرت قـصـده

 

فلست وإن نبهت عنه بمـقـصـر

سأركض في التقوى وفي العلم بعدما

 

ركضت إلى أمر الغوي المشهـر

وبالله حولي واحتـيالـي وقـوتـي

 

ومن عنده عرفي الكثير ومنكـري

مر به مسمع بن مالك فوثب إليه وقال فيه شعراً: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن الحارث المدائني قال: مر مسمع بن مالكٍ بأبي جلدة، فوثب إليه وأنشأ يقول:

يا مسمع بن مالكٍ يا مسـمـع

 

أنت الجواد والخطيب المصقع

فاصنع كما كان أبوك يصنع

 

 

فقال له رجل كان جالساً هناك: إن قبل منك والله يا أبا جلدة ناك أمه، فقال له: وكيف ذلك ويحك؟ قال: لأنك أمرته أن يصنع كما كان أبوه يصنع !.
مدح مقاتل بن مسمع طمعاً في مثل ما كان مسمع يعطيه فلما رده هجاه: وقال أبو عمرو الشيباني: كان مسمع بن مالك يعطي أبا جلدة، فقال فيه :

يسعى أناس لكـيمـا يدركـوك ولـو

 

خاضوا بحارك أو ضحضاحها غرقوا

وأنت في الحرب لا رث القوى بـرم

 

عند الـلـقـاء ولا رعـديدة فـرق

كل الحلال التي يسعى الكرام لـهـا

 

إن يمدحوك بها يوماً فقد صـدقـوا

ساد العراق فحال النـاس صـالـحة

 

وسادهم وزمان الناس مـنـخـرق

لا خارجي ولا مستـحـدث شـرفـاً

 

بل مجد آل شهابٍ كان مذ خلـقـوا

قال: ثم مدح مقاتل بن مسمعٍ طمعاً في مثل ما كان مسمع يعطيه، فلم يلتفت إليه وأمر أن يحجب عنه. فقيل له: تعرضت للسان أبي جلدة وخبثه. فقال: ومن هو الكلب! وما عسى أن يقول قبحه الله وقبح من كان منه! فليجهد جهده. فبلغ ذلك من قوله أبا جلدة فقال يهجوه:

قرى ضيفه الماء القراح ابن مسمع

 

وكـان لـئيمـاً جـاره يتـذلـل

فلما رأى الضيف القرى غير راهنٍ

 

لديه تولـى هـاربـاً يتـعـلـل

ينادي بأعلى الصوت بكر بـن وائلٍ

 

ألا كل من يرجو قراكم مضـلـل

عميدكم هر الضيوف فمـا لـكـم

 

ربيعة أمسى ضيفـكـم يتـحـول

وخفتم بأن تقروا الضيوف وكنـتـم

 

زماناً بكم يحيا الضريك المـعـيل

فما بالكم بالله أنـتـم بـخـلـتـم

 

وقصرتم والضيف يقرى وينـزل

ويكرم حتى يقترى حين يقـتـرى

 

يقول إذا ولى جمـيلاً فـيجـمـل

فمهلاً بني بكرٍ دعوا آل مسـمـعٍ

 

ورأيهم لا يسبق الخيل مـحـثـل

ودونكم أضيافـكـم فـتـحـدبـوا

 

عليهم وواسوهم فذلـك أجـمـل

ولا تصبحوا أحدوثةً مـثـل قـائلٍ

 

به يضرب الأمثال من يتـمـثـل

إذا ما التقى الركبان يوماً تذاكـروا

 

بني مسمعٍ حتى يحموا ويثـقـلـو

فلا تقربوا أبياتـهـم إن جـارهـم

 

وضيفهم سيان أتـى تـوسـلـوا

هم القوم غر الضيف منهم رواؤهم

 

وما فـيهـم إلا لـئيم مـبـخـل

فلو ببني شيبان حـلـت ركـائبـي

 

لكان قراهم راهنـاً حـين أنـزل

أولـئك بـالـمـكـارم كـلـهـا

 

وأجدر يوماً أن يواسوا ويفضلـوا

بني مسمعٍ لا قرب الـلـه داركـم

 

ولا زال واديكم من الماء يمـحـل

فلم تردعوا الأبطال بالبيض والقنـا

 

إذا جعلت نار الحـروب تـأكـل