الجزء الخامس عشر - ذكر ادم بن عبد العزيز وأخباره

ذكر ادم بن عبد العزيز وأخباره

آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.


وأمه أم عاصم بنت سفيان بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أيضاً.


وهو أحد من من عليه أبو العباس السفاح من بني أمية لما قتل من وجد منهم.


وكان آدم في أول أمره خليعاً ماجناً منهمكاً في الشراب، ثم نسك بعد ما عمر، ومات على طريقة محمود.


وأخبرني الحسين بن علي عن أحمد بن سعيد الدمشقي، عن الزبير بين بكار عن عمه: أن المهدي أنشد هذه الأبيات وعنى فيها بحضرته:

أنت دعها وارج أخرى

 

من رحيق السلسبـيل

فسئل عن قائلها فقيل آدم بن عبد العزيز بن عرو بن عبد العزيز، فدعا به فقال له: ويلك تزندقت؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ومتى رأيت قرشياً تزندق؟ والمحنة في هذا إليك ، ولكنه طرب غلبني، وشعر طفح على قلبي في حال الحداثة فنطقت به. فخلى سبيله.


قال: وكان المهدي يحبه ويكرمه، لظرفه وطيب نفسه.


وروي هذا الخبر عن مصعب الزبيري وإسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: كان آدم بن عبد العزيز يشرب الخمر ويفرط في المجون، وكان شاعراً، فأخذه المهدي فضربه ثلثمائة سوط على أن يقر بالزندقة، فقال: والله ما أشركت با لله طرفة عين، ومتى رأيت قرشياً تزندق؟ قال: فأين قولك:

اسقني واسق غصينا

 

لا تبع بالنقد دينـا

اسقنيها مزة الطـع

 

م تريك الشين زينا

في هذين البيتين لعمرو بن بانة ثاني ثقيل بالوسطى، ولإبراهيم هزج بالبنصر-.
قال: فقال لئن كنت ذاك فما هو مما يشهد على قاتله بالزندقة. قال: فأين قولك:

اسقني واسق خليلـي

 

في مدى الليل الطويل

قهوة صهباء صرفـاً

 

سبيت من نهـر بـيل

لونها أصفـر صـاف

 

وهي كالمسك الفنـيل

في لسان المرء منهـا

 

مثل طعم الزنجبـيل

ريحها ينفسح منـهـا

 

ساطعاً من رأس ميل

من ينل منهـا ثـلاثـاً

 

ينس منهاج السـبـيل

فمتى ما نال خمـسـاً

 

تركته كـالـقـتـيل

ليس يدري حين ذاكـم

 

ما دبير مـن قـبـيل

إن سمعي عن كلام ال

 

لائمي فيها الثـقـيل

لشديد الـوفـر، إنـي

 

غير مطـواع ذلـيل

قل لمن يلحاك فـيهـا

 

من فقـيه أو نـبـيل

أنت دعها وارج أخرى

 

من رحيق السلسبـيل

نعطش اليوم ونسقـى

 

في غد نعت الطلـول

فقال: كنت فتى من فتيان قريش، أشرب النبيذ وأقول ما قلت على سبيل المجون، والله ما كفرت با لله قط، ولا شككت فيه. فخلى سبيله ورق له.


قال مصعب: وهو الذي يقول:

اسقني يا معاوية

 

سبعة أو ثمانية

اسقنيها وغننـي

 

قبل أخذ الزبانيه

اسقنيهـا مـدامةً

 

مزة الطعم صافية

ثم من لامنا علي-ها فذاك ابن زانيه فيه خفيف رمل بالبنصر ينسب إلى أحمد بن المكي، وإلى حكم الوادي.
قال: وآدم الذي يقول:

أقول وراعني إيوان كسـرى

 

برأس معان أو أدروسـفـان

وأبصرت البغال مربـطـات

 

به من بعد أزمـنة حـسـان

يعز على ابي ساسان كسـرى

 

بموقفكن في هذا الـمـكـان

شربت على تذكر عيش كسرى

 

شراباً لونه كالـزعـفـران

ورحت كأنني كسرى إذا مـا

 

علاه التاج يوم المهـرجـان

قال وهو الذي يقول:

أحبـك حـبـين لـي واحـد

 

وآخـر انـك أهـل لــذاك

فأما الذي هو حيب الطـبـاع

 

فشيء خصصت به عن سواك

وأما الذي هو حب الجـمـال

 

فلست أرى ذاك حتـى أراك

ولست أمـن بـهـذا عـلـيك

 

لك المن فـي ذا وهـذا وذاك

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثني عمي عن فليح بن سليمان قال: مررنا يوماً مع خالصة في موكبها، فوقفت على آدم بن عبد العزيز فقالت: يا أخي طلبت منا حاجةً فرفعناها لك إلى السيدة وأمرت بها وهي في الديوان، فساء ظنك بها فقعدت عن تنجزها. قال: فموه لها عذراً اعتذر به فوقفت عن الموكب حتى مضت، ثم قلت له: أخملت نفسك، والله ما أحسب أنه حبسك عنها إلا الشراب، أنت ترى الناس يركضون خلفها وهي ترف عليك لحاجتك . فقال: والله هو ذاك، إذا أصبحت فكل كسرةً ولو بملح، وافتح دنك فإن كان حامضاً دبغ معدتك، وإن كان حلواً خرطك ، وإن كان مدركاً فهو الذي أردت. قلت: لا بارك الله عليك. ومضيت، ثم أقلع بعد ذلك وتاب. فاستأذن يوماً على يعقوب بن الربيع وأنا عنده فقال يعقوب: ارفعوا الشراب فإن هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يراه. فرفع وأذن له، فلما دخل قال: (إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون). قال يعقوب: هو الذي وجدت، ولكننا ظننا أن يثقل عليك لتركك الشراب. قال: إي والله، إنه ليثقل علي ذاك. قال: فهل قلت في ذلك شيءاً منذ تركته؟ قال قتل:

ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر

 

ليجـزيه يومـاً بـذلـك قــادر

شربت فلمـا قـيل لـيس ينـازع

 

نزعت وثوبي من أذى اللوم طاهر

أخبرني علي بن صالح بن الهيثم قال: حدثني أبو هفان عن إسحاق قال: كان مع المهدي رجل من أهل الموصل يقال له سليمان بن المختار، وكانت له لحية عظيمة، فذهب يوماً ليركب فوقعت لحيته تحت قدمه في الركاب فذهب عامتها، فقال آدم بن عبد العزيز قوله:

قد استوجب في الحكم

 

سليمان بن مختـار

بما طول من لحـي

 

ته جزا بمـنـشـار

أو السيف أو الحلـق

 

أو التحريق بالنـار

فقد صار بهـا أشـه

 

ر من رابة بيطـار

فقال: ثم أنشدها عمر بن بزيغ المهدي فضحك، وسارت الأبيات، فقال أسيد بن أسيد، وكان وافر اللحية: ينبغي لأمير المؤمنين أن يكف هذا الماجن عن الناس. فبلغت آدم بن عبد العزيز فقال:

لحية تمت وطالـت

 

لأسيد بـن أسـيد

كشراع من عبـاء

 

قطعت حبل الوريد

يعجب الناظر منها

 

من قريب وبعـيد

هي إن زادت قليلاً

 

قطعت حبل الوريد

وقال: وكان المهدي يدني آدم ويحبه ويقربه، وهو الذي قال لعبد الله بن علي لما أمر بقتله في بني أمية بنهر أبي فطرس : إن أبي لم يكن كابائهم، وقد علمت مذهبه فيكم. فقال: صدقت، وأطلقه. وكان طيب النفس متصوفا، ومات على توبة ومذهب جميل.

ألا ياصاح للعـجـب

 

دعوتك ثم لم تـجـب

إلى القـينـات والـذا

 

ت والصهباء والطرب

ومنهن التي تـبـلـت

 

فؤادك ثم لـم تـتـب

الشعر ليزيد بن معاوية، يقوله للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام. والغناء لسائب خائر، خفيف رمل الوسطى عن حبش.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني المادائني قال: قدم سلم بن زياد على يزيد فنادمه، فقال له ليلةً: ألا أوليك خراسان؟ قال: بل وسجستان. فعقد له في ليلته فقال:

اسقني شربةً فرو عظامي

 

ثم عد واسق مثلها ابن زياد

موضع السر والأمانة مني

 

وعلى ثغر مغنمي وجعادي

قال: ولما رجع في خلافة أبيه جلس بالمدينة على شراب، فاستأذن عليه عبد الله بن العباس، والحسين بن علي، فأمر بشرابه فرفع وقيل له: إن ابن عباس إن وجد ريح شرابك عرفه. فحجبه وأذن للحسين، فلما دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال: لله در طيبك هذا ما أطيبه، وما كنت أحسب أحداً يتقدما في صنعة الطيب، فما هذا يا ابن معاوية؟ فقال: يا أبا عبد الله، هذا طيب يصنع لنا بلشأم. ثم دعا بقدح فشربه، ثم دعا بقدح آخر فقال: اسق أبا عبد الله ياغلام. فقال الحسين: عليك شرابك أيها المرء، لا عين عليك مني. فشرب وقال:

ألا يا صاح للعـجـب

 

دعوتك ثم لم تـجـب

إلى القينـات والـلـذا

 

ت والصهباء والطرب

وبـاطـية مـكـلـلة

 

عليها سادة الـعـرب

وفيهن التي تـبـلـت

 

فؤادك ثم لـم تـتـب

فوثب الحسين عليه السلام وقال: بل فؤادك يا ابن معاوية!.

أأن نادى هديلاً يوم فـلـج

 

مع الإشراق في فنن حمام

ظللت كأن دمعك در سلك

 

وهي خيطاً وأسلمه النظام

تموت تشوقاً طوراً وتحـيا

 

وأنت جدير أنك مستهـام

كأنك من تذكر أم عمـرو

 

وحبل وصالها خلق رمـام

سلام الله يا مطر علـيهـا

 

وليس عليك يا مطر السلام

فإن يكن النكاح أحل انثـى

 

فإن نكاحها مطراً حـرام

ولاغفر إلا له لمنكحـيهـا

 

ذنوبهم وإن صلوا أو ساموا

فطلقها فلست لها بكـفء

 

وإلا عض مفرقك الحسام

الشعر للأحوص، والغناء لمعبد من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالبنصر في مجرى الوسطى. ولإبراهيم الموصلي في الأربعة الأبيات الأول ثاني ثقيل أول بالسبابة في مجرى البنصر.


أخبرني الحرمي قال: حدثنا الزبير قال: حدثني محمد بن ثابت بن إبراهيم بن خلاد الأنصاري قال: حدثني أبو عبد الله بن سعد الأنصاري قال: قدم الأحواص البصرة فخطب إلى رجل من تميم ابنته، وذكر له نسبه، فقال: هات لي شاهداً واحداً يشهد أنك ابن حمي الدبر وأزوجك. فجاءه بمن شهد له على ذلك، فزوجه إياها، وشرطت عليه ألا يمنعها من أحد من أهلها، فخرج إلى المدينة وكانت أختها عند رجل من بني تميم قريباً من طريقهم، فقالت له: اعدل بي إلى أختي. ففعل، فذبحت لهم وأكرمتهم، وكانت من أحسن الناس، وكان زوجها في إبله، فقالت زوجة الأحوص له: أقم حتى يأتي. فلما أمسوا راح مع إبله ورعائه، وراحت غنمه فراح من ذلك أمر كثير . وكان يمسى مطراً، فلما رآه الأحوص ازدراه واقتحمته عينه، وكان قبيحاً دميماً ، فقالت له زوجته: قم إلى سلفك وسلم عليه. فقال وأشار إلى أخت زوجته بإصبعه:

سلام الله يامطر علـيهـا

 

وليس عليك يامطر السلام

وذكر الأبيات وأشار إلى مطر بإصبعه، فوثب إليه مطر وبنوه، وكاد الأمر يتفاقم حتى حجز بينهم .


قال الزبير: قال محمد بن ثابت: أبو عبد الله بن سعد الذي حدث بهذا الحديث، امه بنت الأحوص، وأمها التميمية أخت زوجة مطر.
وأخبرنا الحسين بن يحيى قال: حدثنا حماد عن أبيه، أن امرأة الأحوص التي تزوجها، إحدى بني سعد بن زيد مناه بن تيمم. وذكر باقي القصيدة، وهو قوله:

كأنك من تذكر أم عـمـرو

 

وحبل وصالها خلق رمـام

صريع مدامة علبت علـيه

 

تموت لها المفاصل والعظام

وأني من بلادك أم عمـرو

 

سقى داراً تحل بها الغمـام

تحل النعف من أحد وأدنـى

 

مساكنها الشبيكة أو سـنـام

فلو لم ينكحـوا إلا كـفـيا

 

لكان كفيها الملك الهـمـام

أخبرني الحسين قال: قال حماد: قرأت على أبي: حدثنا ابن كناسة قال: مر بنا أشعب ونحن جماعة في المجلس، فأتى جار لنا صاحب جوار يقال له أبان بن سليمان، وعليه رداء خلق، قد بدا منه ظهره وبه آثار، فسلم علينا فرددنا عليه السلام، فلما مضى قال بعض القوم: مدني مجلود! فأراه سمعها أو سمعها رجل يمشي معه فأخبره، فلما انصرف وانتهى إلى المجلس قال:

سلام الله يا مطر علـيهـا

 

وليس عليك يا مطر السلام

فقلت للقوم: أنتم والله مطر. ومثل ما جرى في هذا الخبر من قوله في المرأة، خبر له آخر شبيه به مع ابن حزم.


أخبرني الحرمي قال: حدثنا محمد بن فضالة، عن جميع بن يعقوب قال: خطب أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، بنت عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، إلى أخيها معمر بن عبد الله فزوجه إياها، فقال الأحوص أبياناً وقال لفتى من بني عمرو بن عرف: أنشدها معمر بن عبد الله في مجلسه ولك هذه الجبة. فقال الفتى: نعم. فجاءه وهو في مجلسه فقال:

يا معمر يا ابن زيد حين تنكحها

 

وتستبد بأمر الغي والـرشـد

فقال: كان ذلك الرجل غائباً. فقال الفتى:

أما تذكرت صيفيا فتـحـفـظـه

 

أو عاصماً أو قتيل الشعب من أحد

قال: ما فعلت ولا تذكرت. فقال الفتى:

أكنت تجهل حزماً حين تنكحهـا

 

أم خفت،لا زلت فيها جائع الكبد

قال معمر: لم أجهل حزماً. فقال الفتى:

أبعد صهر بني الخطاب تجعلهم

 

صهراً وبعد بني العوام من أسد

فقال معمر: قد كان ذلك. فقال الفتى:

هبها سليلة خيل غير مـقـرفة

 

مظلومة حبست للعير في الجدد

قال: نعم أعانها الله وصبرها. فقال الفتى:

فكل ما نالنا من عار منكحها

 

شوى إذا فارقته وهي لم تلد

قال: نعم إلى الله عز وجل في ذلك الرغبة.


قال الزبير: أما قوله صهر بني الخطاب فإن جميلة بنت أبي الأقلح كانت عند عمر بن الخطاب، فولدت له عاصم بن عمرو. وأما صهر بني العلوم فإن نهيسة بنت النعمان بن عبد الله بن أبي عقبة، كانت عند يحيى بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، فولدت له أبا بكر ومحمداً.


أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير قال: حدثني مصعب قال: قال الهدير: كرهت أم جعفر أصواتاً من الغناء القديم، فأرسلت لها رسولاً يلقيها في البحر، ثم غنتها جارية بعد ذلك:

سلام الله يا مطر علـيهـا

 

وليس عليك يا مطر السلام

فقالت: هذا أرسلوا به رسولاً مفرداً إلى دهلك ليلقيه في البحر خاصة. قال: والذي حمل أم جعفر على هذا التطير على ابنها محمد بن الأمين من هذه الأصوات، أيام محاربته المأمون فمنها قوله:

كليب لعمري كان أكثر ناصراً

 

وأيسر جرماً منك ضرج بالدم

ومنها قوله:

هم قتلوه كي يكونوا مـكـانـه

 

كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه

ومنها قوله:

رأيت زهيراً تحت كلكل خالد

 

فأقبلت أسعى كالعجول أبادر

ومنها قوله:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعـضـنـا

 

حنانيك بعض الشرأهون من بعض

مضى الحديث.

وكنا كند ماني جذيمة حـقـبةً

 

من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

فلما تفرقنا كأنـي ومـالـكـاً

 

لطول اجتماع لم نبت ليلةً معاً

الشعر لمتمم بن نويرة، يرثي أخاه مالكاً. والغناء لسياط.