الجزء الرابع عشر - أخبار ابن أبي الزوائد ونسبه

أخبار ابن أبي الزوائد ونسبه

اسمه سليمان بن يحيى بن زيد بن معبد بن أيوب بن هلال بن عوف بن نضلة بن عصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور. ويقال له ابن أبي الزوائد أيضاً. شاعرٌ مقلٌ، من مخضرمي الدولتين، وكان يؤم الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أخبرني بذلك محمد بن خلف وكيعٌ قال: حدثنا ابن أبي خيثمة عن بعض رجاله عن الأصمعي، وأخبرني وكيعٌ قال: حدثني طلحة بن عبد الله الطلحي قال: أخبرني أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل قال: كان ابن أبي الزوائد يتعشق جاريةً سوداء مولاة الصهيبيين، وكان يختلف إليها وهي في النخل بحاجزة. فلما حان الجداد قال:

حجيج أمسى جداد حاجـزةٍ

 

فليت أن الجداد لـم يحـن

وشت بينٌ وكنت لي سكـنـاً

 

فيما مضى كان ليس بالسكن

قد كان لي منك ما أسر بـه

 

وليت ما كان منك لم يكـن

نعف في لهونا ويجمعنـا ال

 

مجلس بين العريش والجرن

يعجبنا اللهو والـحـديث ولا

 

نخلط في لهونا هناً بـهـن

لو قد رحلت الحمار منكشفاً

 

لم أرها بعدها ولم تـرنـي

فقال له أبو محمد الجمحي: إن الشعراء يذكرون في شعرهم أنهم رحلوا الإبل والنجائب، وأنت تذكر أنك رحلت حماراً. فقال: ما قلت إلا حقاً، والله ما كان لي شيء أرحله غيره. قال: وقال فيها أيضاً:

يا ليت أن العرب استلحـقـوا

 

ريم الصهـيبـيين ذاك الأجـم

وكان منـهـم فـتـزوجـتـه

 

أو كنت من بعض رجال العجم

أخبرني وكيع قال: حدثني طلحة بن عبد الله بن الزبير بن بكار عن عمه قال: كان أبو عبيدة بن عبد الله بن ربيعة صديقاً لابن أبي الزوائد. ثم تباعد ما بينهما لشيء بلغ أبا عبيدة عنه، فهجره من أجله، فهجاه، فقال:

قطع الصفاء ولم أكـن

 

أهلاً لذاك أبو عـبـيده

لا تحسبـنـك عـاقـلاً

 

فلأنت أحمق من حميده

حميدة: امرأة كانت بالمدينة رعناء يضرب بها المثل في الحمق.
حدثني عمي ووكيع قالا: حدثنا الكراني عن أبي غسان دماذ عن أبي عبيدة قال: دخل ابن أبي الزوائد إلى حماد بن عمران الطليحي، وكان يلقب بعطعط، وكان له قيانٌ يسمعهن الناس عنده، فرآهن ابن الزوائد فقال فيهن:

أقول وقد صفت البظر لي:

 

أللبظر أدخلني عطعـط؟

فإني امرؤٌ لا أحب الزنـا

 

ولا يستفزني الـبـربـط

ولو بعضهن ابتغى صبوتي

 

لخالط هامتها المخـبـط

لبئس فعال امرىءٍ قد قرا

 

وهمت عوارضه تشمـط

وما كنت مفترشاً جارتـي

 

وسيدهـا نـائمٌ يضـرط

أأفرغ في جارتي نـطـفةً

 

حراماً كما يفرغ المسعط

أخبرني عيسى بن الحسين الوراق قال: حدثني أبو هفان قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني المسيبي: أن ابن أبي الزوائد كانت عنده امرأةٌ أنصارية، فطال لبثها عنده حتى ملها وأبغضها، فقال يهجوها:

يا رمل أنت الغول بين رمـال

 

لم تظفري ببقًى ولا بجـمـال

يا رمل لو حدثت أنك سلـفـعٌ

 

شوهاء كالسعلاة بين سعالـي

ما جاء يطلبك الرسول بخطـبةٍ

 

مني ولا ضمت عليك حبالـي

ولقد نهى عنك النصيح وقال لي

 

لا تقـرنـن بـذيةً بـعـيال

لما هززت مهندي وقـذفـتـه

 

فيها وقد أرهفته بـصـقـال

رجع المهند ما له مـن حـيلةٍ

 

وهناك تصعب حيلة المحتـال

وكأنما أولـجـتـه فـي قـلةٍ

 

قد بردت للصوم أو بـوقـال

ورأيت وجهاً كاسفاً متـغـيراً

 

وحراً أشق كمركن الغـسـال

ما كان أير الفيل بالغ قـعـره

 

بتحامـلٍ عـنـه ولا إدخـال

ولقد طعنت مبالها بسلاحـهـا

 

فوجدت أخبث مسلح ومـبـال

قال: وقال لها وقد فخرت:

هلا سألت منـازلاً بـغـرار

 

عمن عهدت به من الأحـرار

أين انتأوا ونحاهم صرف النوى

 

عنا وصرف مقحمٍ مـغـيار

كره المقام وظن بي وبأهلهـا

 

ظنًّا فكان بنا علـى إصـرار

عدي رجالك واسمعي يا هـذه

 

عني مقالة عالمٍ مـفـخـار

سأعد ساداتٍ لنا ومـكـارمـاً

 

وأبوة ليست عـلـي بـعـار

قيسٌ وخندف والداي كلاهمـا

 

والعم بعد ربيعة بـن نـزار

من مثل فارسنا دريدٍ فـارسـاً

 

في كل يوم تعانـقٍ وكـرار

وبنو زيادٍ من لقومك مثلـهـم

 

أو مثل عنترة الهزبر الضاري

والحي من سعدٍ ذؤابة قومهـم

 

والفخر منهم والسنام الـواري

والمانعون من العدو ذمارهـم

 

والمدركون عدوهم بالـثـار

والناكحون بنات كل مـتـوجٍ

 

يوم الوغى غصباً بلا إمهـار

وبنو سليم نكل مـن عـاداهـم

 

وحيا العفاة ومعقل الـفـرار

ليسوا بأنكاس إذا حاستـهـم ال

 

موت العداة وصمموا لمغـار

أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدثنا الزبير بن بكار عن عمه قال: كان ابن أبي الزوائد وفد إلى بغداد في أيام المهدي، فاستوخمها، فقال يتشوق إلى المدينة ويخاطب أبا غسان محمد بن يحيى وكان معه نازلاً:

يا بن يحيى ماذا بدا لـك مـاذا

 

أمقامٌ أم قد عزمت الـخـياذا

فالبراغيث قد تثـور مـنـهـا

 

سامرٌ ما نلوذ منـهـا مـلاذا

فنحك الجلود طوراً فتـدمـى

 

ونحك الصـدور والأفـخـاذا

فسقى الله طيبة الوبل سـحًّـا

 

وسقى الكرخ والصراة الرذاذا

بلدةٌ لا ترى بها العـين يومـاً

 

شارباً لـلـنـبـيذ أو نـبـاذا

أو فتًى ماجناً يرى اللهو والبـا

 

طل مجداً أو صاحبـاً لـواذا

هذه الذال فاسمعوها وهـاتـوا

 

شاعراً قال في الروي على ذا

قالها شاعرٌ لو أن القـوافـي

 

كن صخراً أطارهـن جـذاذا

قال الزبير: وأنشدني له أبو غسان محمد بن يحيى، وكان قد دخل إلى رجلين من أهل الحجاز يقال لأحدهما أبو الجواب، والآخر أبو أيوب، فسقياه نبيذاً على أنه طري لا يسكر، فأسكره، فقال:

سقاني شربةً فسكرت منهـا

 

أبو الجواب صاحبي الخبيث

وعاونه أبـو أيوب فـيهـا

 

ومن عاداته الخلق الخبيث

فلما أن تمشت في عظامي

 

وهمت وثبتي منها تـريث

علمت بأنني قد جئت أمـراً

 

تسوء به المقالة والحـديث

فدعهم لا أبا لك واجتنبـهـم

 

فإن خليطهم لهو الـلـويث

وتمام الأبيات التي فيها الغناء بعد البيتين المذكورين:

كالشمس في شرقها إذا سفرت

 

عنها ومثل المهاة ملتـثـمـه

ما صور الله حين صـورهـا

 

في سائر الناس مثلها نسـمـه

كل بلاد الإلـه جـئت فـمـا

 

أبصرت شبهاً لها وقد علمـه

أنثى من العالمين تشبـهـهـا

 

عابسةً هكذا ومبـتـسـمـه

فتانة المقلتين مـخـطـفة ال

 

أحشاء منها البنان كالعنـمـه

إذا تعاطـت شـيئاً لـتـأخـذه

 

قلت غزالٌ يعطو إلى برمـه

يا طيب فيها وطيب قبلـتـهـا

 

والقرب منها في الليلة الشجمه

إن من اللذة الـتـي بـقـيت

 

غشيانك الخود من بني سلمـه

لا تهجر الخود إن تغال بـهـا

 

بعد سلو وقـبـل ذاك فـمـه

آتي معداً لها الـكـلام فـمـا

 

أنطق من هيبةٍ ولا كـلـمـه

أحـب والـلـه أن أزوركــم

 

وحدي كذا أو أزوركم بلـمـه

هذا الجمال الذي سمعـت بـه

 

سبحان ذي الكبرياء والعظـمة

من أبصرت عينه لها شبـهـاً

 

حل عليه العذاب والنـقـمـه

يا هند يا هند نـولـي رجـلاً

 

وكيف تنويل من سفكت دمـه

أو تدركي نفسه فقد هلـكـت

 

أو ترحميه فمثلكـم رحـمـه

أخبرني حبيب بن نصر المهلبي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن جعفر بن قادمٍ مولى بني هاشم قال: حدثني عمي أحمد بن جعفر عن ابن دأب قال: خرجت أنا وأخي يحيى وابن أبي السعلاء ومعنا مصعب بن عبد الله النوفلي وثابتٌ والزبير ابنا خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وابن أبي الزوائد السعدي وابن أبي ذئب متنزهين إلى العقيق، وقد سأل يومئذٍ، إذا أتانا آتٍ ونحن جلوس، فسألناه عن الخبر بالمدينة؟ ورد كتاب أمير المؤمنين المنصور أن لا تتزوج منافيةٌ إلا منافيًّا. قال ابن أبي ذئب: إذن والله لا يخطب قرشيٌ إلا من لا يحبها، ولا يرغب فيمن لا يرغب فيها ممن لا فضل له عليها، وكان غير حسن الرأي في بني هاشم. وتكلم ابنا خبيبٍ بمثل ذلك، وقال أحدهما. إن نسبنا من بني عبد مناف قد طال، فأدالنا الله منهم. قال: فغضب مصعبٌ النوفلي وكان أحول فازدادت عيناه انقلاباً، فقال: أما أنت يا بن أبي ذئب فو الله ما شرفتك جاهلية ولا رفعك إسلام، فيقع في بال أحد أنك عنيت بما جرى. وأما أنتما يا بني خبيبٍ فبغضكما لبني عبد مناف تالدٌ موروث، ولا يزال يتجدد كلما ذكرتم قتل الزبيرن وإنكم لمن طينتين مختلفتين: أما إحداهما فمن صفية، وهي الطينة الأبطحية السنية، تنزعان إليها إذا نافرتما، وتفخران بها إذا افتخرتما، والأخرى الطينة العوامية التي تعرفانها، ولو شئت أن أقول لقلت، ولكن صفية تحجزني، فأحسنا الشكر لمن رفعكما، ولا تميلا عليه بمن وضعكما. فقالا له: مهلاً، فوالله لقد يمنا في الإسلام أفضل من قديمك، ولحظنا فيه بالزبير أفضل من حظك. فقال مصعبٌ: والله ما تفرخان في نسبكما إلا بعمتي، ولا تفضلان في دينكما إلا بابن عمي صلى الله عليه وسلم، فمفاخره لي دونكما. ثم تفرقوا، فقال ابن أبي الزوائد:

لعمركما يا بني خبيب بن ثابـتٍ

 

تجاوزتما في الفخر جهلاً مداكما

وأنكرتما فضل الذين بفضلـهـم

 

سمت بين أيدي الأكرمين يداكما

فإنكما لم تعرفا إذ سـمـوتـمـا

 

إلى العز من آل النبي أباكـمـا

ولم تعرفا الفضل الذي قد فخرتما

 

فليس من العوام حقًّا أتـاكـمـا

فلولا الكرام الغر من آل هاشـمٍ

 

فلا تجهلا لم تدفعا من رماكمـا

محـبٌّ صــد آلـــفـــه

 

فلـيس لـلـيلـه صـبـــح

يقلبه على مضـضٍ

 

مواعد ما لها نجـح

له في عينه غـربٌ

 

وفي أحشائه جـرح

صحا عنه الذي يرجو

 

زيارته وما يصحـو

الشعر لأبي الأسد، والغناء لعلويه، هزجٌ بالوسطى وخفيف ثقيلٍ بالوسطى.