الجزء الثاني عشر - أخبار عبد الله بن الحشرج

أخبار عبد الله بن الحشرج

نسب عبد الله بن الحشرج وأخلاقه: هو عبد الله بن الحشرج بن الأشهب بن ورد بن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان عبد الله بن الحشرج سيداً من سادات قيس وأميراً من أمرائها، ولي أكثر أعمال خراسان، ومن أعمال فارس، وكرمان. وكان جواداً ممدحاً. وفيه يقول زياد الأعجم :

إن السماحة والشجاعة والـنـدى

 

في قبةٍ ضربت على ابن الحشرج

وله يقول أيضاً :

إذا كنت مرتاداً السماحة والندى

 

فسائل تخبر عن ديار الأشاهب

نسبه إلى الأشهب جده. وفي بني الأشهب يقول نابغة بني جعدة:

أبعد فوارس يوم الشـري

 

ف آسى وبعد بني الأشهب

بعض أخبار أبيه وعمه زياد: وكان أبو الحشرج بن الأشهب سيداً شاعراً وأميراً كبيراً. وكان غلب على قهستان في زمن عبد الله بن خازم، فبعث إليه عبد الله بن خازمٍ المسيب بن أوفى القشيري، فقتل الحشرج وأخذ قهستان. وكان عمه زياد بن الأشهب أيضاً شريفاً سيداً، وكان قد سار إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يصلح بينه وبين معاوية على أن يوليه الشام فلم يجبه. وفي ذلك يقول نابغة بني جعدة يعتد على معاوية:

وقام زياد عند باب ابن هاشمٍ

 

يريد صلاحاً بينكم ويقرب

مدحه قدامة بن الأحرز فوصله واعتذر: أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني أحمد بن الهيثم بن فراسٍ قال: حدثنا العمري عن عطاء بن مصعبٍ عن عاصم بن الحدثان قال: جاء إلى عبد الله بن الحشرج وهو بقهستان رجل من قشيرٍ يقال له قدامة بن الأحرز ، فدخل عليه وأنشأ يقول:

أخ وابن عمٍ جاءكم مـتـحـرمـاً

 

بكم فارأبوا خلاته يابن حـشـرج

فأنت ابن وردٍ سدت غير مـدافـعٍ

 

معداً على رغم المنوط المعلهـج

فبرزت عفواً إذ جريت ابن حشرجٍ

 

وجاء سكيتاً كل أعـقـد أفـحـج

سبقت ابن وردٍ كل حافٍ ونـاعـلٍ

 

بجدٍ إذا حار الأضاميم مـمـعـج

بورد بن عمر فتهـم إن مـثـلـه

 

قليل ومن يشر المحامـد يفـلـج

هو الواهب الأموال والمشتري اللها

 

وضراب رأس المستميت المدجج

قال: فأعطاه أربعة آلاف درهم، وقال: اعذرني يابن عمي؛ فإني في حالةٍ الله بها عليم من كثرة الطلاب، وأنت أحق من عذرني. قال: والله لو لم تعطني شيئاً مع ما أعلمه من جميل رأيك في عشيرتك ومن انقطع إليك لعذرتك، فكيف وقد أجزلت العطاء، وأرغمت الأعداء !.


بلغه أن ابن عم له نال منه فقال فيه شعراً: وكان لابن الحشرج ابن عم يقول للقشيري: ويحك! ليس عنده خير، وهو يكذبك ويملذك . فبلغ ذلك عبد الله بن الحشرج فقال:

أطل حمل الشناءة لي وبغضـي

 

وعش ما شئت فانظر من تضير

فمـا بـيديك خـير أرتـجـيه

 

وغير صدودك الخطب الكبـير

إذا أبصرتني أعرضت عـنـي

 

كأن الشمس من قلبـي تـدور

وكيف تعيب من تمسي فـقـيراً

 

إليه حين تـحـزبـك الأمـور

ومن إن بعت منزلةً بـأخـرى

 

حللت بـأمـره وبـه تـسـير

أتزعم أننـي مـلـذ كـذوب

 

وأن المكرمات لـدي بـور

وكيف أكون كذابـاً مـلـوذاً

 

وعندي يطلب الفرج الضرير

أواسي في النوائب من أتانـي

 

ويجبر بي أخو الضر الفقير

كان يعطي كثيراً فلامته زوجه وأيدها صديق له فقال شعراً: أخبرني محمد بن خلفٍ قال حدثنا أحمد بن الهيثم عن العمري عن عطاء بن مصعبٍ عن عاصم بن الحدثان قال: أعطى عبد الله بن الحشرج بخراسان حتى أعطى منشفةً كانت عليه وأعطى فراشه ولحافه. فقالت له امرأته: لشد ما تلاعب بك الشيطان، وصرت من إخوانه مبذراً؛ كما قال الله عز وجل: " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " فقال عبد الله بن الحشرج لرفاعة بن زوي النهدي وكان أخاً له وصديقاً: يا رفاعة، ألا تسمع إلى ما قالت هذه الورهاء وما تتكلم به ؟! فقال: صدقت والله وبرت! إنك لمبذر، وإن المبذرين لإخوان الشياطين. فقال ابن الحشرج في ذلك:

متى يأتنـا الـغـيث تـجـد لـنـا

 

مكارم ما تعيا بأموالـنـا الـتـلـد

مكارم ما جدنا بـه إذ تـمـنـعـت

 

رجال وضنت في الرخاء وفي الجهد

أردنا بما جدنـا بـه مـن تـلادنـا

 

خلاف الذي يأتي خيار بنـي نـهـد

تلوم على اتلافي المـال طـلـتـي

 

ويسعدها نهد بن زيدٍ على الـزهـد

أنهد بن زيدٍ لست منكم فتشـفـقـوا

 

علي ولا منكم غواتـي ولا رشـدي

أراد غوايتي فحذف الياء للضرورة

أبيت صغيراً ناشـئاً مـا أردتـم

 

وكهلاً حتى تبصروني في اللحد

سأبذل مالي إن مـالـي ذخـيرة

 

لعقبي وما أجني به ثمر الخلـد

ولست بمبكاء على الزاد بـاسـلٍ

 

يهر على الأزواد كالأسد الـورد

ولكنني سمح بمـا حـزت بـاذل

 

لما كلفت كفاي في الزمن الجحد

بذلك أوصاني الرقاد وقـبـلـه

 

أبوه بأن أعطي وأوفي بالعهـد

الرقاد: ابن عمرو بن ربيعة بن جعدة بن كعب وهو من عمومته، وكان شجاعاً سيداً جواداً .


قال عطاء بن مصعبٍ: وقال عبد الله بن الحشرج أيضاً في ذلك هذه القصيدة وقد ذكر ابن الكلبي وأبو اليقظان شيئاً من هذه القصيدة في كتابيهما المصنفين ونسباها إليه:

سأجعل مالي دون عرضي وقـايةً

 

من الذم؛ إن المال يفنى وينـفـد

ويبقي لي الجود اصطناع عشيرتي

 

وغيرهم والجـود عـز مـؤبـد

ومتخذٍ ذنباً علـي سـمـاحـتـي

 

بمالي، ونار البخل بالـذم تـوقـد

يبيد الفتى والحمـد لـيس بـبـائدٍ

 

ولكنه للمرء فـضـل مـؤكـد

ولا شيء يبقى للفتى غير جـوده

 

بما ملكت كفاه والقـوم شـهـد

ولائمةٍ في الجود نهنهت غربـهـا

 

وقلت لها بني المكـارم أحـمـد

فلما ألحت في الملامة واعتـرت

 

بذلك غيظي واعتراها التـبـلـد

عرضت عليها خصلتين سماحتـي

 

وتطليقها والكف عـنـي أرشـد

فلجت وقالت أنت غـاوٍ مـبـذر

 

قرينك شيطان مـريد مـفـنـد

فقلت لها بيني فمـا فـيك رغـبة

 

ولي عنك في النسوان ظل ومقعد

وعيش أنيق والنـسـاء مـعـادن

 

فمنهن غـل شـرهـا يتـمـرد

لها كل يوم فوق رأسي عـارض

 

من الشر براق يد الدهـر يرعـد

وأخرى يلد العيش منها، ضجيعهـا

 

كريم يغاديه من الطـير أسـعـد

فيا رجلاً حراً خذ القصد واترك ال

 

بلايا فإن الموت للناس مـوعـد

فعش ناعماً واترك مقـالة عـاذلٍ

 

يلومك في بذل الـنـدى ويفـنـد

وجد باللها إن السماحة والـنـدى

 

هي الغاية القصوى وفيها التمجد

وحسب الفتى مجداً سمحة كـفـه

 

وذو المجد محمود الفعال محسـد

طلق امرأته لعذله إياه فلامه حنظلة بن الأشهب فقال شعراً: قال فقالت له امرأته: والله ما وفقك الله لحظك! أنهبت مالك وبذرته وأعطيته هيان بن بيان ومن لا تدري من أي هافيةٍ هو! قال: فغضب فطلقها، وكان لها محباً وبها معجباً. فعنفه فيها ابن عم لها يقال له حنظلة بن الأشهب بن رميلة ، وقال له: نصحتك فكافأتها بالطلاق! فوالله ما وفقت لرشدك، ولا نلت حظك، ولقد خاب سعيك بعدها عند ذوي الألباب. فهلا مضيت لطيتك ، وجريت على ميدانك، ولم تلتفت إلى امرأةٍ من أهل الجهالة والطيش لم تخلق للمشورة ولا مثل رأيها يفتدى به! فقال ابن الحشرج لحنظلة:

أحنظل دع عنك الذي نـال مـالـه

 

ليحمده الأقوام في كـل مـحـفـل

فكم من فقيرٍ بائس قـد جـبـرتـه

 

ومن عائلٍ أغنيت بعـد الـتـعـيل

ومن مترفٍ عن منهج الحـق جـائرٍ

 

علوت بعضبٍ ذي غرارين مقصـل

وزارٍ علي الجود والجود شيمـتـي

 

فقلت له دعني وكن غير مفـضـل

فمثلك قد عاصيت دهراً ولـم أكـن

 

لأسمع أقوال اللـئيم الـمـبـخـل

أبى لي جدي البخل مذ كنت يافـعـاً

 

صغيراً ومن يبخل يلـم ويضـلـل

ويستغن عنه الناس، فاركب محجة ال

 

كرام ودع ما أنت عنه بـمـعـزل

فإني امرؤ لا أصحب الدهر باخـلاً

 

لئيماً وخير النـاس كـل مـعـذل

ومستحمقٍ غـاوٍ أتـتـه نـذيرتـي

 

فلج ولم يعرف معـرة مـقـولـي

نفحت ببـيتٍ يمـلأ الـفـم شـاردٍ

 

له خبر كـأنـه حـبـر مـغـول

فكف ولو لم أرمـه شـاع قـولـه

 

وصار كدرياق الذعاف المـثـمـل

وليلٍ دجوجـيٍ سـريت ظـلامـه

 

بناجيةٍ كالبـرج وجـنـاء عـيهـل

إلى ملك مـن آل مـروان مـاجـدٍ

 

كريم المحـيا سـيدٍ مـتـفـضـل

يجود إذا أضنت قريش بـرفـدهـا

 

ويسبقها فـي كـل يوم تـفـضـل

أبوه أبو العاصي إذا الحرب شمـرت

 

مراها بمسنون الغرارين مـنـجـل

وقور إذا هاجت به الحرب مـرجـم

 

صبور عليها غير نكسٍ مـهـلـل

أقام لأهـل الأرض دين مـحـمـدٍ

 

وقد أدبروا وارتاب كل مـضـلـل

فما زال حتى قـوم الـدين سـيفـه

 

وعز بحزمٍ كـل قـرمٍ مـحـجـل

وغادر أهل الشك شتى، فمـنـهـم

 

قتيل وناجٍ فـوق أجـرد هـيكـل

نجا من رماح القوم قدماً وقـد بـدا

 

تباشيره في العارض المـتـهـلـل

قال عاصم: يعني بهذا المدح محمد بن مروان لما قتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق . وكان محمد بن مروان يقوم بأمره، ويوليه الأعمال، ويشفع له إلى أخيه .


حواره مع ابن عمٍ له لامه في تبذيره: أخبرني محمد بن خلفٍ قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب عن عاصم بن الحدثان قال: قال عبد الله بن الحشرج لابن عمٍ له لامه في إنهاب ماله وتبذيره إياه، وقال له فيما يقول: امرأتك كانت أعلم بك، نصحتك فكافأتها بالطلاق، فقال له: يابن عم، إن المرأة لم تخلق للمشورة، وإنما خلقت وثاراً للباءة . ووالله إن الرشد واليمن لفي خلاف المرأة. يابن عم إياك واستماع كلام النساء والأخذ به؛ فإنك إن أخذت به ندمت. فقال له ابن عمه: والله ليوشكن أن تحتاج يوماً إلى بعض ما أتلفت فلا تقدر عليه ولا يخلفه عليك هن وهن . فقال ابن الحشرج:

وعاذلة هبت بليلٍ تـلـومـنـي

 

وتعذلني فيمـا أفـيد وأتـلـف

تلومتها حتى إذا هـي أكـثـرت

 

أتيت الذي كانت لدي تـوكـف

وقلت عليك الفج أكثرت في الندى

 

ومثلي تحاماه الألد المغطـرف

أبى لي ما قد سمتني غير واحـدٍ

 

أب وجدود مجدها ليس يوصـف

كهول وشبان مضوا لسبـيلـهـم

 

إذا ذكروا فالعين منـي تـذرف

هم الغيث إن ضنت سماء بقطرها

 

وعندهم يرجو الحيا متـلـهـف

وحربٍ يخاف الناس شدة عرهـا

 

تظل بأنواع المنـية تـصـرف

حموها وقاموا بالسيوف لحـمـيهـا

 

إذا فنيت أضحت لهم وهي تعصـف

فلما أبت إلا طمـاحـاً تـنـمـروا

 

بأسيافهم والقوم فيهـم تـعـجـرف

فذلت وأعطت بالـقـياد وأذعـنـت

 

إذا ما اشتهى قومي وذو الذل ينصف

وكانت طموح الرأس يصرف نابهـا

 

من الشر تاراتٍ وطوراً تقفـقـف

فلما امترينا بالسيوف خـلـوفـهـا

 

تأبت علـينـا والأسـنة تـرعـف

فدرت طباقاً وأرعوت بعد جهلـهـا

 

وكنا رمامـاً لـلـذي يتـصـلـف

         

قال لابن زوي شعراً لأنه لامه في تبذيره: قال: وقال عبد الله بن الحشرج لرفاعة بن زويٍ النهدي فيما كان يلومه فيه من التبذير والجود:

ألام على جودي وما خلـت أنـنـي

 

ببذلي وجودي جرت عن منهج القصد

فيا لائمي في الجود أقصر فـإنـنـي

 

سأبذل مالي في الرخاء وفي الجهـد

وجدت الفتى يفنى وتبقـى فـعـالـه

 

ولا شيء خير في الحديث من الحمد

وإني بالله احـتـيالـي وحـرفـتـي

 

أصير جاري بين أحشاي والـكـبـد

أرى حقه في الناس ما عشت واجبـاً

 

علي وآتي ما أتيت عـلـى عـمـد

وصاحب صدقٍ كان لي ففـقـدتـه

 

وصيرني دهري إلـى مـائقٍ وغـد

يلـوم فـعـالـي كـل يوم ولــيلةٍ

 

ويعدو على الجيران كالأسـد الـورد

يخالفني فـي كـل حـق وبـاطـلٍ

 

ويأنف أن يمشي على منهج الرشـد

فلما تمادى قلـت غـير مـسـامـحٍ

 

له: النهج فاركب يا عسيف بني نهـد

مدحه زيد الأعجم فوصله: أخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا ابن عائشة قال: وفد زياد الأعجم على عبد الله بن الحشرج الجعدي وهو بسابور أمير عليها، فأمر بإنزاله وألطفه وبعث إليه ما يحتاج إليه. ثم غدا عليه زياد فأنشده:

إن السماحة والمـروءة والـنـدى

 

في قبةٍ ضربت على ابن الحشرج

ملـك أغـر مـتـوج ذو نـائلٍ

 

للمعتفين يمـينـه لـم تـشـنـج

يا خير من صعد المنابر بالتـقـى

 

بعد النبي المصطفى المتـحـرج

لما أتيتـك راجـياً لـنـوالـكـم

 

ألفيت باب نوالـكـم لـم يرتـج

قال: فأمر له بعشر آلاف درهم .


وقد قيل: إن الأبيات التي ذكرتها وفيها الغناء ونسبتها إلى عبد الله بن الحشرج لغيره. والقول الأصح هو الأول. أخبرني بذلك محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا الخليل بن أسدٍ قال حدثنا العمري عن هشام بن الكلبي: أنه سمع أبا باسلٍ الطائي ينشد هذا الشعر، فقلت: لمن هو؟ فقال: لعمي عنترة بن الأخرس . قال: وكان جدي أخرس، فولد له سبعة أو ثمانية كلهم شاعر أو خطيب . ولعل هذا من أكاذيب ابن الكلبي، أو حكاه عن رجل أدعى فيه ما لا يعلم .
صوت:

أصاح هل من سـبـيل إلـى نـجـد

 

وريح الخزامى غضةً من ثرى جعد

وهل لليالينا بذي الـرمـث مـرجـع

 

فنشفي جوى الأحزان من لاعج الوجد

عروضه من الطويل. الشعر للطرماح بن حكيم. والغناء ليحيى المكي، ثقيل أول بالبنصر من كتابه .