الجزء السادس عشر - أخبار النعمان بن بشير ونسبه

أخبار النعمان بن بشير ونسبه

هو النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج. وأمه عمرة بنت رواحة، وأخت عبد الله بن رواحة، والتي يقول فيها قيس بن الخطيم:

أجد بعمرة غنـيانـهـا

 

فتهجر أم شاننا شانهـا

وعمرة من سروات النسا

 

ء تنفح بالمسك أردانهـا

وله صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه بشير بن سعد. وكان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه آخر، ليشهد معه غزوة له فيما قيل، فاستصغرهما فردهما.


وأبوه بشير بن سعد أول من قالم يوم السقيفة من الأنصار إلى أبي بكر رضي الله عنه فبايعه، ثم توالت الأنصار فبايعته. وشهد بشير بيعة العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، واستشهد يوم عين التمر مع خالد بن الوليد.


وكان النعمان عثمانياً، وشهد مع معاوية صفين، ولم يكن معه من الأنصار غيره، وكان كريماً عليه، رفيعاً عنده وعند يزيد ابنه بعده، وعمر إلى خلافة مروان بن الحكم، وكان يتولى حمص. فلما بويع لمروان، دعا إلى ابن الزبير، وخالف على مروان، وذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط. فلم يجبه أهل حمص إلى ذلك.


فهرب منهم، وتبعوه فأدركوه فقتلوه، وذلك في سنة خمس وستين.


ويقال إن النعمان بن بشير أول مولود ولد بالمدينة بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها. وقد قيل ذلك في عبد الله بن الزبير، إلا أن النعمان أول مولود ولد بعد مقدمه عليه السلام من النصار، روى ذلك عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.
وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً.


حدثني أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قال حدثني أبو بكر بن أبي شبية، قال: حدثنا عباد بن العوام، عن الحصين، عن الشعبي، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت أمي عمرة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله فقال: ابني من عمرة أعطيته عطية فأمرتني أن أشهدك. فقال: أعطيت كل ولدك مثل هذا؟ قال: لا فقال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم.


أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثنا محمد بن سعيد، قال: حدثنا العمري، عن الهيثم بن عدي، عن مجالد، عن الشعبي، قال: أمر معاوية لأهل الكوفة بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم، وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير، وكان عثمانياً، وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي عليه السلام. فأبى النعمان أن ينفذها لهم. فكلموه وسألوه بالله، فأبى أن يفعل. وكان إذا خطب على المنبر أكثر قراءة القرآن. وكان يقول: لا ترون على منبركم هذا أحداً بعدي يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصعد المنبر يوماً فقال: يا أهل الكوفة. فصاحوا : ننشدك الله والزيادة. فقال: اسكتوا. فلما أكثروا قال: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب: فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وجاره، فنادياه: أبا الحسل. فقال: سميعا دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال: في بيته يؤتي الحكم. قالت الضبع: إني حللت عيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت ثمرة. قال: طيباًلقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حر انتصر. قالت: فاقض بيننا. قال: قد فعلت. قال: حدث امرأة حديثين، فإن أبت فعشرة .
فقال عبد الله بن همام السلولي:

زيادتنا نعمان لا تحـبـسـنـهـا

 

خف الله فينا والكتاب الذي تتلـو

فإنك قد حمـلـت مـنـا أمـانة

 

بما عجزت عنه الصلاخمة البزل

فلا يك باب الشر تحسن فتـحـه

 

وباب الندى والخيرات له قـفـل

وقد نلت سلطاناً عظيماً فلا يكـن

 

لغيرك جمات الندى ولك البخـل

وأنت امرؤ حلو اللسان بـلـيغـه

 

فما باله عند الـزيادة لا يحـلـو

وقبلك قد كانـوا عـلـينـا أئمة

 

يهمهم تقويمنـا وهـم عـصـل

إذا نصبوا للقول قالوا فأحسـنـوا

 

ولكن حسن القول خالفه الفعـل

يذمون دنياهم وهم يرضعونـهـا

 

أفاويق حتى ما يدر لهم ثـعـل

فيا معشر الأنصار إني أخـوكـم

 

وإني لمعروفٍ أنى منكـم أهـل

ومن أجل إيواء النبي ونـصـره

 

يحبكم قلبي وغـيركـم الأصـل

فقال النعمان بن بشير: لا عليه ألا يتقرب ، فوالله لا أجيزها ولا أنفذها أبداً.


أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الأصمعي ، قال: حدثني شيخ قديم من اهل المدينة. وأخبرني إسماعيل بن يونس الشيعي، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا أبو غسان، عن أبي السائب المخزومي. وأخبرني الحسين بن يحيى المرداسي عن حماد بن إسحاق عن أبيه، قال: ذكر لي عن جعفر بن محرز الدوسي قال: دخل النعمان بن بشير المدينة في أيام يزيد بن معاوية وابن الزبير، فقال: والله لقد أخفقت أذناي من الغناء، فأسمعوني. فقيل له: لو وجهت إلى عزة الميلاء، فإنها من قد عرفت. فقال: إي ورب الكعبة، وإنها لمعن تزيد النفس طيباً، والعقل شحذاً. ابعثوا إليها عن رسالتي، فإن أبت صرت إليها. فقال له بعض القوم: إن النقلة تشتد عليها، لثقل بدنها، وما بالمدينة دابة تحملها. فقال النعمان بن بشير: وأين النجائب عليها الهوادج؟ فوجه إليها بنجب، فذكرت علة. فلما عاد الرسول إلى النعمان قال لجليسه: أنت كنت أخبر بها، قوموا بنا. فقام هو مع خواص أصحابه حتى طرقوها. فأذنت وأكرمت واعتذرت، فقبل النعمان عذرها، وقال لها: غني، فغنت:

أجد بعمرة غنـيانـهـا

 

فتهجر أم شاننا شانهـا

وعمرة من سروات النسا

 

ء تنفح بالمسك أردانهـا

قال: فأشير إليها أنها أمه، فأمسكت. فقال: غني، فوالله ما ذكرت إلا كرماً وطيباً، ولا تغني سائر اليوم غيره. فلم تزل تغنيه هذا اللحن فقط حتى انصرف.


قال إسحاق: فتذكروا هذا الحديث عند الهيثم بن عدي، فقال: ألا أزيدكم فيه طريفة؟ فقلنا: بلى، يا أبا عبد الرحمن. فقال: قال لقيط ونحن عند سعيد الزبيري ، قال عامر الشعبي: اشتاق النعمان بن بشير إلى الغناء، فصار إلى منزل عزة الميلاء، فلما انصرف إذا امرأة بالباب منتظرة له. فلما خرج شكت إليه كثرة غشيان زوجها إياها، فقال النعمان: لأفضين بينكما بقضية لا ترد علي، قد أحل الله له من النساء أربعاً: مثنى، وثلاث، ورباع، له مرتان بالنهار، ومرتان بالليل. أخبرني محمد بن الحسن بن دريد، قال حدثني عمي، عن العباس بن هشام ، عن أبيه؛ وأخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الكلبي . وأخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عدي، قالوا: خرج أعشى همدان إلى الشام في ولاية مروان بن الحكم، فلم ينل فيها حظاً؛ فجاء إلى النعمان بن بشير وهو عامل على حمص، فشكا إليه حاله. فكلم له النعمان اليمانية، وقال لهم: هذا شاعر اليمن ولسانها، واستماحهم له. فقالوا: نعم، يعطيه كل واحد منا دينارين من عطائه. فقال: أعطه ديناراً، واجعلوا ذلك معجلاً. فقالوا له: أعطه إياه من بيت المال، واحتسب ذلك على كل رجل من عطائه. ففعل النعمان ذلك، وكانوا عشرين ألفاً، فأعطاه عشرين ألف دينار، وارتجعا متهم عند العطاء. فقال الأعشى يمدح النعمان:

ولم أر للحاجات عند التماسهـا

 

كنعمان نعمان الندى ابن بشـير

إذا قال أوفى ما يقول ولم يكـن

 

كمدلٍ إلى الأقوام حبل غـرور

متى أكفر النعمان لا ألف شاكراً

 

وما خير من لا يقتدي بشكـور

فلو لا أخو الأنصار كنت كنازل

 

ثوى ماثوى لم ينقلب بنـقـير

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وحبيب بن نصر المهلبي قاللا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا يحيى الزبيري قال حدثني ابن أبي زريق، قال: شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية، فقال:

رمل هل تذكرين يوم غـزال

 

إذ قطعنا مسيرنا بالتـمـنـي

لإذ تقولين عمرك الله هل شيء

 

وإن جل سوف يسليك عنـي

أم هل اطمعت منكم يا بن حسا

 

ن كما قد أراك أطمعت مني

فبلغ ذلك يزيد بن معاوية، فغضب ودخل على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب، يتهكم بأعراضنا، ويشبب بنسائنا؟ فقال: ومن هو؟ قال: عبد الرحمن بن حسان. وأنشده ما قال.


فقال: يا يزيد؛ ليس العقوبة من أحد أقبح منها بذوي القدرة، ولكن أمهل حتى يقدم وفد الأنصار، ثم أذكرني به. فلما قدموا أذكره به. فلما دخلوا، قال: يا عبد الرحمن، ألم يبلغني أنك شببت برملة بنت أمير المؤمنين؟ قال: بلى، ولو عملت أن أحداً أشرف لشعري منها لذكرته. فقال: فأين أنت عن اختها هند؟ قال: وإن لها لأختاً يقال لها هند؟ قال: نعم. وإنما أراد معاوية أن يشبب بهما جميعاً، فيكذب نفسه. قال: فلم يرضى يزيد ما كان من معاوية في ذلك، فأرسل إلى كعب بن الجعيل، فقال: اهج الأنصار. فقال: أفرق من أمير المؤمنين، ولكن أدلك على هذا الشاعر الكافر الماهر الأخطل. قال: فدعاه، فقال له: أهج الأنصار. فقال: أفرق من امير المؤمنين. قال: لا تخف شيئاً، أنا بذلك لك. فهجاهم، فقال:

وإذا نسبت ابن الفريعة خلتـه

 

كالجحش بين حمارة وحمار

لعن الإله من اليهود عصـابة

 

بالجزع بين صليصل وصدار

قوم إذا هدر العصير رأيتهـم

 

حمرا عيونهم من المسطـار

خلو المكارم لستم من أهلهـا

 

وخذوا مساحيكم بني النجـار

إن الفوارس يعرفون ظهوركم

 

أولاد كل مـقـبـح أكـار

ذهبت قريش بالمكارم والعلا

 

واللؤم تحت عمائم الأنصـار

فبلغ ذلك النعمان بن بشير، فدخل على معاوية، فحسر عمامته عن رأسه، وقال: يا امير المؤمنين، أترى لؤماً؟ قال: بل أرى كرماً وخيراً. قما ذاك؟ قال: زعم الأخطل أن اللؤم تحت عمائم الأنصار. قال: أو فعل ذلك؟ قال: نعم. قال لك لسانه. وكتب فيه أن يؤتي به. فلما أتى به، سأل الرسول أن يدخله إلى يزيد أولاً، فأدخله عليه. فقال له: هذا الذي كنت أخاف. قال: لا تخف شيئاً. ودخل إلى معاوية، فقال: علام أرسل إلى هذا الرجل الذي يمدحنا، ويرمي من وراء جمرتنا ؟ قال: هجا الأنصار. قال: ومن زعم ذلك؟ قال: النعمان بن بشير. قال: لا تقبل قوله عليه، وهو المدعى لنفسه، ولكن تدعوه بالبينة، فإن أثبت شيئاً أخذت به له. فدعاه بالبينة، فلم يأت بها، فخلى سبيله، فقال الأخطل:

وإني غداة استعبرت أم مالـك

 

لراض من السلطان أن يتهددا

ولولا يزيد ابن الملوك وسعيه

 

تجللت حد بارا من الشر أنكدا

فكم أنقذتني من خطوب حـبـالـه

 

وخرساء لو يرمى بها الفيل بلـدا

ودافع عني يوم جـلـق غـمـرة

 

وهما ينسيني الشراب الـمـبـردا

وبات نجيا فـي دمـشـق لـحـيةٍ

 

إذاا هم لم ينم السلـيم وأقـصـدا

يخافته طـوراً، وطـوراً إذا رأى

 

من الوجه إقبـالاً ألـح وأجـهـدا

أبا خالد دافعت عـنـي عـظـيمة

 

وأدركت لحمي قبـل أن يتـبـددا

وأطفأت عني نار نعمان بـعـدمـا

 

أغـذ لأمـر فـاجـر وتـجـردا

ولما رأى النعمان دوني ابن حـرة

 

طوى الكشح إذ لم يستطعني وعردا

لما أمر يزيد بن معاوية كعب بن الجعيل بهجاء الأنصار، قال له: أرادي أنت إلى الكفر بعد الإسلام؟ أأهجو قوماً آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه؟! قال: أما إذ كنت غير فاعل فأرشدني إلى من يفعل ذلك. قال: غلام منا خبيث الدين نصراني، فدله على الأخطل.


أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة عن أبي الخطاب، قال: لما كثر الهجاء بين عبد الرحمن بن حسان بن ثابت وعبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي، وتفاحشا، كتب معاوية إلى سعيد بن العاصي وهو عامله على المدينة، أن يجلد كل واحد منهما مئة سوط، وكان ابن حسان صديقاً لسعيد، وما مدح أحداً غيره قط، فكره أن يضربه أو يضرب ابن عمه، فأمسك عنهما. ثم ولي مروان. فلما قدم أخذ ابن حسان فضربه مئة سوط، ولم يضرب أخاه. فكتب ابن حسان إلى النعمان بن بشير وهو بالشام، وكان كبيراً أثيراً مكيناً عند معاوية:

ليت شعري أغائب ليس بالشـا

 

م خليلي أم راقـد نـعـمـان

أية ما يكن فقد يرجـع الـغـا

 

ئب يوماً ويوقظ الـوسـنـان

إن عمراً وعـامـراً أبـوينـا

 

وحراماً قدما على العهد كانوا

أفهم ما نعـوك أم قـلة الـك

 

تاب أم أنت عاتب غضـبـان

أم جفاء أم أعوزتك القراطـي

 

س أم امري به عليك هـوان

يوم أنبئت أن ساقـي رضـت

 

وأتتكم بـذلـك الـركـبـان

ثم قالوا إن ابن عمك في بـل

 

وى أمور أتى بها الحـدثـان

فنسيت الأرحام والود والصـح

 

بة فيما أتـت بـه الأزمـان

إنما الرمح فاعلـمـن قـنـاة

 

أو كبعض العيدان لو لا السنان

وهي قصيدة طويلة. فدخل النعمان بن بشير على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أمرت سعيداً بأن يضرب ابن حسان وابن الحكم مئة مئة، فلم يفعل، ثم وليت أخاه، فضرب ابن حسان ولم يضرب أخاه: قال. فتريد ماذا ؟ قال: أن تكتب إليه بمثل ما كتبت به إلى سعيد. فكتب معاوية إليه يعزم عليه أن يضرب أخاه مئة. فضربه خمسين، وبعث إلى ابن حسان بحلة، وسأله أن يعفو عن خمسين. ففعل، وقال لأهل المدينة: إنما ضربني حد الحر مئة، وضربه حد العبد خمسين. فشاعت هذه الكلمة حتى بلغت ابن الحكم. فجاء إلى أخيه فأخبره، وقال: لا حاجة لي فيما عفا عنه ابن حسان. فبعث إليه مروان: لا حاجة لنا فيما تركت، فهلم فاقتص من صاحبك. فحضر فضربه مروان خمسين أخرى.


أخبرني الحسن بن علي، قال: أخبرنا أحمد بن الخحارث، قال: حدثنا المدائني، عن يعقوب بن دواد الثقفي ومعاوية بن محارب : أن معاوية تزوج امرأة من كلب، فقال لا مرأته ميسون أم يزيد بن معاوية: ادخلي فانظري إلى ابنة عمك هذه . فأتتها فنظرت إليها، ثم رجعت فقالت: ما رأيت مثلها، ولقد رأيت خالاً تحت سرتها ليوضعن تحت مكانهفي حجرها رأس زوجها. فنطير من ذلك، فطلقها، فتزوجها حبيب بن مسلمة، ثم طلقها، فتزوجها النعمان بن بشير، فلما قتل وضعوا رأسه في حجرها.


قالوا: وكان النعمان بن بشير لما قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط، في خلافة مروان بن الحكم، أراد أن يهرب من حمص، وكان عاملاً عليها، فخالف ودعا لابن الزبير، فطلبه أهل حمص، فقتلوه واحتزوا رأسه. فقالت امرأته هذه الكلبية: ألقوا رأسه في حجري، فأنا أحق به. فألقوه في حجرها، فضمته إلى جسده، وكفنته ودفنته.


أخبرني هاشم بن محمد أبو دلف الخزاعي، قال: حدثنا أبو غسان دماذ، قال: حدثنا أبو عبيدة، فقال: نظر معاوية إلى رجل في مجلسه، فراقه حسناً وشارة وجسماً، فاستنطقه فوجده سديداً. فقال له: ممن أنت؟ قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام، فاجعلني حيث شئت يا أمير المؤمنين. قال: عليك بهذه الأزد الطويلة العريضة، الكثر عددها، التي لا تمنع من دخل فيهم، ولا تبالي من خروج منهم. فغضب النعمان بن بشير، ووثب من بين يديه، وقال: أما والله أنك ما علمت لسيء المجالسة لجليسك، عاق بزورك ، قليل الرعاية لأهل الحرمة بك فأقسم عليه إلا جلس فجلس. فضحكه معاوية طويلاً، ثم قال له: إن قوماً أولهم غسان وآخرهم النصار، لكرام.


وسأله عن حوائجه، فقضاها حتى رضى.


نسخت من كتاب أبي سعيد السكري بخطه: أخبرنا ابن حبيب، قال: قال خالد بن كلثوم.


خرج النعمان بن بشير في ركب من قومه وهو يومئذ حديث السن، حتى نزلوا بأرض من الأردن يقال لها حفي ، وحاضرتها بنو القين. فأهدت لهم امرأة من بني القين يقال لها ليلى، هدية . فبينا القوم يتحدثون ويذكرون الشعراء، إذ قال بعضهم: يا نعمان هل قلت شعراً؟ قال: لا والله ما قلت، فقال شيخ من الحارث بن الخزرج يقال له ثابت بن سماك: لم تقل شعراً قط؟ قال: لا. قال: فأقسم عليك لتربطن إلى هذه الرحة، فلا تفارقها حتى يرتحل القوم، أو تقول شعراً. فقال عند ذلك، وهو أول شعر قاله:

يا خليلي ودعا دار لـيلـى

 

ليس مثلي يحل دار الهوان

إن قينية تحـل مـحـبـا

 

وحفيراً فجنبتي ترفـلان

لا تؤاتيك في المغيب إذا ما

 

حال من دونها فروع قنان

إن ليلى ولو كلفت بليلـى

 

عاقها عنك عائق غيروان

قال: وضرب الدهر على ذلك، وأتى عليه زمن طويل. ثم أن ليلى القينية قدمت عليه بعد ذلك، وهو أمير على حمص، فلما رأها عرفها فأنشأ يقول:

فإن أناسا زرتهم ثم حرمـوا

 

عليك دخول البيت غير كرام

واحسن صلتها، ورفدها طول مقامها، إلى أن رحلت عنه.


أخبرني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد، قال: حدثني محمد بن الحسن بن مسعود، عن أبيه، عن مشيخة من النصار، قال: حضرت وفود النصار باب معاوية بن أبي سفيان، فخرج إليهم حاجبه سعد أبو درة - وقد حجب بعده عبد الملك بن مروان- فقالوا له: استاذن للأنصار. فدخل إليه وعنده عمرو بن العاص، فاستأذن لهم. فقال لهم عمرو: ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ اردد القوم إلى أنسابهم. فقال معاوية: إني أخاف من ذلك الشنعة. فقال: هي كلمة تقولها، إن مضت عضتهم ونقصتهم، وإلا فهذا الاسم راجع إليهم. فقال له: اخرج فقل: من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فقالها الحاجب، فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار. فنظر معاوية إلى عمرو نظراً منكراً، فقال له: باعدت جداً. فقال: اخرج فقل: من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فقالها، فلم يدخل أحد. فقال له معاوية: أخرج فقل: من كان ههنا من الأنصار فليدخل. فخرج فقالها، فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير وهو يقول:

يا سعد لا تعد الدعاء فما لنـا

 

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لقـومـنـا

 

أثقل به نسباً على الكـفـار

إن الذين ثووا ببدر مـنـكـم

 

يوم القليب هم وقود الـنـار

فقال معاوية لعمرو: قد كنا أغنياء عن هذا .
والنعمان بن بشير: هو من المعروفين في الشعر سلفاً وخلفاً، جده شالعر، وأبوه شاعر، وعمه شاعر، وهو شاعر، وألاده وأولاد أولاده شعراء.
فأما جده سعد بن الحصين فهو القاتل.

إن كنت سائلة والحق مـعـتـبة

 

فالأزد نسبتنا والمـاء غـسـان

شم الأنوف لهم عز ومـكـرمة

 

كانت لهم من جبال الطود أركان

وعمه الحسين بن سعد أخو بشير بن سعد، القائل:

إذا لم أزلا إلا لآكـل أكـلة

 

فلا رفعت كفي إلي طعامي

فما أكلة إن نلتها بـغـنـيمة

 

ولا جوعة إن جعتها بغـرام

وأبوه بشير بن سعد الذي يقول :

لعمرة بالبطحاء بـين مـعـرفٍ

 

وبين المطاف مسكن ومحاضر

لعمري لحي بين دار مـزاحـم

 

وبين الجثا لا يجشم السير حاضر

وحي حلال لا يروع سربـهـم

 

لهم من وراء القاصيات زوافر

أحق بها مـن فـتـية وركـائب

 

يقطع عنها الليل عوج ضوامـر

تقول وتذري الدمع عن حر وجهها

 

لعلك نفسي قبل نفسـك بـاكـر

أباح لها بطريق فارس غـائطـا

 

لها من ذرا الجولان بقل وزاهر

فقربتها للرحل وهـي كـأنـهـا

 

ظليم نعامٍ بالـسـمـاوة نـافـر

فأوردتها ماء فما شـربـت بـه

 

سوى أنه قد بل منها المشـافـر

فباتت سراها ليلة ثـم عـرسـت

 

بيثرب والأعراب بادٍ وحـاضـر

قال خالد بن كلثوم: ودخل النعمان بن بشير على معاوية لما هجا الخطل الأنصار، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

معاوي إلا تعطنا الحق تعتـرف

 

لحى الزد مشدوداً عليها العمـائم

أيشتمنا عـبـد الأراقـم ضـلة

 

وماذا الذي تجدى عليك الأراقـم

فمالي ثأر غير قطع لـسـانـه

 

فدونك من يرضيه عنك الدراهم

وأرع رويداً لا تسـمـتـا دنـية

 

لعلك في غب الحـوادث نـادم

متى تلق منا عصبة خـزرجـية

 

أو الأوس يوماً تخترمك المخارم

وتلقك خيل كالقطا مسـبـطـرة

 

سماطيط أرسال عليها الشكـائم

يسومها العمران عمرو بن عامر

 

وعمران حتى تستباح المحـارم

ويبدو من الخود الغريرة حجلهـا

 

وتبيض من هول السيوف المقادم

فتطلب شعب الصدع بعد انفتاقـه

 

فتعيا به فالآن والأمـر سـالـم

وإلا فـبـزي لامة تـبـعــيه

 

مواريث آباني وأبـيض صـارم

وأجرد خوار العـنـان كـأنـه

 

بدومة موشي الذراعـين صـائم

وأسمر خطي كـن كـعـوبـه

 

نوى القسب فيها الهذمي ضبارم

فإن كنت لم تشهد ببـدر وقـيعة

 

أذلت قريشاً والأنـوف رواغـم

فسائل بناحي لؤي بـن غـالـب

 

وأنت بما تخفي من الأمر عالـم

ألم تبتدركم يوم بـدر سـيوفـنـا

 

وليلك عما ناب قـومـك نـائم

ضربناكم حتى تفرق جمعـكـم

 

وطارت أكف منكم وجمـاجـم

وعاذت على البيت الحرام عوانس

 

وأنت على خوفٍ عليك تـمـائم

وعضت قريش بالأنامل بغـضة

 

ومن قبل ما عضت علينا الأباهم

فكنا لها في كـل أمـر تـكـيده

 

مكان الشجا والأمر فيه تفـاقـم

فما إن رمى رام فأوهى صفاتنـا

 

ولا ضامنا يوماً من الدهر ضائم

وإني لأغضي عن أمور كثـيرة

 

سترقى بها يوماً إليك السـلالـم

أصانع فيها عبد شمس وانـنـي

 

لتلك التي في النفس مني أكاتـم

فلا تشتمنا يا بن حرب فـإنـمـا

 

ترقي إلى تلك الأمور الأشـائم

فما أنت والأمر الذي لست أهلـه

 

ولكن ولي الحق والأمر هاشـم

إليهم يصير الأمر بعد شـتـاتـه

 

فمن لك بالأمر الذي هـو لازم

بهم شرع الله الهدى واهتدى بهـم

 

ومنهم له هـادٍ إمـام وخـاتـم

قال: فلما بلغت هذه الأبيات معاوية، أمر بدفع الأخطل إليه، ليقطع لسانه. فاستجار ببزيد بن معاوية، فمنع منه وأرضوا النعمان، حتى رضى وكف عنه.


وقال عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه: لما ضرب مروان بن الحكم عبد الرحمن بن حسان الحد، ولم يضرب أخاه، حين تهاجيا وتقاذفا، كب عبد الرحمن إلى النعمان بن بشير يشتكي ذلك إليه، فدخل إلى معاوية وأنشأ يقول:

يا بن أبي سفيان ما مثلـنـا

 

جار عليه ملـك أو امـير

اذكر بنا مقدم أفـراسـنـا

 

بالحنو إذ أنت إلينا فـقـير

واذكر غداة الساعدي الـذي

 

آثركم بالأمر فيها بـشـير

واحذر عليهم مثل بدر فقـد

 

مر بكم يوم ببدر عـسـير

إن ابن حـسـان لـه ثـائر

 

فأعطه الحق تصح الصدور

ومثل أيام لـنـا شـتـتـت

 

ملكاً لكم أمرك فيها صغير

أما ترى الأزد وأشياعـهـا

 

نحوك خزراً كاظمات تزير

يطوف حولي منهم مـعـشـر

&nbnbsp;

إن صلت صالوا وهم لي نصير

يأبى لنا الضيم فـلا يعـتـلـي

 

عز مـنـيع وعـديد كـثـير

وعنصر في حـر جـر ثـومة

 

عادية تنتقل عنها الصـخـور

أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال: حدثني أحمد بن الهيثم الفراسي، قال: حدثني العمري، عن الهيثم بن عدي قال: حضرت الأنصار باب معاوية ومعهم النعمان بن بشير، فخرج إليهم سعد أبو درة، وكان حاجب معاوية، ثم حجب عبد الملك بن مروان، فقال: استأذن لنا. فدخل، فقال لمعاوية: الأنصار بالباب. فقال له عمرو بن العاص: ما هذا اللقب الذي قد جعلوه نسباً؟ أردهم إلى نسبهم. فقال معاوية: إن علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟ إنما هي كلمة مكان كلمة، ولا مرد لها. فقال له معاوية: اخرج فناد من بالباب من ولد عمرو بن عامر فيدخل. فخرج فنادى بذلك، فدخل من كان هناك منهم سوى الأنصار. فقال له: أخرج فناد من كان هههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فنادى ذلك، فوثب النعمان بن بشير، فأنشأ يقول:

يا سعد لا تعد الدعاء فما لنـا

 

نسب نجيب به سوى الأنصار

نسب تخيره الإله لقـومـنـا

 

أثقل به نسباً على الكـفـار

إن الذين ثووا ببدر مـنـكـم

 

يوم القليب هم وقود الـنـار

وقام مغضباً وانصرف. فبعث معاوية فرده، فترضاه وقضى حوائجه وحوائج من حضر معه من الأنصار.


ومن مخار شعر النعمان قوله، رواها خالد بن كلثوم، واخترت منها:

إذا ذكـرت أم الـــحـــويرث أخـــضـــلـــت

 

دمـوعـي عـلـى الـسـربـال أربـعة سـكــبـــا

كأنـي لـمـا فـرقـت بـينـــنـــا الـــنـــوى

 

أجـاور فـي الأغـلال تـغـلـب أو كـــلـــبـــا

وكـنـا كـمـاء الـعـين والـجــفـــن لا تـــرى

 

لواش بـغـى نـقـض الـهـوى بـينـنـــا إربـــا

فأمـسـى الـوشــاة غـــيروا ود بـــينـــنـــا

 

فلا صـلة تــرعـــى لـــدي ولا قـــربـــى

جرى بيننا سعي الوشاة فأصبحتكأني ولم أذنب جنيت لها ذنبا

 

 

فإن تصرميني تصرمي بي واصلا

 

لدي الـود مـعـراضـا إذا مـا الـتـوى صـعـبـــا

عزفـاً إذا خـاف الـهـــوان عـــن الـــهـــوى

 

ويأبـى فـلا يعـطـي مـودتــه غـــصـــبـــا

فإن أسـتـطـع أصـبـر وإن يغـلــب الـــهـــوى

 

فمـثـل الـذي لاقـيت كـلـفـنـي نــصـــبـــا

واخترت هذه الأبيات من قصيدة أخرى، وأولها:

أهيج دمعك رسم الـطـلـل

 

عفا غير مطردٍ كالـخـلـل

نعم فاستهـل لـعـرفـانـه

 

يسح ويهمى بفيض سـبـل

ديار الألـوف وأتـرابـهـا

 

وأنت من الحب كالمخـبـل

ليالي تسبي قلـوب الـرجـا

 

ل تحت الخدور بحسن الغزل

من الناهضات بأعجـازهـن

 

حين يقوم جزيل الـكـفـل

كأن الرضاب وصوب السحا

 

ب بات يشاب بذوب العسـل

من الليل خالـط أنـيابـهـا

 

بعيد الكرى واختلاف العلـل

أخذ هذا المعنى جميل منه، فقال:

وكأن طارقها على علل الكرى

 

والنجم وهنا قد دنا لتـغـور

يشتم ريح مدامهٍ مـعـلـولة

 

بسحيق مسك في ذكي العنبر

وفي هذه القصيدة يقول النعمان:

وأورع شـرف حـــازم

 

صروم وصولٍ حبال الخلل

كريم البلاء صبور اللـقـا

 

ء وصافي الثناء قليل العذل

عظيم الرماد طويل العمـا

 

د واري الزناد بعيد القفـل

أقمت لـه ولأصـحـابـه

 

عمود السرى بذمولٍ رمل

مداخلةٍ سـرحة جـسـرةٍ

 

على الأين دوسرة كالجمل

ومن شعراء ولد النعمان بن بشير، ابنه عبد الله بن النعمان، وهو القائل:

ماذا رجاؤك غائبـا

 

من لا يسرك شاهدا

وإذا دنــوت يزيده

 

منك الدنو تباعـدا

ومنهم عبد الخالق بن أبان بن النعمان بن بشير، شاعر مكثر، وهو القاتل في قصيدة طويلة:

وشاد أبونا الشيخ عمر بن عامر

 

بأعلى ذرا العلياء ركنا نـأثـلا

وخط حياض المجد مترعة لنـا

 

ملاء فعل الصفو منها وأنهـلا

وأشرع فيها الناس بعد، فما لهم

 

من المجد إلا سؤره حين أفضلا

وفي غيرنا مجد من الناس كلهم

 

فأما كمثل العشر من مجدنا فلا

وله أشعار كثيرة لم أحب الإطالة بذكرها.
ومنهم شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير، شاعر مكثر مجيد، وهو القاتل من قصيدة طويلة، يعاتب بني أمية عند اختلاف أمرهم في أيام الوليد بن يزيد وبعده، أولها:

يا قلب صبرا جميلا لا تمت حزنـا

 

قد كنت من أن ترى جلد القوى قمنا

يقول فيها:

بل أيها الراكب المزجي مطيته

 

لقيت حيث توجهت الثنا الحسنا

أبلغ أمية أعلاها وأسفـلـهـا

 

قولا ينفر عن نوامها الوسنـا

إن الخلافة أمر كان يعظمـه

 

خيار أولكم قـدمـا واولـنـا

فقد بقرتم بأيديكم بطـونـكـم

 

وقد وعظتم فما أحسنتم الأذنـا

أغريتم بكم جهـلا عـدوكـم

 

في غير فائدة فاستو سقوا سننا

لما سفكتم بأيديكـم دمـاءكـم

 

بغيا وغشيتم أبوابـكـم درنـا

ومنهم إبراهيم بن بشير بن سعد، أخو النعمان، شاعر مكثر، وهو القاتل في قصيدة طويلة:

أشاقتك أظعان الحدوج البـواكـر

 

كنخل النجير الشامخات المواقـر

على كل فتلاء الذراعين جـسـرة

 

وأعيس نضاخ المهـد عـذافـر

نعم فاستدرت عبرة العـين لـوعة

 

وما أنت عن ذكرى سليمى بصابر

ولم أر سلمى بعد إذ نحـن جـيرة

 

من الدهر إلا وقفةً بالمشـاعـر

ألا رب ليل قـد سـريت سـواده

 

إلى ردح الأعجاز غر المحاجـر

ليالي يدعوني الصبـا فـأجـيبـه

 

أجر إزاري عاصيا أمر زاجري

وإذ لمتي مثل الـجـنـاح أثـيثة

 

أمشي الهوينى لا يروع طـائري

فأصبحت قد ودعت كـم بـغـيره

 

مخافة ربي يوم تبلـى سـرائري

وبنت النعمان بن بشير، واسمها حميدة، كانت شاعرة ذات لسان وعارضة وشر، فكانت تهجو أزواجها.
وكانت تحت الحارث بن خالد المخزومي، وقيل بل كانت تحت المهاجر بن عبد الله بن خالد، فقالت فيه:

كهول دمشق وشـبـانـهـا

 

أحب إلي مـن الـجـالـيه

صماحهم كصمـاح الـتـيو

 

س أعيا على المسك والغاليه

وقمل يدب دبـيب الـجـراد

 

أكاريس أعيا على الفـالـيه

فطلقها. فتزوجها روح بن زنباع، فهجته، وقالت تخاطب أخاها الذي زوجها من روح، وتقول:

أضل الله حلمك من غلام

 

متى كانت مناكحنا جذام

أترضى بالأكارع والذنابى

 

وقد كنا يقر لنا السـنـام

وقالت تهجو روحاً.

بكى الخز من روح وأنكر جلـده

 

وعجت عجيجا من جذام المطارف

وقال العباء نحن كنـا ثـيابـهـم

 

وأكـسـية كـدرية وقـطـائف

فطلقها روح، وقال: سلط الله عليك بعلاً يشرب الخمر ويقيتها في حجرك. فتزوجت بعده الفيض بن أبي عقيل الثقفي، وكان يسكر ويقيء في حجرها. فكانت تقول: أجيبت في دعوة روح. وقالت في الفيض:

سميت فيضا وما شيء تفيض بـه

 

إلا بسلحك بين الـبـاب والـدار

فتلك دعوة روح الخير أعرفـهـا

 

سقى الإله صداه الأوطف الساري

وقالت فيه:

وهل أنا إلا مـهـرة عـربـية

 

سليلة أفراس تجللـهـا بـغـل

فإن نتجت مهراً كريماً فبالحـرى

 

وإن كان إقراف فما أنجب الفحل

هكذا روى خالد بن كلثوم هذين البيتين لها، وغيره يرويهما لمالك بن أسماء لما تزوج الحجاج أخته هنداً.
وهي القائلة لما تزوج الحجاج أختها أم أبان:

قد كنت أرجو بعض ما يرجو الراج

 

أن تكحـيه مـلـكـا أو ذا تـاج

إذا تذكـرت نـكـاح الـحـجـاج

 

تضرم القلـب بـحـزن وهـاج

وفاضت العـين بـمـاء ثـجـاج

 

لو كان نعمـان قـتـيل الأعـلاج

مستوي الشخص صـحـيح الأوداج

 

ما نلت ما تلت بخـتـل الـدراج

فأخرجها الحجاج من العراق، وردها إلى الشأم.

نفرت قلوصي من حجارة حرةٍ

 

بنيت على طلق اليدين وهوب

لا تنفري يا ناق منـه فـإنـه

 

شريب خمر مسعر لحـروب

لا يبعدن ربيعة بن مـكـدم

 

وسقى الغوادي قبره بذنوب

لولا السفار وبعد خرقٍ مهمهٍ

 

لتركتها تجو على العرقوب

يقال إن الشعر لحسان بن ثابت الأنصاري، ويقال: إنه لضرار بن الخطاب الفهري.

أخبرني أبو خليفة إجازة عن محمد بن سلام، قال: الصحيح أن هذه الأبيات لعمرو بن شقيق، أحد بني فهر بن مالك. ومن الناس من يرويها لمكرز بن حفص بن الأحنف الفهري ، وعمرو بن شقيق أولى بها.

والغناء لمالك: خفيف ثقيل بإطلاق الوتر في مجرى البنصر .