الجزء الثاني عشر - أخبار أبي وجزة ونسبه

أخبار أبي وجزة ونسبه

نسبه: اسمه يزيد بن عبيد فيما ذكره أصحاب الحديث. وذكر بعض النسابين أن اسمه يزيد بن أبي عبيد، وأنه كان له أخ يقال له عبيد، وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن لولائه فيهم .

دخل مع أبيه في بني سعد: وأصله من سليم من بني ضبيس بن هلال بن قدم بن ظفر بن الحارث بن بهثة بن سليم؛ ولكنه لحق أباه وهو صبي سباء في الجاهلية، فبيع بسوق ذي المجاز، فابتاعه رجل من بني سعد، وأستعبده، فلما كبر استعدى عمر رضي الله عنه وأعلمه قصته، فقال له: إنه لا سباء على عربي، وهذا الرجل قد أمتن عليك فإن شئت فأقم عنده، وإن شئت فالحق بقومك، فأقام في بني سعد وانتسب إليهم هو وولده .

كان بنو سعد أظآر رسول الله صلى الله عليه وسلم: وبنو سعد أظآر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان مسترضعاً فيهم عند امرأةٍ يقال لهم حليمة، فلم يزل فيهم عليه السلام حتى يفع، ثم أخذه جده عبد المطلب منهم فرده إلى مكة، وجاءته حليمة بعد الهجرة، فأكرمها وبرها وبسط لها رداءه فجلست عليه. وبنو سعد تفتخر بذلك على سائر هوازن، وحقيق بكل مكرمةٍ وفخرٍ من اتصل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأدنى سبب أو وسيلةٍ .

آثر أبوه الانتساب إلى بني سعد دون قومه بني سليم: أخبرني بخبره الذي حكيت جملاً منه في نسبه وولائه أبو دلف هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا عيسى بن إسماعيل العتكي قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي عن يونس. وأخبرني أبو خليفة فيما كتب به إلي عن محمد بن سلامٍ عن يونس وأخبرني به عمي عن الكراني عن الرياشي عن محمد بن سلام عن يونس وأخبرني علي بن سليمان الأخفش عن أبي سعيدٍ السكري عن يعقوب بن السكيت قالوا جميعاً سوى يعقوب .


كان عبيد أبو أبي وجزة السعدي عبداً بيع بسوق ذي المجاز في الجاهلية فابتاعه وهيب بن خالد بن عامر بن عمير بن ملان بن ناصرة بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن، فأقام عنده زماناً يرعى إبله، ثم إن عبيداً ضرب ضرع ناقةٍ لمولاه فأدماه، فلطم وجهه، فخرج عبيد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مستعدياً فلما قدم عليه قال: يا أمير المؤمنين، أنا رجل من بني سليمٍ، ثم من بني ظفر أصابني سباء الجاهلية كما يصيب العرب بعضها من بعض، وأنا معروف النسب، وقد كان رجل من بني سعد ابتاعني، فأساء إلي وضرب وجهي، وقد بلغني أنه لا سباء في الإسلام، ولا رق على عربي في الإسلام. فما فرغ من كلامه حتى أتاه مولاه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على أثره، فقال: يا أمير المؤمنين، هذا غلام ابتعته بذي المجاز، وقد كان يقوم في مالي، فأساء فضربته ضربة والله ما أعلمني ضربته غيرها قط، وإن الرجل ليضرب ابنه أشد منها فكيف بعبده، وأنا أشهدك أنه حر لوجه الله تعالى، فقال عمر لعبيد: قد امتن عليك هذا الرجل، وقطع عنك مؤنه البينة، فإن أحببت فأقم معه، فله عليك منة، وإن أحببت فالحق بقومك، فأقام مع السعدي وانتسب إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، وتزوج زينب بنت عرفطة المزنية، فولدت له أبا وجزة وأخاه، وقال يعقوب: وأخاه عبيداً، وذكر أن أباهما كان يقال له أبو عبيدٍ، ووافق من ذكرت روايته في سائر الخبر، فلما بلغ ابناه طالباه بأن يلحق بأصله وينتمي إلى قومه من بني سليم، فقال: لا أفعل ولا ألحق بهم فيعيروني كل يوم ويدفعوني، وأترك قوماً يكرموني ويشرفوني، فوالله لئن ذهبت إلى بني ظفرٍ لا أرعى طمة ، ولا أراد جمة، إلا قالوا لي: يا عبد بني سعدٍ قال: وطمة: جبل لهم. فقال أبو وجزة في ذلك:

أنمى فأعقل في ضبيسٍ معقلاً

 

ضخماً مناكبه تميم الهـادي

والعقد في ملان غير مزلـج

 

بقوى متينات الحبـال شـداد

كان من التابعين وروى عن جماعة من أصحاب رسول الله: وكان أبو وجزة من التابعين، وقد روى عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ولم يسند إليه حديثاً، ولكنه حدث عن أبيه عنه بحديث الاستسقاء، ونقل عنه جماعة من الرواة .


أخبرني محمد بن خلفٍ وكيع وعمي قالا حدثنا عبد الله بن شبيبٍ قال حدثني إبراهيم بن حمزة قال حدثني موسى بن شيبة قال: سمعت أبا وجزة السعدي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس شعر حسان بن ثابت ولا كعب بن مالك ولا عبد الله بن رواحة شعراً، ولكنه حكمة " .


فأما خبر الاستسقاء الذي رواه عن أبيه عن عمرو فإن الحسن بن علي أخبرنا به قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثني عبد الله بن عمرو عن علي بن الصباح عن هشام بن محمدٍ عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد خرج بالناس ليستسقي عام الرمادة؛ فقام وقام الناس خلفه، فجعل يستغفر الله رافعاً صوته لا يزيد على ذلك؛ فقلت في نفسي: ما له لا يأخذ فيما جاء له؛ ولم أعلم أن الاستغفار هو الاستسقاء فما برحنا حتى نشأت سحابة وأظلتنا، فسقي الناس، وقلدتنا السماء قلدا، كل خمس عشرة ليلة، حتى رأيت الأرينة تأكلها صغار الإبل من وراء حقاق العرفط .
مات سنة ثلاثين ومائة: وأخبرني أبو الحسن الأسدي وهاشم بن محمد الخزاعي جميعاً عن الرياشي عن الأصمعي عن عبد الله بن عمر العمري عن أبي وجزة السعدي عن أبيه، وذكر الحديث مثله. وأخبرني به إبراهيم بن أيوب عن عبد الله بن مسلم بن قتيبة، واللفظ متقارب وزاد الرياشي في خبره: فقلت لأبي وجزة: ما حقاق العرفط؟ قال: نبات سنتين وثلاث. وزاد ابن قتيبة في خبره عليهم قال: ومات أبو وجزة سنة ثلاثين ومائة .
هو أحد من شبب بعجوزٍ حيث يقول:

يأيها الرجل الموكل بالصـبـا

 

فيم ابن سبعين المعمر من دد؟

حتام أنت مـوكـل بـقـديمةٍ

 

أمست تجدد كاليماني الـجـيد

زان الجلال كمالها ورسا بهـا

 

عقل وفاضلة وشـيمة سـيد

ضنت بنائلها عليك وأنـتـمـا

 

غران في طلب الشباب الأغيد

فالآن ترجو أن تثيبـك نـائلاً

 

هيهات! نائلها مكان الفرقـد

روى صورة استسقاء عمر عن أبيه: وأخبرنا الحرمي بن أبي العلاء والطوسي جميعاً قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد ابن الحسن المخزومي عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال: استسقى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فلما وقف على المنبر أخذ في الاستغفار، فقلت: ما أراه يعمل في حاجته! ثم قال في آخر كلامه: اللهم إني قد عجزت وما عندك أوسع لهم. ثم أخذ بيد العباس رضي الله تعالى عنه، ثم قال: وهذا عم نبيك، ونحن نتوسل إليك به. فلما أراد عمر رضي الله تعالى عنه أن ينزل قلب رداءه، ثم نزل فتراءى الناس طرة في مغرب الشمس، فقالوا: ما هذا! ما رأينا قبل قزعة سحاب أربع سنين؟ قال: ثم سمعنا الرعد، ثم انتشر، ثم اضطرب، فكان المطر يقلدنا قلداً في كل خمس عشرة ليلة، حتى رأيت الأرينة خارجة من حقاق العرفط تأكلها صغار الإبل .


مدح بني الزبير وأكرموه: أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي عن جدي قال: خرج أبو وجزة السعدي وأبو زيد الأسلمي يريدان المدينة، وقد امتدح أبو وجزة آل الزبير، امتدح أبو زيد إبراهيم بن هشام المخزومي، فقال له أبو وجزة: هل لك في أن أشاركك فيما أصيب من آل الزبير، وتشاركني فيما تصيب من إبراهيم؟ فقال: كلا والله، لرجائي في الأمير أعظم من رجائك في آل الزبير. فقدما المدينة، فأتى أبو زيد دار إبراهيم، فدخلها وأنشد الشعر وصاح وجلب، فقال إبراهيم لبعض أصحابه: أخرج إلى هذا الأعرابي الجلف فاضربه وأخرجه، فأخرج وضرب. وأتى أبو وجيزة أصحابه فمدحهم وأنشدهم، فكتبوا له إلى مال لهم بالفرع أن يعطي منه ستين وسقاً من التمر، فقال أبو وجزة يمدحهم:

راحت قلوصي رواحاً وهي حامدة

 

آل الزبير ولم تعدل بهـم أحـدا

راحت بستين وسقاً في حقيبتـهـا

 

ما حملت حملها الأدنى ولا السددا

ذاك القرى لا كأقوامٍ عهـدتـهـم

 

يقرون ضيفهم الملوية الـجـددا

يعني السياط .
قال أبو الفرج الأصفهاني: قول أبي وجزة:

راحت بستين وسقاً في حقيبتها

أنها حملت ستين وسقاً ولا تحمل ناقة ذلك ولا تطيقه ولا نصفه، وإنما عنى أنه انصرف عنهم وقد كتبوا له بستين سقاً فركب ناقته والكتاب معه بذلك قد حملته في حقيبتها، فكأنها حاملة بالكتاب ستين وسقاً، لا أنها أطاقت حمل ذلك. وهذا ببيت معنى يسأل عنه .


وقال يعقوب بن السكيت فيما حكيناه من روايته التي ذكرها الأخفش لنا عن السكري في شعر أبي وجزة وأخباره: أحسن عمرو بن زيادة جواره فمدحه: كان أبو وجزة قد جاور مزينة، وانتجع بلادهم لصهره فيهم، فنزل على عمرو بن زياد بن سهيل بن مكدم بن عقيل بن عمرو بن مرة بن مازن بن عوف بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان، فأحسن عمرو جواره وأكرم مثواه، فقال أبو وجزة يمدحه:

لمن دمنة بالنعف عافٍ صعيدها

 

تغير باقيها ومـح جـديدهـا

لسعدة من عام الهزيمة إذ بنـا

 

تصافٍ وإذ لما يرعنا صدودها

وإذ هي أما نفسهـا فـأريبـه

 

للهوٍ، وأما عن صباً فتذودهـا

تصيد ألباب الرجال بـدلـهـا

 

وشيمتها وحشية لا نصـيدهـا

كباسقة الوسمي ساعة أسبلـت

 

تلألأ فيها البرق وابيض جيدها

الباسقة: التي فضلت غيرها من الغمام وطالت عليه، قال الله تبارك وتعالى: " والنخل باسقاتٍ " .

كبكرٍ تراني فـرقـدين بـقـفـرة

 

من الرمل أو فيحان لم يعس عودها

لعمرو الندى عمر بـن آل مـكـدم

 

كثير عليات الأمـور جـلـيدهـا

فتًى بين مـسـروجٍ وآل مـكـدمٍ

 

وعمرو فتى عثمان طراً وسيدهـا

حليم إذا ما الجهل أفرط ذا النهـي

 

على أمره، حامي الحصاة شديدها

وما زال ينحو فعل من كان قبـلـه

 

من آبائه يجني العـلا ويفـيدهـا

فكم من خليلٍ قد وصلت وطـارقٍ

 

وقربت من أدماء وارٍ قصـيدهـا

وذي كربةٍ فرجت كـربة هـمـه

 

وقد ظل مستداً علـيه وصـيدهـا

تزوج زينب بنت عرفطة وقال فيها رجزاً فأجابته برجز مثله ك أخبرني عمي قال حدثني العنزي قال حدثنا محمد بن معاوية عن يعقوب بن سلام بن عبد الله ابن أبي مسروج قال: تزوج أبو وجزة السعدي زينب بنت عرفطة بن سهل بن مكدم المزنية فولدت له عبيداً وكانت قد عنست ، وكان أبو وجزة يبغضها، وإنما أقام عليها لشرفها، فقال لها ذات يوم:

أعطى عبيداً وعبيد مقـنـع

 

من عرمسٍ محزمها جلنفع

ذات عساسٍ ما تكاد تشبـع

 

تجتلد الصحن وما إن تبضع

تمر في الـدار ولا تـورع

 

كأنها فيهم شجـاع أقـرع

فقالت زينب أم وجزة تجيبه:

أعطى عبيداً من شييخ ذي عـجـر

 

لا حسن الوجه ولا سـمـحٍ يسـر

يشرب عس المذق في اليوم الخصر

 

كأنما يقذف فـي ذات الـسـعـر

تقاذف السيل من الشعب المضـر

 

 

قال في ابنه عبيد رجزاً فأجابه برجز أيضاً: قال: وقال وجزة لابنه عبيد:

يا راكب العنس كمرداة العلم

 

أصلحك الله وأدنى ورحـم

إن أنت أبلغت وأديت الكلـم

 

عنى عبيد بن يزيد لو علـم

قد علم الأقوام أن سينتـقـم

 

منك ومن أم تلقتـك وعـم

رب يجازي السيئات من ظلم

 

أنذرتك الشدة من ليثٍ أضم

عادٍ أبي شبلين فرفارٍ لحـم

 

فارجع إلى أمك تفرشك ونم

إلىعجوز رأسها مثـل الإرم

 

واطعم فإن الله رزاق الطعم

فقال عبيد لأبيه:

دعها أبا وجزة واقعد في الغنم

 

فسوف يكفيك غلام كالزلـم

مشمر يرقل في نعـلٍ خـذم

 

وفي قفاه لقمة من اللـقـم

قد ولهت ألافها غـير لـمـم

 

حتى تناهت في قفا جعدٍ أحم

هجاه أبو مزاحم وعيره بنسبه فرد عليه: قال يعقوب: وقال أبو المزاحم يهجو أبا وجزة ويعيره بنسبه:

دعتك سليم عبدها فأجبـتـهـا

 

وسعد، وما ندري لآيهما العبد ؟

فأجابه أبو وجزة فقال :

أعيرتموني أن دعتني أخاهم

 

سليم وأعطتني بأيمانها سعد

فكنت وسيطاً في سليم معاقداً

 

لسعد، وسعد ما يحل لها عقد

مدح عبد الله بن الحسن وإخوته فأكرموه: أخبرني أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضبعي إجازةً قال حدثنا محمد بن مسعود الزرقي عن مسعود بن المفضل مولى آل حسن بن حسن قال: قدم أبو وجزة السعدي على عبد الله بن الحسن وإخوته سويقة ، وقد أصابت قومه سنة مجدبة، فأنشده قوله يمدحه:

أثني علي ابني رسول الله أفضل ما

 

أثني به أحد يومـاً عـلـى أحـد

السيدين الكريمي كل منـصـرفٍ

 

من والدين ومن صهر ومن ولـد

ذرية بعضها من بعضها عمـرت

 

في أصل مجد رفيع السمك والعمد

ماذا بنى لهم من صالـحٍ حـسـن

 

وحسن وعلي وابـتـنـوا لـغـد

فكرم الله ذاك الـبـيت تـكـرمةً

 

تبقى وتخـلـد فـيه آخـر الأبـد

هم السدى والندى، ما في قناتـهـم

 

إذا تعوجـت الـعـيدان مـن أود

مهذبون هـجـان أمـهـاتـهـم

 

إذا نسبن زلال البـارق الـبـرد

بين الفواطم مـاذا ثـم مـن كـرم

 

إلى العواتك مجد غير منـتـقـد

ما ينتهي المجد إلا في بني حسـن

 

وما لهم دونه من دار ملـتـحـد

قال: فأمر له عبد الله بن الحسن وحسن وإبراهيم بمائةٍ وخمسين ديناراً وأوقروا له رواحله براً وتمراً، وكسوه ثوبين ثوبين .


فرض له عبد الملك بن يزيد السعدي عطاء في الجند وندبه لحرب أبي حمزة فقال في ذلك رجزاً: أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي قال حدثنا عمر بن شنة قال حدثني أبو غسان والمدائني جميعاً: أن عبد الملك بن يزيد بن محمد بن عطية السعدي كان قد ندب لقتال أبي حمزة الأزدي الشاري لما جاء إلى المدينة فغلب عليها، قال: وبعث إليه مروان بن محمد بمال، ففرقه فيمن خف معه من قومه، فكان فيمن فرض له منهم أبو وجزة وابناه، فخرج معترضاً للعسكر على فرس، وهو يرتجز ويقول:

قل لأبي جـمـزة هـيد هـيد

 

جئناك بالعـادية الـصـنـديد

بالبطل الـقـرم أبـي الـولـيد

 

فارس قيسٍ نجدها المـعـدود

في خيل قيسٍ والكماة الـصـيد

 

كالسيف قد سل من الغـمـود

محضٍ هجانٍ ماجـد الـجـدود

 

في الفرع من قيس وفي العمود

فدىً لعبد المـلـك الـحـمـيد

 

مالي من الطارف والـتـلـيد

يوم تنادى الخيل بـالـصـعـيد

 

كأنـه فـي جـنـن الـحـديد

سيد مـدل عـز كـل سـيد

 

 

قال: وسار ابن عطية في قومه، ولحقت به جيوش أهل الشام، فلقي أبا حمزة في اثني عشر ألفاً، فقاتله يوماً إلى الليل حتى أصاب صناديد عسكره، فنادوه. يابن عطية، إن الله جل وعز قد جعل الليل سكناً، فاسكنوا حتى نسكن، فأبى وقاتلهم حتى قتلهم جميعاً .


كان منقطعاً لابن عطية مداحاً له: قال: وكان أبو وجزة منقطعاً إلى ابن عطية، يقوم بقوت عياله وكسوته ويعطيه ويفضل عليه، وكان أبو وجزة مداحاً له، وفيه يقول:

حن الفؤاد إلى سعدى ولـم تـثـب

 

فيم الكثير من التحنان والـطـرب

قالت سعاد أرى من شيبه عـجـبـاً

 

مهلاً سعاد فما في الشيب من عجب

غنى في هذين البيتين إسحاق خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها من كتابه:

إما تريني كساني الدهر شيبـتـه

 

فإن ما مر منه عنك لـم يغـب

سقياً لسعدى على شيب ألم بـنـا

 

وقبل ذلك حين الرأس لم يشـب

كأن ريقتها بعد الكرى اغتبـقـت

 

صوب الثريا بماء الكرم من حلب

وهي قصيدة طويلة يقول فيها:

أهدى قلاصاً عناجيجاً أضـربـهـا

 

نص الوجيف وتقحيم من العـقـب

يقصدن سيد قـيسٍ وابـن سـيدهـا

 

والفارس العد منها غير ذي الكذب

محمد وأبـوه وابـنـه صـنـعـوا

 

له صنائع من مجد ومن حـسـب

إني مدحتهـم لـمـا رأيت لـهـم

 

فضلاً على غيرهم من سائر العرب

إلا تثبني به لا يجزني أحـد

 

ومن يثب إذا ما أنت لم تثب

       

والأبيات التي ذكرت فيها الغناء المذكور معه أمر أبي وجزة من قصيدة له مدح بها أيضاً عبد الملك بن عطية هذا. ومما يختار منها قوله:

حتى إذا هجـدوا ألـم خـيالـهـا

 

سراً، ألا بلمامه كـان الـمـنـى

طرقت برياً روضةٍ مـن عـالـجٍ

 

وسميةٍ عذبت وبيتـهـا الـنـدى

يا أم شـيبة أي سـاعة مـطـرقٍ

 

نبهتنا، أين الـمـدينة مـن بـدا ؟

إني متى أقض اللبـانة أجـتـهـد

 

عنق العتاق الناجيات على الوجى

حتى أزورك إن تـيسـر طـائري

 

وسلمت من ريب الحوادث والردى

وفيها يقول:

فلأمدحن بني عطـية كـلـهـم

 

مدحاً يوافي في المواسم والقرى

الأكـرمـين أوائلاً وأواخــرا

 

والأحلمين إذا تخولجت الحـبـا

والمانعين من الهضمية جارهـم

 

والجامعين الراقعين لما وهـى

والعاطفين على الضريك بفضلهم

 

والسابقين إلى المكارم من سعى

وهي قصيدة طويلة يمدح فيها بني عطية جميعاً ويذكر وقعتهم بأبي حمزة الخارجي، ولا معنى للإطالة بذكرها .


مدح عبد الله بن الحسن فغضب ابن الزبير فصالحه بشعر مدحه فيه: أخبرني محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن الهيثم بن عدي قال: كان أبو وجزة السعدي منقطعاً إلى آل الزبير، وكان عبد الله بن عروة بن الزبير خاصةً يفضل عليه ويقوم بأمره، فبلغه أن أبا وجزة أتى عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فمدحه فوصله، فاطرحه ابن عروة، وأمسك يده عنه، فسأل عن سبب غضبه فأخبره به الأصم بن أرطأة، فلم يزل أبو وجزة يمدح آل الزبير، ولا يرجع له عبد الله بن عروة إلى ما كان عليه ولا يرضى عنه حتى قال فيه:

آل الـزبـير بـنـو حــرة

 

مروا بالسيوف صدوراً خنافا

سل الجرد عنهـم وأيامـهـا

 

إذا امتعطوا المرهفات الخفافا

امتعطوا: سلوا، ومنه ذئب أمعط، منسل من شعره .

يموتون والقتـل داء لـهـم

 

ويصلون يوم السياف السيافا

إذا فرج القتل عن عيصهـم

 

أبى ذلك العيص إلا التفافا

مطاعيم تحمـد أبـياتـهـم

 

إذا قنع الشاهقات الطخافـا

وأجبن من صافرٍ كلبـهـم

 

إذا قرعته حصاة أضـافـا

فلما أنشد ابن عروة هذه الأبيات رضى عنه وعاد له إلى ما كان عليه .
صوت من المائة المختارة:

ألا هل أسير المالكية مطـلـق

 

فقد كاد لو لم يعفه الله يغلـق

فلا هو مقتول، ففي القتل راحة

 

ولا منعم يوماً عليه فمعـتـق

الشعر لعقيل بن علفة البيت الأول منه، والثاني لشبيب بن البرصاء، والغناء لأحمد بن المكي، خفيف ثقيل بالوسطى من كتابه، وفيه لدقاق رمل بالوسطى من كتاب عمرو بن بانة، وأوله:

سلا أم عمرو فيم أضحى أسيرها

 

يفادى الأسارى حوله وهو موثق

وبعده البيت الثاني وهو:

فلا هو مقتول ففي القتل راحة

 

ولا منعم يوماً عليه فمعـتـق

والبيتان على هذه الرواية لشبيب بن البرصاء .