الجزء الخامس عشر - ذكر عمرو بن معد يكرب وأخباره

ذكر عمرو بن معد يكرب وأخباره

هو عمرو بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن زبيد، وهو منبه.


هكذا ذكر محمد بن سلام فيما أخبرنا به أبو خليفة عنه.


وذكر عمر بن شبة عن أبي عبيدة أنه عمرو بن معد يكرب بن ربيعة بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن زبيد بن منبه بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعب بن قحطان.


ويكنى أبا ثور، وأمه وأم أخيه عبد الله امرأة من جرم فيما ذكر، وهي معدودة من المنجبات.


أخبرنا محمد بن دريد قال: أخبرنا أو حاتم عن أبي عبيدة قال: عمرو بن معد يكرب فارس اليمن، وهومقدم على زيد الخيل في الشدة والبأس.


وروى علي بن محمد المدائني عن زيد بن قحيف الكلابي قال: سمعت أشياخنا يزعمون أن عمرو بن معد يكرب كان يقال له مائق بني زبيد، فبلغهم أن خثعم تريدهم، فتأهبوا لهم، وجمع معد يكرب بني زبيد، فدخل عمرو على أخته فقال: أشبعني إني غداً لكتيبة . قال: فجاء معد يكرب فأخبرته ابنته فقال: هذا المائق يقول ذاك؟ قالت: نعم. قال: فسليه ما يشبعه. فسألته فقال: فسليه ما يشبعه. فسألته فقال: فرق من ذرة، وعنز رباعية. قال: وكان الفرق يومئذ ثلاثة أصوع . فصنع له ذلك.


وذبح العنز وهيأ له الطعام. قال: فجلس عليه فسلته جميعاً. وأتتهم خثعم الصباح فلقوهم، وجاء عمرو فرمى بنفسه. ثم رفع رأسه فإذا لواء أبيه قائم، فوضع رأسه فإذا لواء أبيه قد زال، فقام كأنه سرحةمحرقة، فتلقى أباه وقد انهزموا فقال: انزل عنها، فاليوم ظلم . فقال له: إليك يا مائق! فقال له بنو زبيد: خله أيها الرجل وما يريد، فإن قتل كفيت مؤقته، وإن ظهر فهو لك. فألقى إليه سلاحه فركب، ثم رمى خثعم بنفسه حتى خرج من بين أظهرهم، ثم كر عليهم وفعل ذلك مراراً، وحملت عليهم بنو زبيد فانهزمت خثعم وقهروا، فقيل له يومئذ: فارس زبيد.


قال أبو عمرو الشيباني: كان من حديث عمرو بن معد يكرب بن ريعة بن عبد الله بز زبيد بن منبه بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك- وهو مذحج- بن أددين زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، أنه قال لقيس بن مكشوح المرادي، وهو ابن أخت عمرو، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا قيس، إنك سيد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز، يقال له نبي، فانطلق بنا حتى نعلم علمه، وبادرفروة لايغلبك على الأمر. فأبى قيس ذلك وسفه رأيه وعصاه، فركب عمرو متوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: خالفتني ياقيس! وقال عمرو في ذلك:

أمرتك يوم ذي صنعا

 

ء أمراً بينا رشـده

أمرتك باتقـاء الـل

 

ه تأتيه وتـتـعـده

فكنت كذي الحمير غ

 

رة من أيوه وتـده

قال أبو عبيدة: حدثنا غير واحد من مذحج قالوا: قدم علينا وفد مذحج، مع فروة بن مسيك المرادي، على النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلموا وبعث فروة صدقات من أسلم منهم وقال له: ادع اللناس وتألفهم، فإذاوجدت الغفلة فاهبلها واغز.
فال أبو عمرو الشيباني: وإنما رحل فروة مفارقاً لملوك كندة مباعداً لهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانتقبل الإسلام بين مراد وهمدانوقعة أصابت فيها همدان من مراد حتى أثختوهم، في يوم يقال له يوم الرزم ، وكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك بن حريم الساعر الهمداني بن مسروق بن الأجدع، ففضحهميومئذ وفي ذلك يقول فروة بن مسيك المرادي:

فإن نغلب فغلابون قدماً

 

وإن نهزم فغير مهزمينا

فلما توجه فروة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنشأ يقول:

لما رأيت ملوك كندة أعرضـت

 

كالرجل خان الرجل عرق نساها

يممت راحلتي أمـام مـحـمـد

 

أرجو فواضلها وحسن ثـراهـا

فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فيما بلغنا: هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم ؟ قال: يا رسول الله، من ذا الذي يصيب قومه مثل الذي أصاب قومي ولا يسوءه. فقال له: أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً! واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلها.
قال أبو عبيدة: فلم يلبث عمرو أن ارتد عن الإسلام، فقال حين ارتد:

وجدنا ملك فروة شر ملـك

 

حمار ساف منخره بقـذر

وإنك لو رأيت أبا عـمـر

 

ملأت بديك من غدر وختر

قال أبو عبيدة: فلما ارتد عمرو مع من ارتد عن الإسلام من مذحج، استجاش فروة النبي صال الله عليه وسلم، فوجه إليهم خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد، وقال لهما: إذا اجتمعتم فعلي بن أبي طالب أميركم وهو على الناس. ووجه علياً عليه السلام فاجتمعوا بكسر من أرض اليمن، فاقتتلوا وقتل بعضهم ونجا بعض، فلم يزل جعفر وزبيد وأود بنو سعد العشيرة بعدها قليلة.


وفي هذا الوجه وقعت الصمصامة إلى آل سعيد، وكان سبب وقوعها إليهم أن ريحانة بنت معد يكرب سبيت يومئذ، ففداها خالد، وأثابه عمرو الصمصامة ، فصار إلى أخيه سعيد، فوجد سعيد جريحاً يوم عثمان بن عفان رضي الله عنه حين حصر وقد ذهب السيف والغمد، ثم وجد الغمد، فلما قام معاوية جاءه إعرابي بالسيف بغير غمد، وسعيد حاصر، فقال سعيد: هذا سيفي! فجحد الأعرابي مقالته، فقال سعيد: الدليل على أنه سيفي أن تبعث إلى غمده فتغمده فيكون كفافه. فبعث معاوية إلى الغمد فأتى به من منزل سعيد فإذا هو عليه، فأقر الأعرابي أنه أصابه يوم الدار، فأخذه سعيد منه وأثابه، فلم يزل عنده حتى أصعد المهدي من البصرة، فلما كان بواسط بعث إلى سعيد فيه، فقال: إنه للسبيل. فقال: خمسون سيفاً قاطعاً أغنى من سيف واحد. فأعطاهم خمسين ألف درهم وأخذه.


وذكر ابن النطاح أن المدائني حكى عن أبي اليقظان عن جويرية بن أسماء قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة تبوكيريد المدينة، فأدركه عمرو بن معد يكرب الزبيدي في رجال من زبيد، فتقدم عمرو ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك حت أوذن به، فلما تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير قال: حياك الله إلهك، أبيت اللعن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنلعنة الله وملائكته والناس أجمعين على الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. فآمن بالله يؤمنك يوم الفزع الأكبر". فقال عمرو بن معد يكرب: وما الفزع الأكبر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنه فزع ليس كما تحسب وتظن، إنه يصاح بالناس صيحة لايبقى حي إلا مات، إلا ماشاء الله من ذلك، ثم يصاح بالناس صيحة لايبقى ميت إلا نشر، ثم تلج تلك الأرض بدوي تنهد منه الأرض، وتخر منه الجبال، وتنشق السماء انشقاق القبطية الجديد ما شاء الله في ذلك، ثم تبرز النار فينظر إليها حمراء مظلمة قد صارلها لسان في السماء، ترمي بمثل رؤوس الجبال من شرر النار، فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه، وذكر ذنبه. أين أنت يا عمرو قال: إني أسمع أمراً عظيماً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمروأسلم تسلم. فأسلم وبايع لقومه على الإسلام، وذلك منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزاة تبوك، وكانتفي رجب من سنة تسع .


وقال أبو هارون السكسكي البصري: حدثني أبو عمرو المديني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نظر إلى عمرو قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً تعجباً من عظم خلقه.


أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة عن خالد بن خداش عن أبي نميلة قال: أخبرني رميح عن أبيه قال: رأيت عمرو بن معد يكرب في خلافة معاوية شيخاً أعظم ما يكون من الرجال، أجش الصوت، إذا التفت التفت بجميع جسده. وهذا خطأ من الراوية.


والصحيح أنه مات في آخر خلافة عمر رضي الله عنه، ودفن بروذة بين قم والري. ومن الناس من يقول إنه قتل في وقعة نهاوند، قبره في ظاهرها موضع يعرف بقبد يشجان ، وانه دفن هناك يومئذ هو والنعمان بن مقرن.


وروى أيضاً من وجه ليس بالموثوق به، أنه أدرك خلافة عثمان رضي الله عنه، روى ذلك ابن النطاح عن مروان بن ضرار عن أبي إياس البصري، عن أبيه، عن جويرية الهذلي في حيث طويل قال:  رأيت عمرو بن معد يكرب وأنا في مسجد الكوفة في خلافة عثمان، حين وجهه إلى الري، كأنه يعير مهنوء.


وقال ابن الكلبي: حدثني أسعر، عن عمرو بن جرير الجعفي قال: سمعت خالد بن قطن يقول: خرج عمرو بن معد يكرب في خلافة عثمان رضي الله عنه إلى الري ودستبي ، فضربه الفالج في طريقه فمات بروذة.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال: أخبرني خالد بن خداش قال حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض لعمرو بن معد يكرب في ألفين، فقال له: يا أمير المؤمنين ألف ههنا وأومأ إلى شق بطنه الأيمن، وألف ههنا وأومأ إلى شق بطنه الأيسر- فما يكون ها هنا؟ وأومأ إلى وسط بطنه.


فضحك عمرو رضوان الله عليه وزاده خمسمائة.


قال علي بن محمد : قال أبو اليقظان: قال عمرو بن معد يكرب: لو سرت بظعية وحدي على مياه معد كلها ماخفت أن أغلب عليها، مالم يلقني حراها أو عبداها . فأما الحران فعامر بن الطفيل وعيبة بن الحارث بن شهاب، واما العبدان فأسود بني عبس، يعني عنترة والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت. فأما عامر بن الطفيل فسريع الطعن على الصوت، و؟أما عتيبة فأول الخيل إذا غارت، وآخرها إذا آبت. وأما عنترة فقليل الكبوة شديد الكلب . وأما السليك فبعيد الغارة، كالليث الضاري. قالوا: فما تقول في العباس بن مرادس؟ قال: أقول فيه ما قال في:

إذا مات عمرو قلت للخيل أوطئوا

 

زبيداً فقد أودى بنجدتها عمـرو

وقام مغضباً وعلم أنهم أرادوا توبيخه بالعباس.


قال علي: وقال أبو اليقظان: أحسب في اللفظ غلطاً وأنه إنما قال: هجينا مضر؛ لأن عنترة استرق والعباس لم يسترق قط.
أخبرني أبو خليفة قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أحمدبن جناب عن عيسى بن يونس، عن إسماعيل ،عن قيس :أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص: إني قد أمددتك بألفي رجل عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد-وهو طليحة الأسدي-فشاورهما في الحرب ولا تولهما شيئاً.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أحمد بن جناب قال حدثناعيسى بن يونس،عن إسماعيل، عن قيس قال: شهدت القادسية وكان سعد على الناس، فجاء رستم فجعل يمر بنا وعمرو بن معد يكرب الزبيدي يمر على الصفوف يحض الناس ويقول: يا معشر المهاجرين، كونوا أسدااً أغنى شأنه ، فإنماالفارسي تيسبعد أن يلقي نيزكه .


قال: وكان مع رستم أسوار لاتسقط له نشابة. فقال له: يا أبا ثور، اتق ذاك! فإنا لنقول له ذلك إذ رماه رميةً فأصاب فرسه، وحمل عليه عمرو فاعتنقه ثم ذبحه، وسلبه سواري ذهب كانا عليه، وقباء ديباج.


قال أبو زيد : فذكر أبو عبيدة أن عمراً حمل يومئذ على رجل فقتله ثم صاح: يا معشر بني زبيد، دونكم فإن القوم يموتون! وقال علي بن محمد المدائني: واخبرنا محمد بن الفضل وعبد ربه بن نافع، عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم قال: حضر عمرو الناس وهم يقاتلون، فرماه رجل من العجم بنشابة فوقعت في كتفه، وكانت عليه درع حصينة فلم تنفذ، وحمل على العلج فعانقه فسقطا إلى الأرض، فقتله عمرو وسلبه، ورجع بسلبه وهو يقول:

أنا أبو ثور وسيفي ذو النـون

 

أضربهم ضرب غلام مجنون

يال زبيد إنهـم يمـوتـون

 

 

قال أبو عبيدة: وقال في ذلك عمرو بن معد يكرب:

ألم بسلمى قبل أن تظعنا

 

إن لنا من حبهـا ديدنـا

قد علمت سلمى وجاراتها

 

ما قطر الفارس إلا أنـا

شككت بالرمح حياز يمه

 

والخيل تعدو زيما بيننـا

عنى فيه الغريض ثاني ثقيل بالسبابة في مجرى البنصر. وفيه رمل بالبنصر يقال إنه امعبد. ويقال إنه من منحول يحيى المكي.


قال أبو عبيدة في رواية أبي ويد عمر بن شبة: شهد عمرو بن معد يكرب القادسية وهو ابن مائة وست سنين. وقال بعضهم: بل ابن مائة وعشر. وقال: ولما قتل العلج عبر نهر القادسية هو وقيس بن مكشوح المرادي، ومالك بن الحارث الأشتر. قال: فحدثني يونس أن عمرو بن معد يكرب كان آخرهم، وكانت فرسه ضعيفة فطلب غيرها، فأتي بفرس فأخذ بعكوة ذنبه وأخلد به إلى الأرض، فأفعى الفرس فرده، وأتى بآخر ففعل به مثل ذلك فتحلحل ولم يقع فقال: هذا على كل حال أقوى من تلك، وقال لأصحابه: إني حامل وعايبر الجسر، فإن أسرعتم بمقدار جزر الجزور وجدتموني وسيفي بيدي أقاتل به تلقاء وجهي، وقد عقر بي القوم وأنا قائم بينهم وقد قتلت وجردت. وإن أبطأتم وجدتموني قتيلاً بينهم وقد قتلت وجردت. ثم انغمس فحمل في القوم فقال بعضهم: يا بني زبيد، تدعون صاحبكموالله مانرى أن تدركوه حياً. فحملوا فانتهوا إليه وقد صرع عن فرسه، وقد اخذ برجل فرس رجل من العجم فأمسكها، وإن الفارس ليضرب الفرس فما تقدر أن تتحرك من يده. فلما غشيناه رمى الأعجمي بنفسه وخلى فرسه، فركبه عمرو وقال: أنا أبو ثور، كدتم والله تفقدونني! قالوا: أين فرسك؟ قال رمي بنشابة فشب فصرعني وعار .


وروى هذا الخبر محمد بن عمر الواقدي عن ابن أبي سبرة عن أبي عيسى الخياط. ورواه علي بن محمد أيضاً عن مرة عن أبي إسماعيل الهمذاني عن طلحة بن مصرف. فذكرا مثل هذا.


قال الواقدي: وحدثني أسامة بن زيد، عن أبان بن صالح قال: قال عمرو بن معد يكرب يوم القادسية: ألزموا خراطيم الفيلة السيوف، فإنه ليس لها مقتل إلا خراطيمها. ثم شدعلى رستم وهو على الفيل فضرب فيله فجذم عرقوبيه فسقط، وحمل رستم على فرس وسقط من تحته خرج فيه أربعون ألف دينار، فحازه المسلمون، وسقط رستم بعد ذلك عن فرسه فقتله.
قال علي بن محمد المدائني: حدثني علي بن مجاهد عن ابن إسحاق قال: لما ضرب عمرو الفيل وسقط رستم، سقط على رستم خرج كان على ظهر الفيل فيه أربعونألف دينار،فمات رستم من ذلك، وانهزم المشركون.


وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى آل الزبير قال:حدثنا نيار بن مكرم الأسلمي ، قال: شهدت القادسية فرأيت يوماً اشتد فيه القتال بيننا وبين الفرس، ورأيت رجلاً يفعل يومئذ بالعدو أفاعيل، يقاتلفارساً ثم يقتحم عن فرسه ويربط مقوده في حقوه فيقاتل، فقلت: من هذا جزاه الله خيراً؟ قالوا: هذا عمر بن معد يكرب.


أخبرني محمد ين الحسن بن دريد قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن محمد بن عباد، عن ابن الكلبي، عن خالد بن سعيد، عن أبي محمد المرهبي قال: كان شيخ يجالس عبد الملك بن عمير، فسمعته يحدث قال: قد عيينة بن حصن الكوفة فأقام بها أياماً ثم قال: والله مالي بأبي ثور عهد منذ قدمنا هذا الغائط- يعني عمرو بن معد يكرب- أسرج لي يا غلام. فأسرج له فرساً أنثى من خيله، فلما قربها إليه قال له: ويحك أرأيتني ركبت أنثى في الجاهلية فأركبها في الإسلام؟ فأسرج له حصاناً فركبه، وأقبل إلى محلة بني زبيد فسأل عن محلة عمرو فأرشد إليها، فوقف ببابه ونادى: أي أبا ثور، اخرج إلينا. فخرج إليه مؤتزراً كأنما كسر وجبر، فقال: انعم صباحاً أيا مالك. فقال: أوليس قد أبدلنا الله تعالى بهذا: السلام عليكم؟ قال: دعنا مما لانعرف، انزل فإن عندي كبشاً ساحا . فنزل فعمد إلى الكبش فذبحه ثم كشط عنه وعضاه ، وألقاه في قدر جماع ، وطبخة حتى إذا أدرك جاء بجفنة عظيمة فثرد فيها فأكفأ القدر عليها، فقعدا فأكلاه، ثم قال له: أي الشراب أحب إليك: اللبن أم ماكنا نتنادم عليه في الجاهلية؟ قال: أوليس قد حرمها الله جل وعز علينا في الإسلام؟ قال: أنت أكبرسناً أم أنا؟ قال: أنت. قال: فأنت أقدم إسلاماً أما أنا؟ قال: أنت. قال: فإني قد قرأت مابين دفتي المصحف فوالله ما وجدت لها تحريماً إلا أنه قال: (فهل أنتم منتهون) فقلنا: لا. فسكت وسكتنا! فقال له: أنت أكبر سناً وأقدم إسلاماً. فجاءا فجلسا يتناشدان ويشربان، ويذكران أيام الجاهلية، حتى مسيا، فلما أراد عيينة الانصراف. قال عمرو: لئن تنصرف أبو ملك بغير حباء إنه لوصمة علي. فأمر بناقة له أرحبية كأنها جبيرة لجين ، فارتحلها وحمله عليها، ثم قال: يا غلام هات المزود. فجاء بمزود فيه أربعة ألاف درهم، فوضعها بين يديه، فقال: أما المال فوالله لاقبلته. قال: والله إنه لمن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فلم يقبله عيينه وانصرف وهو يقول:

جزيت أبا ثور جزاء كـرامة

 

فنعم الفتى المزدار والمتضيف

قريت فأكرمت القرى وأفـدتـنـا

 

نخيلة علم لم يكـن قـط يعـرف

وقلت: حـلال أن تـدير مـدامة

 

كلون انعقاق البرق والليل مسدف

وقدمت فـيهـا حـجة عـربـية

 

ترد إلى الإنصاف من ليس ينصف

وأنت لنا والله ذي العـرش قـدوة

 

إذا صدنا عن شربها المتكـلـف

تقول: أبو ثور أحـل حـرامـهـا

 

وقول أبي ثـور أسـد وأعـرف

وقال علي بن محمد: حدثني عبد الله بن محمد الثقفي عن أبيه، والهذلي عن الشعبي قال: جاءت زيادة من عند عمر بعد القادسية فقال عمرو بن معد يكرب لطليحة: أما ترى أن هذه الزعانف تزاد ولا نزاد، انطلق بنا إلى هذا الرجل حتى نكلمه. فقال: هيهات، وكلا والله لا ألقاه في هذا أبداً ، فلقد لقيني في بعض فجاج مكة فقال: ياطليحة، أقتلت عكاشة ؟! فتوعدني وعيداً ظننت أنه قالتلي، ولا آمنه. قال عمرو: لكني ألقاه. قال: أنت وذاك. فخرج إلى المدينة فقدم على عمر رضي الله عنه وهو يغدي الناس وقد جفن لعشرة عشرة، فأقعده عمر مع عشرة فأكلوا وتهضوا، ولم يقم عمرو، فأقعد معه تكملة عشرة فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو، فأقعده مع عشرة حتىأكل مع ثلاثين ثم قام، فقال: يا أمير المؤمنين إنه كانت لي ما كل في الجاهلية منعني منها الإسلام، وقد صررت في بطن صرتين وتركت بينهما هواء فسده. قال: عليك حجارة من حجارة الحرة فسده به يا عمرو، إنه بلغني أنك تقول إن لي سيفاً يقال له الصمصامة، وعندي سيف أسميه المصمم، وإني إن وضعته بين أذنيك لم أرفعه حتى يخالط أضراسك.


وذكر ابن الكلبي ومحمد بن كناسة أن جبيلة بن سويد بن ربيعة بن رباب، لقي عمرو بن معد يكرب وهو يسوق ظعناً له فقال عمرو لأصحابه: قفوا حتى آتيكم بهذه الظعن. فقرب نحوه حتى إذا دنا منه قال: خل سبيل الظعن. قال: فلم إذا ولدتني؟ ثم شد على عمرو فطعنه فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه، فرجع إلى أصحابه فقالوا: ما وراءك؟ قال: كأني رأيت منيتي في سنانه.


وبنو كنانة يذكرون أن ربيعة بين مكدم الفراسي، طعن عمرو بن معد يكرب فأذراه عن فرسه وأخذ فرسه. وأنه لقيه مرة أخرى فضربه فوقعت الضربة في قربوس السرج فقطعه حتى عض السيف بكاثبة الفرس، فسالمه عمرو وانصرف.


قال المدائني: حدثني مسلمة بن محارب، عن دواد بن أبي هند قال: حمل عمرو بن معد يكرب حمالة ، فأتى مجاشع بن سمعود يسأله فيها.


وقال خالد بن خداش: حدثني أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن قال: بلغني أن عمراً أتى مجاشع بن مسعود فقال له: أسألك حملان مثلي، وسلاح مثلي. قال: إن شئت أعطيتك ذاك من مالي. ثم أعطاه حكمه. وكان الأحنف أمر له بعشرين ألف درهم، وفرس جواد عتيق، وسيفصارم، وجارية نفيسة، فمر ببني حنظلة فقالوا له: يا أبا ثور، كيف رأيت صاحبك؟ فقال: لله بنو مجاشع ما أشد في الحرب لقاءها، واجزل في اللزبات عطاءها ، وأحسن في المكرمات ثناءها، لقد قاتلتها فما أقللتها ، وسألتها فما أبخلتها، وهاجيتها فما أفحمتها!!.


وقال أبو المنهال عيينة بن المنهال: سمعت أبي يحدث قال: جاء رجل وعمرو بن معد يكرب واقف بالكناسة على فرس له، فقال: لأنظرن ما بقي من قوة أبي ثور. فأدخل يده بين ساقيه وبين السرج، وفطن عمرو فضمها عليه وحرك فرسه، فجعل الرجل يعدو مع الفرس لايقدرأن ينزع يده، حتى إذا بلغ منه قال: يا ابن أخي، مالك؟ قال: يدي تحت ساقك! فخلى عنه، وقال: يا ابن أخي، إن في عمك لبقية!! وكان عمرو مع ما ذكرنا من محله مشهوراً بالكذب: أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد النحوي المبرد ولم يتجاوزه. وذكر ابن النطاح هذا الخبر بعينه عن محمد بن سلام، وخبر المبرد أتم قال: كانت الأشراف بالكوفة يخرجون إلى ظاهرها يتناشدون الأشعار، ويتحدثون ويتذكرون أيام الناس، فوقف عمرو إلى جانب خالدين الصقعب النهدي، فأقبل عليه يحدثه ويقول: أغرت على بني نهد فخرجوا إلي مسترعفين بخالد بن الصقعب يقدمهم، فطعنته طعنة فوقع، وضربته بالصمصامة حتى فاضت نفسه ! فقال له الرجل: يا أبا ثور إن مقتولك الذي تحدثه. فقال: اللهم غفراً إنما أنت محدث فاسمع، إنما نتحدث بمثل هذا وأشباهه لنرهب هذه المعدية. قال محمد بن سلام: وقال يونس: أبت العرب إلا ان عمراً كان يكذب. قال: وقلت لخلف الأحمر وكان مولى الأشعريين، وكان يتعصب لليمانية، أكان عمرو يكذب؟ قال: كان يكذب باللسان، ويصدق بالفعال.


أخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة : أن سعداً كتب إلى عمر ضي الله عنه يثني على عمرو بن معد يكرب، فسأله عمر عن سعد فقال: هولنا كالأب أعرابي في نمرته ، أسد في تامورته ، يقسم بالسوية، ويعدل في القضية، وينفرد في السرية، وينقل إلينا حقنا كما تنقل الذرة فقال عمر رضوان الله عليه: لشد ما تقارضتما الثناء .


أخبرني الحسن بن علي قال حدثنا الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن بكير بن مسمار عن زياد مولى سعد قال: سمعت سعداً يقول وبلغه أن عمرو بن معد يكرب وقع في الخمر، وأنه قد دله. فقال: لقد كان له موطن صالح يوم القادسية، عظيم الغناء، شديد النكاية للعدو. فقيل له: فقيس بن مكشوح؟ فقال: هذا أبذل لنفسه من قيس، وإن قيساً لشجاع.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة. ونسخت هذا الخبر من رواية ابن الكلبي خاصة: حدثني أسعر بن عمرو بن جرير، عن خالد بن قطن قال: حدثني من شهد موت عمرو بن معد يكرب، والرواية قريبة، وحكايتا عمر بن شبة وابن قتيبة عن أنفسهما ولم يتجاوزاها، قالا: كانت مغازي العرب إذ ذاك الري ودستبى ، فخرج عمرو مع شباب من مذحج حتى نزل الخان الذي دون روذة، فتغدى القوم ثم ناموا، وقام كل رجل منهم لقضاء حاجته، وكان عمرو إذا أراد الحاجة لم يحجترىء أحد أن يدعوه وإن أبطأ، فقالم الناس للرحيل وترحلوا إلا من كان في الخان الذي فيه عمرو، فلما أبطأ صحنا به: يا أبا ثور. فلم يجبنا وسمعنا علزا شديداً، ومراساً في الموضع الذي دخله، وقصدناه فإذا به محمرةعيناه، مائلاً شدقه مفلوجاً، فحملناه على فرس وأمرنا غلاماً شديد الذراع فارتدفه ليعدل ميله، فمات بروذة ودفن على قارعة الطريق.
فقالت امرأته الجعفية ترثيه:

لقد غادر الركب الذين تحمـلـوا

 

بروذة شخصاً لاضعيفاً ولا غمرا

فقل لزبيد بل لمذحـج كـلـهـا

 

فقدتم أبا ثور سنانكـم عـمـرا

فإن تجزعوا لايغن ذلك عنـكـم

 

ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا

والبيات العينية التي فيها الغناء، وبها افتتح ذكر عمرو ، يقولها في أخته ريحانة بنت معد يكرب لما سباهاالصمة بن بكر، وكان اغار على بني زبيد في قيس فاستاق أموالهم وسبى ريحانة، وانهزمت زبيد بين يديه، وتبعه عمرو وأخوه عبد الله ابنا معد يكرب، ثم رجع عبد الله واتبعه عمرو.


فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام أن عمراً اتبعه يناشده أن يخلي عنها، فلم يفعل، فلما يئس منها ولى وهي تناديه بأعلى صوتها: ياعمرو! فلم يقدر على انتزاعها، وقال:

أمن ريحانة الداعي السمـيع

 

يؤرقني وأصحابي هجـوع

سباها الصمة الجشمي غصباً

 

كأن بياض غرتهـا صـديع

وحالت دونها فرسان قـيس

 

نكشف عن سواعدها الذروع

إذا لم تستطع شـيئاً فـدعـه

 

وجاوزه إلى ما تستـطـيع

وزاد الناس في هذا الشعر وغنى فيه:

وكيف أحب من لا أستطـيع

 

ومن هو للذي أهوى منـوع

ومن قد لامني فيه صديقـي

 

وأهلي ثـم كـلا لاأطـيع

ومن لو أظهر البغضاء نحوي

 

أتانى قابض الموت السريع

فدى لهم معاً عمي وخـالـي

 

وشرخ شبابهم إن لم يطيعوا

وقد أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي: وأما قصة ريحانة فإن عمرو بن معد يكرب تزوج امرأة من مراد، وذهب مغيراً قبل أن يدخل بها، فلما قدمأخبر أنه قد ظهر بها وضح-وهو داء تحذره العرب-فطلقها وتزوجها رجل آخر من بني مازن بن ربيعة، وبلغ ذلكعمراً وأن الذي قيل فيها باطل، فأخذ يشب بها، فقال قصيدته وهي طويلة:

أمن ريحانة الداعي السميع

 

يؤرقني وأصحابي هجوع

وكان عبد الله بن معد يكرب، اخو عمرو، رئيس بني زبيد، فجلس مع بني مازن في شرب منهم . فتعنى عنده حبشي عبد للمخزم، احد بني مازن، في امرأة من بني زبيد، فلطمه عبد الله وقال له: اما كفاك أن تشرب معنا حتى تشبب بالنساء؟ فنادى الحبشي: يا آل بني مازن! فقاموا إلى عبد الله فقتلوه، وكان الحبشي عبداً للمخزم، فرئس عمرو مكان اخيه، وكان عمرو غزا هو وأبي المرادي فأصابوا غنائم، فادعى ابي أنه قد كان مسانداً، فأبى عمرو أن يعطيه شيئاً، وكره أبي أن يكون بينهما شر، لحداثة قتل أبيه، فأمسك عنه. وبلغ عمراً أنه توعده، فقال عمرو في ذلك قصيدة له أولها:

أعاذل شكتي بدني ورمحي

 

وكل مقلص سلس القـياد

أعاذل إنما أفنى شـبـابـي

 

وأقرح عاتقي ثقل النجـاد

تمناني لـيلـقـانـي أبـي

 

وددت وأينما منـي ودادي

ولولاقيتني ومعي سلاحـي

 

تكشف شحم قلبك عن سواد

أريد حباءه ويريد قـتـلـي

 

عذيرك من خليلك من مراد

وتمام هذه الأبيات:

تمناني وسابـغـتـي دلاص

 

كان قتيرها حدق الـجـراد

وسيفي كان من عهد ابن صد

 

تخيره الفتى من قـوم عـاد

ورمحي العنبري تخال فـيه

 

سناناً مثل مقبـاس الـزنـاد

وعجلزة يزل اللبد عـنـهـا

 

أمر سراتها حلق الـجـياد

إذا ضربت سمعت لها أزيزاً

 

كوقع القطر في الأدم الجلاد

إذاً لوجدت خالك غير نكـس

 

ولا متعلما قتـل الـوحـاد

يقلب للأمور شر نـبـثـات

 

بأظفار مغـارزهـا حـداد

لابن سريج في الأول والثاني ثاني ثقيل بالبنصر، ولابن محرز في السادس والخامس ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى الوسطى، وفي الرابع والخامس والسادس لحن للهذلي من رواية يونس.


وهذا البيت الخامس كان علي بن أبي طالب عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم تمثل به أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا حيان بن بشر قال عن حمزة الزيات قال: كان علي عليه السلام إذا نظر إلى ابن ملجم قال:

أريد حباءه ويريد قـتـلـي

 

عذيرك من خليلك من مراد

حدثني العباس بن علي بن العباس، ومحمد بن خلف وكيع قالا: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: كان علي بن أبي طالب إذا أعطى الناس فرأى ابن ملجم قال:

أريد حباءه ويريد قـتـلـي

 

عذيرك من خليلك من مراد

حدثني محمد بن الحسن الأشناني قال: حدثنا فطر بن خليفة عن ابي الطفيل عامر بن واثلة ، والأصبغ بن نباتة قال: قال علي عليه السلام: ما يحبس أشقاها ؟ والذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا.


بايعه، ثم قال: ما يحبس أشقاها؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا. ثم تمثل بهذين البيتين:

اشدد حيا زيمك للموت

 

فإن المـوت يأتـيك

ولاتجزع من القـتـل

 

إذا حـل بــواديك

رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو

قال: وجاءت بنو مازن إلى عمرو فقالوا: إن أخاك قتله رجل من سفيه وهو سكران، ونحن يدك وعضدك، فنسألك الرحم وإلا أخذت الدية ما أحببت! فهم عمرو بذلك. وقال:

إحدى يدي أصابتني ولم ترد

فبلغ ذلك أختاً لعمرو يقال لها كبشة، وكانت ناكحاً في بني الحارث بن كعب، فغضبت، فلما وافى الناس من الموسم قالت شعراً تعير عمراً:

أرسل عبد اللـه إذ حـان يومـه

 

إلى قومه لاتعقلوا لـهـم دمـي

ولا تأخذوا منهم إفـالاً وأبـكـراً

 

وأترك في بيت بصعدةمظـلـم

ودع عنك عمراً إن عمراً مسالـم

 

وهل بطن عمرو غير شبرلمطعم

فإن أنتم لم تقـبـلـوا واتـديتـم

 

فمشوا بآذان النعام المـصـلـم

أيقتل عبد الـلـه سـيد قـومـه

 

بنو مازن أن سب راعى المخزم

فقال عمرو قصيدة له عند ذلك يقول فيها:

أرقت وأمسيت لا أرقـد

 

وساورني الموجع الأسود

وبت لذكري بني مـازن

 

كأني مرتـفـق أرمـد

فيه لحن من خفيف الثقيل الأول بالوسطى، نسبه يحيى المكي إلى ابن محرز، وذكر الهشامي أنه منحول. ثم أكب على بني مازن وهم غارون فقتلهم، وقال في ذلك شعراً:

خذوا حققاً مخطمة صفايا

 

وكيدي يا مخزم أن أكـيدا

قتلتم سادتي وتركتمـونـي

 

على أكتافكم عبثاً جـديدا

فمن يأبى من الأقوام نصرا

 

ويتركنا فإنـا لـن نـريدا

وأرادت بنو مازن أن ترد عليهم الدية لما آذنهم بحرب، فأبى عمرو، وكانت بنو مازن من اعداء مذحج، وكان عبد الله أخا كبشة لأبيها وأمها دون عمرو، وكان عمرو قد هم بالكف عنهم حين قتل من قتل منهم، فركبت كبشة في نساء من قومها وتركت عمراً أخاها وعيرته فأحمته، فأكب عليهم أيضاً بالقتل، فلما أكثر فيهم القتل تفرقوا، فلحقت بنو مازن بصاحبهم بتميم، ولحقت ناشرة بني أسد، وهم رهط الصقعب بن الصحصح، ولحقت فالج بسليم بن منصور. وفالج وناشرة ابنا أ نمار بن مازن بن ربيعة بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة، وأمهما هند بنت عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. فقال كابية بن حرقوص بن مازن:

ياليلتي ما ليلتي بـالـبـلـدة

 

ردت علي نجومها فارتـدت

من كان أسرع في تفرق فالج

 

فلبونه جربت معاً وأغـدت

هلا كنا شرة الذي ضيعـتـم

 

كالغصن في غلوائه المتنبت

وقال عمرو في ذلك:

تمنت مازن جهلاً خلاطـي

 

فذاقت مازن طعم الخلاط

أطلت فراطكم عاماً فعامـاً

 

ودين المذحجي إلى رفراط

أطلت فراطكم حتى إذا مـا

 

قتلت سراتكم كانت قطـاط

غدرتم غدرة وغدرت أخرى

 

فما إن بيننـا أبـداً يعـاط

أخبرني الحسين بن يحيى قال: قال حماد: قرأت على أبي قال المدائني: حدثني رجل من قريش قال: كنا عند فلان القرشي فجاءه رجل بجارة فعنته:

بالله ياظبي بني الـحـارث

 

هل من وفى بالعهد كالناكث

وغنته أيضاً بغناء ابن سريج:

يا طول ليلي وبت لم أنـم

 

وسادى الهم مبطن سقمي

فأعجبته واستام مولاها، فاشتط عليه فأبى شراءها، وأعجبت الجارية بالفتى، فلما امتنع مولاها من البيعإلا بشطط قال القرشي: فلا حاجة لنا في جارتك. فلما قامت الجارية للانصراف رفعت صوتهاتغني وتقول:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه

 

وجاوزه إلى ماتستطيع

قال: فقال الفتى القرشي: أفأنا لاأستطيع شراءك، والله لأشترينك بما بلغت.


قالت الجارية: فذاك أردت. قال القرشي: إذا لأجبتك. وابتاعها من ساعته. والله أعلم.

بالله ياظبي بني الـحـارث

 

هل من وفى بالعهد كالناكث

لاتخدعني بالمنـى بـاطـلا

 

وأنت بي تلعب كالعـابـث

عروضه من السريع، الشعر لعمر بن أبي ربيعة، والغناء لابن سريج، رمل بالبنصر، وفيه لسياط خفيف ثقيل أول بالوسطى، وفيه لإبراهيم الموصلي لحن من رواية بدل. ومنها:

يا طول لـيلـي وبـت لـم أنـم

 

وسادي الهم مبطـن سـقـمـي

إذ قمت ليلاً على البـلاط فـأب

 

صرت ربيباً فـلـيت لـم أقـم

فقلت عوجي تخـبـري خـبـراً

 

وأنت منه كصاحـب الـحـلـم

قالت بل أخشى العيون إذ حضرت

 

حولى وقلي مـبـاشـر الألـم

عروضه من المنسرح . والشعر والغناء لابن سريج، رمل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق.


مناظر محمد بن العباس الصولي وعلي بن الهيثم في حضرة المأمون وذكر محمد بن الفضل الهاشمي قال حدثنا أبي قال: كان المأمون قد أطلق لأصحابه الكلام والمناظرة في مجلسه، فناظر بين يديه محمد بن العباس الصولي علي بن الهيثم جونقاً في الإمامة، فتقلدها أحدهما ودفعها الآخر، فلجت المناظرة بينهما إلى أن نبط محمد عليا فقال له علي: إنما تكلمت بلسان غيرك، ولو كنت في غير هذا المجلس لسمعت أكثر مما قلت! فغضب المأمون وأنكر على محمد ما قاله وما كان منه من سوء الأدب بحضرته، ونهض عن فرشه ونهض الجلساء فخرجوا، وأراد محمد الآنصراف فمنعه علي بن صالح صاحب المصلى، وهو إذ ذاك يحجب المأمون، وقال: أفعلت ما فعلت بحضرة أمير المؤمنين ونهض على الحال التي رأيت، ثم تنصرف بغير إذن، اجلس حتى تعرف رأيه فيك. وامر بأن يجلس. قال: ومكث المأمون ساعة فجلس على سريره، وأمر بالجلساء فردوا إليه، فدخل إليه علي بن صالح فعرفه ما كان من قول علي بن محمد في الانصراف، وما كان من منعه إياه، فقال: دعه ينصرف إلى لعنة الله. فانصرف، وقال المأمون لجلسائه: أتدرون لم دخلت إلى النساء في هذا الوقت؟ قالوا: لا.قال: إنه لما كان من امر هذاالجاهل ما كان لم آمن فلتات الغضب، وله بنا حرمة، فدخلت إلى النساء فعابثتهن حتى سكن غضبي.


قال: وما مضى محمد عن وجهه إلا إلى طاهر، فسأله الركوب إلى المأمون، وأن يستوهبه جرمه، فقال طاهر: ليس هذا من أوقاتي، وقد كتب إلي خليفتي في الدار انه قد دعا بالجلساء. فقال: أكره أن أبيت ليلة وأمير المؤمنين علي ساخط. فلم يزل به حتى ركب طاهر معه، فأذن له فدخل ومجير الخادم واقف على رأس المأمون، فلما بصر المأمون بطاهر أخذ منديلاً فمسح به عينيه مرتين أو ثلاثاً، إلى أن وصل إليه وحرك شفتيه بشيء أنكره طاهر، ثم دنا فسلم، فرد السلام وأمره بالجلوس فجلس في موضعه، فسأله عن مجيئه في غير وقته، فعرفهالخبر واستوهبه ذنب محمد، فوهبه له وانصرف؛ وعرف محمداً ذلك. ثم دعا بهارون بن خنعويه، وكان شيخاً خراسانيا داهية ثقة عنده، فذكر له فعل المأمون وقال له: الق كاتب مجير والطف له، واضمن له عشرةآلاف درهم على تعريفك ما قاله المأمون ففعل ذلك ولطف له، فعرفه أنه لما رأى طاهراً دمعت عيماه وترحم على محمد الأمين، ومسح دمعه بالمنديل، فلما عرف ذلك طاهر ركب من وقته إلى أحمد بن أبي خالد الأحول- وكان طاهرلا يركب إلى أحد من أصحاب المأمون، وكلهم يركب إليه-فقال له: جئتك لتوليني خراسان وتحتال لي فيها. وكان أحمد يتولى فض الخرائط بين يدي المامون، وغسان بن عباد يتولى إ ذاك خراسان، فقال له أحمد: هلا أقمت بمنزلك وبعثت إلي حتى أصير إليك ولا يشهر الخبر فيما تريده بما ليس من عادتك، لأن المأمون يعلم أنك لاتركب إلى أحد من اصحابه، وسيبلغه هذا فينكره، فاتصرف وأغض عن هذا الأمر وأمهلني مدة حتى أحتال لك. ولبث مدة، وزور ابن أبي خالد كتاباً عن غسان بن عباد إلى المأمون، يذكر فيه أنه عليل وانه لا يامن على نفسه، ويسأل أن يستخلف غيره على خراسان، وجعله في خريطة وفضها بين يدي المأمون، في خرائط وردت عليه، فلما قرأ على المأمون الكتاب اغتم به وقال له: ما ترى؟ فقال: لعل هذه علة عارضة تزول، وسيرد بعد هذا غيره فيرى حينئذ أمير المؤمنين رأيه. ثم امسك أياماً وكتب كتاباً آخر ودسه في الخرائط، يذكر فيه انه تناهى في العلة إلى مالايرجو معه نفسه، فلما قرأه المأمون قلق وقال: با أحمد، إنه لا مدفع لأمر خراسان فما ترى؟ فقال: هذا رأي إن أشرت فيه بما أرى فلم أصب لم أستقبله، وأمير المؤمنين أعلم بخدمه ومن يصلح بخراسان منهم. قال: فجعل المأمون يسمي رجالاً ويطعن أحمد على واحد واحد منهم، إلى أن قال: فما ترى في الأعور؟ قال: إن كان عند أحد قيام بهذا الأمر ونهوض فيه فعنده. فدعا به المامون فعقد له على خراسان، وأمره أن يعسكر، فعسكر بباب خراسان. ثم تعقب الرأي فعلم أنه قد أخطأ، فتوقف عن أمضائه وخشي أن يوحش طاهراً بنقضه، فمضى شهر تام وطاهر مقيم بمعسكره. ثم إن المأمون في السحر من ليلة أحد وثلاثين يوماً من عقده له، عقد اللواء لطاهر ظاهراً، وأمر بإحضار مخارق المغني، فأحضر وقد صلى المأمون الغداة مع طلوع الفجر، فقال: يا مخارق، أتغني.

إذا لم تستطع شيئاً فـدعـه

 

وجاوزه إلى ما تستطـيع

وكيف تريد أن تدعى حكيماً

 

وأنت لكل ماتهوى تبـوع

 قال: نعم.قال: هاته. فغماه فقال: ما صنعت شيئاً، فهل تعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال نعم، علويه الأعسر. فأمر بإحضاره فكأنه كان وراء الستر، فأمره أن يغنيه، فغناه واحتفل فقال : ما صنعت شيئاًأتعرف من يقوله أحسن مما تقوله؟ قال: نعم عمرو بن بانة شيخنا. فامر بإحضاره فدخل في مقدار دخول علويه، فأمر بأن يغنيه الصوت، فغناه فأحسن فقال: أحسنت ماشئت ، هكذا ينبغي أن يقال. ثم قال: يا غلام اسقني رطلاً واسق صاحبيه رطلاً رطلاً. ثم دعا له بعشرة آلاف درهم، وخلعة ثلاثة أثواب، ثم أمره بإعادته، فأعاده فرد القول الذي قاله، وأمر له بمثل ما أمر، حتى فعل ذلك عشراً، وحصل لعمرو مائة ألف درهم وثلاثون ثوباً، ودخل المؤذنون فأذنوه بالظهر، فعقد إصبعه الوسطى بإبهامه وقال: برق يمان، برق يمان. وكذلك كان يفعل إذا أراد أن ينصرف من بحضرته من الجلساء. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، قد أنعمت علي واحسنت إلي، فإن رأيت أن تأذن لي في مقاسمة أخوى ما وصل إلي فقد حضراه؟ فقال: ما احسن ما استمحت لهما، بل نعطيهما نحن ولا نلحقهما بك. وأمر لكل واحد بمثل نصف جائزة عمرو، وبكر إلى طاهر فرحله، فلما ثنى عنان دابته منصرفاً دنا منه حميد الطوسي فقال: اطرح على ذنبه تراباً. فقال: اخسأ يا كلب! ونفذ طاهر لوجهه، وقدم غسان بن عباد فسأله عن علته وسببها، فحلف له أنه لم يكن عليلاً، ولا كتب بشيء في هذا. فعلم المأمون أن طاهراً احتال عليه بابن أبي خالد، وأمسك على ذلك. فلما كان بعد مدة من مقدم طاهر إلى خراسان قطع الدعاء للمأمون على المنبر يوم الجمعة، فقال له عون بن مجاشع بن مسعدة صاحب البريد: لم تدع في هذه الجمعة لأمير المؤمنين؟ فقال: سهو وقع فلا تكتب به. وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية، وقال لعون: لاتكتب به، وفعله في الجمعة الثالثة فقال له عون: إن كتب التجار لاتنقطع من بغداد، وإن اتصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيرنا لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي. فقال: اكتب بما أحببت. فكتب إلى المأمون بالخبر، فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال: إنه لم يذهب علي احتيالك علي في أمر طاهر، وتمويهك له، وانا أعطى الله عهداً لئن لم تشخص حتى توافيني به كما أخرجته من قبضتي وتصلح ما أفسدته علي من أمر ملكي لأبيدن غضراءك فشخص أحمد وجعل يتلوم في الطريق ، ويقول لأصحاب البرد : اكتبوا بخبر علة أجدها. فلما وصل الري لقيته الأخبار ووافاه رسل طلحة بن طاهر بوفاة طاهر، فأغد السير حتى قدم خراسان، فلقيه طلحة على حد غفله فقال له أحمد: لاتكلمين ولا ترني وجهك فإن أباك عرضني للعطب وزوال النعمة، مع احتيالي له وسعي كان في محبته. فقال له: أبي قد مضى لسبيله ولو ادركته لما خرج عن طاعتك، وأما أنا فأحلف لك بكل ما تسكن به نفسك وأبذل كل ما عندي من مال وغيره، فاضمن له عني حسن الطاعة، وضبط الناحية، والإخلاص في النصيحة. فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون، وأشار بتقليده، فأنفذ المأمون إليه اللواء والخلع والعهد، وانصرف أحمد إلى مدينة السلام.


أخبرني وكيع قال حدثني هارون بن محمد بن عبد لالملك الزيات قال: حدثني حماد بن غسحاق عن ابيه قال: مدح ابن هرمة رجلاً من قريش فلم يثبه، فقال له ابن عم له: لا تفعل، فإنه شاعر مفوه. فلم يقبل منه، فقال فيه الن هرمة:

فهلا إذا عجزت عن المعالي

 

وعما يفعل الرجل القـريع

أخذت برأي عمرووحين ذكى

 

وشب لناره الشرف الرفيع

إذا لم تستطع شـيئاً فـدعـه

 

وجاوزه إلى ما تستـطـيع

ومما قاله عمرو بن معد يكرب في ريحانة أخته، وغني فيه، قوله:

هاج لك الشوق من ريحانة الطربا

 

إذ فارقتك وأمست دارها غربـا

ما زلت أحبس يوم البين راحلتـي

 

حتى استمروا وأذرت دمعها سربا

حتى ترفع بالحزان يركـضـهـا

 

مثل المهاة مرته الريح فاضطربا

والغانيات يقتـلـن الـرجـال إذا

 

ضرجن بالزعفران الريط والنقبا

من كل آنسة لـم يغـذهـا عـدم

 

ولا تشد لشيء صوتها صخـبـا

إن الغواني قد أهلكنـنـي وأرى

 

حبالهن ضعيفات القـوى كـذبـا

غنى في هذا الشعر ابن سريج خفيف ثقيل من رواية حماد، وفيه رمل نسبه حبش إليه أيضاً. وقال الأصمعي: هذا الشعر لسهل بن الحنظلية الغنوي ثم الضبيني ثم الجابري، وهو جابر بن ضبينة.


قال أبو الفرج الأصبهاني: وسهل بن الحنظلية أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمن وقد روى عنه حديثاً كثيراً.


فذكر الأصمعي أن السبب في قوله هذا الشعر أنه اجتمع ناس من العرب بعكاظ، منهم قرة بن هبيرة القشيري، في سنين تتابعت على الناس، فتواعدوا وتوافقوا أن لا يتغوروا حتى يخصب الناس ثم قالوا: ابعثوا إلى المنتشر بن وهب الباهلي ثم الوائلي فليشهد أمرنا، ولنخله معنا. فأتاهم فأعلموه ما صنعوه، قال: فما يأكل قومي إلى ذاك؟ فقال له ابن جارم الضبي : إنك لهناك يا أخا باهلة؟ قال: أما أنا فالغسل والنساء علي حرام حتى آكل من قمع إبلك . فتفرقوا ولم يكن إلا ذلك. وقال ابن جارم للمنتشر عند قوله: استك أضيق من ذاك! فاغار المنتشر على ابن جارم، فلما رآه ابن جارم رمى بنفسه في وجار ضبع، وأطرد المنتشر إله ورعاءها، فقال سهل في ذلك:

هاج لك الشوق من ريحانة الطربا

في قصيدة طويلة له حسنة. وقال في ذلك أعشى باهلة:

فدى لك نفسي إذ تركت ابن جارم

 

أجب السنام بعد ما كان مصعبـا

وقال المخبل في ذلك:

إن قشيراً مـن لـقـاح ابـن جـارم

 

كغاسلة حيضاً وليسـت بـطـاهـر

وأنـبـأ تـمـانـي أن قـرة آمــن

 

فناك أبـاه مـن مـجـير وخـافـر

فلا توكلوها الباهـلـي وتـقـعـدوا

 

لدى غرض أرميكـم بـالـنـواقـر

إذا هي حلت بالذهـاب وذي حـسـى

 

وراحت خفاف الوطء حوس الخواطر

أخبرنا أحمد بن عمار قال أخبرني يعقوب بن إسرائيل، قال حدثني فعنب بن المحرز قال أخبرنا الهيثم بن عدي عن ابن عياش عن محمد بن المنتشر قال: أخبرني من شهد الأشعث بن قيس وعمرو بن معد يكربوقد تنازعا في شيء، فقال عمرو للأشعث: نحن قتلناأباك ونكنا أمك! فقال سعد: قوما أف لكما! فقال الأشعث لعمرو: والله لأضرطنك. فقال: كلا إنها عزوز موثقة .

قال جرير بن عبد الله البجلي: فأخذت بيد الأشعث فنترته فوقع على وجهه، ثم أخذت بيد عمرو فجذبته فما تحلحل والله، لكانما حركت أسطوانة القصر.

وقال أبو عبيدة: قدم عمرو بن معد يكرب والأجلح بن وقاص الفهمي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتياه وبين يديه مال يوزن، فقال: متى قدمتما؟ قالا: يوم الخميس. قال: فما حبسكما؟ قالا: شغلنا بالمنول يوم قدمنا، ثم كانت الجمعة، ثم غدونا عليك اليوم. فلما فرغ من وزن المال نحاه، ثم أقبل عليهما فقال: هيه! فقالعمرو: يا أمير المؤمنين، هذا الأجلح بين وقاص، شديد المرة، بعيد الفرة، وشيك الكرة، والله ما رأيت مثله من الرجال صارعاً ومصروعاً، والله لكأنه لايموت! فقال عمر للأجاح بن وقاص، وأقبل عليه: هيه. قال: وانا أعرف الغضب في وجهه، فقلت: يا أمير المؤمنين؛ الناس صالحون كثير نسلهم، دارة أرزاقهم، خصب نباتهم، أجرياء على عدوهم، جبان عدوهم عنهم، صالحون بصلاح إمامهم، والله ما رأينا ملك من تقدمك، فنستمتع الله بك.

فقال: ما منعك أن تقول في صاحبك مثل الذي قال فيك؟ منعني ما رأيت في وجهك. قال: قد أصبت أما لوقلت له مثل الذي قال لك لأوجعتكما عقوبة، فإن تركتك لنفسك فسوف أتركه لك، والله لوددت لو سلمت لكم حالكم هذه أبدا، اما إنه سيأتي عليك يوم تعضه وينهشك، وتهره وينبحك، ولست له يومئذ وليس لك، فإن لم يكن بعهدكم فما أقربه منكم . قال أبو عبيدة: حدثنا يونس وأبو الخطاب قالا: لما كان يوم القادسية أصاب المسلمون أسلحة وتيجاناً ومناطق ورقابا فبلغت مالا عظيماً، فعزل سعد الخمس ثم فض البقية، فأصاب الفارس ستةآلاف، والرجل ألفان، فبقي مال دثر . فكتب إلى عمر رضي الله عنه بما فعل، فكتب إلبه أن رد على المسملمين الخمس، واعط من لحق بك ممن لم يشهدالواقعة. ففعل فأجراهممجرى من شهد، وكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه أن فض ما بقي على حملة القرآن. فأتاه عمرو بن معدي يكربفقال: ما معك من كتاب الله تعالى؟ فقال: إني أسلمت باليمن، ثم غزوت فشغلت عنحفظ القرآن. قال:مالك في هذا المال نصيب.

قال: وأتاه بشر بن ربيعة الخثعمي، صاحل جبانة بشر فقال: مامعك من كتاب الله ؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم. فضحك القوم منه ولم يعطه شيئاً، فقال عمرو في ذلك:  

إذا قتلنا ولا يبكي لـنـا أحـد

 

قالت قريش ألا تلك المقادير

نعطى السوية من طعن له نفذ

 

ولا سوية إذ تعطى الدنانـير

وقال بشر بن ربيعة:

أنخت بباب القادسية ناقتـي

 

وسعد بن وقاص علي أمير

وسعد أمير شره دون خـيره

 

وخير أمير بالعراق جـرير

وعند أمير المؤمنين نوافـل

 

وعند المثنى فضة وحـرير

تذكر هداك الله ةوقع سيوفنا

 

بباب قديس والمكرعسـير

عشية ود القوم لو أن بعضهم

 

يعار جناحي طائر فيطـير

إذا ما فرغنا من قراع كتيبة

 

دلفنا لأخرى كالجبال تسـير

ترى القوم فيها واجمين كأنهم

 

جمال بأحمال لهـن زفـير

فكتب سعد إلى عمر رضي الله تعالى عنه بما قال لهما وما ردا عليه، وبالقصيدتين، فكتب أن أعطهماعلى بلائهما. فأعطى كل واحد منهما ألفي درهم.


قال: وحدثني أبو حفص السلمي قال: كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي : إن في جندك عمرو بن معد يكرب، وطلحة بن خويلد الأسدي، فإذا حضر الناس فأدنهما وشاورهما وابعثما في الطلائع، وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعها حيث وضعا أنفسها. يعني بذلك ارتدادهما، وكان عمرو ارتد وطليحة تنبأ.


قال: وحدثنا أبو حفص السلمي قال: عرض سلمان بن ربيعة جنده بأرمينية، فجعل لا يقبل إلا عتيقاً، فمر به عمرو بن معد يكرب بفرس غليظ، فقال سلمان: هذا هجين: فقال عمرو: والهجين يعرف الجهين! فبلغ عمر رضى الله تعالى عنه قوله فكتب إليه: أما فإنك القاتل لأميرك ما قلت، وإنه بلغني أعندك سيفاً تسميه الصمصامة، وعندي سيف أسميه مصمما ، وأقسم لئن وضعته بين أذنيك لاأقله حتى يبلغ قحفك ، وكتب إلى سلمان يلومه في حلمه عنه.


قال: وزعموا أن عمراً شهد فتح اليرموك، وفتح القادسية، وفتح نهاوند مع النعمان بن مقرن المزني، وكتب عمر إلى النعمان: إن في جندك رجلين: عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد الأسدي من بني قعين، فأحضرهما الحرب وشاورهما في الأمر، ولا تولهما عملاً. والسلام.

خليلي هبا طالما قد رقدتـمـا

 

أجدكما الاتقضيان كراكـمـا

سأبكيكما طول الحياة وما الذي

 

يرد على ذي لوعة إن بكاكما

ويروي: ذي عولة.


الشعر لقس بن ساعدة الإيادي، فيما أخبرنا به محمد بن العباس اليزيدي في خبر أنا ذاكره هاهنا.


وذكر يعقوب بن السكيت أنه لعيسى بن قدامة الأسدي .


وذكر العتبي أنه لرجل من بني عامر بن صعصعة، يقال له الحسن بن الحارث. والغناء لهاشم بن سليمان، ثقيل أول بالوسطى عن عمرو.


هو قس بن ساعدة بن عمرو- وقيل مكان عمرو شمر- بن عدي بن مالك بن أيدعان بن النمر بن واثلة بن الطمثان بن زيد مناة بن يقدم بن أفص بن دعمي بن إياد. خطب العرب وساعرها، وحليمها وحكيمها في عصره.


يقال: إنه أول من علا على شرف وخطب عليه. وأول من قال في كلامه: أما بعد، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا.


وأدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، ورآه بعكاظ فكان يأثر عنه كلاماً سمعه منه، وسئل عنه فقال: يحشر أمه واحدة.


وقد سمعت خبره من جهات عدة، إلا أنه لم يحضرني وقت كتبت هذا الخبر غيره، وهو وإن لم يكن من أقواها على مذهب أهل الحديث إسناداً، فهو من اتمها.


أخبرني محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أبو شعيب صالح بن عمران قال: حدثني عمر بن عبد الرحمن بن حفص النسائي قال: حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثني الحسن بن علد الله قال: حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما قدم وفد إياد على النبي صالى الله عليه وسلم قال: ما فعل قس بن ساعدة؟ قالوا: مات يارسول الله. قال:" كاني أنظر إليه بوسق عكاظ على جمل له أورق وهويتكل بكلام عليه حلاوة ما أجدني أحفظه". فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا رسول الله قال: كيف سمعته يقول؟ قال سمعته يقول: أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج، وسماء ذات أبراج، بحار تزخر، ونجوم تزهر ، وضوء وظلام، وبر وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب. مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا. وإله قس بن ساعدة ما على وجه الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه، وأدرككم أوانه، فطوبى لمن أدركه فاتبعه، وويل لمن خالفه. ثم أنشأ يقول:

في الـذاهـبـين الأولـي

 

ن من القرون لنا بصـائر

لمــا رأيت مـــوارداً

 

للموت ليس لها مصـادر

ورأيت قومي نـحـوهـا

 

يمضي الأصاغر والأكابر

أيقـنـت أنـي لامـحـا

 

لة حيث صار القوم صائر

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يرحم الله قسا، إني لأرجو أن يبعث يوم القيامة أمة وحدة .


فقال رجل يا رسول الله: لقد رأيت من قس عجباً. قال: وما رأيت؟ قال: بينا أنا بجبل يال له سمعان في يوم شديد الحر، إذا أنا بقس بن ساعدة تحت ظل شجرة عند عين ماء، وعنده سباع، كلما زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده وقال: كف حتى يشرب الذي ورد قبلك. قال: ففرقت ، فقال: لاتخف. وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد، فقلتله: ماهذا القبران؟ قال هذان قبرا أخوين كانا لي فماتا، فتخذت بينهما مسجداً أعبد الله جل وعز فيه حتى ألحق بهما. ثم ذكر أيامهما فبكى، ثم أنشأ يقول:

خليلي هبا طالما قد رقدتـمـا

 

أجدكما الاتقضيان كراكـمـا

ألم تعلما أني بسمعان مفـرد

 

ومالي فيه من حبيب سواكما

أقيم على قبريكما لست بارحاً

 

طوال الليالي أو يجيب صداما

كأنكما والموت أقرب غـاية

 

بجسمي في قبريكما قد أتاكما

فلو جعلت نفس لنفس وقـاية

 

لجدت بنفسي أن تكون فداكما

فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يرحم الله قساً".


أما الحكاية عن يعقوب بن السكيت أن الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي فأخبرني بها علي بن سليمان الأخفش، عن السكوني قال: قال يعقوب بن السكيت: قال عيسلى بن قدامة الأسدي، وكان قدم قاسان ، وكان له نديمان فماتا، وكان يجيء فيجلس عند القبرين، وهما براوند ، في موضع يقال له خزاق، فيشرب ويصب على القبرين حتى يقضي وطره، ثم ينصرف وينشد وهو يشرب:

خليلي هبا طـالـمـا قـدرقـدتـمـا

 

أجدكمـا لاتـقـضـيان كـراكـمـا

ألم تعلـمـا مـالـي بـروانـد هـذه

 

ولا بخـزاق مـن نـديم سـوامـكـا

مقيم على قبريكمـا لـسـت بـارحـا

 

طوال الليالي أو يجـيب صـداكـمـا

جرى الموت مجرى اللحم والعظم منكما

 

كأن الذي يسقي العقار سـقـاكـمـا

تحمل من يهوى الـقـفـول وغـادروا

 

أخالكما أشجاه ما قـد شـجـاكـمـا

فأي أخ يجفـر أخـاً بـعـد مـوتـه

 

فلست الذي من بعد موت جفـاكـمـا

أصب على قبـريكـمـا مـن مـدامة

 

فإلا تذوقا أرو مـنـهـا ثـراكـمـا

أناديكما كيما تـجـيبـا وتـنـطـقـا

 

وليس مجاباً صوته مـن دعـاكـمـا

أمن طول نوم لاتـجـبـيبـان داعـياً

 

خليلي ما هذا الـذي قـد دهـاكـمـا

قضـيت بـأنـي لامـحـالة هـالـك

 

وأني سعيروني الذي قد عـراكـمـا

سأبكيكما طـول الـحـياة ومـا الـذي

 

يرد على ذي عـولة إن بـكـاكـمـا

وأخبرني ابن عمار أبو العباس أحمد بن عبيد الله بخير هؤلاء، عن أحمد بن يحيى اللاذري قال: حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجهه الحجاج إلى الديلم، وكانوا يتنادمون لايخالطون غيرهم، فإنهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه، وكانا يشربان عند قبره،فإذا بلغه الكأس هراقاها على قبره وبكيا. ثم إن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جانب صاحبه، وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصب الكأس على الذي يليه ثم على الآخر وبكي، وقال فيهما:

نديمي هبا طالما قد رقدتما

وذكر بعض الأبيات التي تقدم ذكرها. وقال مكان برواند هذه: بقزوين، وسائر الخبر نحو ما ذكرناه. قال ابن عمار: فقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء. وذكرالعتبي عن أبيه أن الشعر للحزين بن الحارث، أحد بني عامر بن صعصعة، وكان أحد نديميه من بني أسد والآخر من بني حنيفة، فلما مات أحدهما كان يشرب ويصب على قبره ويقول.

لاتصرف هامة من كأسها

 

واسقه الخمر وإن كان قبر

كان حراً فهوى فيمن هوى

 

كل عود ذي شعوب ينكسر

قال: ثم مات الآخر فكان يشرب عند قبريهما وينشد:

خليلي هبا طالما قد رقدتما

الأبيات: قال: ثم قالت له كاهنة: إنك لاتموت حتى تنهشك حية في شجرة بوادي كذا وكذا. فورد ذلك الوادي في سفر له وسأل عنه فعرفه، وقد كان خط في أصل شجرة ، ومد رجله عليها، فنهشته حية فأنشأ يقول:

خليلي هذا حيث رمسي فعرجـا

 

علي فإني نـازل فـمـعـرس

لبست رداء العيش أحوى أجرهال

 

عيشات حتى لم يكن فيه ملبـس

تركت خبائي حيث أرسى عمـاده

 

علي، وهذا مرمسي حيث أرمس

أحتفي الذي لابد أنـك قـاتـلـي

 

هلم فما في غابر العيش منفـس

أبعد نديمي الـلـذين بـعـاقـل

 

بكيتهما حولاً مـدى أتـوجـس