الجزء الثاني عشر - أخبار دقاق

أخبار دقاق

تزوجت يحيى بن الربيع ثم بعده من القواد والكتاب فماتوا وورثتهم: كانت دقاق مغنية محسنة جميلة الوجه قد أخذت عن أكابر مغني الدولة العباسية، وكانت ليحيى بن الربيع، فولدت له أحمد ابنه، وعمر عمراً طويلاً وحدثنا عنه جحظة ونظراؤه من أصحابنا، وكان عالماً بأمر الغناء والمغنين، وكان يغني غناء ليس بمستطاب ولكنه صحيح. ومات يحيى بن الربيع فتزوجت بعده من القواد والكتاب بعدة، فماتوا وورثتهم .


هجاها عيسى بن زينب: فحدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب السرخسي قال: كانت دقاق أم ولد يحيى بن الربيع أحمد المعروف بابن دقاق مغنية محسنة متقنة الأداء والصنعة، وكانت قد انقطعت إلى حمدونة بنت الرشيد ثم إلى غضيض، وكانت مشهورة بالظرف والمجون والفتوة. قال أحمد بن الطيب: وعتقت دقاق فتزوجها بعد مولاها ثلاثة من القواد من وجوههم، فماتوا جميعاً، فقال عيسى بن زينب يهجوها:

قلت لـمـا رأيت دار دقـاق

 

حسنها قد أضر بالـعـشـاق

حذروا الرابع الشقي دقـاقـا

 

لا يكونن نجمه في مـحـاق

أله عن بضعها فـإن دقـاقـا

 

شؤم حرها قد سار في الآفاق

لم تضاجع بعلاً فهب سلـيمـا

 

بل جريحاً وجرحه غير راقي

كتبت إلى حمدون تصف هنها فرد عليها: أخبرني الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني الهدادي الشاعر قال حدثني أبو عبد الله بن حمدون وأخبرني جحظة عن ابن حمدون ورواية الكوكبي أتم قال: كتبت دقاق إلى أبي تصف هنها صفة أعجزه الجواب عنها، فقال له صديق له: ابعث إلى بعض المخنثين حتى يصف متاعك، فيكون جوابها، فأحضر بعضهم وأخبره الخبر، فقال: اكتب إليها: عندي القوق بوق ، الأصلع المزبوق ، الأقرع المفروق، المنتفخ العروق، يسد البثوق ، ويفتق الفتوق، ويرم الخروق، ويقضي الحقوق، أسد بين جملين، بغل بين حملين، منارة بين صخرتين، رأسه رأس كلب، وأصله مترس درب، إذا دخل حفر، وإذا خرج قشر، لو نطح الفيل كوره، ولو دخل البحر كدره، إذا رق الكلام، وتقاربت الأجسام، والتفت الساق بالساق، ولطخ باطنها بالبصاق، وقرع البيض بالذكور ، وجعلت الرماح تمور، بطعن الفقاح ، وشق الأحراح ، صبرنا فلم نجزع، وسلمنا طائعين فلم نخدع. قال: فقطعها .


مجلس بين ابنها وبين أبي الجاموس اليعقوبي: حدثني عمي قال حدثني أحمد بن الطيب قال حدثني أحمد بن علي بن جعفر قال: حضرت مرة مجلساً وفيه ابن دقاق وفيه النصراني المعروف بأبي الجاموس اليعقوبي البزاز قرابة بلال قال: فعبث ابن دقاق بأبي الجاموس، فلما أكثر عليه قال: اسمعوا مني. ثم حلف بالحنيفية أنه لايكذب، وحدثنا قال: مضيت وأنا غلام مع أستاذي إلى باب حمدونة بنت الرشيد، ومعنا بز نعرضه للبيع، فخرجت إلينا دقاق أم هذا تقاولنا في ثمن المتاع، وفي يدها مروحة على أحد وجهيها منقوش: الحر إلى أيرين أحوج من الأير إلى حرين، وعلى الوجه الآخر: كما أن الرحا إلى بغلين أحوج من البغل إلى رحوين، قال: فأسكته والله سكوتاً علمنا معه أنه لو خرس لكان الخرس أصون لعرضه مما جرى .


كان لها غلامان خلاسيان فرماها الناس بهما: قال أحمد: وفي دقاق يقول عيسى بن زينب وكان لها غلامان خلاسيان يروحانها في الخيش، فتحدث الناس أنها قالت لواحد منهما أن ينيكها، فعجز فقالت له: نكني وأنت حر، فقال لها نيكيني أنت وبيعيني في الأعراب، فقال فيها عيسى بن زينب:

أحسن من غنى لنا أو شـدا

 

دقاق في خفضٍ من العيش

لها غلامان ينـيكـانـهـا

 

بعلة الترويح في الخـيش

قال فيها إبراهيم بن المهدي شعراً: حدثني جحظة قال حدثني هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: كانت دقاق جارية يحيى بن الربيع تواصل جمعة كانوا يميلون إليها وتري كل واحد منهم أنها تهواه، وكانت أحسن أهل عصرها وجهاً، وأشأمهم على من رابطها وتزوجها، فقال فيها أبو إسحاق يعني أباه: صوت:

عدمتك يا صديقة كل خلـقٍ

 

أكل الناس ويحك تعشقينا ؟

فكيف إذا خالطت الغث منهم

 

بلحم سمينهم لا تبشـمـينـا

فيه خفيف رملٍ ينسب إلى إبراهيم بن المهدي وإلى ريق وإلى شارية .


قال فيها أبو موسى الأعمى شعراً: أخبرني عمي قال حدثني أحمد بن أبي طاهر قال حدثنا أبو هفان قال: خرج يحيى بن الربيع مولى دقاق وكانت قد ولدت منه ابنه أحمد بن يحيى إلى بعض النواحي، وترك جاريته دقاق في داره فعملت بعده الأوابد ، وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناءً، وأشأمه على أزواجها ومواليها وربطائها، فقال أبو موسى الأعمى فيه:

قل ليحيى نعم صبرت علـى الـمـو

 

ت ولم تخش سهم ريب الـمـنـون

كيف قل لي أطلـقـت ويحـك يا يح

 

يى على الضعف منك حمل القرون !

ويح يحيى مـا مـر بـاسـت دقـاق

 

بعد ما غاب من سـياط الـبـطـون

صوت من المائة المختارة:

تكاشرني كرهاً كأنـك نـاصـح

 

وعينك تبدي أن صدرك لي دوي

لسانك لي حلو وعينك عـلـقـم

 

وشرك مبسوط وخيرك ملتـوي

الشعر ليزيد بن الحكم الثقفي والغناء لإبراهيم ثقيل أول مطلق في مجرى البنصر عن إسحاق، وفيه لجهم العطار خفيف ثقيل عن الهاشمي .