الجزء الثاني عشر - أخبار كثير وخندق الأسدي

أخبار كثير وخندق الأسدي

الذي من أجله قال هذا الشعر:

كانا يقولان بالرجعة: حدثني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثني محمد بن حبيب. وأخبرني وكيع قال حدثنا علي ابن محمد النوفلي عن أبيه. وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة عن ابن داحة، قالوا: كان خندق بن مرة الأسدي هكذا قال النوفلي. وغيره يقول: خندق بن بدر صديقاً لكثير، وكانا يقولان بالرجعة ، فاجتمعا بالموسم فتذاكرا التشيع. فقال خندق: لو وجدت من يضمن لي عيالي بعدي لوقفت بالموسم فذكرت قضل آل محمد صلى الله عليه وسلم، وظلم الناس لهم وغصبهم إياهم على حقهم، ودعوت إليهم وتبرأت من أبي بكر وعمر. فضمن كثير عياله، فقام ففعل ذلك وسب أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما وتبرأ منهما .


قال عمر بن شبة في خبره فقال: أيها الناس إنكم على غير حق، تركتم أهل بيت نبيكم، والحق لهم وهم الأئمة ولم يقل إنه سب أحداً فوثب عليه الناس فضربوه ورموه حتى قتلوه. ودفن خندق بقنوني . فقال إذ ذاك كثير يرثيه:

أصادرة حجاج كـعـبٍ ومـالـكٍ

 

على كل عجلى ضامر البطن محنق

بمرثيةٍ فـيهـا ثـنـاء مـحـبـر

 

لأزهر من أولاد مـرة مـعـرق

كأن أخاه في الـنـوائب مـلـجـأ

 

إلى علمٍ من ركن قدس المنـطـق

ينال رجالاً نفعـه وهـو مـنـهـم

 

بعيد كعيوق الثـريا الـمـعـلـق

تقول ابنة الضمري مالك شـاحـبـاً

 

ولونك مصفر وإن لـم تـخـلـق

فقلت لها لا تعجبي، من يمـت لـه

 

أخ كأبـي بـدرٍ وجـدك يشـفـق

وأمرٍ يهم النـاس غـب نـتـاجـه

 

كفيت وكربٍ بالدواهي مـطـرق

كشفت أبا بدرٍ إذا القوم أحـجـمـوا

 

وعضت ملاقي أمرهم بالمخـنـق

وخـصـمٍ أبـا بـدر ألـد أبـتـه

 

على مثل طعم الحنظل المتفـلـق

جزى الله خيرا خندقا مـن كـافـئٍ

 

وصاحب صدقٍ ذي حفاظٍ ومصدق

أقام قـنـاة الـود بـينـي وبـينـه

 

وفارقني عن شـيمةٍ لـم تـرنـق

حلفت على أن قد أجنتك حـفـرة

 

ببطن قنوني لو نعيش فنلـتـقـي

لألفيتنـي بـالـود بـعـدك دائمـاً

 

على عهدنا إذ نحن لـم نـتـفـرق

إذا ما غدا يهتز للمـجـد والـنـدى

 

أشم كغصن البـانة الـمـتـورق

وإني لجازٍ بالـذي كـان بـينـنـا

 

بني أسدٍ رهط ابن مـرة خـنـدق

كثير وإنكار الطفيل انتسابه إلى كنانة: أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة: إن كثيراً لما انتمى إلى قريش وجرى بينه وبين الحزين الديلي من المواثبة والهجاء ما جرى بلغ ذلك الطفيل بن عامر بن واثلة وهو بالكوفة، فأنكر كثير وانتسابه إلى كنانة وتصييره خزاعة منهم، وما فعله الحزين. فحلف لئن رأى مثيراً ليضربنه بالسيف أو ليطعننه بالرمح، فكلمه فيه خندق الأسدي وكان صديقاً له ولكثير فوهبه له، واجتمع بمكة فجلسا مع ابن الحنفية. فقال طفيل: لولا خندق لوفيت لك بيميني. فقال يرثيه، وعنه كان أخذ مقالته:

ونال رجالاً نفعه وهو منهم

 

بعيد كعيوق الثريا المعلق

وذكر باقي الأبيات .
نسيبه بعزة: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني حميد بن عبد الرحمن أحد بني عتوارة بن جدي قال: كان كثير قد سلطه الله ينسب بعزة بنت عبد الله، أحد بني حاجب بن عبد الله بن غفار، قال: وكان نسوانهم قد لقينها وهي سائرة في الجلاء ، في عام أصابت أهل تهامة فيه حطمة شديدة، وكانت عزة من أجمل النساء وآدبهن وأعقلهن ، ولا والله ما رأى لها وجهاً قط، إلا أنه استهيم بها قلبه لما ذكر له عنها. فلقيه رجال من الحي لما بلغهم ذلك عنه، فقالوا له: إنك قد شهرت نفسك وشهرتنا وشهرت صاحبتنا فاكفف نفسك. قال: فإني لا أذكرها بما تكرهون. فخرجوا جالين إلى مصر في أعوام الجلاء. فتبعهم على راحلته فزجروه، فأبى إلا أن يلحقهم بنفسه، فجلس له فتية من جدي، قال: وكان بنو ضمرة كلهم يهون عليهم نسيبه لما يعرفون من براءتها، إلا ما كان من بني جدي فإنهم كانوا صمعاً غيراً . فقعد له عون، أحد بني جدي في تسعة نفر على محالج ، فلما جاز بهم تحت الليل أخذوه، ثم عدلوا به عن الطريق إلى جيفة حمار كانوا يعرفونها من النهار، فأدخلوه فيها وربطوا يديه ورجليه، ثم أوثقوا بطن الحمار، فجعل يضطرب فيه ويستغيث، ومضوا عنه، فاجتاز به خندق الأسدي فسمع استغاثته وهو خندق بن بدر فعدل إلى الصوت حين سمعه، فوجد في الجيفة إنساناً، فسأله من هو وما خبره؟ فأخبره. فأطلقه وحمله وألحقه ببلاده. فقال كثير في ذلك قال الزبير أنشدنيها عمر بن أبي بكر المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة معمر بن المثنى

أصادرة حجاج كعبٍ ومـالـكٍ

 

على كل فتلاء الذراعين محنق

وذكر القصيدة كلها على ما مضت .
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثنا عمر بن أبي بكر المؤملي عن أبي عبيدة قال: خندق الأسدي هو الذي أدخل كثيراً في مذهب الخشبية .
كثير يرثي خندقاً حين قتل بعرفة: أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا محمد بن حبيب قال: لما قتل خندق الأسدي بعرفة رثاه كثير فقال:

شجا أظعان غاضرة الغوادي

 

بغير مشورةٍ عرضاً فؤادي

أغاضر لو شهدت غداة بنتم

 

حنو العائدات على وسـادي

أويت لعاشقٍ لم تشكـمـيه

 

نوافذه تـلـذع بـالـزنـاد

ويوم الخيل قد سفرت وكفت

 

رداء العصب رتـل بـراد

الرتل: الثغر المستوي النبت

وعن نجلاء تدمع في بـياضٍ

 

إذا دمعت وتنظر في سـواد

وعن متكاوسٍ في العقص جثلٍ

 

أثيت النبت ذي عذرٍ جـعـاد

وغاضرة الغداة وإن نـأتـنـا

 

وأصبح دونها قطر الـبـلاد

أحب ظعينةٍ وبنات نـفـسـي

 

إليها لو بللن بـهـا صـوادي

ومن دون الـذي أمـلـت وداً

 

ولو طالبتها خرط الـقـتـاد

وقال الناصحون تحل منـهـا

 

بذل قبل شيمتهـا الـجـمـاد

تحل أصب. يقال: ما حليت من فلان بشيءٍ ولا تحليت منه بشيء، ومنه حلوان الكاهن والراقي وما أشبه ذلك

فقد وعدتك لو أقبـلـت وداً

 

فلج بك التدلل فـي تـعـاد

فأسررت الندامة يوم نـادى

 

برد جمال غاضرة المنـادي

تمادى البعد دونهم فأمـسـت

 

دموع العين لج بها التمـادي

لقد منع الرقاد فبت لـيلـي

 

تجافيني الهموم عن الوسـاد

عداني أن أزورك غير بغضٍ

 

مقامك بين مصفحة شـداد

وإنـي قـائل إن لـم أزره

 

سقت ديم السواري والغوادي

محل أخي بني أسدٍ قنـونـى

 

فما والى إلى برك الغمـاد

مقيم بالمجازة من قنـونـى

 

وأهلك بالأجيفر والـثـمـاد

فلا تبعد فكل فتًى سـيأتـي

 

عليه الموت يطرق أو يغادي

وكـل ذخـيرةٍ لابـد يومـاً

 

ولو بقيت تصير إلى نـفـاد

يعز علي أن نغدو جمـيعـاً

 

وتصبح ثاوياً رهـنـاً بـواد

فلو فوديت من حدث المنـايا

 

وقيتك بالطريف وبالـتـلاد

في هذه القصيدة عدة أصوات هذه نسبتها قد جمعت .
صوت:

أغاضر لو شهدت غداة بنتـم

 

حنو العائدات على وسـادي

رثيت لعاشقٍ لم تشـكـمـيه

 

نوافذه تـلـذع بـالـزنـاد

عداني أن أزورك غير بغضٍ

 

مقامك بين مصفـحةٍ شـداد

فلا تبعد فكل فتًى سـيأتـي

 

عليه الموت يطرق أو يغادي

لمعبد في البيتين الأولين لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى عن عمرو وابن المكي والهشامي. وفيهما لإبراهيم ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي وأحمد بن عبيد. وفيهما للغريض ثاني ثقيل عن ابن المكي. ومن الناس من ينسب لحن مالكٍ إلى معبد أيضاً. وفي الثالث والرابع لابن عائشة ثاني ثقيل مطلق في مجرى الوسطى عن إسحاق وعمرو وغيرهما. ويقال: إن لابن سريج وابن محرز وابن جامعٍ فيهما ألحاناً .

 

غاضرة هذه التي ذكرها كثير مولاة لآل مروان بن الحكم، وقد روي في ذكره إياها غير خبرٍ مختلف .


أم البنين وما كان بينها وبين وضاح وكثير: فأخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير قال حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة قال: حجت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان فقالت لكثير ووضاح: انسبا بي. فأما وضاح فنسب بها، وأما كثير فنسب بجاريتها غاضرة حيث يقول:

شجا أظعان غاضرة الغوادي

 

بغير مشورة عرضاً فؤادي

قال: وكانت زوجة الوليد بن عبد الملك، فقتل وضاحاً ولم يجد على كثيرٍ سبيلاً .


أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري عن محرز بن جعفر عن أبيه عن بديح قال: قدمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وهي عند الوليد بن عبد الملك حاجة، والوليد إذ ذاك خليفة. فأرسلت إلى كثير ووضاح أن انسبا بي ، فنسب وضاح بها ونسب كثير بجاريتها غاضرة في شعره الذي يقول فيه:

شجا أظعان غاضرة الغوادي

قال: وكان معها جوارٍ قد فتن الناس بالوضاءة .


لابن قيس الرقيات في أم البنين: قال بديح: فلقيت عبيد الله بن قيس الرقيات فقلت له: بمن نسبت من هذا القطين ؟ فقال لي:

ما تـصـنـع بــالـــشـــر

 

إذا لـم تـك مـجـنـــونـــا

إذا قاسيت ثقل الشر حساك الأمرينا

 

 

وقد هجت بما قد قل

 

ت أمـراً كـان مـدفــونـــا

قال بديح: ثم أخذ بيدي فخلا بي وقال لي: يا بديح، احفظ عني ما أقول لك فإنك موضع أمانة؛ وأنشدني:

أصحوت عن أم البنـي

 

ن وذكرها وعنـائهـا

وهجرتها هجر امـرئٍ

 

لم يقل حمل إخـائهـا

من خـيفة الأعـداء أن

 

يوهوا أديم صفـائهـا

قرشية كالشـمـس أش

 

رق نورها ببـهـائهـا

زادت على البيض الحسا

 

ن بحسنها ونـقـائهـا

لما استكبرت للـشـبـا

 

ب وقنعـت بـردائهـا

لم تلتفـت لـلـداتـهـا

 

ومضت على غلوائهـا

عنى ابن عائشة في الثلاثة الأبيات الأول لحناً من الثقيل الأول عن الهشامي عن يحيى المكي. وفي الرابع وما بعده لحنينٍ لحنان: أحدهما ثاني ثقيل بالبنصر، والآخر ثقيل بالبنصر عن ابنه وغيره. وغنى إبراهيم الموصلي في الأربعة الأول لحناً آخر من الثقيل الأول وهو اللحن الذي فيه استهلال. وذكر الهشامي أن الثقيل الثاني لابن محرز .
قال: فقتل الوليد وضاحاً ولم يجد على كثير سبيلاً. قال: وحجت بعد ذلك وقد تقدم الوليد إليها وإلى من معها في الحجاب؛ فلقيني ابن قيس حيث خرجت ولم تكلم أحداً ولم يرها، فقال لي: يا بديح: صوت:

بان الخليط الذي بـه نـثـق

 

واشتد دون المليحة القـلـق

من دون صفراء في مفاصلها

 

لين وفي بعض بطشها خرق

إن ختمت جاز طين خاتمهـا

 

كما تجوز العبدية العـتـق

غنى في هذه الأبيات مالك بن أبي السمح لحناً من الثقيل الأول بالبنصر، عن عمرو ويونس. وفيها لابن مسجح ويقال لابن محرز، وهو مما يشبه غناءهما جميعاً وينسب إليهما خفيف ثقيلٍ أول بالبنصر. والصحيح أنه لابن مسجح. وفيها ثاني ثقيلٍ لابن محرز عن ابن المكي. وذكر حبش أن لسياطٍ فيها لحناً ماخورياً بالوسطى. وفي هذه الأبيات زيادة يغنى فيها ولم يذكرها الزبير في خبره، وهي:

إني لأخلي لهـا الـفـراش إذا

 

قصع في حضن زوجه الحمق

عن غير بغضٍ لهـا لـدي ول

 

كن تلك مني سجـية خـلـق

قال الزبير: أراد بقوله في هذه الأبيات:

إن ختمت جاز طين خاتمها

أنها كانت عند سلطان جائز الأمر. والعبدية هي الدنانير، نسبها إلى عبد الملك. ثم وصل ابن قيس الرقيات هذه الأبيات يعني الهائية بأبياتٍ يمدح بها عبد الملك فقال: صوت:

اسمع أمير المؤمنـي

 

ن لمدحتي وثنـائهـا

أنت ابن عائشة التـي

 

فضلت أروم نسائهـا

متعطف الأعياص حو

 

ل سريرها وفنائهـا

ولدت أغر مبـاركـاً

 

كالبدر وسط سمائها

غناه ابن عائشة من رواية يونس ولم يجنسه. وهذا الشعر يقوله ابن قيس الرقيات في عبد الملك لا الوليد .
إصرار ابن قيس الرقيات على كلمة في شعره وما كان بينه وبين عبد الملك في ذلك: أخبرني الحسين وابن أبي الأزهر عن حماد عن أبيه عن المدائني: أن عبد الملك لما وهب لابن جعفر جرم عبيد الله بن قيس وأمنه، ثم تواثب أهل الشام ليقتلوه، قال: يا أمير المؤمنين، أتفعل هذا بي وأنا الذي أقول:

اسمع أمير المؤمني

 

ن لمدحتي وثنائهـا

أنت ابن معتلج البطا

 

ح كديها وكدائهـا

ولبطن عائشة التي

 

فضلت أروم نسائها

فلما أنشد هذا البيت قال له عبد الملك: قل ولنسل عائشة. قال لا بل ولبطن عائشة. حتى رد ذلك عليه ثلاث مرات وهو يأبى إلا ولبطن عائشة. فقال له عبد الملك: اسحنفر الآن. قال: وعائشة أم عبد الملك بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. هذه رواية الزبير بن بكار .


وقد حدثنا به في خبر كثير مع غاضرة هذه بغير هذا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا محمد بن حبيب عن هشام بن الكلبي.


محاورة السائب بن حكيم لغاضرة ولم يكن قد عرفها: وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه عن ابن الكلبي عن أبي عبد الرحمن الأنصاري عن السائب بن حكيم السدوسي راوية كثير قال: والله إني لأسير يوماً مع كثير، حتى إذا كنا ببطن جدار جبلٍ من المدينة على أميال إذ أنا بامرأة في رحالة متنقبة، معها عبيد لها يسعون معها، فمرت جنابي فسلمت ثم قالت: ممن الرجل ؟ قلت: من أهل الحجاز. قالت: فهل تروي لكثير شيئاً؟ قلت: نعم. قالت: أما والله ما كان بالمدينة من شيء هو أحب إلي من أن أرى كثيراً وأسمع شعره، فهل تروي قصيدته:

أهاجك برق آخر الليل واصب

قلت: نعم. فأنشدتها إياها إلى آخرها. قالت: فهل تروي قوله:

كأنك لم تسمع ولم تر قبلها

 

تفرق ألاف لهن حنـين

قلت: نعم وأنشدتها. قالت: فهل تروي قوله أيضاً:

لعزة من أيام ذي الغصن شاقني

قلت: نعم وأنشدتها إلى آخرها. قالت: فهل تروي قوله أيضاً:

أأطلال سعدى باللوى تتعهد

قلت: نعم وأنشدتها حتى أتيت على قوله:

فلم أر مثل العين ضنت بمائهـا

 

علي ولا مثلي على الدمع يحسد

قالت: قاتله الله! فهل قال مثل قول كثير أحد على الأرض. والله لأن أكون رأيت كثيراً، أو سمعت منه شعره أحب إلي من مائة ألف درهم. قال: فقلت: هو ذاك الراكب أمامك ، وأنا السائب راويته. قالت: حياك الله تعالى. ثم ركضت بغلتها حتى أدركته فقالت: أنت كثير؟ قال مالك ويلك! فقالت: أنت الذي تقول:

إذا حسرت عنه العمامة راعها

 

جميل المحيا أغفلته الدواهـن

والله ما رأيت عربياً قط أقبح ولا أحقر ولا ألام منك. قال: أنت والله أقبح مني وألأم. قالت له: أولست القائل:

تراهن إلا أن يؤدين نـظـرةً

 

بمؤخر عينٍ أو يقلبن معصما

كواظم ما ينطقن إلا محـورة

 

رجيعة قولٍ بعد أن يتفهمـا

يحاذرن مني غيرةً قد عرفنها

 

قديماً فما يضحكن إلا تبسما

لعن الله من يفرق منك. قال: بل لعنك الله. قالت: أولست الذي تقول:

إذا ضمرية عطست فنكهـا

 

فإن عطاسها طرف الوداق

قال: من أنت؟ قالت: لا يضرك أن لم تعرفني ولا من أنا. قال: والله إني لأراك لئيمة الأصل والعشيرة. قالت: حياك الله يا أبا صخر! ما كان بالمدينة رجل أحب إلي وجهاً ولا لقاء منك. قال: ولا حياك الله، والله وما كان على الرض أحد أبغض إلي وجهاً منك. قالت: أتعرفني؟ قال: أعرف أنك لئيمة من اللئام. فتعرفت إليه فإذا هي غاضرة أم ولدٍ لبشر بن مروان. قال: وسايرها حتى سندنا في الجبل من قبل زرود . فقالت له: يا أبا صخر أضمن لك مائة ألف درهم عند بشر بن مروان إن قدمت عليه. قال: أفي سبك إياي أو سبي إياك تضمنين لي هذا؟ والله لا أخرج إلى العراق على هذه الحال! فلما قامت تودعه سفرت، فإذا هي أحسن من رأيت من أهل الدنيا وجهاً. فأمرت له بعشرة آلاف درهم، فبعد شدٍ ما قبلها، وأمرت لي بخمسة آلاف درهم. فلما ولوا قال: يا سائب أين نعني أنفسنا إلى عكرمة، انطلق بنا نأكل هذه حتى يأتينا الموت. قال: وذلك قوله لما فارقتنا:

شجا أظعان غاضرة الغوادي

 

بغير مشيئةٍ عرضا فـؤادي

وقد روى الزبير أيضاً في خبر هذه المرأة غير هذا، وخالف المعاني .


كثير وامرأة لقيها بقديد: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن عياشٍ السعدي قال: كان كثير يلقى حاج المدينة من قريش بقديد في كل سنة، فغفل عاماً من الأعوام عن يومهم الذي نزلوا فيه قديداً حتى ارتفع النهار، ثم ركب جملاً ثقالاً واستقبل الشمس في يوم صائف، فجاء قديداً وقد كل وتعب، فوجدهم قد راحوا. وتخلف فتى من قريش معه راحلته حتى يبرد . قال الفتى القرشي: فجلس كثير إلى جنبي ولم يسلم علي، فجاءت امرأة وسيمة جميلة، فجلست إلى خيمة من خيام قديد واستقبلت كثيراً فقالت: أأنت كثير؟ قال: نعم. قالت: ابن أبي جمعة؟ قال: نعم. قالت: الذي يقول:

لعزة أطلال أبت أن تكلما

قال: نعم. قالت: وأنت الذي تقول فيها:

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي

 

وظهرن مني هيبة لا تجهمـا

فقال: نعم. قالت: أعلى هذا الوجه هيبة؟ إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فضجر وقال: من أنت؟ فلم تجبه بشيء، فسأل الموليات اللواتي في الخباء بقديد عنها، فلم يخبرنه شيئاً، فضجر واختلط. فلما سكن من شأوه قالت: أأنت الذي تقول:

متى تحسروا عني العمامة تبصروا

 

جميل المحيا أغفلتـه الـدواهـن

أهذا الوجه جميل المحيا؟ إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فاختلط وقال: والله ما عرفتك، ولو عرفتك لفعلت وفعلت. فسكتت، فلما سكن من شأوه قالت: أأنت الذي تقول:

يروق العيون الناظرات كأنـه

 

هرقلي وزنٍ أحمر التبر راجح

أهذا الوجه يروق العيون الناظرات؟ إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين. فازداد ضجراً وغيظاً واختلاطاً وقال لها: قد عرفتك والله لأقطعنك وقومك بالهجاء. ثم قال فالتفت في أثره، ثم رجعت طرفي نحو المرأة فإذا هي قد ذهبت، فقلت لمولاة من مولياتها بقديد: لك الله علي إن أخبرتني من هذه المرأة لأطوين لك ثوبي هذين إذا قضيت حجي ثم أعطيكهما. فقالت: والله لو أعطيتني زنتهما ذهباً ما أخبرتك من هي؛ هذا كثير وهو مولاي قد سألني عنها فلم أخبره. قال الفتى القرشي: فرحت والله وبي أشد مما بكثير .


قال سليمان: وكان كثير دميماً قليلاً أحمر أقيشر عظيم الهامة قبيحاً .


نسبة ما في هذه الأخبار من الشعر الذي يغنى به: صوت: منها:

أشاقك برق آخر الليل واصب

 

تضمنه الجبا فالـمـسـارب

كما أومضت بالعين ثم تبسمت

 

خريع بدا منها جبين وحاجب

وهبت لليلى ماءه ونـبـاتـه

 

كما كل ذي ود لمن ود واهب

عروضه من الطويل. الواصب: الدائم، يقال وصب يصب وصوباً أي دام. قال الله سبحانه: " وله الدين واصباً " أي دائماً. ومنها: صوت:

لعزة من أيام ذي الغصن شاقني

 

بضاحي قرار الروضتين رسوم

هي الدار وحشاً غير أن قد يحلها

 

ويغني بها شخص علي كـريم

فما برسوم الدار لو كنت عالمـاً

 

ولا بالتلاع المـقـويات أهـيم

سألت حكيماً أين شطت بها النوى

 

فخبرني ما لا أحـب حـكـيم

أجدوا فـأمـا آل عـزة غـدوة

 

فبانوا وأما واسـط فـمـقـيم

لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى

 

بغى سقماً إنـي إذاً لـسـقـيم

حكيم هذا هو أبو السائب بن حكيم راوية كثير. ذكر لنا اليزيدي عن ابن حبيب .


في هذه الأبيات لمعبد لحنان، أحدهما في الثلاثة الأول خفيف ثقيلٍ بالوسطى عن الهشامي وابن المكي وحبشٍ، وفي الثلاثة الأخر التي أولها:

سألت حكيماً أين شطت بها النوى

له أيضاً ثقيل أول بالبنصر عن يونس وحبشٍ. وذكر حبش خاصةً أن فيها لكردم خفيف ثقيل آخر، وفي الثالث والثاني لابن جامع رملٍ عن الهشامي. وقال أحمد بن عبيد: فيه ثلاثة ألحان: ثقيل أول وخفيفه، وخفيف رمل .
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا المؤملي أن ابن أبي عبيدة كان إذا أنشد قصيدة كثير:

لعزة من أيام ذي الغصن شاقني

 

بضاحي قرار الروضتين رسوم

يتحازن حتى تقول: إنه يبكي .


تمثل الحزين الكناني بشعر لكثير: أخبرني الحرمي قال حدثنل الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال: قال عروة بن أذينة: كان الحزين الكناني الشاعر صديقاً لأبي، وكان عشيراً له على النبيذ ، فكان كثيراً ما يأتيه، وكانت بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها، فبيعت وأخرجت عن المدينة، فأتى الحزين أبي، وهو كثيب حزين كاسمه، فقال له أبي: يا أبا حكيمٍ مالك؟ قال: أنا والله يا أبا عامر كما قال كثير:

لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى

 

بغى سقماً إنـي إذاً لـسـقـيم

سألت حكيماً أين شطت بها النوى

 

فخبرني ما لا أحـب حـكـيم

فقال له أبي: أنت مجنون إن أقمت على هذا .


قصيدة كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر: وهذه القصيدة يقولها كثير في عزة لما أخرجت إلى مصر، وذلك قوله فيها:

ولست براءٍ نحو مصر سحـابةً

 

وإن بعدت إلا قـعـدت أشـيم

فقد بوجد النكس الدني عن الهوى

 

عزوفا ويصبو المرء وهو كريم

وقال خليلي مالها إذ لقـيتـهـا

 

غداة الشبا فيها علـيك وجـوم

فقلت له إن الـمـودة بـينـنـا

 

على غير فحشٍ والصفاء قـديم

وإني وإن أعرضت عنها تجلـداً

 

على العهد فيما بيننا لـمـقـيم

وإن زماناً فرق الدهر بـينـنـا

 

وبينكم في صرفه لـمـشـوم

أفي الحق هذا أن قلبك سـالـم

 

صحيح وقلبي في هواك سقـيم

وأن بجسمي منك داءً مخامـراً

 

وجسمك موفور عليك سـلـيم

لعمرك ما أنصفتني في مودتـي

 

ولكنني يا عز عـنـك حـلـيم

فإما تريني اليوم أبـدي جـلادةً

 

فإني لعمري تحت ذاك كـلـيم

ولست ابنة الضمري منك بناقـم

 

ذنوب العدا إني إذا لـظـلـوم

وإني لذو وجدٍ إذا عاد وصلـهـا

 

وإني على ربـي إذا لـكـريم

ومنها: صوت:

لعزة أطلال أبت أن تكـلـمـا

 

تهيج مغانيها الفؤاد المـتـيمـا

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي

 

وأظهرن مني هيبة لا تجهمـا

يحاذرن مني غيرةً قد عرفنهـا

 

قديماً فما يضحكن إلا تبسـمـا

عروضه من الطويل. غنى فيه مالك بن أبي السمح لحنين عن يونس. أحدهما ثقيل أول بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق، وغيره ينسبه إلى معبد. والآخر ثاني ثقيلٍ بالوسطى عن حبشٍ وفيه لابن محرز خفيف ثقيل أول بالبنصر عن عمرو والهشامي. وغيره يقول: إنه لحن مالك. وفيه لابن سريج خفيف رملٍ بالبنصر عن عمرو والهشامي وعلي بن يحيى .
الرشيد ومسرور الخادم وما دار بينه وبين جعفر بن يحيى حين أمره بقتله: وأخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثني ميمون بن هارون قال حدثني من أثق به عن مسرور الخادم: أن الرشيد لما أراد قتل جعفر بن يحيى لم يطلع عليه أحداً بتة . ودخل عليه جعفر في اليوم الذي قتله في ليلته فقال له: اذهب فتشاغل اليوم بمن تأنس به واصطبح فإني مصطبح مع الحرم. فمضى جعفر، وفعل الرشيد ذلك. ولم يزل بر الرشيد وزألطافه وتحفه وتحياته تتابع إليه لئلا يستوحش. فلما كان الليل دعاني فقال لي : اذهب فجئني الساعة برأس جعفر ابن يحيى، وضم إلي جماعة من الغلمان، فمضيت حتى هجمت عليه منزله. وإذا أبو زكار الأعمى يغنيه بقوله :

فلا تبعد فكل فتىً سـيأتـي

 

عليه الموت يطرق أو يغادي

فقلت له: في هذا المعنى ومثله والله جئتك فأجب. فوثب وقال: ما الخبر يا أبا هشام جعلني الله فداءك! قلت: قد أمرت بأخذ رأسك. فاكب على رجلي فقبلها وقال: الله الله، راجع أمير المؤمنين في. فقلت: ما لي إلى ذلك سبيل. قال: فأعهد؟ قلت: ذاك لك. فذهب يدخل إلى النساء فمنعته، وقلت: اعهد في موضعك. فدعا بدواة وكتب أحرفاً على دهشٍ ثم قال لي: يا أبا هشام بقيت واحدة. قلت: هاتها. قال: خذني معك إلى أمير المؤمنين حتى أخاطبه. قلت: ما لي إلى ذلك سبيل. قال: ويحك لا تقتلني بأمره على النبيذ. فقلت: هيهات ما شرب اليوم شيئاً. قال: فخذني واحبسني عندك في الدار، وعاوده في أمري. قلت: أفعل. فأخذته، فقال لي أبو زكار الأعمى: نشدتك الله إن قتلته إلا ألحقتني به. قلت له: يا هذا لقد اخترت غير مختار. قال: وكيف أعيش بعده وحياتي كانت معه وبه، وأغناني عمن سواه، فما أحب الحياة بعده، فمضيت بجعفر وجعلته في بيت وأقفلت عليه ووكلت به، ودخلت إلى الرشيد، فلما رآني قال: أين رأسه ويلك؟ فأخبرته بالخبر. فقال: يابن الفاعلة، والله لئن لم يجيئني برأسه الساعة لآخذن رأسك! فمضيت إليه فأخذت رأسه ووضعته بين يديه. ثم أخبرته خبره، وذكرت له خبر أبي زكار الأعمى، فلما كان بعد مدة أمرني بإحضاره، فأحضرته، فوصله وبره وأمر بالجراية عليه .
صوت: شعر في خولة غنى فيه:

قفا في دار خولة فاسألاهـا

 

تقادم عهدها وهجرتمـاهـا

بمحلالٍ يفوح المسك مـنـه

 

إذا هبت بأبطحه صبـاهـا

أترعى حيث شاءت من حمانا

 

وتمنعنا فلا ترعى حماهـا

عروضه من الوافر. الشعر لرجل من فزارة. والغناء ذكر حماد عن أبيه أنه لمعبد، وذكر عنه في موضع آخر أنه لابن مسجح. وطريقته من الثقيل الأول في مجرى الوسطى .


نسب منظور بن زبان: وهذا الشعر يقول الفزاري في خولة بنت منظور بن زبان بن سيار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سمي بن مازن بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان. وكان منظور بن زبان سيد قومه غير مدافع، أمه قهطم بنت هاشم بن حرملة وقد ولدت أيضاً زهير بن جذيمة فكان آخذاً بأطراف الشرف في قومه. وهو أحد من طال حمل أمه به .
سبب تسميته منظوراً وشعر أبيه في ذلك: قال الزبير بن بكار فيما أجاز لنا الحرمي بن أبي العلاء والطوسي روايته عنهما مما حدثا به عنه حدثتني مغيرة بنت أبي عدي. قال الزبير وقد حدثني هذا الحديث أيضاً إبراهيم بن زياد عن محمد بن طلحة، وحدثنيه أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة عن يحيى بن الحسن العلوي عن الزبير قالا جميعاً: حملت قهطم بنت هاشمٍ بمنظور بن زبان أربع سنين، فولدته وقد جمع فاه فسماه منظوراً لذلك يعني لطول ما انتظره وقال فيه على ما رواه محمد بن طلحة:

ما جئت حتى قيل لـيس بـواردٍ

 

فسميت منظوراً وجئت على قدر

وإني لأرجو أن تكون كهـاشـمٍ

 

وإني لأرجو أن تسود بني بـدر

تزوج مليكة زوج أبيه ففرقع بينهما عمر فتبعتها نفسه وقال شعراً: ذكر الهيثم بن عدي عن ابن الكلبي وابن عياشٍ، وذكر بعضه الزبير بن بكار عن عمه عن مجالد: أن منظور بن زبان تزوج امرأة أبيه وهي مليكة بنت سنان بن أبي حارثة المري فولدت له هاشماً وعبد الجبار وخولة، ولم تزل معه إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان يشرب الخمر أيضاً، فرفع أمره إلى عمر، فأحضره وسأله عما قيل، فاعترف به وقال: ما علمت أنها حرام . فحبسه إلى وقت صلاة العصر، ثم أحلفه أنه لم يعلم أن الله عز وجل حرم ما فعله. فحلف فيما ذكر أربعين يميناً. فخلى سبيله، وفرق بينه وبين امرأة أبيه وقال: لولا أنك حلفت لضربت عنقك . قال ابن الكلبي في خبره: إن عمر قال له: أتنكح امرأة أبيك وهي أمك؟ أو ما علمت أن هذا نكاح المقت ! وفرق بينهما فتزجها محمد بن طلحة .


قال ابن الكلبي في خبره: فلما طلقها أسف عليها وقال فيها:

ألا لا أبالي اليوم ما صنع الدهر

 

إذا منعت مني مليكة والخمـر

فإن تك قد أمست بعيداً مزارهـا

 

فحي ابنة المري ما طلع الفجر

لعمري ما كانت ملـيكة سـوءةً

 

ولا ضم في بيتٍ على مثلها ستر

وقال أيضاً:

لعمر أبي، دين يفرق بيننا

 

وبينك قسراً إنه لعظـيم

وقال حجر بن معاوية بن عيينة بن حصن بن حذيفة لمنظور:

لبئس ما خلف الآبـاء بـعـدهـم

 

في الأمهات عجان الكلب منظور

قد كنت تغمزها والشيخ حاضرها

 

فالآن أنت بطول الغمز معـذور

تزوجت ابنته خولة الحسن بن علي بعد موت زوجها: قال أبو الفرج الأصبهاني : أخطأ ابن الكلبي في هذا. وإنما طلحة بن عبيد الله الذي تزوجها؛ فأما محمد فإنه تزوج خولة بنت منظورٍ فولدت له إبراهيم بن محمد وكان أعرج، ثم قتل عنها يوم الجمل، فتزوجها الحسن بن علي عليهما السلام، فولدت له الحسن بن الحسن عليهما السلام .وكان إبراهيم بن محمد بن طلحة نازع بعض ولد الحسين بن علي بعض ما كان بينهم وبين بني الحسن من مال علي عليه السلام، فقال الحسيني لأمير المدينة: هذا الظالم الضالع الظالع يعني إبراهيم فقال له إبراهيم: والله إني لأبغضك. فقال له الحسيني: صادق، والله يحب الصادقين، وما يمنعك من ذلك وقد قتل أبي أباك، وناك عمي أمك؟ لا يكني فأمر بهما فأقيما من بين يدي الأمير .


لقي مليكة بعد فراقها فتعرض لها ولزوجها: رجع الخبر إلى رواية ابن الكلبي قال: فلما فرق عمر رضي الله عنه بينهما وتزوجت رآها منظور يوماً وهي تمشي في الطريق وكانت جميلة رائعة الحسن فقال: يا مليكة، لعن الله ديناً فرق بيني وبينك! فلم تكلمه وجازت، وجاز بعدها زوجها؛ فقال له منظور: كيف رأيت أثر أيري في حر مليكة؟ قال: كما رأيت أثر أير أبيك فيه، فأفحمه. وبلغ عمر رضي الله عنه الخبر فطلبه ليعاقبه، فهرب منه .


رجع إلى زواج ابنته خولة بالحسن: وقال الزبير في حديثه: فتزوج محمد بن طلحة بن عبيد الله خولة بنت منظورٍ فولدت له إبراهيم وداود وأم القاسم بني محمد بن طلحة، ثم قتل عنها يوم الجمل، فخلف عليها الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام، فولدت له الحسن بن الحسن رضي الله عنهما .


قال الزبير: وقال محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه: تزوج الحسن عليه السلام خولة بنت منظور، زوجه إياها عبد الله بن الزبير وكانت أختها تحته .


وأخبرني أحمد بن محمد بن سعيد قال حدثني يحيى بن الحسن قال حدثني موسى بن عبيد الله بن الحسن قال: جعلت خولة أمرها إلى الحسن عليه السلام فتزوجها، فبلغ ذلك منظور بن زبان فقال: أمثلي يفتات عليه في ابنته! فقدم المدينة، فركز راية سوداء في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يبق قيسي بالمدينة إلا دخل تحتها، فقيل لمنظور بن زبان: أين يذهب بك! تزوجها الحسن بن علي عليه السلام وليس مثله أحد. فلم يقبل. وبلغ الحسن عليه السلام ما فعل، فقال له: ها، شأنك بها. فأخذها وخرج بها. فلما كان بقباءٍ جعلت خولة تندمه وتقول: الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة. فقال: تلبثي ها هنا؛ فإن كانت للرجل فيك حاجة فسيلحقنا ها هنا. قال: فلحقه الحسن والحسين عليهما السلام وابن جعفر وابن عباس، فتزوجها الحسن، ورجع بها. قال الزبير: ففي ذلك يقول جفير العبسي:

إن الندى من بني ذبيان قد علموا

 

والجود في آل منظور بن سيار

الماطرين بـأيديهـم نـدىً ديمـا

 

وكل غيثٍ من الوسمي مـدرار

تزور جاراتهم وهناً فواضلـهـم

 

وما فتاهم لهـا سـراً بـزوار

ترضى قريش بهم صهراً لأنفسهم

 

وهم رضاً لبني أختٍ وأصهـار

لما أسنت خولة بنته برزت للرجال وغناها معبد بشعر قيل فيها فطربت: أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني ابن أبي أيوب عن ابن عائشة المغني عن معبد: أن خولة بنت المنظور كانت عند الحسن بن علي عليهما السلام، فلما أسنت مات عنها أو طلقها، فكشفت قناعها وبرزت للرجال. قال معبد: فأتيتها ذات يوم أطالبها بحاجةٍ، فغنيتها لحني في شعرٍ قاله فيها بعض بني فزارة، وكان خطبها فلم ينكحها أبوها:

قفا في دار خولة فاسـألاهـا

 

تقادم عهدها وهجرتمـاهـا

بمحلالٍ كأن المـسـك فـيه

 

إذا فاحت بأبطحه صبـاهـا

كأنك مزنة بـرقـت بـلـيلٍ

 

لحرانٍ يضيء له سنـاهـا

فلم تمطر عليه وجـاوزتـه

 

وقد أشفى عليها أورجـاهـا

وما يملا فؤادي فاعـلـمـيه

 

سلو النفس عنك ولا غناهـا

وترعى حيث شاءت من حمانا

 

وتمنعنا فلا نرعى حمـاهـا

قال : فطربت العجوز لذلك، وقالت: يا عبد ابن قطن، أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة .
صوت:

لله در عصابةٍ صاحبـتـهـم

 

يوم الرصافة مثلهم لم يوجـد

متقلدين صفـائحـاً هـنـدية

 

يتركن من ضربوا كأن لم يولد

وغدا الرجال الثائرون كأنمـا

 

أبصارهم قطع الحديد الموقد

عروضه من الكامل. الشعر للجحاف السلمي ببني تغلب في يوم البشر. والغناء للأبجر ثقيل أول بالبنصر في مجراها عن إسحاق .