الجزء الثالث عشر - أخبار العتابي ونسبه

أخبار العتابي ونسبه

هو كلثوم بن عمرو بن أيوب بن عبيد بن حبيش بن أوس بن مسعود بن عمرو بن كلثوم الشاعر، وهو ابن مالك عتاب بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. شاعر مترسل بليغ مطبوع، متصرف في فنون الشعر ومقدم. من شعراء الدولة العباسية، ومنصور النمري تلميذه وراويته، وكان منقطعاً إلى البرامكة، فوصفوه للرشيد، ووصلوه به، فبلغ عنده كل مبلغ، وعظمت فوائده منه، ثم فسدت الحال بينه وبين منصور وتباعدت. وأخبار ذلك تذكر في مواضعها.


وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني القاسم بن مهروية، قال: حدثني جعفر بن المفضل، عن رجل من ولد إبراهيم الحراني ، قال: كثر الشعراء بباب المأمون، فأوذن بهم، فقال لعلي بن صالح صاحب المصلى: أعرضهم، فمن كان منهم مجيداً فأوصله إلي، ومن كان غير مجيد فاصرفه. وصادف ذلك شغلاً من علي بن صالح كان يريد أن يتشاغل به عن أمر نفسه، فقام مغضباً، وقال: والله لأعمنهم بالحرمان، ثم جلس لهم، ودعا بهم فجعلوا يتغالبون على القرب منه، فقال لهم: على رسلكم فإن المدى أقرب من ذلك، هل فيكم من يحسن أن يقول كما قال أخوكم العتابي:

ماذا عسى مادح يثني عليك وقد

 

ناداك في الوحي تقديس وتطهير

فت الممادح إلا أن ألـسـنـنـا

 

مستنطقات بما تحوي الضمائير

قالوا: لا والله ما بنا أحد يحسن أن يقول مثل هذا، قال: فانصرفوا جميعاً

قيل في شعر العتابي تكلف

ونفاه آخرون

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن سهل، قال: تذاكرنا شعر العتابي، فقال بعضنا: فيه تكلف، ونصره بعضنا، فقال شيخ حاضر: ويحكم أيقال إن شعره تكلفاً؟ وهو القائل:

رسل الضمير إلـيك تـتـرى

 

بالشوق ظالـعة وحـسـرى

متـزجـيات مــا ينـــي

 

ن على الوجى من بعد مسرى

ما جـف لـلـعـينـين بـع

 

دك يا قرير العين مـجـرى

فاسلم سلمـت مـبـرأ

 

من صبوتي أبداً معرى

إن الصبـابة لـم تـدع

 

مني سوى عظم مبرى

ومدامع عبرى عـلـى

 

كبد عليك الدهر حرى

في هذين البيتين غناء أو يقال: إنه متكلف؟ وهو الذي يقول:

فلو كان للشكر شخص يبين

 

إذا ما تأملـه الـنـاظـر

لمثلته لـك حـتـى تـراه

 

لتعلم أني امرؤ شـاكـر

رذاذ يضع لحناً

الغناء في هذين البيتين لأبي العبيس، ثقيل أول، ولرذاذ خفيف ثقيل. فحدثني أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب النوبجي عن أبي الحسن علي بن العباس وغيره من أهله قالوا: لما صنع رذاذ لحنه في هذا الشعر:

فلو كان للشكر شخص يبين

أبو العبيس يسقط لحن رذاذ فتن به الناس، وكان هجيراهم زماناً ، حتى صنع أبو العبيس فيه الثقيل الأول، فأسقط لحن رذاذ وغلب عليه.


أخبرني إبراهيم بن أيوب، عن عبد الله بن مسلم، وأخبرني علي بن سليمان الأخفش، عن محمد بن يزيد، قالوا جميعاً:

المأمون يكتب في إشخاص العتابي

كتب المأمون في إشخاص كلثوم بن عمرو العتابي، فلما دخل قال له: يا كلثوم، بلغتني وفاتك فساءتني، ثم بلغتني وفدتك فسرتني. فقال له العتابي: يا أمير المؤمنين، لو قسمت هاتان الكلمتان على أهل الأرض لوسعتاها فضلاً وإنعاماً، وقد خصصتني منهما بما لا يتسع له أمنية، ولا يبسط لسواه أمل، لأنه لا دين إلا بك، ولا دنيا معك. فقال له: سلني. فقال: يدك بالعطاء أطلق من لساني بالسؤال. فوصله صلات سنية، وبلغ به من التقديم والإكرام أعلى محل.


وذكر أحمد بن أبي طاهر عن عبد الله بن أبي سعد الكراني، أن عبد الله بن سعيد بن زرارة، حدثه عن محمد بن إبراهيم اليساري، قال: المأمون يداعب العتابي لما قدم العتابي مدينة السلام على المأمون، أذن له، فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم الموصللي، وكان العتابي شيخاً جليلاً نبيلاً، فسلم فرد عليه وأدناه، وقربه حتى قرب منه، فقبل يده: ثم أمره بالجلوس فجلس، وأقبل عليه يسائله عن حاله، وهو يجيبه بلسان ذلق طلق، فاستظرف المأمون ذلك، وأقبل عليه بالمداعبة والمزاح، فظن الشيخ أنه استخف به، فقال: يا أمير المؤمنين: الإيناس قبل الإبساس .

إسحاق بن إبراهيم يعارض العتابي

فاشتبه على المأمون قوله، فنظر إلى إسحاق مستفهماً، فأومأ إليه، وغمزه على معناه حتى فهم، فقال: يا غلام، ألف دينار! فأتي بذاك، فوضعه بين يدي العتابي، وأخذوا في الحديث، وغمز المأمون إسحاق بن إبراهيم عليه، فجعل العتابي لا يأخذ في شيء إلا عارضه فيه إسحاق، فبقي العتابي متعجباً، ثم قال: يا أمير المؤمنين، أتأذن لي في سؤال هذا الشيخ عن اسمه؟ قال: نعم، سل. فقال لإسحاق: يا شيخ من أنت؟ وما اسمك؟ قال: أنا من الناس، واسمي كل بصل. فتبسم العتابي وقال: أما أنت فمعروف، وأما الاسم فمنكر. فقال إسحاق: ما أقل إنصافك، أتنكر أن يكون اسمي كل بصل؟ واسمك كل ثوم، وكل ثوم من الأسماء، أو ليس البصل أطيب من الثوم؟ فقال له العتابي: لله درك، ما أحجك ، أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أصله بما وصلتني به؟ فقال له المأمون: بل ذلك موفر عليك ونأمر له بمثله.


مصادقة العتابي لإسحاق فقال له إسحاق: أما إذا أقررت بهذا، فتوهمني تجدني، فقال: ما أظنك إلا إسحاق الموصلي، الذي تناهى إلينا خبره، قال: أنا حيث ظننت. وأقبل عليه بالتحية والسلام، فقال المأمون، وقد طال الحديث بينهما: أما إذ قد اتفقتما على المودة، فانصرفا متنادمين. فانصرف العتابي إلى منزل إسحاق فأقام عنده.

إعجاب عبد الله بن طاهر بشعر العتابي

وذكر أحمد بن طاهر أيضاً أن مسعود بن عيسى العبدي، حدثه عن موسى بن عبد الله التميمي، قال: وفد إلى عبد الله بن طاهر جمع من الشعراء، فعلم أنهم على بابه، فقال لخادم له أديب: أخرج إلى القوم، وقل لهم: من كان منكم يقول كما قال العتابي للرشيد:

مستنبط عزمات القلب من فكر

 

ما بينهن وبين الله معـمـور

فليدخل، وليعلم أني إن وجدته مقصراً عن ذلك حرمته، فمن وثق من نفسه أنه يقول مثل هذا فليقم. قال: فدخلوا جميعاً إلا أربعة نفر.

جوائز الرشيد للعتابي

أخبرني الحسن بن علي قال، حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية، قال: حدثنا عبد الله بن سعد إبراهيم بن الحدين، قال: وجد الرشيد على العتابي، فدخل سراً مع المتظلمين بغير إذن، فمثل بين يدي الرشيد، وقال له: يا أمير المؤمنين، قد آذتني الناس لك ولنفسي فيك، وردني ابتلاؤهم إلى شكرك، وما مع تذكرك قناعة بغيرك، ولنعم الصائن لنفسي كنت، لو أعانني عليك الصبر. وفي ذلك أقول:

أخضني المقام الغمر إن كان غرني

 

سنا خلب أو زلـت الـقـدمـان

أتتركني جدب المعيشة مـقـتـراً

 

وكفاك من ماء الندى تـكـفـان

وتجعلني سهم المطامع بـعـد مـا

 

بللت يميني بالنـدى ولـسـانـي

قال: فأعجب الرشيد قوله، وخرج عليه الخلع، وقد أمر له بجائزة، فما رأيت العتابي قط أبسط منه يومئذٍ.

بشار يحقد على إجادة العتابي

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثني ابن مهروية، قال: حدثنا أحمد بن خلاد، قال: حدثني أبي، قال: جاء العتابي وهو حدث إلى بشار، فأنشده:

أيصدف عن أمامة أم يقيم

 

وعهدك بالصبا عهد قديم

أقول لمستعار القلب عفى

 

على عزماته السير العديم

أما يكفيك أن دموع عيني

 

شآبيب يفيض بها الهموم

أشيم فلا أرد الطـرف إلا

 

على أرجائه ماء سجـوم

قال: فمد بشار يده إليه: ثم قال له: أنت بصير؟ قال: نعم. قال: عجباً لبصير ابن زانية، أن يقول هذا الشعر. فخجل العتابي وقام عنه.

العتابي ويحيى بن خالد

أخبرني محمد بن يونس الأنباري الكاتب، قال: حدثني الحسن بن يحيى أبو الحمار عن إسحاق، قال: كلم العتابي يحيى بن خالد في حاجة بكلمات قليلة، فقال له يحيى: لقد ندر كلامك اليوم وقل. فقال له: وكيف لا يقل وقد تكنفني ذل المسألة، وحيرة الطلب، وخوف الرد؟! فقال: والله لئن قل كلامك لقد كثرت فوائده. وقضى حاجته.

سخرية العتابي من الناس

أخبرني الحسن بن علي، قال : حدثنا ابن مهروية، قال: حدثنا عثمان الوراق، قال: رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام، فقلت له: ويحك، أما تستحي؟ فقال لي: أرأيت لو كنا في دار فيها بقر، كنت تستحي وتحتشم أن تأكل وهي تراك؟ فقال :لا. قال: فاصبر حتى أعلمك انهم بقر. فقام فوعظ وقص ودعا، حتى كثر الزحام عليه، ثم قال لهم: روى لنا غير واحد، أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار. فما بقي واحد إلا وأخرج لسانه يومئ به نحو أرنبة انفه، ويقدره حتى يبلغها أم لا. فلما تفرقوا، قال لي العتابي: ألم أخبرك أنهم بقر؟

إعجاب يحيى البرمكي بالعتابي

أخبرني الحسن حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو عصام محمد بن العباس، قال: قال يحيى بن خالد البرمكي لولده: إن قدرتم أن تكتبوا أنفاس كلثوم بن عمرو العتابي، فضلاً عن رسائله وشعلاه، فلن تروا أبداً مثله.

كتاب للعتابي

أخبرني أبي، قال: اخبرنا الحارث بن محمد عن المدائني، وأخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا الخراز عن ابن الأعرابي، قال: أنكر العتابي على صديق له شيئاً، فكتب إليه: " إما إن تقر بذنبك فيكون إقرارك حجة علينا في العفو عنك، وإلا فطب نفساً بالانتصاف منك، فإن الشاعر يقول:

أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزنا

 

عنه فإن جحود الذنب ذنبان".

يحيى بن أكثم يستأذن المأمون للعتابي

أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن مهروية، قال: حدثني عبد الواحد بن محمد، قال: وقف العتابي بباب المأمون يلتمس الوصول إليه، فصادف يحيى بن أكثم جالساً ينتظر الإذن، فقال له: إن رأيت - أعزك الله - أن تذكر أمري لأمير المؤمنين إذا دخلت فافعل. قال له: لست أعزك الله بحاجبه. قال: فإن لم تكن حاجباً فقد يفعل مثلك ما سألت، واعلم أن الله - عز وجل - جعل في كل شيء زكاة، جعل زكاة المال رفد المستعين، وزكاة الجاه إغاثة الملهوف. واعلم أن الله عز وجل مقبل عليك بالزيادة إن شكرت، أو التغيير إن كفرت، وإني لك اليوم أصلح منك لنفسك، لأني أدعوك إلى ازدياد نعمتك، وأنت تابى. فقال له يحيى: أفعل وكرامة. وخرج الإذن ليحيى، فلما دخل، لم يبدأ بشيء بعد السلام إلا إذا استأذن المأمون للعتابي، فأذن له.

كلمتان للعتابى

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهروية، قال: حدثني أبو الشبل، قال: قال العتابي لرجل اعتذر إليه: إني إن لم أقبل عذرك لكنت ألأم منك، وقد قبلت عذرك، فدم على لوم نفسك في جنايتك، نزد في قبول عذرك، والتجافي إن هفوتك.
قال: وقيل له لو تزوجت! فقال: إني وجدت مكابدة العفة أيسر علي من الاحتيال لمصلحة العيال.

تقدير المأمون للعتابي وإكرامه لما أسن

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهروية، قال: قال جعفر بن المفضل، قال لي أبي: رأيت العتابي جالساً بين يدي المأمون وقد أسن، فلما أراد القيام قام المأمون فأخذ بيده، واعتمد الشيخ على المأمون، فما زال ينهضهه رويداً رويداً حتى أقله فنهض، فعجبت من ذلك، وقلت لبعض الخدم: ما أسوأ أدب هذا الشيخ، فمن هو؟ قال: العتابي.

دعبل وابن مهروية يحسدانه ويحقدان عليه

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهروية، قال: حدثني بن الأشعث، قال: قال دعبل: ما حسدت أحداً قط على شعر كما حسدت العتابي على قوله:

هيبة الإخوان قـاطـعة

 

لأخي الحاجات عن طلبه

فإذا ما هـبـت ذا أمـل

 

مات ما أملت من سببـه

قال ابن مهروية: هذا سرقه العتابي من قول علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: " الهيبة مقرونة بالخيبة، والحياء مقرون بالحرمان، والفرصة تمر مر السحاب" حدثني محمد بن داود، عن أبي الأزهر، عن عيسى بن الحسن داود الجعفري عن أخيه عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بذلك.

عبد الله بن طاهر يجيزه ثلاث مرات

وينعم عليه بخلعة سنية بعد إنشاده

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهرويه عن أبي الشبل. قال: دخل العتابي على عبد الله بن طاهر، فمثل بين يديه، وأنشده:

حسن ظني وحسن ما عود الل

 

ه سواي منك الغداة أتى بـي

أي شيء يكون أحسن من حس

 

ن يقين حدا إلـيك ركـابـي

قال: فأمر له بجائزة، ثم دخل عليه من الغد، فأنشده:

ودك يكفينيك فـي حـاجـتـي

 

ورؤيتي كافـية عـن سـؤال

وكيف أخشى الفقر ما عشت لي

 

وإنما كفاك لـي بـيت مـال

فأمر له بجائزة، ثم دخل في اليوم الثالث، فأنشده:

بهجات الثياب يخلقها الـده

 

ر وثوب الثناء غض جديد

فاكسني ما يبيد أصلحك الل

 

ه فالله يكسوك ما لا يبـيد

فأمر له بجائزة، وأنعم عليه بخلعة سنية.

العتابي وطوق ابن مالك

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبو دعامة، قال: قال طوق بن مالك للعتابي: أما ترى عشيرتك؟ - يعني بني تغلب - كيف تدل علي، وتتمرغ وتستطيل، وأنا أصبر عليهم؟! فقال العتابي: أيها الأمير، إن عشيرك من أحسن عشرتك ، وإن عمك من عمك خيره، وإن قريبك من قرب منك نفعه، وإن أخف الناس عندك أخفهم ثقلاً عليك، وأنا الذي أقول:

إني بلوت الناس في حالاتـهـم

 

وخبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرب قاطـعـاً

 

وإذا المودة أقرب من الأنساب

شكوى النمري للعتابي إلى طاهر بن الحسين وإصلاحه ما بينهما أخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي، قال حدثنا الرياشي، قال: شكا منصور النمري العتابي إلى طاهر بن الحسين، فوجه طاهر إلى العتابي، فأحضره، وأخفى منصوراً في بيت قريب منهما، وسأل طاهر العتابي أن يصالحه، فشكا سوء فعله به، فسأله أن يصفح عنه، فقال: لا يستحق ذلك. فأمر منصوراً بالخروج، فخرج وقال للعتابي، لم لا أستحق هذا منك؟ فأنشأ العتابي يقول:

أصحبتك الفضل إذ لا أنت تعرفه

 

حقاً ولا لك في استصحابه أرب

لم ترتبطك على وصلي محافظة

 

ولا أعاذك مما اغتـالـك الأدب

ما من جميل ولا عرف نطقت به

 

إلا إلي وإن أنكرت ينـتـسـب

قال: فأصلح طاهر بينهما - وكان منصور من تعليم العتابي تخريجه - وأمر طاهر للعتابي بثلاثين ألف درهم. أخبرني عمر عن عبد الله بن أبي سعد عن الحسين بن يحيى الفهري عن العباس بن أبي ربيعة السلمي، قال: شكا منصور النمري كلثوم بن عمرو العتابي إلى طاهر. ثم ذكر مثله.

العتابي يفضل العلم والأدب على المال

أخبرني علي بن صالح بن الهيثم الأنباري الكاتب، قال: حدثني أبو هفان، قال: كان العتابي جالساً ذات يوم ينظر في كتاب، فمر به بعض جيرانه، فقال: أيش ينفع العلم والأدب من لا مال له؟ فأنشد العتابي يقول:

يا قاتل الله أقواماً إذا ثـقـفـوا

 

ذا اللب ينظر في الآداب والحكم

قالوا وليس بهم إلا نـفـاسـتـه

 

أنافع ذا من الإقتـار والـعـدم

وليس يدرون أن الحظ ما حرموا

 

لحاهم الله، من علم ومن فهـم

قول العتابي في عزل طاهر بن علي

أخبرني علي بن صالح وعمي، قالا: حدثنا أحمد بن طاهر، قال: حدثنا أبو حيدرة الأسدي، قال: قال العتابي في عزل طاهر بن علي، وكان عدوه:

يا صاحباً مـتـلـونـا

 

متباينا فعلي وفعـلـه

ما إن أحب له الـردى

 

ويسرني والله عـزلـه

لم تعد فيما قلـت لـي

 

وفعلت بي ما أنت أهله

كم شاغل بك عـدويتـه

 

وفارغ من أنت شغلـه

أخبرني أحمد بن الفرج، قال: حدثني أحمد بن عطاء الحراني عن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا عبد الله بن سعد، قال: حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن زيد بن الفرج، قال:

مدحه جعفراً لما أمنه عند الرشيد

لما سعى منصور النمري بالعتابي إلى الرشيد اغتاظ علي، فطلبه، فستره جعفر بن يحيى عنه مدة، وجعل يستعطفه عليه، حتى استل ما في نفسه، وأمنه، فقال يمدح جعفر يحيى:

ما زلت في غمرات الموت مطرحـا

 

قد ضاق عني فسيح الأرض من حيلي

ولم تزل دائباً تسعى بلـطـفـك لـي

 

حتى اختلست حياتي من يدي أجـلـي

عودة عبد الله طاهر له في مرضه

أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني أحمد بن خلاد عن أبيه، قال: عاد عبد الله بن طاهر وإسحق بن إبراهيم بن مصعب، كلثوم بن عمرو العتابي، في علة اعتلها، فقال الناس: هذه خطرة خطرت! فبلغ ذلك العتابي، فكتب إلى عبد الله بن طاهر:

قالوا الزيارة خطرة خطرت

 

ونجار برك ليس بالخطـر

أبطل مقالتـهـم بـثـانـية

 

تستنفد المعروف من شكري

فلما بلغت أبياته عبد الله بن طاهر ضحك من قوله، وركب هو إسحاق بن إبراهيم، فعاداه مرة ثانية.

عبد الله بن هشام التغلبي يصله

بعد العتب والكتابة إليه

أخبرني الحسين بن القاسم الكواكبي، قال: حدثني أبو العيناء، قال: حدثني أبو العلاء المعمري، قال: عتب عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي على كلثوم بن عمرو التغلبي في شيء بلغه عنه، فكتب إليه: صوت

لقد سمتني الهجران حتى أذقتـنـي

 

عقوبات زلاتي وسوء منـاقـبـي

فها أنا ساع في هـواك وصـابـر

 

على حد مصقول الغرارين قاضب

ومنصرف عما كرهت وجـاعـل

 

رضاك مثالاً بين عيني وحاجبـي

قال: فرضي عنه، ووصله صلة سنية.


الغناء في هذه الأبيات لسعيد مولى فائد، ثاني ثقيل بالبنصر، عن يحيى المكي، وذكر الهشامي أنه منحول يحيى، وذكر أحمد بن المكي في كتابه، أنه لأبي سعيد، وجعله في باب الثقيل الأول بالبنصر، ولعله على مذهب إبراهيم بن المهدي ومن قال بقوله.


من أخبار ربيعة في آمد أخبرني الحسين بن القاسم، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن يونس السراج، قال: أخبرني الحسين بن داود الفزاري عن أبيه، قال: كان أخوان من فزارة يخفران قرية بين آمد وسميساط، يقال لها تل حوم، فطال مقامهما بها حتى أثريا، فحسدهما قوم من ربيعة، وقالوا: يخفران هذان الضياع في بلدنا! فجمعوا لهما جمعاً، وساروا إليهما، فقاتلوهما، فقتل أحدهما، وعلى الجزيرة يومئذٍ عبد الملك بن صالح الهاشمي، فشكا القيسي أمره إلى وجوه قيس، وعرفهم قتل ربيعة أخاه، وأخذهم ماله. فقالوا له: إذا جلس الأمير فادخل إليه. ففعل ذلك، ودخل على عبد الملك، وشكا ما لحقه، ثم قال له: وحسب الأمير أنهم لما قتلوا أخي وأخذوا مالي قال قائل منهم:

اشربا ما شربتما إن قيساً

 

من قتيل وهالك وأسير

لا يحوزن أمرنا مضري

 

بخفير ولا بغير خفـير

فقال عبد الملك: أتندبني : إلى العصبية؟ وزبره ، فخرج الرجل مغموماً، فشكا ذلك إلى وجوه قيس، فقالوا: لا ترع، فوالله لقد قذفتها في سويداء قلبه، فعاوده. فعاوده في المجلس الآخر، فزبره، وقال له قوله الأول، فقال له: إني لم آتك أندبك للعصبية، وإنما جئتك مستعديا ، فقال له: حدثني كيف فعل القوم؟ فحدثه وانشده، فغضب فقال: كذب لعمري، ليحوزنها. ثم دعا بابي عصمة أحد قواده، فقال: اخرج فجرد السيف في ربيعة، فخرج وقتل منها مقتلة عظيمة، فقال كلثوم بن عمرو العتابي قصيدته التي أولها:

ماذا شجاك بحوارين من طلل

 

ودمنة كشفت عنها الأعاصير

يقول فيها:

هذي يمينك في قربـاك صـائلة

 

وصارم من سيوف الهند مشهور

إن كان منا ذوو إفـك ومـارقة

 

وعصبة دينها العدوان والـزور

فإن منا الذي لا يسـتـحـث إذا

 

حث الجياد وضمنها المضامـير

مستنبط عزمات القلب من فكـر

 

ما بينهن وبين الله مـعـمـور

يعني عبد الله بن هشام بن بسطام التغلبي، وكان قد أخذ قوادهم.


شعر العتابي يدفع القتل عن ربيعة فبلغت القصيدة عبد الملك، فأمر أبا عصمة بالكف عنهم، فلما قدم الرشيد الرافقة انشده عبد الملك القصيدة، فقال: لمن هذه؟ فقال: لرجل من بني عتاب يقال له كلثوم بن عمرو، فقال: وما يمنعه أن يكون ببابنا. فأمر بإشخاصه من رأس عين، فوافى الرشيد وعليه قميص غليظ، وفروة وخف، وعلى كتفه ملحفة جافية بغير سراويل، فلما رفع الخبر بقدومه أمر الرشيد بان تفرش له حجرة، وتقام له وظيفة، ففعلوا، فكانت المائدة إذا قدمت إليه أخذ منها رقاقة وملحاً وخلط الملح بالتراب فأكله بها، فإذا كانت وقت النوم نام على الأرض والخدم يتفقدونه، ويتعجبون من فعله.

الرشيد يأمر بطرده

وسأل الرشيد عنه، فأخبروه بأمره، فأمر بطرده.

يحيى العقيلي يشتري له دابة

توصله إلى راس عين وقد فضح سعيداً بأفعاله فخرج حتى أتى يحيى بن سعيد العقيلي وهو في منزله، فسلم عليه، وانتسب له، فرحب به، وقال له: ارتفع. فقال: لم آتك للجلوس، قال: فما حاجتك؟ قال: دابة أبلغ عليها إلى رأس عين، فقال: غلام أعطه الفرس الفلاني. فقال: لا حاجة لي في ذلك، ولكن تأمر أن تشتري لي دابة أتبلغ عليها. فقال لغلامه: امض معه فابتع له ما يريد. فمضى معه، فعدل به العتابي إلى سوق الحمير، فقال له: إنما أمرني أن ابتاع لك دابة. فقال له: إنه أرسلك معي، ولم يرسلني معك، فإن عملت ما أريد و إلا انصرف. فمضى معه فاشترى حماراً بمائة وخمسين درهماً، وقال: ادفع إليه ثمنه، فدفع إليه، فركب الحمار عرياً بمرشحة عليه وبرذعة، وساقاه مكشوفتان، فقال له يحيى بن سعيد: فضحتني، امثلي يحمل مثلك على هذا؟ فضحك، وقال: ما رأيت قدرك يستوجب أكثر من ذلك. ومضى إلى رأس عين.

لوم زوجته له وما قال في ذلك

وكانت تحته امرأة من باهلة، وقالت: هذا منصور النمري قد أخذ الأموال فحلى نساءه، وبنى داره، واشترى ضياعاً، وأنت هنا كما ترى! فأنشأ يقول:

تلوم على ترك الغنـى بـاهـلـية

 

زوي الفقر عنها كل طرف وتالد

رأت حولها النسوان يرفلن في الثرا

 

مقلدة أعـنـاقـهـا بـالـقـلائد

أسرك إني نلت ما نال جـعـفـر

 

من العيش أو نال يحيى بن خالـد

وإن أمير المؤمنـين أغـصـنـي

 

مغصهما بالمشرقـات الـبـوارد

رأيت رفيعات الأمـور مـشـوبة

 

بمستودعات في بطـون الأسـاود

دعيني تجئني ميتتـي مـطـمـئنة

 

ولم أتجشم هول تلـك الـمـوارد

وهذا الخبر فيه اضصراب، لأن القصيدة المذكورة التي أولها:

ماذا شجاك بحوارين من طلل

للعتابي في الرشيد، لا في عبد الملك، ولم يكن كما ذكره في أيام الرشيد متنقصاً منه. وله أخبار معه طويلة، وقد حدثني بخبره هذا لما استوهب رفع السيف عن ربيعة جماعة على غير هذه الرواية.

عتب الرشيد على العتابي

وقطعه الهبات فيتنصل بقصيدته هذه

أخبرني عمي قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني مسعود بن إسماعيل العدوي عن موسى بن عبد الله التميمي قال:  عتب الرشيد على العتابي أيام الوليد بن طريف، فقطع عنه أشياء كان عوده إياها، فاتاه متنصلاً بهذه القصيدة:

ماذا شجاك بحوارين من طـلـل

 

ودمنة كشفت عنها الأعاصـير

شجاك حتى ضمير القلب مشترك

 

والعين إنسانها بالماء مغـمـور

في ناظري انقباض عن جفونهما

 

وفي الجفون عن الآماق تقصير

لو كنت ترين ما شوقي إذا جعلت

 

تنأى بنا وبك الأوطان والـدور

علمت أن سرى ليلى ومطلعـي

 

من بيت نجران والغورين تغوير

إذا الركائب مخوف نواظـرهـا

 

كما تضمنت الدهن الـقـوارير

نادتك أرحامنا اللاتي نمت بـهـا

 

كما تنادي جلاد الجلة الـخـور

مستنبط عزمات القلب من فكـر

 

ما بينهن وبين الله مـعـمـور

فت المدائح إلا أن أنـفـسـنـا

 

مستنطقات بما تحوي الضمائير

ماذا عسى مادح يثني عليك وقـد

 

ناداك في الوحي تقديس وتطهير

فإن منا الذي لا يسـتـحـث إذا

 

حث الجياد وحازتها المضامـير

إن كـان ذوو إفـك ومــارقة

 

وعصبة دينها العدوان والـزور

ومن عرائقه السفاح عـنـدكـم

 

مجرب من بلاء الصدق مخبور

الآن قد بعدت في خطو طاعتكم

 

خطاهم حيث يحتل الغشـامـير

الرشيد يرضى عن العتابي ويرد أرزاقه ويصله - يعني يزيد بن مزيد، وهشام بن عمر والتغلبي، وهو ولد سفيح بن السفاح- قال: فرضي عنه ورد أرزاقه ووصله.

صوت

تطاول ليلى لم أنمـه تـقـلـبـا

 

كأن فراشي حال من دونه الجمر

فإن تكن الأيام فرقـن بـينـنـا

 

فقد بان مني تـذكـره الـعـذر

الشعر للأبيرد الرياحي، والغناء لبابويه، ثقيل أول بالوسطى عن عمرو، وفيه رمل نسبه يحيى المكي إلى ابن سريج. وقيل إنه منحول.