الجزء الثالث عشر - أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه

أخبار عبد الصمد بن المعذل ونسبه

عبد الصمد بن المعذل بن غيلان بن الحكم بن البختري بن المختار بن ذريح بن أوس بن همام بن ربيعة بن بشير بن حمران بن حدرجان بن عساس بن ليث بن حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبدالقيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزارٍ. وقيل: ربيعة بن ليث بن حمران.

وجدت في كتابٍ بخط أحمد بن كامل: حدثني غيلان بن المعذل أخو عبد الصمد، قال: كان أبي يقول: أفصى أبو عبد القيس هو أفصى بن جديلة بن أسد، وأفصى جد بكر بن وائل هو أفصى بن دعمي. والنسابون يغلطون في قولهم عبد القيس بن أفصى بن دعمي. ويكنى عبد الصمد أبا القاسم، وأمه أم ولد يقال لها: الزرقاء. شاعر فصيح من شعراء الدولة العباسية، بصري المولد والمنشأ. وكان هجاء خبيث اللسان، شديد العارضة، وكان أخوه أحمد أيضاً شاعراً، إلا أنه كان عفيفاً، ذا مروءة ودين وتقدم في المعنزلة، وله جاه واسع في بلده وعند سلطانه، لا يقاربه عبد الصمد فيه، فكان يحسده ويهجوه فيحلم عنه، وعبد الصمد أشعرهما، وكان أبو عبد الصمد المعذل وجده غيلان شاعرين، وقد روى عنهما شيء من الأخبار واللغة والحديث ليس بكثير، والمعذل بن غيلان هو الذي يقول:

إلى الله أشكو لا إلى الناس أننـي

 

أرى صالح الأعمال لا أستطيعها

أرى خلةً فـي إخـوة وأقـاربٍ

 

وذي رحم ما كان مثلي يضيعها

فلو ساعدتني في المكارم قـدرةٌ

 

لفاض عليهم بالنوال ربيعـهـا

أنشدنا ذلك له علي بن سليمان الأخفش، عن المبرد وأنشدناه محمد بن خلف بن المرزبان عن الربعي أيضاً. قالا: وهو القائل:

ولست بميالٍ إلى جانب الغـنـى

 

إذا كانت العلياء في جانب الفقر

وإني لصبار على ما ينوبـنـي

 

وحسبك أن الله أثنى على الصبر

أخبرني محمد بن خلفٍ، قال: حدثنا النخعي وإسحاق، قال: هجا أبان اللاحقي المعذل بن غيلان فقال:

كنت أمشي مع المعـذل يومـاً

 

ففسا فسـوةً فـكـدت أطـير

فتلفت هـل أرى ظـربـانـا

 

من ورائي والأرض بي تستدير

فإذا لــيس غـــيره وإذا إع

 

صار ذاك الفساء منـه يفـور

فتعجبت ثـم قـلـت لـقـد أع

 

رف هذا فيما أرى خـنـزير

فأجابه المعذل فقال:

صحفت أمك إذ سم

 

تك بالمهد أبـانـا

قد علمنا مـا أرادت

 

لم ترد إلا أتـانـا

صيرت باء مكان ال

 

تاء واللـه عـيانـا

قطع الله وشـيكـا

 

من مسميك اللسانا

أخبرني عمي قال: حدثنا المبرد قال: مر المعذل بن غيلان بعبد الله بن سوار العنبري القاضي، فاستنزله عبد الله، وكان من عادة المعذل أن ينزل عنده، فأبى، وأنشده:

أمن حق المودة أن نقضي

 

ذمامكم ولا تقضوا ذمامـا

وقد قال الأديب مقال صدقٍ

 

رآه الآخرون لهم إمامـا

إذا أكرمتكم وأهنتمـونـي

 

ولم أغضب لذلكم فذامـا

قال: وانصرف، فبكر إليه عبد الله بن سوار، فقال له: رأيتك أبا عمرو مغضباً. فقال: أجل ماتت بنت أختي ولم تأتني. قال: ما علمت ذلك. قال: ذنبك أشد من عذرك، وما لي أنا أعرف خبر حقوقك، وأنت لا تعرف خبر حقوقي؟ فما زال عبد الله يعتذر إليه حتى رضي عنه.


حدثني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا ابن مهرويه عن الحمدوني، قال: كان شروين حسن الغناء والضرب، وكان من أراد أن يغنيه حتى يخرج من جلده جاء بجويرية سوداء فأمرها أن تطالعه، وتلوح له بخرقة حمراء، ليظنها امرأةً تطالعه، فكان حينئذٍ يغني أحسن ما يقدر عليه تصنعاً لذلك، فغضب عليه عبد الصمد في بعض الأمور، فقال يهجوه:

من حل شروين له منزلاً

 

فلتنهه الأولى عن الثانيه

فليس يدعوه إلى بـيتـه

 

إلا فتًى في بيته زانـيه

أخبرني الحسن، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أبو عمرو البصري، قال: قال عبد الصمد بن المعذل في رجلٍ زانٍ من أهل البصرة كانت له امرأةٌ تزني، فقال:

إن كنت قد صفرت أذن الفتى

 

فطالـمـا صـفـر آذانـا

لا تعجبي إن كنت كشخنتـه

 

فإنما كشخنت كـشـخـانـا

أخبرني جعفر بن قدامة بن زيادٍ الكاتب، قال: حدثنا سوار بن أبي شراعة، قال: كان بالبصرة رجلٌ يعرف بابن الجوهري، وكانت له جاريةٌ مغنيةٌ حسنة الغناء، وكان ابن الجوهري شيخا هماً قبيح الوجه، فتعشقت فتًى كاتباً كان يعاشره ويدعوه، وكان الفتى نظيفاً ظريفاً، فاجتمعت معه مراراً في منزله، وكان عبد الصمد يعاشره، فكان الفتى يكاتمه أمره، ويحلف له أنه لا يهواها، فدخلت عليهما ذات يومٍ بغتةً، فبقي الفتى باهتاً لا يتكلم، وتغر لونه وتخلج في كلامه، فقال عبد الصمد:

لسان الهوى ينطق

 

ومشهده يصـدق

لقد نم هذا الهوى

 

عليك وما يشفق

إذا لم تكن عاشقا

 

فقلبك لم يخفـق

وما لك إما بـدت

 

تحار فلا تنطـق

أشمسٌ تجلت لنـا

 

أم القمر المشرق

الغناء في هذه الأبيات لرذاذٍ، ويقال للقاسم بن زرزور، رملٌ مطلقٌ.


قال: ثم طال الأمر بنيهما، فهربت إليه جملةً، فقال عبد الصمد في ذلك:

إلى امرىءٍ حازم ركبـت

 

أي امرىء عاجزٍ تركت

فتنة ابن الجوهري لـقـد

 

أظهرت نصحاً وقد أفكت

أكذبتها عـزمةٌ ظـهـرت

 

لا تبالي نفس من سفكـت

ظفرت فيها بـمـا هـويت

 

ونجت من قرب من فركت

ثم خدودٌ بعدها لـطـمـت

 

وجيوبٌ بعدها هـتـكـت

وعيون لا يرقـأن عـلـى

 

حسن وجه فاتهن بـكـت

خرجت والليل معـتـكـرٌ

 

لم يهلهـا أيةً سـلـكـت

وعيون الناس قد هجـعـت

 

ودجى الظلماء قد حلكـت

لم تخف وجداً بعاشـقـهـا

 

حرمة الشهر الذي انتهـت

ورأت لما سقـت كـمـداً

 

أنها في دينها نـسـكـت

ملئت كفٌ بهـا ظـفـرت

 

دون هذا الخلق ما ملكـت

إي ملك إذا خلا وخـلـت

 

فشكا أشجانـه وشـكـت

تجتلي من وجهـه ذهـبـاً

 

وهي يجلو فضةً فتـكـت

هكذا فعـل الـفـتـاة إذا

 

هي في عشاقها محـكـت

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني بعض أصحابنا قال: نظر عبد الصمد بن المعذل إلى جارٍ له يخطر في مشيته خطرةً منكرة، وكان فقيراً رث لحال، فقال فيه:

يتمشى في ثوب عصبٍ من العز

 

ى على عظم ساقه مـسـدول

دب في رأسه خمارٌ من الجـو

 

ع سرى خمرة الرحيق الشمول

فبكى شجوه وحـن إلـى الـخ

 

بز ونـادى بـزفـرةٍ وعـويل

من لقلبٍ مـتـيم بـرغـيفـي

 

ن ونفسٍ تاقت إلى طفـشـيل

ليس تسمو إلى الولائم نفـسـي

 

جل قدر الأعراس عن تأميلـي

هات لوناً وقل لتلـك تـغـنـي

 

لست أبكي لدارسات الطلـول

أخبرنا سوار بن أبي شراعة، قال: كان بالبصرة طفيليٌ يكنى أبا سلمة، وكان إذا بلغه خبر وليمة لبس لبس القضاة، وأخذ ابنيه معه وعليهما القلانس الطوال، والطيالسة الرقاق، فيقدم ابنيه، فيدق الباب أحدهما ويقول: افتح يا غلام لأبي سلمة. ثم لا يلبث البواب حتى يتقدم لآخر، فيقول: افح ويلك فقد جاء أبو سلمة. ويتلوهم، فيدقون جميعاً الباب، ويقولون: بادر ويلك، فإن أبا سلمى واقف. فإن لم يكن عرفهم فتح لهم، وهاب منظرهم، وإن كانت معرفته إياهم قد سبقت لم يلتف إليهم، ومع كل واحد منهم فهرٌ مدور يسمونه كيسان، فينتظرون حتى يجيء بعض من دعي، فيفتح له الباب، فإذا فتح طرحوا الفهر في العتبة حيث يدور الباب، فلا يقدر البواب على غلقه، ويهجمون عليه فيدخلون. فأكل أبو سلمة يوماً على بعض الموائد لقمةً حارة من فالوذج، وبلعها لشدة حرارتها، فجمعت أحشاؤه فمات على المائدة، فقال عبد الصمد بن المعذل يرثيه:

أحزان نفسي عليها غير منصـرمة

 

وأدمعي من جفوني الدهر منسجمه

على صديقٍ ومولًى لي فجعت بـه

 

ما إن له في جميع الصالحين لمه

كم جفنةٍ مثل جوف الحوض مترعةٍ

 

كوماء جاء بها طباخـهـا رذمـه

قد كللتها شحومٌ مـن قـلـيتـهـا

 

ومن سنام جزورٍ عبطةٍ سنـمـه

غيبت عنها فلم تعرف له خـبـراً

 

لهفي عليك وويلي يا أبا سلـمـه

ولو تكون لها حياً لـمـا بـعـدت

 

يوماً عليك ولو في جاحمٍ حطمـه

قد كنت أعلم أن الأكـل يقـتـلـه

 

لكنني كنت أخشى ذاك من تخمـه

إذا تعمم في شـبـلـيه ثـم غـدا

 

فإن حوزة من يأتيه مصطلـمـه

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان ، قال: حدثني أحمد بن يزيد المهلبي عن أبيه، قال: كان عبد الصمد بن المعذل يتعشق فتًى من المغنين، يقال له: أحمد، فغاضبه الفتى وهجره، فكتب إليه:

سل جزعي مذ صددت عن حالي

 

هل خطر الصبر على بـالـي

لا غير الله سوء فعـلـك بـي

 

إن كنت أعتبت فيك عـذالـي

ولا ذممت البكا لي عـلـيك ولا

 

حمدت حسن السلو مـن سـال

لو كنت أبغي سواك ما جهلـت

 

نفسي أن الصدود أعفـى لـي

لجحظة في هذه الأبيات رملٌ مطلق.

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثني علي بن محمدٍ النوفلي، فقال: هجا عبد الصمد بن المعذل قينةً بالبصرة قال فيها:

تفتر عن مضحك السدري إن ضحكت

 

كرف الأتـان رأت إدلاء أعــيار

يفوح ريح كنـيفٍ مـن تـرائبـهـا

 

سوداء حالكةٌ دهـمـاء كـالـقـار

قال: فكسدت والله تلك القينة بالبصرة، فلم تدع ولم تستتبع حتى أخرجت عنها.


أخبرني علي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا المبرد، قال: كتب عبد الصمد بن المعذل إلى بعض الأمراء رقعةً فلم يجبه عنها، لشيء كان بلغه عنه، فكتب إليه:

قد كتبتت الكتاب ثم مضى اليو

 

م ولم أدر ما جواب الكتـاب

ليت شعري عن الأمير لمـاذا

 

لا يراني أهلاً لرد الجـواب

لا تدعني وأنت رفعت حالـي

 

ذا انخفاضٍ بهجرتي واجتنابي

إن أكن مذنباً فعندي رجـوعٌ

 

وبلاءٌ بالعـذر والإعـتـاب

وأنا الصادق الوفاء وذو العـه

 

د الوثيق المؤكد الأسـبـاب

أخبرني الحرمي بن علي، قال: حدثني أبو الشبل، قال: كان بالبصرة رجلٌ من ولد المهلب بن أبي صفرة، يقال له: صبيانه، وكان له بستان سريٌ في منزله، فكان يدعو الفتيات إليه، فلا يعطيهن شيئاً من الدراهم، ويقصر بهن على ما يحملنه من البستان معهن، مثل الرطب والبقول والرياحين، فقال فيه عبد الصمد قوله:

قومٌ زناةٌ مالـهـم دراهـم

 

جذرهم النمام والحمـاحـم

أنذل من تجمعه المـواسـم

 

خسوا وخست منهم المطاعم

فعدلهم إن قسته المظالـم

 

 

أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثني سوار بن أبي شراعة، وأخبرنا به سوار أجازة، قال: حدثني أبي، قال: لما هجا الجماز عبد الصمد بن المعذل جاءني فقال لي: أنقذني منه. فقلت له: أمثلك يفرق من الجماز؟ فقال: نعم، لأنه لا يبالي بالهجاء ولا يفرق منه، ولا عرض له، وشعره ينفق على من لا يدري. فلم أزل حتى أصلحت بينهما بعد أن سار قوله فيه:

ابن المعذل من هو

 

ومن أبوه المعذل

سألت وهبان عنه

 

فقال بيضٌ محول

قال: وكان وهبان هذا رجلاً يبيع الحمام، فجمع جماعةً من أصحابه وجيرانه، وجعل يغشى المجالس، ويحلف أنه ما قال: إن عبد الصمد بيضٌ محول، ويسألهم أن يعتذروا إليه، فكان هذا منه قد صار بالبصرة طرفةً ونادرة، فجاءني عبد الصمد يستغيث منه، ويقول لي: ألم أقل لك إن آفتي منه عظيمةٌ، والله لدوران وهبان على الناس يحلف لهم: إنه ما قال: إني بيضٌ محول، أشد علي من هجائه لي. فبعثت إلى وهبان فأحضرته، وقلت له: يا هذا، قد علمنا ان الجماز قد كذل عليك، وعذرناك فنحب أن لا نتكلف العذر إلى الناس في أمرنا، فإنا قد عذرناك. فانصرف وقد لقي عبد الصمد بلاء.


أخبرني محمد بن جعفر الصيدلاني النحوي صهر المبرد، قال: حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال: قال لي أبو شراعة القيسي: بلغ أبا جعفر مضرطان أن عبد الصمد بن المعذل هجاه، واجتمعتا عند أبي وائلة السدوسي، فقال له مضرطان: بلغني أني هجوتني. فقال له عبد الصمد: من أنت حتى أهجوك؟ قال: هذا شرٌ من الهجاء. فوثب إلى عبد الصمد يضربه، فقال الحمدوي، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه جده، وهو الذي كان يقتل الزنادقة:

ألذ من صحبة الـقـنـانـي

 

أو اقتـراحٍ عـلـى قـيان

لكز فتًى من بنـي لـكـيزٍ

 

يهدى له أهـون الـهـوان

أهـوى لـه بـازل خـدبٌ

 

يطحن قرنيه بـالـجـران

فنـال مـنـه ثـؤور قـوم

 

باليد طوراً وبـالـلـسـان

وكان يفسو فصـار حـقًـا

 

يضرط من خوف مضرطان

قال: وبلغ عبد الصمد شعر الحمدوي، فقال: أنا له. ففزع الحمدوي منه، فقال:

ترحٌ طعنـت بـه وهـمٌ وارد

 

إذ قيل إن ابن المعـذل واجـد

هيهات أن أجد السبيل إلى الكرى

 

وابن المعذل من مزاحي حارد

فرضي عنه عبد الصمد

أخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني إبراهيم بن عقبة اليشكري، قال: قال عبد الصمد بن المعذل، هجاني الجماز ببيتين سخيفين فسارا في أفواه الناس، حتى لم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا رواهما، وهما:

ابن المعذل من هو

 

ومن أبوه المعذل

سألت وهبان عنه

 

فقال بيضٌ محول

فقلت أنا فيه شعراً تركته يتحاجى فيه كل أحدٍ، فما رواه أحد ولا فكر فيه، وذلك لضعته، وهو قولي:

نسب الجماز مقصـو

 

ر إليه مـنـتـهـاه

يتراءى نسب الـنـا

 

س فما يخفى سـواه

يتحاجى في أبي الـج

 

ماز من هو كاتبـاه

ليس يدري من أبو الج

 

ماز إلا مــن يراه

أخبرني الأخفش، قال: كان لعبد الصمد بستانٌ نظيف عامر، فأنشدنا لنفسه فيه:

إذا لم يزرنـي نـدمـانـيه

 

خلوت فنادمت بستـانـيه

فنادمته خضراً مـؤنـقـاً

 

يهيج لي ذكر أشجـانـيه

يقرب مفرحة المسـتـلـذ

 

ويبعد همـي وأحـزانـيه

أرى فيه مثل مداري الظباء

 

تظل لأطلائهـا حـانـيه

ونور أقاح شتيت النـبـات

 

كما ابتسمت عجباص غانيه

ونرجسه مثل عين الفـتـاة

 

إلى وجه عاشقهـا رانـيه

أخبرني جعفر بن قدامة بن زيادٍ الكاتب، قال: كان يزيد بن عبد الملك المسمعي يهوى جاريةً من جواري القيان، يقال لها: عليم، وكان يعاشر عبد الصمد، ويزيد يومئذٍ شابٌ حديث السن، وكان عبد الصمد يسميه ابني، ويسمي الجارية ابنتي، فباع الفتى بستاناً له في معقل، وضيعةً بالقندل، فاشترى الجارية بثمنها، فقال عبد الصمد:

بنيتي أصبحـت عـروسـاً

 

تهدى من ابني إلى عروس

زفت إليه لـخـير وقـتٍ

 

فاجتمعا ليلة الـخـمـيس

يا معشر العاشقـين أنـتـم

 

بالمنزل الأرذل الخسـيس

يزيد أضحى لكـم رئيسـاً

 

فاتبعوا منـهـج الـرئيس

من رام بـلاً لــرأس أير

 

ذلل نفساً بـحـل كـيس

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني يزيد بن محمدٍ المهلبي، قال: بلغ عبد الصمد بن المعذل أن أبا قلابة الجرمي تدسس إلى الجماز لما بلغه تعرضه له، وهجاؤه إياه، فحمله على الزيادة في ذلك، ويضمن له أن ينصره ويعاضده، وقد كان عبد الصمد هجا أبا قلابة حتى أفحمه، فقال عبد الصمد فيهما:

يا من تركت بصخرة

 

صماء هامته أميمـه

إن الذي عاضـدتـه

 

أشبهته خلقاً وشيمـه

وكفعل جدتك الحـدي

 

ثة فعل جدته القديمه

فتناصرا فابن اللـئي

 

مة ناصرٌ لابن الليئمة

حدثني جعفر بن قدامة، قال: حدثني أبو العيناء، قال: كان لعبد الصمد بن المعذل صديقٌ يعاشره ويأنس به، فتزوج إليه أمير البصرة، وكان من ولد سليمان بن علي، فنبل الرجل وعلا قدره، وولاه المتزوج إليه عملاً، فكتب إليه عبد الصمد:

أحلت عما عهـدت مـن أدبـك

 

أم نلت ملكاً فتهت في كتـبـك

أم هل ترى أن في مناصفة الإخ

 

وان نقصاً عليك في حسـبـك

أم كان ما كان منك عن غضبٍ

 

فأي شيء أدناك من غضـبـك

إن جـفـاءً كـتـاب ذي ثـقة

 

يكون في صدره وأمتـع بـك

كيف بإنصافـنـا لـديك وقـد

 

شاركت آل النبي في نسـبـك

قل للـوفـاء الـذي تـقـدره

 

نفسك عندي مللت من طلبـك

أتعبت كفيك في مواصـلـتـي

 

حسبك ماذا كفيت من تعـبـك

فأجابه صديقه:

كيف يحول الإخاء يا أملـي

 

وكل خيرٍ أنال من نسبـك

إن يك جهلٌ أتاك من قبلـي

 

فامنن بفضلٍ علي من أدبك

أنكرت شيئاً فلست فاعلـه

 

ولا تراه يخط في كتـبـك

حدثني الأخفش، قال: حدثنا المبرد، قال: كان لعبد الصمد بن المعذل صديقٌ كثير الكذب، كان معروفاً بذلك، فوعده وعداً فأخلفه، ومطله به مطلاً طويلاً، فقال عبد الصمد:

لي صاحبٌ في حديثه البركة

 

يزيد عند السكون والحركة

لو قال لا في قليل أحرفهـا

 

لردها بالحروف مشتبـكة

أخبرني جعفر بن قدامة قال: حدثني سوار بن أبي شراعة، قال: كان يحيى بن عبد السميع الهاشمي يعاشر عبد الصمد بن المعذل، ويجتمعان في دار رجلٍ من بني المنجاب له جاريةٌ مغنيةٌ، وكان ينزل رحبة المنجاب بالبصرة، ثم استبد بها الهاشمي دون عبد الصمد، فقال فيهم عبد الصمد:  

قل ليحيى مللت من أحبـابـي

 

فلينكهم ما شاء من أصحابـي

قد تركنا تعشق المـرد لـمـا

 

أن بلونا تـنـعـم الـعـزاب

وشنئنا المؤاجـرين فـمـلـنـا

 

بعد خبرٍ إلى وصال القحـاب

حبذا قينةٌ لأهل بـنـي الـمـن

 

جاب حلت في رحبة المنجاب

صدقت إذ يقول لي خلـق الأح

 

راح ليس الفقـاح لـلأزبـاب

حبذا تلـك إذ تـغـنـيك يا يح

 

يى وتسقيك من ثنـايا عـذاب

ذكر الـقـلـب ذكـرةً أم زيدٍ

 

والمطايا بالسهب سهب الركاب

حبذا إذ ركبتهـا فـتـجـافـت

 

تتشكى إليك عنـد الـضـراب

وتغنت وأنـت تـدفـع فـيهـا

 

غير ذي خيفة لهم وارتـقـاب

إن جنبي عن الفـراش لـنـاب

 

كتجافي الأسر فوق الظـراب

ليت شعري هل أسمعن إذا مـا

 

زاح عني وساوس الكـتـاب

من فتاةٍ كأنـهـا خـوط بـانٍ

 

مج فيها النعيم ماء الشـبـاب

إذ تغنيك خلف سجـفٍ رقـيق

 

نعماتٍ تحـبـهـا بـصـواب

شف عنها محـقـق جـنـديٌ

 

فهي كالشمس من خلال سحاب

رب شعرٍ قد قلـتـه بـتـبـاهٍ

 

ويغـرى بـه ذوو الألـبـاب

قد تركت الملـحـنـين إذا مـا

 

ذكروه قاموا علـى الأدنـاب

قال: وشاعت الأبيات بالبصرة، فامتنع مولى الجارية من معاشرة الهاشمي، وقطعه بعد ذلك.


أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن عليلٍ العنزي، قال: حدثني أحمد بن صالح الهاشمي، قال: كان الحسين بن عبد الله بن العباس بن جعفر بن سلمان مائلاً إلى عبد الصمد بن المعذل، وكان عبد الصمد يهجو هشاماً الكرنباني، فجرى عن ابني هشام الكرنباني - وهو أبو وائلة وإبراهيم - وبين الحر بن عبد الله، لحاءٌ في أمر عبد الصمد، لأنهما ذكراه وسباه، فامتعض له الحسين وسبهما عنه، فرميا الحسين بابن المعذل، ونسباه إلى أن عبد الصمد يرتكب القبيح، وبلغ الحسين ذلك، فلقيهما في سكة المربد، فشد عليهما بسوطه وهو راكب، فضربهما ضرباً مبرحاً، وأفلت أبو وائلة، ووقع سبيب السوط في عين إبراهيم، فأثر فيها أثراً قبيحاً، فاستعان بمشيخةٍ من آل سليمان بن علي، وهرب أبو وائلة إلى الأمير علي بن عيسى وهو والي البصرة، فوجه معه بكاتبه ابن فراس إلى باب الحسين بن عبد الله، فطلبه وهرب حسين إلى المحدثة، فلما كان من الغد جاء حسينٌ إلى صالح إسحاق بن سليمان، وإلى ابن يحيى بن جعفر بن سليمان، ومشيخةٍ من آل سليمان، فصاروا معه إلى علي بن عيسى، وأقبل عبد الصمد بن المعذل لما رآهم، فدخل معهم لنصرة حسين، فكلموا علي بن عيسى في أمره وقام عبد الصمد، فقال: أصلح الله الأمير، هؤلاء أهلك، وأجلة أهل مصرك، تصدوا إليك في ابنهم وابن أخيهم، وهو وإن كان حدثاً لا ينبسط للحجة بحداثته، فإن ها هنا من يعبر عنه، وقد قلت أبياتاً، فإن رأى الأمير أن يأذن في إنشادها فعل. قال: قل. فأنشده عبد الصمد قوله:

يا ابن الخلائف وابن كل مبـاركٍ

 

رأس الدعائم سابق الأغـصـان

إن العلوج على ابن عمك أصفقوا

 

فأتوك عنه بأعظم الـبـهـتـان

قرفوه عندك بالتعدي ظـالـمـا

 

وهم ابتدوه بأعظـم الـعـدوان

شتموا له عرضا أغر مـهـذبـاً

 

أعراضهم أولى بـكـل هـوان

وسموا بأجسـامٍ إلـيه مـهـينةٍ

 

وصلـت بـألأم أذرع وبـنـان

خلقت لمد القلـس لا لـتـنـاولٍ

 

عرض الشريف ولا لمد عنـان

لم يحفظوا قرباه منك فينتـهـوا

 

إذ لم يهابوا حرمة السـلـطـان

أيذل مظلـومـاً وجـدك جـده

 

كيما يعـز بـذلـه عـلـجـان

وينال أقلـف كـربـلاء بـلاده

 

ذل ابن عم خليفة الـرحـمـن

إني أعيذك أن تنال بـك الـتـي

 

تطغى العلوج بها على عدنـان

فدعا عليٌ بن عيسى حسيناً، فضمه إليه، فقال: انصرف مع مشايخك. ودعا بهشام الكرنباني وابنيه، فعذلهم في أمره، ثم أصلح بينهم بعد ذلك. أخبرني علي بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن يزيد، قال: كان عبد الصمد بن المعذل يعاشر عبد الله بن المسيب ويألفه، فبلغه أن اغتابه يوماً وهو سكران، وعاب شيئاً أنشده من شعره، فقال فيه وكتب بها إليه:

عتبي عليك مقارن الـعـذر

 

قد زال عند حفيظتي صبري

لك شافعٌ مني إلـي فـمـا

 

يقضي عليك بهفوةٍ فكـري

لما أتاني ما نـطـقـت بـه

 

في السكر قلت جناية السكر

حاشا لعبد الـلـه يذكـرنـي

 

مستعذباً بنقيصتـي ذكـري

إن عاب شعري أو تحـيفـه

 

فليهنه ما عاب من شعـري

يا ابن المسيب قد سبقت بمـا

 

أصبحت مرتهناً به شكـري

فمتى خمرت فأنت في سعةٍ

 

ومتى هفوت فأنت في عذر

ترك العتاب إذا استحـق أخٌ

 

منك العتاب ذريعة الهجـر

أخبرني الأخفش، قال: حدثنا المبرد، قال: دعا عبد الصمد بن المعدل شروين المغني، وكان محسناً متقدماً في صناعته، فتعالل عليه ومضى إلى غيره، فقال عبد الصمد، والله لأسمنه ميسماً لا يدعوه بعده أحدٌ بالبصرة إلا بعد أن يبذل عرضه وحريمه. فقال فيه:

من حل شروين له منزلا

 

فلتنهه الأولى عن الثانية

فليس يدعوه إلى بـيتـه

 

إلا فتًى في بيته زانـية

فتحاماه أهل البصرة حتى اضطر إلى أن خرج إلى بغداد وسر من رأى.


أخبرني محمد بن عمران الصيرفي وأحمد بن العباس العسكري، قالا: حدثنا الحسن بن عليل العنزي، قال: حدثنا الفضل بن أبي جرزة، قال: كان أبو قلابة الجرمي وعبد الصمد بن المعذل وعبد الله بن محمد بن أبي عيينة المهلبي أرادوا المسير إلى بيت بحرٍ البكراوي، وكانت له جاريةٌ مغنية، يقال لها: جبلة، وكان أبو رهم إليها مائلاً يتعشقها، ثم اشتراها بعد ذلك فلما أرادوا الدخول إليها وافاهم أبو رهم، فأدخلوه وحده وحجبوهم، فانصرفوا إلى بستان ابن أبي عيينة، فقال أبو قلابة: لا بد أن نهجو أبا رهم. فقالوا: قل. فقال:

ألا قـل لأبـي رهـمٍ

 

سيهوى نعتك الوصف

كما حالفـك الـغـي

 

كذا جانب الظـرف

أتـانـا أنـه أهـدى

 

إلى بحرٍ من الشغف

حزيمات من الصـير

 

فهلا معـه رغـف

فنادوا اقسمي فـينـا

 

فقد جاءكم اللـطـف

فقال له عبد الصمد: سخنت عينك أيشٍ هذا الشعر، بمثل هذا يهجى من يراد به الفضيحة. فقال أبو قلابة: هذا الذي حضرني، فقل أنت ما يحضرك. فقال: أفعله وأجود. فكان هذا سبب هجاء عبد الصمد أبا رهم، وأول قصيدةٍ هجاه بها قوله:

دعوا الإسلام وانتحلوا المجوسا

 

وألقوا الريط واشتملوا القلوسا

بني العبد المقيم بنهـر تـيري

 

لقد أنهضت طيركم نحـوسـا

حرامٌ أن يبـيت لـكـم نـزيلٌ

 

فلا يمسي بأمكـم عـروسـا

إذا ركد الظلام رأت عـسـيلاً

 

يحث على نداماه الـكـؤسـا

ويذكرهم أبو رهم بـهـجـوٍ

 

فيستدعي إلى الحرم النفوسـا

ويخليهم هشامٌ بـالـغـوانـي

 

ويحمي الفضل بينهم الوطيسا

فتسمع في البيوت لهم هبـيبـاً

 

كما أهملت في الزرب التيوسا

لقد كان الـزنـاة بـلا رئيس

 

فقد وجد الزناة بهـم رئيسـا

هم قبلوا الزنـاء وأنـشـؤوه

 

وهم وسموا بجبهته حبـيسـا

لئن لم تنف دعوتهـم سـدوسٌ

 

لقد أخزى الإله بهم سـدوسـا

وقال فيه:

لو جاد بالمـال أبـو رهـم

 

كجـوده بـالأخـت والأم

أضحى وما يعرف مثلٌ له

 

وقيل أسخى العرب والعجم

من بر بالحرمة إخـوانـه

 

أحق أن يشكر بالـشـتـم

وله فيه من قصيدة طويلة:

هو والله منـصـفٌ

 

زوجه زوج زوجته

يقسـم الأير عـادلا

 

بين حرها وفقحتـه

حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا العنزي، قال: حدثني أبو الفضل بن عبدان، قال: خرج عبد الصمد بن المعذل مع أهله إلى نزهة وقال:

قد نزلـنـا بـروضةٍ وغـديرٍ

 

وهجرنا القصر المنيف المشيدا

بعريشٍ ترى من الـزاد فـيه

 

زكرتي خمرةٍ وصقراً صيودا

وغريرين يطربان الـنـدامـى

 

كلمـا قـلـت أبـدياً وأعـيدا

غنياني فغنـيانـي بـلـحـن

 

سلس الرجع يصدع الجلمـودا

لا ذعرت السوام في فلـق ال

 

صبح مغيراً ولا دعـيت يزيدا

حي ذا الزور وانهه أن يعـودا

 

إن بالباب حارسـين قـعـودا

من يزرنا يجد شوء حـبـارى

 

وقديراً رخصاً وخمراً عتـيدا

وكراماً مـعـذلـين وبـيضـاً

 

خلعوا العذر يسحبون البـرودا

لست عن ذا بمقصرٍ ما جزائي

 

قربت لي كريمةٌ عـنـقـودا

أخبرني جعفر بن قدامة، قال: حدثنا محمد بن يزيد المبرد، قال: نظر عبد الصمد بن المعذل إلى الأفشين بسر من رأى وهو غلامٌ أمرد، وكان من أحسن الناس، وهو واقفٌ على باب الخليفة مع أولاد القواد، فأنشدنا لنفسه فيه، قال:

أيها اللاحظي بـطـرفٍ كـلـيل

 

هل إلى الوصل بيننا من سـبـيل

علـم الـلـه أنـنـي أتـمـنـى

 

زورةً منك عند وقت الـمـقـيل

بعد ما قد غدوت في القرطق الجو

 

ن تهادى وفي الحسام الصـقـيل

وتكفيت في المواكـب تـخـتـا

 

ل عليها تـمـيل كـل مـمـيل

وأطلت الوقـوف مـنـك بـبـا

 

ب القصر تلهو بكل قـال وقـيل

وتحدثت في مطـاردة الـصـي

 

د بـخـبـرٍ بـه ورأى أصـيل

ثم نازعت في السنان وفي الـرم

 

ح وعلم بمرهفات الـنـصـول

وتكلمت في الطراد وفي الـطـع

 

ن ووثبٍ على صعاب الـخـيول

فإذا ما تفـرق الـقـوم أقـبـل

 

ت كـريحـانةٍ دنـت لـذبـول

قد كساك الغـبـار مـنـه رداءً

 

فوق صدغ وجفن طرفٍ كحـيل

وبدت وردة الـقـسـامة مـن خ

 

دك في مشـرقٍ نـقـي أسـيل

ترشح المسك منه سالفة الـظـب

 

ي وجيد الأدمانة الـعـطـبـول

فأسوف الغـبـار سـاعة ألـقـا

 

ك برشف الخدين والـتـقـبـيل

وأحل القباء والسيف مـن خـص

 

رك رفقاً باللطف والتـعـلـيل

ثم تؤتى بما هويت مـن الـتـش

 

ريف عندي والبر والتـبـجـيل

ثم أجلوك كالعروس على الـشـر

 

ب تهادى في مجسد مصـقـول

ثم أسقيك بعد شـربـي مـن ري

 

قك كأساً من الرحيق الشـمـول

وأغـنـيك إن هـويت غـنــاءً

 

غير مستكـرهٍ ولا مـمـلـول

لا يزال الخلخال فوق الحـشـايا

 

مثل أثـنـاء حـيةٍ مـقـتـول

فإذا ارتاحت النفوس اشـتـياقـاً

 

وتمنى الخليل قرب الـخـلـيل

كان ما كان بينـنـا لا أسـمـي

 

ه ولكـنـه شـفـاء الـغـلـيل

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي والمبرد وغيرهما، قالوا: كانت متيم جاريةً لبعض وجوه أهل البصرة، فعلقها عبد الصمد بن المعذل، وكانت لا تخرج إلا منتقبةً، فخرج عبد الصمد يوماً إلى نزهةٍ، وقدمت متيم إلى عبيد الله بن الحسن بن أبي الحر القاضي، فاحتاج إلى أن يشهد عليها، فأمرها بأن تسفر، فلما قدم عبد الصمد قيل له: لو رأيت متيم وقد أسفرها القاضي لرأيت شيئاً حسناً لم ير مثله. فقال عبد الصمد قوله:

ولما سرت عنها القنـاع مـتـيمٌ

 

تروح منها العنبري مـتـيمـا

رأى ابن عبيد الـلـه مـحـكـمٌ

 

عليها لها طرفا عليه محكـمـا

وكان قديماً كالح الوجه عابـسـاً

 

فلما رأى منها السفور تبسـمـا

فإن يصب قلب العنبري فقبـلـه

 

صبا باليتامى قلب يحيى بن أكثما

فبلغ قوله يحيى بن أكثم، فكتب إليه: عليك لعنة الله، أي شيء أردت مني حتى أتاني شعرك من البصرة؟ فقال لرسوله: قل له: متيم أقعدتك على طريق القافية! أخبرني عمي، قال: حدثني أحمد بن أبي طاهر، قال: حدثني عبد الله بن أحمد العبدي، قال: حدثني الأنيسي، قال: كنت عند إسحاق بن إبراهيم وزاره أحمد بن المعذل، وكان خرج من البصرة على أن يغزو، فلما دخل على إسحاق بن إبراهيم أنشده:

أفضلت نعمي على قومٍ رعيت لهم

 

حقاً قديماً من الود الـذي درسـا

وحرمة القصد بـالأمـال إنـهـم

 

أتوا سواك فما لاقوا بـه أنـسـا

لأنت أكرم منه عنـد رفـعـتـه

 

قولاً وفعلاً وأخلاقاً ومغتـرسـا

فأمر له بخمسمائة دينارٍ، فقبضها ورجع إلى البصرة، وكان خرج عنها ليجاور في الثغر، وبلغ عبد الصمد خبره، فقال فيه:

يرى الغزاة بأن الله هـمـتـه

 

وإنما كان يغزو كيس إسحاق

فباع زهداً ثواباً لا نـفـاد لـه

 

وابتاع عاجل رفد القوم بالباقي

فبلغ إسحاق بن إبراهيم قوله، فقال: قد مسنا أبو السم عبد الصمد بشيءٍ من هجائه. وبعث إليه بمائة دينار، فقال له موسى بن صالح: أبى الأمير إلا كرماً وظرفاً.


أخبرني محمد بن عمران الصيرفي، قال: حدثنا الحسن بن عليلٍ، قال: حدثني الحسن الأسدي، قال: قدم أبو نبقة من البحرين وقد أهدى إلى قوم من أهل البصرة هداياه، ولم يهد إلى عبد الصمد شيئاً فكتب إليه:

أما كان في قسب اليمامة والتـمـر

 

وفي أدم البحرين والنبق الصـفـر

ولا في مناديل قسمـت طـريفـهـا

 

وأهديتها حظٌ لـنـا يا أبـا بـكـر

سرت نحو أقوامٍ فـلا هـنـأتـهـم

 

ولم ينتصف منها المقل ولا المثـري

أأنت إلى طالوت ذي الوفر والغنـى

 

وآل أبي حرب ذوي النشب الـدثـر

ولم تأتنـي ولا الـرياشـي تـمـرةٌ

 

غصصت بباقي ما ادخرت من التمر

ولم يعط منها الـنـهـشـلـي إداوةً

 

تكون له في القيظ ذخراً مدى الدهر

أقول لفـتـيانٍ طـويت لـطـيهـم

 

عرى البيد منشور المخافة والذعـر

لئن حكم السدري بالـعـدل فـيكـم

 

لما أنصف السدري في ثمر السـدر

لئن لم تكن عيناك عذرك لـم تـكـن

 

لدينا بمحمودٍ ولا ظاهـر الـعـذر

أخبرنا الحسن بن عليلٍ، قال: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي، قال: وقع بين أبي وبين عبد الصمد بن المعذل تباعدٌ، فهجاه ونسبه إلى الشؤم، وكان يقال ذلك في عبد الصمد، فقال فيه:

يقول ذوو التشؤم ما لقـينـا

 

كما لقي ابن سهلٍ من يزيد

أتته منية المأمـون لـمـا

 

أتاه يزيد من بلـدٍ بـعـيد

فصير منه عسكره خـلاءً

 

وفرق عنه أفواج الجنـود

فقلت لهم وكم مشؤوم قـوم

 

أباد لهم عديداً مـن عـديد

رأيت ابن المعذل يال عمرو

 

بشؤم كان أسرع في سعيد

فمنه موت جلة آل سـلـم

 

ومنه قض آجام الـبـريد

ولم ينزل بدارٍ ثم يمـسـي

 

ولما يتسمع لطم الـخـدود

وكل مديح قومٍ قال فـيهـم

 

فإن بعقبه يا عين جـودي

إذا رجلٌ تسمع منه مدحـاً

 

تنسم منه رائحة الصعـيد

فلو حصف الذين يبيح فيهم

 

أثاروا منه رائحة الطـريد

فليس العز يمنه منه شؤمـاً

 

ولا عتباً بأبواب الـحـديد

حدثني الأخفش، قال: حدثنا المبرد، قال: مر أحمد بن المعذل بأخيه عبد الصمد وهو يخطر، فأنشأ يقول:

إن هذا يرى أرى

 

أنه ابن المهلب

أنت والله معجبٌ

 

ولنا غير معجب

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه، قال: حدثنا أبي وغيره، وحدثني به بعض آل المعذل، قال: مر عبد الصمد بن المعذل بغلام يقال له: المغيرة، حسن الصوت حسن الوجه، وهو يقرأ ويقول القصائد، فأعجب به، وقال فيه:

أيها الرافع في المس

 

جد بالصوت العقيره

قتلتني عينك الـنـج

 

لاء والقتل كبـيره

أيها الحكـام أنـتـم

 

فاصلو حكم العشيره

أحلالاً ما بقـلـبـي

 

صنعت عينا مغيره

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثنا زكريا بن مهران بن يحيى، قال: جاءنا عبد الصمد بن المعذل إلى منزل محمد بن عمر الجرجرائي، فأنشدنا قصيدةً له في صفة الحمى، فقال لي محمد بن عمر: امض إلى منزل عبد الصمد حتى تكتبها. فمضيت إليه حتى كتبتها، وهي:

هجرت الصبا ايما هجره

 

وعفت الغواني والخمره

طوتني عن وصلها سكره

 

بكأس الضنا ايما سكره

أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني عبد الله بن يزيد الكاتب، قال: جمع بين أبي تمام الطائي وبين عبد الصمد بن المعذل مجلسٌ، وكان عبد الصمد سريعاً في قول الشعر، وكان في أبي تمام إبطاء، فأخذ عبد الصمد القرطاس وكتب فيه:

أنت بين اثنتين تبرز للـنـا

 

س وكلتاهما بوجهٍ مـذال

لست تنفك طالباً لـوصـلٍ

 

من حبيبٍ أو طالباً لنـوال

أي ماء لحر وجهك يبقـى

 

بين ذل الهوى وذل السؤال

قال: فأخذ أبو تمامٍ القرطاس وخلا طويلاً، وجاء به وقد كتب فيه:

أفي تنظم قول الـزور والـفـنـد

 

وأنت أبرز من لا شيء في العـدد

أشرجت قلبك من بغضي على حرق

 

كأنها حركات أروح في الجـسـد

فقال له عبد الصمد: يا ماص بظر أمه، يا غث، أخبرني عن قولك أنزر من لا شيء، واخبرني عن قولك اشرجت قلبك، قلبي مفرشٌ أو عيبة أو حرجٌ فأشرجه، عليك لعنة الله فما رأيت أغث منك. فانقطع أبو تمامٍ انقطاعاً ما يرى أقبح منه، وقام فانصرف، وما راجعه بحرف.


قال أبو الفرج الأصبهاني: كان في ابن مهرويه تحاملٌ على أبي تمامٍ لا يضر أبا تمامٍ هذا منه، وما أقل ما يقدح مثل هذا في مثل أبي تمام.


أخبرني هاشم بن محمدٍ الخزاعي، قال: حدثني العنزي، قال: كان عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجلاً من ولد جعفر بن سليمان بن علي يعرف بالفراش، وكان له ابنٌ أثقل منه، وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو - وكان يخلف بعض أمراء البصرة - وكان الفراش هذا يصلي به، ثم يجلس فيفطر وهو وابنه عنده، فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما، فقال عبد الصمد بن المعذل:

غدر الزمان ولـيتـه لـم يغـدر

 

وحدا بشهر الصوم فطر المفطر

وثوت بقلبك يا محـمـد لـوعةٌ

 

تمري بوادر دمعك المتـحـدر

وتقسمتك صبابـتـان لـبـينـه

 

أسف المشوق وخلة المتفـكـر

فاستبق عينك واحش قلبك يأسـه

 

واقر السلام على خوان المنـذر

سقياً لدهـرك إذ تـروح يومـه

 

والشمس في علياء لم تتـهـور

حتى تنيخ بكـلـكـل مـتـزاورٍ

 

وتمد بلعوماً قموص الحنـجـر

وترود منك على الخوان أنـامـلٌ

 

تدع الخوان سراب قاعٍ مقـفـر

ويح الصحاف من ابن فـراش إذا

 

أنحى عليها كالهزبر الهـيصـر

ذو دربة طبٌ إذا لمـعـت لـه

 

بشر الخوان بدا بحل الـمـئزر

ود ابن فـراش وفـراشٌ مـعـاً

 

لو أن شهر الصوم مدة أشـهـر

يزرى على الإسلام قلة صبـره

 

وتراه يحمد عدة المـتـنـصـر

لا تهلكن على الصـيام صـبـابةً

 

سيعود شهرك قابلاً فاستبـشـر

لا در درك يا محمد من فـتـى

 

شين المغيب وغير زين المحضر

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني محمد البصري وكان جاراً لعبد الصمد بن المعذل، قال: كان يزيد بن محمد المهلبي يعادي عبد الصمد ويهاجيه ويسابه، ويرمي كل واحد منهما صاحبه بالشؤم. وكان يزيد بالبصرة وأبوه يتولى نهر تيرى ونواحيها، فقال عبد الصمد يهجوه:

أبوك أمير قرية نهر تـيرى

 

ولست على نسائك بالأمـير

وأرزاق العباد عـلـى آلـه

 

لهم وعـلـيك أرزاق الأيور

فكم من رزق ربك من فقيرٍ

 

وما في أهل رزقك من فقير

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثني أحمد بن منصور، قال: شرب علي بن عيسى بن جعفر وهو أمير البصرة الدهن، فدخل إليه عبد الصمد بن المعذل بعد خروجه عنه، فأنشده قوله:

بأيمـن طـائرٍ وأسـر فـال

 

وأعلى رتـبةٍ وأجـل حـال

شربت الدهن ثم خرجت عنه

 

خروج المشرفي من الصقال

تكشف عنك ما عانيت عـنـه

 

كما انكشف الغمام عن الهلال

وقد أهديت ريحانـاً طـريفـا

 

به حاجيت مستمعا سـؤالـي

وما هو غير ياءٍ بـعـد حـاء

 

وقد سبقا بـمـيم قـبـل دال

وريحان الشباب يعـيش يومـاً

 

وليس يموت ريحان المقـال

ولم يك مؤثـراً تـقـاح شـمٍّ

 

على تفاح أسماع الـرجـال

أخبرني جحظة، قال: حدثني ميمون بن مهران، قال: حدثني أحمد بن المغيرة العجلي، قال: كنت عند أبي سهل الإسكافي وعنده عبد الصمد بن المعذل، فرفع إليه رجلٌ رقعة، فقرأها فإذا فيها:

هذا الرحيل فهل في حاجتي نظر

 

أو لا فاعلم ما آتـي ومـا أذر

فدفعها إلى عبد الصمد، وقال: الجواب عليك. فكتب فيها:

النفس تسخو ولكن يمنع العسر

 

والحر يعذر من بالعسر يعتذر

ثم قال عبد الصمد لعلي بن سهل: هذا الجواب قولاً، وعليك أعزك الله الجواب فعلاً، ونجح سعي الآمل حقٌ واجب على مثلك. فاستحيا وأمر للرجل بمائة دينار.


أخبرني حبيب بن نصر المهلبي وعلي بن سليمان الأخفش، قال: حدثنا محمد بن يزيد الأزدي، قال: كان لابن المعذل ابنٌ ثقيلٌ تياهٌ الذهاب بنفسه، وكان مبغضاً عند أهل البصرة، فمر يوماً بعمه عبد الصمد، فلما رآه قال لمن معه:

إن هذا يرى أرى

 

أنه ابن المهلب

أنت والله معجبٌ

 

ولنا غير معجب

قال: وقال فيه أيضاً:

لو كان يعطى المنى الأعمام في ابن أخٍ

 

أصبحت في جوف قرقورٍ إلى الصين

قد كان هـمـاً طـويلاً لا يقـام لـه

 

لو كان رؤيتـنـا إياك فـي الـحـين

فكيف بالصبر إذ أصبحت أكثـر فـي

 

مجال أعينـنـا مـن رمـل يبـرين

يا أبغض الناس في عسـر ومـيسـرةٍ

 

وأقذر النـاس فـي دنـيا وفـي دين

لو شاء ربي لأضحى واهـبـاً لأخـي

 

بمد ثكلـك أجـراً غـير مـمـنـون

وكان خيراً لـه لـو كـان مـؤتـزرا

 

في السالفات على غرمـول عـنـين

وقائلٍ لي مـا أضـنـاك قـلـت لـه

 

شخصٌ ترى وجهه عيني فيضنـينـي

إن القلوب لتطوى منك يا ابـن أخـي

 

إذا رأتك على مثـل الـسـكـاكـين

أتتك العيس تـنـفـخ فـي بـراهـا

 

تكشف عن مناكـبـهـا الـقـطـوع

بأبـيض مـن أمـية مـضـرحــيٍّ

 

كأن جـبـينـه سـيفٌ صـنـــيع

الشعر لعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص، والغناء لابن المهربد، رمل بالبنصر عن الهشامي. والله أعلم.