الجزء السادس عشر - ذكر سديف وأخباره

ذكر سديف وأخباره

هو سديف بن ميمون مولى خزاعة. وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم أنه تزوج مولاه لآل أبي لهب، فادعى ولاءهم، ودخل في جملة مواليهم على الأيام. وقيل: بل أبوه هو كان المتزوج مولاة اللهبيين، فولدت منه سديفاً فلما يفع، وقال الشعر، وعرف بالبيان وحسن العارضة، ادعى الولاء في موالي أبيه، فغلبوا عليه.


وسديف شاعر مقل، من شعراء الحجاز، ومن مخضومي الدولتين، وكان شديد التعصب لبني هاشم، مظهراًلذلك في أيام بني أمية. فكان يخرج إلى أحجار صالإ في ظهر مكة، يقال لها صفي السباب، ويخرج مولى لبني أمية معه يقال له سباب ، فيتسابان ويتشاتمان، ويذكران المثالب والمعايب. ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا. فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح والشجاج، ويخرج السلطان إليهم فيفرقهم، ويعاقب الجناة. فلم تزل تلك العصبية بمكة حتى شاعت في العامة والسفلة. فكانوا صنفين، يقال لهما السديفية والسبابية، طول أيام بني أمية. ثم انقطع ذلك في أيام بني هاشم، وصارت العصبية بمكة في الحناطين والحرارين .


أخبرني عمر بن عبيد الله بن جميل العتكي، واحمد بن عبد العزيز الجوهري، قالا: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني فيلح بن إسماعيل قال: قال سديف قصيدة يذكر فيها أمر بني حسن بن حسن ، وأنشها المنصور بعد قتله لمحمد بن عبد الله بن حسن. فلما أتى على هذا البيت:

يا سوءتا للقوم لا كفـوا ولا

 

إذ حاربوا كانوا من الأحرار

فقال له المنصور: أتحضهم علي يا سديف؟ فقال: لا، ولكني أؤنبهم يا أمير المؤمنين.
وذكر ابن المعتز أن العوفي حدثه عن أحمد بن إبراهيم الرياحي قال: سلم سديف بن ميمون يوماً على رجل من بني عبد الدار. فقال له العبدري: من أنت يا هذا؟ قال: أنا رجل من قومك، أنا سديف بن ميمون. فقال له: والله ما في قومي سديف ولا ميمون. قال: صدقت. لا والله ما كان قط فيهم ميمون ولا مبارك.

لعمرك إنني لأحـب دارا

 

تكون بها سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالـي

 

وليس لعاتب عندي عتاب

الشعر للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام. والغناء لابن سريج: رمل بالبنصر. وفيه للهذلي ثقيل أول بالسبابة، في مجرى الوسطى، عن إسحاق. كان محمد بن بشير الخارجي من أهل المدينة، وكانت له بنت عم سرية جميلة، قد خطبها غير واحد من سروات قريش، فلم ترضه. فقال لأبيه: زوجنيها. فقال له: كيف أزوجكها وقد رد عمك عنها أشراف قريش فذهب إلى عمه فخطبها إليه، فوعده بذلك، وقرب منه،. فمضى محمد إلى أبيه فأخبره، فقال له: ما أراه يفعل. ثم عاوده، فزوجه إياها. فغضب الجارية، وقالت له: خطبني إليك أشراف قريش فرددتهم، وزوجتني هذا الغلام الفقير؟ فقال لها: هو ابن عمك، وأولى الناس بك. فلما بنى لها جعلت تستخف به وتستخدمه، وتبعثه في غنمها مرة، وإلى نخلها أخرى. فلما رأى ذلك من فعلها قال شعراً، ثم خلا في بيت يترنم به ويسمعها. وهو:

تثاقلت أن كنت ابن عم نكـحـتـه

 

فملت وقد يشفى ذوو الرأي بالعذل

فإنك إلا تتركي بعـض مـا أرى

 

تنازعك أخرى كالقرينة في الحبل

تلزك ما اسطاعت إذا كان قسمهـا

 

كقسمك حقا في التلاد وفي البعل

متى تحمليها منك يومـا لـحـالة

 

فتتبعها تحملك منها على مـثـل

قال: فصلحت، ولم ير منها بعد ما سمعت شيئاً يكرهه.

علام هجرت ولم تهجري

 

ومثلك في الهجر لم يعذر

قطعت حبالك من شـادنٍ

 

أغن قطوف الخطا أحور

السعر لسديف مولى بني هاشم: والغناء لأبي العبيس بن حمدون. خفيف ثقيل بالسبابة والوسطى.