الجزء الثالث عشر - أخبار حاجز ونسبه

أخبار حاجز ونسبه

هو حاجز بن عوف بن الحارث بن الأخثم بن عبد الله بن ذهل بن مالك بن سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران بن عوف بن ميدعان بن مالك بن نصر بن الأزد. وهو حليف لبني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، وفي ذلك يقول:

قومي سلامان إما كـنـت سـائلةً

 

وفي قريش كريم الحلف والحسب

إني متى أدع مخزوماً تري عنقـاً

 

لا يرعشون لضرب القوم من كثب

يدعى المغيرة في أولى عـديدهـم

 

أولاد مرأسةٍ ليسوا مـن الـذنـب

وهو شاعر جاهلي مقل، ليس من مشهوري الشعراء، وهو أحد الصعاليك المغيرين على قبائل العرب، وممن كان يعدو على رجليه عدواً يستبق بن الخيل.


أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثني العباس بن هشام، عن أبيه، عن عوف بن الحارث الأزدي، أنه قال لابنه حاجز بن عوف: أخبرني يا بني بأشد عدوك. قال: نعم، أفزعتني خثعم فنزوت نزواتٍ، ثم استفزتني الخيل واصطف لي ظبيان، فجعلت أنهنههما بيدي عن الطريق، ومنعاني أن أتجاوزها في العدو لضيق الطريق حتى اتسع واتسعت بنا، فسبقتهما. فقال له: فهل جاراك أحدٌ في العدو؟ قال: ما رأيت أحداً جاراني إلا أطيلس أغيبر من النقوم، فإنا عدونا معاً فلم أقدر على سبقه. قال: النقوم بطن من الأزد من ولد ناقم، واسمه عامر بن حوالة بن الهنو بن الأزد.


نسخت أخبار حاجز من رواية أبي عمرو الشيباني من كتاب بخط المرهبي الكوكبي، قال: أغار عوف بن الحارث بن الأخثم على بني هلال بن عامر بن صعصعة في يوم داجٍ مظلمٍ، فقال لأصحابه: انزلوا حتى أعتبر لكم. فانطلق حتى أتى صرماً من بني هلال، وقد عصب على يد فرسه عصاباً ليظلع فيطمعوا فيه، فلما أشرف عليهم استرابوا به، فركبوا في طلبه، وانهزم من بين أيديهم، وطمعوا فيه، فهجم بهم على أصحابه بني سلامان، فأصيب يومئذٍ بنو هلال، وملأ القوم أيديهم من الغنائم، ففي ذلك يقول حاجز بن عوف:

صباحك واسلمى عنا أمامـاً

 

تحية وامقٍ وعمي ظلامـا

برهرهةٌ يحار الطرف فيها

 

كحقة تاجر شدت ختـامـا

فإن تمس ابنة السهمي منـا

 

بعيداً لا تكلمـنـا كـلامـا

فإنك لا محالة أن تـرينـي

 

ولو أمست حبالكم رمامـا

بناجية القوائم عـيسـجـورٍ

 

تدارك نيها عاماً فـعـامـا

سلي عني إذا اغبرت جمادي

 

وكان طعام ضيفهم الثمامـا

ألسنا عصمة الأضياف حتى

 

يضحى مالهم نفلاً تـوامـا

أبى ربع الفـوارس يوم داجٍ

 

وعمي مالكٌ وضع السهاما

فلو صاحبتنا لرضيت مـنـا

 

إذا لم تغبق المائة الغلامـا

يعني بقوله: وضع السهام، أن الحارث بن عبدالله بن بكر بن يشكر بن مبشر بن صقعب بن دهمان بن نصر بن زهران، كان يأخذ من جميع الأزد إذا غنموا الربع، لأن الرياسة في الأزد كانت لقومه، وكان يقال لهم: الغطاريف وهم أسكنوا الأسد بلد السراة، وكانوا يأخذون للمقتول منهم ديتين ويعطون غيرهم دية واحدة إذا وجبت عليهم، فغزتهم بنو فقيم بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فظفرت بهم، فاستغاثوا ببني سلامان، فأغاثوهم، حتى هزموا بني فقيم وأخذوا منهم الغنائم وسلبوهم، فأراد الحارث أن يأخذ الربع كما كان يفعل، فمنعه مالك بن ذهل بن مالك بن سلامان، وهو عم أبي حاجز، وقال: هيهات، ترك الربع غدوة فأرسلها مثلاً، فقال له الحارث: أتراك يا مالك تقدر أن تسود؟ فقال: هيهات، الأزد أمنع من ذاك. فقال: أعطني ولو جعباً، والجعب: البعر في لغتهم، لئلا تسمع العرب أنك منعتني. فقال مالك: فمن سماعها أفر، ومنعه الربيع، فقال حاجز في ذلك:

ألا زعمت أبناء يشكـر أنـنـا

 

بربعهم باءوا هنالك نـاضـل

ستمنعنا منكم ومن سوء صنعكم

 

صفائح بيضٌ أخلصتها الصياقل

وأسمر خطيٌّ إذا هز عـاسـلٌ

 

بأيدي كماةٍ جربتها الـقـبـائل

وقال أبو عمرو: جمع حاجزٌ ناساً من فهم وعدران، فدلهم على خثعم، فأصابوا منهم غرة وغنموا ما شاءوا، فبلغ حاجراً أنهم يتوعدونه ويرصدونه، فقال:

إني مـن إرعـادكـم وبـروقـكـم

 

وإيعادكم بالقتل صمٌّ مـسـامـعـي

وإني دليل غـير مـخـفٍ دلالـتـي

 

على ألف بيتٍ جدهم غير خـاشـع

ترى البيض يركضن المجاسد بالضحى

 

كذا كل مشبوح الـذراعـين نـازع

علـى أي شـيء لا أبـا لأبـيكــم

 

تشيرون نحوي نحوكم بـالأصـابـع

وقال أبو عمرو: أغارت خثعم على بني سلامان وفيهم عمرو بن معد يكرب، وقد استنجدت به خثعم على بني سلامان، فالتقوا واقتتلوا، فطعن عمرو بن معد يكرب حاجزاً فأنفذ فخذه، فصاح حاجز: يا آل الأزد! فندم عمرو وقال: خرجت غازياً وفجعت أهلي. وانصرف، فقال عزيل الخثعمي يذكر طعنة عمروٍ حاجزاً، فقال:

أعجز حاجـزٌ مـنـا وفـيه

 

مشلشلة كحـاشـية الإزار

فعز علي ما أعجزت منـي

 

وقد أقسمت لا يضربك ضار

فأجابه حاجز فقال:

إن تذكروا يوم القـري فـإنـه

 

بواءٌ بـأيامٍ كـثـيرٍ عـديدهـا

فنحن أبحنا بالشخيصة واهـنـاً

 

جهاراً فجئنا بالنساء نقـودهـا

ويوم كراءٍ قد تدارك ركضـنـا

 

بني مالكٍ والخيل صعرٌ خدودها

ويوم الأراكات اللواتي تأخـرت

 

سراة بني لهبان يدعة شريدهـا

ونحن صبحنا الحي يوم تنـومةٍ

 

بملمومة يهوى الشجاع وئيدهـا

ويوم شروم قد تركنـا عـصـابة

 

لدى جانب الطرفاء حمراً جلودها

فما رغمت حلفاً لأمرٍ يصيبـهـا

 

من الذل إلا نحن رغماً نزيدهـا

وقال أبو عمرو: بينما حاجز في بعض غزواته إذ أحاطت به خثعم، وكان معه بشير ابن أخيه، فقال له: يا بشير، ما تشير؟ قال: دعهم حتى يشربوا ويقفلوا ويمضوا ونمضي معهم فيظنونا بعضهم. ففعلا، وكانت في ساق حاجز شامةٌ، فنظرت إليها امرأةٌ من خثعم، فصاحت: يا آل خثعم، هذا حاجز. فطاروا يتبعونه، فقالت لهم عجوز كانت ساحرة: أكفيكم سلاحة أو عدوه. فقالوا: لا نريد أن تكفينا عدوه فإن معنا عوفاً وهو يعدو مثله، ولكن اكفينا سلاحه. فسحت لهم سلاحه وتبعه عوف بن الأغر بن همام بن الأسر بن عبد الحارث بن واهب بن مالك بن صعب بن غنم بن الفزع الخثعمي، حتى قاربه، فصاحت به خثعم: يا عوف ارم حاجزاً، فلم يقدم عليه، وجبن، فغضبوا وصاحوا: يا حاجز، لك الذمام، فاقتل عوفاً فإنه قد فضحنا. فنزع في قوسه ليرميه، فانقطع وتره، لأن المرأة الخثعمية كانت قد سحرت سلاحه، فأخذ قوس بشير ابن أخيه فنزع فيها فانكسرت، وهربا من القوم ففاتاهم ووجد حاجز بعيراً في طريقه فركبه فلم يسر في الطريق الذي يريده ونحا به نحو خثعم، فنزل حاجز عنه، فمر فنجا وقال في ذلك:

فدى لكما رجلي أمي وخالـتـي

 

بسعيكما بين الصفـا والأثـائب

أوان سمعت القوم خلفي كأنهـم

 

حريق أباءٍ في الرياح الثواقـب

سيوفهم تغشى الجبان ونبـلـهـم

 

يضيء لدى الأقوام نار الحباحب

فغير قتالي في المضيق أغاثنـي

 

ولكن صريح العدو غير الأكاذب

نجوت نجـاءً لا أبـيك تـبـثـه

 

وينجو بشير نجو أزعر خاضب

وجدت بعيراً هاملاً فركـبـتـه

 

فكادت تكون شر ركبة راكـب

وقال أبو عمرو: اجتاز قوم حجاجٌ من الأزد ببني هلال بن عامر بن صعصعة، فعرفهم ضمرة بن ماعز سيد بني هلال، فقتلهم هو وقومه، وبلغ ذلك حاجزاً، فجمع جمعاً من قومه وأغار على بني هلال فقتل فيهم وسبى منهم، وقال في ذلك يخاطب ضمرة بن ماعز:

يا ضمر هل نلناكم بـدمـائنـا

 

أم هل حذونا نعلكم بـمـثـال

نبكي لقتلى من فقيم قـتـلـوا

 

فاليوم تبكي صادقـاً لـهـلال

ولقد شفاني أن رأيت نساءكـم

 

يبكين مردفة على الأكـفـال

يا ضمر إن الحرب أضحت بيننا

 

لقحت على الدكاء بعد حـيال

قال أبو عمرو: خرج حاجز في بعض أسفاره فلم يعد، ولا عرف له خبر، فكانوا يرون أنه مات عطشاً أو ضل، فقال أخته ترثيه:

أحيٌ حاجزٌ أم لـيس حـياً

 

فيسلك بين جندف والبهـيم

ويشرب شربةً من ماء ترج

 

فيصدر مشية السبع الكليم

أخبرني هاشم بن محمد، قال: حدثنا دماذ عن أبي عبيدة، قال: كان حاجز الأزدي مع غاراته كثير الفرار، لقي عامراً فهرب منهم فنجا، وقال:

ألا هل أتى ذات الـقـلائد فـرتـي

 

عشية بين الجرف والبحر من بعـر

عشية كادت عامرٌ يقـتـلـونـنـي

 

لدى طرف السلماء راغية البـكـر

فما الظبي أخطت خلفة الصقر رجله

 

وقد كاد يلقى الموت في خلفة الصقر

بمثلي غداة الـقـوم بـين مـقـنـع

 

وآخر كالسكران مرتـكـزٍ يفـري

وفر من خثعم وتبعه المرقع الخثعمي ثم الأكلبي، ففاته حاجز، وقال في ذلك:

وكأنما تبع الفـوارس أرنـبـا

 

أو ظبي رابيةٍ خفافاً أشعـبـا

وكأنما طردوا بذي نمـراتـه

 

صدعا من الأروى أحس مكلبا

أعجزت منهم والأكف تنالنـي

 

ومضت حياضهم وآبوا خيبـا

أدعو شنوءة غثها وسمينـهـا

 

ودعا المرقع يوم ذلك أكلبـا

وقال يخاطب عوض أمسى:

أبلغ أميمة عوض أمسى بزنا

 

سلباً وما إن سرها ننـكـبـا

لولا تقارب رأفة وعيونـهـا

 

حمشاً مصعداً ومـصـوبـا

يا دار من ماوي بالسـهـب

 

بنيت على خطب من الخطب

إذ لا تـرى إلا مـقـاتــلة

 

وعجانساً يرقلن بالـركـب

ومدججاً يسعى بـشـكـتـه

 

محمرةً عيناه كـالـكـلـب

ومعاشراً صدأ الحديد بهـم

 

عبق الهناء مخاطم الجرب

الشعر للحارث بن الطفيل الدوسي، والغناء لمعبد، رمل بالبنصر، من رواية يحيى المكي، وفيه لابن سريج خفيف ثقيلٍ مطلقٌ في مجرى البنصر عن إسحاق، والله أعلم.