الجزء الخامس عشر - سلامة الزرقاء

سلامة الزرقاء

وسلامة الزرقاء هذه جارية ابن رامين، وكانت إحدى القينات المحسنات.

ذكر خبرها وخبر محمد بن الأشعث

نسخت ذلك من كتاب هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات ، ذكر أن أبا أيوب المديني حثه عن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود قال: كان محمد بن الأشعث القرشي ثم الزهري كاتباً، وكان من فتيان أهل الكوفة وظرفائهم وأدبائهم، وكان يقول الشعر ويتغنى فيه. فمن ذلك قوله في زرقاء جارية ابن رامين، وكان يألفها:

أمسى لسلامة الزرقاء كبدي

وذكر الأبيات: شعر محمد بن الأشعث في سلامة:  قال: ومن شعره فيها يخاطب مولاها وقد كان حج وأخرج جواريه كلهن-هكذا ذكر أحمد بن إبراهيم. وهذا الشعر الثاني لإسماعيل بن عمار الأسدي، وقد ذكرت أخباره في موضع آخر.

أية حال يابـن رامـين

 

حال المحبين المساكين

تركتهم موتى ولم يتلفوا

 

قد جرعوا منك الأمرين

-ويروي: تركتهم موتى وما موتوا، وجدته بخط حماد .-

وسرت في ركب على طية

 

ركبب تـهـام ويمـانـين

ياراعي الذود لقد رعتهـم

 

ويلك من روع المحـبـين

فرقت جمعاً لايرى مثلهـم

 

بين دروب الروم والصين

الغناء لمحمد بن الأشعث نشيد خفيف ثقيل أول بالوسطى في مجراها، عن ابن المكي وغيره.


قال: ودخل ابن الأشعث يوماً على ابن رامين فخرجت إليه الزرقاء، فبينما هو يلقي عليها إذبصر بوصيفة من وصائفهم فأعجبته، فقال شعراً في وقته، وتغنى فيه، فأخذته منه الزرقاء، وهو قوله:

قل لأختي التي أحب رضاها

 

أنت لي فاعلميه ركن شديد

إن لي حاجةً إليك فقولـي:

 

بين أذني وعاتقي مـاتـريد

يعني قولي: ماتريد في عنقي حتى أفعله. ففطنت الزرقاء للذي أراد، فوهبت له الوصيفة، فخرج بها.


الغناء فيه رمل بالوسطى. ذكر عمرو بن بانة أنه لابن سريج، وقد وهم في ذلك، بل الغناء لمحمد بن الأشعث لايشك فيه.


قال هارون: وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: وحدثني أبو عبد الله الأسك أمير المغنين أن محمد بن الأشعث الزهري، وهشام بن محمد بن أبي عثمان السلمي، اجتمعا عند ابن رامين، وكان هشام قد أنفق في منزله مالاً عظيماً، وكان يقال لأبيه بسياردرم ، وتفسيره بالعربية: الكثير الدراهم، فقال محمد بن الأشعث: يا هشام قل ما تشاء. قال:

قل أختي التي أحب رضاها

 

انت لي فاعلميه ركن شديد

وأشار بذلك إلى سلامة الزرقاء. قالت وقد سمعت: فقل. فقال:

إن لي حاجة إليك فقولي

 

بين أذني وعاتقي ماتريد

ففطنت الزرقاء للذي أراد، فقالت: بين أذني وعاتقي ما تريد، فما هو؟ قال: وصيفتك هذه فإنها قد أعجبتني. قالت: هي لك. فأخذها فما رد ذلك ابن رامين ولا تكلم فيه.


وهذا الشعر والغناء فيه لمحمد بن الأشعث.


قال هارون: وحدثني أبو أيوب عن أحمد بن إبراهيم قال: ذكر عمرو بن نوفل بن أنس بن زيد التميمي ، أن محمد بن الأشعث كان ملازماً لابن رامين ولجاريته سلامة الزرقاء، فشهر بذلك ، وكان رجلاً قصافاً فلامه قومه في فعله فلم يحفل بمقالتهم وطال ذلك منه ومنهم، حتى رأى بعض ما كره في منزل ابن رامين، فمال إلى سحيقة جارية زريق بن منيح، مولى عيسى بن موسى. وكان زريق شيخاً سخياً كريماً نبيلاً يجتمع إليه أشراف الكوفة من كل حي، وكان الغالب على منزله رجلاً من ولد القاسم بن عبد الغفار العجلي، كغلبة محمد بن الأشعث على منزل ابن رامين، فتواصلا على ملازمة بيت زريق. ففي ذلك يقول محمد بن الأشعث:

يابن رامين بحت بالـتـصـريح

 

في هواي سحيقة ابـن مـنـيح

قينة عـفة ومـولـى كــريم

 

ونديم من اللـبـاب الـصـريح

ربـعـي مـهـذب أريحــي

 

يشتري الحمد بالفعال الـربـيح

نحن منه في كل ماتشتهـي الأن

 

فس من لـذة وعـيش نـجـيح

عند قرم من هاشم فـي ذراهـا

 

وعناء من الغـزال الـمـلـيح

في سرور وفي نـعـيم مـقـيم

 

قد أمنا من كـل أمـر قـبـيح

فاسل عنا كما سـلـونـاك إنـي

 

غير سال عن ذات نفس وروحي

حافظ منك كل ما كنت قـد َض

 

يعت مما عصيت فيه نصيحـي

فالقلى ما حييت مني لـك الـده

 

ر بود لمـنـيتـي مـمـنـوح

يابن رامين فالزمن مسجـد الـح

 

ي وطول الصلاة والتـسـبـيح

قال عمرو بن نوفل: فلم يدع ابن رامين شريفاً بالكوفة إلا تحمل به على ابن الأشعث وأن يرضى عنه، ويعاود زيارته، فلم يفعل، حتى تحمل عليه بالحجواني، وهو محمد بن بشربن حجوان الأسدي، وكان يومئذ على الكوفة، فكلمه فرضي عنه ورجع إلى زيارته، ولم يقطع منزل زريق. وقال في سحيقة:

سحيقة أنت واحدة القيان

 

فمالك مشبه فيهن ثان

فضلت على القيان بفضل حـذق

 

فحزت على المدى قصب الرهان

سجدن لك القـيان مـكـفـرات

 

كما سجد المجوس لـمـرزبـان

ولا سيمـا إذا غـنـيت صـوتـا

 

وحركت المثالث والـمـثـانـي

شربت الخمر حتى خـلـت أنـي

 

أبو قابوس أو عـبـد الـمـدان

فإعمال اليسار علـى الـمـلاوي

 

ومن يمناك تـرجـمة الـبـيان

أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان عن حماد عن أبيه قال: كان روح بن حاتم المهلبي كثير الغشيان لمنزل ابن رامين، وكان يختلف إلى الزرقاء جارية ابن رامين، وكان يهواها محمد بن جميل وتهواه، فقال لها: إن روح بن حاتم قد ثقل علينا. قالت: فما أصنع . قد غمر مولاي ببره! فقال: احتالي له. فبات عندهم روح ليلة، فأخذت سراويله وهو نائم فغسلته، فلما أصبح سأل عنه فقالت: غسلناه. ففطن أنه أحدث فيه فاحتيج إلى غسله، فاستحيا من ذلك وانقطع عنها، وخلا وجهها لابن جميل.


قال هارون: واخبرني حماد عن أبيه قال: ابن رامين اسمه عبد الملك بن رامين، مولى عبد الملك بن بشربن مروان. وجواريه سعدة، وربيحة، وسلامة الزرقاء. وفيهن يقول إسماعيل بن عمار الأسدي وأنشدناه الحرمي عن الزبير عن عمه، وروايته أتم:

هل من شفاء لقلب لج مـحـزون

 

صبا، وصب إلى ريم ابن رامـين

إلى ربيحة إن اللـه فـضـلـهـا

 

بحسنها وسـمـاع ذي أفـانـين

نعم شفاؤك منها أن تقـول لـهـا

 

قتلتني يوم دير اللج فـاحـيينـي

أنت الطبيب لداء قد تلـبـس بـي

 

من الجوى فانفثي في في وارقيني

نفسي تأبى لـكـم إلا طـواعـية

 

وأنت تحمين أنفاً أن تطـيعـينـي

فتلك قسمة ضيزي قد سمعت بهـا

 

وأنت تتلينها ما ذاك فـي الـدين

ما عائذ الله لـي إلـف ولا وطـن

 

ولا ابن رامين، لولا ما يمنـينـي

يارب مالابن رامينـن لـه بـقـر

 

عين وليس لنا غـير الـبـراذين

لوشئت أعطيته مالاً عـلـى قـدر

 

يرضى به منك غير الخرد العين

لعائذ الله بـيت مـامـررت بـه

 

إلا وجئت على قلبي بـسـكـين

ياسعدة القينة البيضاء، أنـت لـنـا

 

أنس لأنك في دار ابـن رامـين

لاتحسبن بياض الجص يؤنسـنـي

 

وأنت كنت كمثل الخزفي الـلـين

لولا ربيحة ما استأنست ما عمـدت

 

نفسي إليك ولو مثلت فـي طـين

لم أنس صعدة والزرقاء يومهـمـا

 

باللج شرقية فـوق الـدكـاكـين

تغنيان ابن رامين ضحـاءهـمـا

 

بالمسجحي وتشبيب المـحـبـين

فما دعوت به من عيش ممـلـكة

 

ولم نعش يومنا عيش المسـاكـين

أذاك أنعـم أم يوم ظـلـلـت بـه

 

منعم العيش في بستـان سـورين

يشوي لنا الشيخ سورين دواجـنـه

 

بالجردناج وسحاج الشـقـابـين

نسقي شراباً لعمـران يعـتـقـه

 

يمسي الأصحاء منه كالمجـانـين

يعني عمران بن موسى بن طلحة بن عبد الله-

إذا ذكرنا صلاةً بعدما فـرطـت

 

قمنا غليها بلا عـقـل ولا دين

نمشي إليها بطاءً لاحراك بـنـا

 

كأن أرجلنا تقلعـن مـن طـين

نمشي وأرجلنا عوج مطارحهـا

 

مشي الإوز التي تأتي من الصين

أو مشي عميان دبر لادليل لهـم

 

إلا العصي، إلى عيد السعانـين

وقال فيه أيضاً:

لابن رامين خرد كمها الـرم

 

ل حسان وليس لي غير بغل

رب فضلته علي ولـوشـئ

 

ت لفضلتني عليه بفـضـل

قال حماد: وأخبرني أبي قال: حدثني السكوني، أن جعفر بن سليمان اشترى ربيحة بمائة ألف درهم، واشترى صالح بن علي سعدة بتسعين ألف درهم، واشترى معن بن زائدة الزرقاء.


قال مؤلف هذا الكتاب: هذا خطأ، الزرقاء اشتراها جعفر بن سليمانه، ولعل معنا اشترى غيرها. أخبرني حبيب بن نصر قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني علي بن الحسن الشيباني، عن عبد الملك بن ثوبان قال: قال إسماعيل بن عمار: كنت أختلف إلى منزل ابن رامين فأسمع جاريتيه: الزرقاء وسعدة، وكانت سعدة أظرف من الزرقاء، فأعجبت بها وعلمت ذلك مني، وكانت سعدة كاتبة، فكتبت إليها أشكو ما ألقى بها، فوعدتني فكتبت إليها رقعة مع بعض خدمهم:

يارب إن ابن رامين له بقر

 

عين وليس لنا غير البراذين

وذكر الأبيات الماضية. قال: فجاءني الخادم وقال: مازالت تقرأ رقعتك وتضحك من قولك:

فإن تجودي بذاك الشيء أحي به

 

وإن بخلت به عني فزنـينـي

وكتبت إلي: حاشاك من أن أزنيك، ولكني أسير إليك فأغنيك وألهيك وأرضيك. وصارت إلي فأرضتني بعد ذلك.


أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه، عن الحسين بن محمد الحراني، وأخبرني الجوهري عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه: أن جعفر بن سليمان اشترى الزرقاء صاحبة ابن رامين بثمانين ألف درهم، وسترها عن أبيه-وأبوه يومئذ على البصرة في خلافة المنصور، وقد تحرك في تلك الأيام عبد الله بن علي-فهجم عليهما يوماً سليمان بن علي فأخفيا العود تحت السرير ودخل، فقال له: ويحك نحن على هذه الحال نتوقع الصيلم وأنت تشتري جاريةً بثمانين ألف درهم! وأظهر له غضباً عليه وتسخطاً لما فعل، فغمز خادماً كان على رأسه فأخرجها إلى سليمان، فأكبت على رأسه فقبلته، ودعت له، وكانت عاقلةً مقبولةً متكلمة، فأعجبه مارأى منها، وقام عنهما فلم يعد لمعاتبة ابنه بعد ذلك.


قال: ولما مضت لها مدة عند جعفر سألها يوماً: هل ظفر منك أحد ممن كان يهواك بخلوة أو قبلة؟ فخشيت أن يبلغه شيء كانت فعلته بحضرة جماعة أو يكون قد بلغه، فقالت: لاوالله إلا يزيد بن عون العبادي الصيرفي؛ فإنه قبلني قبلة وقذف في في لؤلؤة بعتها بثلاثين ألف درهم. فلم يزل جعفر يحتال له ويطلبه حتى وقع في يده، فضربه بالسياط حتى مات.


قال هارون: وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال. حدثني أبو عوف الدوسي، عن عبد الرحمن بن مقرن قال: كتبت إلى ابن رامين أستأذنه في إتيانه، فكتب إلي: قد سبقك روح بن حاتم، فإن كنت لا تحتشم منه فرح. فرحت، فكنا كأننا فرسا رهلان، والتقينا فعانقني وقال لي: أنى تريد ؟ قلت: حيث أردت. قال: فالحمد الله. فدخلنا فخرجت الزرقاء في إزار ورداء قوهيين موردين، كأن الشمس طالعة من بين رأسها وكتفيها ،فغنتنا ساعة ثم جاء الخادم الذي يأذن لها ، وكان الإذن عليها دون مولاها، فقام دون الباب وهي تغني، حتى إذا قطعت نظرت إليه فقالت: من ؟ فقال: يزيد بن عون العبادي الصيرفي، الملقب الماجن، على الباب. فقالت: أدخله. فلما استقبلها كفر ثم أقعى بين يديها. قال: فوجدت والله له ورأيت أثر ذلك، وتنوقت تنوقا خلاف ما كانت تفعل بنا. فأدخل يده في ثوبه فأخرج لؤلؤتين وقال: انظري يا زرقاء جعلت فداك! ثم حلف أنه نقد فيهما بالأمس أربعين ألف درهم. فقالت: فما أصنع بذلك؟ قال: أردت أن تعلمي. فغنت صوتا ثم قالت: يا ماجن هبهما لي ويحك. قال: إن شئت والله فعلت: قالت: قد شئت. قال: واليمين التي حلفت بها لازمة لي إن أخذتها إلا بشفتيك من شفتي قال: فذهب روح يتسرع إليه، فقلت له: ألك في بيت القوم حاجة؟ قال: نعم. فقلت: إنما يتكسبون مما ترى. وقام ابن رامين فقال: ضع لي ياغلام ماء. ثم خرج عنا فقالت: هاتهما. فمشى على ركبيتهه وكفيه وهما بين شفتيه. فقال:هاك. فلما ذهبت بشفتيها جعل يصد عنها يمينا وشمالاً ليستكثر منها، فغمزت جارية على رأسها فخرجت كأنها تيرد حاجة،ثم عطفت عليه، فلما دنا منها وذهب ليزوغ دفعت منكبيه وأمسكتهما حتى أخذت الزرقاء اللؤلؤتين بشفتيها من فمه، وشرح جبينها حياءً منا. ثم تجلدت علينا فأقبلت عليه فقالت له: المغبون في استه عود فقال: أما أنا فما أبالي، لايزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي أبداً ماحييت. قال هارون: وحدثني ابن النطاح عن المدائني، عن علي بن أبي سليمان، عن أبي عبد الله القرشي، عن أبي زاهر بن أبي الصباح، قال: أتيت منزل ابن رامين مع رجل من قريش، فأخرج الزرقاء، وسعدة، فقام القرشي ليبول وترك مطرفه ، فلبسته سعدة وخرجت، فرجع القرشي وعليها المطرف قد خاطته فصار درعاً ، فقالت: أرأيتم أسرع من هذا؟ صار المطرف درعاً! فقال القرشي: هو لك. قال: وعلي طيلسان مثنى، فأردت أن أبول فلففته وقمت، فقالت سعدة: دع طيلسانك. فقلت: لاأدعه، أخاف أن يتحول مطرفاً.


وحدثني قبيصة بن معاوية قال: قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: شربت زرقاء ابن رامين دواءً فأهدى لها ابن المقفع ألف دراجة على جمل قراسي .


قال هارون: وحدثني حماد عن أبيه: أن محمد بن جميل كان يتعشق الزرقاء، وكان أبو جميل يغدو كل يوم يسأل من يقدم عن ابنه محمد، إلى أن مر به صديق له يكنى أبا ياسر، فسأله عنه فقال له أبو ياسر: تركته أعظم الناس قدراً، يعامل الخليفة كل يوم في خراجه، فيحتاج إليه ولده، وصاحب شرطته، وصاحب حرسه، وخدمه. فقال له: ياأخي: فكيف بهذه الجارية التي قد شهر بها؟ فقال له الرجل: لاتهتم بها، قد مازحه أمير المؤمنين فيها، وخاطبه بشعر قيل فيه. قال:وما هو؟ قال:

وابن جميل فاعلموا عاجـلاً

 

لابد موقوف على مسطبـه

يوقف في زرقاء مشهـورة

 

تجيد ضرب العود والعرطبه

فقال جميل: والله مابي من هذا الأمر إلا أني أتخوف أن يكون قد شهر بها هذه الشهرة ولم ينكها.


قال هارون: وأحسب هذه القصة لزرقاء الزراد ، لا زرقاء ابن رامين.


قال هارون: وحدثني أبو أيوب قال: حدثني محمد بن سلام، قال: اجتمع عند ابن رامين معن بن زائدة، وروح بن حاتم، وابن المقفع، فلما تغنت الزرقاء وسعدة، بعث معن إليها بدرة فصبت بين يديها، فبعث روح إليها أخرى فصبت بين يديها، ولم يكن عند ابن المقفع دراهم فبعث فجاء بصك ضيعته وقال: هذه عهدة ضيعتي خذيها، فأما الدراهم فما عندي منها شيء.


أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا فضل اليزيدي قال: حدثني إسحاق الموصلي قال: قال سليمان الخشاب: دخلت منزل ابن رامين فرأيت الزرقاء جاريته وهي وصيفة، حين شال نهودها ثوبها عن صدرها، لها شارب كأنه خط بمسك، يلحظه الطرف ويقصر عنه الوصف، وابن الأشعث الكوفي يلقي عليها، والغناء له:

أية حـال يا ابـن رامـين

 

حال المحبين المسـاكـين

تركتها موتى وما مـوتـوا

 

قد جرعوا منك الأمـرين

وسرت في ركب على طية

 

ركب تـهـام ويمـانـين

يا راعي الذود لقد رعتنـا

 

ويلك من روع المحـبـين

فرقت جمعاً لايرى مثلهـم

 

فجعتهم بالربرب الـعـين

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني هارون بن محمد الزيات قال: قال أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل: كان ابن رامين مولى الزرقاء أجل مقين بالكوفة وأكبرهم، ورامين أبوه مولى بشر بن مروان.


قال هارون: فحدثني سليمان المديني قال: قال حماد بن إسحاق قال أبي: قال معاذ بن الطبيب: أتيت ابن رامين وعنده جواريه: الزرقاء وصواحباتها، وعندهن فتى حسن الوجه نظيف الثياب، عطر الريح، يلقى عليهن، فسألت عنه فقيل لي: هذا محمد بن الأشعث بن فجوة الزهري. فمضيت به إلى منزلي وسألته المقام ففعل، وأتيته بطعام وشراب وغنيته أصواتاً من غناء أهل الحجاز، فسألني أن ألقيها عليه، فقلت: نعم وكرامةً وحباً، على أن تلقي علي أصواتاً من صنعتك ألتذ بها، وأقطع طريقي بروايتها، وأطرف أهل بلدي بها، ففعلت وفعل، فكان مما أخذته عنه من صنعته:

صاح إني عاد لي ماذهبـا

 

من هوى هاج لقبلي طربا

أذكرتني الشوق سلامة أن

 

لم أكن قضيت منها أربـا

وإذا مـا لام فـيهــا لائم

 

زاد في قلبي لحبي عجبـا

من ذوات الدل لو دب على

 

جلدها الذر لأبدى نـدبـا

الغناء لمحمد بن الأشعث، ثقيل أول عن الهشامي. وفيه ليونس خفيف ثقيل بالسبابة، في مجرى البنصر عن إسحاق. وذكر أحمد بن عبيد أن فيه لحناً من الثقيل الثاني لايدري لمن هو؟ قال: ومنها.

لذكر الحبيب النازح الـمـتـعـتـب

 

طربت ومن يعرض له الشوق يطرب

لحنه رمل: وقال منها:

خليلي عوجا ساعةً ثم سلـمـا

 

على زينب سقياً ورعياً لزينب

لحنه رمل. وقال منها:

رحبت بلادك يا أمـامـه

 

وسلمت ما سجعت حمامه

وسقـى ديارك كـلـمـا

 

حنت إلى الشقيا غمامـه

إني وإن أقـصـيتـنـي

 

سفهاً أحب لك الكـرامة

وأرى أمـورك طــاعةً

 

مفروضةً حتى القيامـه

لحنه خفيف رمل.قال: ومنها :

ما بالمغاني مـن أحـد

 

إلا حمـامـات فـرد

أضحت خـلاءً درسـاً

 

للريح فيها مـطـرد

عهدي بها فيما مضـى

 

ينتابها بـيض خـرد

فاستبدلت وحشاً بـهـم

 

والورق تدعو والصرد

لحنه هزج. قال: ومنها:

ليت من طير نومي

 

رد في عيني المناما

أوشفى جسماً سقيماً

 

زاده الهجر سقامـا

نظرت عيني إليهـا

 

نظرةً هاجت غراما

تركت قلبي حزينـاً

 

بهواها مستهـامـا

لحنه رمل.
قال ابن الطبيب: وأخذت منه مع هذه أصواتا كثيرة، ورأيت الناس بعد ذلك ينسبونها إلى قدماء المغنين.


مصير الزرقاء وبيحة إلى جعفر ومحمد بن سليمان: قال هارون: وحدثني حماد بن إسحاق عن ابيه قال: حدثني إسماعيل بن جعفر بن سليمان: أن الزرقاء صاحبة ابن رامين صارت إلى ابيه، وكان يقال لها أم عثمان. وأن ربيحة جارية ابن رامين صارت إلى محمد بن سليمان، وكانت حظية عنده. قال إسماعيل: فأتى سليمان بن علي ابنه جعفر فأخرج إليه الزرقاء، فقال لها سليمان: غنيني. قالت: اي شيء تحب؟ قال: غنيني:

إذا ما أم عبد الـل

 

ه لم تحلل بـواديه

ولم تشف سقيماهي

 

ج الحزن دواعيه

فقالت: فديتك، قدترك الناس هذا منذ زمان. ثم غنته إياه.


قال إسماعيل: قد مات سليمان منذ ثلاث وسبعين سنة، وينبغي أن يكون رأى الزرقاء قبل موته بسنتين أوثلاث. قال: وقالت هي: قد ترك الناس هذا منذ زمان. فهذا من أقدم ما يكون من الغناء.
قال هارون: وقال شراعة بن الزندبود:

قالوا شراعة عنين فقـلـت لـهـم

 

الله يعـلـم أنـي غـير عـنـين

فإن ابيتم وقلتم مـثـل قـولـهـم

 

فأقحموني فـي دار ابـن رامـين

ثم انظروا كيف طعني عند معتركي

 

في حر من كنت أرميها وترميني

فال هارون: وحدثني أبو أيوب المديني، عن احمد بن إبراهيم قال: قال بعض المدنيين: أتيت منزل ابن رامين، فوجدته عنده جارية قد رفع ثديها قميصا، لها شارب أخضر ممتد على شفتيتها امتدادالطراز، كانما خطت طرتها وحاجباها بقلم، لايحلقها في ضرب من ضروب حسنها وصف واصلإ، فسألت عن اسمها فقيل: هذه الزرقاء.

نسبة الصوت الذي في الخبر

إذا ما أم عبـد الـل

 

ه لم تحلـل بـواديه

ولم تشف سقـيمـا ه

 

يج الحزن دواعـيه

غزال راعة القـنـا

 

ص تحميه صواصيه

عرفت الربع بالإكلي

 

ل عفته سـوافـيه

بجو ناعـم الـحـوذا

 

، ملـتـف روابـيه

وما ذكرى حبـيبـاو

 

قلـيلا مـا أواتـيه

كذي الخمر تمناهـا

 

وقد أسرف ساقـيه

ذكر الزبير بن بكار ان الشعر لعدي بن نوفلن وقيل إنه للنعمان بن بشير النصاري وذاك أصح.

وقد أخرجت أخبار النعمان فيه مفردة في موضع آخر، ذكرت القصيدة بأسرها. ورواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني للنعمانن ولم يذكر انها لعدي غير الزبير بن بكار.

والغناء فيما ذكر عمرو بن بانة لمعبد، خفيف رمل بالوسطى. وذكر إسحاق أن فيه خفيف رمل بالسبابة في مجرى البنصر، يمان . وفيه للغريض ثقيل أول بالوسطى عن الهشامي، في الأول والثاني والرابع والخامس.